كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كان السينمائي في دورته الحادية والستين افتتح أمس

دورة تحبط التكهنات وتميل إلى ما هو متناه كبراً وصغراً

كانّ ـــ من هوفيك حبشيان

مهرجان كان السينمائي الدولي الحادي والستون

   
 
 
 
 

المراهنة على دم جديد وسير ذاتية والإنتماء إلى وطن السينما

ستة وتسعون بلداً حاولت الوصول الى "مهرجان كانّ" في دورته الحادية والستين. نحو الثلثين من هذه البلدان لم يحالفهما الحظّ للمثول في المهرجان السينمائي الاعرق في العالم. تلقّى المبرمجون 1792 فيلماً طويلاً من القارات الخمس، لم يختر منها الامين العام للمهرجان ومديره الفني تييري فريمو الاّ عشرة في المئة تقريباً توزّعت على النحو الآتي: 57 فيلماً طويلاً تمثل 31 بلداً، 22 منها في المسابقة الرسمية والباقي في أقسام مختلفة، في مقدّمها "نظرة ما"، التي تحتل المرتبة الثانية في تظاهرات كانّ من حيث الاهمية، بعد نخبة الافلام التي ستتسابق، بدءاً من اليوم الى 25 أيار، لنيل جائزة "السعفة الذهب". منذ البدء، لم تخفِ الادارة رغبتها في "التقليل من عدد الافلام المعروضة، كي يكون لها مجال أوسع للعيش". لم يكن تجميع كل هذه العناوين السينمائية، في زمان واحد ومكان واحد، مثل نزهة يوم أحد، بحسب المسؤولين جيل جاكوب وتييري فريمو، اللذين ضاعا، طوال الاشهر الماضية، في متاهات تطبيق نظرياتهما السينمائية المعهودة على الواقع السينمائي. فكان على المصالح أن تلتقي وتتناغم أيضاً. اذ كان على النوعية أن تتفاهم مع التوقيت والجهوزية، وعلى الكمية الا تضايق المراعاة الجغرافية. كذلك على السياسة الا تذر الرماد في عيون الفن. وأخيراً كان على الفيلم أن يكون مدموغاً بعلامة كانّ الفارقة.

من أجل هذا كله، تم تأجيل موعد اعلان برنامج الاختيار الرسمي نحواً من اسبوع عن موعده المقرر. من هنا راحت التكهنات تزداد، وبدأت الشائعات الصحافية تشق طريقها: هل من مشكلة في كانّ؟ ما سبب الارباك والتأخير في عقد المؤتمر الصحافي؟ لكن، مَن كان يتهيأ ليمنح عجالته عنواناً من مثل "تمخض الجبل فولد فأراً"، عند اعلان البرنامج، فكّر مرتين وأعاد حساباته عندما اكتشف أن الاسماء الكبيرة تعود لتحتل الصدارة مرّة أخرى، على رغم أن اكثرية المتابعين كانوا يتوقعون دورة باهتة واضطرارية وروتينية بعد طبعة العام الفائت "المبكّلة" في أكثر من جانب. وكنا تساءلنا مراراً بشيء من الاستخفاف والقلق: مجمل ما كان ينبغي أن يُعرض من اعمال كبيرة لسينمائيين كبار قد عُرض في دورتَي كانّ والبندقية الماضيتين. فأيّ قبر سينمائي على تييري فريمو نبشه ليجد أفلاماً تعد بمفاجآت سارة؟ لكن، ضربة المعلم لجاكوب وفريمو أحبطت كل الاستنتاجات، وبدا اعدادهما المتماسك والرصين أولى مفاجآت هذه الدورة.

 القطار فات الكبار

اذاً، هي دورة متنوعة تذهب الاشياء فيها في اتجاهات متعاكسة. دورة متشكلة من اسماء مكرسة لم يعد لها شيء لتثبته، وأخرى ليست هنا الاّ لتثبت قدرتها على صناعة فنّ كبير. وليس "مهرجان كانّ" شيئاً من دون هذا اللقاء المتواصل، عاماً بعد عام، بين هذين الطرفين: طرف يصنع كانّ، وطرح يصنعه كانّ. هي أيضاً دورة تميل الى ما هو متناهٍ في الكبر وما هو متناهٍ في الصغر. فحتى قبل أن نعاينه، نعلم ان لا شيء أكثر اختلافاً من ملحمة "تشي" لستيفن سادربرغ الاّ "القرود الثلاثة" للسينمائي التركي نوري بيلجي سيلان الذي يعيد الغوص في حميميات العائلة، استناداً الى اسطورة القرود الثلاثة، الاعمى والاصم والابكم. وما "مهرجان كانّ" الاّ هذا الوسيط الذي يسعى الى وصل أقصى طرفي السينما أحدهما بالآخر.

انطلاقاً مما أعلنه فريمو في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في 23 نيسان، فإن بعض السينمائيين الذين يشاركون باستمرار في هذا العرس السينمائي سواء بأفضل ما انجزوه أو بالأسوأ، من امثال كين لوتش، بدرو ألمودوفار، ستيفن فريرز، كوانتن تارانتينو، لارس فون ترير أو ونغ كار - واي، والذين للمهرجان فضل كبير عليهم (العكس أيضاً صحيح)، لن يأتوا بأفلامهم هذه السنة، ليس لسبب استراتيجي ما، انما لان "قطار" المهرجان فاتهم هذه المرة، ولم يكن جديدهم جاهزاً في الوقت المناسب. وهذا ما حصل مع الاخوين كووين اللذين ورد اسماهما على لائحة المرشحين، قبل أن نعلم انهما سيذهبان الى البندقية (علماً ان من المستغرب عدم عرض فيلم المخرج الاسوجي روي أندرسون، اذ يصدر بعد اسبوع من ختام المهرجان). بيد أن أمثال تارانتينو وكار - واي سيأتيان الى الـ"كروازيت" حتى من دون بكرات جديدة تحت ابطيهما. فالاول سيلقي "درس السينما" الشهير، والثاني سيعرض، ضمن تظاهرة "عروض خاصة"، نسخة معدّلة لفيلمه "رماد الزمن"، الذي يُعتبر من كلاسيكيات السينما الآسيوية.

 العائد بعد خمس سنوات

في مقابل هذين، تغزو كانّ كوكبة من السينمائيين، سبق أن شاركوا في تظاهراته وعادوا منها سواء بجائزة أو لا. فهناك الاخوان داردين، اللذان نالا "السعفة الذهب" مرّتين من خلال فيلمهما "الطفل" و"روزيتّا"، وسيقدّمان هذه السنة "صمت لورنا"، على خلفية حبّ وجريمة وابتزاز. لبلجيكا تمثيل جيّد من خلال أفلام واعدة في "اسبوعا المخرجين" و"اسبوع النقاد". هناك أيضاً آتوم ايغويان، المشارك بـ"عبادة"، هذا الذي لم يفوّت دورة واحدة الاّ شارك فيها، سواء بتحفة أو بتجريب سينمائي غير موفق، يغوص هذه المرّة في عالم الانترنت.

هناك أيضاً كلينت ايستوود، العائد الى الريفييرا بعد غياب خمس سنوات، الذي فاجأ الجميع بجهوزية فيلمه الجديد، "تبديل" (من تمثيل انجيلينا جولي وجون مالكوفيتش)، والذي أرسل نسخة منه الى ادارة المهرجان في الدقيقة الاخيرة. بحسب فريمو، فإن قرار ضمّه الى المسابقة الرسمية اتُخذ فيما كان ايستوود لا يزال في غرفة الميكساج. مقتبس من حادثة عرضية جرت عام 1928، يروي الشريط قصة امرأة (جولي)، تسترجع طفلها المخطوف، لكن سرعان ما تدرك أن هذا الطفل ليس لها. من المشوّق هنا ان نرى كيف سيتعامل رئيس لجنة التحكيم شون بن مع فيلم ايستوود، وهو الذي لعب تحت ادارته ويعتبر نفسه من سلالته السينمائية؟ وهل يلتفت كانّ الى عميد السينمائيين المشاركين في المسابقة، عشية بلوغه الثمانين، والذي لم يحصل على أيٍّ من الجوائز في آخر مشاركة له في هذا المهرجان؟

اضافة الى ايستوود، تتمثل السينما الاميركية بثلاثة أفلام أخرى: "عاشقان" لجيمس غراي الذي كان آخر من كنا ننتظره هذه السنة على الـ"كروازيت"، كونه ينجز فيلماً جديداً مرّة كل سبعة أعوام وكان شارك في المسابقة الرسمية العام الماضي بتحفته البصرية "الليل لنا". أما الاميركي الثاني فليس سوى كاتب السيناريو الذائع الصيت تشارلي كوفمان، الذي يتحوّل الى الاخراج مع باكورته "سينيكدوك، نيويورك"، بعدما عثر على اسلوب خاص لمخاطبة حفنة من السينيفيليين في أفلام مثل "أن تكون جون مالكوفيتش"، "اقتباس" و"أشعة شمس أبدية على عقل ثاقب". مع محاولته الاخراجية الاولى هذه، يعود كوفمان الى تيمته الاثيرة، أي أزمة الكتابة في الازمنة الحديثة، من خلال ما يعيشه مخرج مسرحي محبط (فيليب سايمور هوفمان) حين يباشر إعادة إحياء مدينة نيويورك في... سوبرماركت، بطريقة مطابقة جداً للواقع!

وتُختتم الحصة الاميركية بالفيلم الملحمي، "تشي"، بساعاته الاربع، الذي أنجزه ستيفن سادربرغ، أحد اكثر السينمائيين الاميركيين غير المنضوين تحت لواء السوق والعرض والطلب والعقلية الهوليوودية. نراه يتنقل باستمرار من مشروع تجاري (سلسلة الـ"أوشن") الى شيء أكثر حميمية وشخصانية (Bubble مثلاً)، وقد يكلل هذا النهج بمشروعه الطموح جداً عن قائد الثورة الكوبية، تشي غيفارا، وربما يستحق عنه جائزة ما، بعد نحو عشرين عاماً على نيله "السعفة الذهب" عن فيلمه الاول "جنس، أكاذيب وفيديو"، هنا في المكان نفسه. يأتي الفيلم في جزءين، الاول المعنون "الارجنتين"، يصوّر كيفية تحوّل تشي الى ثائر عام 1956 اثر عملية انقلاب باتيستا التي شارك فيها مع فيديل كاسترو. أما الثاني، "الثوار"، فيرافق تشي في مغامراته البوليفية، حيث كان يخطط للانطلاق في ثورته اللاتينو - أميركية. ثورة لم تحصل البتة.

فضيحة اسرائيلية ودم جديد

ممّا لا شكّ فيه أن الفيلم الاكثر غرابة في هذه الدورة هو "فالس مع بشير" (الاسم يدل على الرئيس اللبناني سابقاً) للمخرج الاسرائيلي آري فولمان الذي أتمّ هذا الشريط التحريكي استناداً الى كتاب BD له، وينطلق من ذكرياته الخاصة حين كان عسكرياً تحت أمرة أرييل شارون. حينها عاش ورأى الفظاعات، وها هو يجيء بشهادة سينمائية ليقول ما ارتكبته اسرائيل ومعها لبنانيون في مجزرة صبرا وشاتيلا، التي حاولت الدولة الصهيونية طمسها، بشتى الاساليب، طوال سنوات. "هذه القصّة قصتي، وقررت أن أرويها بعد 20 عاماً". ولم يعد سراً ميل كانّ الى المرافعات والفضائح السياسية المركّبة. وثمة احتمال في هذه الدورة ان يلقى "فالس مع بشير" المصير الذي لقيه "بيرسيبوليس" لمرجان ساترابي في الاشهر التي تلت عرضه في كانّ.

مخرج آخر، ليس أقل تسييساً، هو البرازيلي والتر ساليس، يعود الى كانّ مع "خطّ المرور"، الذي انجزه بالاشتراك مع دانييلاّ توماس. والحقّ ان منطقة اميركا اللاتينية حاضرة بقوة في هذه الدورة، وهي ذات تميز، ذلك ان أحد أبنائها المدللين، البرازيلي فيرناندو ميرييّس (صاحب "مدينة الله"، و"البستاني المثابر") مُنح شرف أن يفتتح أمس، الدورة الحادية والستين بفيلمه الجديد "عمى"، بعدما كانت مجلة "فرايتي" أكّدت مراراً وتكراراً أن الافتتاح سيكون من نصيب الجزء الرابع والمنتظر جداً من مغامرات "انديانا جونز" لستيفن سبيلبرغ، الذي سيكون عرضه التمهيدي الخاص الاحد 18 الجاري، وعلى أثره سينزل الى الاسواق العالمية. أميركا اللاتينية تشارك أيضاً بفيلمين آخرين، هما "ليونيرا" للارجنتيني بابلو ترابيرو و"المرأة البلا رأس" للارجنتينية الاخرى لوكريسيا مارتيل. فيلمان رهن الاكتشاف لأن كانّ هو أيضاً مكان لا يتصارع فيه نمطان أو أكثر من السينمات، انما جيلان من المخرجين وكتّاب السيناريو والممثلين، علماً ان كفة الادارة مالت هذه المرّة الى الدم الجديد، اذ ان ثمانية من أصل 22 في المسابقة الرسمية، تشارك فيها للمرّة الاولى.  

 النهضة لن تتحقق

لا تشارك بريطانيا في المسابقة الرسمية هذه السنة. وهذا ما يحصل عندما يُطلب آخر فيلم لمايك لي من مهرجان آخر (برلين)، ويأخذ كلٌّ من ستيفن فريرز وكين لوتش استراحة قصيرة، متسببين بالعار لسينماهما الوطنية التي تنتج الكثير، لكن يعلق القليل منه في الذاكرة. في مقابل هذا الغياب البريطاني الذي كان شبه متوقع، هناك تراجع كمّي للافلام الآتية من أوروبا الشرقية. فبعد "سعفة" 2007 التي ذهبت الى رومانيا وكل الكلام الذي قيل في شأن نهضة ما تشهدها البلدان التابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي، لا نرى في مسابقة هذه السنة الاّ فيلماً واحداً ووحيداً مصدره واحد من تلك البلدان، وهو الشريط المجري "دلتا" لكورنيل موندروكز. سقطت روسيا واسوج واسبانيا وبلدان افريقيا الجنوبية والشمالية (هذه القارة غائبة تماماً عن التظاهرات الرسمية والموازية)، من خريطة كانّ، في دورة قد يكون الابهى والاجمل والاسمى فيها مخبأ في طيّات التظاهرات المحاذية او في اسماء لا تُعرَف الاّ لحظة الاكتشاف والولادة.

بعد دورتين خيّبت فيهما السينما الفرنسية ظنّ النقّاد الاجانب، تقترح الادارة ثلاثة أسماء لها مكانتها المميّزة في فرنسا اليوم. اسماء لنقل انها جديرة بأن تمثل الاتجاهات الجديدة للسينما الفرنسية بين الحداثة والتقاليد المتجذرة. ولمناسبة الاحتفاء بالذكرى الاربعين لثورة أيار 68، تتحوّل مشاركة المخرج المخضرم فيليب غاريل (60 عاماً) بفيلمه الجديد "حدود الفجر"، الى نوع من التفاتة وتكريم، ولا سيما ان مسار الرجل القدير انطلق في زمن الموجة الجديدة الفرنسية، وهو الى الآن، أحد الفرنسيين القلائل لم يتسلقوا ادراج كانّ الحمر. علماً انه تطرّق الى حوادث أيار 68 في فيلمه البديع "العشاق المنتظمون".

الى غاريل، سيكون هناك لوران كانتيه مع "بين الجدران"، وأرنو ديبليشان بـ"حكاية ميلادية"، فحبذا أن ينقذا "شرف" البلد المستضيف الذي لم ينل "السعفة" منذ عام 1980. أما ايطاليا فتعوض غيابها العام الماضي وضآلة المشاركة في الاعوام الفائتة، بشريطين: "غومّورا" لماتيو غاروني و"ايل ديفو" لباولو سورينتينو. الاخير لا تنقصه لا الجرأة ولا الحرفة في صناعة سينما ايطالية كبيرة، تكون جديرة بتاريخها المجيد، ولا سيّما ان سورينتينو يعود الى كانّ بفيلم سياسي هو بورتريه عن أحد أكثر الشخصيات السياسية جدالاً في ايطاليا: الديموقراطي المسيحي جوليو اندريوتي. لكن هذا الصخب كله لن يعتّم على جديد المخرج الالماني القدير فيم فاندرز، "تصوير في باليرمو"، الذي قصد المدينة الشهيرة الواقعة في صقلية، بعد تسكعاته في الغرب الاميركي.

 الانتماء الى وطن السينما

لا مهرجان سينمائياً يعتبر السينما لغة القرن الحادي والعشرين، الاّ وهو محكوم بتسليط الضوء على سينمات الشرق الاقصى. علماً أن حضور هذه المنطقة من العالم المنتعشة حالياً ليس قوياً، كما كانت الحال في الدورات السابقة، أقله في المسابقة الرسمية، حيث لا وجود هذه المرّة لبلدين سينمائيين كبيرين، هما اليابان وكوريا. في النتيجة، لم تكن هناك اسماء مكرّسة من الشرق الاقصى. مع ذلك فإن المشاركين الثلاثة أثبتوا طاقة هائلة في تحريك عجلة السينما الآسيوية، ولعل انتقال بعضهم الى اعلى منبر دولي للسينما لا يمكن أن يترجم الا برغبة الادارة في تبني وجهة نظرهم السينمائية، وسط مزاحمة برلين والبندقيّة لـ"مهرجان كانّ" على المواهب الناشئة والواعدة. وهذه حال النابغة الصيني جيا زانكي، الذي يعود الى نزواته المعتادة في تصوير المدن وتحولاتها، في "24 مدينة"، ويختار كانّ، للانطلاقة الثانية له، بعدما حصلت الاولى في البندقيّة قبل نحو عامين. من خلال ثلاثة أجيال وثماني شخصيات، يرسم زانكي بورتريهاً نوستالجياً لبلد اسمه الصين، تائه بين الاشتراكية والرأسمالية. من المنطقة نفسها يأتينا أيضاً كلٌّ من السنغافوري أريك كو، بـ"سحري"، وهو الذي سبق أن سحرنا بـ"كن معي"، وايضاً بريانت مندوزا بـ"سربيس"، هذا الذي يسطع نجمه، فيلماً بعد فيلم، ومهرجاناً بعد مهرجان! كلاهما ينتقل الى المسابقة الرسمية بعدما اشتد عوده في أقسام اخرى من كانّ. وختاماً، لن يبقى للاميركي باري ليفينسون الاّ أن يتساءل "ما الذي حدث فعلاً؟" (هذا عنوان فيلمه الجديد مع  روبرت دو نيرو، الذي اسندت اليه مهمة تسليم "السعفة")، والجواب سنعرفه في آخر المهرجان.

من الافلام المنتظرة في كانّ، خارج المسابقة الرسمية، وتحديداً في قسم "نظرة ما"، هناك العمل الجماعي "طوكيو!" المصنوع بأياد ثلاث (بونغ جون هو، ليو كاراكس، ميشال غوندري). للوهلة الاولى، لا شيء يوحي أن الفيلم يندرج في سلّم الاولويات، سوى أنه يساهم في اخراج ناسك السينما الفرنسية، ليو كاراكس، من عزلته الاختيارية، بعد تسع سنوات على فيلمه الاخير "بولا أيكس"، وهذا السبب وحده كافٍ لمشاهدته. عناوين أخرى في القسم ذاته، تجذب المشاهدين لسبب أو لآخر، وكثيراً ما تكون هذه الاسباب سطحية الى حدّ كبير.

وعليه، ثمة فيلمان عربيان في هذا القسم هما: "بدّي شوف" للثنائي اللبناني خليل جريج وجوانا حاجي توما اللذين استعانا بالممثلة الفرنسية كاترين دونوف في جولة ارتجالية في الجنوب اللبناني غداة حرب تموز 2006 برفقة الممثل ربيع مروة الذي راح يبحث عن بيت جدته، حيث اسئلة ضرورية من مثل "كيف نصوّر حرباً مثل تلك التي وقعت؟"، وأخرى أكثر سذاجة تنمّ عن عدم اعتبار للغة السينما: "كيف نتابع صناعة الافلام والايمان بالسينما بعد كل هذا؟" (!؟). في كل حال، لننتظر. أما الفيلم العربي الآخر، في هذا القسم الذي يترأس لجنة تحكيمه المخرج التركي فاتح أكين، فيحمل الهوية الفلسطينية، وهو من أخراج آن - ماري جاسر في عنوان "ملح البحر". على رغم ان تمويله فرنسي، فمن ايجابيات كانّ انه لا يأخذ الاّ هوية المخرج في الاعتبار، في عصر سينمائي لم يعد الانتماء الى مكان ما مهماً، بقدر أهمية الانتماء الى وطن السينما.

وطن السينما هذا هو الملاذ المفضّل للسينمائي النيويوركي الكبير وودي آلن، الذي قرر الاّ يستريح بين فيلمين، فيجيئنا هنا بـ"فيكي كريستينا برشلونة" الذي يسبقه صيته الفضّاح حتى قبل وصول البكرات الى كانّ، والسبب فضيحة محتملة، بحسب "واشنطن بوست"، تتحدث عن وجود مشاهد ساخنة بين بينيلوبي كروز وسكارليت يوهانسون (مرةّ ثالثة في ادارة المعلّم)، وهو شيء لم يعوّدنا إياه صاحب فيلم "كل ما أردت ان تعرفه دائماً عن الجنس من دون ان تجرؤ قط على السؤال عنه"، في أيٍّ من اعماله السابقة. ويبدو أن آلن مستمر في مرحلته الاوروبية الكئيبة، مع قصة تجري في برشلونة عن فنان تشكيلي يغوي سائحتين أميركيتين.

في مرمى السياسة

خارج المسابقة، سنطّلع أيضاً على "الجيّد، الشرير والابله" لكيم جي وون، الذي يشير العنوان الى انه محاكاة أو نوع من تنويعة هزلية لشريط سيرجيو ليوني الشهير، إحدى أهم كلاسيكيات الوسترن السباغيتي. ويُدرج في ما يسمّى "عروض خاصة"، ستة افلام، منها جديد أبيل فيرارا، "شيلسيا على الثلج"، وآخر ما أنجزه المخرج الايطالي ماركو توليو جيوردانا، الذي كان واعداً غداة انجازه ملحمته الاسرية البديعة "سنواتنا الفضلى"، ولا يسعنا الاّ ان نتأمل ان يكون استعاد إلهامه مجدداً في هذا الفيلم من بطولة مونيكا بيللوتشي، في عنوان "دم مجنون"، الذي يغوص بنا بين الفاشيين الايطاليين في زمن الحرب العالمية الثانية.

في دورة مزنرة بالسير الذاتية (تشي غيفارا، بولانسكي، اندريوتّي، بوبي ساندز، مايك تايسون، الخ...)، يأتينا أمير كوستوريتسا، الحائز "السعفة" مرّتين، وفي قسم "عرض منتصف الليل" (حيث أيضاً فيلم لابنة ديفيد لينش، جنيفر)، بوثائقي عن اسطورة الكرة الارجنتينية دييغو مارادونا، سيكون له تأثير ما في المشاهدين. هذا الفيلم المعنون "مارادونا لكوستوريتسا"، يعده صاحب "زمن الغجر" منذ زمن بعيد، وهو نابع من الحب الذي يكنه المخرج اليوغوسلافي للاعبه المفضل، ولن يكون حالياً عن المضمون السياسي، وخصوصاً ان كوستوريتسا يقول عن مثاله الرياضي الاعلى: "انا من الذين ابهجهم كثيراً الهدفان اللذان سجلهما مارادونا ضد المنتخب الانكليزي عام 1986. هذه المباراة كانت ربما المرة الاولى والاخيرة تحققت فيها العدالة في العالم" (!).

 

أفلام المسابقة الاثنان والعشرون (الاختيار الرسمي)

• "عمى" لفيرناندو ميرييّس (افتتاحاً).

•"بين الجدران" للوران كانتيه.

•"القرود الثلاثة" لنوري بيلجي سيلان.

•"صمت لورنا" لجان - بيار ولوك داردين.

•"حكاية ميلادية" لأرنو ديبليشان.

•"تبديل" لكلينت ايستوود.

•"عبادة" لآتوم أيغويان.

•"فالس مع بشير" لآري فولمان.

•"حدود الفجر" لفيليب غاريل.

•"غومورا" لماتيو غارونيه.

•"عاشقان" لجيمس غراي.

•"24 مدينة" لجيا زانكيه.

•"سينيكدوك، نيويورك" لتشارلي كوفمان.

•"سحري" لأريك كوو.

•"المرأة البلا رأس" للوكريسيا مارتيل.

•"سربيس" لبريانت مندوزا.

•"دلتا" لكورنيل موندروكزو.

•"خطّ المرور" لوالتر ساليس ودانييلاًّ توماس.

•"تشي" لستيفن سادربرغ.

•"ايل ديفو" لباولو سورينتينو.

•"ليونيرا" لبابلو ترابيرو.

•"تصوير في باليرمو" لفيم فاندرز.

•"ما الذي حدث فعلاً؟" لباري ليفينسون (ختاماً - خارج المسابقة).

أعضاء لجنة التحكيم التسعة (المسابقة الرسمية)

شون بن، ممثل ومخرج وكاتب سيناريو أميركي.

جان باليبار، ممثلة فرنسية.

ألكسندرا ماريا لارا، ممثلة ألمانية.

ناتالي بورتمان، ممثلة اسرائيلية- أميركية.

مرجان ساترابي، مؤلفة ومخرجة ايرانية.

رشيد بوشارب، مخرج فرنسي (جزائري).

سيرجيو كاستيلليتو، ممثل ومخرج وكاتب سيناريو ايطالي.

ألفونسو كوارون، مخرج مكسيكي.

أبيشاتبونغ فيراسيتاخول، مخرج تايلاندي.

 

خارج الكادر

تظاهرة من عمر "ثورة أيّار"!

إحدى أهم تظاهرات مهرجان كانّ غير المتبارية، "اسبوعا المخرجين"، تحتفي هذه السنة بالذكرى الاربعين لتأسيسها. أي أن عمرها من عمر "أيار 68". "اسبوعا المخرجين" هي، بشكل أو بآخر، وليدة هذه الثورة التي أدّت الى تأسيس "جمعية السينمائيين الفرنسيين"، وأيضاً الى بلورة فكرة أن يكون هناك في كانّ قسم موازٍ، يعود حق اختيار الافلام المشاركة فيه الى السينمائيين وليس الى جهات رسمية تابعة لكل بلد، على ما كانت عليه آلية الانتقاء آنذاك. "السماح للافلام كافة أن تكون"، هذا هو الشعار الذي كان يُرفع غداة "ثورة أيار" التأسيسية. ثم ان الكبار مرّوا من هنا: أوشيما، هيرزوغ، فاسبيندر وجارموش الذي يكرّم في هذه الدورة. واليوم بعد أربعة عقود لا يزال هذا العقل النضالي الستيني يهيمن على جوانب عدّة من هذه التظاهرة، وإن كان مديره أوليفييه بير، رجلا أنيقا يلّف الجوار ببذلته البيضاء، ولا تبدو على وجهه علامات الشقاء والمعاناة! ومنعاً من أن تمر هذه المناسبة مرور الكرام، أنجز أوليفييه جاهان فيلماً عنوانه "40 × 15" يُعرض خلال الدورة الحالية. تليه سلسلة تكريمات لهذا القسم في مختلف انحاء القارات الخمس.

تظاهرة "اسبوعا المخرجين" شأنها شأن الاختيار الرسمي، تلقت هذه السنة، مثل كل عام، كماً هائلاً من الافلام. أكثر من 2000 فيلم، بين قصير وطويل، لم يُقبل منها في المحصلة الاّ 22، ثلثاها لمخرجين يشاركون في كانّ للمرّة الاولى. ثمة سطوة فرنسية على برنامج هذه السنة (5 أفلام)، وأيضاً أوروبية وأميركو - لاتينية، في مقابل شبه غياب للسينما الاميركية التي تتمثل بشريط واحد ووحيد، مع ميل ملحوظ الى الافلام التي تردم الهوة بين الوثائقي والروائي، وهذه ظاهرة تتخطى "اسبوعا المخرجين" لتكون سمة أكثرية الاقسام.

ولن يكون الافتتاح بفيلم عادي، اذ سيُعرض "أربع ليالٍ مع آنا" للمخرج البولوني المخضرم جيرزي سكوليموفسكي، الذي يعود خلف الكاميرا بعد ابتعاد 17 عاماً. ومن الافلام المشاركة في هذا القسم، آخر اعمال أحد رموز الموجة الجديدة الرومانية، رادو مونتين، الذي يقدّم "بوغي"، مصحوباً بالمخرج المنبوذ جماهيرياً البرتو سيرّا الذي يقترح "لحن الطيور". وتقترح تظاهرة "اسبوعا المخرجين" الى مائدتها كلاً من الايراني سامان سالور والفرنسي من أصل مغربي رباح عمار - زعيمش، وكلير سيمون التي نأمل أن يكون عاد اليها الالهام بعد فيلم متواضع فنياً، "يحترق"، قبل نحو سنتين.

7×7 = اسبوع النقّاد

"اسبوع النقاد الدوليين"، وهو أقدم التظاهرات المحاذية، يقترح هذه السنة باقة من الاعمال الاولى والثانية لمخرجين اختارهم مدير هذا القسم، جان - كريستوف بيرجون، بإلمام كبير بالتفاصيل الفنية، وخياراته المتطرّفة التي كثيراً ما جذبت اليه الانتقادات اللاذعة. تتضمّن المسابقة الرسمية سبعة أفلام قصيرة وسبعة طويلة، سيعاد عرضها بالكامل، للسنة الثالثة على التوالي، في صالة "متروبوليس".

وثمة لقاء مثير جداً سيجري على هامش هذه التظاهرة، محوره السينما والسياسة وارتباط الواحدة بالثانية، يضم الارجنتيني فيرناندو سولاناس، الفلسطيني هاني أبو أسعد والفرنسي رومان غوبيل، الذي أنجز واحداً من الافلام النادرة تجري حوادثه في سياق ثورة أيار 68...   

النهار اللبنانية في 15 مايو 2008

 
 

بداية مميزة ناجحة لمهرجان كان

فيلم اسرائيلي عن بيروت عام 82 يثير جدلاً

قصي صالح الدوريش من كان

في بداية مميزة انطلقت فعاليات مهرجان كان السينمائي بعرض فيلم Blindness. وقد حرص القائمون على المهرجان أن يكون فيلم الافتتاح من ضمن الأفلام المتنافسة في المسابقة الرسمية على السعفة الذهبية وليس فيلما استعراضيا خارج المنافسة كما جرت العادة في السابق، وكأنها أرادت بذلك الدخول في جو المهرجان منذ العرض الأول. وقصة فيلم "العمى" من إخراج البرازيلي الشهير فرناندو ميريل مستوحاة من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب البرتغالي خوسية ساماراجو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1998 وهو يضم مجموعة من الممثلين في مقدمتهم جوليان مور ومارك روفالو وداني كلوفر وجائيل غارسيا برنال. لكن العناصر المميزة للرواية وللنجوم وللمخرج لم تكن كافية لكي يحقق الفيلم التألق المنتظر، إذ جاء السيناريو ضعيفا إلى حد ما، رغم أنه يقدم فكرة عامة بسيطة جدا وهي فكرة جميلة من حيث المبدأ لكنها لم تتطور بالشكل الذي يعطي الفيلم والإخراج أسلوبا مميزا خاصا.

فيلم Blindness تدور حول وباء يصيب مجموعة من الناس يفقدهم البصر وتقرر السلطات وضعهم في حجر صحي داخل أحد المستشفيات المهجورة وبرفقتهم مبصر وحيد أو مبصرة هي زوجة الطبيب الذي تجسد دورها الممثلة جوليان مور. وتتطور العلاقات بين شعب العميان الذين تسير حياتهم قوة خفية تحرمهم حريتهم لكي تتحول إلى عنف ينتهي بثورة للتحرر من سواد أو بياض عماهم وهو ما يتحقق لهم في النهاية بقيادة زوجة الطبيب. هل السيناريو عبارة عن تصور محدود للرواية؟ وهل يمكن أن تكون هذه الرواية مجرد فضاء مفتوح غير محدد التفاصيل والظلال؟ أسئلة تطرح نفسها بعد مشاهدة هذا الفيلم، لحسن الحظ تألقت جوليان مور في أداء ناضج وصعب بينما ظل مستوى باقي الممثلين متوسطا وخصوصا روفالو وجائيل غارسيا برنال.

أيا كان الأمر لا يخفف مستوى هذا الفيلم المتوسط من الانطلاقة الناجحة للمهرجان في دورته الحادية والستين، خصوصا وأن العرض الثاني كان للفيلم الإسرائيلي "فالس مع بشير" للمخرج آري فولمان الذي قدم في إطار فيلم وثائقي صور بالاعتماد على الرسوم المتحركة حكاية عايشها شخصيا، يستعيد عبرها بيروت الغربية إبان اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982. ويعرض بجرأة لم نعهدها في السينما الإسرائيلية أو حتى في الأفلام العربية التي تناولت المأساة الفلسطينية حجم الظلم الذي وقع على الفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا، مع أن هذا الفيلم لا يتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني بل العسكريتاريا الإسرائيلية كما عايشها أثناء تجربته حين شارك في غزو لبنان وفي المعارك المدمرة التي واكبته. لكن التجربة التي هزته تمثلت في حضوره مع بعض زملائه العسكريين أمام تجمع المدنيين الفلسطنيين في صبرا وشاتيال، حيث وقعت مجزرة المخيم التي نفذها مقاتلون من حزب الكتائب وبمراقبة وحماية الإسرائيليين. ونتابع خلال الأحداث أحد الجنود يحاول الاستفسار من آرييل شارون عما يجب القيام به أثناء المذبحة، فيتجاهل هذا الأخير السؤال ويتبين له أن الأحداث تجري برعاية القيادة العسكرية الإسرائيلية. منذ تلك الحادثة، أصبح بطل الفيلم ومخرجه أسير ذكريات أصبحت بشكل أو بآخر جزءا من المذبحة التي شهدها والتي أصبح بالتالي شريكا فيها. وفي أحد المشاهد يظهر كيف تحول الفلسطينيون الذين يبكون موتاهم من الحزن إلى المواجهة والتحدي. وبغض النظر عن هوية الجناة والجهة التي ينتمون إليها يظهر الفيلم مجزرة مريعة مؤثرة ومثيرة للصدمة.

"فالس مع بشير" لا يسعى إلى إدانة مجرمي صبرا وشاتيلا فهذا أمر معروف ومطروح للنقاش، أهمية الفيلم أنه يدين المنطق العسكري الإسرائيلي والفاشية التي تجلت من خلال المجزرة فاشية من نفذها ومن رعاها. أحداث تلتها عملية اغتيال الرئيس بشير الجميل الذي يصفه الإسرائيليون في الفيلم بقوله "الأخ بشير"، علما بأن الفيلم لا يعرض شيئا من قرارات أو مواقف بشير الجميل بالنسبة للتهمة المنسوبة لمنفذي المجزرة.

طبعا شجاعة المخرج وجرأته تثير الدهشة، خاصة وأنه ولد وكبر وتعلم وخدم في إسرائيل بين قومه ووفق مفاهيمهم. وبغض النظر عن المضمون، فإن المستوى الفني جاء مميزا وجاءت الرسوم المتحركة متقنة ومفعمة بحيوية غير معهودة. عندما نشاهد فيلما بهذه الجرأة والصراحة والحميمية ليس بوسعنا سوى التصفيق وبحرارة شديدة، ليس مهما أن يكون المخرج إسرائيليا فمثل هذا الفيلم أكثر صدقا وتأثيرا من الخطب الحماسية التي اعتدنا عليها في الدول العربية والتي رغم كل صوتها المرتفع تعجز عن التأثير. ومن الغريب أن ترفض الدول العربية عرض مثل هذا الفيلم الذي يدين العسكرياتاريا ومجارزها وبشاعتها، وربما آن الوقت لنجد في وطننا من يتحدث بهذه الحرية التي تبني القوة القادرة على المواجهة والتحدي أمام إسرائيل وعدوانها. لقد هاجم بعض النقاد العرب قبل سنوات المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي لأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية مثل باقي عرب 1948 رغم ما تنطوي عليه أفلامه من حب ودفاع عن فلسطين وأهلها، ومثل هذا الأمر كان يمكن أن يحدث أمام عزمي بشارة لنفس السبب. لا شيء يمنع من عرض فيلم معاد للبطش الإسرائيلي على المواطن العربي، فقد صور هذا المخرج الإسرائيلي تجربته الذاتية ووضعها في فيلم لكي يرضي وجدانه الإنساني ولكي يتمكن في النظر في وجه أطفاله الثلاثة، صور تجربة جعلته رجلا آخر كما قال، تجربة مقلقة عبر فيلم مؤثر ومدهش خاصة وأنه يعرض أثناء احتفالات إسرائيل بذكرى تأسيسها واستذكار العرب للنكبة. قد يكون الفيلم بمثابة تطهر وعلاج نفسي للمخرج، وهو يثير استفزاز المتزمتين في إسرائيل وخارجها وهو جدير بنيل جائزة هامة في المهرجان، لكن قد يكون الأمر صعبا وربما مستحيلا لأسباب سياسية نعرفها جميعا، اللهم إلا إذا كان رئيس لجنة التحكيم لهذه السنة النجم المشاكس شون بين قادرا على تحقيق مثل هذه المغامرة.

موقع "إيلاف" في 15 مايو 2008

 
 

سودربرغ من كازينوهات لاس فيغاس إلى حياة جيفارا الأسطورية

باريس - ربيع إسماعيل

تسيفن سودربرغ مخرج انتقائي بامتياز. انه يتحرك بين المواضيع والمستويات، بشكل يفوق تحرك اي مخرج اميركي آخر، أكان من جليه أو من غير جيله. اذ منذا الذين يمكنه ان يتصور ان مخرج « أكاذيب وفيديو» (الذي كان في الخامسة والعشرين حين فاز عن فيلمه الأول هذا بالسعفة الذهبية في «كان» قبل عشرين عاماً) هو نفسه مخرج «ترافيك» عن تهريب المخدرات بين أميركا الجنوبية والمتحدة؟ ومنذا الذين لن يدهش حين يعرف ان مخرج سلسلة «أصحاب أوشن» الهوليوودية إلى حد التخمة، هو نفسه مخرج ذلك الفيلم الرائع « الذي مر مرور الكرام مع انه واحد من أكثر الأفلام الأميركية أوروبية وذكاء؟ ثم، منذا الذي كان يمكنه أن يصدق أن مخرجا حقق على التوالي افلاما عن عصابة من الظرفاء عمل سرقة الكازينوات، سيقدم بعد ذلك عمل تحقيق ما يقال منذ الان انه أكثر الافلام في حق الثائر الأرجنتيني نشي جيفارا؟ بل على جعل الفيلم في جزءين يمتد عرض كل منهما أكثر من ساعتين؟ ثم يجرد على أن يخوض مسابقة «كان» الرسمية بفيلمه هذا؟

إذا كان هذا كله لا يسمى انتقائية فماذا يسمى؟

من الواضح منذ الآنَ، ان «تشي» (وهذا هو عنوان جزاي الفيلم، فيما عنون الأول «الأرجنتين» والثاني حرب العصابات) سيكون واحدا من ابرز الحوادث في دورة «كان» لهذا العام، إن لم يكن يفضل موضوعه ومكانة بطله، ومكانة مخرجه في سينما اليوم (بل حتى لصواب اختياره حين استمد الدور إلى بنيشيوديك تورمر، وهو واحد من المع اصحاب الأدوار الثانية في سينما اليوم، ومن المؤكد ان «تشي» كن مباشرة إلى واجهة الأدوار الأولى)، فعلى الاقل بسبب حكاية السباق مع الأمن التي ظل سودربرغ يخوضها حتى اللحظات الأخيرة في محاولة منه، يبدو أنها مجحت في نهاية الأمر، كي ينجز جزأي الفيلم ليعرض معا خلال المهرجان. هناك طبعا الجزء الأوّل الذي امجز فعلاً وبات فادار وحده، على خوض المسابقة الرسمية. لكن سودربرغ الذي يحب عادة كل انواع التحديات، لم برودان يكتفي بنوا اراد لفيلمه كله ان يكتمل, لماذا؟ ببساطة يقول المتقربون منه «كي تكتمل اعادته الاعتبار إلى هذا الثائر الاسطورة الذي شوهته هوليوود في الماضي كثيراً». فلإذا ما ذكرت هؤلاء بان والبترساليس المخرج البرازيلي الكبير كان انصف جيفارا، قبل سنوات قليلة، وتحديداً انطلاق من مهرجان «كان» حين قدم فلمه «مذكرات سائق دراجة»، يأتيك الجواب: صحيح، كان هذا فيلما رائعاً، لكنه كان عن جيفارا ما قبل جيفارا, أما فيلم سودربرغ ذو الجزأين، فإنه عن الأسطورة نفسها، لا عن كيف ولدت الأسطورة.

إذا ها هي هيوليوود، من طريق ستيفن سودربرغ تقوم بمهمة كان كثر ينتظرونا منذ زمن... وليس على جمهور كان الآنَ، إلا أنْ ينتظر قليلاً ليشاهد فليما طويلا، يقال منذ الآنَ انه سيكون مدار أحاديث، فنية وسياسية، بحيث يحقق سودربرغ ما كان يتطلع اليه منذ زمن بعيد، أن يعود ليصبح حديث «كان: بعد غياب نحو 20 عاماً.

 

شين بن «مستر مادونا» صار قطباً سينمائياً يحسب له حساب

باريس - ربيع إسماعيل

تبدو المسافة التي قطعها شين، مند كان مجرد «زوج السيدة مادونا»، حتى أصبح واحداً من كبار المخرجين الفلسطينيين في السينما الأميركية، وصولا إلى ترؤسه لجنة التحكيم في الدورة الجديدة لمهرجان «كان» السينمائي، وهي مهمة لا تسند عادة الا إلى كبار السينمائيين في العالم.

والأمر يبدو - طبعاً - شديد الغرابة لفتى أميركي، كان الاعلام لا يذكر ايمه خلال ثمانينات القرن الفائت الا لمناسبة الحديث عن المغنية النجمة، زوجته التي كانت، أحياناً تفاخر بطاعته لها طاعة عماياء، وتشكو في احيان أخرى من انه صار ؟؟؟ عليها. هذا كله تبدل الآنَ، ففي وقت يكاد يختفي فيه ذكر مالدوناـ يبرز اسم شين بن، بشكل ثلاثي ايضا، فهو من ناحية واحد من كبار الممثلين الجديدين في راهن السينما الأميركية، حيث يختار أدواره بعناية ويحاول أن يجعل لكل دور رسالة في الحياة ما اهله للفوز بالاوسكار قبل سنوات قليلة عن فيلم «نهر المستيكك» من اخراج كلينت استوود؟ وهو من ناحية ثانية مناضل سياسي حقيقي ومشاكس يقض ؟؟؟ الرئيس بوش وبقية الأدارة الأميركية بوقوفه ضد الحرب، بل حتى بموافقه الكيدية التي قادته ذات مرة إلى ايران الثورة الإسلامية، كما إلى عراق صدّام حسين.

أما من ناحية الثالثة، فإن شين بن يعتبر مخرجا طلعا ومجتهداً يرى كثر أنه يسير على درب استاذه الروحي الراحل جون كازافتس. صحيح ان بن لم يحقق حتى الآنَ، وعلى فترات متباعدة، سوى أربعة أفلام: «الراكض الهندي» و»حاجز مرور القطار» ثم «تاتعهد» واخرا قبل أسابيع تحفته الجديدة «نحو البراري»، لكنه اثبت عبر كل واحد من هذه الأفلام التي كان لافتا انه لم يمثل فيها، انه مخرج من طراز رفيع إن كان باختياره مواضيعه، وبلغته السينمائية، وليس، دل على هذا من انه اختار للفيلمين الآخرين عملين أدبيين طليعيين وصعبين، أولهما نص ذلك تبت السويسري فرديك دورنمات «صاحب زيارة السيدة العجوز»، واما ينسبها كتاب الصحافي جون كراكور الذي يروي الحقيقي لشاب أميركي متمرد ترك العالم كله ذات يوم في رحلة غبر البراري الأميركية قادته إلى الوحدة المطلقة ثم إلى المصير النهائي.

كل هذا جعل من شين بن مخرجا استثنائيا. فاذا اضفنا إليه الدقائق الـ 11 التي كرست لعمل من توقيعه في الفيلم الجماعي «11 سبتمر/ أيلول 2001» ليندي فيلمه الأفضل بين 11 عملاً تكون منها ذلك الفيلم، يمكننا ان نتفهم الوقع الذي مار في السينما العالمية لشن بن البالغ الان الثامنة والاربعين. وهذا الوقع هو الذي جعل اهل السينما الحقيقيين يرجون به باعتباره رئيس اللجنة تحكيم «كان» في دورة تعد منذ الان بان تكون - لي العام الفائت على الاقل - دورة للسينما وقد استعادت انفاسها كنت حقيقي، له ما ضي... ولكن له، ايضاً، مستقبل يتحدد باستمرار.

الوسط البحرينية في 15 مايو 2008

 
 

أهم العائدين ستيفن سبيلبرغ

عروض مهرجان «كان» الخاصة..

احتفاء بالنجوم الكبار

عبد الستار ناجي

يتضمن مهرجان كان السينمائي الدولي، مجموعة بارزة من الأنشطة والفعاليات، فبالاضافة الى المسابقة الرسمية.. هناك كم من التظاهرات، التي تتنافس فيما بينها من أجل استقطاب الجماهير والنقاد على حد سواء، وإذا كان نقاد العالم منشغلون بالمسابقة الرسمية وعروضها، فإن الجماهير والنقاد يزدحمون على الأعمال التي يطلق عليها «العروض الخاصة» وهي موزعة على مجموعة من المستويات، وقبل ان نذهب الى تلك الأعمال نشير إلى ان الأمطار لم تتوقف على مدى اليومين الماضيين هنا في «كان»، مع تفاوت واضح في درجات الحرارة، فمن 12 درجة في الصباح الى 22 في الظهيرة و10 درجات في المساء، مع غيوم لم تفارق سماء تلك المدينة التي تسترخي على شواطئ المتوسط بدلال.

والآن ماذا حملت الينا تظاهرات العروض الخاصة، التي جاءت تمثل مرحلة من الاحتفاء بالنجوم الكبار، على صعيد المخرجين والممثلين وأيضاً الاستديوهات الكبرى في هوليوود على وجه الخصوص.

في مقدمة العائدين، يأتي المخرج الأميركي (الينوبوركي) وودي آلان، بفيلمه الجديد «فيكي كرستينا برشلونة» الذي صوره في أوروبا وفي برشلونة على وجه الخصوص، وجمع عدداً بارزاً من النجمات الجميلات، وفي مقدمتهن سكارليت جوهانسون والاسبانية بينلوبي كروز، التي تحضر للمرأة الأولى من دون صديقها المخرج الاسباني بدرو المودفار الذي تعود ان تكون معه في أفلامه التي قدمتها للجماهير في أنحاء العالم.

أما ستيفن سبيلبرغ فهو أهم العائدين، وقد أشرنا في رسالة سابقة، عن الحملة الإعلامية والإعلانية التي تتحرك في جميع أنحاء العالم من أجل الترويج لفيلمه الجديد «انديانا جونز ومملكة نجمة الكريستال» الذي يعيد النجم هاريسون فورد مجدداً لهذه الشخصة بعد انقطاع أكثر من 22 عاماً محاطاً بكم من النجوم من أجيال السينما الأميركية، ومن جديد هذه التظاهرة، فيلم «كون ذو باندا» اخراج مارك أوزبورن وجون ستيفنسون. وضمن تظاهرة عروض منتصف الليل، يطل علينا نجم كرة القدم الأرجنتيني دييغو ماردونا، بفيلم يحمل اسمه، من توقيع المخرج البوسني القدير أمير كوستاريكا، الفائزة بجائزة السعفة الذهبية مرتين عن أفلامه «أبي في مهمة رسمية» و«تحت الحصار». وتقدم جينيفر لينش (ابنة المخرج الكبير دايفيد لينش) فيلم «سور فلانس»، في حين يقدم ناهونغ جين فيلم «المحاسب» وهو من أفلام المغامرات.

وتتواصل العروض الخاصة، ومنها «بعيداً عن الوقت والمدينة» اخراج ترنس دايفيس، ويقدم إيبل فيريرا فيلم «تشيلسا في الروك»، أما المخرج الصيني وانغ كار واي فيقدم فيلم «رما والوقت الضائع»، ونشاهد للايطالي ماركو توليو جوداينا فيلم «زيخبازو».

وضمن فقرة خاصة، يقدم رئيس لجنة التحكيم عرضاً خاصاً بعنوان «عرض رئيس لجنة التحكيم»، وهو للمخرج الشاب اليسون تومسون بعنوان «الموجة الثالثة».

وخارج المسابقة طبعاً عرض الختام وهو بعنوان «ماذا حدث الآن» اخراج باري نيغسون وبطولة حفنة من النجوم الكبار يتقدمهم روبرت دونيرو وبروس ويليس وروبين رايت بين (وهي زوجة رئيس لجنة التحكيم شون بين، وهو شاركها في أحد المشاهد في الفيلم).

أما فيلم الافتتاح، فقد ادرج داخل المسابقة وهو «العمى» اخراج البرازيلي فرناندو موراليس من بطولة جوليان مور ومارك رافيلو وداني جلوفر ويائيل غارسيا برينل.

ونشير الى ان عروض التظاهرات الخاصة، تمثل جسوراً ايجابية بين المهرجانات والاستديوهات الكبرى، التي لم تعد تجد لنفسها موقع قدم في المسابقة الرسمية، التي يصر أعضاء اللجنة المنظمة ان تكون مخصصة للبحث عن اتجاهات سينمائية فنية، تفتح آفاقاً جديدة من البحث الفكري والفني والإبداعي.

ولتستقيم تلك المعادلة، كان لابد من ان تذهب تلك الأعمال التي توصف بضخامة الانتاج، الى خارج المسابقة، وحتى لا تكون تحت مقصلة أقلام النقاد، ويكفي ان تشير الى ان وجود أكثر من 7 آلاف ناقد وصحافي، فكيف اذا لم يعجبهم الفيلم، فإنها الكارثة التي لن تستطيع أكبر الاستديوهات تجاوزها، ولهذا جاء المعادلة الجديدة، لتقديم تلك الأعمال بعيداً عن ضغوط التنافس والتسابق وأيضاً النقد الحاد.

ونخلص..

عروض المهرجان الخاصة.. احتفاء مطلق بالنجوم الكبار، وأيضاً حماية للاستديوهات الكبرى من تعرض أفلامها الى النقد.

 

لبناني وفلسطينية وجزائري

العرب... في مهرجان كان السينمائي «ليلة البيبي دول» أغلقت أمامه الأبواب!

عبد الستار ناجي 

منذ مطلع العام، وفريق فيلم «ليلة البيبي دول» يجتهد لان يجد له موقعا على خارطة الاختيارات الرسمية في مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث الاختبارات في غاية الصعوبة والتحدي، ولا مجال مطلقا للمجاملات الا للابداع، ورغم ذلك لم يقطع الامل فريق «جودينوز» وهي الشركة المنتجة للفيلم بقيادة الاعلامي العربي عماد الدين اديب، وظلوا يجتهدون من اجل الحصول على موقع قدم، خصوصا، بعد ان اغلقت الابواب امام الفيلم في المسابقة الرسمية وايضا تظاهرة «نظرة ما» و«اسبوعا المخرجين» وهكذا بقية الاختيارات الرسمية، حتى تلك التي خارج المسابقة الرسمية.

فكان القرار، بالحضور والتواجد الضخم والمتميز، ولكن في سوق الفيلم، وهو السوق الاهم في العالم، وقد وصل فريق الفيلم بطائرة خاصة ويضم نجوم الفيلم ومن بينهم نور الشريف ومحمود حميدة وليلى علوي وجميل راتب وحشد من الاعلاميين والفنانين، كما سبقهم الى كان، اعلان ضخم عن الفيلم يستقر فوق «كافيه رويال» اما فندق نوجا هيلتون على شاطئ الكوت ديزور.

ولكن ماذا عن التواجد الرسمي، ففي تظاهرة «نظرة ما» تم اختيار فيلمين من العالم العربي، الأول «ملح هذا البحر» من اخراج الفلسطينية ان داري جاسر، وهي اول مخرجة فلسطينية تقدم فيلماً روائياً طويلاً يتحدث عن عالم الارض المحتلة.

ومن لبنان تم اختيار فيلم «بدي اشوف» اخراج جوان حاج توما وخليل جريج، وبالمناسبة معهما في الفيلم النجمة الفرنسية القديرة كاترين دينوف، في فيلم يتحدث عن لبنان وبالذات حرب 2006.

اما في تظاهرة اسبوعي المخرجين، فتم اختيار الفيلم الجزائري «مخرج جزائري يحمل الجنسية الفرنسية» رابح امير زميش بفيلمه الجديد «المسجد الاخير» علما أن رابح كان قد قدم العديد من الاعمال السينمائية المتميزة ومنها «ويش.. ويش ماذا يجري؟» و«شفرة رقم واحد». وهذا الاخير قدم ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي عام 2006.

وفيلم «المسجد الاخير» يتحدث عن تجربة بناء مسجد جديد، والاشكاليات التي تدور حوله، وكم اخر من القضايا في عالم يعصف بالالتباسات في اوروبا والعالم بشكل عام.

ويعتبر رابح من المخرجين الذين يذهبون بعيدا في طروحاتهم الفكرية في الدفاع عن قضايا العرب والاسلام وضمن حوار عقلاني منهجي متطور.

كما يتزامن الحضور العربي في مهرجان كان السينمائي، بتواجد متميز لاكبر عدد من الزملاء الصحافيين والنقاد والاعلاميين وايضا التلفزيونات العربية، حيث يرصد المهرجان اكبر عدد من القنوات العربية، كما يشارك في المهرجان عدد من مدراء المهرجانات السينمائية العربية الدولية من بينهم سهير عبدالقادر مديرة مهرجان القاهرة السينمائي وعبدالحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي ومعه مسعود امرالله المنسق العام للمهرجان، ومن مراكش نور الدين صايل رئيس مهرجان مراكش بالاضافة الى فريق ضخم من مهرجان الشرق الاوسط السينمائي ومهرجان ابوظبي السينمائي الدولي.

كان هذا العام تعمر بالوجوه العربية...

وفي الايام المقبلة، كم من القرارات والاخبار واللقاءات مع ضيوف المهرجان من انحاء العالم.  

وجهة نظر

عرب

عبد الستار ناجي 

مرة أخرى نعود لموضوع السينما العربية في المهرجانات الدولية، فعلى الرغم من التاريخ الطويل للسينما العربية، والذي يعود الى مرحلة قريبة جدا من تاريخ تأسيس السينما العالمية، بل ان الاخبار والوثائق تشير الى أن أول فيلم مصري - عربي يعود إلى مطلع القرن التاسع عشر.

ورغم تلك البدايات والنشاطات السينمائية في عدد من البلاد العربية، الا أن حضورنا في المهرجانات الدولية يبدو متواضعا، بل هو أقل من ذلك بكثير.

فمن خلال عملية رصد ومتابعة تعود لأكثر من ثلاثة عقود لمهرجانات سينمائية دولية مثل «كان» و«برلين» وفينسيا وسان سباستيان وأيضا القاهرة ودبي ومراكش وغيرها، نجد أن الحضور العربي يبدو مرتبكا.. وخجولا، بل هو أبعد من الطموح بكثير.

لقد أنشئت السينما العربية ولردح طويل من الزمان بالهوامش، وابتعد عن قضايا الانسان وطغت عليها الصور والموضوعات التعليمية البحتة.

وحينما تبتعد السينما عن الانسان تبتعد عن النبض، وتدخل في نفق مظلم من الموضوعات الباهتة، فكان ان انصرفت المهرجانات عن اختيار مثل تلك الأعمال، وابتعدت السينما العربية عن دائرة المهرجانات الدولية، حيث الأضواء وأيضا البحث والدراسة، والمشاريع الانتاجية الضخمة.

في التجربة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، رفضت اللجنة المنظمة حفنة أعمال من مصر والمغرب والجزائر وتونس... ولم تقبل من أصل أكثر من 27 فيلما سوى فيلمين في تظاهرة نظرة ما وفيلم آخر من أسبوع المخرجين.

ثلاثة أفلام تمثل 22 بلداً عربيا فقط، في حين بلد مثل المكسيك له في الاختيارات الرسمية 3 أفلام.

لا نريد أن نكرر بعض ما يردده البعض من وجود نظرية للمؤامرة تستهدف السينما العربية والعرب، ونقول: دعونا نتجاوز مثل هذا الأمر، ونفكر جديا في تعمق السينما واحساسها بقضايا الانسان.

عندها سيكون للسينما العربية حضورها في ذاكرة ووجدان الانسان العربي أولا، وفي ذاكرة السينما العالمية بشكل عام وأيضا المهرجانات الدولية.

انها دعوة لصحوة سينمائية عربية

وعلى المحبة نلتقي وجهة نظر

annahar@annaharkw.com

النهار الكويتية في 15 مايو 2008

 
 

يوميات "كان" السينمائي الدولي 2008 ... ( 2 )

يسعى مخرجه لطرق أبواب الماضي

 “تشي” رؤية أمريكية لحياة غيفارا

كان - محمد رضا

يأتي عرض فيلم “تشي” عن حياة المناضل السياسي أرنستو تشي غيفارا كما لو أن موعداً تم عقده بين هذا الفيلم وبين الاحتفال بمرور أربعين سنة على الثورة الثقافية في فرنسا.

الفيلم من إخراج ستيفن سودربيرغ وهو مخرج وُلد في العام 1963 أي قبل أربع سنوات من اغتيال غيفارا. سودربيرغ أخرج أول أفلامه سنة 1989 وكان عنوانه “جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو” ونال عنه سعفته الذهبية الوحيدة الى اليوم. إذا ما نظرنا الى أفلامه منذ ذلك الحين، وجدناها على نوعين: نوع يرضي هوليوود ونوع يرضي الراغبين في أعمال لا ترضى عنها هوليوود- أو لنقل لا تنتجها هوليوود الا لأن المخرج أصبح معروفاً ولديه جمهور لا بأس بعدده ولا بأس، بالتالي، من تمويل أعماله التي عادة ما تكون صغيرة. وهو بدأ بها: “جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو”، لم يستحق السعفة، ليس بوجود فيلم سبايك لي الرائع والغاضب “أفعل الشيء الصحيح” وليس بوجود فيلم الياباني شوهاي إيمامورا “كوروي آمي” وليس حتى بوجود فيلم جيري تشاتزبيرغ الأخير في مهنته واللامع “إعادة اتحاد” وهي كلها نافسته على تلك الجائزة وخرجت دونها. بعده واصل، ولحين إنجاز الأفلام الخاصّة: “كافكا” و”ملك التلة” و”شيزوبوليس” من قبل أن يبدأ بمجاورة الأفلام التي تقصد أن تلقى رواجاً شعبياً بفيلم “بعيداً عن الأعين” بطولة جورج كلوني لينتقل الى الفيلم الهوليوودي التام مع “إرين بروكوفيتش” مع جولي كريستي ثم يتجاوز العثرات ويطلق من بطولة جورج كلوني، مات دامون وبراد بت سلسلة “أوشن” التي شملت الى الآن ثلاثة أفلام، كل واحد أسوأ من سابقه او ربما تساوى الثاني والثالث في هذا المعيار.

اهتمامات سودربيرغ لم تكن سياسية، حتى حين التفت الى الفترة النازية في فيلمه الحديث “الألماني الطيب” عاملها كما لو كانت مغامرة لأمريكي ضعيف وطيّب ولم يشأ، وربما هذا أفضل ما قرره، تحقيق فيلم عن الأخيار والأشرار على النحو النمطي المتكرر.

إذ يقبع ذلك في البال فإن المرء لابد أن يتساءل ما الذي دفع سودربيرغ لينجز فيلماً من جزأين (كل جزء من ساعتين) عن حياة الماركسي الأرجنتيني الذي قاد ثورة بعدما فتح عينيه على فقر البيئات التي عايشها؟

وعن أي تشي غيفارا يتحدّث؟ هل يسرد حياته لمن لا يريد أن يقرأ الكتب؟ أو أنه يقلّب في أفكاره السياسية ويبدي فيها رأياً خاصّاً؟

لم يعرض الفيلم بعد لكي نأتي بالجواب، لكن وجود هذا الفيلم بالتحديد في المناسبة التي يعيشها مهرجان “كان” على نحو خاص، والمنبثقة من مرور أربعين سنة على الثورة الطلابية- الثقافية التي وقعت في فرنسا يجعل الأمر مثيراً للاهتمام حتى ولو كان العرض والمناسبة وردا بالمصادفة الزمنية المحضة.

في أيار/ مايو ،1968 أيام كان الجنرال شارل ديغول رئيساً للجمهورية الفرنسية، قام السينمائيون الشبّان، وتحديداً لوي مال، كلود شابرول، إريك رومير، جاك ريفيت وعلى الأخص فرنسوا تروفو وجان-لوك غودار للتظاهر والاحتجاج على إقالة مدير السينماتيك هنري لانغلوا بقرار إداري ومن دون مبرر مقبول. كانت الحركات الطلابية اليسارية في فرنسا بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر بإضراب عام ساد الجامعات الباريسية، ثم تصاعدت الاحتجاجات إثر أول اصطدام بين الطلاب ورجال البوليس الذي حاول تفريق المتظاهرين واستخدم في ذلك العنف، لكن الاحتجاجات نمت وانتشرت والاتهام وُجّه حينها لرئيس الجمهورية بأنه أنشأ بوليساً فاشياً وإدارة خاصّة للقمع. وهذا ما أوصل المسألة الى مجابهة كانت أوسع من مجرّد موقفين واحد حكومي رسمي والآخر من طلاب الشوارع المسيّسين. الصراع الذي انضوى تحت اليافتات والهراوات على حد سواء كان بين التحرر الاجتماعي صوب الليبرالية والمحافظة على القديم والأشكال التقليدية للحكم ولمفهوم الوطنية. ذلك الشهر كان حاسماً في المواجهة وفرنسا بعده لم تعد فرنسا قبله.

المهم هنا هو أن دورة ذلك العام من مهرجان “كان”، التي كان من المفترض بها أن تسير قدماً كما لو أن ما يحدث يقع في مكان آخر من العالم، وجدت نفسها هي في مأزق: المخرجون المذكورون وآخرون معهم ترأسوا الحملة الشبابية من المثقّفين والطلاّب واقتحموا العرض السينمائي الذي كان يدور وألقوا بيانات شجب ولم تجد إدارة المهرجان بداً من إغلاق تلك الدورة بعد ثلاثة أيام فقط من افتتاحها.

منذ مطلع العام الماضي ونحن نشهد رغبة سينمائيين أمريكيين في العودة الى طروحات الستينات والسبعينات، جورج كلوني، الذي لعب تحت إدارة ستيفن سودربيرغ أكثر من فيلم، من بين أكثر السينمائيين الأمريكيين إعجاباً بسينما تلك الفترة التي تعاطت مع وضع اجتماعي خاص بها: أمريكا ذلك الحين كانت منقسمة حيال حرب فيتنام، من ناحية، وكانت لديها تظاهراتها المناهضة لها والمناهضة للتمييز العنصري في الولايات المتحدة من ناحية ثانية. ولم تكن أحداث فرنسا غائبة عن السينمائيين الأمريكيين فإذا بها تساعد على إرساء أساليب تعبيرية جديدة وسينما مستقلة وأخرى تحت أرضية وأفلام ذات هم اجتماعي يختلف عما سبق من طروحات اجتماعية في العقود السالفة.

مخرجون آخرون أكثر علاقة مع هوليوود- المؤسسة نزحوا بدورهم الى أفلام تقبض تمويلها من المحافظين وتحقق أعمالاً ذات رسالات سياسية واضحة منهم آرثر بن، هال أشبي، سيدني بولاك، نورمان جويسون وأحد أفضلهم جميعاً ألان ج. باكولا “كلوت”، “كل رجال الرئيس”، و”بارالاكس فيو”. إنه في تلك الفترة وُلد فرنسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وبرايان دي بالما وبرز روبرت ألتمن وجون كازافيتيز لجانب من تم ذكرهم في ذلك الحين والعديد من اولئك الذين لم ينجحوا في البقاء طويلاً، في تلك الفترة عرف الوسترن (وهو النوع الملتصق بالتاريخ الأمريكي أكثر من سواه) الطروحات المعادية للصورة النمطية كما أرساها جون فورد، وذلك على يد مخرج آخر اسمه سام بكنباه.

هذا ما تعكسه مناسبة مرور أربعين سنة على ثورة الطلاّب والمثقفين في فرنسا، وما يعزز عكسه وجود فيلم عن شخصية وحياة تشي غيفارا مع العلم أن المهرجان نفسه استقبل فيلماً لابد من اعتباره اليوم بمثابة الإشارة الأولى لأن الماضي إنما يطرق الباب من جديد. ففي العام 2004 قدّم المخرج البرازيلي فيلمه الجيّد “مفكّرة الدراجة” التي تناولت مرحلة نمو تشي غيفاراً الاجتماعي حينما قام برحلة في بعض أرجاء أمريكا اللاتينية شهد فيها الفقر والتخلّف الاجتماعي وأخذ بسبب هذه التجربة في تكوين ميوله السياسية المتطرّفة.

هل يكون الفيلم الجديد تكملة؟ إضافة؟ هل هو مع أو ضد أو حيادي؟ العرض سيجيب عن هذه الاسئلة بكل تأكيد. 

المفكّرة

أفلام عربية في عروض خاصة

كل فريق عمل فيلم “ليلة البيبي دول” يحضر الى كان من الممثلين المصريين واللبنانيين والسوريين وسواهم، الى المخرج والمنتج وعدد كبير من المتّصلين بهذا الفيلم على نحو أو آخر، ومن المؤكد أن عرضاً خاصّاً سيقام للفيلم غداً تليه حفلة كبيرة للمناسبة.

الممثل الجزائري الأصل رشدي زم يقود بطولة فيلم تشويقي من إنتاج فرنسي عنوانه “انطلق سريعاً” وهو يعرض في سوق الفيلم في محاولة لبيعه لأسواق خارجية. الممثل لديه قائمة طويلة من الأفلام التي مثّلها في فرنسا أو هي إنتاجات فرنسية- عربية مشتركة بينها “بلديّون” الذي نال أبطاله وهو منهم سعفة أفضل تمثيل رجالي في مهرجان “كان” قبل عامين.

الفيلم الوثائقي الأردني “إعادة تكوين” يسجّل حضوراً مماثلاً في سوق الأفلام بعدما تبنّته شركة توزيع فرنسية هي “وايد”. الفيلم يروي حياة متطرّف اسلامي في مدينة الزرقاء ومصاعب عيشه في الوقت الذي تفرض عليه ظروفه الهجرة الى الغرب. وكان الفيلم شهد عرضه العالمي الأول في نطاق مهرجان دبي في العام الماضي.

الفيلمان اللبنانيان “خلص” لبرهان علوية و”السقوط من الأرض” لشادي زين الدين. الأول فيلم العودة للمخرج برهان علوية والثاني الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه.

فيلمان آخران من مصر هما “الغابة” لأحمد عاطف الذي عُرض في القاهرة لجمهور محدود، والثاني هو “عين شمس” لإبراهيم بطّوط الذي كان عُرض في مهرجان مراكش السينمائي الدولي. 

اسم وصورة

جوليان مور

جوليان مور (47 سنة) هي بطلة الفيلم الذي افتتح أمس الدورة الحادية والستّين من مهرجان كان السينمائي وعنوانه “عَمي”، وهي ممثلة تفضل الابتعاد عن السينما لأي فترة محتملة على أن تختار أي فيلم لمجرّد أنها تريد البقاء على الشاشة.

والأمور تسير في مصلحتها بلا شك. لقد لعبت حتى الآن نحو 40 فيلماً. لم تكترث خلالها لحجم الدور بل لنوعيّته وحتى من بعد أن أصبحت نجمة نجدها على إلمام جيّد بما تريد أن تمثّله بصرف النظر عن حجمه وعدد مشاهدها فيه.

وجدناها في دور محدود في فيلم “أنا لست هناك” عن حياة المغني بوب دايلون ولعبت عشرين دقيقة أو نحوها من فيلم “أطفال الرجال”، لكنها دقائق لا تُنسى بسبب بساطتها وقوّة حضورها في ذات الوقت، هنا في الفيلم الجديد لديها الكثير من الوقت لتعكس ما تريد تجسيده في فيلم يقوم على أبعاد ومضامين اجتماعية وفلسفية.

دبي للاستوديوهات تكشف عن مشروع “مركز القرية”

كشفت مدينة دبي للاستوديوهات، العضو في تيكوم للاستثمارات امس عن  مشروع “مركز القرية”، المشروع الترفيهي متعدد الوظائف الذي تطوره المدينة باستثمارات تتجاوز 5.1 مليار درهم، وذلك خلال مشاركتها في الدورة الحالية لمهرجان كان.

كما عرضت المنطقة الحرة المخصصة لشركات الإنتاج الإعلامي والبث التلفزيوني والإذاعي، مرافق بنيتها الأساسية المتطورة.

ويقع مشروع “مركز القرية” الذي يتم تطويره على مساحة مليوني قدم مربعة في قلب مدينة دبي للاستوديوهات، وسيفتح أبوابه للجمهور والعاملين في قطاع السينما على حد سواء.

وقال جمال الشريف، المدير التنفيذي لمدينة دبي للاستوديوهات: “سيمثل مركز القرية مكوناً أساسياً من مكونات مدينة دبي للاستوديوهات، حيث سيقدم تجارب فريدة من نوعها لصانعي الأفلام من مختلف أنحاء المنطقة والعالم”.  

زوايا التاريخ

في العام الماضي تابعنا المهرجان من بدايته الأولى سنة 1939 (ولو أن المهرجان تحذف هذه البداية كون المهرجان قد ألغي حينها بسبب دخول القوّات الألمانية بولندا واحتلالها) وحتى مطلع الخمسينات. هذا العام نعود الى السنوات العشر الممتدة من 1958 والى 1967 وهو عام قبل إلغاء المهرجان مرّة ثانية بسبب أحداث الثورة الثقافية في فرنسا حين أدّت الى إغلاق المهرجان أبوابه.

1959

أهم الأفلام المشتركة في مسابقة تلك الدورة

أورفيوس الأسود: إخراج مارسل كامو- برازيل

جنود بانشو فيلا: إخراج إسماعيل رودريغيز- مكسيك

هيروشيما حبي: إخراج ألان رينيه- فرنسا

شهر عسل : إخراج مايكل باول- بريطانيا

نزارين : إخراج لوي بونويل- مكسيك

مرآة: إخراج كونراد وولف- المانيا الديمقراطية (الشرقية).

غرفة علوية : إخراج جاك كلايتون- الولايات المتحدة

النفخات الأربعمائة : إخراج فرانسوا تروفو- فرنسا

السعفة الذهبية

أورفيوس الأسود: إخراج مارسل كامو (برازيل).

نقل المخرج كامو مسرحية فينيسوس د موراييس الأحداث الى الزمن المعاصر وقام بتوزيع البطولة على عدد من الممثلين الأفرو- برازيليين منهم برينو ميلو وماربيسا دون لكنه حافظ على التراجيديا التي في المسرحية الأصلية ومضمونها هروب فتاة شابّة من رجل كانت رفضته لكنه يتعقّبها لقتلها. هي الآن في ريو دي جنيرو خلال كرنفالها وتلتقي بشاب وتقع في حبه، وهذا الشاب هو الذي يقتلها ولو عن غير قصد.

لجنة التحكيم الخاصّة

منحت لفيلم كونراد وولف “مرآة”.

أفضل ممثل

مجموعة ممثلي فيلم “ازدراء” الرئيسيين وهم دين ستوكول، برادفورد دلمان وأورسون وَلز (الولايات المتحدة).

أفضل ممثلة

سيمون سينيوريه عن دورها في الفيلم البريطاني “غرفة علوية”.

أفضل مخرج

فرنسوا تروفو عن “400 نفخة” ( فرنسا). 

أوراق ناقد

معنى أن يكون فيلمك في “كان”

حمل الافتتاح الناجح للدورة الحادية والستّين يوم أمس تجديداً للعزيمة لن يستطيع الإنقاص منها الا إذا فوجئنا بأن أكثر من نصف الأفلام المنتقاة للمسابقة معطوبة.

فالحال هو أنه مع تعدد ما يمكن أن يدخل ضمن شروط الفيلم الصالح للمسابقة تغيب الشروط الرئيسية أو تتماهى بعيداً عن مراكزها الرئيسية في الصدارة. تبقى عوامل مهمّة لكن تأخذ مكاناً لها في الخلفية. على ذلك، وحتى بالنسبة لأضعف الأفلام المشتركة، فإن مجرّد اختيار فيلم ما للاشتراك في مسابقة هذا المهرجان لا يزال بحد ذاته فوزاً بين المشتركين.

تصوّر، إذا أردت، أنك حققت فيلماً تعتبره جيّداً وتريد الاشتراك به في مهرجان سينمائي رئيسي. هذا حق مشروع ولن تكون وحدك، لا عربياً ولا دولياً، الذي تفكّر في مثل هذه الخطوط. ستجد أمامك بضعة اختيارات واحتمالات.  فأنت إما أن تبعث به الى مهرجان عالمي رئيسي (ولديك ثلاثة أساسية في هذا الإطار) أو أن تخصصه لمهرجان عربي رئيسي (وهنا لديك نحو خمسة اختيارات) أو تبحث له عن مهرجان جديد حتى لو كان بعيداً وغير معروف. وأنت غالباً ما ستبدأ في التفكير بالاختيار الأول ثم الثاني وأخيراً الثالث- إذا كانت الرغبة لا تزال لديك أو أن رفض المهرجانات السابقة لم يفتر همّتك.

المهرجانات الثلاثة الرئيسية المعنية هي كان وبرلين وفينيسيا وكل له دوره في تعزيز الحركة السينمائية الراقية حول العالم، لكن كان يسطع أكثر من سواه ويسطو على الصورة الإعلامية. تبعث بالفيلم الى كان، ولنقل في الوقت المطلوب وليس بعده ولنقل أن المهرجان قبل الفيلم في المسابقة وهو قليلاً ما يفعل بالنسبة لفيلم عربي. ماذا تكون حققت؟

حتى من قبل الوصول الى سباق المنافسة على الجوائز الأولى، تكون أنجزت مرحلة مهمّة جدّاً من حياتك المهنية كأحد القلائل الذين دخلوا المسابقة وهذا فوز واضح بحد ذاته. لكن الى ذلك هناك ما يتيحه لك المهرجان الكبير من إلقاء ضوء عليك حيث تستطيع أن تستغل المناسبة كما يحلو لك. تستطيع أن تنام على حريرها أو أن تستغل الظرف لتنشيط فيلمك الحالي أو فيلمك المستقبلي. وفي كل الأحوال تستطيع التنعّم بعشرة أيام من الشهرة الفرنسية والعالمية وطبعاً العربية.

أمر مستحيل؟

ليس تماماً فقد اشتركت السينما المصرية واللبنانية والجزائرية في عدد من مسابقات كان من قبل. لكن السينما العربية أضاعت البوصلة التي كانت فيها تتفاهم والشروط الفنية المطلوبة لدخول مثل هذا الحفل، أضاعتها لكن بإمكانها أن تجدها في أي وقت إذا ما درست وفهمت ولعبت اللعبة الإنتاجية والتسويقية جيّداً.

وهو طموح يستحق منك أيها السينمائي أن تسعى إليه عوض التقوقع والترداد بكلمات لا تعني شيئاً يذكر مثل “يكفيني إعجاب وإقبال الجمهور المحلّي” ومثل “عالميّتي محفوظة طالما أصل الى جمهوري”. هذا الوصول السهل يخلق تهاوناً وهو ليس من حق الفنان الحقيقي على الإطلاق. الفنان الحقيقي ينظر الى العالم الكبير خارج إطاره ويصمم على إنجاز ما يعرضه للثقافات العالمية بأسرها.

الخليج الإماراتية في 15 مايو 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)