برهان علوية... فنان الحياة فيلمنا المستمر
المدن - ثقافة
هنا بعض الفسبكات التي قيلت في رحيل المخرج اللبناني برهان
علوية...
عباس بيضون
برهان علوية قرأت نعيه الآن. منذ عاد برهان الى بلجيكا، لم
اعرف عنه شيئا. اليوم اقرأ نعيا رسميا له وكأنه مات من زمن او كأنه يتابع
موتا قديما. لا اجد ما أقوله في رجل كان دائما اكبر مما يقال فيه وقد اختفى
عنا منذ زمن وكبرنا في غيابه وصرنا كبارا وكأننا نحن الذين غبنا او اننا في
الأساس لم نستحقه. لقد وجدنا في برهان حين تعرفنا عليه، ليس فقط الفنان،
ولكن ايضا الإنسان الذي يوازيه ويبدو وكأن له من الاستمرار بحيث يمكننا ان
نتصوره دائما بالحجم نفسه الذي، لا بد، دام عليه. كان برهان هو الفنان الذي
لم يعد يحتاج الى انتاج فن ليكون كذلك. هو كذلك حتى قبل فنه وقبل افلامه،
وهو كذلك اثناءها وبعدها. انه الفنان بما هو شخص وبما هو انسان وبما هو
بالطبع مخرج لكنه في غيابه الذي بدأ منذ عاد الى بلجيكا فنانا دائما ويبقى
بالنسبة لنا فيلمنا المستمر...
حسن داوود
كان يجب ان يرسل برهان علوية صورة اخيره له على الأقل. ذاك
ان غيابه المديد ابقاه كما هو في بعض سنوات الثمانينات حين كنا نحتفل
بأفلامه وبحضوره بيننا. لا تنسى تلك السهرة التي كنا فيها كثيرين نحيي منع
التجول طيلة الليل. كانت تلك السهرة المتحدية للحرب فكرته، وهو صوًًرها
بكاميرته متنكرا مثله مثل الساهرين جميعهم. كان يتفنن في الحياة كما يتفنن
في السينما. كان يجب ان يحتفظ احد منا بالفيديو لنعيش ثانية، او لنعيش
تكرارا، سهرة برهان تلك.
غاب عنا برهان سنوات كثيرة انتهت بغيابه الأخير. اذ نودعه
نتذكر اننا كنا سعداء حيث لا يجب، او حين لا يجب، وانه لو كان هنا بيننا
الآن، لاستطاع ربما ان يفعل شيئا.
منى غندور
حين أرغمتني أمي على الزواج من تييري زواجاً إسلامياً
لإرضاء أبي، وبعد إقناع تييري بأن هذه المغامرة لن تضيف ولن تنقص في حياتنا
شيئاً، هي رشوة إجتماعية نسكت فيها أمي ونرضي فيها أبي...
لم نتردد أنا وتييري في اختيارك كشاهد على زواجنا، برهان
علوية ومن لنا غيره، وكان طلال حيدر الشاهد الثاني، كان اختيارهما من دواعي
سرور أمي الشيعية حتى النخاع وآخر همنا حتى النخاع...
كنا كمن يذهب إلى مغامرة ضحيتها تييري، الذي همس لي في
حينها أحس كأني خروف يساق إلى المجهول..
حين بدأ الشيخ السني في قراءة الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، ردد برهان وطلال من بعده وأشهد أن عليا ولي الله.
سكت الشيخ لبرهة ممتعضاً من التعقيب، في حين أن أمي لم تخف
فرحتها بشهودها الشيعة،
سألنا ماذا اخترتم كإسم إسلامي، انتبهنا إلى أننا لم ننتبه
لهذه المعلومة عرض علينا أسماء كعثمان وأبو بكر وعمر وبلال، إلا أن برهان
اختار زين العابدين، فهتفنا فرحاً بالإسم زين الذي حاز على إعجابنا وليس
على إعجاب الشيخ.
حين خرجنا من الجامع، سأل تييري برهان من هو زين العابدين،
فأجابه برهان إمام من أهل البيت كان ورعا تقياً لا يترك الصلاة، ولا يقرب
الخمر...
لا أنسى تييري وهو يصرخ في وجوهنا، لقد نصبتم لي فخا ونحن
نضحك حتى الدمع، وبرهان يقول له أشكر ربك لم نطلب منك مؤخراً في حال الطلاق
سوى نسخة من القرآن..
حكاية من حكايات كثيرة مع برهان علوية.
سلم على زين العابدين يا صديقي وأخبره أني عالقة بين عالمين
الحياة وموت الأحبة.
سعود المولى
وداعًا برهان أيها الطيب الثاقب النظر الحساس اللماح
المناضل.
التحق برهان برفيقيه مارون بغدادي وجان شمعون
وقد انتموا إلى ذلك الجيل من اليسار الثوري الجديد الذي
ارتبط بالثورة الفلسطينية وقضايا الكادحين
وكان وجه لبنان وفلسطين في كل المحافل والمنتديات الثقافية
والفنية
.
بعد فارس ساسين وجبور دويهي وجورج ناصيف.
يأتي رحيل برهان علوية ليزيد من قتامة هذا الليل الطويل
الذي نعيشه.
بهيج حجيج
برحيل برهان علوية نفقد الصديق الوفي، المخرج الكبير،
المفكر الفذ، الثوري الملتزم الصادق وكيف لا وهو الذي كان يردد امامي
دائما: الصدق
La sincérité
هو الشرط الأساسي لأي عمل فني ناجح.
تعرفت على برهان بعد دراستي السينمائية في باريس وكنت من
المعجبين جدا بفيلمه الرائع كفرقاسم. ثم أختارني واحد من مساعدي الأخراج في
فيلمه "بيروت اللقاء" الذي يعبر عن حبه الكبير لبيروت التي كانت مزنرة
بالنار في تلك الفترة قبل ان تصبح اليم غارقة بالركام والدمار. بقيت
صداقتنا دائمة رغم مرور السنين ورغم المسافة الجغرافية التي كانت بيننا.
اتصلت به منذ حوالي الشهر للأطمئنان عنه فأجابتني اولا زوجته الصديقة زينة،
ثمّ كلمني هو بصوت متهدج وعاطفي وأبدى رغبته لمشاهدة فيلمي "غود مورنينغ"
مع انه كان يشكو من مشكلة في النظر كما أخبرني. اليوم أقول له "غود باي" يا
أهم صديق ومبدع تعرفت عليه في حياتي.
زياد ماجد
لم أرَ برهان علوية منذ زمن طويل.
لكن الرجل الودود واللمّاح، الذي يخفي شارباه الكثيفان بعض
ابتساماته، يخطر على بالي دورياً كلّ ما ركبت المترو وتنقّلت في جوف باريس
ذهاباً وإياباً. ذلك أن سؤاله في أحد أفلامه عمّا إذا كانت الحرب الأهلية
لتقع في بيروت أو لتأخذ مسالك وخطوط تماس مختلفة لَو كان في المدينة مترو
وأنفاق متعرّجة، سؤال ظريف وثاقب وحمّال احتمالات وأجوبة كثيرة، وعدته مرّة
أن أكتب عنها أو أن أنظّم حواراً حولها، ولم أفعل...
وداعاً عزيزي برهان. رحيلك انطفاءٌ آخر في عتمة بلدنا
المنهوب.
شربل فارس
وبعد صمت طويل رحل المخرج السينمائي برهان علوية، وبعدما
صوَّر فيلم مجزرة "كفرقاسم" التي ارتكبها الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين...
توقف قليلًا... ثم نظر الى السماء وصوَّر فيلم "لا يكفي أن يكون الله مع
الفقراء". واليوم صعد الى السماء ليصوِّر فيلمًا تراجيديًا عن الله.
عواطف الزين
لم ألتق برهان علوية المخرج اللبناني المبدع ولا مرة لكنه
كان يعيش في ذاكرتي وذائقتي السينمائية كمخرج لبناني مميز ومبدع عاصر ووثق
على طريقته وبأسلوبه جانبا من الحرب اللبنانية عبر فيلميه "بيروت اللقاء"
و"اليك اينما تكون" وغيرهما الى جانب اهتمامه بقضايا عربية اخرى كقضية
فلسطين حيث جسد هذا الاهتمام من خلال فيلم كفر قاسم الذي تناول فيه بحرفيه
سينمائية وانسانية مذبحة كفر قاسم...
كان آخر حضور صوتي للمخرج الراحل برهان علوية في السينما عبر فيلم "اليوم
الخامس" لفرح الهاشم الذي تحدث فيه عن التأثير السلبي للسينما على
المخرجين مما يدفع بهم الى الاحباط او إنهاء حياتهم كما حدث مع شانتال
اكريمان وجون موستاش.
رحم الله المخرج اللبناني برهان علوية وأسكنه فسيح جناته.
نبيل الملحم
في فيلمه "خلص" حكى برهان علوية عن "خيار الحرب"، ومعه
(ذاك الخيار)، هزيمة جيل تحوّله الحرب من مقتول إلى قاتل لتغدو المعادلة
"القاتل ـ الضحية"، وتكون النتيجة عراة بلا حد، حفاة بلا حد، قتلى بما
يتجاوز الحدود.
رحل برهان علوية ومازال "خيار الحرب"، عار الحرب، وهزائم
الحروب، ومازلنا نرى الخلاص "من فوهة بندقية".. يعني (ما خلص).
ليتها بندقية.. بندقية بلا فشك ومقاتل لايتقن التصويب..
يحيى جابر
هاتفني أحد الأصدقاء الممثلين الكبار وتبادلنا الرحمة على
السينمائي الراحل برهان علوية.. ثم سألته" وينك" قال لي. معي كانسر
سرطان... يا يحيى وأنا هلق بالمستشفى. وعم فتش عالدواء.. شجعته شجعني ثم
رحنا نضحك ونتبادل الطرائف عن بلادنا المريضة التي حولتنا من ممثلين الى
مساخر.. من ملوك الى متسولين نفتش عن دواء للسرطان. سكرنا الخط ضاحكين. لكن
البكاء كان في الكواليس.
ريم الجندي
كانت صيفيات أرنون اكتر متعة لما يكون فيها خالي برهان..
كان يقرا معي الجريدة ويحكيني عن الفن والكتب والسينما كحدا ناضج مش كطفلة
عمرها شي ٦ سنين... الأثر اللي تركه بطفولتي كان أساسي للشي اللي عملته ع
كبر.. مش وداعاً برهان علوية.
نادي لكل الناس
فارقنا اليوم، في بروكسيل، بعد أن أقعده المرض أعواماً
طويلة، السينمائيّ اللبنانيّ الكبير برهان علويّة المولود في أرنون، جنوب
لبنان، سنة ١٩٤١.
درس الراحل السينما في بروكسيل وتخرّج من معهدها في سنة
١٩٧١. وكانت باكورة أعماله فيلم "كفر قاسم" (١٩٧٤) الذي أظهر موهبته بوضوحٍ
ممهّداً له موقعاً بارزاً بين المخرجين الطليعيّين في دنيا السينما
العربيّة. تبعَ هذا العمل، في ما يزيد عن ثلاثين سنةً، نحو من عشرة أفلام
أخرى بعضها روائيّ وبعضها تسجيلي. وقد عرض معظمها في مهرجانات عالميّة ونال
جوائزَ أو رُشّح لجوائز. وأبرز أفلامه الروائيّة، فضلاً عن "كفر قاسم"
الفلسطينيّ المدار، "بيروت اللقاء" (١٩٨١) وتدور وقائعه في مناخ الحرب
اللبنانيّة التي استأثرت بأعمال أخرى لعلويّة تتّسم كلّها، على الرغم من
توزّعها بين النوعين التسجيليّ والروائيّ، بطابع وجدانيّ جامع يمنحها أفقاً
إنسانيّاً عامّاً أرحبَ كثيراً من الموضوع المباشر لكلٍّ منها. نشير، على
الخصوص، إلى "رسالة من زمن الحرب" (١٩٨٥) و"رسالة من زمن المنفى" (١٩٩١)
و"إليك أينما تكون" (٢٠٠١) وإلى العمل الروائيّ الأخير لعلويّة وقد سمّاه،
بما يشبه النبوءة، "خَلَص!" (٢٠٠٧).
هذا الحضور للبنان وقضيّته، في أعمال علويّة، لم يحُل
البتّة دون ارتياد المخرج آفاقاً عربيّة وجد فيها بعضاً من مشاغل جيله
البارزة. فبعد "كفر قاسم" الفلسطينيّ، كرّس علويّة اثنين من أعماله
التسجيليّة لموضوعين مصريَّين: "لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء" (١٩٧٨)
للمهندس المصري الكبير حسن فتحي ولمشروعه الإعماري والمعماري، و"أسوان"
(١٩٩١) للسدّ العالي ووقعِه على محيطه البشريّ وبيئته.
من البدءِ، كانت أعمال برهان علويّة تدرِج نفسها في صفّ
السينما الملتزمة وذلك بانشغالها بقضيّة الحرّيّة وبكشف القوى الغاشمة التي
ترزح، على اختلاف مصادرها، على مصائر الأفراد والجماعات. ولكنّ هذا
الالتزام يبقى بعيداً، عند علويّة، عن مجرّد الوعظ أو التحريض، إذ هو يحفظ،
بوجدانيّته على التحديد، صفته الإيحائيّة الرهيفة وفرادة أشخاصه، مراعياً
حرّية المُشاهد ومحافظاً على الطموح الجماليّ للعمل بأبعاده كافّةً.
في الأسلوب، امتازت أعمال علويّة، على الخصوص، بالتقريب ما
بين الصورة السينمائيّة والصورة أو اللوحة المنتمية إلى فَنّيّ التصوير
الآخرين: الفوتوغرافي والتشكيلي. فإنّ البطءَ الذي يطبع الشريطَ البرهانيّ
يمنح الصورة ما يكفي من الوقت لتتّخذ لنفسها نوعاً من الشخصيّة القائمة
برأسِها. هكذا تغدو مشاهدة الشريط شبيهةً، على نحوٍ ما، بزيارةٍ لمتحفٍ أو
لمعرض...
يجد
"نادي لكلّ الناس" نفسه شريكاً بين الأقربين في المصاب ببرهان علويّة. فإنّ
اهتمام النادي بإعادة أعمال هذا السينمائيّ الكبير إلى التداول وبترميم
بعضها قد أنشأ بين برهان علويّة وبين النادي وأعضائه علاقة محبّة شِبْهَ
عائليّة. فنحن، بصفتنا هذه، نشارك عائلة الفقيد وسائر محبّيه وعارفي فضله
وأهل السينما في النطاقين اللبنانيّ والعربي شعورهم بالخسارة.
برهان علويّة باقٍ بأعمالهِ، باقٍ في قلوب محبّيه. |