علي عبدالخالق .. (أغنية على الممر) في شريط السينما
خلف الكاميرا في حالة إبداعية
كتب : أحمد السماحي
غيّب الموت خلال الساعات الماضية المخرج الكبير (علي عبد
الخالق)، عن عمر ناهز (78 عامًا)، بعد معاناة مع مرض السرطان، رحل قبل أيام
من احتفاله بعيد ميلاده الـ 78 حيث أنه من مواليد 6 سبتمبر 1944، في الوقت
الذي قال كثير من الزملاء أنه من مواليد شهر يونيو، لكن كثير من الكتب
السينمائية التى سجلت بداياته ذكرت أنه من مواليد 6 سبتمبر! – وعلى أسرته
أن توضح الحقيقة – وسيقام عزاء للمخرج الكبير بعد غد الاثنين الموافق ٥
سبتمبر بمسجد الحامدية الشاذلية بعد صلاة المغرب.
أفلامه ترسم شخصية إنسان بسيطة أهدرت حقوقه
رحل (علي عبدالخالق) الذي أضحكنا وأبكانا من خلال أفلامه
الـ (30) التى بدأها عام 1972 بفيلم (أغنية على الممر) وأنهاها عام 2006
بفيلم (ظاظا) هذه الأفلام التى أضاء من خلالها مصابيح كثيرة في ظلام
حياتنا، وقد نعته الدكتورة (نيفين الكيلاني) وزيرة الثقافة، قائلة: (إن
الحركة الفنية فقدت فنانا ذات طابع مميز، حيث يعد مدرسة خاصة في الإخراج،
وتميزت أعماله السينمائية بطابعها الخاص الذي وضعها في مكانه خاصة لدى
الجمهور والنقاد، وقدمت العزاء لأسرته وتلاميذه وأصدقائه ومحبيه، داعية
الله أن يتغمده برحمته).
كون مع (محمود أبوزيد) ثنائيا فنيا قدما أفلاما عالجت
موضوعات اجتماعية مهمة
ولد الراحل لأسرة متوسطة تهتم بالثقافة والفنون، فوالده
لواء الشرطة الفنان (عبدالخالق صالح) أشهر نجم الأدوار الثانية في مرحلتي
الخمسينات والستينات حيث قدم العديد من الأفلام مثل (الرجل الثاني، السبع
بنات، خان الخليلي، الطريق، عروس النيل) وغيرها، ونظرا لنشأة (علي) في هذه
الأسرة التحق بالمعهد العالي للسينما قسم إخراج، وعقب تخرجه في عام 1966
عمل مساعداً لفترة مع المخرج (ممدوح شكري)، ثم اتجه إلى إخراج الأفلام
التسجيلية والقصيرة التي حاز عن بعضها جوائز دولية، أولها كان عام 1968 من
خلال فيلم (عدو الفلاح)، ثم (مدينة رشيد)، كما قدم في نفس العام فيلم قصير
عن بعض أجزاء من المجلة السينمائية، (مجلة الفلاحين) التى أصدرها المركز
القومي للأفلام التسجيلية.
في عام 1970 قدم الفيلم القصير – 10 دقائق – (السويس
مدينتي)، تصوير رجائي عتيق، مونتاج أحمد متولي، ويصور هذا الفيلم صمود
أهالي السويس في المعركة بينهم وبين العدو الأسرئيلي، وإستمرار الحياة
والعمل بالرغم من استمرار المعارك واستعدادنا لها، وقد حصل عن هذا الفيلم
على جائزة الإخراج في مسابقة الأفلام التسجيلية المصرية في مارس 1970.
بعد رحيل الزعيم (جمال عبدالناصر) مباشرة شارك مع بعض
زملائه منهم (حسن رضا، جون فيني، شادي عبدالسلام، أحمد راشد، محمد قناوي،
سمير عوف)، في إخراج فيلم قصير مدته 35 دقيقة عن رحيل الزعيم جمال
عبدالناصر تحت عنوان (أنشودة الوداع)، يسجل هذا الفيلم الأيام المريرة التى
عاشها الشعب ومظاهر الحزن على وفاة الرئيس عبدالناصر، ويتابع اليوم الأخير
وكل مراسم الجنازة الرسمية والشعبية التى صاحبته حتى مثواه الأخير، وقد حصل
على الجائزة الثانية في مهرجان (لايبزج) عن اشتراكه في إخراج هذا الفيلم.
جاسوسية وأمن
بعد هذا الفيلم وفي عام 1971 قدم فيلمه الروائي التسجيلي
(جاسوسية وأمن) بلغت مدة الفيلم 80 دقيقة، وكتب السيناريو له السيناريست
مصطفى محرم، وكان إنتاج هيئة الأمن القومي، وهو فيلم تعليمي في قالب روائي
يوضح الأساليب التى يلجأ إليها العميل الذي تجنده المخابرات الأجنبية
لحسابها، وكيف يحافظ على أسرارنا وأمننا القومي حتى لا يمكن لهذا الجاسوس
أن يحصل على المعلومات.
كرامة الإنسان وكبريائه الجريحة
من خلال نظرة خاطفة على الأفلام المتعددة التى قدمها لنا
(علي عبدالخالق) يمكننا أن نستشف بسهولة اهتمامه العميق بقضية كرامة
الإنسان وكبريائه الجريحة، وحقوقه المهضومة، فمنذ فيلمه الأول (أغنية على
الممر) قصة علي سالم، الذي يعتبر أحد أيقوناته السينمائية، وهذا المخرج يضع
يده على الجرح، وينظر نظرة تعاطف ممزوجة بكثير من الحنان إلى قضية الإنسان
المسحوق الذي أهدرت حقوقه في التراب، مهما كان عطاؤه، ونبل قلبه وتضحياته.
أغنية على الممر
لهذا لم يكن غريبا أن يقول أثناء إنجازه لفيلمه الأول
(أغنية على الممر): لم تتعرض السينما المصرية من قبل لتصوير مصر ما بعد
النكسة، وفيلمي هذا يعتمد على (البني آدم) وليس على الحدوتة، وبالنسبة لي
أعتبر الكاميرا بطلا من أبطال الفيلم، كما أن هذا الفيلم من ناحية الإنتاج
يعد تجربة جديدة تماما، إذ يتم إنتاجه وفقا لنظام المشاركة، وهذا يحدث لأول
مرة في السينما المصرية حيث قدمت جماعة السينما الجديدة 30% من ميزانيته،
وقامت مؤسسة السينما بتقديم الباقي، أما الفنانين والفنيين المشتركين في
الفيلم حصلوا على 20% فقط من أجورهم المتفق عليها، وسيحصلون على باقي
أجورهم من إيراد الفيلم بعد إنتهاء عرضه، وأتمنى أن يصل فيلمي إلى كل
مستويات الشعب، إذ يقوم بمعالجة مشاكل تهمهم ومن خلال شكل جديد ومفهوم.
حقوق الإنسان
تتابعت أفلام (علي عبدالخالق) ومعظمها إن لم يكن كلها ترسم
شخصية إنسان بسيطة أهدرت حقوقه وديست بالأقدام سواء كانت هذه الشخصية تلعب
الدور الرئيسي مثل (إلحقونا، شادر السمك، مدافن مفروشة بالإيجار، أربعة في
مهمة رسمية، جري الوحوش)، أو تلعب أدوار ثانوية مؤثرة كما في (درب الرهبة،
خادمة ولكن، بنات إبليس).
فكر فلسفي وخيانة الوطن
لا يمكن ونحن نتحدث أن ننسى لهذا المخرج المتميز أفلام مهمة
مازالت حاضرة في ذهن الجمهور ولا يمل من مشاهدتها، بل وتعتبر من علامات
السينما المصرية منها ثلاثية (الكيف، والعار، وجري الوحوش) التى قدمها مع
الكاتب والسيناريست الراحل (محمود أبوزيد) الذي كون معه ثنائيا فنيا قدم من
خلاله أفلاما عالجت موضوعات اجتماعية مهمة، فإذا كانت الأفلام الثلاثة
السابقة حملت بعدا فكريا فلسفيا، ومفعما بمضمون أخلاقي، فنجد أنهما حاربا
الشعوذة والسحر في (البيضة والحجر، وعتبة الستات)، و ندد بخيانة الوطن ولعن
الخائنين والمأجورين مع الكاتب (إبراهيم مسعود) في (بئر الخيانة وإعدام
ميت).
رحم الله (علي عبدالخالق) الذي غادرنا بجسده لكن ستظل
أعماله باقية، فهذه الأعمال الإجتماعية والوطنية جزء من ذاكرة ووجدان
المصريين والعرب، وسيظل تراثه الفني خالدا مع الزمن. |