ملفات خاصة

 
 
 

"جوكر" يعود إلى مهرجان البندقية دونما بريق اللقاء الأول... بدرو ألمودوفار يناقش الموت الرحيم ناقلاً ألوانه إلى أميركا

هوفيك حبشيان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

في "الرجل الذي قتل ليبرتي فالانس" ل#جون فورد، جملة شهيرة تأسيسية لا بد من العودة اليها: "يا سيدي، نحن هنا في الغرب الأميركي، عندما تتحوّل الاسطورة إلى واقع، ننشر الاسطورة". هذه الجملة يقولها رئيس تحرير جريدة إلى السيناتور. فيلم فورد يرينا بعضاً ممّا ساهم في تأسيس الديموقراطية الأميركية، محاولاً الاضاءة على الصراع بين الاسطورة والحقيقة في صناعة التاريخ الأميركي والثقافة الشعبية السائدة.

"#جوكر: فولي أ دو" لتود فيليبس الذي شاهدناه ضمن مسابقة الدورة الحادية والثمانين من #مهرجان البندقية ال#سينمائي (28 آب - 7 أيلول)، لا يروي شيئاً سوى هذا، ولكن بتنويعة مختلفة، بإضافة من هنا وحذف من هناك، بتلاعب واسع مع المكونات والجانرات والأساليب، متماهياً في طبيعة الحال مع زمن مختلف له تحدياته، مستحدثاً هذا الخطاب في ضوء التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية التي حدثت منذ القرن الماضي، لكن الجوهر يبقى هو هو، ويحملنا بسرعة إلى الاستنتاج الآتي: كلّ شيء في أميركا يُستمَّد من الاسطورة، فيتحول استعراضاً، "شو"، ملهاة، فرجة، سواء للاستهلاك التجاري أو التغذية العقائدية. من السجن الذي يقبع فيه #آرثر فلِك (واكين فينيكس) بعدما قتل ستّة أشخاص، إلى قاعة المحاكمة (مكان له رمزيته في السينما الأميركية) التي تحاول اصدار حكم فيه، فاستوديو تصوير البرامج التلفزيونية، وغيرها من الأماكن… هذه كلها ديكورات مسرحية لصناعة الأساطير.

في هذا الجزء الثاني من الفيلم الذي حاز قبل خمس سنوات #جائزة "الأسد الذهب" مفاجئاً الجميع، يتعين على آرثر ومحاميته (كاثرين كينر) الاثبات لهيئة المحلفين انه يعاني من خلل نفسي، فصام، ازدواجية، أدّى به إلى ارتكاب هذه الجرائم، وذلك بهدف تخفيف الحكم. لكن، هناك من ليسوا مقتنعين بهذه الذريعة، ويطالبون بإعدامه. في تلك الأثناء، مر ما يكفي من الوقت، كي يتحوّل آرثر أيقونة عند الجماهير الذي رفعته إلى مصاف الرمز، رمز الفوضى والعصيان. يتزامن هذا مع دخول عنصر جديد على القصّة: فتاة (لايدي غاغا)، يتعرف اليها في السجن، تعبّر عن اعجابها به، فيقع في غرامها على الفور. هناك، أخيراً، مَن يحبّه في هذا العالم الظالم حيث ولد ونشأ.

وفي حين تبذل المحامية كلّ ما في وسعها لإخراجه من شخصية جوكر ونسب كلّ أفعاله إلى التروما التي عانى منها بسبب ما عاشه في طفولته، فالاغراءات أمام آرثر لاعتناقها كبيرة، فهو في النهاية "لا أحد" من دونها. هذه الشخصية، على الأقل، جذبت اليه المريدين، وصنعت منه اسطورة. لكن أين يبدأ هو وتنتهي هي (الشخصية)، وهل يوجد أصلاً شخص آخر في داخله يحاول استدراجه إلى الشر، وهو منفصل تماماً عن إرادته الحرة، أم انه صنيع الأجواء المحيطة به من ثقافة شعبية "تريد نشر الاسطورة لأنها تحولت إلى واقع"؟ تود فيليبس يحاول خلط الأوراق لمرة أخيرة، مضاعفاً حجم الرهان على ورقة الجوكر.

كانت المفاجأة كبيرة عندما شاهدنا الجزء الأول من "جوكر" هنا في البندقية، أولاً لأننا لم نكن ننتظر شيئاً من الفيلم، وهذا يعفيك من الكثير. أما الآن فالمعادلة تختلف وقد دخلنا الصالة بتوقّعات عالية. هناك أشياء مفقودة في هذا اللقاء المتجدّد، في صدارتها عامل المفاجأة والسفر إلى مجهول. رغم ان الفيلم يضمن أعلى درجة من الترفيه والهروب من الواقع. الأحداث متسارعة، يكمّل بعضها بعضاً، الشخصيات مرسومة بدقّة، الإخراج ممتاز، أداء سليم للجميع، لا وجود للملل. ورغم هذا كله، يحاول الفيلم ان "يولّعها"، لكن النيران تُخمد بسرعة.

جديد هذا الجزء هو مزج الجانرات السينمائية محاولاً التجديد. ففي غياب ما هو سوبر جديد على مستوى القصّة، كان من الضروري الاتيان بعناصر مساعدة. المشكلة ان الخيوط التي تحركها ظاهرة أكثر ممّا ينبغي. المخرج يحاول اخفاء هذا الضعف تحت السجّادة. هناك ثلاثة أفلام في "جوكر 2": فيلم المحاكمة والفيلم الذي تجري أحداثه في مصحّ والميوزيكال. في الميوزيكال، يسجل نجاحاً واخفاقاً في آن واحد، اذ الأشياء لا تتطوّر بانسجام، بعض تلك النمر الموسيقية يأتي بروح ملحمي للفيلم، وبعضها الآخر يتسبّب بالضرر لإيقاعه من دون أي اضافة نوعية. هناك تحيّات لميوزيكلات خالدة، صنعت مجد هذا النوع الهوليوودي المجيد، لكن تُنسى بسرعة.

من الواضح ان اسطورة "جوكر" كبرت كثيراً، حد انها فلتت من يد فيليبس نفسه. في هوليوود، نعلم أين نبدأ بالأشياء، لكن لا نعلم بالضرورة أين ننتهي، خصوصاً مع مخلوقات كهذه تعود إلى الحياة تحت ضغط العرض والطلب الرهيب. هذه مخلوقات معرضة إلى الأبد لمهانة الاضافة والحذف (وهوليوود تميل أكثر إلى الاضافة منها إلى الحذف البريسوني). سيكون من الصعب ان تعود الأشياء إلى لحظة انطلاقتها الأولى. الاعادة والتكرار يأكلان من الرصيد، كقطعتي حديد تحفّان واحدة بأخرى، ليختفي البريق تدريجاً.

يخرج "جوكر 2" من رحم سينما أميركية، جادة وشعبية، وضعت "المجانين" في قلب الصراع مع السلطة. يصعب عدم التفكير في "طيران فوق عش الكوكو" لميلوش فورمان، الذي هو النموذج الأهم في هذا المجال. والفيلمان يتشاركان العزلة عن المجتمع، بحجة الخلل النفسي، الذي سيفضي إلى العصيان والانتفاضة. هذا كله ينتمي إلى الجزء الذي نعيه من الفيلم، أما ما يتعلّق بالتفاعل، فشعرتُ وأنا أشاهد "جوكر 2" أنني أكرر مشاهدة الجزء الأول، لكن نسخة "أبدايت" عنه، يأتي بعد نجاح الأول والهدف هو مواصلة ما تحقّق. الأمر أشبه ان تشتري هاتفاً حديثاً فتأتي معه بعض المميزات الجديدة التي لا تحتاجها بالضرورة، رغم انك دفعت ثمنها أغلى بكثير من سعر الأول. أخيراً، هذا فيلم يتطابق مع عالم ما بعد الجائحة، عالم ينطوي على المزيد من سوء النية على ما يبدو، حيث الحبّ لا يستطيع انقاذ أي شيء.

بعد مجموعة أفلام لم تترك أثراً عميقاً، ابتعدت بعض الشيء عمّا كان عليه في ذروته، يواصل المخرج الإسباني الكبير بدرو ألمودوفار مسيرته السينمائية بهدوء واستمرارية لافتين، لكن مع تحوّل كبير لجهة المكان واللغة، بعدما اختار ان يصوّر جديده، "الغرفة المجاورة" (مسابقة) باللغة الإنكليزية وفي الولايات المتحدة، بعيداً من البيئة التي ألفها والأشخاص الذين يعرف قصصهم جيداً. الإنكليزية لغة لا يتقنها ألمودوفار، وهذا من المفترض ان يفتح آفاقاً جديدة للاستكشاف والمغامرة. سينمائيون كثر صوّروا بلغات لا يتقنونها وأحياناً لا يتحدثّونها، لكن في حال هذا الفيلم يأخذ القفز إلى لغة جديدة بُعداً آخر، اذ يختبر معها ألمودوفار مسألة الموت بتفاصيلها الغامضة. لطالما كان الموت أحد هواجس السينما التي أنجزها، هذا بالاضافة إلى انه لغة يفهمها كلّ البشر. الموت، شأنه شأن الحداد، حاضر بقوة في سينما هذا السينمائي، لكنه يتّخذ أشكالاً مختلفة في كلّ مرة. الخسارة الفاضحة وما تخلفه من تداعيات نفسية، تيمة أخرى نجدها في أفلامه، يوظّفها المعلّم لتفكيك الرغبات والهواجس.

حمل ألمودوفار أشياءه وتوجّه بها إلى أميركا. صحيح ترك نساءه في إسبانيا، لكنه وجد نساء جديدات هناك، واحدة منهن هي تيلدا سوينتون، التي سبق له ان تعامل معها في فيلم قصير. الثانية هي جوليان مور، حضورها في الفيلم يجعلنا ننتبه كم هي ألمودوفارية في الأصل. أما ما سيجمع هاتين، فهو شيء في غاية البساطة: الشخصية التي تلعبها سوينتون مصابة بالسرطان، ولا أمل في شفائها، فتقرر ان تنهي حياتها. لا تريد ان تمنح المرض فرصة ان يتغلّب عليها. تود ان تتغداه قبل أن يتعشّاها. لذلك، ستختار الزمان والمكان لاتمام هذه المهمة غير المسموح بها في أميركا. عملياً، هو مجرد انتحار وتوجد منه آلاف الحالات كلّ يوم، وكلّ ما ستحتاج اليه هو حبّة، لكن كون الرغبة في انهاء الحياة تأتي نتيجة مرض وتفادياً لعذابات الجسد، يُدرج انتحار كهذا في ملف الموت الرحيم المثير للجدال.

لكن سوينتون لا تستطيع ان تفعل ذلك وحدها، فتطلب إلى صديقتها جوليان مور، التي زارتها اخيراً في المستشفى بعد انقطاع طويل بينهما، ان تبقى بالقرب منها في الغرفة المجاورة للشقّة التي استأجرتها (من هنا عنوان الفيلم)، ريثما تتم عملية الانتقال بنجاح. الفكرة بسيطة، كان يُمكن ان تُستنفذ بفيلم قصير، لكن الترتيبات المتعلّقة بهذا الموت وأصداء الماضي (كما دائماً عند ألمودوفار) قادرة على ملء ساعتين من السينما لا يستغلّهما المخرج لاعطاء محاضرة، بل كلّ ما يحاول ان يفعله هو تصوير فعل الرحيل الطوعي في ضوء الصداقة والعلاقات الإنسانية والأمل المفقود، هرباً ممّا ينتظر الإنسان من عذاب. لا يسقط في الدراما، بل يبحر على أمواج الميلودراما التي يعرف كيف يتلاعب بخيوطها، بتكوينات صارخة بالألوان والموسيقى وحركات كاميرا أنيقة، مع انه يجب التذكير بأن الفيلم في بعض فصوله ينتفض ولو بخجل على هذا المناخ الألمودوفاري، لا لشيء انما لصعوبة تطويعه مع أميركا. في المقابل، تغيب لمساته في بعض الأحيان، لمصلحة تسطيح سينمائي، لحسن الحظ يتلاشى بسرعة، ذلك انه، رغم كلّ الهنّات، مَن يقف خلف الكاميرا هو صاحب حساسية فريدة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بتصوير النساء.

 

النهار اللبنانية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

لوكا غوادانينو ضاع في هلوسات «كوير»

شفيق طبارة

خلال البحث عن المخدرات والحب، تتقارب روحان برغبة وحرية. يمكن أن يكون هذا ملخصاً لأحدث أفلام المخرج الإيطالي لوكا غوادانينو «كوير» المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، وأيضاً ملخصاً لإحدى أكثر الروايات القصيرة تعقيداً التي تحمل العنوان نفسه والتي كتبها ويليام بوروز، واضعاً فيها بعضاً من سيرته مثل جميع كتاباته. يعتبر النصّ من النصوص التي يصعب نقلها إلى الشاشة الكبيرة، وهو تحدٍّ قبله لوكا غوادانينو، لكنه لم ينجح فيه بشكل كبير.

نحن في مدينة مكسيكو سيتي في أوائل الخمسينيات، حيث يعيش ويليام لي (دانيال كريغ) كمغترب أميركي في عزلة. يرتاد بعض الحانات مع بعض أفراد الجالية الأميركية. إنهم قلّة، ويعرفون بعضهم البعض، ويُلاحظون فوراً وصول شخص جديد، كما حدث عندما ظهر يوجين أليرتون (درو ستاركي). غالباً ما يُرى يوجين مع امرأة، لكن هل هو مثلي أم لا؟ ينتشر فضول ويليام والأميركيين، ليصبح هذا السؤال نوعاً من هوس يدفعهم إلى إقامة علاقة معه لمعرفة الجواب

في ذلك المكان، هناك الشوارع التي يسكنها عدد قليل من الناس، كأنّها إسقاطات حلمية. نركز في الفيلم فقط على تلك الأجساد الضائعة في المدينة، والبحث عن تغيير، والكحول والمخدرات والرغبة. إنها أجساد تسعى إلى شكل من أشكال التواصل، تغلي بين السوائل والتدفقات الجسدية، والعرق، والحيوانات المنوية والقيء، في الأيام التي تتميز بالقهوة ومشروب ميزكال

ينطلق غوادانينو، من هذا المأزق العاطفي للبحث عن طرق هروب فورية. من ناحية، يقدم شخصية معقدة من خلال وجه وجسد دانيال كريغ، في أداء جسدي وعاطفي شامل، ومن ناحية أخرى، في عدد لا نهائي من الهلوسات والإشارات العاطفية.

فيلم «كوير» يريد منّا استيلاد عمليات تفسيره بشكل لا نهائي، فهو يعيد مناقشة ضخامة الديكورات وجهودها السينوغرافية البارزة في محاولة متناقضة للهروب من هذا الكون الواقعي الفخم الذي أصبح شبحاً، ونظرة نقية، وصورة غير مادية، تماماً مثل التجربة المتمثلة في أخذ مخدر الياكا في الغابة في النصف الأخير من الفيلم، لإقامة اتصال عاطفي عن بعد بين لي وأليرتون.

 «كوير» يجد معناه في هذا التجوال بين الشكوك ومخاوف العقل والجسد البشري، يسافر بحرية صوب أي شعور ملموس. يتحول باستمرار كما لو كان بحد ذاته حلماً، عنصراً مرناً، مجموعة من الذكريات والأحلام والرغبات، أدركت أو لم تدرك طريقها.

يبدو، في بعض الأحيان، مزعجاً، سطحياً، غير محسوب بعمق، وقوياً بلا شك. قد يكون مربكاً، ولكنه في الوقت عينه يشرح نفسه. لكن غوادانينو ضاع به، فخرج بفيلم طنان، مبهر في بعض الأحيان، لا يصل إلى طموحه.

«كوير» غير كامل، وكما يحدث غالباً في أعمال غوادانينو، يأخذ العديد من التراخيص والتجارب ويخلق لحظات من الأصالة والشخصية العظيمة، ومع ذلك، فإنّها لا تتمتّع هذه المرة بالفعالية اللازمة أو صحة النبرة.

 في مرحلة ما، يتلاشى الفيلم إلى لا شيء، ويتفكك أمام أعيننا. يريد الفيلم أن يكون مؤثراً للغاية، يضغط بقوة على الجنس والهلوسة، ومصمّم جداً على إظهار ما لا يمكن إظهاره. على الرغم من أداء كريغ العظيم، إلا أن الفيلم لا يجذب، ومن خلال المؤثرات البصرية الرقمية وبعض المشاهد التي بدا واضحاً أنّها من إنتاج الذكاء الاصطناعي، سوف يصعب الإحساس بالعاطفة والتعاطف.

 هناك بعض اللحظات السينمائية الرائعة، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية من تأليف ترينت ريزنور وأتيكوس روس وبعض الحوارات، ولكنّها وحدها لا تكفي لإنشاء فيلم متماسك.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

06.09.2024

 
 
 
 
 

«ما زلت هنا» للبرازيلي بيتر ساليس:

امرأة تتحدى الحكم العسكري رغم الاختفاء القسري

نسرين سيد أحمد

فينيسيا – «القدس العربي»: في أحد المشاهد الرئيسية في فيلم «ما زلت هنا» للمخرج البرازيلي بيتر ساليس، المشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا السينمائي (28 أغسطس/آب إلى 7 سبتمبر/أيلول) تقف امرأة يحيط بها أبناؤها في أحد المباني الحكومية مبتسمة، بينما تنهمر الدموع من عينيها في صمت. تحمل المرأة في يد مرتجفة شهادة وفاة زوجها المختفي قسريا من قبل السلطات العسكرية في البلاد، بعد أن أفنت أعواما وأعواما بحثا عنه، أو معرفة ما إن كان قد قُتل أو ما زال على قيد الحياة.
«ما زلت هنا» فيلم مؤثر للغاية، وضروري للغاية، يصور بطش النظام العسكري وما يخلفه الاختفاء القسري من معاناة وألم، لأسرة المختفي، الذين يعيشون تحت وطأة الفقد والخوف. ولكن الأمور لم تكن دوما على هذه الشاكلة. تبدأ أحداث الفيلم، الذي تدور أحداثه في ريو دي جانيرو، في أيام مشمسة على الشاطئ، حيث يمضي الصغار يومهم ويعودون إلى منزلهم القريب من الشاطئ فرحين، إلى بيت يعمه الدفء والضحك واللعب، وتصدح فيه الموسيقى. إنه منزل سعيد تعمه أشعة الشمس ونسيم البحر. لكن العالم الخارجي يتسلل إلى هذا المنزل البهيج، من نبأ ينقله التلفزيون عن اختطاف دبلوماسي سويسري، وعن اعتقال بعض من يطلق عليهم التلفزيون الرسمي البرازيلي عناصر مخربة.

إنه موسم عيد الميلاد عام 1970، بعد نحو ستة أعوام من صعود الديكتاتورية العسكرية إلى السلطة في البلاد، حتى ذلك الحين كانت هذه الأسرة تظن أنها تعيش في أمان، حيث تمضي الزوجة إيونيسي بيافا (فرناندا توريس في أداء متميز) يومها في السباحة، ثم لقاء أصدقاء العائلة، ويمضي زوجها المهندس، وعضو البرلمان السابق، قبل وصول النظام العسكري للسلطة، روبنز بيافا (ستيلون ميلو) يومه في العمل واللعب مع الأبناء ودعوة الأصدقاء للعشاء. في العديد من اللقطات في الجزء الأول من الفيلم نرى المنزل من الخارج، بطلائه الأبيض الناصع والزهور الذي تظله وشاطئ البحر القريب منه. يمكننا القول إن هذا المنزل هو أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم، وإن مصيره جزء لا يتجزأ من أقدار هذه الأسرة، التي ستشهد بطش النظام القمعي وقهره. إنه منزل يتجمع فيه الأصدقاء والأهل والأبناء للسهر والسمر، بيت تنبعث منه رائحة الزهور والطهي المنزلي. ولكن أضواء هذا المنزل ستخبو، وستائره المشرعة ونوافذه المفتوحة للهواء، ستغلق، وأجواء الحميمية والضحك ستختفي حين تحتل الشرطة غرفه وتعبث بمحتوياته، بلا جريرة أو ذنب، بل لمجرد الاشتباه في أنه على صلة مع بعض من يتهمهم النظام بأنهم مثيرو القلاقل ومعادو النظام، تعتقل السلطات روبنز للتحقيق، وإثر ذلك تحتجز إيونيسي وإحدى بناتها للاستجواب. وبعد أيام عصيبة يُفرج عن الأم والابنة، لكن الأب لا يعود إلى البيت قط، وترفض السلطات الإفصاح عن مكان وجوده أو عما إذا كان على قيد الحياة، رغم الضغوط الدولية للإفراج عنه.

يوضح مشهد إلقاء القبض على بيافا قدرة النظم القمعية على تجريد الأماكن من بهجتها في لحظات، وفرض وجودهم الخانق في ثوان معدودات. يقتحم جنود في ملابس مدنية المنزل في وضح النهار، وفي لحظات تختفي بهجة المنزل. يغلقون الستائر فيعم الظلام، وينتشرون في أرجاء المنزل، عابثين بمحتوياته وبخصوصيات أصحابه، بينما لا يفهم الصغار الذين عادوا للتو من الشاطئ لماذا ينتشر هؤلاء في المنزل ومن هم؟

لكن ساليس لا يركز على الفقد، أو على بطش السلطات، بقدر ما يركز على صمود الأسرة وتحديها ووقوفها شامخة رغم القهر والصعاب. لا نرى رجال الشرطة وجواسيس النظام إلا دقائق معدودات، أما تركيز الفيلم فينصب على إيونيسي والأبناء. لا تنهار الأسرة بل تبقى قوية متحدية. مركز هذا الصمود ومنبعه هو إيونيسي، الزوجة التي لا تكل ولا تمل في المطالبة بمعرفة مصير زوجها، والأم التي تعود للعمل والدراسة، حتى تتمكن من إعالة الأسرة. تؤدي توريس دور إيونيسي بمصداقية وتميز كبيرين. رغم الحزن والفقد تلم إيونيسي شتات نفسها، وتبقى مصدر الأمان والاحتواء للأبناء، وتدبر الأمور المادية للأسرة، ورغم حبها لمنزلها في ريو وكل ما عاشته من ذكريات سعيدة فيه، لا تتردد في تركه والانتقال إلى ساو باولو حتى توفر المال الذي تحتاجه الأسرة.
أداء توريس في الفيلم هو السهل الممتنع، فهي مؤثرة موجعة ملهمة بلا تكلف. تلعب توريس، التي سبق لها الفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان، دور الزوجة والأم الأنيقة ببساطة، فهي الأم التي تشتهر وسط الأصدقاء بإعداد حلوى السوفليه الفرنسي بإتقان، وتعد ابنتها للسفر لإنكلترا لمواصلة الدراسة، وتمضي أمسياتها في دعوة الأصدقاء لسهرات منزلية. ولكن حين تتبدل الأحوال وتعتقل السلطات زوجها نرى وجها آخر لها لم نكن لنظن أنه موجود على الإطلاق. نرى جلدا وصبرا وصمودا وقوة وقدرة على التحدي. لا نراها منهارة أو باكية حتى في أحلك الظروف، فهي تعلم أنها إن انهارت سيتشتت الأبناء، وأن في صمودها حفاظ عليهم. رغم بقائها رهن الاحتجاز والتحقيق والتعذيب لعدة أيام، تعود للمنزل رابطة الجأش مصرة على ألا يشعر أبناؤها الخمسة بأي خوف أو قلق. تعمل في صمت لمحاولة بيع قطعة أرض تمتلكها الأسرة لتدبير مستلزمات الصغار، بينما تعد للانتقال لساو باولو وتسعى مع المحامين والمنظمات الدولية لمعرفة مصير زوجها.
في «ما زلت هنا» يقدم ساليس، صاحب فيلم «يوميات الدراجة النارية» عن السنوات الأولى في شباب تشي غيفارا، فيلما إنسانيا وسياسيا في المقام الأول، دون شعارات أو كلمات رنانة. مجرد صمود هذه الأسرة بعد اعتقال الأب فعل تحدٍ للسلطات، وفي قرار الأم دراسة القانون والعمل في مجال حقوق الإنسان رد إيجابي على بطش النظام.

 

القدس العربي اللندنية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

الظهور الاول لأبطال "رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" بفينيسيا

البلاد/ مسافات

الظهور الاول لأبطال فيلم "رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" وظهور خاص لبطل الفيلم "الكلب رامبو" في الـ photocall الخاص بفريق عمل الفيلم بالتزامن مع العرض الأول للفيلم ضمن برنامج "أوريزونتي اكسترا" بالدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، والتي ستستمر حتى السابع من سبتمبر القادم، وذلك بقاعة  قاعة  SALA GIARDINO السينمائية.

حضر العرض العالمي الأول ابطال الفيلم عصام عمر، ركين سعد، أحمد بهاء، والكلب رامبو، ومعهم المخرج والكاتب خالد منصور والمنتجون  محمد حفظي و رشا حسني، بالإضافة إلي فريق العمل السيناريست محمد الحسيني، مدير التصوير احمد طارق بيومي، ومصممة الملابس ناردين إيهاب، والمونتير أحمد الجندى، والموسيقار احمد مصطفي زكي، ومصمم الصوت محمد صلاح، مصمم فني وديكور مارك وجيه، ومحمد جمال الـمنتج منفذ وغيرهم من فريق العمل.

وسيكون مهرجان فينيسيا هو المحطة الأولى لعرض الفيلم رسميا بعد رحلة استمرت لأكثر من 8 سنوات ما بين التحضير والتصوير، من إنتاج محمد حفظي من خلال شركة فيلم كلينك والمنتجة رشا حسني التي تخوض أولى تجاربها في إنتاج الأفلام الروائية الطويلة بالتوازي مع مسيرتها المهنية الناجحة في مجالي النقد والبرمجة السينمائية في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية المهمة ومن توزيع فيلم كلينك المستقلة للتوزيع في جميع أنحاء العالم .

كان الفيلم قد حصل الفيلم مؤخرًا على جائزة خدمات الهوية البصرية وخدمات DCP لمشروع في مرحلة ما بعد الإنتاج، المقدمة من شركة Creative Media Solutions في الدورة الخامسة من أيام عمان لصناعة السينما وسوق عمان للمشاريع،  كما حصل الفيلم أيضًا على عدد من منح الإنتاج من بينها منحة إنتاج صندوق البحر الأحمر السينمائي لدعم الأفلام، ومنحة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة للصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق، ومنحة الإنتاج السينمائي من المنظمة الدولية الفرانكفونية.

بينما حصل سيناريو الفيلم على عدد من منح التطوير من بينها منحة تطوير الأفلام الروائية الطويلة من الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق، وجائزتين تطوير من منصة الجونة السينمائية، شارك سيناريو الفيلم في عدد من مختبرات ومعامل التطوير والتمويل، من بينها برنامج تطوير الأفلام الفرنسي “La Fabrique Cinéma Programme” والذي يُشرف على تنظيمه المعهد الفرنسي وتُقام فعالياته كأحد أنشطة سوق مهرجان كان السينمائي الدولي، وملتقى بيروت السينمائي لتطوير ودعم الأفلام، وورشة تطوير الأفلام السينمائية التي نظمتها الهيئة الملكية الأردنية، وبرنامج “Dot.on.the.map” كجزء من فعاليات مهرجان أيام قبرص السينمائية، وورشة أفلام سين لتطوير الأفلام بمصر، كما شارك سيناريو الفيلم في عدد من أسواق التمويل السينمائية من بينها سوق مهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد وسوق مهرجان ديربان السينمائي بجنوب أفريقيا.

 

البلاد البحرينية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

كلود لولوش (86 عامًا) يواصل مسيرته بحماس

المخرج الفرنسي كلود لولوش، الذي يبلغ من العمر 86 عامًا، يواصل مسيرته السينمائية بحماس، حيث عرض فيلمه الحادي والخمسون في مهرجان البندقية خارج المسابقة، وأعرب عن تطلعه لتصوير فيلم جديد العام المقبل. في مؤتمر صحافي، أُعلن عن منحه جائزة "كارتييه غلوري تو ذي فيلميكر" الفخرية، تقديرًا لمسيرته وتأثيره على السينما المعاصرة. لولوش أكد أنه سيستمر في صناعة الأفلام طالما أن الأفكار ما زالت تتدفق في ذهنه، مشيرًا إلى أنه لم يكن لديه سابقًا هذا الكم من الأفكار.

أوضح لولوش أنه على دراية بإمكانية أن يُطلب منه التوقف في أي لحظة بسبب عمره، لكنه يشعر بأن دماغه لا يزال يعمل بكفاءة، وما زال يندهش من الحياة. فيلمه الجديد "فينالمان"، الذي يضم كاد مراد وإلسا زيلبرستين وميشيل بوجينا وساندرين بونير وفرنسواز فابيان، يعكس شخصيته كثيرًا. يتناول الفيلم قصة لينو، المحامي اللامع الذي يترك عمله وعائلته ليجوب طرقات فرنسا، وتتبعه زوجته الممثلة الشهيرة وصديقهما الأعز.
علق لولوش بأن العالم الذي نعيش فيه يجعلنا سجناء لأشياء كثيرة، مثل العائلة والعمل، وأننا جميعًا نرغب في بدء حياة جديدة في مرحلة ما. رغم محن لينو، إلا أن الفيلم يعبّر عن التفاؤل من خلال الموسيقى. لولوش أشار إلى أنه متفائل بطبيعته لأنه عاش الحرب وفترة ما بعد الحرب، ونجا من الأسوأ، مما يجعله يرى كل شيء آخر جميلًا. شخصية لينو تمثل الرجل الذي يبحث عن الأساسيات بدون أن يدرك ذلك، مما يجعله ينجرف مع الحاضر. الفيلم يشبه لولوش كثيرًا، ويعكس رؤيته للحياة
.

لولوش اشتهر عالميًا بفيلمه "رجل وامرأة" الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1966 وعلى جائزتي أوسكار.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

«بيبي غيرل» لهالينا راين: فيلم مدعٍ يخفق في تصوراته عن المرأة

نسرين سيد أحمد

البندقية ـ «القدس العربي»: ثمة أفلام تعتلي موجة الجندر والجنسانية وحقوق المرأة، خاصة حقوقها الجنسية، وترفع تلك الشعارات، دون مضمون جدي أو رؤية واضحة، لتحصل على مكان للتنافس في المهرجانات الكبرى بدعوى دعم المرأة، لاسيما إن كانت مخرجة الفيلم ذاتها امرأة.

هذا بالضبط هو الحال مع فيلم «بيبي غيرل»Babygirl للمخرجة الهولندية هالينا راين، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول) الذي كنا نرجو أن يناقش حق المرأة في التعبير عن رغباتها الجنسية برؤية جدية، لكنه ينزلق إلى مجرد صور نمطية وشعارات جوفاء.

تدور أحداث الفيلم حول رومي (نيكول كيدمان) وهي رئيسة شركة تعمل في مجال التكنولوجيا، وهي زوجة لمخرج مسرحي (أنطونيو بانديراس) وأم لابنة مثلية في سن المراهقة. على السطح تبدو كل الأمور مثالية، فرومي ناجحة ومتحققة عمليا، وفي زيجة سعيدة ذات توجه ليبرالي تؤازر ابنتها المراهقة في حقها في المثلية الجنسية. لكن هذه الواجهة المثالية والزيجة السعيدة تخفي سرا مهما، فرومي غير سعيدة في علاقتها الحميمة مع زوجها، وتتوق إلى علاقة أكثر إشباعا ترضي ميلها في أن تُمارس عليها السادية. تخفي رومي عدم رضاها الجنسي، ثم ذات يوم تلتقي متدربا شابا في شركتها في بدايات العشرين، فتفتن بلهجته الآمرة، رغم فارق السن والمنصب، ويبدو لنا أنها تسقط تماما في شباكه عندما يقول لها بصورة عابرة، إنها تبدو له ذلك النوع من النساء الذي يحب أن يمتثل للأوامر.

تندفع رومي في تلك المغامرة الجنسية مع هاريسون، وهي علاقة تشبع رغبتها في أن تمارَس عليها السادية، وأن تتلقى الأوامر فتطيعها. يبدو لرومي أنها تتقدم في تلك العلاقة بكامل إرادتها وحريتها، لتشبع فيها رغبات دفينة لا يمكنها الإفصاح عنها لزوجها، لكن واقع الحال هو أن هاريسون هذا يسعى بكل صورة من الصور لتوطيد علاقته بها، وللتغلغل إلى عالمها وعالم أسرتها. رومي تدرك أن تورطها المتزايد في تلك العلاقة يهدد كل ما بنته على الصعيد المهني والأسري. فإذا افتضح أمر أنها على علاقة مع متدرب في الشركة سيقضي ذلك على مسيرتها المهنية، وإذا علم زوجها بعلاقتها، سينتهي الزواج، لكنها تبقى مندفعة في هذه العلاقة. ويبدو أن المخرجة ذاتها، على الرغم من النغمة السائدة في الفيلم بتقبل كل الميول والنزعات الجنسية، غير قانعة بأن السادية قد تكون اتجاها جنسيا لدى البعض، دون أن يكون لديهم انحراف ما. فرومي تفسر في أحد مشاهد الفيلم ميلها للسادية بأنها نشأت وسط طائفة تمارس طقوسا غريبة، وبالتالي نشأت على هذه الشاكلة «المشينة». بقدر ما تحاول المخرجة أن تبدو تحررية متحررة، إلا أنا ما زالت تزن الميول والتفضيلات الجنسية بميزان الصح والخطأ والمقبول والمشين. كما يبدو أن المخرجة تبرر استخدام التفضيلات كورقة ضغط على المرأة. تعلم إحدى المساعدات الطموحات لرومي في الشركة بأمر العلاقة مع المتدرب. وتستخدم معرفتها لذلك السر للترقي، ولأن تطالب بحصول المزيد من النساء في الشركة على مناصب أعلى. لا مشكلة لدى الفيلم إذن في أن تستغل امرأة نقاط الضعف لدى امرأة أخرى وأسرارها الجنسية، طالما سيخدم ذلك نساء أخريات. يبدو أن الفيلم يبرر الابتزاز والفضائحية، كسبيل مباح لحصول النساء على مزيد من الحقوق في مجال العمل. كما يبدو الفيلم طبقيا وعنصريا أيضا، رغم النغمة التحررية التي تغلفه. مساعدة رومي، التي تستغل معرفتها بعلاقتها مع المتدرب للترقي، سوداء والمتدرب نفسه يبدو من طبقة اجتماعية أدنى من رومي. هكذا يبدو الأمر كما لو كان تحالفا بين أصحاب الأصول العرقية غير البيضاء، والمنحدرين من طبقات اجتماعية غير ثرية لسلب البيض الأثرياء مناصبهم العليا ومكانتهم الاجتماعية واستقرارهم الأسرى.

يلامس الفيلم الكثير من القضايا المهمة مثل، الجنس كعنصر أساسي لإنجاح الزواج، وتقبل الآباء لأبنائهم المثليين، والتحديات التي تواجه النساء الطموحات في مجال العمل، لكنها جميعا يتم التعامل معها كيفما اتفق بسطحية كبيرة، ودون تعمق أو تفكر، حتى القضية الرئيسية في الفيلم، وهي حق المرأة في ممارسة رغباتها الجنسية بحرية، وفي التعبير عن نفسها جنسيا دون خوف، تتعامل معها المخرجة هالينا راين بسطحية بالغة. حتى تصور المخرجة للسادية تصور سطحي مبتذل. ويبدو أن المخرجة اختارت هذا الموضوع لتلقننا عظات عن تقبل جميع الميول والنزعات. لكن تلك الدروس التي يتلقاها المشاهد تتركه ضجرا، وتصيبنا بقدر كبير من الملل. حتى وجود نجمة كبيرة مثل نيكول كيدمان، لا يقلل من هذا الضجر. ويجعلنا الأمر نتساءل لماذا تم وضع مثل هذا الفيلم المتواضع القيمة الفنية ضمن المسابقة الرسمية في أحد أبرز وأعرق المهرجانات السينمائية في العالم.

 

القدس العربي اللندنية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

البندقية 81 - “لا أزال هنا”: نصف قرن من النضال على وجه أونيس

هوفيك حبشيان

بعد أربعة عقود على سقوط الديكتاتورية في البرازيل، يأتي المخرج والتر ساليس بفيلم مرجعي عنها، وعن فصل دموي من تاريخ بلاده، مختتماً غياباً عن الشاشات دام 12 عاماً. جديده هذا، "لا أزال هنا"، اكتشفناه ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية ال#سينمائي (دورة 81 - من 27  آب إلى 7 أيلول) التي تتضح معالمها كلّ يوم أكثر فأكثر.

الديكتاتورية العسكرية في البرازيل عاشت نحو عقدين، وخلّفت وراءها كوارث إنسانية. الجرح لم يلتئم عند كثيرين، خصوصاً الذين خسروا أباً وأخاً ورفيقاً وحبيباً. والخسارة أنواع، أسوأها ذلك الذي لم يُعرف فيه مصير الضحية، إذ قضى تحت التعذيب ولم يُعثر على جثّته، وبات في عداد الموتى الأحياء بالنسبة إلى العائلة. كيف يموت الإنسان نهائياً في غياب الجسد؟ وهل يمكن الحداد عليه؟

ينطلق الفيلم من هذه الواقعة، واقعة الآلاف الذين قضوا في أقبية النظام البغيض، وظلّ أهاليهم بلا أخبار عنهم لسنوات، قبل أن يُسلَّموا وثيقة وفاة تنهي القضية (عند دخول البلد في مرحلة الديموقراطية). إنّها واحدة من روايات الظلم التي عاشتها أميركا الجنوبية بين الخمسينات والثمانينات، ونُقِلت في العديد من ال#أفلام، لكن بمقاربات مختلفة.

"لا أزال هنا" أفلمة لقصّة روبن بايفاس الحقيقية، اقتبسها ساليس من كتاب مذكّرات ابنه مارسيلو عن أمّه. هذا النائب اليساري السابق (سلتون ميللو) كان انسحب من الحياة السياسية ليهتمّ بشؤون أسرته. كانت حياته موزّعة بين زيارات متكرّرة لأصدقاء وارتياد السينما، عندما أُلقي القبض عليه واتُهِّم بمساعدة أعداء النظام. الافتتاحية لافتة: على أحد شواطئ "ريو دي جانيرو"، نشهد على تفاصيل الحياة العذبة. نلمس سعادة تكاد تكون مثالية، رغم أنّ الديكتاتورية قائمة في البرازيل منذ ستّ سنوات عند لحظة بدء الحكاية. نرى أطفالاً يلعبون بالطابة، مراهقون يدهنون أجسادهم بالكوكا كولا، إلخ... هذا آخر شيء جميل سنراه قبل الدخول في نفق القهر والعذابات. إلى الآن، كانت الأحداث مسموعة. بعد الآن، ستصبح "مُعاشة".

بعد دهم عناصر من الجيش باللباس المدني منزله لاقتياده إلى التحقيق، لم نسمع شيئاً عن بايفاس. يحدث هذا في نصف الساعة الأولى من الفيلم، أمّا الساعتان التاليتان فتنقلان معاناة زوجته أونيس (فرناندا توريس) للبحث عنه ومعرفة مصيره ومحاولة التدخّل لدى السلطات للإفراج عنه. لكن كلّ المحاولات ستفشل.

أونيس تريد الحقيقة، هي تودّ أن تعرف ماذا حلّ بزوجها، لكن لا أحد يملك الجواب. بعد اعتقال بايفاس، ستصبح الزوجة أماً وأباً لأولادها الخمسة، ومناضلة ومحامية، محتكرةً كلّ الأدوار والوظائف. فيها يختزل ساليس نضال نصف قرن، راسماً على وجهها المعبّر الجميل علامات تبدّل المواسم والأنظمة والأجيال، مع دائماً تلك الصلابة المقترنة بالهشاشة التي تميّز الكبار. والأهم إنّها لن تنكسر، لن تخسر ولو قليلاً من كرامتها، لن تتحوّل وحشاً وهي تحارب الوحوش. بل ستكون نموذجية في طريقة تعاملها مع المواقف التي ستتعرّض لها. أمّا الأسى فسيبقى. سنوات بعد نهاية الديكتاتورية، سيظلّ صدى تلك الحقبة يتردّد في وجدان هذه المرأة. في مشهد ختاميّ مؤلم، نرى شيئاً ما يتحرّك داخلها عندما تسمع اسم زوجها في نشرة الأخبار، رغم إصابتها بالـ"ألزهايمر". الغياب صعب، الغياب القسريّ أصعب.

كالعادة، في هذا النوع من الأفلام، الخاصّ والعامّ يتقاطعان، ما يجري داخل البيت وخارجه يصبحان واحداً. النظام الذي تعيش تحت رحمته، يوحّد الفضاءين، لا يمنح لك أيّ حرّية بأن تعيش بكامل "فردانيّتك"، وبالتالي لا تستطيع أن تفكّر وتتصرّف وفق ما ينسجم مع قناعاتك.

قبل الاعتقال وتدهور الأوضاع، كان البيت الأسريّ يشكّل في الفيلم "ضرورة جماليّة". فهو عشّ، خشبة مسرح، ملجأ، في آن معاً. رؤية المطبخ وحدها في خلفية الصورة، تحضّ على الراحة النفسية والطمأنينة. أينما يوجد طعام وماء، توجد حياة. أمّا بقية أجزاء البيت، فخلية نحل حيث يجتمع الكلّ لتبادل الآراء والأفكار. هذا كلّه قبل أن يعشّش في جدرانها الصمت والموت والجمود. كلّ حادثة تحتاج إلى مكان، وفي غياب جسد المعتقل/المقتول، يصبح بيته (الغائب عنه) مسرح الحادثة. إنّه الديكور الأوحد، الذي يحوّله المخرج (يقول إنّه مقرّب من العائلة منذ الصغر)، إلى كاراكتير في ذاته. وفي اليوم الذي ستعي فيه الزوجة أنّ زوجها لن يعود، أوّل ما ستتخلّى عنه هو البيت، ستذهب إلى غير رجعة قاصدةً مع أولادها "ساو باولو"، ذلك أنّها تعلم أنّ الرجل في كلّ غرفة وزاوية من هذا البيت، لكن لا قدرة لها على رؤيته.

انتظرنا عودة ساليس إلى السينما (فاز بـ"الدبّ الذهب" عن رائعته "محطّة برازيل" في العام 1998)، وتبيّن أنّنا لم ننتظره من أجل لا شيء. إنّه السينمائيّ الذي يستخدم سينماه أداة ضدّ النسيان. عمله ذو ثقل إنسانيّ، حسّاس، الموت فيه لا يمنع الحياة، يردّ الاعتبار إلى ضحايا حقبة ظالمة من تاريخ أمّة. هذا فيلم فيه قدر من الحزن، يحاول أن يعضّ على الجرح ويصبح بالتالي أكثر حزناً.

 

النهار اللبنانية في

06.09.2024

 
 
 
 
 

ركين سعد ترتدي شعار نصف البطيخة دعمًا لفلسطين في مهرجان فينيسيا

مصطفى القصبي

ظهرت الفنانة ركين سعد في مهرجان فينيسيا السينمائى مرتدية شعار نصف البطيخة دعما لفلسطين .

وظهر أبطال فيلم "رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" مع ظهور خاص لبطل الفيلم "الكلب رامبو" في الphotocall الخاص بفريق عمل الفيلم، وذلك بالتزامن مع العرض الأول للفيلم ضمن برنامج "أوريزونتي اكسترا" بالدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، والتي ستستمر حتى السابع من سبتمبر الجارى، وذلك بقاعة  قاعة   SALA GIARDINO السينمائية.

العرض العالمي الأول بحضور أبطال الفيلم عصام عمر، ركين سعد، أحمد بهاء، والكلب رامبو، ومعهم المخرج والكاتب خالد منصور والمنتجون  محمد حفظي و رشا حسني.  بالإضافة إلي فريق العمل السيناريست محمد الحسيني، مدير التصوير احمد طارق بيومي، ومصممة الملابس ناردين إيهاب، والمونتير أحمد الجندى، والموسيقار احمد مصطفي زكي، ومصمم الصوت محمد صلاح، مصمم فني وديكور مارك وجيه، ومحمد جمال الـمنتج منفذ وغيرهم من فريق العمل.

وسيكون مهرجان فينيسيا هو المحطة الأولى لعرض الفيلم رسميا بعد رحلة استمرت لأكثر من 8 سنوات ما بين التحضير والتصوير، من إنتاج محمد حفظي من خلال شركة فيلم كلينك والمنتجة رشا حسني التي تخوض أولى تجاربها في إنتاج الأفلام الروائية الطويلة.

 

اليوم السابع المصرية في

06.09.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004