كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 

تساؤلات مُحرّضة للقاهرة السينمائي

 

خالد ربيع * / خاص بـ"سينماتك"

 
 

 

ثمة مسارات أو ممارسات أو هفوات تحدث في المهرجانات السينمائية العربية بشكل عام، فتعطي انطباعاً بالاستياء عن مجمل المهرجان، للدرجة التي تجعل الإعلام يصفه بالفشل والإخفاق، على نحو مطلق، في حين لو ركز التفاعل النقدي الموجه والمحايد على تحديد وتوصيف النشاط المتدني والعنصر غير الموفق واقتراح أجندة أو "روشتة" رصينة لكان المكسب أنمى وأثرى، ولكن يبدو أن الغضب وعدم الموضوعية وإعلام الفرقعة يسيطر كثيرا، فتخرج أحكام مجحفة، وإن كانت ترمي إلى التجويد، رغم أنه لا مجال لتكذيب بعضها، فالشهود ماثلون والضحايا على حافة المذبحة وقد شهروا الأسلحة، كما قال أمل دنقل.

والحكاية تبدأ أثناء وعقب كل مهرجان سينمائي حيث تخرج التصريحات والتقارير والمقالات الناقدة والناقمة، وأحياناً المادحة والمبجلة، وما يدور في الذهن: هل هناك أدوات قياس وتقييم منهجية تتبعها المهرجانات، من شأنها رصد وتحديد ما إذا كانت برامج المهرجان ناجحة وما نسبة تحقيقها للأهداف؟. ربما يتم ذلك ضمنياً. وربما يتم  بحس انطباعي. لكن الأجدر أن يتم وفق أسس إدارية علمية لا تقبل التشكيك.  

معايير وأدوات قياس

على كل حال لا نغفل عن أهمية وضع رؤية وأهداف ومعايير معززة بالأرقام والإحصاءات تقيس مدى فاعلية كل برنامج و نشاط على حدا، ومن ثم أخذ الأرقام والاستدلال بها، بل واختبارها في متوسطات حسابية وعلاقات تفاضلية وتكاملية، ولا بد من الاسترشاد برأي المختصين المحايدين والمعتمدين على مؤشرات لا توفرها الأرقام وعلى النظرة الموضوعية البعيدة عن العاطفة الانفعالية... فيما يلي مداخلات قد تكون صائبة، وأسئلة ترمي لفتح نوافذ التفكير، ولا إدعاء بسعة البصيرة في ذلك، والمعذرة مسبقاً لما قد يكون فيه تجاوز، فالمحبة هي المحرك والأساس الدافع.

1

بدايةً رغم كل ما قيل عن ضعف بعض النواحي في مهرجان القاهرة السينمائي الدورة 38 ينبغي أن لا يغيب عن التقدير ذلك الاهتمام الذي قوبل به ضيوف المهرجان، فالحرفية بدت واضحة في تنفيذ حجوزات الطيران وإنهاء إجراءات المطار ثم الإيصال إلى الفندق وترتيب ذلك بدقة ونظام و"بشاشة"، ما يؤكد على جاهزية لجنة الاستقبال وبراعتها في ذلك.. ومع ذلك قد يكون هذا حكماً عاطفياً، فكيف يكون حكماً موضوعياً؟

2

هناك آليات مقدرة حدثت في المهرجان وقياس نتائجها يسيراً، مثلاً: ما أن يصل الضيف إلى غرفته بالفندق حتى يصله بريد إلكتروني (إيميل) من اللجنة الإعلامية تطلعه على كافة تفاصيل المهرجان، وكانت بدأت تلك الرسائل الإلكترونية (الإيميلات) منذ ما يزيد عن شهر من موعد إنطلاقه، لتجعل الإعلامي والمراسل والضيف على مواكبة حثيثة بما يدور وسيدور في أروقته، بل وزاد على ذلك النشرة الإعلامية بإصداريها الورقي والإلكتروني.. والسؤال: كيف تتحقق اللجنة الإعلامية من فاعلية خطتها؟

3

جهز مكتب الاستقبال حقيبة تحتوي على خمسة كتب "البحث عن فارس ـ سينما محمد خان" للناقد محمود عبدالشكور، وكتاب "رجل لكل الفنون ـ شكسبير والسينما" للناقد عصام زكريا، و"حلمي خارج السرب" لطارق الشناوي، و"نظرة على السينما الصينية" كتبه الناقد جان ميشيل فرودو، و"السينما الصينية الجديدة"  للناقد أمير العمري.. فما تأثير تلك الكتب؟ كيف نقيس أهميتها؟ وهل أعدت لها ندوات لقراءتها والوقوف على محتوياتها؟ على غرار الندوة التكريمية للناقد سمير فريد وكتابه "ربيع السينما العربية"، وكذلك ندوة كتاب "البحث عن فارس" لمحمود عبدالشكور.    

4

ظهرت السجادة الحمراء في حفل الافتتاح وكأنها منصة عرض أزياء واستعراض شكلي، ولا نعلم متى ستأتي النجمات على أنهن آتيات لحضور حفل رسمي للسينما وليس للأزياء و"اللوك" والاستعراض الجسدي والمادي. فهل المهرجان (أي مهرجان) مسؤول عن تصرفات ضيوفه؟، وكيف يمكن أن يوجه تلك التصرفات ولا يتركها كيفما اتفق؟.. لا ننسى أن مصطلح (إتيكيت) قد خرج للوجود مع التعليمات التي كان يضعها لويس الرابع عشر (على ظهر التيكت) لضيوفه لتلبية دعوات الاستقبال التي كان يقيمها بقصر فرساي في القرن السابع عشر، فيلتزم بها الضيوف في لباسهم وطريقة حديثهم وتحيتهم وطريقة أكلهم وكل تصرفاتهم، فإذا حضر الضيف عند البوابة يبادر الحرس بقوله :إتيكيت. (أي كما في التيكت) فيفهم الحرس أن الضيف ملتزم بما جاء في التعليمات خلف بطاقة الدعوة.. هذه قصة ليست للتسلية.

5

تعامل المهرجان ـ بسرعة ـ في جعل حفل الافتتاح مُهدى إلى روح الراحل محمود عبدالعزيز الذي رحل قبل يومين من انطلاقه فكان الإهداء احتفالياً أكثر منه عزائياً أو تأبينياًً، وهذا موقف لا يخلو من البراعة والإنسانية وسرعة التصرف، وقد طلب المهرجان الحضور باللباس الأسود (إتيكيت)، وهنا أحدث موازنة في جعلها مناسبة لا تنسى، بل ربما أن الدورة ستعرف جماهيرياًً باسم دورة الساحر، وسيتراجع شعارها الرسمي "السينما للجمهور" تأريخياًً.. أظن ذلك! والسؤال: هل يفكر المهرجان في إدراج إدارة للطوارئ ضمن إستراتيجياته؟

6

عندما غنت نسمة محجوب تابلوه "صوت السينما"، رسخت مكانتها في الساحة المصرية وانطلقت نحو العالم العربي والدولي، فلم تكن معروفة على نطاق الشرق الأوسط، رغم أعمالها السابقة داخل مصر، فصوتها وطريقة غنائها أحدثت إضافة للحفل. فهل هذا ينطوي ضمن استحداث فقرة (أغنية، أوبريت، إستعراض) يتكرر كل عام؟ أم أنها فقرة طارئة؟

7

غير أن ما نشر في وسائل الإعلام وشوهد من ممارسات مجحفة من قبل رجال الأمن وتعاملهم (الفج) مع بعض الضيوف قد يأخذ أولوية في قائمة نقاش السلبيات  والتقييم.. والسؤال هنا: هل وضع المهرجان خطة أمنية تتعامل مع كل طارئ وفق آليات محددة؟

8

المهرجان وصل حد الرشد في كثير من برامجه، وربما تجاوز التهديد بتخفيض تصنيفه للفئة (ب) غير أن الحفل بما تضمنه من فقرات شابه شيء من الارتباك فيما يتعلق بسيناريو الحركة على منصة الحفل، وكما يبدو بأن إدارة المهرجان غفلت عن إجراء بروفات متكررة لكل ما سيقدم أثناءه ، فبدا واضحا أن "الحلو لم يكتمل"، لا سيما وأن الانطباع الأولي الأهم عن المهرجانات، بشكل عام، يترسخ من خلال السجادة الحمراء وحفل الافتتاح وحفل الختام.. أليس من الضروري رسم سيناريو للحفل وإجراء البروفات متكررة لضمان تنفيذها على أكمل وجه؟

9

الحرص على دقة توقيت افتتاح مراسم الحفل وبدأ العروض والندوات يشكل أهمية خاصة توحي بمدى دقة المنظمين. ثم أسلوب ونبرة مقدمة الحفل، وآلية صعود الوزير ورئيس المهرجان والشخصية المكرمة على المنصة، وتحديد مكان وقوفهم وطريقة تقديمهم للمكرمين.. كل ذلك كان بحاجة إلى بروفات ورسم سيناريو محدد ودقيق تلافيا للعشوائية. الأمر إذن يحتاج إلى مخرج محترف أو حتى شركة أجنبية أو عربية للقيام بذلك، ولا حرج من استشفاف تجربة مهرجان دبي السينمائي في ذلك.

10

من الحسنات التي أحدثها المهرجان إبرام تعاقد مع موقع رائد في مجال حجز تذاكر السينما إلكترونيا. ليتم توفير نظام جديد لحجز تذاكر العروض إلكترونيا عبر الموقع الإلكتروني، وتوفير البطاقات المخفضة، وكذلك فكرة التلفون الجوال للتزود بالمعلومات، وزيادة صالات العرض.. ما مدى نجاح ذلك وكيف نقيسه؟

11

أتاح المهرجان مشاهدة أفلام صينية مثل فيلم «شخص ما للتحدث إليه» للمخرج يولين ليو، وخمسة عشر فيلماً آخراً، وتمت دعوة فنانين ومهتمين صينيين.. ماذا أضافت هذه الاستضافة؟ وكيف يمكن الاسترشاد بها لتكرارها في الأعوام القادمة مع دول أخرى؟ وكيف يمكن استثمارها لإيجاد مصادر أجنبية تغذي ميزانية المهرجان؟

12

الإشكالات التي ظهرت في اختيار هذا الفيلم أو ذاك ومنع هذا أو ذلك، هي مسائل تخص رئيس المهرجان ومديره واللجنة المسئولة، وفي ذلك يكثر اللغط، وربما يخطئوا أو يصيبوا، ولكن في كل الأحوال لا يكون ذلك مبرراً للاتهام بالفشل والإخفاق الكلي. لا ينبغي العمل بقرارات ملزمة يصدرها الرئيس والمدير، بل ينبغي العمل من خلال لجنة استشارية عليا، تعمل على التصويت لأي قرار جديد، وعلى أساسها توضح صلاحيات الرئيس والمدير بما لا يخل بمنظومة المهرجان ككل.   

13

كان هناك توجه إلى استقطاب الشباب والفرصة التي كانت مواتية لم يتم استثمارها. فماذا ستعمل إدارة المهرجان في الدورة القادمة؟ ومن ناحية أخرى كيف ستخطط لوجود ضيوف ودعوات متوازنة ومدروسة؟ بحيث يكون تمويل تكلفتها من مصادر جديدة تضيف ولا تنهك الميزانية العامة. كما يحدث في تمويل بعض الجوائز مثل: شركة نيو سنشري، وشركة فيلم فاكتوري، وشركة بيكسلموبً . 

14

بالنسبة لعملية استضافة نجوم عالميين كبار وفاتورة تكلفتهم الباهظة. ألا يمكن السعي نحو إيجاد داعمين ورعاة مستثمرين إعلامياً وتجارياً في ذلك؟. إذ ثبت عدم فعالية مناشدة ومخاطبة رجال الأعمال للطلب منهم دعم المهرجان، ولكن كيف يمكن للمهرجان أن تتعامل مع رجل الأعمال كشريك يستفيد تسويقياً وإعلامياً واستثمارياً من رعايته لجزئية معينة أو دعمه لنشاط معين، وذلك ضمن رؤية متكاملة ومدروسة النتائج. هنا ينبغي الاستعانة بجهة تسويقية متخصصة. 

15

من الأهمية إعلان نتائج القياس بشكل يومي ونشرها ضمن النشرة اليومية وعلى نطاق واسع من خلال العلاقات الإعلامية، بما يحول دون وصول الآراء الاجتهادية والمغرضة إلى أهدافها والسيطرة على الجماهير بمغالطاتها، وبالطبع يتطلب ذلك قدرا عالياً من الشفافية والوضوح تصل إلى الإيجابيات والسلبيات دون تنميق. ذلك يعزز مكانة المهرجان ويقوي الثقة فيه ويثريه بكل تفاصيله ومن ثم يعود على الدعم المالي والمعنوي لميزانيته.

*كاتب وناقد سعودي

 

سينماتك في 18 يناير 2017

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)