سينماتك/ جديد الموقع/ مجلة «عالم الكتاب»: عطيات الأبنودي عاشقة الناس والسفر (ملف خاص)

عرفتها واقتربت منها وشعرت بها قريبة من أول لقاء بيننا [في أوائل الثمانينيات].. حاولت أن تعاملني كأم فأوصلت لها ما معناه: "أنا أقاربك في السن" فاقتنعت هي، أو ربما قنعت، بأن نكون أخا وأختا. لكنها، ربما، قالت لنفسها: "مادام الأمر هكذا .. إذن سأكون أخته الكبرى". ثم لم تيأس؛ وظلت لسنوات طويلة لا تكفّ، بطريقة لطيفة وباسمة وحازمة ومهذبة، عن انتقاد إهمالي لنفسي، وفوضويتي، وما تراه فيّ نوعا من الإسراف، وهذه بعض انتقادات أمي الراحلة لي.

ساعدتني مساعدة جمة في تجهيز الأعمال الكاملة لـ"يحيى الطاهر عبد الله" عقب وفاته، بعد أن انتقلت أوراقه ومخطوطاته إليها هي و"عبد الرحمن الأبنودي". قدّرت حبها لعبدالرحمن، وعونها له، ولكني تفهّمت انفصالهما، هذا يحدث في الحياة.

ظللت صديقا لعبد الرحمن وصديقا لها، مقدّرا لصفاتها الإنسانية الطيبة والصادقة، ولإبداعها الذي نالت عنه تكريما خارج مصر لم تنله داخلها. لم تغفر لي، لفترة قصيرة، موقفا واحدا.. ولم أغفر لها، لفترة قصيرة أيضا، موقفا آخر. وهكذا، ظللنا قريبين بعيدين قربا وبعدا يتجاوز الجغرافيا والزمن.. عرفت بمرضها، قبل حوالي سنة، من أسماء يحيى الطاهر ابنتها بما هو أكثر من التبنّي، ولم أجد فرصة لزيارتها أو لعلي تجنّبت أن أراها مريضة وأن تراني وأنا أراها مريضة.

وتوفيت وكنت مسافرا.. رجعت وعرفت برحيلها ولم أستطع أن أكلّم أسماء أو أعزّيها.. الآن، أستعيد ملامح وجه عطيات المضيئة الباسمة بعد شئ قلته أو سلوك سلكته أو موقف يحدث حولنا.. كما أستعيد ملامح وجهها الجادة جدا عندما كانت تتحدث عن شيئ يخصّ السينما، أو الفقراء، أو حقوق المرأة، أو الطعام اللذيذ الذي كانت تتفنّن، لزمن ما، في طهوه في أوان "حقيقية" [أي من الفخار]، أو "الجنّة" التي سوف تتحقق، بلا جدال، فوق هذه الأرض.. ولكن في الاستعادتين لملامحها، الباسمة والجادة، يظل البريق اللامع يطل من عينيها الذكيتين الصريحتين ..