الجرأة في السينما المغربية بين الواقعية والإثارة
سجال واسع إذا ما كانت تنتمي إلى الواقعية أم انحراف عن
رسالة الفن والانجرار وراء الربح
حسن الأشرف
"لقطة جريئة ومشهد جنسي صريح وتلميحات وإيحاءات جنسية وكلام
بذيء وفاحش"، هذه توليفة صارت ظاهرة في بعض الأفلام
المغربية،
تندلع سجالات ونقاشات حادة أحياناً بين الجمهور والنقاد في شأن تصنيف
الأعمال السينمائية التي تحمل هذه الرؤية، هل في خانة جرأة التعبير وتشخيص
الواقع أم في خانة "الصدام مع الذوق والانحراف عن رسالة الفن"؟
مشاهد جنسية وكلام ساقط
آخر الأفلام السينمائية المغربية التي يمكن تصنيفها ضمن نعت
"الجريئة"، فيلم "أزرق القفطان" للمخرجة مريم التوازني الذي أثار جدلاً
واسعاً في سياق عرضه ضمن المسابقة الرسمية للدورة الـ19 للمهرجان الدولي
للفيلم بمراكش الذي
نظم في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
واتهمت أصوات عديدة الفيلم الذي تم اختياره لتمثيل المغرب
في مسابقة الأوسكار 2023
في فئة "الفيلم الروائي الطويل الأجنبي"، بكونه يتعمد الترويج لثقافة
التسامح مع المثلية الجنسية بلقطات وصفها البعض بـ"مشاهد فجة" ويمكن
تعويضها بأخرى ضمنية تعبر عن الموضوع، فيما صرحت مخرجة الفيلم مريم
التوازني بأنه لا يتناول المثلية الجنسية تحديداً، بل يتطرق إلى الحب برؤية
واسعة وشاملة من دون حدود"، معتبرة أن "الفيلم يترجم ويعكس الواقع المغربي
كما هو".
ومن الأفلام السينمائية المغربية التي أثارت جدلاً كبيراً
بسبب "المشاهد الجنسية" أو "الكلام البذيء" في حوارات الممثلين، فيلم
"ماروك" للمخرجة ليلى المراكشي، الذي اشتمل على لقطات عري "صدمت" حين عرضه
قطاعاً كبيراً من الجمهور المغربي. فيلم "الزين لي فيك" للمخرج نبيل عيوش
أيضاً من بين الأفلام "الجريئة" التي أثارت سجالات ونقاشات واسعة، بسبب
تضمنه مشاهد ساخنة كثيرة، فيما تعرضت حينها بطلة الفيلم الممثلة لبنى
أبيضار لهجوم عنيف دفعها إلى مغادرة البلاد.
وفي السياق حصل موقف طريف مع فيلم "بورن لأوت" المغربي الذي
أثارت بعض مشاهده جدلاً كبيراً خلال الأيام الماضية، على الرغم من أن
الشريط تم عرضه في القاعات السينمائية منذ 2017، حيث انتشر مشهد الممثلين
إدريس الروخ وسارة بيرليس في "وضع جنسي"، رافقته انتقادات حادة.
وتنحو أفلام سينمائية مغربية أخرى إلى استخدام لغة دارجة في
حوارات بعض الممثلين لتشخيص واقع الأحياء الشعبية أو لتمثيل مشاهد ترتبط
بعالم الانحراف والإجرام والدعارة، بينها فيلم "الزيرو" للمخرج نور الدين
الخماري الذي تضمن حوارات وشتائم ساقطة.
جرأة مشروطة
يقول الناقد الفني والسينمائي فؤاد زويريق لـ"اندبندنت
عربية"، "المشاهد الجريئة إبداع أيضاً وطريقة تناولها في الأفلام تخضع
لآليات وقواعد تختلف باختلاف الأحداث والمواقف ومشاعر الشخوص"، يضيف، "مثل
هذه المشاهد تعبير جسدي إبداعي ضروري لإضفاء الروح والحياة على العمل،
وإعطائه واقعية وصدقية أكثر إقناعاً لدى المتلقي بحسب السياق الدرامي
المطلوب".
وأوضح، "أوافق على إقحام أو إدراج مثل هذه المشاهد في العمل
السينمائي بحسب المتطلبات الفنية والدرامية، وأعترض عليها إذا كانت مخصصة
فقط من أجل الإثارة المجانية المبالغ فيها التي يتبعها بعض المنتجين
والمخرجين لجذب فئة معينة من الجمهور من أجل الربح المادي".
واسترسل الناقد "إقحام مثل هذه المشاهد ليس إبداعاً بل يدخل
ضمن الأفلام الإباحية الفارغة والخالية من العمق الجمالي والفني والفكري
والفلسفي الذي ترتكز عليه السينما الجادة"، مردفاً أنه "لا يجد أي مشكل في
نقل كلام الشارع إلى السينما بواقعيته المجردة من أي لغة مصطنعة قد تؤثر في
مضمونه العام أو تحرف سياقه التواصلي".
وأوضح "كلام الشارع يبقى كلام شارع بكلماته وتعابيره، ويعبر
عن فئة محددة من الشخوص، وانتقال هذه الشخوص من الواقع إلى السينما لا يحتم
عليها تغيير خطابها وتجميل كلامها، وإلا خرجنا من الواقع المعيش الذي يعرفه
ويعيشه الجميع إلى المدينة الفاضلة بأخلاق وسلوكيات وتصرفات ولغات ملائكية
بعيدة كل البعد عن واقع الشارع، شرط أن يكون هذا الخطاب مشمولاً بسياق
درامي مطلوب ومقنع وليس مجانياً".
ولفت زويريق إلى أن الفيلم السينمائي يختلف عن الدراما
التلفزيونية، فالأخيرة لها محددات لأسلوب خطابها وآليات وخطوط لا يجب
تجاوزها ما دام الوسيط الذي يمر عبره موجوداً في كل بيت ويهم الأسرة
بالدرجة الأولى، أما السينما فهي فضاء عام ودخوله يتم بشروط تحددها طبيعة
الفيلم نفسه، وجمهوره غير مرغم على شراء تذكرة هذا العمل أو ذاك، فله كامل
الحرية في الإقبال على فيلم من الأفلام أو مقاطعته".
جرأة صادمة
في المقابل يرى الناقد السينمائي مصطفى الطالب، في تصريح
خاص، أن "دور السينما أن تتطرق بشكل فني وجمالي إلى مواضيع إنسانية
واجتماعية تدفع من خلالها المشاهد إلى طرح تساؤلات حول وجوده وحياته، أو
أنها تطرح رؤى لخلخلة بعض المسلمات أو التقاليد أو الأحكام المسبقة، وهنا
تكمن جرأة الإبداع السينمائي".
أضاف، "بعض السينمائيين انحازوا للمعنى السلبي للتحرر عن
طريق إقحام مشاهد جريئة صادمة لذوق المشاهد وبيئته الثقافية، سواء تعلق
الأمر بمشاهد إباحية أو كلام بذيء يستهجنه الإنسان خصوصاً في المحيط
الاجتماعي المغربي الذي له خصوصياته الاجتماعية والقيمية والدينية الذي
تؤسس لهويته حتى وإن انفتح على العالم".
وأوضح، أن "مسوغات هؤلاء السينمائيين في ذلك هو نهج
الواقعية، على الرغم من أن هذا المصطلح يطلق على عواهنه، لأن الواقعية في
السينما العالمية لها إطارها التاريخي والفني، فالواقعية الإيطالية التي
ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية جاءت لتتمرد شكلاً ومضموناً على أفلام
الاستوديوهات الغارقة في الخيال والأحلام والبطولة التي لا علاقة لها بواقع
بئيس وعبثي سوريالي خلفته الحرب التي دمرت الإنسان ورغبته في الحياة".
وتابع "لامست الأفلام الإيطالية الواقعية واقع الإنسان في
حياته الفردية والاجتماعية ومعاناته اليومية، فجمعت سينمائياً بين التخييل
وتسجيل الواقع في الفضاء العام، بعيداً من الربح المادي الذي يمكن أن تحققه
أفلام بمشاهد ساخنة أو جريئة".
واستطرد الناقد بأن "مبدأ الواقعية كما يفهمه هؤلاء
السينمائيون الذي يسعون إلى تحقيق الشهرة والربح المادي واستقطاب الشباب من
خلال بعض البهارات الجنسية وغيرها التي تعزف على إيقاع الغرائز يتعارض مع
ماهية الفن وغاياته الإنسانية والقيمية".
ووفق الطالب، "الفن لا ينقل الواقع بل يوحي إلى الواقع من
خلال الرؤية الفنية للمبدع السينمائي، وللسينما وسائلها المتعددة في ذلك،
فالفن يرتفع بالمشاهد وبواقعه من أجل تحقيق المتعة الجمالية أولاً، ثم
التفاعل مع العالم الذي يقدمه في كل تجلياته".
ويرى الطالب أن هؤلاء السينمائيين الذي يعيشون في حالة
انفصال مع محيطهم الثقافي يحتاجون إلى التصالح مع ذواتهم وبيئتهم
الاجتماعية والعودة إلى الكتابات الحقيقية والعميقة حول الفن وليس
المزيفة". |