فيلم (ضربة شمس - 1978)، هو أولى تجارب المخرج محمد
خان الروائية، والذي أعجب به نور الشريف عند قراءته للسيناريو،
لدرجة أنه قرر أن ينتجه. وقد حاول محمد خان في هذا الفيلم إثبات
قدراته كمخرج جديد، يمتلك أسلوباً خاصاً يميزه عن بقية المخرجين
المصريين. إلا أنه في نفس الوقت لم ينس الجمهور الذي سيشاهد فيلمه،
وكان حريصاً على لفت انتباهه إلى الجديد الذي يقدمه له. إنه يقدم
له فيلماً بوليسياً، يقدم له سرقة وقتل ومطاردات، واهتمامه بهذا
الجانب قد أثر على قصته السينمائية، وجعلها تقع في أخطاء وسلبيات
ساهمت في ضعف السيناريو.
فنحن هنا أمام مصور صحفي شاب، يدفعه حب الاستطلاع
والرغبة في الحصول على سبق صحفي ـ وأشياء أخرى ـ لتعقب عصابة
لتهريب الآثار. إضافة لمخططات أجهزة الأمن في محاولاتهم للقبض على
أفراد هذه العصابة. ونتيجة لتورط العصابة في قتل صديق المصور،
يتحول حب الاستطلاع عنده إلى رغبة عارمة للانتقام لصديقه.
يندرج الفيلم ضمن نوعية الأفلام البوليسية، والتي
تعتمد أساساً على عنصري الإثارة والتشويق، وتجسيد الصراع القائم
بين قوى الخير وقوى الشر، كماركة مسجلة لغالبية أفلام هذه النوعية.
الصراع بين مجرم أو عصابة وبين جهاز الأمن في الدولة، لذلك لا بد
من وجود نوع من التكافؤ النسبي بين طرفي الصراع. أي أنه لكي يكون
الفيلم أكثر مصداقية، يفترض أن يظهر الشر في عنفوان قوته، متخذاً
من ذكائه ودهائه عنصرا موازنة بينه وبين قوى الخير (جهاز الأمن
بإمكانياته). ولا بد للمجرم أن يثير إعجابنا، وإبهارنا بكيفية
إدارته لجريمته ومراحل تنفيذها. هذا هو الأساس الذي يستند عليه أي
فيلم بوليسي، للمحافظة على عنصري الإثارة والتشويق فيه، وإثبات مدى
قدرته على التأثير في المتفرج. أما فيلم (ضربة شمس) فقد افتقد في
بنائه على هذا الجانب الهام، واختلال ذلك التوازن ساهم ـ إلى حد
كبير ـ في انخفاض حدة التشويق وحرارته.
ورغم قصة الفيلم البوليسية، إلا أن محمد خان قد
أعطى اهتماما خاصاً لشخصياته، مع أن السيناريو ـ الذي كتبه فايز
غالي ـ قد أخفق قليلاً في رسم هذه الشخصيات. وهناك شخصيتين
رئيسيتين في الفيلم لا بد من تناولهما ودراستهما جيداً، باعتبار أن
سينما محمد خان قائمة أساساً على الشخصيات والتفاصيل الصغيرة
المحيطة بها، أكثر من قيامها على الحكاية (الحدوته).
الشخصية الأولى هي شخصية شمس (نور الشريف)، هذا
المصور الشاب الذي يحب التصوير لدرجة العشق، ويتمتع بقدرات فنية
حقيقية، ولكنه كفنان يصطدم بواقعه الصعب عندما يفكر بالزواج وتكوين
أسرة مع من يحبها. تضطره ظروفه المادية للعمل كمصور في الأفراح،
إلى جانب عمله في الجريدة، مع احتفاظه لأصالته كفنان، وذلك
باقتناصه لكادرات فنية جميلة. إذاً نحن أمام فنان يعيش في صراع
دائم مع مجتمع متخلف، ينظر إلى الفن نظرة دونية وسطحية جداً. لذلك
نراه يمتلك إصراراً رهيباً على تحدي هذا الجهل المخيف والمسيطر في
نفس الوقت، على الرغم من أن الفيلم لم يوضح هذا الصراع ولم يعمل
على إبرازه، بل واعتبره هامشياً، واهتم فقط بالجانب التجاري الذي
يتجسد في كون الفيلم بوليسياً.
عموماً .. يمكن اعتبار مغامرة شمس ـ المحفوفة
بالمخاطر ـ ضد أفراد العصابة حرباً ضد التخلف والجهل المتفشي من
حوله. مع ملاحظة أن الفيلم قد وضع شمس في حجم أكبر من حجمه، وذلك
عندما وضعه في موقع المقارنة مع قوات الأمن. شمس بكاميرته ودراجته
وحيد، أمام قوات الأمن بسياراتهم وإمكانياتهم الضخمة. فهو يصل إلى
أفراد العصابة ويكشف ملابسات الجريمة كاملة، قبل وصول رجال الأمن،
متناسياًً كل تلك الإمكانيات المتاحة لجهاز الأمن.
أما الشخصية الثانية، فهي زعيمة العصابة، المرأة
المتشحة بالسواد، والتي تظل صامتة دون أن تنطق بكلمة واحدة طوال
الفيلم. شخصية غامضة غريبة ومركبة، تدعو المتفرج للتساؤل حول
هويتها. هذه الشخصية تمثل الشر في الفيلم، عندما تسرق وتقتل
وتطارد. ولكننا هنا أمام مجرم جديد على السينما المصرية.. مجرم
يدفعنا لمحاولة معرفة ما بداخله ودوافعه، أي تكوينه النفسي
والاجتماعي، وما يجعلنا نشعر بذلك هو ذاك السكون الداخلي والكبرياء
اللذان لا يفارقان هذه الشخصية. صحيح أنها امرأة شريرة لكنها
مختلفة تماماً، تظهر على ملامحها المعاناة والقسوة في نفس الوقت،
وإن الصمت الذي يغلف هذه الشخصية يكسبها نوعاً من القوة والرهبة،
هذا إضافة إلى أنها استطاعت تجسيد الشر بشكل موفق.
إن هذه الشخصية ـ رغم كل ما أوحت به ـ إلا أنها
كانت بحاجة إلى مفتاح صغير يمكن من خلاله النفاذ إلى أعماقها أكثر،
والتعرف على جزء أكبر من مكنوناتها، على أن يكون هذا المفتاح سبباً
في تغيير الخط الدرامي القوي لهذه الشخصية.
ورغم هذا الاهتمام الخاص الذي أعطاه محمد خان
لشخصياته، إلا أننا نلاحظ عزلتها عن الجو المحيط بها. أي أننا إذا
نظرنا إلى الشخصية ووضعناها في سياقها العام في الفيلم، نراها تفقد
الكثير من دلالاتها الدرامية. وسبب ذلك جاء نتيجة لوجود خلل ما في
البناء الدرامي للفيلم نفسه. ولكن هذا لا ينفي أن محمد خان فنان
متمكن من أدواته الفنية والتقنية، حيث نجح في تقديم فيلم يعد من
بين أهم أفلام الحركة (الأكشن) في السينما المصرية. ففي فيلم (ضربة
شمس) نجد روحاً سينمائية جديدة على الفيلم المصري، يعبر المخرج من
خلاله عما لديه من جديد في حرفية التكنيك السينمائي. ويؤكد قدرته
على إعطاء فرصة للصورة السينمائية للمساهمة في التعبير الدرامي
بمساعدة حوار مركز ومدروس، بعيداً عن اللغو والحوار المطول الذي
عودتنا عليه الأفلام التقليدية المصرية السابقة. ويتضح ذلك لدى
المخرج في تكويناته للكادرات والتحكم في زوايا الكاميرا وحركتها،
إضافة إلى إصراره على تنفيذ أغلب مشاهد الفيلم في الأماكن
الطبيعية، ملقياً بأبطال فيلمه إلى الشارع ليعيشوا زحامه ومشاكله،
ويتفاعلوا مع أحداثه اليومية، ويتحرروا من قيود الأستوديو الخانقة
والمملة. |