مع نصّ مايوين، وتعيين الألمانية وقطب شركة "وارنر
ميديا" إيريس نوبلوخ كأول رئيسة لـ"كانّ"، يعزّز شريط
كورسيني (1956) هوساً عارماً في ما يخصّ تقليعة
"الجندرية" التي "خطفت" الكروازيت هذا العام، والتي
بدأت بشائرها مع فوز الفرنسية جوليا دوكورنو
بـ"السَّعفة الذّهب" عن "تيتان" (2021)، لتكوّن ثاني
امرأة تفوز بالتَّبجيل الأكبر، متزامناُ مع انتخاب
فريمو وفريقه عناوين سبعة أفلام لمخرجات عالميات
موهوبات دفعة واحدة، محققاً بذلك رقماً قياسياً ونصراً
مبيناً وسبقاً لن يضارعه فيه أحد، ضارباً عرض الحائط
استهانات الصحافة المتخصصة بخطوته التي تحقق ما وعد به
في العام 2018، ولم تجد في الأمر "شيئاً مثيراً للحماس
المفرط" (سكرين إنترناشونال)، مستعيدة عناده حين ردّ
بحدّة ذات مرَّة "يُطلب من كانّ أن يكون مثاليّاً ولا
تشوبه شائبة. لم يطلب منّي أحد أن تكون نسبة 50٪ من
الأفلام من إنتاج مخرجات نساء. هذا من شأنه أن يظهر
عدم الاحترام".
اليوم، تضع كورسيني (لها "حواء الجديدة"،1999. "أرامل
سعيدات جداً"، 2003. " ثلاثة عوالم"، 2012. "موسم
صيفي"، 2015. "حب مستحيل"، 2018. "الفّرقة"، 2021)
حكاية السيدة الأربعينيّة خديجة في واجهة نسويَّة
اتهاميّة، تنال من عنصريّة وطبقيّة وإجحاف اجتماعيّ
وإقصاء مناطقيّ في جمهورية ترفع شعار "حريَّة، مساواة،
أخوَّة"، لا يتحرج مواطنوها من اختراق اعتباراتها
ونبلها وقيمها الأصيلة.!. تعمل هذه السيدة الأفرو
فرنسيّة لدى "عائلة باريسيّة ثريَّة، راعية أطفالها
خلال عطلة موسم صيف في كورسيكا. مع اصطحاب ابنتيها
المراهقتين، تسنح الفرصة لهم في العودة إلى جزيرة
غادروها قبل 15 عاماً في ظروف مأساويّة. بينما تناضل
خديجة مع ذكرياتها، تنغمس الفتاتان في كل إغواءات
الصيف، وتشرعان أيضا في التساؤل عن ماضيهما الأسريّ
هنا. حين تخدشان سطح قصة الأسرة التي ترويها والدتهما،
تكتشفان من هما حقاً".
أفريقياً أيضاً، تسرد صاحبة "الجميلة والكلاب" ( من
عروض خانة "نظرة ما"، كانّ 2017) و"الرجل الذي باع
ظهره" (أفضل ممثل ليحى مهايني في مهرجان فينيسيا،2020)
المخرجة الموهوبة كوثر بن هنية حكاية أخرى حول مرارات
شخصيّة تقلّب حياة سيدة عاديّة في جديدها "أربع بنات
(110 د)، المدعوم من "صندوق البحر الأحمر للأفلام" في
السعودية، وتجسّدها الممثلة هند صبري المعروفة منذ
بطولة فيلم الراحلة مفيدة تلاتلي "صمت القصور" (جائزة
"الكاميرا الذّهب"، كانّ 1994). عن الشّريط نستعير ما
يلي: "بين النّور والظلام تقف ألفة. وهي امرأة تونسيّة
وأم لأربع بنات. ذات يوم، تختفي ابنتاها الأكبر سناً.
لملء هذا الغياب، تدعو المخرجة كوثر بن هنية الممثلات
المحترفات، وتخترع تجربة سينمائيّة فريدة من نوعها،
ترفع الحجاب عن قصص حياة ألفة وبناتها. رحلة متفجّرة
من الأمل والتمرّد والعنف والانتقال والأخوة التي
تشكّك في أسس مجتمعاتنا ذاتها".
اقتبست بن هنية قصة حقيقيّة لسيدة تدعى ألفة حمروني
"وجدت نفسها في صدارة هرج صحافيّ دوليّ عارم في أبريل
2016، عندما كشفت عن تطرّف ابنتيها المراهقتين رحمة
وغفران الشيخاوي، ومغادرتهما وطنهما للقتال في صفوف
تنظيم الدولة الإسلاميَّة في ليبيا. انتقدت حمروني
علناً السلطات التونسية لعدم منع ابنتها رحمة من
مغادرة البلاد. بعد القبض على الفتاتين من قبل القوات
الليبية، لم تتَّخذ السلطات التونسية أيّ ردّ فعل.
ويقال أيضاً إنَّ حمروني مُنعت من مغادرة البلاد للبحث
عن ابنتيها في البلد المجاور بمفردها".
من القارة السمراء أيضا، تعرض السنغالية الشابة راماتا
تولاي سي التي شاركت الأفغاني عتيق رحيمي كتابة نصّ
"السيدة العذراء عند النيل" (2019)، قبل أن تنجز
فيلمها القصير "استيل" (24 د)، باكورتها الروائية
"بانيل واداما" (87 د)، المدعومة من "صندوق البحر
الأحمر للأفلام" في السعودية. بطلان شابّان (الممثلان
خادي ماني ومامادو ديالو) يحمل الفيلم اسميهما، يعيشان
في قرية صغيرة نائية تقع في منطقة فوتا في شمال
السنغال. "أداما منطوٍ على نفسه وحذر، بينما بانيل
عاطفية ومتمرّدة. العشق مُقدّر لهما وحبهما الأبدي لا
يهادن، بيد أنهما سيخضعان لاختبار عصيّ من قبل أعراف
مجتمع لا تعترف بالعواطف، وتحظر الحب إذ يعتبره
الأهالي سلوكاً دخيلاً ومفسداً. حين يرفض أداما القبول
بواجبه الشّرعي الدّموي الذي يورثه منصب رئيس القبيلة
في المستقبل، ويبلغ مجلس القرية عن نيَّته بالمغادرة
والتخلي عن قريته، يتم تعطيل المجتمع بأكمله، وتعمّ
فوضى قاتلة".
******
من النمسا، تتنافس جيسيكا هاوسنر (1972 فيينا) بشريطها
"نادي صفر"(كلوب زيرو)، ويُعد المشاركة السادسة لها في
المهرجان بعد "الفتى جو" (أفضل ممثلة إميلي بيتشام،
2019). "حبّ جنونيّ" (2014)، "فندق" (2004)، "ريتا
المحبوبة" (2001). ترصَّد فيه يوميّات غامضة وشيطانيّة
للآنسة نوفاك (الأسترالية ميا فاشيكوفسكا) بعيد
انضمامها إلى "طاقم إحدى المدارس الداخليّة الدوليّة
الرَّاقية لتدريس فصل تناول "الطعام الواعي"، مشكّلة
رابطة قويّة مع خمسة من طلابها، فارضة عليهم تناول
كميات أقل من طعام صحّيّ، ودفعهم على مقاربة اضطرابات
الأكل، ودراسة "سلوكيات الأكل". يتباطأ المشرفون
والمعلمون الآخرون في ملاحظة ما يحدث، وبحلول الوقت
الذي يبدأ فيه الآباء المشتَّتون في إدراك ما يحدث،
يصبح النادي الغامض حقيقة واقعة، ليكتشفوا برعب أنَّ
الأنسة خطفت منهم الأبناء وأنهت سطواتهم عليهم". من
طاقم العمل نذكر كل من، سيدس بابيت كنودسن، إلسا
زيلبرشتاين، ماتيو ديمي، أمير المصري الذي اشتهر بفيلم
"ليمبو" (2020) للإسكوتلندي بن شاروك.
يتجلّى هذا الغموض بعنف وصداميَّة بالغين ولكن بلغة
سينمائيّة شعريَّة في "الكِمِّير" (أو "خَيْمَر"
بالإغريقية) للإيطاليّة أليشه رورفاخر (1981)، تدور
أحداثه خلال ثمانينات القرن الماضي في العالم السري
لـ"تومبارولي" (أو لصوص المقابر). يحكي قصة الشاب
أرثر، وهو عالم آثار إنكليزي (الممثل البريطاني جوش
أوكونور)، يتمتّع بقدرة خارقة على التَّواصل مع الأرض،
يكمن ضعفه المزدوج في إحساسه بفراغ وجودي بسبب ذكرى حب
جارف وضائع مع الشابة بيامينه، تركت جروحاً غائرة على
كيانه، وأيضاً سعيه للحصول على مال سهل وثروة سريعة،
ما يجعله فريسة لشبكة دولية للاتجار غير المشروع
بالاكتشافات القديمة، وتهريب العجائب الأثرية.
تقول صاحبة "جسد إلهيّ" (2011)، "العجائب" (2014)،
"سعيد مثل لاتزَرو" (2018) عن شريطها الذي يشارك في
تمثيله كل من إيزابيلا روسيليني، كارول دوارتي، ألبا
رورفاخر، فينسينزو نيمولاتو، كيارا بازاليا، لوكا
تشيكوفاني إنَّه: "نصّ يتحدث عن علاقتنا بالماضي ومع
الأموات. كُتب في وقت وفاة حدثت في عائلتنا، وحين أصبح
الموت (خلال جائحة "الكوفيد") جزءاً لا يتجزأ من
حياتنا. كان من الضروري عليّ أن أعمل بجد على إنتاج
هذا الفيلم". يذكر أنَّ "الكِمّير" هو مخلوق في
الأساطير الإغريقية له رأس أسد وجسم شاة وذنب أفعى.
وتستخدم الكلمة كدلالة على الوهم أو السَّراب أو حلم
لا سبيل الى تحقيقه.
******
هناك مخرجتان سينمائيّتان فرنسيّتان ضمن قائمة
المتنافسين على "السَّعفة الذَّهب"، الأولى هي المخرجة
المثيرة للجدل كاترين بريا (1948) التي فجَّرت أعمالها
"الجميلة النائمة" (2010)، "الجنس نكتة" (2001)، "حب
مثالي" (1996)، "قذر مثل ملاك" (1991) جلبة إعلاميّة
عاصفة نظراً لمقارباتها الجريئة للإيروسية والنَّشوات
واكتشاف الحسّ الإيروتيكيّ بين اليافعين، ما جعلها
واحدة من رائدات ثورة حسيَّة هزَّت أعرافاً أوروبيّة،
وتسبَّبت بعداوات كنسيَّة، وتعرضت الى مشاحنات حكوميّة
اتَّهمتها بالجسارة وخدش الحياء العام والتّجاوز على
حرمات وأخلاقيات مجتمعيَّة.
جديدها "الصيف الماضي" (104 د)، وهو أفلمة مكرّرة لعمل
سابق كتبته وأخرجته الدنماركية المصرية مي الطوخي تحت
عنوان "ملكة القلوب" (2019)، لن يبتعد عن المشاكسة
والإثارة بسبب علاقة شّهوانية وشبَّه محرَّمة بين أمّ
وابن زوجها من امرأة أخرى، لا بدّ ان تثير غباراً
كثيفاً من السجالات بين أروقة الكروازيت! تعيش آن (ليا
دروكير) المحامية المرموقة والمدافعة عن القاصرين
ضحايا الإساءات، وأمثالهم من المراهقين الذين يواجهون
صعوبات، مع زوجها بيير وابنتاهما في وئام تام في فيلا
جميلة على مرتفعات باريس.
يختلَّ توازن هذه الأسرة الأوروبيّة، حين ينتقل ثيو
(17 عاماً)، والمولود من زيجة سابقة للعيش معهم، نتيجة
انفصال هذا المراهق المتمّرد والمتنمّر والهشّ (الممثل
صمويل كريشير) عن توافقاتهم. يحدث الانقلاب العاصف
والمدمّر عندما تبدأ المرأة علاقة غراميّة وجنسيّة
مفتوحة معه، معرَّضة حياتها الشّخصيَّة والمهنيَّة الى
خطر داهم، مهدَّدة أواصر أسرتها الى الأبد.
أمَّا مواطنتها جوستين ترييه (1978)، فتقارب أسرة من
نوع آخر ومعضلة اجتماعيَّة عصيَّة وجارحة في نصّها
"تشريح سقوط" (150 د). تعيش الكاتبة الألمانية ساندرا
(الممثلة ساندرا هولر) مع زوجها صموئيل وابنهما المصاب
بضعف البصر دانييل (11 عاماً) في شاليه منعزل بين جرود
جبال الألب الفرنسية. ذات يوم، يتمّ العثور على الرجل
ميتاً عند أسفل المنزل في ظروف غامضة. تفشل التحقيقات
في التَّوصل إذا ما كان الحادث انتحاراً أم نتيجة
جريمة متعمَّدة. يتم القبض على ساندرا في نهاية
المطاف، ويوجه لها القضاء تهمة القتل، لتضع المحاكمة
وتفاصيلها علاقات هذه الشّخصية المضطربة والغامضة تحت
المجهر، مرتهنة خلاصها الوحيد بشهادة ابنها الصّغير
الحاسمة، قبل أنَّ يبدأ الشك في تدمير كيانهما. |