جميعنا يطمح ويجتهد للرقي بالسينما السعودية، وجميعنا أيضاً يعتقد أن الجوائز هي الفيصل الأساس للشهادة بأن العمل المنتج هو عمل رفيع المستوى ورائع ومتميز!. هذه نظرة وهدف ينبغي أن لا يضعهما صانع الافلام في اعتبارهم بالدرجة الأولى، فتجويد الفيلم من كل النواحي هو الأهم والأبقى والأجدر بالتركيز والاهتمام، ثم يأتي تقدير الناس ـ وهو الأهم ـ وتأتي الجوائز.

هذا مدخل مهم عند مناقشة الآليات التنفيذية والأساليب الفنية في تحقيق الأفلام السعودية بشكل عام. غير أنه ومن خلال نظرة بانورامية سريعة لمجموعة من الافلام التي صدرت في السنوات الماضية، بما فيها الافلام الطويلة الأخيرة والتي حققت أصداءً جماهيرية واعلامية جيدة، نلمس أن هناك بعض من الهفوات التي تضعف الافلام وتحكم بقصر عمرها، حتى لو نالت الجوائز، ثم تموت وتوضع في مخازن النسيان. من هذه المثالب: فتور البدايات وخمول الدقائق الأولى في الافلام، فهناك ضعف في كيفية البدأ في سرد الافلام. إلى جانب تضمين الافلام بكليشيهات مكررة يُخشى أن تصبح توليفات معيارية معتمدة (استاندرد) (standard) لاحياد عنها.

فتور عتبات الأفلام 

ربما فتور عتبات الافلام في الدقائق الأولى، التي يمكن أن نطلق عليها دقائق الانطلاق أو الاقلاع أو الـ (Teak Off)، وهي الدقائق الأكثر حساسية لجذب حواس المتفرج منذ المَشاهد الأولى. تؤدي إلى خفوت هذه المشاهد من ناحية الجذب؛ بحيث لا تخلق جذب انتباه أو أفق انتظار أو استرعاء انتباه كامل لجميع حواس المتلقي؛ بقدر ما هي تحيل إلى تشتيت ذهنه وبالتالي تسريب الملل الى وجدانه؛ ومن ثم اكمال مشاهدة الفيلم بروح فاترة مملولة أو بإنصراف العقل عنه.

والسؤال الذي ينبغي على المخرج سؤاله لنفسه: كيف أجعل من فيلمي عملاً جذاباً. ممتعاً. شيقاً. حيوياً منذ ثانيته الأولى؟ لأن الجميع ـ تقريباً ـ يشتغل على سياق سردي رأسي تراتبي هادئ؛ بلقطات ثقيلة الحركة والحوار وتنقل الصورة. ربما هناك مخرجون لا يتقنون السرد الحيوي ـ الديناميكي في عدة مستويات درامية خلال دقائق "التيك أوف"، ولا يعمدون للقوالب المشهدية الأفقية الموازية (scenes Parallel) وحتى الرأسية الاسترجاعية(Flashback) أو المشاهد الـ (Feedback)، بحيث تكون هناك تأثيرية جاذبة تخطف الانتباه. وبالطبع فإن عمليات لفت الانتباه لا حصر لها وتعتمد على حرفية ووعي المخرج وكاتب السيناريو.

أفلام رائعة ببدايات فاترة 

درج على هذه الآليات الفاترة في البدايات عدة أفلام من تلك التي حققت صدىً ممتازاً، منها على سبيل المثال: «سيدة البحر»، «آخر زيارة»، «المسافة صفر»، وهي جميعها أفلام رائعة في مجملها، ولا نهضم حقها في الاشادة بها، لكن الحديث هنا منصب على دقائق التيك أوف الأولى الباردة، وبالطبع هناك الكثير من الأفلام القصيرة التي درجت على نفس المنوال، رغم أن الفيلم القصير لا يحتمل "التمليل"، بسبب قصر زمن عرضه، فإما أن تسرق انتباه المشاهد أو يسرقه الملل.. إذن القاعدة، ربما، تقول: افتتح فيلمك بدقائق شيقة، جاذبة؛ تعرض عدة خطوط سردية رأسية وأفقياً واسترجاعياً، وربما حوارياً وحدثياً وجمالياً بصرياً، ثم بعد ذلك أروى بقية فيلمك كما يحلو لك؛ بمراعاة الحبكة والمتعة والفكر والطرح بتصاعد الصراع والفنيات البصرية والسمعية.

وبالطبع فإن الصراع الاساسي المحبوك هو بداية الحبكة المتقنة، هو الحادث المبدئي في المرحلة الأولى في السرد الحيوي (بعد المقدمات والتعريف بالشخصيات طبعاً) ونهاية الصراع هي نهاية الحبكة وتوصيل المتلقي إلى لحظات الذروة الاندماجية في الفرجة، بمعنى تكثيف التأثيرات العاطفية في كل لقطة.

بناء الحبكة هو الأهم

في كل الاحوال تأتي عملية بناء الحبكة بما يشبه جانبي هرم متقابلين حيث تبدأ المقدمة من أحد جانبي الهرم، ليكون الحدث المبدئي هو نقطة التصعيد، ثم تتعقد الأحداث في منتصف الطريق وصولاً إلى الأزمة في قمة الهرم وذروته وهي نقطة التحول والهبوط على الجانب المقابل، بحيث تتوضح معالم الانفراج بين ذروة الهرم ومنتصف طريق الهبوط لختام التأثير العاطفي.

على أية حال، لا أعتقد أن هناك نظريات ـ بحسب علمي ـ محددة ومكرسة لعتبات ومدخل الفيلم، أو على الأقل تتناول صياغة سيناريو مثير منذ الثواني الأولى للفيلم, فمعظم وصايا كتابة السيناريو تذهب الى نواحي أخرى غير البدايات، وهي أولا وأخيراً ترجع الى ملكات كاتب السيناريو واحساس المخرج بأهمية جذب حواس مشاهدي عمله.