العلاقات المصرية ـ الأميركية تقتحم الشاشة الصغيرة
دراما الطرابيش تخلي الطريق للدراما السياسية
حمدي رزق
كلفت السفارة الأميركية بالقاهرة عدداً من موظفيها لمشاهدة مسلسل "اماكن فى
القلب" الذى يعرضه التلفزيون المصرى حالياً، كما ان مؤلفه بشير الديك بلغه
ان عددا من أعضاء لجنة العلاقات المصرية ـ الأميركية، سعداء بالمسلسل
ومتحمسون لعرضه، وأن السفير الأميركي بالقاهرة يرحب بالمسلسل ويراه "رؤية
شرقية معتدلة" لبلاده!
اختار السينارست بشير الديك أن يناقش أوضاع العرب والمسلمين المقيمين في
أميركا من خلال مسلسله (أماكن في القلب)، الذي يبدو أن عنوانه ومحتواه
وأسماء أبطاله لم تعجب المعلنين، فطوّح به القائمون على وضع خارطة البرامج
الرمضانية إلى الثانية بعد منتصف الليل !
قصة المسلسل صغيرة وتطرح أسئلة كبرى: ماذا لو أن سيدة مصرية مسلمة مقيمة في
أميركا (علا غانم) اتهمت بقتل زوجها الأميركي الذي غيّر ديانته إلى الإسلام
ليتزوجها؟ ثم ماذا لو تولى الدفاع عنها محام مصري مسلم (هشام سليم)،
والأخطر أن هذا المحامي مترشح عن إحدى الولايات في انتخابات الكونغرس
الأميركي في وجه مترشح يهودي تدعمه المافيا الدولية؟ المؤلف ـ إذن ـ جمع كل
الأطراف في مسلسله ـ المحكم درامياً ـ ليطرح رؤيته عن وضع العربي المسلم في
أميركا بعد 11 سبتمبر.
هكذا، وبمسلسل تلفزيوني، قفزت الدراما المصرية الى قلب الازمة المصرية ـ
الأميركية بل الازمة العربية ـ الأميركية دون سابق تخطيط لطبيعة المطلوب فى
تلك المرحلة، ولكنها المغامرة التلفزيونية التى شقت لنفسها طريقاً جديداً،
يبدو أنها عازمة على السير فيه يمكن تسميته دراما العلاقات الدولية خاصة
وان التلفزيون يعرض فى نفس الشهر مسلسلا لا يقل اهمية عن العلاقات المصرية
ـ الاسرائيلية فى سياق الاسرى والشهداء وهو ملف مصرى اسرائيلى دولى .
يتسع ملف الدراما المصرية التى تعرض في رمضان قليلا لفتح ملفات سياسية لها
ارتباط واضح بالحراك السياسي المتفاعل على نحو غير مسبوق فى القاهرة
اتساقاً مع مجريات عام الاصلاح السياسي، و يواكب التغيرات التي يشهدها
المجتمع المصري الآن. فليس غريبا في العام 2005، الذي شهد أول استحقاق
انتخابي رئاسي في تاريخ مصر، وشهد تعديلات دستورية وقانونية شتى، وتنامى
فيه الحديث عن الإصلاح، وستقام فيه انتخابات البرلمان الشهر القادم، أن يتم
تسييس الدراما الرمضانية، لتختفي دراما المط والتطويل والمرأة الخارقة
والعجوز المتصابي أو دراما المدينة الفاضلة وطواحين الهواء، لتحل محلها
الدراما السياسية بما تفرضه من معادلات واقعية في جملتها وتفاصيلها!
فثمة أربعة مسلسلات رمضانية هذا العام تندرج مباشرة تحت مسمى (الدراما
السياسية)، "أحلام في البوابة" التي كتبها أسامة أنور عكاشة وأخرجها السوري
هيثم حقي بطولة سميرة أحمد، و"أماكن في القلب" التي كتبها بشير الديك
وأخرجها نادر جلال بطولة هشام سليم وعلا غانم وتيسير فهمي، و"نور الصباح"
التي كتبها مجدي صابر وتلعب بطولتها ليلى علوي، و"المرسى والبحار" ليحيى
الفخراني التي كتبها محمد جلال عبد القوي، وجميع هذه المسلسلات ـ التي تعرض
أرضياً وفضائياً في مصر وخارجها ـ تناقش ملفات سياسية تتداخل مع الثقافة
وقضاياها المعاصرة. فالصراع العربي ـ الإسرائيلي وإرثه الثقافي حاضران في
هذه الدراما، والعلاقة الجدلية بين الشرق والغرب متمثلة بوضوح، و"المقاومة
الثقافية" ـ والتعبير لأسامة أنور عكاشة ـ محور مسلسله "أحلام في البوابة".
ضخّ السياسة
هل هو أمر مقصود أن يجري ضخ السياسة في عروق الدراما المصرية هذا العام؟ هل
الأمر مصادفة ..؟ أم أن هذه الأعمال ـ أو بتعبير أدق "هذا الاتجاه" ـ كانت
بانتظار ضوء أخضر ومناخ موات لكي تنطلق إلى الشاشات؟ السؤال لا يعتمد نظرية
المؤامرة ولا (فوازير الخبثاء) ممن يعشقون تأويل الأمور بوجوه شتى، فثمة ما
يلفت النظر هنا. فتلك الأعمال لم يكن من الممكن ظهورها ـ هكذا ومن دون
محذوفات ـ قبل عشر سنوات، أما قبل 20 عاماً فكان ظهورها ضربا من
المستحيلات!
والواقع أن هذا الانفتاح الدرامي على الساحة السياسية لا يصعب التنبؤ
بأسبابه .. فالكتّاب ـ من جهة ـ كانوا يتوقون لهذا النوع من الدراما منذ
زمن بعيد. هم يكشفون عن ذلك في مقالاتهم الصحافية وحواراتهم، وهم ـ إلى ذلك
ـ مثقفون، مسيسون، أصحاب رأي (ثمة مقولة نقدية رائجة في مصر تقول إن نهضة
الدراما التليفزيونية المصرية في الثمانينات والتسعينات قامت على أكتاف
الكتاب والبعض يحصر هؤلاء الكتاب في أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ
عبد الرحمن ويسري الجندي ..) وبعض هؤلاء الكتاب له مواقف معارضة واضحة
للنظام، مثل عكاشة ولاسيما مقالاته في صحيفة "الوفد" المعارضة، في العامين
الأخيرين. هؤلاء الكتاب وجدوا فرصتهم التي كانوا يترقبونها، مع الأعوام
الأخيرة التي شهدت المزيد من الحرية السياسية في رقابة التلفزيون سواء في
الدراما أو البرامج أو المواد الإخبارية وهي حرية بدت أوضح في العام
"الإصلاحي" الحالي.
أما السلطة ـ من جهتها ـ فهي صاحبة مصلحة في إطلاق الدراما من عقالها
(طبعاً.. في حدود!)، ومن حقها أن تقول الآن "نحن نترك عكاشة المعارض الحاد
يعرض أعماله في أفضل الأوقات من العام"! فالدراما السياسية التي تسيطر على
الشاشة الرمضانية هذا العام، تعطي حيوية لتلفزيون الدولة، وتكرس له صورة
ليبرالية تؤكد خطابه الإصلاحي الجديد، ولا تنسجم معه وحسب!
هكذا التقى الكاتب ـ المثقف، مع التلفزيون ـ السلطة على مصلحة مؤلفة من
نقيضين، وجمعتهما مائدة الدراما الرمضانية هذا العام، التي احتل فيها
"الطبق السياسي" مكان الصدارة!
ثقافة المقاومة
حين شيّد القائد المغربي جوهر الصقلي الأصلي عاصمة للخلافة الفاطمية قبل ما
يزيد على ألف عام سماها "القاهرة"، شيد لها سوراً عظيماً جعل له إحدى عشرة
بوابة، اندثرت منها سبع وبقيت أربع، من أشهرها "باب زويلة" الذي يفضي بك
إلى حي (الغورية)، أحد أحياء منطقة (الأزهر والحسين)، ويسمى الباب كذلك بـ"بوابة
المتولي" لأن موكب "متولي الحسبة"أو المحتسب كان يدخل إلى القاهرة ويخرج
منها عبره!
اختار عكاشة الغورية وتحديدا منطقة البوابة، ليطلق منها أحداث مسلسله
الجديد "أحلام في البوابة"، والذي يقول عنه: المسلسل يناقش فكرة تجريف
التاريخ المصري ومحاولة سرقته باستمرار. وليست مصادفة أن نقرأ ونسمع هذه
الأيام عن سرقة الآثار المصرية واغتيال الحاضر. المسلسل يكشف الفئة
المنحرفة التي تباشر هدم التاريخ المصري، ويطرح بالمقابل خياراً آخر هو
(ثقافة المقاومة)، ولذا اخترت باب زويلة موقعاً للأحداث، على هذا الباب شنق
آخر سلطان مملوكي في مصر (طومان باي ـ 1517) بعد أن خاض ومعه الشعب المصري
أبسل معارك المقاومة ضد الغزو العثماني. وحين جاء موعد شنقه طلب إلى
المصريين المتجمهرين حوله قراءة الفاتحة على روحه والاستمرار في المقاومة.
أتمنى أن يصل المسلسل بهذا المعنى إلى المشاهد العادي، والنهاية تركتها
مفتوحة لتطرح السؤال: هل يمكن أن نتخلى عن المقاومين حال سقوطهم وضياع
مشروعهم؟ المسلسل يحاول أن يذكرنا بروح المقاومة الثقافية التي اختفت بعد
حرب العبور تشرين أول ـ أكتوبر 1973، ولا أنكر أن المسلسل في هذا الإطار
يعرض لمواقف الحركات الناشطة التي ظهرت في مصر خلال العامين الماضيين مثل
حركة "كفاية" وغيرها من الحركات، التي سواء اتفقنا أو اختلفنا معها لا يمكن
أن ننكر أنها تعبر عن تطلع حقيقي للحرية، والمقاومة للفساد الداخلي والعدو
الخارجي المتربص بمصالحنا وأمننا وهويتنا.
ويضيف عكاشة: أعتقد أن الدراما التلفزيونية في المرحلة الراهنة ينبغي أن
تكون تحريضية، لتساهم في التغيير والإصلاح، وتدفع باتجاه فتح حوار أكبر حول
كل ملفاتنا الداخلية، وتفكك حالة السلبية لدى رجل الشارع العادي.، ويجب أن
يحرص الفن على إحياء روح المقاومة التي لا نزال نحتاج إليها ضد أمور كثيرة
في الخارج والداخل!
وعن موقف الرقابة تجاه المسلسل قال عكاشة: لم تتعرض الرقابة إلى الحلقات
بسوء إلى الآن، ليس لأنها منفتحة كما يتصور المتفائلون ؛ ولكن لأن الظروف
أكبر من "مقصّها". والتعرض للدراما السياسية الآن ليس في صالح النظام، وعلى
أية حال فإن أحدا لا يضمن عدم تدخل الرقابة في الحلقات في الأيام القادمة ؛
فربما ترى أن ثمة ما يجب حذفه من الحلقات .. ولكل حادث حديث!!
الثقافة الدموية
يقول السيناريست بشيرالديك عن ملسلسه "اماكن فى القلب" إنه صراع بين
ثقافتين: إحداهما تبدو متهمة طوال الوقت بالسلفية والإرهاب، وتقف دائما
موقف الدفاع عن ذاتها وتحاول باستماتة محو الصورة المغلوطة عنها، تلك
الصورة التي يرسمها لها المجتمع الأميركي، إنها الثقافة العربية المتماهية
مع الحضارة الإسلامية والتي يتهمها أهل النخبة الأميركية الحالية بالتوحش
والثقافة الدموية، إن كان للدم من ثقافة!!
والإشكالية ليست جديدة، فهي متأصلة بالعقلية الأميركية منذ ما قبل 11
سبتمبر، لكن هذا اليوم الرهيب كشفها وأطلقها من عقالها، وكرس لتجذرها في
الفكر الأميركي، والمسلسل يريد أن يصل إلى نتيجة تقول إن الثقافة الشرقية ـ
عموماً ـ رحبة وأقدر على تلبية الاحتياج البشري ـ مادياً وروحياً ـ من
الثقافة الغربية!
ويقول الديك: كان يجب أن تتم ترجمة المسلسل لكي تصل الرسالة إلى الجمهور
المستهدف ـ في الغرب ـ غير أن هذا لم يتم ؛ وهذه كانت مهمة الجهات المسؤولة
عن الإعلام في مصر، ولا يزال لديهم الوقت ليترجموا المسلسل، ويعاد بثه في
الغرب.. بخاصة أن الدراما أثبتت أنها قادرة على التسلل إلى أماكن كثيرة
تعجز عن الوصول إليها أدوات السياسة التقليدية أو الطرق الدبلوماسية!
وفي المسلسل مواقف درامية كثيرة تؤكد ضرورة ترجمته، مثلا البطل (هشام سليم)
يقول مرات عدة أنه ليس ضد المجتمع الأميركي وأنه من أشد أنصار الديمقراطية
الأميركية، كما يقول "أنا سامي ومساعدي يهودي، نحن لسنا ضد اليهود ولا ضد
اليهودية، لكننا ضد العنصرية التي يباشرها الإسرائيليون.." وأعتقد أن
المسلسل سوف يترجم حين يدرك المسؤولون أهمية فحواه .
نور الصباح
قضية الأسرى المصريين الذين قتلهم الجيش الصهيوني في حرب حزيران ـ يونيو
1967، تناولتها الصحافة المصرية كثيرا، لكن الفن لم يطرقها (باستثناء شريط
سينمائي وحيد هو "فتاة من إسرائيل" لمحمود ياسين وفاروق الفيشاوي ـ عرض
العام 2000 ـ عن قصة لمحمد المنسي قنديل عنوانها "ظل الشهيد" ..)، ولأول
مرة يقدمها السينارست "مجدي صابر" في مسلسل ليلى علوي الرمضاني الجديد "نور
الصباح" .
البطلة اسمها (نور الصباح) ـ ليلى علوي ـ مرشدة سياحية، استشهد شقيقها في
حرب حزيران 1967 بعد أن أسره الإسرائيليون وقتلوه على رمال سيناء. وتمر
السنون، وتفرض السياحة على نور الصباح التعامل مع الأفواج الإسرائيلية، وهي
لا تجد أية غضاضة في ذلك، خلال رحلاتها معهم إلى شرم الشيخ ونويبع ودهب
وطابا، لكنها تلتقي الجنرال الإسرائيلي الذي كان أمر بقتل أخيها ورفاقه
الأسرى في 1967، تلتقيه سائحا، ويغير هذا اللقاء حياتها!!
ويقول مجدي صابر: يتصدى المسلسل لمناقشة العلاقات بين مصر والدولة العبرية
على مستويين، والجديد أنهما مستويان شعبيان: الأول التطبيع بالسياحة،
والثاني ثأر الشهداء المصريين في 1967 وغيرها من الحروب.. وهما قضيتان
مسكوت عنهما. آن الأوان لمناقشتهما من دون خجل ولا مواربة. فإسرائيل لازالت
تتحصل على تعويضات مالية ضخمة من العالم، لقاء جرائم النازية بحق يهود
أوروبا، خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، فلماذا لا تفتح مصر
هذا الملف على أوسع نطاق، وتضرب المياه الآسنة بحجر كبير، وتحصل هي الأخرى
على تعويضات لأسراها المغدورين؛ ومن ناحية أخرى تكشف الوجه الحقيقي للتحضر
الإسرائيلي؟! إن مرارات الفقد في حلوق أسر شهدائنا لاتزال حاضرة تماماً،
برغم اتفاق السلام (1979)، والأغلبية العظمى من المصريين لايزالون ضد أي
تطبيع مع إسرائيل .. فلماذا نصمت على هذه القضايا ولا نفتحها؟
يضيف صابر: الدراما يجب أن تنير الطريق للجمهور؛ وإذا كان ثمة حديث واسع
النطاق عن الإصلاح الشامل في مصر، سواء ينطلق من الحزب الحاكم أو المعارضة،
فلماذا نتكلم عن أمور، ونسكت عن أمور أخرى؟ البعض يدعي أن فتح مثل هذا
الملف يشوش على العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية؛ لكنهم ينسون اعتبارين
أساسيين ؛ الأول أن هذه العلاقات رسمية فقط أما الدراما فهي تطرح كل قضايا
الشعب، والاعتبار الثاني أن دماء شهدائنا حق لا يسقط بالتقادم، ولا يحق
لأحد إنكاره أو المساومة عليه ولا تأجيله!
ويؤكد صابر: اعتمدت في كتابة هذا المسلسل على الوثائق الرسمية وشهادات
الشهود، والجامعة العربية وأمينها العام السيد "عمرو موسى" يتبنى ملف
الأسرى المغدورين منذ سنوات بحماس واضح.. وأعتقد أن "نور الصباح" هو
السابقة الأولى في مناقشة هذه القضية في الدراما التليفزيونية، ولكنها ـ
بعد المسلسل ـ لن تكون الأخيرة!!
المرسى والبحار
سبق للكاتب محمد جلال عبد القوي أن ناقش قضية العلاقة بين الشرق والغرب
وحوار الحضارات وصراعها في مسلسله "البر الغربي"، الذي عرض في شهر رمضان
أيضا قبل أربع سنوات، وقام ببطولته فاروق الفيشاوي ورغدة ونخبة من النجوم .
في (البر الغربي) أحب البطل المصري الصعيدي (الفيشاوي) سيدة انجليزية
(رغدة) فيما كانت قوات بلادها تحتل مصر، لكنه في "المرسى والبحار" يخرج من
مصر باحثا عن الحب مع الغرب في كل موانئ العالم، البطل (يحيى الفخراني) هو
الشرق، والموانئ جميعها في الغرب، على الشاطئ الآخر من المتوسط!!
يقول محمد جلال عبد القوي: العلاقة بين الشرق والغرب علاقة درامية أصلا،
فهي محتدمة طوال الوقت، حتى لو بدت هادئة من على السطح في بعض الأحيان.
الغرب يعترف كثيرا بولعه بالشرق، المكان والبشر والحضارة، ولكنه لا يتعاطى
مع الشرق ـ على أرض الواقع ـ إلا بمنطق الاستعلاء. فإذا اعترض الشرق كشر
الغرب له عن أنيابه وهو ما يطرحه هذا المسلسل "المرسى والبحار".
ويضيف عبد القوي: المسلسل يرى أن الغرب ينظر إلينا بدونية، ولكننا ـ وهذا
حاضر كذلك في المسلسل ـ أسهمنا في تكريس هذه النظرة. فنحن لا نعيد تقويم
تجاربنا ولا نحسن قراءة تاريخنا ولا نتعلم الدروس جيدا .. وأنا من خلال
المسلسل أطرح سؤالا: إذا كان الغرب في كتابات نخبته منذ العصور الوسطى وعصر
النهضة إلى اليوم يعترف بفضل الحضارة العربية الإسلامية عليه، وتغذيتها
إياه بمقومات النهضة، فلماذا ينظر إلينا بدونية واستعلاء؟
ويؤكد عبد القوي: أشاهد مسلسل "أماكن في القلب" الذي يناقش القضية نفسها
وهو مسلسل جيد جدا، لكنه يختلف عن "المرسى والبحار" في كونه يقصر نقاشه
لقضية الشرق ـ الغرب على أميركا فقط، ويشترك المسلسلان في كونهما صادفا
المشكلة ذاتها، وهي افتقادهما الترجمة إلى الانجليزية، وبالتالي صعوبة وصول
رسالتهما إلى الجمهور المستهدف بهذه الدراما، المشاهد الغربي.
ويركز عبد القوي في حديثه على دور الدراما في المرحلة القادمة فيقول:
السياسة هي كل شيء في الحياة، تبدأ من رغيف العيش ورشفة الماء وتصل إلى
ساحات الحرب، فكيف لا تتصدى لها الدراما إلا نادرا؟ هل هو عجز من الكتاب أم
إنه تعنت رقابي؟ الباب الآن مفتوح للكتابة السياسية، والمناخ العام في مصر
الآن صار إيجابياً أكثر من ذي قبل، وكثير من القضايا صار الكلام فيها
مباحاً، فلماذا نسكت عن الكلام المباح مادام سياف شهريار غائباً؟ الدراما
على العكس من الطرق السياسية والدبلوماسية تنفذ إلى الوجدان، أطهر بقعة في
النفس، مادامت دراما صادقة، والفنان الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا صادقا،
والجمهور ينتظر دراما جادة وصادقة تواكب المتغيرات المحلية والعالمية، ولم
تعد ثمة مساحة متاحة للضحك عليه بدراما ساذجة مترهلة!
|