على مفيش ...ريش
الهام عبدالعال
رغم كل ما أثاره من ضجة يظل "ريش" هو فعلا "ريش على مفيش"
كما يقول المثل، فالعمل الفني مكتوب او مقروء أو مصور له معايير نستطيع من
خلالها أن نقول انه عمل جيد او غير جيد وفي حالة هذا العمل لا سيناريو ولا
حوار و لا تصوير ولا تمثيل..
مشاهد متتالية البطل فيها جميعا هو "القبح و القذارة" قذارة
المكان والاشياء وقبح السلوكيات والأخلاق...
ففي بداية الفيلم يظهر الزوج المتسلط داخل البيت الذي يتسم
بالفقر والقذارة الشديدة وكأن الفقر يعني قذارة الحوائط و الاثاث.. وتظهر
الزوجة البائسة المستسلمة التي لا تنطق بكلمة واحدة.
هو قد اغلق على جنيهاته القليلة داخل علبة معدنية صغيرة
سوداء لها مفتاح. وهذه العلبة الحديدية الصغيرة وضعها داخل دولاب حديدى
اسود عليه بقع لبقايا دهان ابيض قديم. في داخل حجرة زجاج نافذتها مهشم
ليضيف إلى قذارة الحوائط والأثاث بؤسا فوق بؤس.
يخرج الزوج من خزانته السوداء التي لا يتعدى حجمها كف يد
واحدة جنيهات قليلة يضعها في يد زوجته البائسة مع تعليماته الواضحة بنوعية
الطعام وبشكل حازم مشوب بابتسامة اللامبالاة "النهاردة وبكرة بتنجان" رمزا
للفقر الشديد.
تأخذ الزوجة الجنيهات القليلة وتصمت، بلا اي رد فعل او كلمة
اعتراض.. فقط نظرات قهر وبؤس.
في اليوم التالي يشتري الأب نافورة ويضعها في ركن البيت
ويقول لزوجته انها "حلوة وشيك" نافورة في وسط فقر وقذارة شديدة…
ولإننا عندما درسنا النقد تعلمنا أن العمل الفني
مكتوب او مصور لا يخلو من معان واسقاطات على واقع حتى وان كان يتناول فكرة
خيالية، فإن بعضنا قد يرى في هذا المشهد اسقاطا سياسيا خاصة مع التعرف على
خلفية مخرج العمل.
فيبدو الأمر وكأن هذه المشاهد فيها اسقاط على الحكومة
المصرية التي يراها اصحاب إتجاه بعينه تقتر على الشعب وترفع اسعار كل
الخدمات شديد في حين تقيم مشروعات "حلوة وشيك" وسط ما يصفونه بأنه مستنقع
من الفقر بحسب وجهة نظر أصحاب هذا التيار.
يجلس الزوج ليشاهد التليفزيون مع اطفاله ويقول لهم انه سوف
يعمل ليكسب اموالا كثيرة ويشتري لهم فيلا فيها حمام سباحة وبلياردو… وهنا
رمز للوعود الكبيرة والبعيدة تماما عن قدرات من اطلقها والتي لن تتحقق خلال
احداث الفيلم.
ويخرج الزوج ولا نعرف شيئا عن شخصيته او عمله، لكننا نراه
في الصباح وهو يعود الى الدولاب ليفتح خزانته الصغيرة ويعطي زوجته
الجنيهات القليلة ومعها جملة "موش عاوز لخبطة بكرة" ولا يفصح عن ما سيحدث
بكرة.
وفي المشهد التالي الزوج يعلق زينات في البيت ويجهز
لاقامة حفل عيد ميلاد الإبن، بحضور بعضا من معارفه.
موسيقى صاخبة ليرقص الضيوف واثناء رقصهم تستعرض الكاميرا حالة من الفقر
المدقع في الاجساد والملابس للجميع فالأجساد نحيفة والملابس مهترئة، وبينهم
رجل يرتدي فقط "فانلة داخلية قديمة" وهو نوع من المبالغة الشديدة لاظهار
الفقر والبؤس.
لكن هؤلاء البؤساء يرقصون ولا تدري ايرقصون فرحا أم حزنا
وكأنهم مغيبون.
اثناء الحفل تدخل الزوجة وهي تحمل تورتة عيد الميلاد وتضعها
في صمت وكأنها ضيفة بين الضيوف.. لا تتحدث ولا تبدي اية مشاعر.
على جانب من البيت يجلس الزوج الى جوار ضيف مهم يبدو أنه
مديره في العمل ويبدو الزوج سعيدا بالضيف وبالحفل وإلى جوارهم النافورة
ليكرر للضيف الجملة ذاتها "حلوة و شيك" متجاهلا القذارة المحيطة به وكأنه
غير مدرك لواقعه وغير عابئ بمعاناة اسرته.
يخرج الضيف المهم بعض النقود ليعطيها للطفل
كهدية فيأخد الأب المبلغ من الطفل ويدخله في جيبه،
وهنا تبدو اشارة رمزية الى أن هذا الحاكم بأمره الطاغية يحرم الاسرة من هذا
المال ويستولي عليه لنفسه.
يخرج الضيف المهم بعد انتهاء الزيارة
ويدخل الساحر الذي أتى به الزوج ليبهر ضيوفه من الفقراء، فيقدم الساحر بعض
الالعاب البسيطة وينبهر الحضور،
ثم يصر الساحر على ادخال الزوج في صندوق فيحوله إلى دجاجة ولا يستطيع
اعادته ثم يدخل الساحر مع الجميع الى دورة المياة ذات الحوائط القذرة
ليهمهم انه سيعيد الدجاجة رجلا ثم يفشل ويخدع الجميع ويهرب مع مساعده.
اختيار المخرج الدجاجة لا يمكن ان يمر دون ربطه بمعنى
الدجاجة عند الغرب الذي انفق لانتاج الفيلم واعطاه الجائزة.
الدجاجة عند الغرب هي رمز للجبن حتى ان قول احدهم للآخرyou
are chicken.
هي نوع من الشتائم التي تعني انت جبان. هنا يكون اختيار الدجاجة مقصودا
للدلالة على جبن هذا الرجل المتسلط ورمزا لضعف صاحب السلطة المتحكم فى قوت
من يحكمهم..
يستمر الفيلم ببحث الزوجة عن الساحر في الاماكن المختلفة مستعينة باحد
زملاء زوجها في سيارة قديمة متهالكة وفي اماكن خربة فيظهر هؤلاء المتسولون
او السحرة بملابس بالية ومعهم القرد الذي يستخدم من قبل بعض المتسولين في
المناطق الشعبية ليقدم به صاحبه بعض الالعاب ويتسول بعض المال.
ولا يبدو للقرد او اصحابه اي دور في القصة سوى اظهار مزيدا
من الفقر والقذارة.
والفيلم الذي يفتقر الى وجود قصة لها حبكة روائية، او
سيناريو جذاب او حوار مقنع يستمر في استعراض مزيدا من البؤس والسواد.
تظهر الزوجة بين بيتها البائس ومحاولاتها العمل وفي كل
محاولة لها للعمل تجد صعوبات وجفاء وسوء معاملة،
وعندما تجد عملا في احد المنازل تسرق بعض الطعام فيتم القبض عليها من قبل
اصحاب المنزل ويتم طردها لعدم أمانتها.
ولا يظهر هنا هل اراد المخرج أن يجعل الفقر مبررا للسرقة أم
اراد أن يقول لنا أن هذه الزوجة ليست افضل من هؤلاء المحيطين بها ليصور
الجميع كشخصيات سيئة ليس بينها شخصية واحدة سوية.
ولم يفت المخرج ضمن ما ساقه من شخصيات منحرفة- بينها الزوج
المتسلط وصديق الزوج الذي ساومها على نفسها ولفظته وهؤلاء الذين لم يترفقوا
بها بعد ان تراكمت عليها الديون - وما استعرضه من قبح، لم يفته ان يسجل
لقطة تعيين الطفل ابن هذه الاسرة والذي لم يتخط عشر سنوات مكان والده في
المصنع الذي كان الاب يعمل به.
وهنا في هذه اللقطة اشارة مقصودة إلى عمالة الاطفال.
ثم يأتي الدور لاستعراض قسم الشرطة ضمن سلسلة السلبيات
المصورة، وفجأة وبعد الموافقة على تعيين الطفل مكان والده ليحصل على
راتبه، يطلب مسؤول المصنع من الزوجة أن تحرر محضرا بغياب زوجها وهو الطلب
الذي كان يجب ان يطلبه في بداية التفاوض حول عملها او عمل طفلها. لكن يبدو
ان المخرج تذكر فجأة انه نسي تصوير احد المشاهد داخل قسم الشرطة فوضع هذه
الجملة.
تذهب السيدة الى القسم لتحرير المحضر وتتعرض لمعاملة فيها
قدر من الاهمال فيقول لها المسؤول عن عمل المحضر "روحي استني هناك" لتقف
الى جوار حائط، لكن تظهر مساوئ قسم الشرطة في المفاجأة، حيث تفاجأ الزوجة
بوجود زوجها محبوسا داخل القسم في حالة قذرة وسيئة صحيا وجسديا فتأخذه الى
البيت وتبحث عن كيفية علاجه.
ويعرض لنا الفيلم المشهد وهي تنظفه
ويأتي الطبيب ليخبرها ان رعايتها له غير كافية وينصحها بالذهاب به الى
المستشفى.
لكنها تكون قد ملت من عبئ الاهتمام به مع مسؤولياتها في
العمل لتدبير قوت اولادها.
وتظهر في النهاية وهي تضرب وجه زوجها فاقد الوعي عدة مرات مطالبة اياه ان
يفيق او ينطق، ثم تضع على رأسه الوسادة المهترئة لتكتم انفاسه وتقتله.
الفيلم
وهكذا ينتهي الفيلم الذي افتقد الى كل عناصر الفيلم
السينمائي والفيلم التسجيلي معا...
فالفيلم التسجيلي يعتمد على تسجيل احداث حقيقية بشخصيات
حقيقية وفي ازمنة حقيقية او بالاشارة الى شخصيات حقيقية حتى لو تم تجسيدها
بممثلين.
والفيلم السينمائي يعمل على تجسيد قصة مكتوبة لها حبكة و
بداية وتصاعد درامي ونهاية وفيها سيناريو وحوار من خلال ممثلين يتقنون
تجسيد المشاعر والاحداث..
لكننا هنا أمام اختيار شخصيات حقيقية لتسجيل مشاهد ملفقة
لتبدو مشاهد حقيقية.
اختيار اسرة مسيحية صعيدية حقيقية لتجسد حالة من الفقر
الشديد ودراما سوداوية قد تتنافى واي واقع فقير عاشته البشرية، فمهما كان
الفقر لايمكن ان يكون الفقر مرتبطا بالقذارة المادية والاخلاقية بهذا
الشكل، ومهما كان الواقع قاسيا لابد من بعض النماذح الايجابية ونقاط الضوء.
اختار المخرج محافظة المنيا حيث تتفجر بين وقت وآخر احداثا
طائفية بسيطة وكأنه يريد أن يؤكد أن هناك يوجد اضطهاد وافقار لهؤلاء، رغم
ان اغنى اسرة في مصر هي اسرة مسيحية من صعيد مصر.
التمثيل
افتقرت البطلة الى ادنى مستوى للتعبير، فلم نرى لها سوى وجه
واحد بائس بلا اية انفعالات، فلم تصرخ او تعلق على تحول زوجها لدالى دجاجة،
ولم نسمع لها صوتا سوى في جمل قليلة خالية من الاحساس والانفعال.
الموسيقى
لم تكن هناك موسيقى تصويرية تسهم في تجسيد الاحداث، فقط
مقاطع من اغنيات لا تعبر كلماتها ولا الحانها عن المشاهد التي زج بها فيها.
الديكور
اعتمد الديكور على اظهار القذارة في كل شئ و كل مكان،
فالبيت قذر، ومكان العمل ومشاهد تقطيع لحم راس عجل وقطع لحم ودجاج مدبوح
ودماء تسيل وكل مكان دارت فيه الاحداث كلها كانت تتسم بالقذارة.
التصوير
بدا التصوير غير محترف فالمشاهد لها زوايا غير واضحة تركز
على اشياء دون الاشخاص وردود افعالهم.
الكفكاوية
واذا كان البعض ينسب هذا العمل الى الواقعية السريالية التى
اشتهر بها الاديب التشيكي فرانس كافكا والذي ظهر نهايات القرن التاسع عشر
وبدايات القرن العشرين وكتب عدة اعمال بالالمانية كلها تناولت الواقعية
العبثية السريالية، فإن ما عايشه كافكا من ظروف الحرب العالمية الاولى
واثارها المدمرة كان له تاثيره على كتاباته التي امتلات بالعقد النفسية
ومات عن عمر اربعين عاما.
و نحن لسنا في ظروف الحرب العالمية .
ما علاقة الفقر بالقذارة؟
عرفنا بيوتا فقيرة كثيرة ولم نرها ابدا قذرة، بل على العكس
يحرص اصحابها على اظهارها غاية في النظافة حتى وان كانت في عمق الريف.
يقول علماء النفس أن مثل هذه الاعمال السوداوية تنشر الكآبة
واليأس في المجتمع، وتزيد من الشعور بالبؤس وتؤثر على الروح المعنوية
والقدرة على العمل والانتاج؟
اهمية السينما
هل رأينا فيلما امريكيا او صينيا او هنديا او تركيا يصور
مثل هذا السواد القاتم القذر؟
للأسف أن من يعش خارج مصر وحده يعلم كيف تؤثر السينما
والمسلسلات في ترسيخ صورة ذهنية لدى غير المصريين عن مصر.
للأسف السينما والتليفزيون فعلا لهما تأثيرهما في رسم
الصورة لدى المشاهد الاجنبي.
ولو لم يكن الفن مؤثرا لما حرصت الولايات المتحدة على تصوير
الحرب على العراق تليفزيونيا بشكل مبهر يرسخ في الأذهان فكرة القوة
الخارقة.
ولما حرصت على انفاق عشرات، بل ومئات الملايين من الدولارات
لانتاج افلاما
سينمائية تحكي قصص بطولات للجيش الامريكي ومؤسسات الدولة الامريكية.
ولو لم تكن الدراما لها اهميتها في رسم صورة للدولة لما
ركزت تركيا على تصدير قصص حب عبر افلامها ومسلسلاتها على مضيق البوسفور
وكأن كل تركيا بجمال هذا الجزء منها رغم ان تركيا بها اماكن شديدة الفقر.
للفن وظيفة هامة ومؤثرة خاصة للدول التي ترغب في جذب
السياحة والترويج للاستثمار.
ومعروف موقف الغرب وتصيده للاخطاء في دول منطقتنا والفيلم لم يترك شيئا
سيئا الا وعرضه.
الفقر. القذارة، التحرش، عمالة الاطفال، سوء المعاملة في
اقسام الشرطة، التمييز ضد المراة.
كل هذه المساوئ في فيلم مثلته اسرة مسيحية حقيقية ليرمز الى
معاناة من يسميهم الغرب بالاقليات الدينية، وهم في الواقع ليسوا اقلية
وانما اخوة وشركاء الوطن.
لا تستهينوا بالفن فهو القوة التي كانت ناعمة ثم اضحت خنجرا
في ظهر الوطن. |