صداقة ثالثة تعود الى حقبة مخزية في التاريخ الأوروبي
إبّان إكتساح النازيّة وفاشيَّتها للقارّة المنكوبة،
تردّ تفاصيلها في اقتباس سينمائيّ حرّ للبريطاني
جوناثان غليزر (1965) عن رواية كتبها مواطنه الذائع
الصيت مارتن أيميس "منطقة الاهتمام" التي صدرت في
العام 2014، حول عِشرَة ملعونة وشيطانيّة ثلاثيّة
المصائر، تجمَّع ضابط هتلري يلتحق للتو بمعسكر أوشفيتز
البولندي مع قائده رودولف هس (كريستيان فريديل) وزوجته
السّاعيان الى حياة عائلية هانئة في منزل ذي حديقة
صغيرة، يقع الى جوار المخيم السيء الصيت، قبل أن تنقلب
حياتهما عندما تصدر القيادة العليا أمراً بنقل العسكري
النّافذ الى مكان آخر، ما يهدّد بخسارة كل ما أشاداه.
إثناء ذلك، يعشق الضابط الوافد السيدة هيدفيغ (ساندرا
هوللر)، متآمراً في اغتنامها بإيّ ثمن، فيما يسرق
الشّكّ الدمويّ كيان زوجها الممحون. هناك أيضا حكايات
بولنديين يشهدون على (ويتواطؤون مع) الفظاعات ضدّ
جحافل اليهود. موسيقى الشريط من تأليف ميكا ليفي التي
وضعت الثيمة الشهيرة لموسيقى فيلم غليزر السابق "تحت
الجلد" (2013).
ضمن القوس اليهوديّ أيضاً، يحكي المعلّم الإيطالي
ماركو بيللوكيو (1939) جريمة من نوع آخر في جديده
"مختطف". إنه "العام 1858، وفي الحيّ اليهوديّ وسط
مدينة بولونيا التاريخيّة، وبأمر من الكاردينال، يقتحم
جنود البابا منزل عائلة مورتارا، ويخطفون ابنهم
أدواردو (7 سنوات) الذي تمّ تعميده سرّاً من قبل
ممرضته عندما كان رضيعاً، ما يعني أن عليه تقبّل مصيره
والقانون البابويّ الذي لا يرقى إليه الشك، أيّ أن
يتلقى تعليماً كاثوليكيّاً. سيفعل والداه المذهولان
أيّ شيء لاستعادة ابنهما. بدعم من الرأي العام
والمجتمع اليهوديّ الدوليّ، سرعان ما يأخذ نضال آل
مورتارا بعداً سياسيّاً حاداً، حين يرفض الحبر الأعظم
وأعوان كنيسته إعادة الطفل، ليدخل الصراع حيّزاً
مظلماً ومليئاً بالدَّم.
على طرف آخر، يصوّر مواطنه ناني موريتي في شريطه "شمس
المستقبل"، الذي يأتي بعد عمل غير مقنع هو "الطوابق
الثلاثة" (كانّ،2021)، صراعاً ذاتيّاً لمخرج سينمائيّ
مع عائلته، وتّشكيكه بقدرته على استكمال فيلمه الذي
يقارب الأزمة الأيديولوجيّة للغزو السوفياتي الى
هنغاريا وتأثيراتها على رفاق الحزب الشيوعيّ الإيطاليّ
في العام 1956.
******
في حين يناقش المعلّم التركي نوري بلجه جيلان (1959)
في "عن العشب الجافّ" وبنفس تشيخوفي مجيد يرتقي الى
نظائره في "ثمرة الإجّاص البريّة" (2018) و"سبّات
شتويّ" (السّعفة الذّهب، كانّ 2014)، محنة "المدرّس
الشاب ساميت الذي ينهي سنته الرابعة في الخدمة
الإلزاميّة في قرية أناضوليّة نائية، على أمل أن يتمّ
تعيينه (ويستقر) في مدينة إسطنبول. تنهار أحلامه عندما
يُتَّهم ومعه زميله كنعان بالتّحرش الجنسيّ من قبل
طالبتين، ليفقد الأمل في الهروب من حياة قاتمة، يبدو
أنَّه عالق فيها الى الأبد، بيد أنَّ لقاءه مع الشابة
نوراي، وهي نفسها معلمة، يحقّق له انفراجاً قد يساعده
في التّغلب على هواجسه".
مخرج "سارقو المتاجر" (السّعفة الذّهب، كانّ 2018)
وقبله "بروكر" (2022) الياباني كوري ايدا هيروكازو،
يعود الى شاشات الكروازيت مع "وحش" ( 126 د) من بطولة
الممثلة المعروفة ساكورا آنو التي تؤدي دور أم تواجه
سلطة تعليميّة جائرة، بعد أن لاحظت تغيّراً في سلوك
ابنها ميناتو، قبل أن تكشف تورّط معلّمه في الأمر.
تقتحم السّيدة بناية المدرسة مطالبة بمعرفة ما يجري.
مع تعقّد الحكاية من خلال عيون الأم والمعلّم والطفل،
تبان الحقيقة تدريجيّاً.
يختار صاحب "باريس تكساس" (السّعفة الذّهب، كانّ 1984)
المعلّم الألماني فيم فيندرز( 1945) أحياء طوكيو
وحاراتها وحدائقها مسرحاً لجديده "أيام مثاليّة"، حيث
يشير العنوان الى حالة من هناء معيشيّ شخصيّ وعائلي
يحيط حياة رجل هامشيّ، يعمل منظف مراحيض عامّة في وسط
العاصمة اليابانيّة. يبدو أنَّ "هيراياما (الممثل كوجي
ياكوشو الذي عرف عالمياً بفيلم "بابل" (2016) للمكسيكي
أليخاندرو غونزالز إناريتو) راضٍ تماماً عن حياته
البسيطة. بعيداً عن روتينه اليوميّ المنظَّم للغاية،
فهو يستمتع بشغفه بالموسيقى والكتب، ويحبّ الأشجار
ويأخذ صوراً لها. سلسلة من المواجهات غير المتوقعة
تكشف تدريجيّاً المزيد من ماضيه".
من سكارليت جوهانسون وتوم هانكس الى أدوارد نورتن
ومارغو روبي وويليم دافو مروراً بتيلدا سونتن ومات
ديلون وبريان كرانستون وجيفري رايت، تطول قائمة
الممثلين الى ما يربو على الأربعين من ممثليّ ونجوم
هوليوود وأوروبا، لم يجدوا ضيراً في ظهورهم ضمن مشاهد
عابرّة أو أنْ ترد جملة واحدة على لسانهم في نصّ
الأميركي ويس أندرسن "مدينة أوسترويد". كوميديا تسير
على نهج أشرطته السابقة التي تمزج التّغريب السينمائي
بالفرجة التّركيبيّة البصريّة الخلّاقة بالفيض اللونيّ
الوهاج بالمحاكاة الأدائيّة التهريجيّة لشخصيات نادرة
الطلّات والطبائع.
فمَنْ يستطيع أن ينسى أو ينكر تلك الجمهرات من
الشخصيات سواء بشريّة أو كارتونيّة التي لا يوجد لها
قرين سينمائيّ في أشرطة غرائبيّة مثل "فرنتش ديسباتشس"
(2921) و"جزيرة الكلاب" (2018) و"فندق غراند بودابشت"
(2014) و"مملكة مونرايز" (2012)، انتهاء بباكورته
وتحفته "راشمور" (1998). هذه المرّة "يجمع طلاباً
وأولياء أمور من جميع الولايات المتحدة للمنافسة
العلميّة والإستجمام والوقوع في الغرام والشّقاق
والتنافس والدراما الشخصيّة في مؤتمر يعقد في مدينة
صحراويّة أميركيّة خياليّة".
أما مواطنه تود هاينز، فيعود الى كانّ بعد الاستقبال
الباهر لعمله "كارول" (2015)، هذه المرّة مع "مايو
ديسمبر" بطولة ناتالي بورتمان وجوليان مور وتشارلز
ميلتون الذي يؤدّي دور زوج الأخيرة حيث "يتمتّعان
بشهرة أميركيّة عارمة، قادتها صحف تابلويد مؤثرة،
نظراُ الى أن قرانهما الناجح صمد على مدى 20 عاماً،
وجعلت من رومانسيّتهما مواضيع تحقيقات موسّعة، استحوذت
على إهتمام الأمَّة ونميمتها وحسدها.
يتعرّض الزوجان الى امتحان شخصيّ وأخلاقيّ حين تصل
ممثلة شابة في الثلاثينيات من العمر (بورتمان)، لإجراء
بحث معمق عن ماضيهما، لأنَّها ستؤدي دور الزوجة في
فيلم قادم، وعليها معرفة كلّ شيء للوصول الى أداء
صادق!". |