في أمريكا يطلق على الفلم السينمائي والسينما عموماً
اسم
Movie.
وهذا الاسم يشير بوضوح الى اشتقاقه من فعل الحركة
Move،
او يطلق أيضاً اسم
Motion Picture الذي قد يُترجم الى الصورة المتحركة او حركة الصورة. ويدخل الاسم
الأخير Motion Picture
حتى الى اسم أرقى هيئة او تجمع سينمائي في امريكا، ونقصد "أكاديمية علوم
وفنون الصور المتحركة" التي تُعرف اختصاراً، باسم (الأكاديمية) واوسكاراتها
السنوية، التي تُشكل (حدثاً) عالمياً بارزاً بمعنى الكلمة.
ان كل هذا، بالطبع، لا صلة له بموضوع الأفلام
الكرتونية او الرسوم المتحركة، التي يطلق عليها اسم
Cartoons
او Animé
، فهذا مجال آخر، مبني على صور متحركة للرسوم او الدمى الطينية وغيرها، ذات
الطابع الطفولي المرح. وقد يختلط هذان المجالان – الافلام الروائية
Feature Films
وأفلام الرسوم المتحركة
Animé
– في بعض التجارب السينمائية كما في الفلم الشهير (من ورّط الارنب روجر)
مثلاً او بعض الأفلام الموسيقية الراقصة من الخمسينات للممثل/ الراقص
الشهير جين كيلي، حيث نرى أبطالاً آدميين يتعاملون مع رسوم متحركة او
شخصيات كارتونية. وبدخول تقنيات الكمبيوتر الحديثة في صناعة الصور او
الرسوم
Computer Graphics
(CG)،
وكذلك في تحريك هذه الصور او الرسوم
Computer
Animation،
تحققت لصناعة السينما عامة، درجات عالية من الحرية لخلق المناظر والخلفيات
المذهلة، بالإضافة لإمكانية زجّ الممثلين في مواقف صعبة وخطيرة إنْ لم نقل
مستحيلة او ربما مكلفة مادياً؛ كما في أفلام (الحديقة الجوراسية، الفاني،
ماتريكس، حرب النجوم، سيد الخواتم) وغيرها من أفلام الحركة والفنتازيا
والخيال العلمي خصوصاً.
ويظل فلم (قصة لعبة
Toy Story)
معلماً بارزاً في تاريخ السينما، باعتباره اول فلم (كرتوني) يُصنع كلياً
باستخدام تقنيات الكمبيوتر، وقد لحقته أفلام عديدة في هذا المجال مثل
(ديناصور)، (شْرِيك)، (العصر الجليدي)، (البحث عن نيمو)، (الجبابرة
المذهلون)، (مدغشقر) وغيرها. والحقيقة، اننا نشهد تداخلاً في المفاهيم
والمصطلحات او بالأحرى تبادلاً في الأدوار او تكاملاً بين السينما الروائية
وسينما التحريك بالكمبيوتر. فبغياب تقنيات الكمبيوتر، ماذا يبقى من فلم
(القناع) مثلاً؟ انّ القدرات الخارقة او التحولات النفسية والفيزيولوجية
التي تطرأ على البطل (جيم كاري) ساعة ارتدائه القناع، لن تُصبح مُقنعة، كما
لن تنتمي الى عالم الكبار، لو نُفِّذت بأساليب الرسوم المتحركة التقليدية.
وقد يدّعي البعض، انّ التحريك بالكمبيوتر أرخص او اسهل
مقارنةً بجيوش (الرسّامين والمحرّكين) التقليدية … الا انّه لم يقم البرهان
على ذلك أبداً. فالمعدّات والحاسبات الخاصة (Silicon Graphics
او Work
Stations)
والكوادر الفنية المؤهلة، مكلفة جداً ومحتكرة تماماً ضمن شركات صغيرة في
هوليود واليابان. كما انّ هذا النوع من العمل يتطلب ساعات عمل طويلة جداً
لصنع دقائق قليلة من المشاهد السينمائية، فما بالك بساعة او ساعتين. كما
يظلّ الاعتماد قائماً، في الافلام الكرتونية والأفلام المصنوعة بالكمبيوتر
على النجوم الكبار الذين يوفرون الأصوات للشخصيات الرئيسية مثل شارون ستون
وسيلفستر ستالون في فلم "النمل"، توم هانكس وتيم روبنز في فلم "قصة لعبة"،
ميل غيبسون في فلم "هروب الدجاج"، كيفن كلاين وبراناغاه في فلم "الطريق الى
الألدورادو"، إيدي مورفي وروبرت دي نيرو في فلم "حكاية سمكة قرش" وغيرها.
لقد جمعنا هذه الافلام مع بعض، بالرغم من انّ بعضها مصنوع كلياً بتقنيات
الكمبيوتر، لأنها – جميعاً – تتميز بالطابع او المظهر الطفولي المرح الى
حدٍ ما.
موت الممثل!
ومنذ اكثر من عشر سنوات، توقع البعض إمكانية إعادة
النجوم المحبوبين الى الحياة، على شاشة السينما بالطبع، بفضل هذه التقنيات
الجديدة. وتخيل البعض إمكانية صنع أفلام جديدة لمارلين مونرو او جيمس دين
مثلاً، او إمكانية جمعهما – في فلم – معاً. او قد نشطح الى ابعد من ذلك،
فنتخيل فلماً يخلو على الإطلاق من الممثلين البشر، فلماً يخلو من المواقع
والديكورات
(Locations and
Settings)، وفي نفس الوقت يحافظ على طابع الافلام
الروائية وليس الكرتونية. وهذا ما حصل فعلاً، مع فلم "الفنتازيا النهائية:
الأرواح الداخلية او الضمنية". فكل شيء في الفلم – تقريباً – لا وجود مادي
له. كل شيء مصنوع او مخلوق بواسطة أجهزة الحاسوب المتقدمة بناءً على خيالات
الفنان "هيرونوبو ساكاغوشي"؛ مُبدع لعبة الفيديو الشهيرة (الفنتازيا
النهائية) بأجزائها العشرة، والتي تحولت قبل ثلاثة أعوام الى فلم سينمائي.
الشيء الحقيقي – او المادي – الوحيد في الفلم، هو أصوات النجوم الكبار في
الفلم: دونالد سوذرلاند، اليك بالدوين، ستيف بوشيمي، منغ-نا، جيمس وودز
وآخرين. وحتى هذه الأصوات، يمكن الاستغناء عنها في مرحلة لاحقة، من اجل خلق
أصوات جديدة (افتراضية) وتطويعها لتأدية الحوارات المختلفة. وعند ذاك سنحصل
على الممثل (المثالي) المصنوع كلياً بالأجهزة والتقنيات الإلكترونية. وقد
يشيع حينها مفهوم (موت الممثل) مثلما يشيع الآن مفهوم موت المؤلف او الكاتب
في الأدب!.
ومن يُشاهد الفلم سيُذهل من مستوى الصور والتحريك
والاهتمام بالتفاصيل البسيطة والدقيقة، مما يدفع المشاهدين للشك بأنّ هذا
فلم مصنوع بالكومبيوتر. فالملابس والوجوه والمشاعر وحركة الشعر والخلفيات
والمطاردات ومشاهد القتال ومطابقة الشفاه
(Lip Sync.)
مع الاصوات المميزة لممثلين معروفين … كلّها منفذة بشكل مذهل بأسلوب
"الواقعية الفوتوغرافية"، لتزيد الحيرة والأرتباك لدى المشاهدين.
ان أبطال الفلم (الافتراضيين)؛ الضابط "غراي ادواردز"
والعالمة "أكي روس": نجوم (بحق وحقيق)، بملامح (وسطية) … لا شرقية ولا
غربية. وبالنسبة لشركة مثل
Square Soft صاحبة الامتياز وصانعة الفلم (مع كولومبيا)، وبالنسبة لكاتبه ومخرجه
"ساكاغوشي"؛ المغرمين بنظام اللواحق او الأجزاء ، فما الذي يمنع من استخدام
بعض النجوم او الممثلين الافتراضيين لمرات عديدة في اجزاء تالية من الفلم
او حتى في أفلام مختلفة. وللعلم فان نجمة الفلم (آكي روس) بصوت الممثلة من
اصل صيني (منغ-نا)، أصبحت مشهورة جداً، وخصوصاً على أغلفة المجلات في
أمريكا وأوربا واليابان. ولأن العمل في فلم
“الفنتازيا
النهائية"
استغرق اكثر من ثلاث سنوات، وبكلف عالية وجهود مضنية، لذا لا نتوقع ان تشيع
هذه الطريقة في صنع الافلام بسرعة او سهولة. الا ان الفلم يكسر حاجزاً
مهماً في تصنيفات الاكاديمية وجوائز الأوسكار؛ لأنه فلم مبني على الرسوم
والصور المنفَّذة بالكمبيوتر مما يُدخله في خانة افلام الكرتون والتحريك،
وفي نفس الوقت يمتاز بحس روائي عالي وموّجه للبالغين، مما يُذكرنا بالفلم
الكرتوني – الروائي الرائع (الأميرة مونونوكي).
إمكانات وحريات جديدة
وبالإضافة لامكانية خلق ممثلات ممثلين افتراضيين،
وعوالم ومُدن وأزمان ومواقع افتراضية أيضاً، فانّ هذه الطريقة في صناعة
الأفلام توفِّر – نظرياً على الأقل – أعلى درجات الحرية للمخرج للتحكم في
كل شيء يريد إظهاره على الشاشة او قوله. وربما حتى يُمكنه التعرض الى
مواضيع وثيمات يصعب تصويرها في السينما الشائعة التقليدية؛ مواضيع تتضمن
خيالات علمية وفنطازية صعبة او عنف متزايد وسادية غير مسبوقة او مشاهد
جنسية تفصيلية او غرافيكية وغيرها … اعتماداً على ممثلات وممثلين غير
موجودين إطلاقاً؛ ممثلات وممثلين لن يهمّهم اللوم والعتب او صورتهم
الإعلامية؛ ممثلات وممثلين لن يخافوا أبداً من الملاحقة والتطفّل
والبابارازي. وقد تصبح مشاهد العنف والجنس، ربما، أكثر تقبُّلاً من قبل
المشاهدين والنقّاد، عندما يُدرك الجميع، ان من يؤديها ليسوا بشراً بل
"صوراً" متحركة. إذ تقترب السينما – حينذاك – أكثر فأكثر من عالم الخيال
والتصوُرات. تقترب أكثر فأكثر من عالم الكتابة الروائية والقصصية؛ حيث
الحرية شبه المطلقة في قول وعرض كل ما يخطر على البال، وبطريقة فنية راقية
ومقبولة. لستُ أنادي بهذا، ولكني أتصوّر؛ انّ هناك إمكانيات وآفاق مهمة
للارتياد، عند صناعة الأفلام الروائية (الاعتيادية) كلياً بالكمبيوتر.
وبالطبع لن تختفي السينما التقليدية، او يختفي نظام النجوم، او تغيب
الشركات والاستوديوهات الكبيرة ... لكن، سيُفسحْ المجال لنوع جديد من
السينما، مثلما نلحظ حالياً إمكانية استبدال فرقة موسيقية كاملة من عشرين
شخصاً او أكثر، بعازف واحد جالس امام لوحة مفاتيح
Keyboard.
وقد تقرِّب هذه الإنجازات التقنية؛ فن السينما، الى مفهوم الصناعة - من
الناحية التقنية - اكثر من السابق. لكنْ يظل في النهاية ما هو اهم من كل
الإنجازات التقنية والوسائل التعبيرية؛ يظلّ هناك، ما يُضفي المعنى والجمال
على الإنجازات التقنية؛ ونقصد: الفنان/الانسان، صاحب الرؤيا والقدرة على
تحويل مزيج التجربة والخيال الى "معرفة ممتعة" للبشر.
"سينماتك"ـ خاص
في 20 نوفمبر 2005