إذا كان "الرجل الذي باع ظهره" (2020) سلع نموذجاً
سوريالياً لنازح سوري يسعى الى خلاص عائلي من محنة حرب
شمولية، سلاحها عصابات فقهية دموية، على بلده وتاريخه
ونسيجه الاجتماعي، فان جديد التونسية كوثر بن هنية
"بنات ألفة" (110 د)، المعروض ضمن المسابقة الرسمية
للدورة الـ76 (16 ـ27 مايو 2023) لمهرجان كانّ
السينمائي، يسلع بدوره نموذجاً أسرياً، يواجه مصيراً
تقوده فاشيات دينية تسعى الى سفك دم وترهيب بشر وتغيير
موازنات سياسية، تارة بالإغواء وأخرى بالتعيير وثالثة
بالتهديد.
يمتهن الرجل في العمل الأول، عرض وشم تأشيرة الدخول
الى أوروبا المعروفة باسم "فيزا شينغن" رسم على جلده
على رواد عرض فني في احدى صالات العاصمة البلجيكية
بروكسل، كإعلان عن مهانة بشرية ترتقي الى حدود
الجريمة، كونها تنتهك إنسانيته ووجوده وتنال من حريته،
من دون ان تثير حفيظة أحد الذي يرى في "التمسرح
التشكيلي" للشاب وسام (يحيى مهايني) صرعة نادرة تستخدم
الجسد كإغواء نادر، ناكراً أنها إدانة على نُظم لن
توفر له سبيلا عقلانياً الى خلاصه الشخصي.
في المقابل، نقابل السيدة ألفة حمروني ضمن تجهيز
سينمائي صرف، تحكي قصة بناتها ومصائرهن الضائعة لإن
"الذئاب أكلتهن"، وهو تعبير تكرره كتحامل ذاتي على
منظومة استغلالية ونافذة وشرهة ولا ترحم، تستغل الدين
وقيمه ومحارمه لجذب "عمالة" نسوية، تمتهن "جهاد
النكاح" عند جبهات الاقتتال التي فُتحت بلا هوادة في
بقاع عربية منتقاة بدقة عسكرية، منها أرض وغى وأخر
مواقع تدريب وثالثة مراكز استقطاب ورابعة جيوب مالية
تصدر عملات ومعدات وبشر. كانت تونس من أوائل بلدان
العرب التي استهدفت من قبل الحركات الأصولية والجهات
الدولية التي تقف خلفها، لوفرة الفقر والعطالة والقهر
أيام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. كان من
اليسير على أعوانهم اصطياد طرائدهم من بين عائلات نال
منها الضيق وضنك العيش. من هذه الفرائس ستكون عائلة
ألفة وبالذات بناتها البالغتين اللتين ستهربان في
العام 2015 الى ليبيا للالتحاق بـ"داعش".
تسرد السيدة محنتها ضمن تكوين سينمائي هجين، يفترض انه
وثائقي النزعة بيد أن صاحبة "شلاط تونس" وجدت نفسها
امام مأزق شحة المورد الصوري للحكاية، أي أن ألفة التي
لا تملك أشرطة فيديو أو صور فوتوغرافية أو مقاطع
تلفزيونية وغيرها، لن تسعف حجة بن هنية السينمائية
بخصوص الكيفية التي تم فيها تجنيد المراهقتين غفران
ورحمة. هذه الشحة أجبرتها بشكل فاقع على "تدوير"
التواريخ والوقائع والذكريات واليوميات العائلية
وجرائمها الخفية، على لسان السيدة الأربعينية وبنتيها
الأخريين آية وتيسير. عليه، تصبح النتيجة مسرحة صرفة
ضمن حيز صغير ومتواضع هو بيت العائلة. الفكرة مدهشة
لكن صياغتها انتهت الى ان تكون عبئاً بصرياً تنقصه
حركية اساسية، بمعنى انها تفتقر الى نقطة انقلابها
الدرامي اللازم، كي يتاح للقصة أن تأخذ مديات وتنوعات
درامية جديدة، ذلك ان ما يحدث على شاشة بن هنية هي
حواريات مطولة، تزاوج بين الخبر والملاحات وخفة ظل
الشخصيات و...الكثير من الدموع. |