كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ترك فراغاً كبيراً على شاشة الفن السابع

مارلون براندو

"أستاذ" التمثيل و"عرّاب" السينما الجادة

محمد رضا

عن رحيل العملاق

مارلون براندو

   
 
 
 
 

مشاهدة مارلون براندو اليوم، على أي من الشاشات، توعز بالاختلاف الكبير بين ما كان التمثيل عليه في ذلك الحين وما هو عليه اليوم. هناك شيء مفقود من كل السينما الأمريكية الحديثة، وبراندو هو جزء من هذا الشيء. إذ ما يتبيّن أن براندو كان التمثيل السينمائي، كما يمكن أن يُقال أن ويليام شكسبير كان المسرح او أن أندريه تاركوفسكي كان شاعر السينما.

ولد براندو في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا سنة 1924. والده كان رجل أعمال، وحسب رواية براندو نفسه في سيرته الذاتية المنشورة كتاباً سنة 1994 تحت عنوان “أغاني علمتني أمي إياها” “Songs My Mother Taught Me”، كان أيضا رجلا سكيراً عامل ابنه بغلظة و”لم يجد شيئا جيداً يقوله عني أبداً”. والدته كانت، على ما يبدو لنا، مشروع ممثلة أبعدها عن ناصية العمل إدمانها الكحول أيضا. في العام 1935 انفصل والداه وبراندو وشقيقتاه الأكبر منه سناً رحلوا مع والدتهم الى كاليفورنيا. لكن الأبوين عادا فالتأما مما دفع العائلة للنزوح مجدداً هذه المرة الى شيكاغو.

لم يكن براندو طيّعاً. حين حاول أبوه التخلص منه بإرساله الى مدرسة عسكرية، فُصل من المدرسة بسبب تمرّده وعدم تنفيذه الأوامر وحين طُلب سنة 1943 للخدمة العسكرية (وكانت إجبارية آنذاك) خرج من الخدمة بسبب ضعف في ركبته.. عاد براندو الى بيت ذويه لفترة من الوقت قبل أن يلحق بشقيقتيه اللتين كانتا توجهتا الى نيويورك طمعاً في شق طريق في التمثيل. والتمثيل كان غاية براندو أيضا. وهو انخرط في مدرسة اسمها “نيو سكول للأبحاث الاجتماعية” التي كان لديها فرع لتدريس الدراما. ومنذ البداية فهم كيفية استرجاع ذكرياته وخصوصياته لسكبها في الطريقة التي يؤدي بها الشخصية.

هذا الأسلوب يسمّونه ب “ميثود” وبراندو بدأ من البداية وقد استلهمه بكامله. سنة ،1944 عاما واحداً فقط بعد لجوئه الى نيويورك، شوهد في مسرحية “هانيل” لجرهارت هوبتمان لاعباً شخصية المسيح، ثم في “أتذكر أمي” التي كانت مقدمة لمرحلة مسرحية شملت “كانديدا” لجورج برنارد شو و”مقهى خط الشاحنات” لماكسويل أندرسون. وقد عزّز براندو تلك المرحلة بدراسة التمثيل في “أكتورز ستديو” حيث وصفه بعض أساتذتها بأنه لم يكن بحاجة لأن يدرس أي شيء. كل شيء كان موجوداً عنده.

امتنع براندو عن قبول دعوات هوليوود بعدما كتبت عنه صحافة نيويورك إثر قيامه بتمثيل “عربة اسمها الرغبة” لتنيسي ويليامز بإعجاب بالغ. وفي العام 1950 قبل الدعوة التي وجهها إليه المنتج كارل فورمان لتمثيل بطولة فيلم عنوانه “الرجال” إخراج فرد زنمان. والنجاح حالفه أكثر مما حالف الفيلم تجارياً. قصة المجنّد الذي عاد من الحرب العالمية الثانية مقعداً لم تكن الدراما التي يتطلع اليها الروّاد، لكن تمثيل براندو في الدور كان ذكياً في تمثيل دور المجنّد الذي فقد القدرة على الحركة ومعها فقد شغفه بالحياة.

بعد “الرجال” لعب براندو بطولة “عربة اسمها الرغبة” “إيليا كازان  1951” حيث ترك البصمة ذاتها التي تركها حين أدّى الدور على المسرح. “جوليوس سيزار” كان الفيلم الثالث: اقتباس مسرحي عن رائعة ويليام شكسبير حققه جوزف مانكوفيتز (1953) ومثلها براندو مع جون جيلجد وجيمس ماسون، اثنان من كبار ممثلي السينما والمسرح في بريطانيا.

في العام 1954 عاد إيليا كازان الى تلميذه طالباً منه أن يلعب دور تيري مالوي في فيلم “على رصيف الميناء”، الفيلم الذي جمعه مع رود شتايجر وكارل مالدن ولي ج. كوب (كلهم رحلوا باستثناء مالدن). وهذا الفيلم هو الذي نال عنه براندو أوسكاره الأول  بعدها امتنع براندو عن تأدية بطولة فيلم اسمه “المصري” “مايكل كورتيز 1954” كما كان اتفق مع فوكس على ذلك، وقام بلعب الدور فيكتور ماتيور وحسناً فعل براندو لأن الفيلم لم يبلغ شأناً فنياً او تاريخياً يذكر، إنما حتى لا يقع ضحية دعوى قضائية وافق على تمثيل شخصية نابليون بونابرت في فيلم “رغبة” “هنري كوستر  1955” وكان ذلك بداية سلسلة من التراجعات وإخفاق الاختيارات. استمرت حتى منتصف الستينات. لكن الاستثناءات موجودة من “سايونارا” (1957) الى “الأسود الشابة” (1958) و”النوع اللاجئ” (1959) وصولا الى فيلمه الأول مخرجاً “جاك ذو العين الواحدة”: وسترن خاص يعرّض براندو نفسه فيه الى الضرب على يدي الشريف السادي كارل مالدن.

بعد ذلك، دخل تصوير فيلم “تمرّد على السفينة بونتي” نسخة 1962 التي أخرجها لويس مايلستون الذي انتفخت كلفته الى 20 مليون دولار (ما يوازي الآن مع فارق التضخم والغلاء 80 مليون دولار) واستغرق إنجازه 13 شهرا. الانتفاخ لم يكن من نصيب الفيلم فقط، بل أيضا من نصيب براندو الذي عانى لأول مرة من وزنه الزائد. مشكلة لازمته مدى الحياة.

في العام 1966 لعب دوراً جيداً في فيلم آخر لم يُستقبل بالحفاوة التي كان يستحقها وهو “المطاردة” حيث هو شريف البلدة التي تشتعل غيرة وغضباً واضطراباً بعدما هرب شاب (روبرت ردفورد) من الإصلاحية وتوجه الى البلدة ليلتقي بحبيبته جين فوندا. بعد سنوات قليلة كان براندو يمثل فيلما سياسياً آخر هو “إحرق” للمخرج الإيطالي جيلو بونتوكورفيو. وإذ ورد هذا الفيلم سنة ،1969 كان على براندو الانتظار ثلاث سنوات قبل أن يعود رائعا كما عهدناه في “العرّاب”

“العراب”، كما أخرجه سنة 1972 الفذ فرنسيس فورد كوبولا كان ملحمة أولى من نوعها. أفلام العصابات قبل ذلك إما تعاطفت مع البوليس او مع المجرمين ضمن شروط (العشرينات والثلاثينات امتلأت بها)، لكن “العراب” كان الأول الذي عايشها وجسّدها وصوّر الخارجين على القانون بضوءين واحد متعاطف وآخر مضاد. وشركة باراماونت لم تكن ترغب في أن يقوم براندو بالدور ورشحت عدداً كبيرا من الممثلين الآخرين بينهم بيرت لانكاستر وكيرك دوجلاس لكن المخرج أصر وربح معركته ضد الشركة التي استجابت بعدما شاهدت شريط تجربة تبرّع به براندو وفيه جسّد الشخصية التي قام بها لاحقاً. براندو رضي ب 250 الف دولار فقط لقاء دوره وذلك لأجل أن يعود الى الشاشة في دور يحبّه.

في العام 1972 فاز بالأوسكار عن دوره في هذا الفيلم لكنه استهان بقيمتها وما ترمز إليه هوليوودياً مفضلا استغلال المناسبة لسوء معاملة الهنود الحمر.

في العام 1973 ظهر براندو في فيلم برناردو برتولوتشي “آخر تانجو في باريس” ورشح للأوسكار عنه. براندو في الفيلم قدّم أداء جديراً (أفضل ما في العمل بأسره) لكن أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، مانحة الأوسكار، لم يرغبوا في المخاطرة مرة أخرى بإيداع الأوسكار ممثلاً كان قبل سنة واحدة ردّهم خائبين.

في العام 1979 ظهر فيما يمكن تسميته بآخر دور رائع له وذلك في “سفر الرؤيا الآن” مرة أخرى تحت إدارة فرنسيس فورد كوبولا مثّل براندو شخصية الجنرال الأمريكي الذي أصابه جنون العظمة فحوّل حاميته في عمق فيتنام (خلال الحرب هناك) الى مستعمرة تحكم بأمرها تقتل الفيتناميين والأمريكيين اذا ما حاولوا إيقافه.  كوبولا عاد الى مارلون براندو في فيلم “سفر الرؤيا... الآن”: دراما عن الحرب الفيتنامية مأخوذة عن رواية لجوزف كونراد لعب فيها براندو دور جنرال تطلب الحكومة الأمريكية رأسه كونه استقل عن حملتها العسكرية وأخذ يشيع العنف بدوره على الحدود الفيتنامية  الكمبودية.

آخر ما شاهدناه لبراندو فيلم “الضربة” (2001) الذي جمعه مع معجب آخر به هو روبرت دي نيرو. وكان المخرج التونسي رضا الباهي قد كتب سيناريو ينص على دور لبراندو وقابل الممثل الكبير الذي أحب المشروع لكنه لم يستطع القيام به إذ واتته المنية بينما الإنتاج لم يكن جاهزا بعد. براندو أمّ القضايا اليهودية في مطلع أعماله وساعد في التبرّعات ثم زار، كما قال للمخرج رضا الباهي، مخيمات اللاجئين في بيروت في مطلع الستينات:

“قلت لنفسي وأنا أشاهد المأساة: يا إلهي... ما الذي فعلته؟” وأضاف:

“من يومها ابتعدت عن تأييد “إسرائيل” وامتنعت عن دفع التبرعات. اعتبرت أنني كنت مسؤولا عن نكبة الفلسطينيين”.

براندو واجه اللوبي الصهيوني في هوليوود حين ذكر أن اليهود يسيطرون على هوليوود داعياً لهم ممارسة قدر من الحساسية تجاه ما يعانيه الفلسطينيون. تحت الضغط والتهديد بمنعه (كما استلم تهديدات بقتله) اضطر للاعتذار.

21.6 مليون دولار تركة براندو

ترك الفنان الراحل مارلون براندو اسطورة السينما الامريكية ارثا يزيد قيمته على 20 مليون دولار مما بدد تكهنات واسعة النطاق بأن الممثل توفي مفلسا. وكان قد تم تقديم طلب لاثبات صحة وصية براندو بالفعل امام المحكمة العليا في لوس انجليس وهي العملية التي بناء عليها يتم توزيع تركة المتوفى. وبناء على هذا فان المستفيدين من التركة هم الابناء العشرة وتتراوح اعمارهم من 46 الى عشر سنوات.

الخليج الإماراتية في

11.07.2004

 
 

زعـيـم الـجـريـمـة الـمـحـبـوبـة 

عـقـل الـعـويـط  

كان ينبغي له أن يكون حصاناً متوحشاً، أن يلتئم هجسه تحت الصهيل، تحت هواء رئتيه، وتحت عصفور قلبه.

كان ينبغي له أن يجتمع كلّه تحت قوس قزح، وأن يكون قوس القزح كي يخلب ألباب السحرة ويهدِّىء روع المسحورين.

كان ينبغي له أن يكون ملاكاً فاسقاً، أن يكون رئيساً زمنياً للعشق، وأن يكون زعيماً روحياً للجريمة المحبوبة.

كان ينبغي له أن يكون ملاحَقاً في كل مكان، مطروداً من كل مكان، كي يفوز بالأمكنة كلها.

كان ينبغي له أن يكمن للصيّاد، أن يسطو على السارق، وأن ينتزع الفرائس من بين أضلاع المقامرين، كي يُرسي قانوناً ضدّ القانون ويكون راعي رعيان الحلم والأمير الشرعي لقطّاع الطرق.

كان ينبغي له أن يكون العشيق مكان العشيق، ليحرّر الرجل، فظاظة تماسكه ونبوغ انهياره، من طمأنينة النسق وحماقة الأغلاط القاتلة.

كان ينبغي له أن يلتحق بغريزته، أن يقتفي أثر الحدس على صهوة، أن يدمّر وقت الحياة تحت سنابك القلق، أن يرمّم، أن ينكأ، أن يدمل، أن يكون سطحاً أملس، وأن يحمرّ ويدمع كشمسٍ خجولة.

كان ينبغي له أن يرى بعينَي صقر، أن يتكسر تحت أنين أجفانه، أن يكون كاسراً مكسوراً، وأن يتسرب كالخدر الناعم، كخمرةٍ معتَّقة، كي يستطيع أن ينام. على غرار نومه  العميق هذا.

***

مَن مثله يستطيع أن يخبّىء العاصفة تحت ثلج أعصابه، كي يكون له أن يحتفظ بأسرار المزاج الغامض على غرار شجرة سرو يتيمة؟

مَن مثله راقصاً على حافة جسر، فوق هاوية، راكعاً أمام تلك المرأة، وراء تلك النافذة، في تلك المدينة، ومُسلِساً قياده لخنجر الملاك النسائي؟

مَن مثله شارباً كحول انتحاره البطيء، سارقاً بنوك اللذة والمغامرة والمال، ومقامراً بالبروق المهرقة؟

مَن مثله سائقاً لدرّاجة النزق، ضاحكاً حالماً ماجناً متمرّداً خارجاً على النظام، خفيفاً كالهواء، وأنيقاً كرجلٍ يتأبط ذراع فتاته تحت منتصف الليل؟

مَن مثله يرفع رهينة الحياة الى روابي الهوس والحرية؟

مَن مثله سلساً كضربة قمر، صعباً كلعنة صاعقة، وناجحاً كضربة نرد؟

مَن مثله تجرحه نشوات الغيوم والأمطار، لو لم يكن على غرارها، مأخوذاً على حين غرّة بأحلام آخر النوم، وخاسراً كآخر المطرودين من الجحيم؟

مَن مثله يستطيع أن يخسر، أن يُثقَبَ جدار قلبه، وأن يتهاوى كمثل ملكٍ مخلوع؟

***

كنتُ أريد أن أكونه في باريس.

كنتُ أريد أن أكونه كي أنضمّ الى ظلال أصابعه ورنين الشفاه. كي أكون الأرض، أرض الغرفة السكرى، حين استلقت عليها تلك الملاك الشافية.

كنتُ أريد آنذاك أن أكون أوجاع عينيه، شبقهما، هديل الغواية فيهما، رغبتهما الجامحة، وشهوتهما التي ستظل تستحق أن تُشرَب ثمالتها حتى الثمالة.

كنتُ أريد أن أكون لصوصَه وأعداءه. كنتُ أريد أن أكون جميع الذين يغارون، حين سيروحون ينهبون جوع تلك المرأة ويسدّون به رمقهم الجائع الى قبلةٍ رعناء، وإن قاتلة.

كنتُ أريد أن أكون ثيابه. غلالة عينيه. وهم يديه وشفتيه. كنتُ أريد أن أكونه فحسب.

كنتُ أريد أن أكون وجعَ تلك الكأس، رطوبتها الدائخة، كي أرتشف نقطةً مستوحشةً كانت ترشح من غيوم ذاك التانغو الأخير.

كنتُ أيضاً أريد أن أكون نزقه، توحّشه، عدوانيته، تمرّده، هشاشته، شبابه، شيخوخته، تبدّده، مجانيته، صمته، جروحه، وحشته، صوته الصارخ في براري هوليوود الفظة، وخساراته الأبدية.

كنتُ أريد أن أكونه في صقلية وفي إيطاليا جميعها. وربما أيضاً في نيويورك. رئيساً لتلك العائلة. زوجاً، والداً، جدّاً، عرّاباً، زعيماً، متقاعداً، خطيراً، هشّاً، مرهوباً، حنوناً، قاسياً، باكياً، رابطَ الجأش، خائفاً، رائياً، محنَّكاً، حكيماً، ليّناً، مراوغاً، مخترعَ أحلام، مبذِّر مال. ويداً من حديد. الى أن يتساقط في تلك الجنينة تاركاً وراءه طفلاً باكياً وغيمةً ترأف بأهداب العين.

كنتُ أريد أن أكونه هناك وهنالك.

كنتُ أريد أن أكونه كي أفوز بقمر المقامرات وأضع يدي على العصابات جميعها. فأصادر البنوك، وأكتم الملوك، وأركِّع الطغاة آلهة المال والمسدسات، وأرفع الهنود الحمر الى السدة، وأعلي شأن الصعاليك ليكونوا الشارع وهواءه وأحلام الأزقة الغامضة.

كم كنتُ أريد أن أكونه هنا. في رأسي خصوصاً. كي أربّي الألم واليأس والحلم والمال والسلطة والعنف والخوف والجنون والشبق والتبدّد. كنتُ أريد أن أكونه هنا، عشبةً عشبة. الى أن أصير غابةَ ثأرٍ وانتقام لمجد التمرد والحبّ والحرية المهيضة الجناح.

كم كنتُ أريد أن أكونه كي أستطيع أن أكون شجرةَ سروٍ لقصيدة. أو قصيدةً لشجرة سرو.

وكم كنتُ أريد أن أكونه كي أستطيع أن أكون قاطعَ طريقٍ لامرأةٍ هي جريمة الشبق الهاذية. كي أستطيع أن أكون قصيدتها. أو أن أصير قتيل سراحها.

النهار اللبنانية في

11.07.2004

 
 

مارلـــون الحـبـيــب

الـمــلــك يـمـــوت

محمد سويد

مثل يوحنّـا الحبيب، أسمّيك مارلون الحبيب. أعرف أنّـك ما كنت لتعود إلى بيروت عابر سبيل ونزيلاً في فنادقها الفاخرة. لست أدري من نصح لك بحجز غرفة في فندق فينيسيا. لو رجعت الآن إلى غرفتك لوجدتها مرمّمة لراحة زبون جديد. زبائن اليوم غير زبائن الأمس. شي تكتك شي تيعة. في مطلع عـّزك، وطئت قدماك أرض بيروت متوقّفاً بضع ساعات في طريق سفرك إلى طهران.

احتضن الفندق أنسباء ملوك مخلوعين ومنفيّين من الترف والعطف والغنج، أبناء مال يحوطهم كسيرو القلب وأليفو الوحدة والغربة الآفلة في كآبة الشمس.

من هبّ ودبّ. أنت أيضاً، وعلى نحو المظلوم أورسون ويلز، هجرت شبابك وتركت مجدك مسترخياً في ظلمة قمر مكسوف في حيائه. حالك حاله، آثرت الأكل على السينما. قلت إنّ سبب بقائك، عدم امتلاكك الشجاعة الكافية لرفض المال. كسول. ترغب في جني الوفير من عمل قليل. أحبّـك. عندما خرجت صورتك على الشاشة ممثّـلاً فيلم "المتوحّـش"، أحبّـك شبّـان الخمسينات وحسنواتها. تركتهم مأخوذين بسترتك الجلديّة ودرّاجتك الناريّة. ما برح ارتداء سترة الجلد وركوب الدرّاجة الناريّة زينة التمرّد والشباب. أيا ليت الشباب يعود يوماً.

آه،

ما أجمل شبابك وما أروع التمرّد في عينيك الغائرتين ألماً ورقّة ونزقاً. سخرت من تبرّج المشاهير بالعفّة الزائفة والتحفّظ عن المعاصي. قبل عشرة أعوام، استقبلك لاري كينغ في برنامجه. فجأة، قفزت عليه وقبّـلته في شفتيه. أثرت فضيحة. أثناء تصوير "تمرّد على متن سفينة بونتي"، تذمّر المخرج لويس مايلستون منك وتشكّى لعدم إعطائه الفرصة غير مرّة واحدة لتوجيه تعليماته. لم تتوان عن حشو القطن في أذنيك كي لا تتلقّى أوامره. حرام لويس. انهار. حبذا لو كان جيمس دين حيّـاً. ما أشبهكما. الفرق بينكما أنّـه ثائر بلا قضيّة. أمّـا أنت فثائر كلّ القضايا والمناسبات. حرام جيمس. مات شابّـاً. أيا ليت شبابه يعود إليّ.

عزائي أنّـك زين الشباب. لا تريد أن تكون إلاّ نفسك حتّى لو أرغمت على ضرب رأسك بالحائط مثـلما ردّدت مراراً. تنكّرت لحياة النجوم. تنازلت عن لباقة معشرهم وأناقة ملبسهم. هام بك المراهقون متنزّهاً بالجينز الأزرق والتي - شيرت، سائقاً آخر طرز من السيّـارات المكشوفة. نهبت طرق سانسيت بوليـفـار موهماً المارّة برمح طُعنت به. أجدت ربط الرمح حول رأسك. لم تكن تسخر من الهنود الحمر. ولم يكن إرسالك امرأة في زيّ فولكلوري هندي إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1972 أكثر من إخراج جيّد لدفاعك عن الحقوق المدنيّة والإنسانيّة للهنود الحمر. زوّدتها خطاباً في خمس عشرة صفحة. ادعت أن اسمها ساشين ليتل فيذر. نقلت عنك غضبك من أميركا وغبنها لسكّانها الأصلييّن. على لسانها، رفضت تسلّم أوسكار أفضل ممثّـل عن إدائك لدور "العرّاب" فـيتو كورليوني. لاحقاً، عُلِمَ أنّ رسولتك ليست هنديّة ولا تدعى ساشين، بل ممثّلة اسمها الحقيقي ماريا كروز، فازت سابقاً بتاج ملكة جمال مصّـاصي الدماء في أميركا 1970! لا أرمي من سرد طرفة الرمح وقصّة المرأة الهنديّة إلى اتّهامك بالكذب. أبداً يا حبيب روحي. كنت مرحاً يا روحي. فضّـلت مخاطبة الممثّلين بلغة الممثّلين. أتيت بملكة جمال مصّـاصي الدماء وتركتها تلقي كلامك الساخط في وجوههم. أحسنت. كنت ممثّـلاً لا تعوزه الخدع السينمائيّة. عملت بنصيحة ستيلّلا أدلر، مشجّعتك وأستاذتك في التمثيل: "املأ فراغك بأيّ شيء. لا تكن ممّـلاً". أحسدك على ستيلّلا. لا علاقة للبيرة المصريّة المعروفة بها. لا. أعني زمن ستيلّلا ولي ستراسبرغ وناقلي منهج ستانيسلافسكي من عشرينات روسيا في القرن الماضي  إلى "استديو الممثّـل" في أربعينات نيويورك. أتيت من أوماها. في رعاية ستيلّلا كبرت يا ابن نبراسكا وتعلّمت. ابتعدت من عذاب طفولتك ومآسي أمّـك وأبيك. أثناء تمثيلك شخصيّة الغريب الأميركي في "التانغو الأخير في باريس" لبرناردو برتولوتشي، ذكرت على لسان بول، بطل الفيلم، أنّ أباك عاشر المومسات وأمّـك أدمنت الخمر. لم يعرف المشاهدون أنّ قوّة أدائك في فيلم برتولوتشي جاءت من ارتجال نتف من مذكّراتك الشخصيّة. كنت في حاجة إلى مخرج إيطالي يصحبك لتصوير فيلم في فرنسا، مسقط أبيك المتحدّر من عائلة Bardeaux  في الألزاس، كي تصفّي حسابك مع حياتك العامرة بالأسى.

لبرتولوتشي فضله ولستيلّلا أدلر كلّ الفضل. أمّـا فضلي عليك، فهو أنّي أحبّـك. اسمح لي أن أسمّيك أخي. ربّ أخ لك لم تلده أمّـك دوروثي. دعنا من الغمّ وتعال نضحك مثلما ضحك معلّموك حين قالوا عنك إنّ دخولك مدرسة التمثيل يشبه دخول نمر مدرسة أدغال. ما كان من ستيلّلا إلاّ أن ضحكت في دورها عندما طلبت منك ومن رفاق صفّـك في تمرينها الأول معكم أن تتخيّـلوا أنفسكم دجاجات أصابها الذعر جرّاء انفجار قنبلة نوويّـة. دبّ الصخب في القاعة. بقيت وحدك هادئاً. اتخذت وضع دجاجة تبيض. نظرت إليك ستيلّلا وصفّقت. لم أسألك ما إذا كان جيمس دين معك في هذا الدرس أو هل أحبّته ستيلّلا مثلما أحبتك. حرام جيمس. مات قبل أوانه. حتّى أنت متّ يا أخي. لماذا؟ ثمّة ألف وغد في البنتاغون لا يعرف الموت طريقاً إليهم. أراهم شبه "القيامة الآن". كان فرنسيس فورد كوبولا سابقاً لأوانه عندما أسند إليك دور الكولونيل والتر كورتز المصاب بلوثة جنون الحرب في فـيتنام، حلق شعره، نصّب نفسه إلهاً وسدل الستار على أسطورته بقتله وتناوب أتباعه على تقطيع أعضائه. بين الذعر النووي والغرور العسكري، عشت حكاية أميركا، بدأت حكايتك مع التمثيل وانتهت. احتقرت هوليوود. أمضيت حياتك مزدرياً نجومها. نكايةً بهم، نبذت الشقراوات. أشيع أنّ ماريلين مونرو تذمّرت من إهمالك لها وتقرّبك من الممثّـلة الخلاسيّة آنا كاشفي. أضحت آنا زوجتك الأولى. بعد طلاقكما، تزوّجت من موفـيتـا كاستينادا وتاريتا تريـبـايا وتطلّقت منهما تباعاً. أحببت  السمراوات وذوات الشعر الأسود المتمايل على مدّ عينك. أحسنت يا ابن دوروثي ويا سليل أهل الألزاس المهاجرين إلى نبراسكا. كان ذلك سلوكاً محرّماً غير مأثور في سِيَرِ النجوم المفتونين بمصاحبة الشقراوات. لا أفهم هل فعلت ذلك سأماً من شهرتك أو أنّـك  كرهت السينما أكثر ممّـا أحببتها. البارحة، عاودت مشاهدتك منتحلاً دور الشريف كالدر في "المطاردة" لآرثر بـن. في حوارك المتبادل مع أنجي ديكنسون، زوجتك في الفيلم، سمعتك تتحدّث عن عالم يعمّر ناسه بالكذب. أتذكر حين قلت إنّ التمثيل هو الحرفة الأقلّ غموضاً؟ أحسب أنّك سئمت التمثيل قدر ما أحببته. عشقته لأنه اكتشاف لعالم يحكي نفسه بالكذب، وكرهته لأنه لا يمكن ممارسته من دون محاكاة البشر. أيزعجك وصفك أنّك سيّد ممثلي السينما. يحيّرني أمرك. عظمة أعمالك لا تتجاوز حفنة من الأفلام. من بين عشرات الأفلام الساقطة، لا أحصي غير "المتوحّش" للازلو بنيديك (1954)، وأفلام إيليّـا كازان "عربة تدعى الرغبة"(1951) و"على رصيف الميناء"(1954) و"فـيـفـا زابـاتا!"(1952)، وفيلمي فرنسيس فورد كوبـولا "العرّاب"(1972) و"القيامة الآن"(1979)، "حريق!" لجيلو -ونتيكور-و(1970)، و"المطاردة" لآرثر بـن (1966)، و"التانغو الأخير في باريس" لبرناردو برتولوتشي (1972)، وتقمّصك شخصيّة مارك أنطوني في "يوليوس قيصر" لجوزف مانكويز (1953). عشرة أفلام لا غير. لولا العيب والحياء لحذفت منها "فـيـفـا زابـاتا!" و"يوليوس قيصر". نعم لائحتي المفضلة من أفلامك لا تزيد على ثمانية. لعلك تحبّ أن تُضيفُ إليها أوّل أفلامك "الرجال" لفريد زينمان (1950)، وللصحافة أن تزيد "سايونارا" لجوشوا لوغان (1957)، أو قد يحلو لكارهي جورج دبليو بوش وأسلافه التذكير بدورك في "الأميركيّ البشع" لجورج إنغلاند (1963)، إلاّ أنّني أكتفي بلائحتي متسائلاً كيف استتبت شهرتك وصرت مالىء الدنيا وشاغل البال بثمانية أو عشرة أدوار فحسب. في بداياتك، ضحك البعض من تلعثمك في اللفظ. زعموا أنّك تتمتم أكثر ممّـا تتكلّم. أنت نفسك خفت من عجزك عن حفظ الحوارات. كانت تكتب بأحرف كبيرة وتعلّق أمامك قرب الكاميرا. صديقك المغفور له إيلـيّـا كازان وجد الحلّ. نصح لك باستعمال يديك كلّما خانتك الذاكرة. عملت بنصيحته ونجحت. بيديك صنعت مجدك وغيّرت وجه التمثيل السينمائيّ. ما من ممثّـل استغلّ قدرة يديه في التعبير مثلك. الغريب أنّي حين أعود إلى أفلامك وأراك تداعب قطّة أو تحّـك وجهك بغليون أو تزيح مسدّساً مصوّباً إليك، أنسى أنّك قمت بهذه الحركات إخفاء لضعفك وعجزك عن النطق والتذكّر. لن تعطي السينما مشهد حبّ يفوق في شاعريّـته لقائك بإيـفـا ماري سانت في "على رصيف الميناء": في متنزه عام، مشيتما معاً. تردّدك في استظهار الكلمات وتلعثمك بها كانا أشبه بخجل رجل يوشك على الوقوع في الغرام، ولمّـا حاولت إيـفـا لبس قفّازيها الأبيضين ووقع أحدهما أرضاً، اختصرت يداك كلّ صور الحبّ، إذ انحنيت ولممته ورحت تلامسه بأطراف أناملك. عوضاً عن ردّه إلى إيـفـا، أدخلت يدك فيه، ارتديته كما لو أنّـك ترتدي الحبّ. بأناملك أعطيت ما فات كاتب السيناريو وصفه. أعطيت الحبّ.

آه يا حنون،

استهواني مزجك الرقّة بالخشونة. نصف رجل ونصف امرأة. في أيّ حيرة خلقك الله؟ يا لهفي عليك. دعني أنحاز إلى أنثاك كي أحبّـك أكثر. لا أنظر إليك الآن مفارقاً الحياة. حدث أنّـك لم تمت. حدث أنّـك أغمضت عينيك على حنانك. ما أحوج أهل بيروت ومحاربيها القدامى من روّاد سينما بيبلوس وكليمنصو وكومودور إلى لمعة حنان من نور عينيك. ليس في بيروت مطرح للحنان. الحنان تننباوم، لا أكثر ولا أقلّ.

مارلون، يا حبيبي ويا نور عيني،

لا أعرف من حجز لك غرفة في فندق فينيسيا. أذكر أنّ مطعم "العرّاب" في شارع البارات المجاورة لسينما كومودور افتتح بعد أقلّ من عام على ظهورك في "العرّاب". عبثاً حاول أصحابه استغلال اسمك واسم الفيلم. فشلوا. اضطرّوا إلى قفل المطعم قبل أن يتسنّى لهم التحجّج بأنّ الحرب تسبّبت بخراب بيوتهم. لو قيّض لك تلبية دعوة المشاركة الفخريّة في افتتاح المطعم، لما تأخّرت في التخلّف عن الحضور وارتياد أقرب بار منتشياً بالضياع بين أضوائه الحمر وأحضان مومساته وسعال زبائنه السكارى. برافو. بين حانات الليل وأرصفة الزيتونة ومسبح السان جورج، مررت خلسة بين أوكار الجواسيس والقوّادين. كنت مثلما كنت، فتى السينما الأميركيّة ووحشها الحنون. برضه بحبّـك يا وحش! لطالما أدهشتني. خدشت حياء الملايين عندما نُشِرَت مشاهدك الجنسيّة مع ماريا شنايدر في "التانغو الأخير في باريس". داخل عتمة سينما كليمنصو، رأيت المشاهدين يمضون وقت العرض متلصّصين على جسد ماريا شنايدر المرتعشة في سكرات حزنك. كانت ماريا غربة ألمك. أعترف أيها الغريب أنّي توجّعت لوجعك حين انهرت فوق زوجتك الميتة وجسدها المسجّى بين الورود وندبتها باكياً، "أنت تحفة أمّـك". أعلم أنّـك تذكّرت أمّـك يا تحفة روحي. غريب. بدأت حياتك على الخشبة عام 1944 بمسرحيّة "أذكر أمّي" وبعد ذلك بخمسين عاماً نشرت مذكّراتك تحت عنوان "أغان تعلّمتها من أمّي" وكتبت: "أفترض أنّ حياتي كلّها كانت بحثاً عن الحبّ" وعن وسيلة للشفاء من عذاب الطفولة. حسرتي أنّ أمّـك لم تعش لتقرأ حبّـك لها. كانت جميلة. غرامها التمثيل. مسكينة. خاب أملها. أطفأت حزنها في الكحول وانطفأت. أيّها العالم صلّ من أجلها. أراك شبه أمك. بدل الخمر، نافستها في شراهة الأكل. ازددت وزناً وكأنّـك لم تكن يوماً ساحراً ووسيماً. لن أنساك حين تعمّدت في أحد أدوارك الظهور بقميص ممزّق وحرصت على عدم ارتداء لباس داخلي تحت الجينز موحياً غليان الجنس في جسدك المتصبّب عرقاً. كانت لك عاداتك. كنت حيواناً تحرّكه غرائزه. لا أفهم نبذ الجنس ومحو رغبته في لذّة الأكل. أرجو ألاّ تسيء فهمي. ليس قصدي الحطّ من قدرك أو القول إنّـك ازددت دمامة في سمنة جسدك. على العكس، بدوت في بدانتك وكأنّ الحياة، مهما كبرت، لا تتسّع لنهمك وعشقك لها. نعم أيّها الحبيب. كلّما نظرت إليك، عاودني الشوق وراودتني خاطرة رود ستايغر عن زيادة الوزن وفقد الجمال في حواركما الشهير في فيلم "على رصيف الميناء". كان اسمه شارلي وكان اسمك تيري. حدّثك عن زيادة وزنك وخسارة جمالك منذ ابتعادك عن حلبات الرياضة. كلّمك كأخ يعرف مصلحة أخيه الصغير وجاوبته كأخ لا يهمّه غير شعوره بفقد رعاية أخيه الكبير. "كان في وسعك أن تفعل أكثر"، قلت له، و"كان في وسعي أن أكون ذا شأن":

I could ve been a contender

سأترك الجملة على نحو إلقائك لها في الانكليزيّة. لن أترجمها. ما أجملها. ما أجملك. لفظتها وكأنّك الجملة نفسها. كنت شيخ طريقة في التمثيل. بيدك، عبّر تيري عن حبّه لشارلي، تحسّس مسدّس أخيه في رفق وأبعده عن وجهه. فعلت ما أوصتك به معلّمتك ستيلّلا، "لا تمثّـل. تصرّف". إذا عاد ستانيسلافـسكي إلى الحياة، لن  يطلب إلاّ أن يقبّـل يدك. الممثّل في السينما كالغريب في بلاد يجهل لغتها، على قول السينمائيّ الفرنسيّ الراحل روبير بريسون.

بمَ أسميك أيّها الغريب؟ مثل يوحنّـا، سميّـتك الحبيب. مع الاعتذار من نجوى فؤاد، لك منّي ألف بوسة وبوسة. أنت حبيبي.

النهار اللبنانية في

11.07.2004

 
 

كلاكيت

ألم تخلف الحرب فعلا مجانين مثل العقيد والتر كيرتز؟

مارلون براندو.. المجاز متماهيا بالحقيقة

محمد فاضل

ثمة ممثلون يجعلونك تنسى انك تشاهد فيلما او ان ما يجري امامك هو تمثيل، بل الحياة نفسها... مارلون براندو واحد من هؤلاء إن لم يكن اهمهم.

هل لمحتم براندو يبتسم في افلامه؟ قليلة هي ابتساماته في الافلام، ربما في افلامه الاولى، لكن ذلك ليس علامة امتياز بالتأكيد، فهذا الوجه الناعم ظل يخفي وراءه مشاعر غامضة ومتداخلة. كأن وجهه قناع محكم لمشاعر تتراوح دوما ما بين السخرية والتهكم "اقرأوا تعليقاته المليئة بالتهكم ونظرته للتمثيل باعتباره مجرد وظيفة" وما بين دراما تستمتد نفسها من حياته الفعلية: طفولة غير عادية في حضن أم مدمنة على الكحول وأب عرف بأنه زير نساء.

لاحقا، سيواجه براندو حياة تماثل افلامه وافلام هوليوود نفسها: ابنه كريستيان يقتل صديق ابنته بالتبني شايان "اسمها هو اسم واحدة من اكبر قبائل الهنود الحمر في اميركا الشمالية" ويقضي كريستيان سنوات بالسجن قبل أن تقدم شايان نفسها على الانتحار.

لا فاصل بين افلامه وحياته والمجاز يتحول الى حقيقة: رفض براندو استلام جائزة الاوسكار عن دوره في فيلم "العراب" في السبعينات احتجاجا على معاملة الحكومة الاميركية للهنود الحمر. ألا يبدو انتحار "شايان" الابنة المتبناة لبراندو مجازا عن مصير قبيلة "الشايان" نفسها ومصير الهنود الحمر في اميركا الشمالية؟

تضيف الحياة لمسة رمزية اخرى للدراما عندما يموت براندو مفلسا وهو الذي كان يتقاضى اعلى الاجور في هوليوود. على هذا النحو يتداخل التمثيل باعتباره مجازا مع الواقع على نحو قدري لكأنما يصبح السرد البصري والحكاية التي يراد بها امتاع ملايين المشاهدين هو المصير الذي ينتظر الممثل، لكن أي ممثل؟

لا تكفي الطفولة البائسة أو غير العادية لكي تصنع ممثلا استثنائيا. هناك الكثير من العصاميين الآتين من احضان الفقر والبؤس يمكن الاشارة اليهم، جاك نيكلسون مثلا. هذا مذهل أو حتى تلك الاسطورة: نورما جين او باسمها الاشهر "مارلين مونرو". هذه الاخيرة وجيمس دين سيذكرون الجمهور دوما بإيقونات صنعتها هوليوود: الجمال الباهر، التهور والاندفاع نحو الحياة بلا حساب والرحيل في عز الشباب والنضارة، وفي النهاية: اسطورة باقية، حتى لو كانت مصنوعة مثل مونرو، فنهايتها المأسوية ستدفعنا دوما لوصفها بالمسكينة.

براندو مختلف تماما. حين يطل في فيلم ما، تشعر بأن حضوره ضروري، وأن هذا الحضور هو الذي يعطي الفيلم امتيازا ما بل ومعنى ما يتجاوز التسلية والمتعة البصرية وحسابات المنتجين، وربما كانت هذه الحسابات تصبح اكثر دقة عندما يتم اختيار براندو ضمن طاقم الفيلم. لم يبدأ براندو على هذا النحو، بل كان يطور هذا الحضور وهذا المعنى ويراكمه من تجربة إلى اخرى. على هذا النحو لا يتذكر الكثيرون من المشاهدين افلامه الاولى الا كفتى وسيم، أما اول الذروة فهو سلسلة افلام "العراب".

دوره في "العراب"، يبقى احد اهم اداوره الكلاسيكية، لكن براندو يبدو على الدوام فنانا يقف بالند مع صاحب الرؤية الاصلية، أعني المخرج، مخرج "العراب" عبقري آخر اسمه فرانسيس فورد كابولا. متمرد آخر من متمردي هوليوود والمجنون الاول فيها بامتياز. اداؤه هو دوما من ذلك النوع الذي يشعرك بأن هذا الرجل لا يمثل، بل يتلو علينا رؤاه بعباراته وايماءات وجهه ولغة جسده، هذا كله بعيدا عن الافتعال.

في العام نفسه أي ،1972 سيقدم براندو واحدا من اهم ادواره تحت ادارة المخرج الايطالي برناردو برتلوتشي في فيلم "التانغو الاخير في باريس". لقد اثار الفيلم حفيظة الجميع وعلى رأسهم الكنيسة الكاثوليكية ولم تستطع فرنسا باحتفائها الراسخ بحرية التعبير أن تتجاوز العاصفة، فأخرت قليلا عرض الفيلم الذي صور على اراضيها، لكن الجهمور حظي اخيرا بفرصة مشاهدة ذورة اخرى من ذروات مارلون براندو.

عندما اراد برتولتشي أن يقدم فيلما عن الضياع والحياة الكئيبة المثقلة بطفولة مليئة بالكبت، اختار براندو لهذا الدور. حتى اليوم يشك الكثيرون في نجاح هذا الفيلم لولا أن براندو كان بطله. لقد ادى شخصية "بول" التائه، المحطم وهو يلتقي فتاة باريسية صغيرة ومرحة ومقبلة على الحياة "ماريا شنايدر". لا سرد كلاسيكيا في هذا الفيلم ولا سببية بسيطة مثل حبكات باقي الافلام، بل عبثية ولا منطق. الجدران والغرف عارية من الاثاث او الاكسسوارات والاضاءة المرسومة بعناية والاماكن الضيقة وزوايا التصوير ترسم لوحة لـ "بول" وهو يصارع بين ماض مثقل بالكبت وطفولة لم يعشها كباقي الاطفال وبين الامل الذي يمثله لقاؤه بفتاة شابة. لا اسماء.. يخبرها في بداية اللقاء، أقل الكلمات للحديث ولغة غير المتعارف عليها بين الناس. اما النهاية فهي ضياع ايضا: تهجره الفتاة عندما بدأ يستعيد الامل ويتعلق بها.

بدءا من سلسلة "العراب" مرورا بـ "التانغو الاخير في باريس"، يظهر براندو افضل قدراته في التمثيل، التمثيل بالجسد كله. إنه واحد من اولئك الفنانين الذين يتميزون بقدرة فائفة في توظيف الجسد في التمثيل، اكثر ما برع فيه هو توظيف طبقات "الصوت". اظهر ذلك في العراب لكي يعطي شخصية "العراب" ابعادها الكاملة: اللكنة، طبقة هادئة غالبا تخفي ميلا متأصلا لايقاع الاذى بالآخرين وغضب محسوب في لحظات معينة، لكن براندو بلغ القمة في دور قصير جدا لا يكاد يذكر: العقيد المتمرد كيرتز في فيلم "القيامة الآن" ومن جديد تحت ادارة مخرج العراب نفسه، فرانسيس فورد كابولا.

"القيامة الآن" جنون مطلق يحاكي الجنون الذي اطلقته الحرب الفيتنامية وعبثيتها كلها. لا شيء عاديا يتعلق بهذا الفيلم. لقد كتب كابولا السيناريو مستلهما رواية جوزيف كونراد الاهم "قلب الظلمات"، لكن الجمهور حظي بفيلم كلاسيكي من طراز آخر، ثلاث ساعات واكثر من الهذيان. ثلاث سنوات لتصوير الفيلم في غابات الفلبين. الشركة المنتجة اعلنت افلاسها فقام كابولا بوضع ثروته الشخصية لانجاز الفيلم. استأجر اسحلة من الجيش الفلبيني بقيمة 20 مليون دولار، غالبية زوجات طاقم الفيلم انفصلن عن ازواجهن الغائبين في الادغال، وبالنهاية فيلم استثنائي في تاريخ السينما: حوار اقرب للشعر ومناظر اقرب للوحات سيريالية.

يتسمر المشاهدون ثلاث ساعات واكثر لمتابعة الكابتن بنجامين ويلارد "مارتن شين" المكلف من قبل قيادة الجيش الاميركي في سايغون بالوصول الى العقيد المتمرد والتر كيرتز "براندو" وقتله. الفيلم هو رحلة الكابتن ويلارد وصولا الى معقل العقيد كيرتز على الحدود بين فيتنام ولاوس وكمبوديا، منطقة خارجة عن الجغرافيا وعن المنطق ايضا. لا يظهر براندو الا في المشاهد الاخيرة للفيلم في مشاهد لا تتعدى خمس دقائق، لكن صورته تظل في ذهن المشاهد طيلة الفيلم، منذ اطلالته الاولى في الملفات التي يتصفحها شين وهو يقرأ عن الشخص المكلف بقتله. الحوار بين براندو وشين كان اشبه بالمباراة بين الاثنين تتوج ثلاث ساعات من الرعب انتظارا لموت يعرف الاثنان أنه قادم. شين يقف امام ضابط نموذجي ومثالي لكن الحرب دفعته للتمرد. براندو يحاور شخصا يدرك أنه مرسل لقتله، يوظف طبقات صوته وقسمات وجهه في حوار قصير لا يتعدى ثلاث دقائق، يتحدث بهدوء من ادنى طبقات الحنجرة، لكنها طبقة صوت قاتلة تدفع مشاعر المشاهدين لاقصى درجات التوتر والتشوش الذهني. هدوء عقل متمرد اشاد مملكة متمردة تستقبل الزوار بجثث معلقة وطقوس وثنية، لكننا بالنهاية وفي لحظات ما، سننسى أننا نشاهد فيلما، وسنبقى تحت استحواذ براندو كلما تداعت مشاهده في اذهاننا يسأل عقلنا الباطن فيها عما اذا كانت الحرب فعلا لم تخلف مجانين مثل العقيد والتر كيرتز.

الوسط البحرينية في

11.07.2004

 
 

ثمانون عاما من العطاء

براندو... رجل التناقضات والواقعية

جيسون إنكني

مارلون براندو واحد من أشهر ممثلي الشاشة والمسرح من جيل الممثلين الذين ظهروا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإليه يعود الفضل في إعادة صوغ قواعد التمثيل، إذ تغيرت الأحوال منذ دخوله عالم التمثيل وتألقه فيه.

وكانت أعظم إنجازات هذا الأب الحنون ذي العاطفة الجياشة والمفعم بالحيوية قيامه بتبسيط طرق التمثيل، بأدائه التحليلي الذي كان يستحضر من خلاله كل أبعاد القوة والعمق في مهنة التمثيل. وبالمقارنة مع براندو بدا معظم عمالقة الشاشة في تلك الفترة سطحيين، وربما يقدمون أداء سخيفا.

رجل متناقض يميل للقتال ورفض لعب الكثير من الأدوار التي لا تهدف سوى لتحقيق شيء من خطط هوليوود، كما انه كان يعبر دائما وبصراحة عن اشمئزازه من صناعة الأفلام في هوليوود ومن حياة مشاهيرها، كما أنه استغل شهرته ليلفت الانتباه للقضايا السياسية ولكنه بعدها كان يقبل أي دور يعرض عليه حين يكون الثمن مناسبا. كان أحد أكبر ألغاز الشاشة، ولا يبدو أنه سيكون هناك شخص مثله تماما.

ولد في الثالث من ابريل/ نيسان العام 1924 في مدينة أوماها بولاية نبراسكا، وتجلت نزعة براندو الثورية في وقت مبكر من حياته، ما أدى إلى طرده من المدرسة العسكرية. أما أول عمل له فهو حفار لمصارف المجاري وقنوات المياه، وسبب ذلك الكثير من الاحباط لوالده الذي كان غاضبا من عدم امتلاك ابنه لأي طموح الأمر الذي بدا واضحا من مسلكه في الحياة، ولذلك عرض عليه والده أن يدعمه ماليا فيما يختاره من طريق لمستقبله، فقرر براندو أن يصبح ممثلا.

كانت والدته تدير فرقة مسرحية محلية، وأرسله والده إلى مدينة نيويورك ليدرس الطريقة الستانيسلافسكية في التمثيل مع ستيلا ادلر. بعدها عمل في استوديو الممثلين تحت إرشاد لي ستراسبيرغ، الذي وجد فيه التزاما بمبادئ طريقة التمثيل التي درسها بطريقة لم يسبق لها مثيل. بعد أن قدم أول أعماله Bobino في العام ،1943 ترك براندو المسرح ليعود بعد عام في مسرحية I Remember Mama ثم في العام 1946 بمسرحية Truckline Caf  وكانت ثمرة هذه الأعمال حصوله على ثناء النقاد الذين اعتبروه اكثر الوجوه الواعدة على المسرح.

لمع نجم براندو كممثل تجديدي في العام 1947 بعمل من انتاج تينسي ويليامز جاء تحت اسم A Streetcar Named Desir ظهر فيه براندو في دور المتوحش ستانلي كوالسكي، وقدم أداء رائعا يتناسب مع آراء الناقد فيه. أذهل براندو جمهور المشاهدين بأداء صادق ومميز، وبقوة في التمثيل وقدرة على الاثارة، الأمر الذي حوله بين عشية وضحاها إلى ثورة مسرحية. ولذلك سارعت هوليوود لاختطافه، ولكنه قاوم مفاوضات الاستوديوهات بازدراء مميز. كان يمثل جيلا جديدا ومختلفا تماما من النجوم، رفض الاغراءات، وتجاهل اكبر النقاد، وتنازل عن سحر هوليوود وبريقها. وزاد تمنعه ذلك من رغبة هوليوود فيه. وفي العام 1950 وافق براندو على بطولة فيلم The Man الذي انتجه ستانلي كريمر، والذي ظهر فيه براندو في دور ضحية الحرب المشلول، وهو أيضا الدور الذي تطلب منه البقاء في أحد مشافي علاج جنود الحرب لمدة شهر واحد استعدادا للدور.

وفي الوقت الذي لم يحقق فيه هذا الفيلم أي نجاح تجاري، فقد أخطأ النقاد في محاولاتهم الإشادة بأداء براندو، وفي العام 1951 تم الإعلان عن نية بطل الفيلم براندو ومخرجه ايليا كازان تقديم عمل Streetcar للتلفزيون. حقق العمل نجاحا هائلا، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، كما أكسب براندو أول ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل تمثيل، ولكن نجومه الآخرين لم يتمكنوا من الحصول على أي ترشيح، من بين هؤلاء النجوم فيفيان لي، وكارل مالدين، وكيم هنتر.

مرة أخرى اشترك براندو مع كازان، في فيلم العام 1952 Viva Zapata، وبعد أن انسحب من الفيلم الفرنسي الإنتاج Le Rouge et le Noir بسبب خلاف مع المخرج كلاود اوتان لارا قام براندو بتجسيد شخصية مارك انطوني في فيلم العام 1953 Julius Ceasar الذي كان من انتاج شركة "ام جي ام"، وأثار هذا الفيلم الكثير من الجدل بسبب أسلوب براندو المتميز كما أكسبه جائزة أوسكار للسنة الثالثة على التوالي.

في العام ،1954 شكل فيلم The Wild One منعطفا آخر، وظهر فيه براندو في دور الرئيس المتمرد لعصابة دراجات نارية، وقدم أداء لا مثيل له. وفي العام نفسه قدم دورا يمكن اعتباره واحدا من أفضل ما قدم براندو على الشاشة، حين ظهر في دور ملاكم في فيلم المخرج كازان On the Waterfront .

في رابع أفلامه فاز براندو أخيرا بالأوسكار، كما حصل الفيلم على جائزة أفضل مشاهد. ولكن فيلمه التالي Desiree شكل أول نقاط خيبة آماله، فعلى رغم حصول الفيلم على دعاية كافية لتجسيد براندو شخصية نابليون في هذا الفيلم، فإن المشروع لم يحقق نجاحا كبيرا سواء من الناحية الفنية أو من ناحية الأرباح.

واصل براندو اثبات مواهبه بتقاسم بطولة فيلم Gays and Dolls مع الممثل فرانك سيناترا، واقتبس هذا الفيلم من المسرحية الموسيقية التي تحمل الاسم ذاته والتي حققت نجاحا كبيرا. ومن أفلامه الأخرى التي أخذت من مسرحيات ناجحة فيلمThe Teahouse of the August Moon الذي قدم في العام 1956 قبل أن يبدأ براندو العمل في فيلمه الذي عرض في العام التالي Sayonara وهو الفيلم الذي أكسبه ترشيحا آخر للأوسكار.

في فيلم العام 1958 The Young Lions تقاسم براندو بطولة هذا الفيلم مع الممثل مونتغمري كليفت، الذي كان من أفضل الممثلين في تلك الفترة الى جانب براندو، وحقق الفيلم نجاحا ضخما. بعدها أعلن براندو عن خططه لانشاء شركة انتاج خاصة به. وبعد ان انسحب كل من ستانلي كبريك وسام بيكينباه من المشروع قام براندو بنفسه بانتزاع لجام الاخراج، وكانت النتيجة أول فيلم رعاة بقر مميز في العام 1961 الذي جاء تحت اسم One-Eyed Jacks وحقق نجاحا لا بأس به على شباك التذاكر. في العام 1962 مر فيلم Mutiny on the Bounty بعملية ولادة متعسرة مشابهة، فقد رفض براندو عمليات مراجعة كثيرة على الشاشة، وأنفقت شركة "ام جي ام" 19 مليون دولار لنقل العمل إلى الشاشة. وعندما فشل العمل مع وضع شباك التذاكر المتقلص، وسلوكه المزاجي بشكل مستمر ما جعله هدفا للازدراء للمرة الأولى منذ دخوله عالم التمثيل.

استمر مسار الانحدار، وظل براندو مراقبا، ولكن فجأة بدت الأعمال التي يقدمها تفوق قدراته بكثير مثل أفلام The Ugly American "1963"،The Chase "1966"،A Countess From Hong Kong "1967". فرص العمل الغامضة التي يحصل عليها وسلوكه غير الواضح سواء من الناحية الوظيفية أو الشخصية إذ أدى بعض الأدوار غير المهمة، كل ذلك أصبح عنوانا للكثير من المناقشات في عالم صناعة السينما في هوليوود. واصل براندو دفع نفسه في مشروعات غير مضمونة مثل فيلم eflections in a Golden Eye "1967" وهذا الفيلم مأخوذ من رواية لكارسون ماكيولرز، وقدم فيها براندو في دور شخص لديه انحرافات جنسية، وافتقد الفيلم بصورته النهائية السحر الذي يضفيه براندو على أي عمل يقوم به. في الوقت الذي حصل فيه براندو على احترام وسائل الاعلام وزملائه من الممثلين فإن الكثير من الأطراف في هوليوود بدأت تنظر اليه على أساس أنه مجازفة سيئة وغير ضرورية، وهي نظرة لم تستطع الكثير من أفلامه تغييرها الا بشكل بسيط مثل فيلم العام 1968andy ، وفيلم Queimada! "1969" وقسبم The Nightcomers "1971" .

ان الحركة التجديدية بدأت مع فيلم The Godfather "1972"، في مقابل اعتراضات شركة باراماونت، واعطاه المخرج فرانسيس فورد كوبولا دور الزعيم المسن لاحدى عوائل المافيا، وطبقا للكثير من التقارير فإن سلوكه أثناء التصوير كان مثاليا. على الشاشة، كان براندو رائعا وقدم أفضل أدواره من بين ما قدم عبر عقد من الزمان. فاز بثاني جوائز الأوسكار ولكنه أصبح مادة للجدل عندما رفض تسلم الجائزة، وبدلا من ذلك أرسل احدى المتحدثات باسمه وهي ساشين ليتلفيذر التي كانت كما يفترض أميركية ولكنه كشف فيما بعد أنها ممثلة لاتينية، إذ وقفت على المنصة وألقت خطبة هاجمت فيها تاريخ الحكومة الأميركية المليء بالجرائم ضد السكان الأصليين. واستمر هذا الجدل في تعقب براندو مع عرض فيلم Last Tango in Paris "1973"، رائعة بيرناردو بيرتولوشي، التي استعرض فيها بشكل مثير العلاقة الغرامية التي نشأت بين أرملة أميركية وشابة فرنسية، وعلى رغم ان النقاد أشادوا بالفيلم فإن الكثيرين اعتبروا مشاهد الفيلم فاحشة.

وعلى رغم عودته القوية، فإن براندو لم يظهر مرة أخرى على الشاشة إلا بعد ثلاثة أعوام بفيلم The Missouri Breaks مع جاك نيكلسون. وعلى رغم أنه اثبت أنه لا يمثل إلا من أجل المال فإن غرابة اختياراته جعلت الكثير من المعجبين لا يبالون باصراره ذلك، ولكن لم يحدث ان ظهر براندو في عمل تجاري بشكل صريح كما حدث في فيلم العام 1978 Superman إذ اكسبه 3,7 ملايين دولار وهو مبلغ قياسي لم يسبق ان حصل عليه ممثل آخر لمثل الدور الصغير الذي أداه براندو في الفيلم. بعدها ظهر في ملحمة المخرج كوبولا التي تدور حول حرب فيتنام Apocalypse Now، ولم يكن أداؤه فيها مقنعا وفي العام 1980 ظهر في الفيلم The Formula وفي ثلاثة مشاهد من الفيلم فقط. بعدها ولعقد كامل اختفى براندو واصبح يعيش في عزلة فرضها على نفسها في جزيرته بالمحيط الباسفيكي، أصبح سمينا وبدأ يرفض كل محاولات اعادته إلى هوليوود.

أخيرا وفي العام 1989 اجتذبه أحد المشروعات التي تتناسب مع قناعاته السياسية، فشارك في الدراما التي تدين التمييز العنصري A Dry White Season وأكسبه دوره في هذا الفيلم ترشيحا للأوسكار، وكان دوره ثانويا في الفيلم. وبعد عام من ذلك، قام ببطولة فيلم The Freshman الذي يسخر بلباقة من أدائه في فيلمThe Godfather .

بدأت مآسي براندو في العام 1990 عندما قام ابنه كريستيان بقتل صديق شقيقته الحامل شيني، الأمر الذي تلته معركة قانونية مريرة، ادين على اثرها كريستيان وحكم عليه بالسجن. والأمر الأكثر مأسوية حدث بعدها حينما انتحرت شيني، وانهكت المحاكمة براندو ماليا، فعاد بعد تردد إلى التمثيل، إذ ظهر في فيلم Christopher Columbus: The Discovery في العام .1992 كما انه قام بكتابة سيرته الذاتية في كتاب حمل اسم Songs My Mother Taught Me .

في العام 1995 ظهر في فيلم Don Juan DeMarco إذ شارك جوني ديب بطولته، بعدها بعام واحد قدم أول فيلم من اخراج ديب وهو فيلمThe Brave . في العام 1998 ظهر في فيلم ايف سيمون Free Money بحيث قام بدور البطولة، وشاركه الفيلم الكثير من الممثلين مثل دونالد سذرلاند، ميرا سورفينو، مارتين شين، تشارلي شين.

واختفى براندو مرة أخرى عن الأعين في أول أعوام الألفية الجديدة، ولكنه عاد لتتصدر اخباره العناوين مرة أخرى في العام 2001 حين أجبرته المشكلات الصحية على الانسحاب من دور صغير في فيلم للمخرج كينان ايفوري وهو فيلم الرعب Scary Movie .2 ولذلك تم استبداله بممثل آخر هو جيمس وودز، ومع بعض التعديلات على النص ليتناسب مع الممثل الجديد، انتهى العمل في الفيلم في الوقت المناسب ليعرض في العام .2001

بعد ذلك بوقت قصير، عاد براندو بعد غياب دام سنوات ظهر في فيلم المخرج فرانك اوز The Score "2001"، وعلى رغم ان إنتاج الفيلم تعرقل بسبب الكثير من الشائعات بشأن سلوك براندو العنيف والمتطفل أثناء التصوير، فإن محبي الفنان ظلوا متلهفين لمشاهدة هذا الفيلم الذي يعود فيه بطل Godfather مع روبرت دي نيرو وادوارد نورتون وانجيلا باسيت.

الوسط البحرينية في

11.07.2004

 
 

مارلون براندو الذي رحل قبل فيلمه التونسي:

أردت أن أعبر في هذا الفيلم عن حبي للعرب 

بيروت - ربيع اسماعيل 

على رغم أن مارلون براند كان إيطالي الأصل أميركي الولادة، كاثوليكي المذهب، فإننا نعرف انه في بداياته، حين كان يخطو خطواته الاولى في "استدويو المحتل" وعلى خشبة المسرح، كان ذا توجه مناصر للصهيونية ولقيام دولة "اسرائيل"، لكن هذا كما نعرف كان التوجه العام لبعض القوى اليسارية في اميركا وفي العالم إذ كانت تعتبر "كفاح" اليهود لاقامة دولة عبرية في فلسطين "حركة تحرر وطني ضد الاستعمار البريطاني" يومها لم يكن أحد في الغرب يعرف شيئا عن الشعب الفلسطيني، ويومها كان كلما اوغل بعض اليساريين في نزعتهم اليسارية، كانوا اكثر ميلا إلى الصهيونية المتطرفة. ومن هنا علينا ألا نفاجأ اليوم اذا ما عرفنا ان براندو كان مناصرا متحمسا لمنظمة "شتيرن" الارهابية. في ذلك الحين لم يكن براندو يعرف ان هذه المنظمة المسئولة عن قتل وتشريد آلاف الفلسطينيين وعن عمليات اغتيال طاولت الكثير، إنما تحارب الانجليز لحساب اليمين النازي المتطرف في تحالف خفي له مع اليمين الصهيوني المتطرف. كان يطربه فقط، أن معظم عمليات "شتيرن" توجه ضد الانجليز، وكان يغضبه ان الانجليز ردوا على بعض تلك العمليات بإعدام وتصفية عدد من اعضاء المنظمة بعد ذلك سيتغير مارلون براندو كثيرا وسيعترف بخطئه قائلا: "عزائي انني كنت يومها في خط واحد مع فنانين يساريين كبار"، فالحال ان واحدة من اولى المسرحيات التي مثل فيها براندو، وكان في الخامسة والعشرين، حققت لتمجد على مسارح برودواي فكرة تأسيس دولة "اسرائيل". وهي مسرحية كتبها المؤلف اليساري المرموق حينذاك بن هشت، ولحن اغانيها رفيق بريخت وموسيقية كورت فايل. ومن اغرب الامور أن الاثنين سيكونان من ضحايا اللجنة الماكارثية.

حكاية براندو الآخر

المهم ان براندو احب ان يروي هذا كله من جديد، قبل اسابيع من موته امام المخرج التونسي رضا الباهي، معلنا ندمه على ذلك الماضي المبهم والكئيب، مؤكدا ان تغيره، ووقوفه الى جانب الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، تسببا في الحرب الشعواء التي شنتها عليه اوساط هوليوود الصهيونية. وبراندو بعد أن قال لرضا الباهي هذا الكلام، أضاف: انتبه يا صديقي ان كونك عربيا تهمة في نظر هوليوود ولا تأمل هناك خيرا.

كانت مناسبة هذا الحديث، تلك الزيارة التي قام بها رضا الباهي دارة براندو في لوس انجليس، بناء على طلب هذا الاخير. وكان الموضوع فيلما عربيا تونسيا، اراد الباهي ان يجعل فيه لنجم نجوم السينما الاميركية دورا اساسيا. فما هو هذا الدور الذي لم يكتمل ابدا بسبب رحيل مارلون براندو المفاجئ؟ ولماذا براندو وبالذات؟

الحقيقة ان براندو كان عليه ان يلعب في ذلك الفيلم دور مارلون براندو نفسه، أي أن حكاية الفيلم كانت متمحورة حول شخصية ذلك الفنان الكبير. ومن هنا كان اسم الفيلم براندو. وبراندو هو على أية حال مقتبس من وضع حقيقي. إذ هناك في تونس ممثل شاب يدعى انيس، عاش، فاجأ الناس جميعا بمدى شبهه بمارلون براندو، حين كان هذا الاخير لايزال شابا وفي قمة نجوميته ولقد كان الشبه الى درجة ان انيس لقب دائما بـ "براندو" ومن هنا حظرت على بال رضا الباهي فكرة فيلم يكون في نهاية الامر تكريما عربيا لمارلون براندو يدور حول اللقاء بين "براندو" التونسي وبراندو العالمي. فعلا كتب الباهي السيناريو وبعث به الى مارلون براندو الذي قرأة فأعجبته الفكرة من دون ان يعجبه السيناريو وعلى الفور بعث إلى الباهي رسالة طلب إليه فيها الحضور الى لوس انجليس فورا للتناقش بشأن الموضوع مبديا موافقته المبدئية على القيام بالدور المطلوب منه. شرط تعديل "هذا السيناريو السخيف" حسبما جاء في رسالته.

وهكذا سافر الباهي إلى لوس انجليس واجتمع مع براندو الذي اقترح عليه جملة تعديلات مهمة وتم الاتفاق بعد العثور بسهولة على منتج انجليزي رضى استثمار 5,5 ملايين دولار في المشروع، بدءا من هذا الصيف، يومها وبعد أن فرغ براندو من كلامه عن المشروع، راح بحدث الباهي عن مواقفه السياسية وتأييده الحالي للفلسطينيين أسوة بتأييده في الماضي للهنود الحمر والزنوج. وقال له إنه ضد ممارسات "اسرائيل" ومع انتفاضة الشعب الفلسطيني خاتما كالواعظ: "أنا اذا كنت قبلت ان امثل في فيلمك ما هذا إلا لأنني وجدتها فرصة لأعبر من خلالك عن حبي للعرب وتأييدي للفلسطينيين"، مضيفا انه يقف ضد جورج بوش وضد حربه السخيفة في العراق.

اليوم إذ رحل مارلون براندو قبل ان يفي بـ "وعده العربي" هل سيلغى المشروع؟

"أبدا، قال رضا الباهي لـ "الوسط". بل سنكمله من حيث وصلنا، وسيحل شين بن مكان مارلون براندو في استقبال براندو التونسي في لوس أنجليس، لأنه هو الذي سيفاجئ الفتى العربي، لحظة وصوله للقاء النجم العملاق، بأن معبوده قد مات". وقال الباهي ان براندو نفسه كان اقنع شين بن بالعمل في الفيلم "دعما للسينما العربية". وانه - أي الباهي - الآن في صدد إعادة كتابة دور شين بن في الفيلم لتوسيعه... على ان يبدأ التصوير قريبا.

الوسط البحرينية في

11.07.2004

 
 

رغم احتقاره لمهنة التمثيل

مارلون براندو ... موهبة فذة وشخصية مليئة بالتناقضات

محمود الزواوي

يعد الممثل مارلون براندو الذي رحل اخيرا عن 80 عاما افضل ممثل اميركي في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد اصبح نموذجا يحتذى في التمثيل بعد ان قدم الى الشاشة اسلوب التمثيل المنهجي الذي يقتضى من الممثل ان «يعيش» الحياة الداخلية للشخصية بدلا من التمثيل الخارجي، ورشح مارلون براندو لجائزة الاوسكار ثماني مرات وفاز بها مرتين.كما فاز بجائزة الكرات الذهبية اربع مرات وبجائزة رابطة نقاد نيويورك مرتين وبجائزة اكاديمية الافلام البريطانية ثلاث مرات وبجائزة مهرجان كان مرة واحدة وبجائزة ايمي التلفزيونية مرة واحدة.

ومن يتتبع الحياة الفنية لمارلون براندو يجد امامه شخصية بالغة التعقيد تجمع بين موهبة فذة ونادرة في التمثيل وشخصية نزوية مادية وفنان مستهتر الى حد كبير، وهو باختصار شخصية تجمع بين الكثير من التناقضات.ومما لاشك فيه ان مارلون براندو كان صاحب طاقات ومواهب نادرة كممثل مسرحي وسينمائي، ويتفق معظم المخرجين والنقاد على انه افضل ممثلي جيله، وقد وصفه اكثر من مخرج اميركي مرموق بأنه ممثل عبقري اثبت مكانته على خشبة المسرح والشاشة السينمائية، وألهم بفضل اسلوبه الجديد في التمثيل السينمائي العديد من الممثلين الاخرين.

الا ان معظم المخرجين والسينمائيين المعجبين بمواهبه التمثيلية اشار ايضا الى عيوبه الكثيرة كفنان وكإنسان، وقد قال المخرج جوشوا لوجان الراحل «ان مارلون براندو هو اعظم ممثل مسرحي وسينمائي في زمانه، ولكنه احتفظ بمواهبه لنفسه، وذلك في اشارة الى عزوف براندو عن التعاون مع زملائه الممثلين، اسوة بما يفعله الممثلون المخضرمون عادة.

اما المخرج الشهير الراحل جون هيوستن فقد وصف براندو بأنه اعظم ممثلي جيله، مضيفا انه يأخذ عمله مأخذ الجد رغم احتقاره لمهنة التمثيل، ومما قاله مارلون براندو نفسه قبل اكثر من 30 عاما «ان التمثيل عمل عصابي وغير مهم» واعلن على الملأ انه يمثل في السينما من اجل الحصول على المال.

وعند استعراض افلام مارلون براندو على مدى اكثر من 50 عاما، ابتداء بفيلم «الرجال» الذي قام ببطولته في العام 1950 بعد تفوقه على مسارح برودواي في نيويورك في مسرحيات مثل «عربة اسمها الرغبة» في العام 1947، نجد انه قدم الجزء الاكبر من افلامه المتميزة خلال السنوات الخمس الاولى من مشواره السينمائي.

والتي شملت «عربة اسمها الرغبة» 1951، و «يحيا زاباتا» 1952، و «يوليوس قيصر» 1953، و «رصيف الميناء» 1954، وقد رشح مارلون براندو لجائزة الاوسكار عن كل من هذه الافلام، وفاز بالجائزة عن فيلم «رصيف الميناء» في واحد من اقوى الادوار في تاريخ السينما.

الا انه ظهر بعد ذلك في عشرات الافلام الضعيفة قبل ان يعود في ثلاثية افلام «العراب» وفيلم «التانغو الاخير في باريس» وفيلم «سفر الرؤيا الآن» التي اخرج المخرج فرانسس فورد كوبولا اربعة منها.

ونتيجة لظهور براندو في عدد كبير من الافلام الضعيفة ورد في الكتاب المرجعي «من هو في السينما؟» ان «براندو يعد في نظر البعض ابرع ممثلي جيله، ولكنه عجز عن تحقيق الآمال التي كانت معقودة عليه».

ويظهر الرصيد السينمائي لبراندو خلال الخمسين سنة الماضية افول نجمه في فترة الستينيات بفضل سلسلة من الافلام التي تستحق النسيان والتي تشمل فيلم «تمرد على السفينة باونتي» في صيغته المعادة والذي سجل اكبر خسارة مادية في تاريخ هوليوود حتى صدوره في العام 1962.

ويعزى سبب ذلك الى ان مارلون براندو كان يصل متأخرا عدة ساعات الى موقع التصوير بعد قضاء الليالي بين فاتنات جزيرة تاهيتي وبسبب تدخله السافر في سيناريو الفيلم وتغيير نصه كما يشاء بالنظر لما كان يتمتع به من نفوذ في ذروة نجوميته، وذلك رغم معارضة المخرج المعروف لويس مايلستون الذي فقد السيطرة على زمام الفيلم بسبب تدخل براندو الى درجة انه قرر التوقف عن الاخراج السينمائي، اضف الى ذلك ان اداء براندو في الفيلم باللهجة البريطانية المصطنعة كان من اضعف ادواره السينمائية.

وقد اضطر براندو بعد عشر سنوات من تقديم الافلام الضعيفة وأفول نجمه الى ان يتقدم للاختبار كأي ممثل مبتديء للحصول على دوره في فيلم «العراب» وهو امر مهين بالنسبة للمثل في مكانته، وقد اجاد دوره في ذلك الفيلم وحصل عنه على جائزة الاوسكار الثانية، الا انه انتدب شابة قال انها من الهنود الحمر نيابة عنه الى حفلة توزيع جوائز الاوسكار للتحديث عن الصور النمطية السيئة للهنود الحمر في الافلام الاميركية ولرفض قبول الجائزة احتجاجا على صورة الهنود الحمر في السينما الاميركية، ثم تبين ان تلك الشابة هي ممثلة متحدرة من اصل اسباني.

ولم يكن العمل مع مارلون براندو تجربة سعيدة بالنسبة لمعظم مخرجي افلامه او لزملائه الممثلين، فقد كان يلجأ الى الاندماج التام في ادائه دون التفاعل مع غيره من الممثلين، وعلى سبيل المثال، كان اثناء اداء دوره في فيلم «انعكاسات في عين ذهبية» يضع سدادات في أذنيه مما حال دون سماعة لتوجيهات المخرج جون هيوستن او سماعه لما يقول زملاؤه الممثلون الذين احتجوا وانسحبوا مرارا، وكان من بينهم اليزابيث تيلور وبريان كيث.

كما كان براندو معروفا بإهماله المزمن في المواعيد وبسهراته الصاخبة التي وصلت الى حد الاستهتار وازعاج الغير اثناء تصوير افلامه، وبمطارداته المستمرة للنساء من حوله ويقول مساعد المخرج بيل هاميلتون ان براندو حاول ان ينام مع كل امرأة شاهدها اثناء تصوير فيلم «انعكاسات في عين ذهبية» علما بأنه كان يصطحب معه عشيقته تاريتا التي ظهرت معه في فيلم « تمرد على السفينة باونتي» والتي كانت خلفت منه ابنا.

وجدد مارلون براندو في اخر افلامه، وهو فيلم «إصابة الهدف» 2001 اسلوبه التقليدي في مناكفة وتنغيص حياة المخرجين وغيرهم من العاملين معه بمطالبه المستحيلة وسلوكه الغريب واساليبه التهريجية، وقد اصطدم مع مخرج الفيلم فرانك اوز في الايام الاولى لتصوير مشاهد فيلم «اصابة الهدف» ورفض وجوده في نفس الموقع اثناء تصوير تلك المشاهد، مما اضطر المخرج الى توجيه اللقطات التي ظهر فيها مارلون براندو من موقع اخر بالاستعانة ببطل الفيلم روبرت دينيرو الذي ناب عنه.

ولكن رغم السلوك غير اللائق لمارلون براندو، فإن اداءه في فيلم «اصابة الهدف» يعد واحدا من افضل ما قدمه في مشواره السينمائي الذي امتد نصف قرن، ولعل الموهبة الفذة لمارلون براندو في التمثيل وكونه اعظم ممثلي عصره تعلل سبب عودة المخرجين والمنتجين لاستخدامه في افلامهم رغم صعوبة التعامل معه ورغم ما كان يسببه ذلك من مشاكل، وقد شملت افلامه بالفعل مجموعة من الافلام المتميزة التي تدخل ضمن روائع كلاسيكيات السينما العالمية.

البيان الإماراتية في

14.07.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)