كريستوف كيشلوفسكي في "الجونة"!
علياء طلعت
الجونة (مصر) – خاص بـ "منصة الاستقلال الثقافية":
من تصميم مهندس الديكور أُنسي أبو سيف الذي اشتهر بمشاركته
في مجموعة من أهم الأفلام المصرية، مثل "الكيت كات" و"اسكندرية كمان وكمان"
و"أرض الخوف"، كان جمهور مهرجان الجونة السينمائي بنسخته الخامسة، وفي يومه
الثالث، على موعدٍ مع معرض "كريستوف كيشلوفسكي"، ويضمّ بعضاً من ملصقات
أفلامه المطبوعة والمرتَّبَة، تبعاً للسياقات الخاصة بعرضها، مثل ثلاثية
الألوان الشهيرة: أبيض وأحمر وأزرق التي ستُعْرَض خلال أيام بالمهرجان،
وغيرها من الفعاليات في إطار تكريم المخرج البولندي الراحل، الملقَّب
بـ"شاعر السينما المهموم بالوطن".
في مدخل المعرض صورة عملاقة لكيشلوفسكي بعيون مهمومة
مُتْعَبَة، وبذات الهيئة التي ظهر بها في الفيلم التسجيلي الذي صُوِّرَ معه
قبل وفاته، وعُرِضَ بعدها بعامين
(Krzysztof Kieslowski - I'm so-so)،
والذي يُعرَض كذلك بمهرجان الجونة، وفيه فَتَحَ المخرج البولندي قلبَهُ إلى
أحد مساعديه السابقين كريستوف ويرزبيكي، متحدِّثاً عن بداياته في الإخراج،
وكيف شكَّلَتْ السياسة السينما البولندية في سبعينيات القرن الماضي، عندما
بدأ العمل، وما بعدها.
بولندا، التي عاشت في تلك الفترة تحت مظلّة الحكم الشيوعي،
كانت المموِّل الوحيد لفن السينما، ودعمت الهيئات الثقافية مخرجين مختلفين
منهم كيشلوفسكي، ولكن تحت رقابة صارمة.
الكثير من الفنانين استطاعوا تخَطّي هذه الرقابة بتقديم
أعمالٍ تحمل دوماً الكثير من المضامين، بعضها سطحيّ مقدَّم للهيئات
الرقابية حتى يمر من تحت مقصاتهم الصارمة، وأخرى ليفهمها الجمهور وحده.
واستعرض المعرض على جدارٍ عملاق من بين جدرانه مراحلَ حياة
كريستوف كيشلوفسكي، منذ طفولته البائسة، حيث وُلِدَ في قلب الحرب العالمية
الثانية، ونشأ بعدها متجوّلاً مع عائلته بين القرى والبلدان المختلفة،
متنقّلين من مصحّة علاجية إلى أخرى، حيث أُصيبَ والدُهُ بالسُّل، وتوجَّبَ
على العائلة مرافقَتُهُ للعلاج، بينما يُمضي كريستوف وشقيقته أيامَهما في
مصحّات للأطفال الفقراء الذين يُعانون مشاكل صحية مختلفة.
وتَبرُزُ في المعرض صورُهُ الشخصية في بدايات شبابه، عندما
بدأ دراسة السينما في المعهد البولندي المتخصِّص، والذي رفَضَهُ لمرتين، ثم
قبِلَهُ في المرة الثالثة، ربما لإصراره الكبير، كما كان تندُّر كيشلوفسكي
نفسه، وبعد هذه الدراسة بدأ في صناعة الأفلام التسجيلية، التي كانت بعضُها
بتوجيهاتٍ مباشرةٍ من المصالح الحكومية، منها فيلمه للترويج لمناجم النحاس
على سبيل المثال، وتوقُّفه عن صناعة الأفلام التسجيلية بعد ذلك واتجاهه إلى
الروائية منها.
وبعد ذلك صوَرُهُ كهلاً مرتدياً النظّارة العريضة، بعدما
حقَّقَ نجاحات كبيرة داخل بولندا وخارجها، ونال اعترافاً عالمياً، وفي
نهاية المعرض جدارٌ كاملٌ مخصَّص لجوائز المخرج، من مهرجانات كان وبرلين
وجوائز الأوسكار والبافتا، ثم شاشة سينمائية عملاقة يُعْرَض عليها بصورة
مستمرة فيلم
(Krzysztof Kieslowski - I'm so-so)،
أو "كريستوف كيشلوفسكي: أنا بين بين".
اختتم كريستوف كيشلوفسكي حياتَهُ المهنيّة بثلاثية الألوان،
التي ستُعْرَض كذلك خلال فعاليات مهرجان الجونة، وهي أفلام تتناول بشكلٍ
أساسيٍّ ثلاثة معانٍ أراد التعبير عنها عبر الصورة: الحرية والإخاء
والمساواة، المبادئ الثلاثة التي قامت عليها الدولة الفرنسية، رابطاً بينها
وبين ألوان العلم الفرنسي، وقد كُتِبَتْ الثلاثية وصُوِّرَتْ بشكلٍ
متزامنٍ، وعلى الرغم من أن طاقم التمثيل في كلٍّ منها مختلفٌ عن الآخر، إلا
أنَّ هناك رابطاً ما يجمعها.
وهي ليست المرة الأولى التي يقدّم فيها كيشلوفسكي مفاهيمَ
نظريةً عبر أفلامه، وحاول التعبير عنها بالصورة، فقد سبَقَت الثلاثيةَ
أفلامُ الوصايا العشر، وهي عشرة أفلام يتناول كل واحدٍ منها إحدى الوصايا،
ولا يجمع بينها فقط الموضوع الديني، لكن بعض الخطوط الصغيرة بالمفهوم
الدرامي، علاوةً على ذلك المرور للممثّلين من فيلم لآخر، وحتى التصوير في
المكان نفسه ولأكثر من مرة، ليصنع عالماً منفصلاً لكن متكاملاً عبر عشرة
أفلام مختلفة.
يحتفي مهرجان الجونة السينمائي بكريستوف كيشلوفسكي بمناسبة
مرور 25 عاماً على وفاته، متيحاً لزوار المهرجان ومحبّي السينما القادمين
من مختلف قارات العالم فرصةً للتعرُّف عليه، ومشاهدة أهم أعماله على الشاشة
الكبيرة. |