داوود عبد السيد: تعاملت مع "العفاريت الزرق" في أعمالي
كشف عن أسباب اعتزاله ولماذا قرر ترك معشوقته الكاميرا
بكامل إرادته ساخطاً
نجلاء أبو النجا صحافية
جاء خبر اعتزال المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد
كالصاعقة على كل من أحبوا السينما، وعرفوا قيمة صاحب "الكيت كات، وأرض
الخوف، والصعاليك، ومواطن ومخبر وحرامي، ورسائل بحر" وغيرها من الأعمال
السينمائية الخالدة، والتي تشكل أيقونات نادرة في تاريخ
الفن العربي.
قرار عبد السيد بالاعتزال كان نتيجة الكثير من الإحباطات
التي تمر بها السينما المصرية والعربية، وتعرض لها هو بشكل خاص، إذ لم تقف
خلف كاميرات السينما منذ آخر أفلامه قدرات غير عادية عام 2014. ولأن البعد
عن معشوقته أفقده الرغبة في الفن، قرر أن يغادره بإرادته معلناً سخطه على
كل الخطايا التي تشهدها الحالة السينمائية ويمر بها الجمهور.
وفي حوار مع "اندبندنت عربية" تحدث داوود عبد السيد عن
أسباب اعتزاله الفن وأوجه النقد التي يراها، كما فجر مفاجأة بأنه قد يعود
في حالة معينة.
قرار غير مفاجئ
وقال عبد السيد في البداية، "قراري بالاعتزال ليس مفاجئاً،
فأنا بالفعل بعيد عن الشاشات منذ سنوات ولا يوجد عمل قدمته منذ آخر أعمالي،
لذلك كان قرار اعتزالي مجرد تحصيل حاصل لواقع أعيشه منذ 8 سنوات تقريباً،
ولم يحاول أحد الحديث عن هذا الغياب، فما الغريب في فكرة الاعتزال؟ وتابع،
"أنا لم أتعمد الإعلان عن الاعتزال بل جاء في سياق الحديث التلفزيوني،
خصوصاً أنني لا أحب الظهور كثيراً ولا أحب الإدلاء بآراء تخص غيري، أحب فقط
الحديث عن عملي".
غياب غير متعمد
وعن غيابه قال، "هو شيء غير متعمد مني بالتأكيد، فأنا عاشق
للسينما لكني أيضاً مؤمن بفكرة تعاقب الأجيال وأن لكل وقت رجاله"، وهنا
قاطعناه بالقول، "لكن قد يعتقد صناع
السينما أنك
متعال على العمل وترفض المشاركة في الحالة السينمائية متعمداً بأي دوافع،
فكيف يعرفون أنك تريد العمل؟".
فأجاب، "ليس من المفروض أن أعلن أني أحب العمل، فهذا مفهوم،
ويجب أن يعرف الجميع ذلك من دون أن أقوله، وسأتفق معك أن الناس قد تعتقد
أني أبتعد بغرور لكن هذه ليست الحقيقة أبداً، ولكن يبدو أن الجمهور يريد
نوعية أخرى من السينما وأنا لا أجيدها لذلك هناك حالة استبعاد لي".
رغبة الجمهور
وكان السؤال الذي فرض نفسه، لكن الجمهور دائماً يريد الفن
الجيد وأنت قدمت أعمالاً ذات صبغة خاصة، مثل "أرض الخوف" و"الكيت كات"
و"مواطن ومخبر وحرامي"، وأحبها الجمهور واستقبلها بكل نجاح، فكيف تتهم
الجمهور بتغيير ذوقه؟ كما أنك قدمت هذه الأعمال وسط ذروة أفلام ترفيهية
جماهيرية مثل "كابوريا" و"إستاكوزا" وغيرها، كما أن أفلامك وعلى الرغم من
خصوصيتها مفهومة وليست مثل الأعمال التي يخرج منها الجمهور متجهماً لا يعرف
كيف دارت أحداثها.
وهنا تراجع عبد السيد قائلاً، "بالفعل قد أكون مخطئاً أو
متجنياً بعض الشيء في الحكم على الجمهور، فما تقولينه صحيح، إذ لم يخذلني
الجمهور أبداً ونجت أعمالي من مذابح كثيرة بفضل الدعم الجماهيري، ولذلك قد
أعود للعمل في حالة معينة وهي أن أجد ما يناسبني وأقدمه للجمهور ويقبل عليه
بحب، فأنا لا أستطيع أن أقدم عملاً لا يراه الناس وتكون القاعات خاوية،
ولذلك أؤكد أنه لو اختلفت الظروف قد يختلف قراري".
منصات إلكترونية
وسألناه عن وضع الإنتاج وهل يمانع في العمل لمنصة إلكترونية
لمواكبة العصر وتوفير الدعم المادي؟ فأجاب، "طبعاً لا أمانع وأفهم جيداً أن
العصر تغير، وهناك صيحة المنصات التي
أنقذت السينما في فترة كورونا من الركود ودعمت الكثير من الإنتاجات المهمة
المصرية والعالمية، ولذلك لا اعترض عليها فأنا عملت مع "العفاريت الزرق".
وأضاف عبد السيد، "لم أرغب في تكدير الجمهور بفكرة
الاعتزال، لكن فعلاً سعدت جداً بالحب الذي رأيته وهذا منحني الكثير من
الطاقة والسعادة، وأشكر الجميع على شعورهم تجاهي الذي يحملني مسؤولية
كبيرة".
وتم تكريم داوود عبد السيد أكثر من مرة في مهرجانات مصرية
مثل القاهرة والجونة، وعن فكرة التكريم قال، "أي شخص بحاجة للتقدير ولا
أدعي قلة الاهتمام به، ولكن يسعدني أكثر أن أصادف شباباً وأناساً من طبقات
مختلفة في الشارع يُبدون تقديرهم لفني وأفلامي، وهذا يسعدني بكل تأكيد
لأنني أعلم أنني مخرج لديه نوع معين من الجمهور، وعندما أجدهم ما زالوا
يتابعون أفرح لأقصى درجة لأنني أشعر بأنني أحظى بتقدير جمهوري دوماً".
روح الشغف
وأكمل عبد السيد، "أتعامل مع السينما بروح واحدة فقط، يطغى
عليها ما يسمى بالشغف، فمنذ اللحظة الأولى التي عرفت فيها هذا العالم شعرت
بأنها لحظة مبهرة لأن تفاصيلها كانت تحمل نوعاً من الاكتشاف الغامض، شيء
أحبه ولا أعرف تفاصيله، وإذا كان اختفى الشغف من حياتي حينها يصعب علي
الاستمرار".
وعن قوله المستمر عن نفسه، "أنا لست مخرجاً ولا كاتباً على
الرغم من إخراجه 9 أفلام روائية طويلة، كتب معظمها بشكل كامل وقام
بالسيناريو والحوار لعملين منها، وهما "الكيت كات" لإبراهيم أصلان و"سارق
الفرح"، عن قصة لخيري شلبي، أضاف عبد السيد، "أقصد أنني لا أتعامل مع الفن
باحتراف، بمعنى أنني لست مخرجاً أنتظر نوعاً من السيناريوهات لأقوم
بإخراجه، أو يطلب مني منتج صياغة سيناريو بوليسي أو رومانسي، ولست كاتباً
محترفاً أيضاً، فأنا عادة ما يحركني شغفي لإنجاز أي شيء بداخلي لأنقله
للناس وأشاركه معهم. لذلك يختلف مفهوم الاحتراف بالنسبة لي عن الآخرين، ففي
أعمالي السينمائية أكون ذاتي، والذاتية هنا معناها رؤيتي الخاصة للعالم".
سينما تجارية
هل داوود عبد السيد ضد السينما التجارية والترفيهية؟ سؤال
أجاب عنه بالقول، "لست ضد السينما التجارية فهي موجودة والسينما تتحمل
الاختلاف، ولكن يجب أن يحدث تطور ثقافي في المجتمع حتى يصبح هذا النوع
التجاري غير مبتذل، والمهم أن يحقق النوع الثاني الذي يقدم سينما غير
تجارية لكنها مهمة، نجاحات فنية وأحياناً دخلاً معقولاً عند عرضه، وأشك
طبعاً أن يفرض النوع الثاني نفسه ويصبح هو السائد جماهيرياً".
مساعد مخرج
بدأ داوود عبد السيد المولود في 23 نوفمبر (تشرين الثاني)
1946 حياته العملية بالعمل كمساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها "الأرض" ليوسف
شاهين،
"الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، "أوهام الحب" لممدوح شكري. ثم بعد ذلك
توقف عن مزاولة هذا العمل، وقال، "لم أحب مهنة المساعد، كنت تعساً جداً
و"زهقان أوي"... لم أحبها، إنها تتطلب تركيزاً أفتقده... أنا غير قادر على
التركيز إلا في ما يهمني جداً... عدا ذلك، ليس لدي أي تركيز".
تغيير جذري
وتحدث عبد السيد عن بداية اهتمامه وعلاقته بالسينما، وقال،
"لم يكن ضمن طموحي في الطفولة أن أصبح مخرجاً سينمائياً، ربما أردت أن أكون
صحافياً، إلا أن ما غير حياتي هو ابن خالتي، وكان يعشق مشاهدة الرسوم
المتحركة. وتطور معه الأمر لشراء كاميرا، وعمل بعض المحاولات في المنزل.
وتدريجياً تعددت علاقاته بالعاملين في مجال
السينما.
كنا آنذاك في الـ 16، عندما أخذني لأستوديو جلال، وهو القريب من سكننا بمصر
الجديدة، وكانوا يصورون فيلماً من إخراج أحمد ضياء الدين، الذي كنت أعرفه
بحكم زمالتي لابنه في المدرسة. ما حدث يومها أنني انبهرت بالسينما بصورة
مذهلة. وهذا الأمر أفشل تماماً في تفسيره حتى الآن، من المؤكد أنه ليس
النجوم ولا الإخراج ولا التكنولوجيا، بل شيء آخر غامض حقاً... قررت بعدها
دخول معهد السينما".
أعمال تسجيلية
وفي فترة السبعينيات، قرر عبد السيد أن يحمل الكاميرا
وينطلق بها في شوارع القاهرة، وأن يصنع أفلاماً تسجيلية اجتماعية أهمها
"وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" (1976)، "العمل في الحقل" (1979)،
"عن الناس والأنبياء والفنانين" (1980).
من أفلامه السينمائية "الصعاليك" (1985)، "البحث عن سيد
مرزوق" (1991)، "الكيت كات" (1991)، "أرض الأحلام" (1993)، "أرض الخوف"
(2000)، "مواطن ومخبر وحرامي" (2001)، "رسائل البحر" (2010)، و"قدرات غير
عادية" (2014).
حصل عبد السيد عام 1985 على جائزة العمل الأول في مهرجان
أسوان الأكاديمي عن فيلمه "الصعاليك". بينما حصل فيلمه "أرض الخوف" على
جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة السيناريو
من مهرجان البحرين الأول. وجائزة أحسن فيلم من مهرجان جمعية الفيلم، وجائزة
أحسن إخراج من مهرجان جمعية الفيلم، عام 1999. وسميت أفلامه ("الكيت كات"
1991، "أرض الخوف" 1999، و "رسائل البحر" 2010)، ضمن قائمة أهم 100 فيلم
عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013. وتم تكريمه في
2018 في مهرجان
الجونة السينمائي. |