يقدم لنا فيلم (الزمار) جزءاً من حياة الزمار حسن
(نور الشريف)، ذلك الشاب المطارد والمتنقل من قرية إلى قرية من قرى
الصعيد، بحثاً عن الأمان والاستقرار، ولا تتبين لنا مشكلة حسن، إلا
عندما يستقر به المقام في قرية »العرابة« بائعاً في بقالة. إنه من
الشباب الطموح المغضوب عليهم من قبل السلطة. كان يوماً طالباً في
الجامعة، غاضباً على أوضاع بلا منطق، وكان يريد أن يفتح الأبواب
للشمس والحقيقة. كون بكلية الهندسة فريقاً للتمثيل واختار له منذ
البداية مسرحية مشحونة بالإدانة والتعرية للزيف والزائفين، لكن
السلطة لم يعجبها هذا العرض المسرحي فأوقفته، وانتهى الأمر بحسن
معتقلاً ثم مطارداً من غير جريمة.. جريمته الوحيدة هي أنه لا يخفي
في داخله ألم الناس ومشاكلهم، لا يستطيع السكوت على هول ما يراه.
فهو ينتقل من قرية إلى قرية، ليس بحثاً عن حقيقة أو عن زمن آخر،
إنما بحثاً عن الإنسان. وهو أيضا من الواثقين منشدي الحكمة، الحياة
عنده مواجهة وهجوم على الخنوع والاستسلام، هجوم على كل أنواع
الفساد في كل مكان.
إذن، نحن هنا، أمام بطل إيجابي ثائر ورومانسي
متطهر. فالقرية الظالمة تحاول أن تحد من انطلاقته نحو الحقيقة،
ولكنه رغم كل الإغراءات يقف وحيداً مقاوماً ولا يسمع لصوت الشر،
زاهداً من أجل الحقيقة، لابساً كفنه بانتظار الشهادة، ولذلك تنتهي
به أحداث الفيلم مذبوحاً. ليقدم لنا الفيلم نهاية سياسية متشائمة
مفرطة في المباشرة والسذاجة، وهي مقولة »هذا هو قدر من يتصدى
للفساد في كل مكان«.
(الزمار) كفيلم، يقدم موقفاً فكرياً ثائراً، أكثر
من تقديمه لحكاية، فالسيناريو يبني أغلب أحداثه على الحالة
الاقتصادية والسياسية لمجتمع القرية بكل فئاته.. المأمور، العمدة،
نائب المنطقة، أصحاب السلطة والرموز المضادة لها من الفلاحين
والعمال الباحثين عن لقمة العيش. فمشروع المياه يخضعهم تحت شروط
قاسية ومجحفة يمليها عليهم القائمون على هذا المشروع، الذين
يتبادلون المصالح والمنفعة الشخصية على حساب المشروع ومواصفاته
وتكاليفه.
هذا إضافة إلى أن السيناريو قد تطرق إلى تفرعات
جانبية أخرى، هدفها تسليط الضوء على حالة عامة تجسدت في مفاهيم
الناس والعلاقات الهامة والبنية الاجتماعية والمعيشية لمجتمع
الصعيد. وهي نفس الحالة المزرية التي يرفضها بطل الفيلم (الثائر
الرومانسي). حيث نراه يحاول، من خلال علاقاته المباشرة بأهالي
القرية، توعيتهم وبث روح الحب فيهم وحثهم على الرفض والثورة. |