أيام قليلة تفصلنا عن انطلاق الدورة الثالثة والسبعين من
مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله). أول دورة مكتملة يقيمها
المهرجان بعد انقضاء جائحة كورونا التي أثرت على الدورتين السابقتين.
في هذا المقال نُقدم كل المعلومات المتاحة عن الـ 19 فيلمًا
المتنافسة في المسابقة الدولية للمهرجان، والتي سيفوز أحدها في النهاية
بالدب الذهبي، كبرى جوائز المهرجان وأحد أهم التقديرات السنوية في عالم
السينما. فأي هذه الأفلام سيكون المتوّج؟
حيوات سابقة
Past Lives (الولايات
المتحدة)
واحد من ثلاثة أفلام عمل أول تُعرض في مسابقة برلين هذا
العام، لكنه صار من أكثر الأفلام المرتقبة في المهرجان بعدما استضاف مهرجان
صندانس السينمائي عرضه العالمي الأول خلال شهر يناير ليُقابله النقاد
بحفاوة بالغة جعلت تقييمه حتى الآن على موقع "طماطم فاسدة" هو العلامة
الكاملة لكون جميع المراجعات النقدية له إيجابية، بل أن عدة نقاد اختاروه
مبكرًا ضمن أفضل أفلام العام الجديد، في رهان يوضح درجة إعجابهم به.
الفيلم مستوحى من حياة المخرجة سيلين سونج التي ولدت في
كوريا الجنوبية وهاجرت مع أسرتها إلى كندا، والتي استعادت التواصل مع
حبيبها السابق بعد مرور سنوات وقعت فيها في الحب وتزوجت بعيدًا عن مسقط
رأسها. الفيلم يطرح مثلث الحب بين البطلة وحبيبها القديم وزوجها الحالي
محاولًا الإجابة عن أسئلة الزمن والمشاعر وتقلبات الحياة. الفيلم من إنتاج
A24
أحد أكبر شركات السينما المستقلة في العالم، مما يمنحه مزيد من فرص النجاح
والانتشار خلال 2023.
طوطم
Totem (المكسيك)
الممثل الوحيد للسينما اللاتينية في مسابقة برليناله،
الفيلم الطويل الثاني للمخرجة ليلا أفيليس، الممثلة الشابة التي جذبت
الأنظار بفيلمها الأول
"The Chambermaid"
الذي اختارته المكسيك عام 2018 ليكون ممثلها الرسمي في جوائز الأوسكار
بخلاف حصوله على جوائز عديدة، ليختار برلين فيلمها الثاني فتكن واحدة من ست
مخرجات تتنافس في المسابقة هذا العام.
الفيلم الجديد مثل سابقه تدور أحداثه في مكان واحد، هو في
حالتنا منزل عائلة تقضي فيه الطفلة سول ذات السبع سنوات يومًا مع جدها
وعمّاتها، يستعدون خلاله للاحتفال بعيد ميلاد والدها، لكن أحداث اليوم
تتصاعد بصورة تكشف للطفلة العالم من وجهة نظر جديدة.
بقاء اللطف
The Survival of Kindness (أستراليا)
رولف دي هير هو أحد الأسماء الكبيرة في السينما الأسترالية،
يمتلك مسيرة طويلة من الأفلام اختيرت فيها أفلامه مرات عديدة للتسابق في
مهرجانات مثل كان وفينيسيا وبرلين الذي تنافس في مسابقته الدولية من قبل
عام 2003 بفيلم "مشروع أليكسندرا
Alexandra’s Project".
يعود دي هير إلى مسابقة برليناله بفيلم تشير المواد
الدعائية لغرابته، فيلم مصور بالكامل في صحراء تسمانيا، مستندًا على
سيناريو لا يتجاوز 30 صفحة، بدأت فكرته من صورة تخيلها المخرج لصديقه
المنحدر من السكان الأصليين في أستراليا داخل قفص الصحراء، ليختار لبطولة
فيلمه ممثلة مهاجرة من الكونغو الديمقراطية وممثلان مهاجران من الهند.
يحتوي الفيلم أيضًا على مشهد معركة بين جيشين من النمل!
المعلومات المعلنة عن الفيلم تجعل من الصعب تخيل شكله،
وترشحه لأن يكون إما إنجازًا بصريًا أو مجرد نزوة لمخرج كبير، لكنه
بالتأكيد سيكون عملًا يستحق الاكتشاف.
المحراث
The Plough (فرنسا)
مخرج مخضرم آخر يتنافس في المسابقة هذا العام هو الفرنسي
فيليب جاريل، الرجل الذي يعد إنجازه الأكبر هو نيل الأسد الفضي لمهرجان
فينيسيا مرتين عامي 1991 عن "لم يعد يمكنني سماع الجيتار
J'entends plus la guitare"
وعام 2005 عن "عشاق عاديون
Regular Lovers".
يلعب بطولة الفيلم أبناء المخرج الثلاثة، وعلى رأسهم النجم
الشاب لوي جاريل، حيث يجسدون أدوار ثلاثة أخوة يعملون مع أبيهم في فرقة
لعروض العرائس، حتى يموت الأب بشكل مفاجئ بعد أحد العروض ويترك الأبناء
للتعامل مع الوضع بعد رحيله.
ربما تكون أفلام جاريل الأب قد توقفت عن إثارة الدهشة منذ
سنوات، لكن التعاون مع أبناءه الموهوبين يمحنا الأمل أن تكون عودته إلى
برلين هذه المرة مختلفة ومفاجئة.
موسيقى
Music (ألمانيا)
مزيج مثير للفضول تُقدم عليه الممثلة والمخرجة الألمانية
أنجيلا شانيليك في فيلمها الذي تعود به لمسابقة برلين بعد فوزها بالدب
الفضي لأحسن مخرج عام 2019 عن "كنت في البيت ولكن
I Was at Home, But".
شانيليك تمزج في "موسيقى" بين مسرحية "أوديب" الأيقونية لسوفوكليس وبين
الغناء داخل إطار معاصر.
في الجبال اليونانية يُترك جون طفلًا ليتربى كلقيط، ينتهي
به الحال في السجن وهناك تربطه صداقة بإحدى السجّانات التي تهتم به وتساعده
في تسجيل أغنياته، وبينما يبدأ جون في فقدان بصره بالتدريج تتعمق علاقته
بالسجّانة التي لا يعرف حقيقة علاقتها به. المعالجة واضحة للحكاية
الكلاسيكية ويبقى أن نشاهد كيف ستتعامل معها المخرجة وكيف ستمزج فيها
الموسيقى التي وضعها الفنان الكندي دوج تيلي.
صبي الديسكو
Disco Boy (إيطاليا)
فيلم أوروبي عابر للجنسيات يأتي به المخرج جياكومو أبروزتسي
ليكون أحد ثلاثة مخرجين غامر المهرجان باختيار فيلمهم الطويل الأول
للمسابقة. المخرج إيطالي الجنسية يعيش بين فرنسا وإسبانيا، بطل فيلمه هو
فرانز روجوفسكي أحد نجوم الصف الأول في السينما الألمانية المعاصرة، وأهم
اسمين في فريق الفيلم هما الفرنسيان المصورة هيلين لوفار وصانع الموسيقى
فيتاليك.
اجتماع الجنسيات الأوروبية يتماشى مع الحكاية التي تتابع
حكاية شاب أوروبي (لا تؤكد المواد المعلنة جنسيته لكن يجسده الألماني
روجوفسكي)، يصل إلى فرنسا كي ينضم إلى كتيبة خاصة من الجيش الفرنسي تسمح
لغير الفرنسيين بالانضمام لها وتمنحهم جواز سفر فرنسي مقابل تكليفهم بمهمات
خطيرة، ليجد البطل مصيرة يتقاطع مع فتاة تعيش في نيجيريا.
رغم كونه الفيلم الطويل الأول لجياكومو أبروزتسي، إلا ان
المخرج لديه سمعة عالمية كبيرة كوّنها من خلال عدة أفلام قصيرة ناجحة وفيلم
وثائقي ترشح لجائزة سيزار الفرنسية المعادلة للأوسكار، مما يجعل فيلمه من
أكثر الأفلام المرتقبة في برلين.
عشرون ألف فصيلة من النحل 20.000
Species of Bees (إسبانيا)
الفيلم الثالث بين الأعمال الأولى التي اختارها برلين
لمسابقة هذا العام، وأكثر الأعمال الثلاثة توائمًا مع الأفكار التي تلقى
رواجًا ضمن خطط التعددية ومنح مساحة للتعبير عن الهويات الجسدية والجنسية
المغايرة، حيث تقوم المخرجة إستيباليز أوريسولا سولاجورين في فيلمها بسرد
حكاية طفل يشعر بعدم الراحة من مناداته باسمه، حيث يشعر بالرغبة في أن يتم
التعامل معه كفتاة.
بغض النظر عن موقفك من الأمر، تبقى حرية الاختيار مقدسة
خاصة في الهويات الجنسية المضطربة، وتظل هذه النوعية من الأعمال مهمة بما
تثيره من نقاشات تتجاوز السينما إلى الحياة الاجتماعية، في عمل اختيرت
أفلام مخرجته القصيرة والوثائقية في مهرجانات كان وسان سباستيان، مما
يجعلنا ننتظر فيلمها الروائي الطويل الأول.
بلاك بيري
BlackBerry (كندا)
قصة تستحق أن تُروى يختارها المخرج الكندي مات جونسون في
فيلمه الطويل الثالث، هي حكاية صعود وانهيار هواتف "بلاك بيري" أول هواتف
ذكية في التاريخ، التي ابتكرها صديقان كنديان دون أن يعرفا أنهما بصدد
تقديم الاختراع الذي غيّر كل شيء في نمط الحياة المعاصرة.
يتابع الفيلم كيف قام أحدهما باختراع هاتف بلاك بيري بينما
قام الثاني بتسويقه وجعله الهاتف الأنجح في العالم، قبل أن تبدأ عملية
الانهيار السريع بسبب نمو حجم العمل والفشل في التعامل مع المنافسين الجدد
الذين استغلوا ما حققه بلاك بيري وانتزعوا منه كامل الكعكة دون أن يتركوا
له ولو نصيب بسيط منها.
وبالرغم من غياب السينما الهوليوودية عن مسابقة برلين هذا
العام، يبدو فيلم "بلاك بيري" هو أحد فيلمين قريبين لصياغات فيلم هوليوود
الكلاسيكي. فهل سيكون كذلك أم سيفاجئنا بشكل آخر؟
مانودروم
Manodrome (بريطانيا)
الفيلم الثاني المقارب لعالم هوليوود هو فيلم المخرج جون
ترينجوف، المخرج جنوب الأفريقي الأبيض الذي عاش بين جوهانسبرج والبرازيل
ودرس في نيويورك، ثم استقر في لندن ليصنع فيلمه الجديد بعدما اختارت جنوب
أفريقيا فيلمه السابق "الجرح
The Wound"
ليكون مرشحها الرسمي للأوسكار عن عام 2017.
أحداث "مانودروم" بعيدة عن أفريقيا، يجمع فيها المخرج
نجومًا بحجم جيسي أيزنبيرج وأدريان برودي، ليخوض في عالم الذكورية الهشة،
عبر حكاية رجل يعمل سائق أوبر، يستعد لاستقبال طفله الأول من حبيبته، لكن
شعوره بعدم الراحة يدفعه للانضمام لجماعة سرية تهدف لتفجير الطاقات
الذكورية داخل أعضائها، وسرعان ما يجد ما بداخله يطفو على السطح ويبدأ
الواقع في الإفلات من يده.
ملخص الحكاية ونجومها وأعمال المخرج السابقة كلها أمور
تجعله من الأعمال المرتقبة في مسابقة برليناله 73.
حتى نهاية الليل
Till the End of the Night (ألمانيا)
فيلم جديد للمخرج والناقد الألماني كريستوف هوخهاوسلر، مؤسس
مجلة "ريفولفر" السينمائية الذي يصنع أفلامًا تتماشى مع إيقاع العصر
وتستفيد من الكلاسيكيات وحس النوستالجيا. المخرج يقدم حكاية بوليسية
معتادة: ضابط يعمل متخفيًا ويستفيد من سجينة يتم الإفراج عنها بشرط أن تنضم
لمهمة التقرب من مجرم خطير.
إلا أن هوخهاوسلر يضيف عنصرًا معاصرًا للحكاية المألوفة،
فالضابط مثلي والمتهمة المُفرج عنها متحولة جنسيًا، وهو المزيج الذي يروق
للمجرم ويجعل الخطة منطقية. ويبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للمخرج أن يمزج
بين الحكاية البوليسية والإضافات الجندرية؟
البرج بلا ظل
The Shadowless Tower (الصين)
ممثل السينما الروائية الصينية في المسابقة، وأحد فيلمين
صينيين مع فيلم تحريك تمت إضافته مؤخرًا للمسابقة. المواد المنشورة عن فيلم
المخرج المخضرم جانج لو توحي بفيلم رومانسي اجتماعي محبب للقلب، يتابع ناقد
طعام في منتصف العمر، يعيش منعزلًا عن والده بسبب مشكلة قديمة وعن ابنته
بسبب طلاقه عن والدتها، قبل أن تأتيه الفرصة لإعادة اكتشاف الحياة.
البطل يعرف أن والده يعيش وحيدًا في مدينة ساحلية، بالتزامن
مع تعرفه على مصوّرة شابة ووقوعه في حبها، ليقرر أن يقطع رحلة لزيارة والده
وإعادة تعريف علاقاته بكل من حوله. ربما يكون الفيلم فرصة لمعرفة المزيد عن
الحياة الصينية المعاصرة، وعن نفوس البشر في كل مكان بالعالم.
سوزومي
Suzume (اليابان)
كان إعلان اختيار فيلم المخرج ماكوتو شينكاي للمسابقة
الدولية مفاجأة على عدة مستويات، ليس فقط لكونه أول فيلم تحريك ياباني
يشارك في مسابقة برلين بعد مرور عقدين على مشاركة الفيلم الشهير "أرواح
هائمة
Spirited Away"
للمخرج الأسطوري هياو ميازاكي عام 2002، ولكن بالأساس نظرًا لكون الفيلم قد
عُرض تجاريًا في بلاد الشمس المشرقة.
"سوزومي"
الذي عُرض في بلده خلال شهر نوفمبر الماضي جمع 13.5 مليون دولار جعلته أحد
أنجح الأفلام اليابانية في تاريخ البلاد، وجمع إشادات نقدية عديدة حول قصته
التي تدور حول فتاة تشارك في فتح باب غامض يقف في مكان ناء، فتكتشف أنها
فتحت سلسلة من الأبواب حول اليابان تهدد بأهوال عديدة فتبدأ رحلة من أجل
غلقها.
إصرار المهرجان على ضم الفيلم للمسابقة بمخالفة كل التقاليد
التي تمنع أي فيلم سبق عرضه تجاريًا من التنافس تخبرنا الكثير عن قدر
اقتناع إدارة برليناله بالفيلم ورهانهم عليه، قبل أن يأتي إعلان مشاركة
الفيلم التالي لتمنح الأمر أبعادًا أكبر.
مدرسة الفنون 1994
Art College 1994 (الصين)
بعد أيام من المؤتمر الصحفي للمهرجان والإعلان عن مشاركة 18
فيلمًا في المسابقة قال المدير الفني كارلو شاتريان إنه "لا يعتقد أن من
الممكن زيادتها"، كشف برليناله عن إضافة فيلم تاسع عشر للمسابقة، والغريب
أن تكون الإضافة فيلم تحريك آخر، لتكون المرة الأولى في تاريخ المهرجان
التي يتنافس فيها فيلما تحريك في مسابقة نفس العام.
الفيلم من إخراج الصيني المخضرم لو جيان، الرسام وفنان
التحريك المتخصص في صناعة أفلام تحريك درامية جادة، موجهة للكبار وخالية من
المبالغات الخيالية المعتادة في التحريك، فقط قصص إنسانية يُفضل جيان رسمها
بدلًا من اختيار ممثلين للعبها. هذه المرة يعود إلى مطلع التسعينات، حيث
ينضم مجموعة شباب إلى مدرسة الفنون في الوقت الذي تبدأ الصين فيه في تغيير
سياستها والانفتاح على العالم الخارجي، ليعيش الأبطال عملية تغير وانفتاح
على المستويين العام والخاص.
إينجبورج باخمان رحلة في الصحراء
Ingeborg Bachmann – Journey Into the Desert (ألمانيا)
الألمانية مارجريتا فون تروتا هي بالتأكيد الاسم الأكبر بين
جميع مخرجي المسابقة، المخرجة ذات الثمانين عامًا التي كانت بين مؤسسي
الموجة التي عرفت بالسينما الألمانية الجديدة مع زوجها السابق فولكر
شلوندورف ومخرجين مثل راينر فاسبندر وفيرنر هيرتزوج وفيم فيندرز، وهي
الوحيدة بين المتنافسين الحائزة على أسد فينيسيا الذهبي عن فيلمها الأشهر
"الشقيقات الألمانيات
The German Sisters"
عام 1981.
لكن هذه الخبرة الكبيرة لا تعني بالضرورة الجودة، بل إنه من
غير المعتاد أن يفاجئنا مخرج في هذه المرحلة العمرية بعمل كبير يتجاوز
أفلامه القديمة. فون تروتا تقدم هنا سيرة لاثنين من المفكرين الأوروبيين:
الشاعرة النمساوية إينجبورج باخمان وكاتب المسرح السويسري ماكس فريش اللذين
دخلا علاقة غرامية في نهاية الخمسينيات تزامنت مع تغيرات عالمية وتقلبات
عاشها كل منهما. فهل يمكن للمخرجة الخبيرة النجاح في تقديم تلك السيرة في
فيلم متميز؟
يومًا ما سنقول لبعضنا كل شيء
Someday We’ll Tell Each Other Everything (ألمانيا)
عمل آخر لمخرجة ألمانية (بين خمسة أفلام ألمانية تتنافس في
المسابقة)، لكن لمخرجة من جيل أحدث هي إيميلي آتيف، المولودة في برلين
لعائلة إيرانية فرنسية والتي تمثل وجهًا مألوفًا في السينما الأوروبية
المعاصرة العابرة للحدود. أفلام إيميلي الأربعة السابقة عُرض أغلبها في كان
وبرلين، وجميعها منحت الشعور بأننا أمام مخرجة موهوبة لكنها لم تصل بعد
لتقديم أفضل أفلامها.
هل يكون هذا العمل الأفضل هو الفيلم الخامس للمخرجة؟ ربما.
الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتبة دانيلا كرين تدور أحداثها في صيف 1990، في
الشهور التالية لسقوط جدار برلين، حيث يعيش الأبطال في قرية اعتادوا منذ
طفولتهم أنها منطقة حدودية بين الجانبين الألمانيين، قبل أن تتحد الدولة
فتتغير ديناميات الحياة داخل القرية تزامنًا مع اكتشافهم لأنفسهم. سيكون
لدينا فرصة لعقد مقارنات بين الفيلم وبين فيلم التحريك الصيني "مدرسة
الفنون 1994" الذي تدور أحداثه في زمن وأجواء مقاربة بعض الشيء.
أعراف
Limbo (أستراليا)
الفيلم الأسترالي الثاني في المسابقة مع فيلم "بقاء اللطف"،
لكنه يمتاز بالمسيرة الخاصة لمخرجه إيفان سين، والذي ينتمي إلى مجموعتين
خاصتين من صناع الأفلام، فمن جهة ينتمي عرقيًا لسكان أستراليا الأصليين،
ومن جهة أخرى هو فنان سينمائي شامل، قام بإخراج وتأليف وتصوير ومونتاج
وموسيقى فيلمه الذي وصفه موقع برليناله بأنه فيلم "نوار صحراوي
Desert Noir"
في مزيج بين نوع الفيلم نوار والأحداث التي تدور في الصحراء.
الصحراء هنا أسترالية، يسافر فيها المحقق ترافيس هيرلي
للتحقيق في جريمة قتل وقعت قبل عشرين سنة، الدليل الوحيد المتبقي منها
مجموعة من الأشرطة المسجلة التي يحاول المحقق من خلالها الوصول لحل اللغز،
وسط سياق معقد من الحياة البرية والعنصرية المتغلغلة في المجتمع.
معيشة سيئة
Bad Living (البرتغال)
ربما تكون التجربة الفيلمية الأغرب في برلين هذا العام،
والغريب هو طريقة تعامل المهرجان معها. ففي المسابقة الدولية يتنافس المخرج
البرتغالي خواو كانيخو فيلم "معيشة سيئة
Bad Living"
عن خمس نساء تقمن بإدارة فندق قديم تصل إليه فتاة تتسبب في إعادة فتح جروح
قديمة اعتقد الجميع أنها قد أغلقت للأبد.
أما في مسابقة "لقاءات
Enconters"،
المسابقة الثانية في المهرجان من حيث الأهمية والمكافئة لمسابقة "نظرة ما"
في مهرجان كان، يتنافس كانيخو أيضًا بفيلم بعنوان "أن تعيش بشكل سيء
Living Bad".
العنوان الإنجليزي كما هو واضح مقلوب عنوان الفيلم الأصلي، والمواد
الدعائية توضح أن الفيلم الثاني هو مقلوب الأول، يحكي فيه المخرج القصة من
زاوية مختلفة تمنحها أبعادًا أخرى. علاقة تخلق الفضول لمشاهدة الفيلم وفهم
أبعاد التجربة.
مشتعل
Afire (ألمانيا)
قد يكون كرستيان بيتزولد هو الاسم الأكثر نشاطًا ونجاحًا في
السينما الألمانية خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بأفلامه
المتنوعة وحضوره الدائم في مسابقة برلين التي يشارك فيها للمرة السادسة
(والسابعة في المهرجان بشكل عام) بفيلم جديد يُمثل الجزء الثاني من ثلاثية
بدأها بفيلم "أوندينه
Undine"
الذي نال جائزة أحسن ممثلة في المهرجان عام 2020.
في "مشتعل" يجمع بيتزولد أربعة شباب في منزل صيفي، منهم
كاتب شاب يحاول إنهاء كتابه الثاني وتطارده مخاوفه وإلحاح ناشره وعدم قدرته
على النوم أو الاستمتاع مع أصدقاءه. لكن ما يشير له ملف الفيلم الصحفي أن
العمل ينقلب في نصفه الثاني من دراما نفسية ليأخذ منعطفًا آخر عندما تبدأ
السماء في التحول للون الأحمر وتُمطر قشًا، بما يوحي بأن المخرج الكبير
سيستكمل ما بدأه في فيلمه السابق من مزج عناصر خارج الطبيعة للتعبير عن
مشاعر وأفكار تهمه وتهم البشر في كل مكان.
في أدامان
On the Adamant (فرنسا)
الفيلم التسجيلي الوحيد في المسابقة هذا العام، من المخرج
الفرنسي المخضرم نيكولا فليبير الذي يدخل عالم "أدامان" الخاص، وهو مركز
رعاية مكانه عوّامة في نهر السين، يستضيف البالغين المصابين بأمراض عقلية،
فيحاول تحسين حالتهم ومساعدتهم في تجاوز الحالة والوصم المجتمعي المحيط بها.
الموضوع يبدو ملائمًا لوثائقي تلفزيوني، لكن التجربة التي
خضناها عام 2021 في دورة برليناله الافتراضية، عندما تم اختيار فيلم وثائقي
ألماني يحمل فكرة مقاربة عن معلم صف مدرسي يضم أطفال من خلفيات عرقية
متباينة، والذي افترضنا أنه عمل موضوع لأسباب سياسية وبهدف التنوع قبل أن
نكتشف عملًا كبيرًا اسمه "السيد باخمان وفصله
Mr. Bachmann and His Class"
نال في النهاية جائزة لجنة التحكيم الخاصة -هي تجربة تجعلنا نترقب "في
أدامان" لعله يحقق النجاح الفني نفسه. |