كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"إسكندرية.. نيويورك" الزمن الجميل ليوسف شاهين في أميركا الأربعينيات

ممثّلون شبّان بارعون أعادوا إلى الشاشة حياة بأسرها

نديم جرجورة

إسكندرية نيويورك

   
 
 
 
 

تبدأ، بعد ظهر اليوم، العروض اللبنانية ل<<إسكندرية.. نيويورك>>، الفيلم الروائي الطويل الجديد للمخرج المصري يوسف شاهين، في صالات المجمّع السينمائي اللبناني <<بلانيت>>، في <<كونكورد>> (فردان) وال<<زوق>> و<<أبراج>> (فرن الشباك) و<<سيتي كومبلاكس>> (طرابلس)، وذلك بعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة على افتتاحه (مساء أمس) في صالة سينما <<كونكورد>>، بحضور شاهين ويسرا، بدعوة من <<دبوق العالمية>> و<<إيطاليا فيلم>> و<<فتح الله>>.

يشكّل <<إسكندرية.. نيويورك>> حلقة جديدة من سلسلة أفلام أرادها صاحبها مرآة للذات في مواجهة نفسها والتحدّيات. إنه أقرب إلى خلاصة ما لثلاثيته الشهيرة الخاصة بسيرته الذاتية (إسكندرية ليه، حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان)، من كونها جزءا رابعا، على الرغم من أنه وضع في معظم أفلامه، خصوصا في المرحلة الأخيرة بدءا من التسعينيات المنصرمة، أشياء متنوّعة من سيرته هذه، التي لا يُمكن التعاطي معها باستقلالية ما عن بعض التحوّلات السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية، العربية والعالمية على حدّ سواء.

أعاد <<إسكندرية.. نيويورك>> تشكيل صورة محبّبة في قلب يوسف شاهين وعقله وروحه: السيرة الذاتية بتقاطعها والتحوّلات الجماعية. رسم، مجدّدا، لوحة جميلة عن العلاقة المرتبكة التي نشأت بينه وبين الولايات المتحدّة الأميركية: ثنائية الحب والكراهية، وإن بدت الكراهية هنا أقرب إلى الغضب. صاغ، مرّة أخرى، معنى عربيا مختلفا لمفهوم التسامح والمصالحة والانفتاح: الحبّ سمة أساسية لتحريك آلية التواصل مع الآخر، من دون الذوبان فيه. أراد مخرجه أن يكون طليقا في استعادته زمنا مضى، كي يعكس بفضله واقعا آنيّا مناقضا تماما للحقبة الفائتة. ذلك أن الفيلم نشيد للحبّ والرغبة في المغفرة طريقا إلى التفاهم والسلام، على الرغم من بشاعة الواقع وقسوته في تفتيت هذا الحلم (هل أقول <<الوهم>>) في عالم غارق في انكساراته وأزماته وموته. والمخرج متألّق في إنشاده هذا الحبّ كلّه، من دون أن يتغاضى عمّا سبّبه الحبّ من إحباط وعزلة، ومن وحدة قاتلة، كما حصل مع يحيى (محمود حميدة) في المشهد الأخير، حين لم يجد أمامه، والشيب غزا شعره والوهن احتلّ قسمات وجهه والتعب أجهده، وفي مواجهة رفض ابنه الأميركي/أميركا له، إلاّ السير وحيدا بين الناس المتناقضين بسحناتهم وانتماءاتهم وهواجسهم، في شوارع نيويورك. وحدة لا تؤدّي إلى التقوقع والنبذ وإنكار الآخر، بقدر ما هي حالة نفسية مشبعة بالألم والقلق، وناتجة من قوّة الحبّ القديم والمتجدّد، والمصطدم دائما برفض الآخر له ولصاحبه. وحدة لا تشي بحقد أعمى، بل بانكسار مؤقّت، لا شكّ في أنه منطلق أساسي لإعادة بلورة المسار الحياتي كلّه، على ضوء ما آلت إليه أحوال الدنيا، ويوسف شاهين شاهد عليها وفاعل فيها.

العلاقة بالآخر

هذه قصّة جديدة/قديمة أرادها يوسف شاهين مدخلا إلى إعادة طرح السؤال الذي قضّى مضجعه الإبداعيّ منذ سنين طويلة: العلاقة بالآخر. هذه حكاية مقتبسة من تجربة شخصية بحتة، حوّلها شاهين إلى صُوَر متلاحقة مستمدّة من التحوّل المرير الذي أصاب العالم، خصوصا إثر النكبة المدوّية التي ضربته في الحادي عشر من أيلول 2001. في <<إسكندرية.. نيويورك>>، باتت هذه الصُوَر أساسا إبداعيا لمقارنة إنسانية بين ماض مليء بالأمل والفرح والرغبة في العلم والمعرفة طريقا أسلم وأجمل إلى الوعيّ والانفتاح والتسامح، وحاضر مسرف في الألم والجهل والنفور والتمزّق والغطرسة والعنف والفراغ والبشاعة. تجلّى الفرق الشاسع بين هذين الزمنين في مستويات عدّة، لعلّ إحداها كامنة في الاختلاف البيّن بين ممثّلي الحقبتين الفائتة والآنيّة: كعادته، اختار شاهين ممثلين شباب (أحمد يحيى، يسرا اللوزي، نيلّي كريم، يسرا سليم) ذوي ملامح بهيّة، ووجوه بديعة، وأجساد ممشوقة بالعنفوان والجمال، وأرواح متميّزة بسمات فاتنة ومُتمرّدة، لتأدية أدوار المرحلة القديمة، ليؤكّد، حتى على مستوى المظهر الخارجي، أنها مرحلة لا تعوّض، وأن جمالها (شكلا ومضمونا) ضائع في متاهة الحاضر وبشاعته. أما كبار النجوم الذين اعتادوا العمل معه في أفلام من دون أخرى (كمحمود حميدة ويسرا ولبلبة، تحديدا)، فبدوا، بتقديمهم بعض هذا الحاضر، مسحوقين ومدمّرين، وبدا جمالهم خامدا ليس بسبب عوامل الزمن والتقدّم في العمر فقط، بل لأن قسوة الحياة والمرارات المتلاحقة قادرة على تشويه الشكل الخارجي، وإن عجزت، في أحيان عدّة، عن قتل الحسّ الإنساني والجمالي في داخل الذات. في الإطار نفسه من المقارنة الأولى بين الممثلين جميعهم، يُمكن القول إن الشباب الذين أعاد معظمهم شيئا من هذا الماضي الجميل، بما فيهم من جمال وخفّة حركة وعفوية وبساطة، قدّموا أدوارهم بإحساس عال من المسؤولية الملقاة عليهم: إنهم، في <<إسكندرية.. نيويورك>>، صورة حسّية عن زمن آسر لم يعد موجودا، مطلوب منهم أن يعيدوه إلى الشاشة الكبيرة/الحياة (أليست السينما حياة، بمعنى ما؟)، فإذا بهم يرسمون تفاصيله مجدّدا بشيء من الحنين والبهجة والحسرة أيضا. في حين أن الممثلين المخضرمين، الذين ذهبوا في الزمن بين بعض الماضي وكل الحاضر، ظلّوا كما هم: ممثلون يتقنون تأدية أي دور يُعطى لهم، مع أنهم هنا لم يصلوا بقدراتهم التمثيلية المعروفة إلى اللحظات الباهرة.

ينعكس هذا كلّه على النص السينمائي: ففي مقابل التماسك الدراميّ والبصريّ البديع الذي صاغه يوسف شاهين في الجزء الخاص بالمرحلة القديمة (أربعينيات القرن العشرين)، بدا الزمن الآنيّ ضائعا ومرتبكا، يشوبه خلل درامي وفراغ روحيّ، بالإضافة إلى خطابية مباشرة في تحديد (أو بالأحرى: إعادة تحديد) مفاهيم سياسية وفكرية وثقافية التزمها يوسف شاهين في خلال مسيرته الإبداعية الطويلة، التي بلغت عامها الرابع والخمسين، مع الفيلم الروائي الطويل الخامس والثلاثين هذا (هناك عدد من الأفلام التسجيلية/الوثائقية والروائية القصيرة، هي: <<عيد الميرون>> و<<سلوى، الفتاة الصغيرة التي تكلّم الأبقار>> و<<إنطلاق>> و<<القاهرة منوّرة بأهلها>> و<<كلّها خطوة>> و<<11/9>>، ومسرحية واحدة أخرجها لحساب ال<<كوميدي فرانسيز>>، وهي: <<كاليغولا>>)، كالتزام الحقّ الفلسطيني في أرضه ووطنه، ورفض الصهيونية من دون عنصرية لا تفرّق بين اليهوديّ والصهيونيّ، وإصراره على تحدّي السلطات القمعية والأنظمة الشمولية والاستخباراتية، إلخ.

استعادة الماضي

أمضى يحيى (محمود حميدة) أعواما طويلة في حيرة من أمره: لماذا ترفضه الولايات المتحدّة الأميركية، ولا تعترف به مخرجا سينمائيا، على الرغم من أنه تلقّن مبادىء الإخراج والتمثيل في واحد من أفضل معاهدها السينمائية (<<معهد باسادينا>> في كاليفورنيا)؟ لماذا وجد نفسه معزولا خارج أسوار هذه القلعة التي اسمها هوليوود، بينما عُرضت أفلامه في دول غربية عدّة؟ لكن، حين قرّر <<مركز لينكولن الثقافي>> في نيويورك إحياء تظاهرة سينمائية خاصة به، بعرض عدد من أفلامه المنتجة في مراحل تاريخية وفنية متنوّعة، كاد يرفض الدعوة بحجّة الوضع الفلسطيني الأليم الذي يعيشه أبناء فلسطين في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي. أقنعه مساعدوه، فذهب إلى نيويورك، وقدّم أفلامه، وأعلن انتماءه إلى مدينة (الإسكندرية) عرفت تاريخا حافلا من التسامح والانفتاح والحبّ والتواصل، حيث عاش أناس منتمون إلى أديان مختلفة، وإلى طبقات اجتماعية عدّة، وإلى هواجس وثقافات وتراكمات حضارية متنوّعة. وفي مؤتمر صحافي عقده إثر عرض أحد أجمل أفلامه، <<باب الحديد>>، لم يتردّد عن الترحيب بثلاثة أصدقاء له عرفهم في إسكندرية طفولته ومراهقته وشبابه، ولم يلتق بهم منذ أعوام طويلة، بسبب إقامتهم في نيويورك، انتمى كل واحد منهم إلى دين سماوي مختلف (اليهودية والمسيحية والإسلام)، كردّ على هجوم شنّه عليه صحافي يهوديّ. في نيويورك، يلتقي يحيى بجينجر (يسرا)، المرأة التي بلغت، مثله، الخامسة والسبعين من عمره، فاستعاد أيامه الجميلة في المعهد، الذي جاء إليه وهو في السابعة عشرة من عمره، تماما كما قدّمه في فيلم سابق له بعنوان <<إسكندرية ليه>> (1978)، أول أفلام ثلاثيته الخاصة بسيرته الذاتية، والذي اختير للاحتفال به في نيوريورك (عُرض منه مشهد الوداع على الباخرة، حيث ظهر محسن محيى الدين ومحمود المليجي ومحسنة توفيق). في مزيج الماضي بالحاضر، قارن يوسف شاهين، بلغة الصورة، بين أميركا الأربعينيات الموسومة بالعلم والمعرفة والتواصل مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، واستقطاب الشباب المشحونين بالطموح والأمل، وأميركا مطلع القرن الواحد والعشرين، بعنفها وتسلّطها ومعاداتها البشر والثقافات والحضارات، وبنشرها ثقافة العضلات وال<<فاست فود>>. هذا كلّه، إثر معرفة يحيى بأن لديه ابنا من جينجر اسمه إسكندر (أحمد يحيى، الذي أدّى، أيضا، دور يحيى حين كان طالبا جامعيا). رفض إسكندر قبول والده القادم إليه فجأة كأنه هبط من الفضاء، والأنكى من ذلك أنه <<عربي>>. تطول الذكريات، ويكتشف إسكندر تفاصيل عدّة من حياة والده وسعيه الدائم بجهد لا مثيل له إلى العلم والمعرفة، ثم إلى السينما طريقا إلى الإبداع الأجمل، وإلى تأكيد حقّه الإنساني والتزامه قضايا ناسه ومجتمعه ووطنه. مع هذا، لم يستطع إسكندر قبول أبيه، ولم يستطع يحيى أن يتصالح مع أميركا، على الرغم من أنها احتفلت به. فالاحتفال الأهمّ إنسانيّ بحت (قبول الآخر والتواصل الدائم معه)، والماضي مضى، والحاضر موغل في متاهة التمزّق والانفصال.

بين الماضي والحاضر

في استعادته الماضي، بدا يوسف شاهين وكأنه لا يريد التزام تحديد دراميّ ثابت لخياراته السردية/القصصية. فالحكاية معروفة: مجيئه إلى أميركا لدراسة السينما، تفوّقه وجدارته وإبهاره بعض أساتذته بذكائه و<<إبداعه>> الطالبيّ في تأدية الأدوار، خصوصا هاملت شكسبير، عجز والده عن إرسال مزيد من المال قبل شهرين اثنين فقط من امتحان التخرّج، وحصوله صدفة على شيك قبيل تركه المعهد، مما ساعده على التخرّج بنجاح، ذلك أن طالبا مصريا آخر يحمل الاسم نفسه، جاء أميركا بمنحة للدراسة، فإذا بالشيك يصل يحيى/يوسف شاهين خطأ. في <<إسكندرية ليه>>، حقّق يوسف شاهين عملا جميلا عن ألم ومعاناة عاشهما الشاب، واسمه يحيى أيضا (محسن محيى الدين)، راويا هذه التفاصيل كلّها. وفي <<إسكندرية.. نيويورك>>، أضاف أشياء متعلّقة بالحبّ الشبابي والجنس والعلاقات الإنسانية، ليصوغ مجدّدا ذاكرة مشبعة بالتحدّيات والمواجهات المرتكزة على أسس العلم والمعرفة. بدا هذا الجزء من الفيلم مشغولا بحرفية درامية جيّدة، وببساطة لافتة للنظر لا تحجب عن المشاهد هذا الكمّ الهائل من الحنين والمشاعر المؤثّرة، التي صنعها شاب عجوز اسمه يوسف شاهين، معلنا بفضلها، للمرّة المليون، أن الحبّ أقوى، والتسامح أجمل، والانفتاح أسلم، وأن طريق الانتصار الحقيقي يمرّ في المثابرة والمكاشفة والحوار. هذه مفاهيم أرساها شاهين سابقا في أفلامه المنجزة في التسعينيات المنصرمة، ك<<المهاجر>> (1994) و<<المصير>> (1997) و<<الآخر>> (1999)، التي بدت، تقنيا ودراميا وفنيا وجماليا، أقلّ أهمية من <<إسكندرية.. نيويورك>>. ففيلمه الأخير هذا امتلك خصوصية إنسانية مؤثّرة، واستعادة لنفس دراميّ مشبع بالحنين والذكريات، ومصبوغا بشيء من الخطابية قلّلت من بشاعتها رغبة المخرج في تفعيل الماضي ومنحه المساحة الدرامية الأكبر، والاستفادة من القدرات الفنية الخاصة بأحمد يحيى، راقص الباليه الشاب، الذي شاهده يوسف شاهين في عمله الاستعراضي <<زوربا>>، فقرّر التعاون معه، ممثلا وراقصا، مصوّرا فصلا من <<زوربا>> نفسها في الفيلم، ومستفيضا في المشهد الاستعراضيّ الآخر، المأخوذ من أوبرا <<كارمن>>. المشهدان جميلان، لكن إطالتهما لم تفيدا البعد الدراميّ للحبكة كثيرا، أو بالشكل المطلوب، بقدر ما قدّمت أحمد يحيى راقص باليه ماهرا، وبقدر ما عكست حلما قديما ليوسف شاهين باحتراف الرقص.

اختار شاهين مشهدين من فيلمين له، هما <<باب الحديد>> (1958) و<<إسكندرية ليه>> (1978)، ووضعهما في <<إسكندرية.. نيويورك>>، في سياق <<الاحتفال الأميركي به>>. في الأول، ظهر شاهين ممثلا من طراز رفيع، وهو يواجه أناسا يريدون وضعه في مستشفى المجانين، بعد أن خدعوه فألبسوه جلابية بيضاء. وفي الثاني، قدّم لحظة مشحونة بالانفعال المؤثّر، من خلال مشهد الوداع الذي ظهر فيه محمود المليجي ومحسنة توفيق ومحسن محيى الدين. لكنه لم ينس التلميح بفيلمين آخرين له، هما: <<العصفور>> (1973)، في معرض استعادة يحيى بعض الماضي، حين قرّر أن ينجز فيلما عن النكسة، و<<الناس والنيل>> (1968) الذي أراده تحيّة لناسه المعذّبين والمسحوقين، والذي واجه، بسببه كما بسبب معظم أفلامه الصدامية، حملات قاسية من قبل كثيرين.

أيا يكن، فإن <<إسكندرية.. نيويورك>>، في الجزء الخاص بالمرحلة الماضية، قصيدة حبّ قويّ لمدينة وناس وتجربة وحكايات وعلاقات وذاكرة، بكثير من الحساسية المرهفة والانفعال الإنساني الجماليّ. وهو، في جزئه الثاني، محاولة للقول إن قبول الآخر ضروريّ، وهو لا يُنجز إلاّ بفضل التسامح والحوار، على الرغم من الغضب.

السفير اللبنانية في

19.08.2004

 
 

"اسكندرية... نيويورك"

يوسف شاهين ملسوعاً من الحلم الأميركي

جورج حايك

من البداية كان يوسف شاهين يدعونا الى مغامراته مع الحرية والذات والتاريخ. ومن بداياته في "باب الحديد" و"الناصر صلاح الدين" والى ثلاثياته: الثلاثية السياسية في "الارض" و"الاختيار" و"العصفور"، والثلاثية الذاتية في "اسكندرية ليه" و"حدوتة مصرية" و"اسكندرية كمان وكمان"، الى رؤيته في "المهاجر" و"المصير" و"الآخر"، يقودنا هذا المخرج الى تلاوين روحه، ويغامر معنا وبنا على حافة الهاوية. إنه فن المغامرة الدائمة، لكن للمغامرة هذه المرة طعماً آخر، تذوقناه في فيلم "اسكندرية... نيويورك"، ليس لأنه يطرح أخطر ما يجري في العالم فحسب، وهو سيطرة الولايات المتحدة على العالم وحكمه بصورة غير عادلة وعدم اعترافها بخصوصيات الشعوب مدعية أنها أم الديموقراطية وحاميتها في كل الانحاء، بل لأن الفنان المصري يطرح قصة نضاله الشخصية، وهو واحد من قلة كبار المخرجين - المؤلفين في العالم، الذين كتبوا سيرتهم بالصورة.

ببساطة، إنها حكاية الفتى الاسكندراني الذي ذهب الى اميركا، كي يدرس الفن، حاملاً معه شعلة الموهبة والدعوة والرؤية. وحين عاد الى مصر، بدأ رحلته مع الاسئلة. تلك قصة يوسف شاهين وهي تشكّل خلفية للفيلم. اما الحدوتة المباشرة فتدور في أهم مركز ثقافي في نيويورك حيث يكرّم المخرج السينمائي المصري "يحىى" (محمود حميدة)، وتبدأ القصة بلقاء بين سيدة اميركية تدعى "جينجر" (يسرا) و"يحيى". بعد انقطاع طويل، نكتشف عبر "فلاش باك" قصة حب كبيرة جمعت بينهما عندما كانا شابين الاّ انهما انفصلا بسبب العوامل الجغرافية. لكن تلك العلاقة أثمرت شاباً جميلاً هو الراقص الاول لفرقة New York Ballet Theatre، وباسلوب شاهين الرشيق والمرهف، تحاول الأم أن تقرّب الابن لأبيه، ولا  تجد طريقة سوى ان تخبره قصة والده المكافح وعذاباته في اميركا. يفاجأ الأب بقسوة قلب الابن الاميركي، ويتأكد لديه الاحساس بأن اميركا القرن الحادي والعشرين التي تعيش عصر سوبرمان هي غير اميركا الاربعينات عصر السينما الهوليوودية الحالمة، بل هوّة كبيرة تفصل بينهما كالهوّة التي تفصل بين يحيى الأب واسكندر الابن، ولاسيما ان الثقافة الاميركية غرست في نفوس مواطنيها فكرة عدم قبول الآخر وعدم احترام ثقافته.

مع يوسف شاهين، ندخل عالماً تخلخلت فيه الاقتناعات والبديهيات، يصفعنا بما ليس منتظراً، ويجعلنا ننتظر ما ليس متوقعاً، حتى في اليوميات والحميميات.

"الحدوتة" الذاتية والأليفة ليست بالمهمة او الجديدة في ذاتها، بل الجدية والاهمية والروعة في المعالجة، وفي النسج الواقعي والحالم لمجمل الحكاية التي عاشها شاهين الشاب، على خلفية من النقد السياسي والاجتماعي والفني، حيث الرفض للقساوة الاميركية المدّعية الانفتاح وهي في الحقيقة متحجرة تنبذ الآخر او تتقرب منه بحسب مصالحها كعنجهية الاثرياء.

شخصيات متعددة، نضرة، تتدفق فيها الانفعالات سريعة، خاطفة، فلا ثقل او بطء او إطالة، بل خفّة كينونة رائعة، كأننا إزاء فيلم غربي، رشيق الايقاع، سريع التقطيع، فسيفسائي البناء ينقّلنا تباعاً بين الوجوه المؤلفة للحكاية البسيطة، من وجه الشاب اسكندر (أحمد يحيى) الذي وفّق شاهين في الرهان عليه وخصوصاً أنه يملك طاقة تمثيلية كبيرة، مليء بالاحاسيس المرهفة، الى "جينجر" الشابة (يسرا اللوزي) ويحيى الأب (محمود حميدة) الى جينجر الأم (يسرا) وجان (لبلبة) وبوني (هالة صدقي) وشينوايز (ماجدة الخطيب) وكارمن (نيللي كريم) والحارسة (سناء يونس) وروى (سعاد نصر) ومدير مهرجان نيويورك (محمود سعد) والعميد (محمود اللوزي) وإريك (حمدي السناوي) وريمون (علاء حسو).  سطع اداء الجميع على سوية واحدة من الاقناع والمهارة تحت ادارة يوسف شاهين وخالد يوسف.

تحيات خفية ومتوالية يرسلها "اسكندرية... نيويورك" الى السينما القديمة (عبر مشاهد افلام من الخمسينات والستينات). نبرة الحنين تطغى، والنوستالجيا غالبة على الفيلم.

حيوية فائقة في الكادر الحاضن لوجوه طيبة، عفوية. ورافقت الموسيقى التصويرية الناعمة لفاروق الشرنوبي ويحيى الموجي مناخات الرقة والغضب والتوتر، اضافة الى غناء مرهف من علي الحجار وهدى عمار.

مهنية شاهين تلمع مرة اخرى في لغته الحية، الموزونة، وفي هوسه بالدقة الانتاجية وتأمينه كل ما يلزم لاسترجاع ديكورات واكسسوارات حقبة معينة، مما يجعلنا كأننا امام شريط غربي، لكنه على نقيض الغرب يشكّل الصورة الانسانية الرهيفة من لحم ودم وصدق وانفعالات. ولا يعيب الشريط سوى طوله غير المبرر (ساعتان)، وقد تكون بعض المشاهد قابلة للاختصار.

منذ السبعينات، شكّل المخرج المفكّر يوسف شاهين ظاهرة ثورية في السينما المصرية، فقد كان اول من تجرأ وتناول صراع الحضارات والاديان والثقافات في أفلامه، بأسلوب جاد وحازم أثار حفيظة كثيرين، وها هو الآن يطرح قضية صراع الحضارتين الشرقية والغربية كصيرورة سياسية، لا شك في أن لها افرادات ثقافية عميقة، ويلاقي "الحدوتة" الممتعة النابعة من تجربته الذاتية في اميركا، يطرحها في جرأة لاظهار اختلاف الفكر والتقاليد والثقافة بين جيلين. مع ذلك، بقي ملسوعاً من الحلم الاميركي وما اكتسبه من دراسته هناك، لكنه لم يتخل عن ثوابته الرافضة للفكر الاستعماري الاميركي والنزعة المهيمنة والطبقية الفكرية التي اجتاحت الانسان الاميركي.

ورغم دراسة شاهين في اميركا وافتتانه بها في زمن انقضى، بقيت ثقافته محصنة بحد ذاتها. ومن يملك الثقافة والجذور الفنية العريقة، هو دينامي، حركي ومنتج، يعرف متى ينفتح ويتعامل مع الآخر ومتى يقول "لا".

النهار اللبنانية في

20.08.2004

 
 

ثمانون عاماً تقتات على السجائر والسينما وسجيّة مفتوحة أبداً للحديث

يوسف شاهين: لم يكن ممكناً أن أستسلم لوجه الشرّ الأميركي لأنني مدرك تماماً وجود وجه آخر عرفته دائماً

ريما المسمار

إنطلقت امس العروض التجارية للفيلم المصري "اسكندرية نيويورك" في الصالات اللبنانية وهو يحمل الرقم 41 في سجل مخرجه يوسف شاهين السينمائي. هنا حوار مع المخرج الذي زار بيروت لثلاثة ايام لإطلاق فيلمه في عرضه العربي الاول.

***

سجائر وسجية

انها العاشرة والنصف صباحاً. يوسف شاهين في صالون غرفته المعتادة بالطبقة الثامنة من فندق "كافالييه". حليق الذقن والشعر حديثاً. يلبس بنطاله "الجينز" وقميصاً منقوشاً بمربعات. بينما تستريح قدماه في "مشاية"، تضيف إلى مظهره عاديةً محببة، او ذاك الاحساس بأن الزيارة بهدف الدردشة الحميمة. اعقاب السجائر في المنفضة امامه جاوز عددها الستة. لا يستسلم لتعليقات مرافقه الشاب ومحاولة الاخير اصطناع لهجة صارمة بضرورة ان يخفف التدخين. يميل الي ويسأل بمكر طفولي ان كنت احمل سجائري، فأجيب بانني لا ادخن واعدةً ان احمل اليه في المرة المقبلة علبة هدية. لا يلبث الشاب ان يعطيه سيجارة من علبة في جيبه، يحاول عبثاً ان يتفنن في استهلاكها. فالرجل شارف على ثمانينه ولكن يُهيأ لمحدثه انه لم يفقد متعتين: السينما والحديث عنها والتدخين. "هو دائماً متحمس للحديث" قالها لي غابي خوري منتج فيلمه الجديد "اسكندرية نيويورك" وابن اخته قبل ان اصعد اليه. التمع في ذهني لقائي به قبل ثلاث سنوات في البندقية حيث كُرِّم وعرض فيلمه "سكوت..حنصور". تعجَّبت حينها لطبعه المسالم والسلس المناقض تماماً للحكايات المتداولة عنه. فكرت وقتذاك انه فقد "نزقه"، او ربما تخلى عنه ملولاً، بسبب من تقدمه في السن. أميل الآن إلى القول ان علاقته بالسينما اصبحت اقل تعقيداً واكثر متعة بصرف النظر عن اي تقويم نقدي. هل الاعتراف الداخلي والعالمي الذي حصده خلال السنوات الست الاخيرة هو الذي خفف من حدة التوتر؟ هل هو اقترابه من الجمهور اكثر وانفتاح الاخير على افلامه؟ ام هي قدرته بعد مسيرة جاوزت نصف قرن على استلال المتعة من العمل السينمائي؟

"الحكاية مزيج من ذلك كله. الاعتراف يعنيني من كل الجهات، ولكن السؤال ليس هذا وانما هو هل سأستطيع عمل فيلم جديد؟ وهذا مرتبط مباشرة بوجود سوق، بضرورة وجود سوق وإلا فلمن أقدم افلامي؟ نحن كمخرجين عرب وكسينمائيين مستقلين، نعمل على توسيع السوق دائماً وهذا "الاعتراف"، كما سميته، يعني فتح سوق جديدة، امل جديد، يعني اننا في العالم العربي ننتج شيئاً غير الاولاد، وان نتاجنا يصل ويعكس قضايانا الغائبة تماماً عن الشعوب الاخرى، نحن غائبون تماماً عن العالم بثقافتنا ومثقفينا وسينمانا. لذلك اعتقد ان اي تكريم هو وجود او بالأحرى "اعلان وجود". اما الجمهور، فمن المؤكد انني اسعى في كل عمل إلى الاقتراب منه اكثر. يحصل تغيير كيفي مع كل فيلم واراجع نفسي واخطائي. اسأل نفسي دائماً هل اكتب جيداً؟ هل اعرف الجمهور جيداً؟ عليّ ان اقرأ الواقع وان اعيش في وسط الجمهور. وهناك خوف دائم على العلاقة بالجمهور وخوف من عدم الفهم. واما المتعة فهي الاساس الذي انطلق منه حبي للسينما منذ شاهدت اول عرض لخيال الظل مع جدتي والاساس الذي قامت عليه دراستي في اميركا."

غضب وتناقض

ولكن ما ساد تصريحات السينمائي منذ بعض الوقت، تحديداً بعد 11 ايلول، كان شبيهاً بالتعليق السياسي الصادر عن المسؤولين في اثر الاحداث الجسيمة. لم ينفك المخرج منذ ذلك الحين عن التعبير عن "غضبه" تجاه اميركا ومواقفها من العرب لاسيما المسلمين. حتى ان فيلمه الجديد "اسكندرية نيويورك" كان عنوانه الاول "الغضب" وبدا انه استكمال لعملية "هجوم مضاد" بدأه بفيلم قصير كان جزءاً من مشروع فرنسي، تضمن احد عشر فيلماً قصيراً لاحد عشر مخرجاً من العالم حول 11 ايلول. خلاصة القول، يوحي شريط "اسكندرية نيويورك" انه "رد فعل" اكثر منه عملاً فنياً قائماً على هاجس ما. ويزيد من وطأة الاحساس انه في الوقت عينه يشكل عودة إلى سيرة المخرج الذاتية التي قدمها في ثلاثة افلام "اسكندرية ليه" (1979) و"حدوتة مصرية" (1982) و"اسكندرية كمان وكمان" (1990). ومصدر الالتباس هو التحول من اسلوب قام على الكشف والاعتراف ومحاولة نقد الذات وتعريتها كما في الثلاثية إلى ما يشبه الخطاب المباشر في "اسكندرية نيويورك". يشعل سيجارة ثانية ويمجها بتمهل لأنها قد تكون الاخيرة خلال جلستنا...

"تعرية؟ كلمة قبيحة ولكن حلوة ومعبرة. في كل الاحوال، كنت احاول ملء الفراغ الذي تركته في الثلاثية. أقصد ان "اسكندرية نيويورك" هو ثاني فيلم في الترتيب الزمني للسيرة. واذا تسنى لي ذات يوم عرض الافلام الاربعة مجتمعة فسأعرضها بحسب الترتيب الزمني لحياتي وليس بحسب سنوات انتاجها. ولكن ظروف "اسكندرية نيويورك" مختلفة لأن انجازه كان بدافع تناقض داخلي. لذلك لا اوافقك الرأي في انه لا يقوم على ما هو ذاتي. ولكن مشكلتي في هذا الفيلم تتمثل اكثر بعلاقتي بالخارجي وليس بنفسي. وهذا الخارجي هو جزء من حياتي لأنه متمثل باميركا التي تعلمت فيها واحببتها وشعرت بالولاء تجاهها واختبرت الغرام للمرة الاولى فيها. كيف تتصورين احساسي إذ اعرف ان الشيخ ياسين ضُرب بسلاح اميركي؟ وان اسرائيل المضطهدة شعبي تحولت ولاية اميركية؟! وان حرب العراق كانت من اجل حماية اسرائيل؟ بالنسبة الي، لم يكن ممكناً ان استسلم لوجه الشر الاميركي لأنني مدرك تماماً وجود وجه آخر هو الذي عرفته دائماً. الحكاية ليست ببساطة قول ان هؤلاء "بهايم". مادمنا نتحدث عن طبيعة بشرية فالتناقض هو حتماً موجود. موجود عندهم وعندنا وموجود عندي في تضارب المشاعر والاحاسيس. ولكن اكثر من ترك اثراً عميقاً في نفسي هو احساسي بتلاشي امكانية الحوار بيننا وبينهم في الوقت الذي كنت فيه اعلق اهمية كبرى على هذا الحوار. الكلام على هذا الحوار، وجوده او عدمه، بدأ يصبح ملحاً جداً بعد 11 ايلول في ظل عنصرية النظرة الاميركية إلى الاسلام خصوصاً والعجرفة الصادرة عن احساسهم بأنهم الاقوى. هم كانوا دائماً الاقوى، على الاقل لجهة التطور العلمي والتكنولوجي، ولكن العجرفة مستجدة وغالب الظن ان مصدرها جورج بوش. هناك فيلم آخر غير شريط مايكل مور عنوانه "العالم من وجهة نظر بوش" يوضح ذلك تماماً. بهذا المعنى، تحولت اميركا لشيء نهم، يريد اكل كل شيء. الآن بت افهم ما الذي تعنيه كلمة رجل اعمال. فإذا كان السمكري بيسمكر والسينمائي يعمل افلاماً فرجل الاعمال هو الذي يأكل كل هؤلاء! هذا ما باتت تمثله اميركا اليوم."

بالرغم من ذلك، مازال محيراً بالنسبة إلى المشاهد العربي تلك الحرية التي يستطيع بها شاهين ومايكل مور بالطبع وسواهما الحديث على اميركا في الوقت الذي يكاد فيلم "اسكندرية نيويورك" يخلو من لوم العرب وفي الوقت الذي واجهت فيه افلام شاهين ذات الخطاب السياسي الداخلي منعاً وقصاً في بلدها:

"المشكلة لا تتمثل بأميركا فقط. هم يواجهون تراجعاً حضارياً والعرب خاضعون لتدهور على الصعد كافة لاسيما التكنولوجية والعلمية. وهذا برأيي يعزز مشكلة غياب الحوار لأن الفارق بين الثقافتين العربية والاميركية يبلغ نحو نصف قرن. من اجل اصلاح حقيقي، علينا انتظار جيل الحضانة اليوم ليكبر! نسبة الامية في مصر تبلغ 80%. الكتابة في تراجع. الكتاب في طريقه الى الانقراض. ناهيك عن الرقابة التي تهدد اي عمل. العرب مسؤولون بالطبع لأنهم عجزوا عن ايجاد السبيل إلى الحوار وانا منهم. بل لعلني الوم نفسي اكثر لأنني حتى بالرغم من الحب الكبير الذي عشته هناك، لم اتمكن من فتح حوار. وذلك ظاهر في علاقة الاب والابن في الفيلم. الاول تائه وحيد في شوارع نيويورك والثاني غير قادر على الرقص."

الذاتية والخطاب السياسي

في الثلاثية الذاتية، بدا شاهين منشغلاً بفتح صفحات مراحله الحياتية ونبشها ربما لطيها إلى الابد. "في اسكندرية نيويورك"، تعلو حدة الخطاب السياسي لاسيما في مرحلة الزمن الحاضر حيث "يحيى" (شاهين يلعبه محمود حميدة) هو شاهين اليوم، مطلقاً احياناً في الفيلم بعضاً من آرائه التي يرددها في هذا الحوار. على صعيد آخر، يبدو كما في "سكوت حنصور" و"الآخر" اقل انشغالاً بما تحمله الصورة من تعبير:

"أعتقد ان الرومنسية في "اسكندرية نيويورك" هي الطاغية وليس السياسة. اكتشاف "يحيى" الشاب للجنس والحب والقبلة يحتل حيزاً اكبر من السياسة. السياسة انتهت بالفيلم القصير 9/11 وتسببت في مهاجمة الاسرائيليين لي وللفيلم لأنهم لم يحتملوا فكرة ان اذلالهم الفلسطيني هو الذي ولد العنف وخلق القنبلة البشرية. اقول ان الرومنسية محسوسة اكثر من اي شيء آخر في الفيلم الحالي ولكنها ليست منفصلة عن الكشف الذاتي لأن تلك المرحلة اتسمت لدي بالاكتشافات الاولى وامتدت لبعض الوقت حتى نضج الشاب وتفجرت مواهبه. اما في الثلاثية الاولى فأردت ان اعبر عن الخلافات والصراعات ما بيني وبين السلطة والعائلة والزوجة وحتى ما بيني وبين نفسي، وهذا تطلب مني جرأة كبيرة. كان هذا الامر صعباً للغاية، خصوصاً اذا اردت ان اكون موضوعياً وناقداً تجاه نفسي. ففي بعض الاحيان كنت، حتى وأنا اكتب وحيداً في الرابعة صباحاً، اخجل مما اكتب ويحمرّ وجهي. في النهاية قلت لنفسي "اذا لم يكن لديك الجرأة على كتابة هذه الاشياء فكيف ستظهرها للملايين؟"

اذا كانت الرومنسية اختتمت السيرة الذاتية بالمصالحة بين المخرج وطفولته في الجزء الاخير "حدوتة مصرية"، فإنها في "اسكندرية نيويورك" تنسحب على الصورة التي يقدم شاهين نفسه فيها. بخلاف "يحيى" في الثلاثية المرتبك، المتردد الذي يعاني عدم تواصل ما مع من حوله، "يحيى" في "اسكندرية نيويورك" صورة اخرى:

"ثمانون بالمئة من الفيلم سيرة ذاتية وعشرة بالمئة تمنٍ وعشرة بالمئة خيال. بالطبع انا لم اكن وسيماً كأحمد يحيى ولم اجد الرقص مثله لأنه راقص باليه في الاصل. لا بد هنا من القول انني اخترته للدور بعد ان شاهدته في "زوربا" وأحسست كيف انه في كل لحظة قادر على منح الاحساس الكامل. في هذا الجزء تمنٍّ لأنني اعشق الرقص. وربما هناك تمنٍّ آخر متعلق بأنني لم أُرزق اولاداً واختياري لممثلين شباباً في كل فيلم ربما تعويض عن ذلك."

ولكن إلى اي حد يشبه "يحيى" شاهين؟ لعله سؤال يعود إلى البدايات ويطاول كل ممثل لعب في فيلم شاهيني سواء العب دور شاهين ام لعب شخصية اخرى. الا ان السؤال يبدو اكثر الحاحاً مع الممثلين الذين جسدوا شخصية المخرج في الثلاثية (محسن محيي الدين، نور الشريف) وفي "اسكندرية نيويورك" (أحمد يحيى ومحمود حميدة):

"اولاً انا اعشق التمثيل الجيد وأحاول ان امضي اطول وقت ممكن مع الممثل. أطلب دائماً من اي ممثل اتعامل معه وان كان له تاريخ طويل، ان يترك نجوميته وكل شيء خارج الاستديو واتعامل معه كأنه وجه جديد. ولكنني في الوقت عينه احترم شخصية الممثل. أرفض تلقينه الدور او المشهد لأن التمثيل بالنسبة الي هو تعبير حر عن حالة نفسية وانسانية لا شروط مسبقة او ثابتة له. التعبير عن الحالة الذاتية لا يمكن ان يأتي الا من خلال شخصية الممثل لاسيما اذا كان محترفاً مثل نور الشريف ومحمود حميدة. محسن محيي الدين كان انا إلى حد مريض. هكذا وجدته "يوسف صغير". لا أنكر انني ابحث بجهد عن الوجوه لشخصياتي وحتماً هناك في هذا البحث تفتيش غير واعٍ عن صفات تشبهني ولكن الموهبة هي في المرتبة الاولى. محسن كان موهوباً جداً وكذلك احمد يحيى".

بالطبع لعلاقة شاهين بالممثلين والتمثيل تاريخ طويل بدأ عندما كان الشاب مصمماً على دراسة التمثيل في معهد "باسادينا" الاميركي. ولكنه بحسب كشفه اللاحق، وجد ان شكله ليس مناسباً للتمثيل لاسيما في مرحلة الاربعينات والخمسينات التي ساد خلالها ارتباط وثيق بين الشكل الخارجي الجذاب والتمثيل. وذلك يبدو واضحاً في الفيلم حيث ان تقديم شخصية "يحيى"، او الاحرى اعلان "بطولتها"، يأتي من خلال اداء الشاب لمشهد من مسرحية "هاملت"، اي باعلان موهبته التمثيلية. على ان اختيار "هاملت" تحديداً لم يكن اعتباطياً إذ ان شاهين يتماهى، ويتناقض في آنٍ معاً، في جوانب من شخصية "هاملت" لجهة اكتشافه ان امه "ليست مريم العذراء" ولا ينكر ان ذلك الاكتشاف "عذبني في البداية وكان المؤثر الاكبر في طفولتي وفي علاقتي بوالدتي."

مخرج بطل افلامه

فهل ان ما قاله شاهين عن "باب الحديد" من انه اقرب الافلام إلى قلبه عائد إلى انه قدمه كممثل لمرة اولى واخيرة؟ ليس ذلك وحده. فللمخرج افلام تربو على الاربعين، لكن اللافت ليس فقط سمعتها بل علاقته هو ايضاً بها. فباستثناء الثلاثية التي شكلت احد وجوهه الاساسية كسينمائي متمرد على السائد وسلسلة الافلام التي جاءت في اعقاب هزيمة 1967 "الاختيار" و"العصفور" و"عودة الابن الضال" وشكلت وجهه السياسي وخطابه الممنوع، تبقى هناك افلام، ينكر بعضها ويعشق بعضها الآخر ويبدو حيادياً تجاه جزء منها. "جميلة بو حيرد" و"الناصرصلاح الدين" فيلمان لا يشكلان بحسب كلامه خصوصية محددة في علاقته بهما. كلاهما لم يكن مشروعه الشخصي. الاول كان تجسيداً لحالة وطنية لم يعرف عنها الكثير. اما الثاني فأنجزه بتوصية من عز الدين ذوالفقار صاحب المشروع الذي داهمه المرض قبل ان يتمكن من اتمامه. وماذا عن افلام البدايات؟ والافلام التي يشعر انها تعبر عن وجهه الحقيقي؟

"اول الافلام تعبيراً عني وربما اكثرها ايضاً هو "باب الحديد". يليه "اسكندرية نيويورك". "باب الحديد" كان عملاً مهماً بالنسبة الي لأنه حقق امنيتي بالتمثيل وانا كنت متأكداً انني سأتمكن من التمثيل فقط اذا اصبحت مخرجاً. إلى ذلك. كانت شخصية "قناوي" كثيرة الصراعات وداخلية جداً ونفسية. اما افلام البدايات فلها مكانتها وظروفها: "بابا امين" فيلم عن والدي الذي لم يعرف كيف يتصرف بالمال برغم انه كان محامياً. مع فريد الاطرش "انت حبيبي" اقول انه كان عملاً من اجل المال ولكن ذلك لا يمنعني من القول ان فريد كان شخصاً كريماً بالفعل وان المرحلة التي خرج فيها الفيلم كانت مؤاتية. انا لم اخف من التنويع ابداً ابن النيل هو الفيلم الذي كنت اود ان ابدأ به مسيرتي السينمائية وقد كتبته اقتباساً عن مسرحية شاهدتها في اميركا. ولكنه بالنسبة إلى المصور الايطالي الفيزي اورفانيللي الذي ساندني بعد عودتي من دراستي كان صعباً كبداية. لذلك بدأت ببابا امين الاكثر خفة. علي القول بأن افلام تلك المرحلة، اي الخمسينات، كانت اكثر براءة لأن الوعي السياسي لم يكن قد ظهر بعد. لذلك يعثر المشاهد في هذه الافلام على التكوين العائلي وشخصيات الام والاب لأن ذاك كان محيطي ولم اكن قد تشجعت بعد للكلام على الحب والعلاقات والجنس. ذلك استلزم السيرة الذاتية. انما التنوع اللاحق هو نتيجة التماشي مع الحداثة التي تقود المرء احياناً إلى حكايات مختلفة وجانبية وذلك حصّنني إلى حد بعيد ضد التأثيرات السلبية الكثيرة من حولي. كما ان الخمسينات كانت مثالاً على تأثري بالسينما الاميركية والمسرح".

اللافت ان ذلك التأثر الذي بدا اوضح بصرياً في افلام مثل "الناصر صلاح الدين" و"جميلة" لم يقده إلى عمل فيلم في هوليوود. لعل ذلك ارتبط بإحساسه بأن الاعتراف به هناك حدث قبل سنوات قليلة بخلاف شهرته البعيدة في اوروبا. ولكنه رداً على هذا الموضوع، يقول اسباباً اخرى:

"لم احلم بالعمل في هوليوود ربما لإحساسي بأن للمال هناك الاهمية الكبرى بما يفقد السينمائي حريته جزءاً فجزء. وربما لأنني أردت العودة واثبات ذاتي في بلدي واما اهلي الذين ضحوا كثيراً من اجل ان انهي دراستي".

يقود الحديث عن علاقة شاهين بالتمثيل إلى ابعد من ذلك. فالرجل يبدو من شدة رغبته في التمثيل كأنه بطل افلامه كافة حتى تلك خارج السيرة. لكأنه كان يرسم شخصياته بحسب تحولاته، منطلقاً في البداية من شخصيات همها اثبات ذاتها في محيطها (عمر الشريف في فيلمي "صراع في النيل" و"صراع في الميناء") على غرار ما كان هو يحاول ان يفعل ومن ثم تنقل بين الشخصيات في علاقاتها بالتحولات الخارجية السياسية إلى شخصيات في علاقتها بجوانيتها. يعتبر شاهين ان ذلك كله مرتبط بالوعي السياسي:

"قبل 67 لم اكن مسيّساً. بعد 67، بدأ التساؤل وسؤال كيف؟ ولماذا؟ انهارت اوهام واحلام وساد عدم فهم. حاولت تلخيص ذلك كله في القول ان اي ثورة عندنا ستكون ناقصة بسبب المحسوبية ومقولة "اصحاب الثقة". بعد ذلك، اصبحت رافضاً لكل اشكال السلطة وشاعراً اكثر بوطأتها وبوطأة التصادم اليومي معها ومع الرقابة."

الامكنة والهوية

اذا كانت اسكندرية ونيويورك مدينتين شكلتا هوية شاهين السينمائية والانسانية، فإنه باختياره بيروت لاطلاق العروض العربية الاولى لفيلمه انما يضيفها إلى حلقة الامكنة وعلاقته بها المراوحة بين العشق والتوتر:

"أحب ان اعرض افلامي في بيروت اولاً ربما لشعوري بأن الحساسية هنا مازالت عالية بما يجعل استشفاف ردود الفعل ممكناً. وصلنا إلى مرحلة باتت الافلام معها "هايفة جداً" وتقلص معها جمهور الافلام المختلفة. اما اسكندرية فهي التربية الاصلية على التسامح والانفتاح على الآخر. هذه مدن اقرب إلى طبيعتي. اما نيويورك فهي التنوع والمسرح الموسيقي وايضاً التناقض. علاقتي بهذه الامكنة حددت إلى حد بعيد هويتي وهذه الحداثة بالنسبة الي ان اتفاعل مع ناس مختلفين يدفعونني إلى التفكير واعادة التفكير في الثوابت."

تبدّلت لهجة شاهين في افلامه بين عمل وآخر او مرحلة واخرى. لا يحب تعبير "الاقنعة المتعددة" الذي يرى بعضهم انه ينطبق عليه مفضلاً عليه "خطاباً متحولاً بحسب المتغيرات الداخلية والخارجية". ولكنه بالنسبة اليه "خطاب كان هدفه دائماً قول الحقيقة". حتى عندما كانت التساؤلات ذاتية؟ أسأله فيعلق "في النهاية لا بد للتراكم من ان يقود إلى حقيقة ما. وكذلك لكل عمل حقيقته الخاصة المتعلقة بمغزاه وبالمرحلة التاريخية التي ينتمي اليها." اما الخطاب الذي يعتقده مناسباً لهذه المرحلة فهو "خطاب خاص ومختلف بدون تحديد ملامحه الا من حيث التطورات التي امر فيها. لذلك ربما أشعر بالتوتر منذ اربعة اشهر لأنني غير قادر على التقاط اشارة لعملي الجديد. الصورة غير واضحة بالنسبة الي ربما لإحساسي بأن المستقبل قاتم. كما انني لا اريد ان احذو حذو مايكل مور في ركوبه موجة يعرف سلفاً تأثيرها في الجمهور. فيلمه مؤثر ولكنه ليس قطعة فنية".

السمتقبل اللبنانية في

20.08.2004

 
 

"اسكندرية -نيويورك" ..

الفيلم الاسوأ للسيرة الذاتية لشاهين!  

القاهرة : شاهد النقاد والصحافيون المصريون العرض الخاص لفيلم "اسكندرية -نيويورك" رابع افلام السيرة الذاتية للمخرج يوسف شاهين الى جانب وزير الاعلام ممدوح البلتاجى والعديد من الفنانين وجاء تقويمهم متباينا لاخر اعمال شاهين.

الناقدة فى اسبوعية "الاهرام العربي" علا الشافعى رات ان "الفيلم قدم الافكار التى يعبر عنها شاهين بطريقة هزيلة لم تصل الى المستوى الفنى المطلوب".

وكتبت ان الفيلم الذى يدور حول "غضب شاهين من الولايات المتحدة الاميركية لم يقدم فكرة واضحة عن الصراع الحقيقى الدائر فى المنطقة .. فرغم ان شاهين صرح اثر احداث 11 ايلول /سبتمبر انه سيصور فيلما ينتقد فيه الهمجية الامريكية الا اننا لم نر ما يعبر عن ذلك ويبدو ان هذا كان وراء تغيير اسم الفيلم من "ايام الغضب" الى الاسم الذى انتهى اليه اخيرا".

واعتبرت الشافعى ان "الفيلم هو اسوأ افلام السيرة الذاتية لشاهين .. فلا مقارنة حيث تبقى افلام "اسكندرية لية" و"اسكندرية كمان وكمان" و"حدوتة مصرية" افضل بكثير مما شاهدته فى هذا الفيلم الذى يحدثنى عن حياة فى اميركا ولا ارى شيئا منها على الشاشة .. لقد اضاع شاهين الصورة ولغتها".

من جهته راى الناقد طارق الشناوى ان الفيلم "حمل هياما ليوسف شاهين فى اميركا اكثر مما حمل غضبا منها الى جانب سوء حظ شاهين فى عدم قدرته على البناء الدرامى فى كتابته للسيناريو مما زاد الطين بله". واضاف ان الفيلم "كان يمكن له ان يكون رائعا لو استطاع شاهين ان يتجاوز ثغرات السيناريو".

والفيلم الذى تدور احداثه فى مدينة نيويورك يروى سيرة شاهين الذى نراه فى الفيلم باسم يحيى ويؤدى دوره راقص البالية احمد يحيى فى حين يؤدى دوره كبيرا فى السن الفنان محمود حميدة ويتقاطع فى الزمن من خلال عملية استرجاع تشاركه فيها حبيبته الاميركية جنجر التى تؤدى دورها فتية يسرا اللوزى وعجوزا الفنانة يسرا.

يفتتح الفيلم مشهد حوارى فى الخمسينات من القرن الماضى بين يحيى واديب عبد الحى كاتب سيناريو فيلم "باب الحديد" اشهر افلام شاهين. ويهاجم فيه عبد الحى السياسة الاميركية فى رفضها تمويل السد العالى ويمتدح موقف الروس فى الانذار الذى وجهوه لاسرائيل خلال العدوان الثلاثى على مصر.

يليه مشهد يرفض خلاله شاهين الذهاب الى الولايات المتحدة من اجل تكريمه فى مطلع الالفية الثالثة اثر مشاهدته على شاشة التلفزيون قتل وقمع الفلسطينيين من قبل الاسرائيليين بدعم من اميركا.

لكنه يغير موقفه فيما بعد ويذهب الى نيويورك حيث يلتقى بحبيته الاميركية التى تعترف له بانها انجبت منه ابنا "اسكندر يقوم بدوره ايضا راقص البالية احمد يحيي" يعتبر راقص البالية الاول فى اميركا.

الناقد اسامة عبد الفتاح يرى ان شاهين حدد بطريقة جميلة فى مواجهته لابنه الذى يرفض ان يكون والده عربيا رفضه "لاميركا المتوحشة التى تعبر عنها سينما ستالونى والعنف".

لكن هذا بالتحديد ما رفضه الناقد عصام زكريا الذى اعتبر ان معالجة الفيلم السياسية "تفتقر الى الفهم الحقيقى للسياسة ولا تقدم سوى وجهة نظر شاهين بعد ان حول مشكلة العرب مع اميركا الى موقف شخصى له.. فالمشكلة الوحيدة التى تعرض لها على مدار الفيلم هى ان الاميركيين لا يعترفون به كمخرج عالمى كبير مثلما تفعل فرنسا".

العرب أنلاين في

23.08.2004

 
 

اراء متباينة في اسكندرية - نيويورك لشاهين

   أ. ف. ب.  

القاهرة - شاهد النقاد والصحافيون المصريون العرض الخاص لفيلم "اسكندرية -نيويورك" رابع افلام السيرة الذاتية للمخرج يوسف شاهين الى جانب وزير الاعلام ممدوح البلتاجي والعديد من الفنانين وجاء تقويمهم متباينا لاخر اعمال شاهين. الناقدة في اسبوعية "الاهرام العربي" علا الشافعي رات ان "الفيلم قدم الافكار التي يعبر عنها شاهين بطريقة هزيلة لم تصل الى المستوى الفني المطلوب".
وكتبت ان الفيلم الذي يدور حول "غضب شاهين من الولايات المتحدة الاميركية لم يقدم فكرة واضحة عن الصراع الحقيقي الدائر في المنطقة .. فرغم ان شاهين صرح اثر احداث 11 ايلول /سبتمبر انه سيصور فيلما ينتقد فيه الهمجية الامريكية الا اننا لم نر ما يعبر عن ذلك ويبدو ان هذا كان وراء تغيير اسم الفيلم من +ايام الغضب+ الى الاسم الذي انتهى اليه اخيرا".

واعتبرت الشافعي ان "الفيلم هو اسوأ افلام السيرة الذاتية لشاهين .. فلا مقارنة حيث تبقى افلام +اسكندرية لية+ و+اسكندرية كمان وكمان+ و+حدوتة مصرية+ افضل بكثير مما شاهدته في هذا الفيلم الذي يحدثني عن حياة في اميركا ولا ارى شيئا منها على الشاشة .. لقد اضاع شاهين الصورة ولغتها".

من جهته راى الناقد طارق الشناوي ان الفيلم "حمل هياما ليوسف شاهين في اميركا اكثر مما حمل غضبا منها الى جانب سوء حظ شاهين في عدم قدرته على البناء الدرامي في كتابته للسيناريو مما زاد الطين بله". واضاف ان الفيلم "كان يمكن له ان يكون رائعا لو استطاع شاهين ان يتجاوز ثغرات السيناريو".

والفيلم الذي تدور احداثه في مدينة نيويورك يروي سيرة شاهين الذي نراه في الفيلم باسم يحيى ويؤدي دوره راقص البالية احمد يحيى في حين يؤدي دوره كبيرا في السن الفنان محمود حميدة ويتقاطع في الزمن من خلال عملية استرجاع تشاركه فيها حبيبته الاميركية جنجر التي تؤدي دورها فتية يسرا اللوزي وعجوزا الفنانة يسرا.

يفتتح الفيلم مشهد حواري في الخمسينات من القرن الماضي بين يحيى واديب عبد الحي كاتب سيناريو فيلم "باب الحديد" اشهر افلام شاهين. ويهاجم فيه عبد الحي السياسة الاميركية في رفضها تمويل السد العالي ويمتدح موقف الروس في الانذار الذي وجهوه لاسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر.

يليه مشهد يرفض خلاله شاهين الذهاب الى الولايات المتحدة من اجل تكريمه في مطلع الالفية الثالثة اثر مشاهدته على شاشة التلفزيون قتل وقمع الفلسطينيين من قبل الاسرائيليين بدعم من اميركا. لكنه يغير موقفه فيما بعد ويذهب الى نيويورك حيث يلتقي بحبيته الاميركية التي تعترف له بانها انجبت منه ابنا (اسكندر يقوم بدوره ايضا راقص البالية احمد يحيى) يعتبر راقص البالية الاول في اميركا.

الناقد اسامة عبد الفتاح يرى ان شاهين حدد بطريقة جميلة في مواجهته لابنه الذي يرفض ان يكون والده عربيا رفضه "لاميركا المتوحشة التي تعبر عنها سينما ستالوني والعنف".  لكن هذا بالتحديد ما رفضه الناقد عصام زكريا الذي اعتبر ان معالجة الفيلم السياسية "تفتقر الى الفهم الحقيقي للسياسة ولا تقدم سوى وجهة نظر شاهين بعد ان حول مشكلة العرب مع اميركا الى موقف شخصي له.. فالمشكلة الوحيدة التي تعرض لها على مدار الفيلم هي ان الاميركيين لا يعترفون به كمخرج عالمي كبير مثلما تفعل فرنسا".

موقع "إيلاف" في

23.08.2004

 
 

شاهين: لم يبهر النقاد هذه المرة

اسكندرية – نيويورك: هل اضاع شاهين بوصلة الإخراج السينمائي؟

ناقد مصري يرى أن فيلم شاهين الغاضب على أميركا ليس الا محاولة انتقام لرفض الاعتراف به كمخرج عالمي.  

القاهرة - شاهد النقاد والصحافيون المصريون العرض الخاص لفيلم "اسكندرية -نيويورك" رابع افلام السيرة الذاتية للمخرج يوسف شاهين الى جانب وزير الاعلام ممدوح البلتاجي والعديد من الفنانين وجاء تقويمهم متباينا لاخر اعمال شاهين.

الناقدة في اسبوعية "الاهرام العربي" علا الشافعي رأت ان "الفيلم قدم الافكار التي يعبر عنها شاهين بطريقة هزيلة لم تصل الى المستوى الفني المطلوب".

وكتبت ان الفيلم الذي يدور حول "غضب شاهين من الولايات المتحدة الاميركية لم يقدم فكرة واضحة عن الصراع الحقيقي الدائر في المنطقة .. فرغم ان شاهين صرح اثر احداث 11 ايلول /سبتمبر انه سيصور فيلما ينتقد فيه الهمجية الامريكية الا اننا لم نر ما يعبر عن ذلك ويبدو ان هذا كان وراء تغيير اسم الفيلم من ايام الغضب الى الاسم الذي انتهى اليه اخيرا".

واعتبرت الشافعي ان "الفيلم هو اسوأ افلام السيرة الذاتية لشاهين .. فلا مقارنة حيث تبقى افلام اسكندرية لية و"اسكندرية كمان وكمان" و"حدوتة مصرية" افضل بكثير مما شاهدته في هذا الفيلم الذي يحدثني عن حياة في اميركا ولا ارى شيئا منها على الشاشة .. لقد اضاع شاهين الصورة ولغتها".

من جهته رأى الناقد طارق الشناوي ان الفيلم "حمل هياما ليوسف شاهين في اميركا اكثر مما حمل غضبا منها الى جانب سوء حظ شاهين في عدم قدرته على البناء الدرامي في كتابته للسيناريو مما زاد الطين بله".

واضاف ان الفيلم "كان يمكن له ان يكون رائعا لو استطاع شاهين ان يتجاوز ثغرات السيناريو".

والفيلم الذي تدور احداثه في مدينة نيويورك يروي سيرة شاهين الذي نراه في الفيلم باسم يحيى ويؤدي دوره راقص البالية احمد يحيى في حين يؤدي دوره كبيرا في السن الفنان محمود حميدة ويتقاطع في الزمن من خلال عملية استرجاع تشاركه فيها حبيبته الاميركية جنجر التي تؤدي دورها فتية يسرا اللوزي وعجوزا الفنانة يسرا.

يفتتح الفيلم مشهد حواري في الخمسينات من القرن الماضي بين يحيى واديب عبد الحي كاتب سيناريو فيلم "باب الحديد" اشهر افلام شاهين. ويهاجم فيه عبد الحي السياسة الاميركية في رفضها تمويل السد العالي ويمتدح موقف الروس في الانذار الذي وجهوه لاسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر.

يليه مشهد يرفض خلاله شاهين الذهاب الى الولايات المتحدة من اجل تكريمه في مطلع الالفية الثالثة اثر مشاهدته على شاشة التلفزيون قتل وقمع الفلسطينيين من قبل الاسرائيليين بدعم من اميركا.

لكنه يغير موقفه فيما بعد ويذهب الى نيويورك حيث يلتقي بحبيبته الاميركية التي تعترف له بانها انجبت منه ابنا (اسكندر يقوم بدوره ايضا راقص البالية احمد يحيى) يعتبر راقص البالية الاول في اميركا.

الناقد اسامة عبد الفتاح يرى ان شاهين حدد بطريقة جميلة في مواجهته لابنه الذي يرفض ان يكون والده عربيا رفضه "لاميركا المتوحشة التي تعبر عنها سينما ستالوني والعنف".

لكن هذا بالتحديد ما رفضه الناقد عصام زكريا الذي اعتبر ان معالجة الفيلم السياسية "تفتقر الى الفهم الحقيقي للسياسة ولا تقدم سوى وجهة نظر شاهين بعد ان حول مشكلة العرب مع اميركا الى موقف شخصي له.. فالمشكلة الوحيدة التي تعرض لها على مدار الفيلم هي ان الاميركيين لا يعترفون به كمخرج عالمي كبير مثلما تفعل فرنسا".

موقع "ميدل إيست" في

24.08.2004

 
 

فيلم إسكندرية - نيويورك تحت الهجوم

اختلف نقاد سينمائيون مصريون حول رؤيتهم لفيلم يوسف شاهين الاخير ''إسكندرية - نيويورك'' فاتهمه البعض ''بالسذاجة السياسية'' في حين اعتبره آخرون معبرا عن تغير موقف يوسف شاهين من أميركا· جاء ذلك إثر حفل العرض الخاص للفيلم مساء يوم الأحد الماضي في أحد مجمعات السينما في العاصمة المصرية بحضور أبطال الفيلم والفنانين والنقاد والصحافيين وبعض المسؤولين في وزارة الاعلام التي دعمت إنتاج الفيلم وبينهم وزير الاعلام الجديد ممدوح البلتاجي·

ولعل ما أثار الانتقادات هو أن شاهين كان قد أعلن للصحافة أكثر من مرة قبل بدئه تصوير الفيلم انه غاضب جدا من الولايات المتحدة اثر أحداث 11 سبتمبر وانه يعمل على فيلم باسم ''أيام الغضب'' ينتقد فيه السياسة الاميركية والتعبير عن الغضب من ممارساتها العدوانية اتجاه الشعوب·

وضمن هذا السياق قال الناقد في مجلة ''روزاليوسف'' الاسبوعية طارق الشناوي إن ''التوجه الحقيقي في الفيلم ينسجم مع تغيير يوسف شاهين لاسم الفيلم من (أيام الغضب) إلى الاسم الجديد الذي عبر خلاله شاهين عن هيامه بأميركا''· واتجه الناقد في مجلة ''صباح الخير'' الاسبوعية عصام زكريا إلى تحديد أكثر بقوله ''الفيلم من الناحية السياسية ساذج إلى درجة الطفولية في التعامل مع الموضوع··والفيلم يبدو وكأن صاحبه لا علاقة له بالسياسة حيث تعامل معها بمنطق الصراع العائلي بأسلوب نابع من المجتمعات القبلية التي لم تعرف من السياسة سوى حرب الاخوة وأبناء العم''·

وتابع ''وكان مساعد شاهين خالد يوسف وشريكه في كتابة سيناريو الفيلم قد قدم فيلما مشابها لهذا من تأليفه وإخراجه وهو ''العاصفة'' عبر فيه عن حرب الخليج الاولى بنفس الطريقة وذلك من خلال الصراع بين الاخوين عندما يقف كل منهما في معسكر معاد''·

وأضاف ''ويتبع يوسف شاهين نفس الطريقة باختزاله لموقفه أو لموقف العرب من الولايات المتحدة الاميركية في وجود ابن له نصفه مصري ونصفه أميركي وإذا كانت هذه الفكرة تصلح لعمل فيلم درامي يعبر عن انقسامات وتعددات الهوية عند الانسان المعاصر لكان الامر مقبولا ولكن أن تتحول مشكلة العرب مع أميركا إلى موقف شاهين الشخصي منها فهذا استخفاف في السياسة''·

وأشار زكريا إلى أن ''الاميركيين ليسوا جبهة واحدة فهناك الكثير من المعادين لسياسة إدارتها وهناك المؤيدون وهناك بعض العرب المخلصين للسياسة الاميركية أكثر من إدارتها في حين يراها عرب آخرون الشيطان الاكبر''· ورأت الناقدة في مجلة ''المصور'' الاسبوعية أمينة الشريف أن ''شاهين لخص موقفه في رفض أميركا في مشهد مواجهته مع ابنه في مطعم اختصر الفرق بين أميركا التي أحبها أميركا فريد استر والافلام الرومانسية في الاربعينات وكرهه لاميركا ستالوني في التسعينات وكشف عن عقلية السوبرمان الاميركي المنتصر دائما قدم بذلك أميركا التي تدعي الديمقراطية في الوقت الذي ترفض فيها السماع للاخر رغم دعوة الاخر للحوار''·

وقدم شاهين فيلمه الذي وقف وراء هذا الاختلاف من خلال تصوير رحلته لدراسة الاخراج في الولايات المتحدة الاميركية وقام بدوره ''راقص البالية احمد يحيى الذي يقوم أيضا بدور الابن اسكندر'' وارتباطه بعلاقة مع زميلته في الدراسة الاميركية جنجر ''يسرا اللوزي'' والتحديات التي واجهها هناك·

وصور تطور العلاقة مع جنجر التي قامت بدورها بعد أن كبرت في السن الفنانة يسرا ويظهرها كامرأة فشلت في أن تتحقق كممثلة فتحولت إلى مومس ثم تزوجت رجلا مناظرا لها وعاشت حياة تعيسة تحت سقف مع زوج انفصلت عنه عاطفيا وجسديا·

تلتقي مجددا بيحيى الذي قام بدوره عندما كبر ''محمود حميدة'' فتحمل منه وتنجب اسكندر كرمز لهذا الحب والذي يصبح راقص البالية الاول في أميركا ويحقق نجاحات متتالية ورغم انه فنان فانه لا يستطيع أن يتقبل فكرة انه ابن رجل عربي· وقام بناء الفيلم دراميا على استرجاع الاحداث من قبل حميدة ويسرا حيث يصورا حياتهما فشلها ونجاحه والشراكة بينهما الحب وابنهما اسكندر الذي يقرر مصيره بأنه ينتمي إلى أميركا ويرفض الحوار مع والده مما يدفع والده رغم حبه الشديد له ليحسم الموقف في النهاية بأنه لا يريده· وينتهي الفيلم بأغنية للمطرب علي الحجار ''نيويورك تقتل كل حنين'' إشارة إلى انتهاء العامل الانساني في العلاقة بين البشر في الحضارة الاميركية· وكذلك اختلف النقاد حول هذا الفيلم كرابع أفلام السيرة الذاتية لشاهين بعد ''إسكندرية ليه'' و''إسكندرية كمان وكمان'' و''حدوتة مصرية'' فاعتبره البعض الافضل مثل الناقدة أمينة شريف واعتبره آخرون الاسوأ مثل عصام زكريا واعتبره الشناوي أنه كان من الممكن أن يكون أفضل الافلام العربية لو استطاع أن ينسق مشاهد الرقص مع البناء الدرامي لو استطاع شاهين أن يتجاوز ثغرات هذا البناء·

الإتحاد الإماراتية في

25.08.2004

 
 

يوسف شاهين:

استمر في الإبداع لأنني مدلل

القاهرة ـ مازن حمدي

في العاشرة من مساء الأحد الماضي، كان المخرج الكبير يوسف شاهين في انتظار وزير الإعلام المصري د· ممدوح البلتاجي، في مدخل مجمع صالات ''فاميلي سينما''، على كورنيش المعادي -جنوب القاهرة- والذي يملكه جهاز السينما التابع لمدينة الإنتاج الإعلامي·

وصل د· البلتاجي مهنئا شاهين بفيلمه الجديد ''اسكندرية نيويورك''، احتضنه شاهين باسما·· والتف فريق العمل حول شاهين ووزير الإعلام، من يسرا -التي حضرت متأخرة- إلى محمود حميدة - بطل شاهين المفضل، والذي يلعب في الفيلم دور شاهين نفسه- وأحمد يحيى راقص الباليه في دار الأوبرا المصرية الذي اختاره شاهين ليلعب دوره، وهو شاب في مطلع العشرينات من عمره، عندما كان يتعلم أصول فن السينما في معهد ''باسادينا'' بكاليفورنيا في أميركا ،1946 و''يسرا اللوزي'' الوجه الجديد الساحر الذي اختاره شاهين ليشارك أحمد يحيى البطولة، ولبلبة، وهالة صدقي، وماجدة الخطيب·

العرض تقاطر عليه الفنانون، والنقاد، والصحافيون وعدد من الشخصيات العامة، وانهمرت الصور الفوتوغرافية تجمع شاهين مع أحبابه·· وعلى وجهه ضوء الفرح وابتسامة حميمية، حتى جاء موعد عرض الفيلم·

وبعد انتهاء عرض الفيلم الذي استغرق 130 دقيقة تقريبا في 100 مشهد عادت الوجوه لتلتقي شاهين·· والتأموا مجددا في الصور الفوتوغرافية·· شاهين كان سعيدا أكثر في هذه المرة، بعد أن لمح بعينيه اللتين لا تخطئان قراءة وجوه البشر، سعادة وترحيبا بفيلمه الجديد ''اسكندرية نيويورك''·

د· البلتاجي امتدح شاهين بعد العرض وهنأه بحرارة· وقد أوصى ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما بأن تكون كل أفلام الجهاز، من طراز فيلم شاهين الذي يعرض لقضية ضخمة وملحة·· والتف الفنانون حول البلتاجي يلتقطون معه الصور، وفك شاهين عقدة ربطة عنقه، وأبدى ارتياحا كبيرا بعد أن ظل قلقا طوال الوقت، يتنقل بين الحضور مستطلعا ما في العيون·

فيلم ''اسكندرية نيويورك'' استغرق تصويره 12 أسبوعا متقطعا في قرابة عامين، بين أميركا ومصر، والسر في كل هذه المدة الطويلة أن شاهين تعرض لأزمات قلبية عدة، أدخلته المستشفى فضلا عن تعطيل السلطات الأميركية التصوير في بادئ الأمر، لأن شاهين ذهب للتصوير في أعقاب أحداث 11 سبتمبر ،2001 حين شدد الأميركيون إجراءات دخول وخروج العرب من وإلى الولايات المتحدة·

الطفل يوسف

الفيلم إنتاج مشترك بين شركة أفلام مصر العالمية التي يملكها يوسف شاهين، وجهاز السينما بمدينة الإنتاج الإعلامي، ووفق التعاقد بين شاهين والجهاز، فإن شركته تتولى التوزيع الخارجي للفيلم في العالم العربي، وفي الفضائيات الفرنسية، والأوروبية، فيما يتولى جهاز السينما تمويل جزء من ميزانية إنتاج الفيلم وتوزيعه في مصر، حيث يعرض في 27 دار عرض بين القاهرة، والاسكندرية كما أسهم في الفيلم المركز القومي للسينما الفرنسية الذي أسهم في عدة أفلام لشاهين من قبل، لكن الجهد الذي بذله شاهين في صنع فيلمه المنتظر، والذي بدأ عرضه التجاري الآن في مصر عوضته تلك الليلة الساهرة مساء الأحد الماضي·

وجد شاهين كل أصدقائه ومحبيه من حوله، من أصغر الأجيال ''الطفل يوسف عثمان'' بطل فيلم ''بحب السيما'' الذي شهد مشاكل ضخمة لدى عرضه، ويشهد الآن دعوى قضائية لوقفه، ويوسف لا يزيد على 10 سنوات الآن ثم جيل شريف منير وخالد النبوي إلى جيل البلتاجي وشريف الشوباشي -رئيس مهرجان القاهرة السينمائي- وكان من المقرر ان يحضر العرض وزير الثقافة فاروق حسني، ولكنه تخلف عن الحضور لإصابته بالانفلوانزا قبل العرض بنحو يومين واستمرت الليلة الساهرة لما بعد الواحدة، بعد منتصف الليل·

وحطم شاهين في الليلة الساهرة أهم تعليمات الأطباء له، وهي عدم التدخين·· فبدا مدخنا شرها، لأن قلب شاهين كان يرقص طربا، بتتويج 55 عاما من العمل السينمائي بهذا الفيلم، وانعكس قلبه ''الشاب'' على وجهه الذي بدا متهللا في نهاية العرض·

حدوتة شاهين

وتدور أحداث الفيلم ما بين نيويورك في بداية الألفية الثالثة، وكاليفورنيا، والاسكندرية في منتصف أربعينات القرن العشرين· أحداث ''اسكندرية نيويورك'' تدور في عام 2001 وفي أهم مركز ثقافي بنيويورك ''لينكولن سنتر''، حيث يكرم المخرج السينمائي المصري الشهير ''يحيى'' -75 عاما- وليس يحيى إلا يوسف شاهين ذاته، وقد اختار لنفسه هذا الاسم من قبل في أفلامه الذاتية الثلاثة السابقة ''اسكندرية ليه'' 1980 و''حدوتة مصرية'' ،1983 و''اسكندرية كمان وكمان'' ·1991 تبدأ أحداث الفيلم بلقاء بين سيدة أميركية ''جينجر'' -يسرا- ''75 عاما'' ويحيى، ونكتشف أنهما قد تزاملا في معهد ''باسادينا'' بكاليفورنيا في الأربعينات، وعاشا قصة حب استمرت أكثر من 50 عاما لم تنفصم عراها إلا بسبب حقائق الجغرافيا، وأثمرت العلاقة الزوجية شابا نصف مصري، هو الراقص الأول لفرقة ''نيويورك باليه ثييتر'' ويلعب دوره أحمد يحيى·

''جينجر'' تفاجىء يحيى بأن له ابنا لا يعلم عنه شيئا، ليصبح أكبر هدية له، وعندما تصارح ابنها بأن يحيى هو أبوه الحقيقي، يثور ويرفض هذه الأبوة، ويرفض شخص الأب الذي هبط عليه من بلاد تربى على أنها بلاد جاهلة متخلفة·

و''يحيى'' حين يصطدم بهذه الأفكار من الابن يتأكد لديه الإحساس الذي ظل مسيطرا عليه طيلة عمره بأن أميركا في الأربعينات قد اختلفت عن أميركا الراهنة، وأن سينما هوليوود الحالمة التي أحبها يحيى وافتتن بها، اختلفت عن سينما السوبرمان الأميركي الذي لا يهزم في القرن الواحد والعشرين، والتي تعد الاختصار الموضوعي لتغير حال أميركا·

وتحاول ''جينجر'' جاهدة -وعلى طول خط سرد الفيلم- أن تقرب الابن من أبيه، لتجعله يقبله ولا تجد طريقة سوى أن تكشف للابن قصة حبها مع والده، ومن خلالها تعرِف الابن، وتعرِف المشاهد معه على تاريخ هذا الأب وحياته وكفاحه والعذابات التي ذاقاها سويا أو كل منهما بمفرده، ليندلع الصراع الأساسي في الفيلم، في داخل نفس الفتى ''أحمد يحيى'' بين الثقافة الأميركية التي غرست داخله منذ الطفولة، وفكرة القبول بالآخر واحترام ثقافته والتعاطي معه·

وظهرت في الفيلم شخصية يهودية أميركية شديدة التسامح ومنحازة ليحيى وعلاقته بأمه، وهي ''بوني'' صديقة جينجر ولعبت دورها ''هالة صدقي''، كما ظهرت شخصية أرمنية هي ''سعاد نصر'' التي لعبت دور بائعة ''الهوت دوج'' والتي ظل يحيى يتناول منها السندوتشات لمدة عامين قضاهما في أميركا للتعلم في معهد ،باسادينا''، قبل ان يعود إلى القاهرة أوائل عام ·1948

إلى جانب هذه الشخصيات ظهرت ''لبلبة'' التي قامت بدور زوجة ''يحيى'' المصرية، والتي أبلغته في بداية حياتهما الزوجية أنها عاقر فطلب منها يحيى أن تعتبره ابنها الذي كانت تتمناه، ولهذا السبب استمرت العلاقة الزوجية بينهما·

أما ماجدة الخطيب فهي ''شينوايز'' تلك الأميركية التي تولت تعليم ''يحيى'' فن التمثيل والإخراج في معهد ''باسادينا'' وكانت تراهن عليه بوصفه الوحيد الذي يحصل على الدرجات النهائية، وتصدت لمجلس إدارة المعهد حينما وقف مكتوف اليدين، ولم يساعد يحيى الذي امتنع أهله عن إرسال نفقات تعليمه قبل تخرجه بفترة قصيرة، وطالبت المجلس بتحمل مسؤوليته تجاه الطالب النابغة وإلاَ ''فلتسقط أميركا'' على حد تعبيرها في حوار الفيلم·

حول العالم

ويسافر يوسف شاهين بصحبة فيلمه ''اسكندرية نيويورك'' إلى تونس السبت المقبل، لحضور افتتاح الفيلم هناك بعد افتتاحه في كل من مصر، والأردن، ولبنان ولحضور مهرجان قرطاج الدولي، ثم يطير إلى ''فينيسيا'' ليرأس لجنة تحكيم مهرجانها السينمائي الدولي·

المهرجان الوحيد الذي تلقى منه شاهين دعوات لعرض ''اسكندرية نيويورك'' هو ''كان'' الفرنسي في دورته الأخيرة مايو الماضي، كما تلقى دعوات من مهرجانات دولية كثيرة لم يحدد شاهين موقفه من الاشتراك في أي منها·

شاهين يعكف هذه الأيام على تحديد الملامح الأساسية لفيلمه الجديد، الذي لم يشأ أن يكشف عن فكرته أو تفاصيله إلى الآن، ولكن شاهين يؤكد أن ''اسكندرية - نيويورك'' آخر حلقة من سلسلة أفلام سيرته الذاتية، وبالتالي فإن فيلمه القادم لن يكون عن حياة شاهين أو تجاربه الخاصة، ''فاسكندرية ليه'' عرض لحياته طالبا في الثانوي، وحبه للسينما في سنوات الحرب العالمية الثانية وصولا إلى ركوبه البحر للسفر إلى أميركا، أي من 1939 إلى ،1946 ويعرض ''حدوتة مصرية'' لحياته ومسيرته الفنية بعد عودته من أميركا 1948 وحتى أوائل الثمانينات، فيما عرض ''اسكندرية كمان وكمان'' لصفحات من حياة شاهين الراهنة خلال الثمانينات والتسعينات، وهكذا يكمل ''اسكندرية نيويورك'' الحلقة المفقودة في هذه السلسلة من الأفلام وهي الحلقة التي تشكل العامين اللذين قضاهما في أميركا للدراسة 1946-·1948

سألت يوسف شاهين: الليلة يلتف حولك كل أحبائك ليشاهدوا فيلمك الجديد·· بماذا تشعر؟

قال: أنا سعيد للغاية وأشعر بأن كل الجهد المضني الذي بذلته خلال ثلاثة أعوام من التحضير والكتابة والتصوير لهذا الفيلم قد أثمر والسعادة تبدو على وجوه الحضور وهذه جائزتي الحقيقية·

·         وجوائزك العالمية؟

أرحب بسعادة الجمهور ومحبي السينما بأعمالي أكثر من أي جائزة عالمية، وأنا حصدت جوائز عالمية كثيرة و''شبعت'' منها ولم أعد أريد المزيد·

·         في كل فيلم لك رؤية وطرح سياسي وإنساني·· ما الذي تريد أن تقوله للجمهور في ''اسكندرية نيويورك''؟.

قلت في هذا الفيلم الكثير للجمهور، والجمهور هنا هو المصريون والعرب وكل البشر باختلاف ثقافاتهم وألسنتهم فأنا أميل إلى تقديم أفلام يفهمها البشر ويشعرون بها بدون أن يحسوا باغتراب، وأنا أناقش علاقتنا بالآخر ولا شك أن ''الآخر'' بالأساس هو أميركا، التي لم تعد تفهمنا ولا تريد أن تفهمنا، وتنظر إلى كل عربي على أنه متشدد وإرهابي لا لشيء إلا لكونه عربيا·

الفيلم يرصد هنا الانقلاب في الشخصية الأميركية، التي وقعت في غرامها من خلال أفلامها الاستعراضية الحاشدة، والرومانسية أيضا في الثلاثينات والأربعينات، وبعكس هذه الدموية التي تتسم بها الآن باسم محاربة الإرهاب·

·         في أفلامك تمزج الواقع بالخيال، فما مساحة كل منهما في ''اسكندرية نيويورك''؟

الواقع أنني ذهبت لأميركا وتعلمت فيها وأحببت أول فتاة في حياتي في كاليفورنيا·· كانت فتاة صغيرة، جميلة، وبارعة في رقص الباليه، وتوقعنا لها أن تصبح نجمة هوليوودية، ولكنها لم تكمل الطريق·

أما الخيال فهو زواجي منها وإنجابي لشاب مصري -أميركي جميل بارع في التمثيل وفي الرقص، وتخيله ممزقا بين مصر وأميركا، بين الغرب والشرق، وبين أفكار إنكار الآخر وأفكار قبوله، هذه هي الأزمة التي نعيشها الآن، وهي مطروحة في كل المجتمعات·· ألم أقل لك: إنه فيلم إنساني؟

رسالة للجمهور

·         هل تعتقد بأن طرحك هذا سيصل إلى الفئات البسيطة من الجمهور؟

لا أفهم هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الجمهور، ويفترضون فيه ضآلة الفهم والوعي، مع أن أفلامي عادة تحقق نجاحا جماهيريا واسعا، وكل أفلامي من أول ''بابا أمين'' -1949- وصولا إلى هذا الفيلم عن البسطاء وموجهة إليهم أيضا·

·         ماذا لو هاجمك بعض النقاد، ووصفوك بالتعالي على هذا الجمهور كما حدث مع بعض أفلامك في السابق؟

ليكتبوا ما يشاؤون، فأنا أصنع السينما التي أهواها، والتي أقتنع بها، وهم أيضا لهم قناعاتهم وأحرار فيما يكتبون حتى لو كانوا على خطأ·

·         هل سيكون هذا الفيلم آخر أفلامك الذاتية؟

إلى الآن·· نعم، ولكن لو ظهر في حياتي ما يستدعي أن أسجله سينمائيا فلن أتردد، وطالما أنا على قيد الحياة فسوف أظل أقدم الأفلام الذاتية، وغير الذاتية·

·         لماذا اخترت محمود حميدة لتمثيل دورك هذه المرة''؟

لأنني قدمت محسن محيي الدين في دوري في ''اسكندرية ليه''، ونور الشريف في ''حدوتة مصرية'' وقمت به بنفسي في ''اسكندرية كمان وكمان'' وحميدة ممثل رائع وراقص عظيم بدأ حياته الفنية راقصا في فرق الفنون الشعبية·· وكذلك اعتقد بأن أحمد يحيى اكتشاف جميل، وله مستقبل عريض، ويسرا ولبلبة وماجدة الخطيب في أفضل حالاتهن·

·         كم تكلف هذا الفيلم؟

لا أريد الخوض في هذه التفاصيل، ولكن الفيلم تكلف عدة ملايين، لأن تكلفة التصوير الخارجي في أميركا باهظة جدا ولم يكن ممكنا الاستغناء عنه·

·         55 عاما من السينما·· هل أنت راض بعدها عن نفسك وتشعر بأن لديك الكثير لتقدمه؟

نعم·· لدي الكثير لأقدمه، فالسينما هي كل حياتي والتوجه الأساسي في تفكيري وحياتي اليومية، أما الرضا عن النفس فهو يأتيني عقب ليلة حلوة مثل هذه الليلة ثم سرعان ما تستبدله نفسي القلقة بالبحث عن الجديد، وأشعر دائما بأنني يمكن أن أقدم الأفضل، أما جمهوري وكذلك الكتاب والنقاد والمثقفون فقد أعطوني حقي طوال الوقت، لدرجة أنني أشعر بأنهم ''دللوني'' بما فيه الكفاية وزيادة، وهم السبب الأول في استمراري في صناعة السينما، وكذلك تلاميذي من المخرجين الكبار المخلصين والبارعين فنيا مثل علي بدرخان وخالد يوسف الذي كتب معي سيناريو هذا الفيلم، وساعدني في إخراجه وإخراج عدة أفلام قبله!

الإتحاد الإماراتية في

26.03.2004

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)