تعرفت على عطيات الأبنودي سنة 1968 بالتقريب .. كنت قد اجتمعت في عمل مع عبد
الرحمن الأبنودي كتب تعليقًا وسجله بصوته لفيلم "حياة جديدة" إخراج أشرف فهمي
.. كان يسكن وقتها في وسط البلد في باب اللوق .. ذهبت إلى بيته وهناك تعرفت على
عطيات زوجته وكانت تأتي إلى جمعية الفيلم ..
جاءت إلينا جميعة الفيلم واقترحت أن تخرج فيلمًا .. بالنسبة للجمعية كنت قد
أسست بها شيئًا جديدًا لأول مرة في مصر والعالم العربي وهو نشاط "أفلام
الهواة" قبل أن يظهر مصطلح السينما المستقلة بسنوات.. وقتها كنا نصور الأفلام
على خام 8 ملل و16 ملل .. جاءت عطيات بمشروع هو فيلم "حصان الطين" وروت لنا
أنها رأت في قرية الأحصنة تعمل في تقليب الطين بأرجلها الذي يصنع منه قوالب
الطوب وهكذا وأنها تريد أن تصور الحصان وحياة الناس مع الحصان أثناء العمل ..
طلبت من جمعية الفيلم إنتاج المشروع .. وأنا كنت أضع شرطًا فيما يخص "أفلام
الهواة" أن لجنة الإنتاج وكل العاملين في الفيلم من مصور وفنيين وخلافه جميعا
من الهواة .. ذهب معها أحمد الحضري ليصور وأنا أشرف على الفيلم .. سافرنا
بالفعل القرية التي رأت فيها حصان الطين .. التصوير بالنسبة للناس بيخليهم
يسيبوا شغلهم ويلتفتوا للشخص حامل الكاميرا .. لكن الخبرة التي كانت لدى عطيات
والحضري ليست خبرة ممارسة لكن قراءة وثقافة نظرية في فن السينما وما كانت تقوله
لأحمد كان يفعله بشكل أكاديمي بحت .. لأن المصور له دور في حجم اللقطة وحركة
الكاميرا أو يفهم رؤية المخرج ويترجمها ببساطة لصورة تخدم رؤيته .. أحمد الحضري
كهاوي صور بالمسطرة والقلم .. عندما عادوا من التصوير وجلسوا في المونتاج وجدت
عطيات جميع اللقطات لقطات عامة واسعة ليس هناك لقطات خاصة بالناس لقطات مقربة
لوجوه الناس أو أقدام الحصان كما كانت تريد فلم يعجبها .. قالت سأعود مرة أخرى
على حسابي هذه المرة للتصوير من جديد .. ولكني هذه المرة أيضًا قلت لها ستحضري
مصور غير محترف كمبدأ في نشاط أفلام الهواة الذي أسسته في الجميعة كما ذكرت ..
للصدفة كان هناك عطل في الكاميرا، الحجرة التي بها فلاتر اللون كان بها مشكلة
.. وكان التصوير وقتها أبيض أسود – وهنا أريد أن أبين خطأ مصطلح "أبيض وأسود"
الشائع لأن الأبيض يتدرج في ألوانه حتى يصل للون الأسود فهما ليس لونين أبيض و
أسود – على كل حال عدنا لتحميض المادة وجدنا أنها كلها معيبة .. كان مكان
الفلتر مخلوع فأدخل ضوء أفسد الصورة .. مرتين الفيلم يتصور وليس هناك مادة تصنع
فيلمًا! .. فقررت عطيات أخيرًا أن أصور الفيلم ..
الميزة في عطيات أن لديها خيال وهذا هو المخرج .. التكنيك ده كلام فارغ ..
خصوصًا في الفيلم التسجيلي أكثر من الروائي .. ساعدتها في تصوير الفيلم وكنت
أصنع حركة كاميرا تتناسب مع الحركة التي أمامي كان هناك لغة وهذه علاقتي
بالتصوير في أي فيلم أدخل في عقلية المخرج وأحاول ترجمة خياله .. وهذا ما فعلته
مع عطيات كنت أحاول ترجمة خيالها ومخرجة واعية مثلها تسعد بالعمل معي لأني أعرف
كيف أترجم رؤيتها وأخذنا لقطة واحدة ووحيدة حلوة ومهمة من ماتريل أحمد صور لقطة
واسعة للحصان أثناء العمل وهو بيفك ويجري ومع ذلك اتفقنا أن نكتب في التترات أن
الفيلم من تصويرنا أحمد الحضري ومحمود عبد السميع أدبيًا ..
كانت علاقتي بعطيات في العمل أنني تعودت معها على شيء ظريف جدًا وهو "المعايشة"
إزاي أعايش الناس عشان آخد منهم الصورة الواقعية مش صور ناس تلتفت للكاميرا ..
فمثلا مهنة صناعة الطوب مهنة مرهقة ومعظم العاملين فيها لا ينمو طولهم بسبب
الأثقال والأحمال التي يحملونها كل يوم .. وكانوا يسبوا بعضهم بألفاظ جارحة جدا
وإباحية وعطيات امرأة لكنهم كانوا يعيشون بطبيعتهم معنا واقترحت عليها نجلس
ونأكل معهم .. الحقيقة هي وخيري بشارة اتعودت معهما كيف نعايش الناس .. فعلاقة
الناس المباشرة تكون مع المصور هم يهتمون بالشخص الذي يحمل الكاميرا وينظرون
إليه .. منها تعلمت وعلمت جيدًا كيف أخالط الناس وألغي رهبة الكاميرا معهم
وأصورهم وهم في حالة طبيعية تماما بأن نجعلهم يتعودون في البداية علينا .. كنت
أحيانًا أقف وأعطي ظهري للحركة التي تحدث وخلفي عطيات هي التي تنظر لهم وأنا
أجعلهم يشعرون أني لا أصور أو غير منتبه لهم وهم يهتمون بي أنا فعندما يجدوني
في حالة وكأنني لا أصورهم فلا يلتفتون وفي اللحظة التي تريد عطيات أن تأخذ لقطة
تقولي: يلا صور .. فتظهر الناس في حالة طبيعية .. فكنا متفاهمين أنا داخل في
عقلها وتفكيرها وهي عاطياني الفرصة لذلك .. هي من أول الشخصيات بعدها خيري
بشارة من تعلمت معهم أن أعايش الناس وأصورهم في حالة طبيعية..
امتدت العلاقة بيننا بعد هذا العمل الأول لها في أعمال أخرى. كانت دائمًا تقول
عني: الواحد يفهمه هو عاوز إيه فيحققه من غير ما يوجهه .. وهذا يحسب لعطيات
الأبنودي بعكس مخرجين كفؤاد التهام مثلا كان ينكر جهد العاملين معه، لكن عطيات
كان تجلس في أي مكان تشيد بفريق عملها وتمدح في الناس .. كان لديها الحس الفني
والموضوعي وكانت تعبر عن رأيها في العاملين معها في المنتديات .. وكنت من أوائل
من عملوا معها.
هي بالطبع عطيات عوض .. نسبت إلى الأبنودي نسبة إلى زوجها السابق عبد الرحمن
الأبنودي وكان للاثنين إعزاز كبيرا واحترامًا في قلبي وكان بينهما الاحترام
المتبادل رغم انفصالهما وأصبح لكل منهما حياته الخاصة وهذه علاقة لا توجد إلا
بين العقول الراقية ومن يملكون حس مرهف ..
عملت معها كما ذكرت في فيلمين أو ثلاثة آخرين، وطلبتني في أفلام أخرى لم أكن
متفرغًا فرشحت لها عماد فريد للتصوير .. معظم أفلامها الأولى عملت فيها معها ..
أذكر أيضًا واقعة لطيفة جدًا وموقف إنساني لها .. كنا نصور فيلمًا في الصعيد
وكنا على موعد سفر وحجز الطائرة في الخامسة صباحًا ومروا علي في المنزل
لاصطحابي ولكني كنت منشغلا بولادة زوجتي وطلبت تأجيل السفر.. ورغم أنني كنت
السبب في التأجيل بدا عليها أنها كانت سعيدة بالخبر جدًا من أجلي وهللت في
ابتهاج رغم أنني سأعطل السفر.. فلن أنسى لها ذلك .. وجاء طفلي وهو إسلام عبد
السميع مدير التصوير السينمائي الآن. |