مثل أي رمضان في السنوات القليلة السابقة، هيمن الممثلان "المحترفان" عزت
أبو عوف وأحمد خليل على معظم المسلسلات الدرامية. وشاهدنا الراقصة/الممثلة
فيفي عبده في مسلسلين "ملحميين"، اضافة الى الفنانين والفنانات المعروفين
بالحضور الرمضاني، مثل : حسين فهمي، يحي الفخراني، سميرة أحمد، أحمد صبحي،
عبلة كامل وآخرين. أما الدراما السورية، فقد انشغلت كالعادة بالأعمال
التاريخية والهموم الاجتماعية والعاطفية، باستثناء المخرج المثير للجدل
نجدة أنزور، الذي حاول اقتحام ثقافة ونمط حياة الإرهاب بين الجيل العربي
الصاعد.
لكن ما لفت الانتباه بين المسلسلات الدرامية، هو التناول الجريء والواقعي،
أو بالأحرى "الطبيعي" – نسبة الى مدرسة أميل زولا في الابداع – في تناول
حكاية ريا وسكينة، حيث تمّ التركيز على إبراز الرغبات والشهوات والأطماع
المادية والميول العاطفية المباشرة، وكأننا في "امبراطورية حواس" عربية هذه
المرة.
لقد شاهدنا باندهاش ... نساء – بطلات العمل – يشربن الكونياك في الخمّارات
مع أصحابهن وعشاقهن ... استمعنا الى كلام جنسي مبطّن وصريح من النساء الى
الرجال ... هذه الفتنة، وهذا الاغراء ... من الراقصة دينا ومن "لهطة القشطة"
القاتلة التي جسّدتها الفنانة سمية الخشّاب. لقد خرج المسلسل من أسار الفلم
الواقعي وبطلتيه ذوات الملامح القاسية المسيطرة، كما خرج من أسار المسرحية
الكوميدية وبطلتيها القريبتين او المحبوبتين من المشاهدين. لقد أعاد
المسلسل خلق عالم خاص مضى، أقصد العالم السفلي ... المخيف والمغري في
واقعيته وجاذبيته وخطاياه وصراعاته الداخلية الخاصة والخارجية العامة، وكشف
عن علاقة هذا العالم "السفلي" بالعالم العلوي "النظيف". ان التناول
"الطبيعي" – شبه الحيادي – لحكاية الجرائم المتسلسلة هذه، وما يحيط بها من
شبكة علاقات وأحداث معقدة، كان انجازا ابداعيا كبيرا وذكياً أيضاً ....
بابتعاده عن الأحكام الوعظية والقانونية والشعبية التقليدية. لقد تحرّر
السرد التلفزيوني من ثقل هذه الأحكام المسبقة ليحلّق في سرد حكاية واقعية،
عصية على التصديق بسبب سلسلة جرائم القتل التي تسودها ... لكن دموع وحسرات
أقارب الضحايا، وأجواء الانتظار العبثي لأي خبر – سيء او جيد – عنهن، حقق
التوازن العاطفي والتضامن الانساني المطلوب مع الضحايا.
غياب الكوميديا
وكالعادة، فقد غابت البرامج الكوميدية والمنوعة ذات المستوى الجيد الى حد
بعيد، وكانت المسلسلات الدرامية في معظمها ترجيعاً لصدى الأخبار والأحداث
والأجواء السياسية الباعثة على الحزن والكآبة والقنوط. لكن "الربْعْ" من
الكويت تولّوا كالعادة عملية الإضحاك والمؤانسة المطلوبة، عبر برامج تتبع
صيغ تقليدية او مبتكرة أحياناً. على سبيل المثال، فان برنامج "قرقيعان" هذا
العام كان متوسط المستوى، وقلّما ارتقى الى مستوى رفيع إلا في لحظات قليلة.
لكنه نجح في إثارة بعض النقد والحساسيات في العراق بسبب تقاطعه مع الغناء
والشخصيات والحالات العراقية، حتى ان بعض الصحف كرّست صفحات لمهاجمة داود
حسين وقرقيعان. ان مثل هذه المواقف المتشنجة احياناً، هي انعكاسات
للحساسيات والرواسب التاريخية والمعقدة بين الشعبين والدولتين. وللحق، فان
العراقيين طيبين ومتسامحين في الحياة اليومية، لكنهم حادي الطباع وسريعي
الاستثارة إعلامياً.
ان التقاطع الكويتي – العراقي "الساخر" لم ينحصر في قرقيعان فحسب، بل تسرّب
ايضاً الى برنامجي المنوعات الساخرة اللذين أخرجهما نواف سالم الشمرّي،
ونقصد برنامج "ريموت كونترول" الذي اعتمد بشكل مباشر على الفنان عبد الناصر
درويش في تجسيد العديد من الشخصيات والحالات الشائعة تلفزيونياً، وبرنامج
"فوق تحت" المبتكر جدا في التنفيذ والأفكار والرؤية في تناول البرامج
والفعاليات التلفزيونية. ويبدو ان "التأثيرات" العراقية التقليدية في
الفعاليات الفنية الكويتية من مسرح وتلفزيون أعمق مما تبدو على السطح،
وربما يمكن النظر اليها كعوامل ربط بين الشعبين اذا نظرنا الى الموضوع بنية
حسنة وبصورة عقلانية.
لكن برنامجي "ريموت كونترول" و"فوق تحت" كانا يتم بثهما على قناتي دبي
والواحة، اللتين لا يشاهدهما الكثير من الناس في بغداد، وخصوصا ان قناة
الواحة لا تزال في مرحلة بث تجريبيي، وتبحث عن هوية مميزة ورعاة ... كما ان
توقيتيهما كان يتقاطع مع برنامج قرقيعان أحياناً، او مع بعضهما دائماً، لذا
لم يثيرا الكثير من الانتباه بين المشاهدين، على عكس ما حصل مع قرقيعان.
الاعلانات أولا وأخيرا
إلا ان ما أهان جميع البرامج والمسلسلات الرمضانية، وخصوصا على قناتي الراي
ودبي، هو الفقرات الاعلانية المتكررة والدعايات المباشرة للشركات والمؤسسات
الراعية. ويبدو ان القائمين على هاتين القناتين، إما انهم قدموا من دول
تعاني المجاعة والكوارث ... وتصوروا ان هذه الاعلانات ستنقذ الأطفال
والنساء والشيوخ ... وغاب عن بالهم انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. او
انهم لا يعرفون اي شيء أبدا عن فن التنسيق التلفزيوني وعلم نفس الاتصالات
الجماهيرية. لقد قطعوا هذه البرامج والمسلسلات إرباً إرباً، وخصوصاً
قرقيعان وصادوه وريموت كونترول، إذ تحولت جميع هذه البرامج الى ما يشبه
الوقفات الاعلانية، بينما اصبحت الاعلانات هي البرامج الرئيسية.
ولا نقصد بهذا الكلام، ان هذه البرامج والمسلسلات متقوقة في مستواها، او
تدافع عن قيم انسانية عظمى، أو ... أو ...، لكنها مهما كانت او مهما كان
مستواها، فانها أهم بكثير من الاعلانات. وهذه الأخيرة يجب ان تأتي بالمرتبة
الثانية او الثالثة او الرابعة او العاشرة. لكن، هنيئاً لقناتي الراي ودبي
ومثيلاتهما ... هنيئاً لدهانات ناشونال ومدينة الصقر، وكميفك ونغوشي ويبيله
وكنفاني والبنك الأهلي ... التي حفظ أسماءها حتى الصغار في العراق دون ان
يعرفوا معناها .... نقول هذا الكلام، وفي ذهننا ان قناة الراي تقف خلفها
مؤسسة اعلامية عريقة.
مَنْ صاد مَنْ!
البرنامج الكوميدي "صادوه 3" للمخرج فراج الفراج حمل هذا العام مفاجأة
صاعقة، وهي نجمه "الغثيث" نواف الراهي، الذي أثار أكبر قدر من الإزعاج
والإحراج والخوف أحياناً، لضيفاته على الخصوص. لقد تسلّل الراهي الى ما تحت
الجلد، وأخرج الضيوف عن الهدوء واللياقات بثقل الظل والتحرّشات والايماءات
والبرود ... ان ما فعله مع مقدمة البرامج الجميلة "حليمة"، كان استفزازياً
جداً، ومخيفاً في بعض الأوقات. ونفس حالات الإزعاج والتخويف والسخرية حصلت
مع فنانات أخريات. وربما قد حان الوقت لإعادة النظر في مثل هذه البرامج ...
هل نضحك و"نستأنس" من ألم وانزعاج وحرج المشهورين او العاديين من الناس،
وخصوصاً النساء منهم!
أحيي المرأة الكويتية عامة، والفنانات الكويتيات خاصة، على سعة صدرهن
وتحملهن وشجاعتهن في مواجهة الراهي وشريكه العونان ... وحتى إن ضحكنا،
فاننا كنا نضحك على أنفسنا، لأننا لا نتعرض الى هذا الاحراج.
وبينما سادت عوامل التكرار والإطالة والمحلية المفرطة وطغيان الشخصية
الرئيسية على أجواء برنامج ريموت كونترول، فان برنامج "فوق تحت" تحرّر من
هذه السلبيات واقترب من صيغة العمل الفني المستقل او الهاوي، مما يشيع في
أجواء النوادي الفنية الشبابية او على شبكة الانترنيت ... كما تخلّص
البرنامج من سيف الاعلانات كلياً، بسبب عرضه على قناة الواحة الجديدة،
فحصلنا على تجربة مشاهدة سلسة أضافت الكثير للبرنامج.
قطوطة الجميلة ...
والى جانب السخرية المتوقعة من البرامج التلفزيونية المعتادة حول الأغاني
والأبراج والمسلسلات المدبلجة والبدوية وبرامج الأخبار واللقاءات ... فقد
قدّم البرنامج منجزين صغيرين، لكن مهمين جداً ... ونقصد المسلسلين
الكرتونييين القصيرين "قطوطة وكلوب" و"عيال فوق تحت"، اللذين أثارا الإعجاب
بين الكبار والصغار. وقطوطة، قطة زرقاء جميلة تعيش مع أم سرور وأبو سرور
اللذان يحبانها كثيرا، هي والكلب كلّوب. وجميع هذه الشخصيات لذيذة، وتتحدث
بلغة قريبة من الناس، وممتعة الى حد بعيد. ويستحق هذا المسلسل الكرتوني
الريادي كل الدعم والرعاية والأموال لتحويله الى مسلسل كارتوني عربي ناضج،
قائم بذاته او مستقل عن وجوده الرمضاني العابر. نفس الشيء يمكن قوله عن
المسلسل الكرتوني "عيال فوق تحت"، الذي يقترب في فكرته أحيانا من المسلسل
الكرتوني الأمريكي الشهير "ساوث بارك" حسب اعتراف صانعي عيال فوق تحت
أنفسهم. إذ يجمع هذا المسلسل أطفال حي – في الكويت – من ثقافات وأصول بدوية
وفارسية ومصرية وعراقية، أطفال من هامش المجتمع في مواجهة ظواهر هذا العصر،
يريدون ان يتصرفوا بطريقة أكبر من اعمارهم، وقدراتهم.
ومنذ سنوات يتردد حديث مكرر عن الحاجة الى خلق مسلسلات وشخصيات كرتونية
عربية، وهذه فرصة لتحقيق هذا الهدف. ان هذين المسلسلين بحاجة الى افكار
متجددة ومواقف أكثر نعقيدا او درامية أحياناً ... بحاجة الى فرق عمل في
الكتابة والرسم والتنفيذ وأموال ومؤسسات محترفة لإخراج هذا العمل الى حيز
الواقع. وهكذا، تصبح البرامج الرمضانية المختلفة مختبرات وورش عمل لتأسيس
وخلق منتجات فنية جديدة.
"سينماتك"ـ خاص
في 14 نوفمبر 2005