كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

فيلم الافتتاح أقل من المتوقع.. وفيلم إسرائيل مفاجأة كاملة

بقلم  سمير فريد

مهرجان كان السينمائي الدولي الحادي والستون

   
 
 
 
 

جاء فيلم افتتاح «كان»، والذي يشترك في المسابقة أيضاً، أقل من المتوقع من إنتاج كبير «٢٥ مليون دولار» عن رواية من روايات ساراماجو الفائز بنوبل للآداب، وإخراج ميريليس مخرج «مدينة الله» الذي رشح لـ ٤ جوائز أوسكار، وتمثيل جوليان مور وداني جلوفر، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم، قال ميريليس: «إنه شرف كبير، وضغط كبير، ولكن الفيلم ربما لا يكون المناسب للافتتاح».

وفي حوار مع «هوليوود ريبورتر» قال إنه لا يتوقع بالطبع أن يلقي الفيلم إعجاب الجميع، ولكن ما يثير توتره رأي ساراماجو الذي يشاهده اليوم السبت في عرض خاص.

الفيلم عن وباء يصيب مدينة ما في زمن ما معاصر، يؤدي إلي الإصابة بالعمي، أو بالأحري مشاهدة كل شيء أبيض، والأبيض ليس لوناً للرؤية، ينتشر الوباء في البداية حتي يتصور المتفرج أن أحداً لم ينج منه،

ولكننا نري ناجية وحيدة هي زوجة طبيب عيون أصيب بالمرض، ونري سلطات المدينة تضع المصابين في معسكر اعتقال، والحراس يتعاملون معهم بعنف بل ويقتلون من يحاول الخروج، فندرك أن الوباء لم يصب الجميع، وداخل المعسكر، حيث تصر زوجة الطبيب علي ملازمته،

يرتد البشر إلي أصولهم الوحشية الأولي، ويدور الصراع بين الديكتاتورية والديمقراطية، ويتمرد الأغلبية ويخرجون إلي المدينة، فنري الجميع قد أصابهم الوباء، وكلما حدث العمي فجأة، يرتد الإبصار إلي الجميع فجأة، ولكن الوحيدة التي نجت من قبل هي التي تصاب بالعمي الأبيض في اللقطة الأخيرة.

مشكلة الفيلم عدم التصديق الدرامي لما يدور علي الشاشة، فالفكرة لامعة، ولكن المقصود منها ليس واضحاً، وبغض النظر عن الرواية التي لم أقرأها، ولكن مؤلفها كان يعارض تحويلها إلي فيلم، وعندما سأله المخرج قبل التصوير هل لديه ملاحظات، قال له ما كان يقول زميله النوبلي المصري الراحل محفوظ: «لقد كتبت الرواية، وأنت الذي تصنع الفيلم»، هل فيلم «العمي» ضد الإنسان الذي لا تعدو الحضارة قشرة تزول وتكشف عن وحشيته الكامنة،

أم ضد الحضارة التي لم تستطع أن تحجم هذه الوحشية: سؤال من دون جواب يضعف الفيلم، والمشكلة الأهم ليست في غموض رؤيته، ولكن في انعكاس هذا الغموض علي الأسلوب وكل عناصره، مثل التصوير والتمثيل والمونتاج، ولا انفصال بين الشكل والمضمون علي أية حال.

وجاء الفيلم الإسرائيلي الذي عرض في المسابقة «رقصة الفارس مع بشير» إخراج آري فولمان، والذي عرض يوم الذكري الـ ٦٠ لإنشاء إسرائيل علي أرض فلسطين، مفاجأة كاملة من حيث الشكل والمضمون معاً، فمع مشاهدة الفيلم يتضح معني وصفه بفيلم «تحريك تسجيلي»، إذ يجسد شخصياته بالرسم ولا يجردها كما هو معتاد، وليس هذا جديداً ولكن الجديد أنه يعتمد علي أقوال حقيقية لشخصيات حقيقية، وهم الضباط والجنود الذين اشتركوا في عملية غزو لبنان واحتلال بيروت عام ١٩٨٢،

وحمايتهم لقوات حزب الكتائب اللبناني أثناء ارتكابهم مذبحة صابرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين، ويدين الفيلم الغزو حتي أنه يبدأ مع العناوين بكلاب متوحشة تقوم بالغزو، وينتهي بمشاهد تسجيلية للمذبحة وإحدي الفلسطينيات تصرخ في المخيم: تعالوا صوروا القتل.. أين العرب.. وأين العالم مما يحدث لنا.

إننا أمام حدث كبير من أحداث مهرجان «كان» ٢٠٠٨، ومن المؤكد أنه من الأفلام التي ستذكر علي مسرح الجوائز في الختام.

رئيس لجنة التحكيم يؤيد أوباما ويصف سياسات بوش بـ «الشريرة»

حسب تقاليد مهرجان «كان» تعقد لجنة التحكيم مؤتمراً صحفياً في اليوم الأول من أيام المهرجان، وقد جاء مؤتمر لجنة ٢٠٠٨ التي يرأسها الممثل والمخرج الأمريكي شون بين مثيراً كما هو متوقع، من شخصية تمثل «المعارضة» السياسية في هوليوود، أيد شون بين أوباما، ووصف سياسات جورج بوش الابن بـ «الشريرة»، وقال: «نحن نريد أن نشعر أن صانع الفيلم علي وعي بالزمن الذي يعيش فيه»، محدداً أحد مقاييس تقييمه للأفلام، ولكنه قال أيضاً: «اللجنة تنوي أن تبدأ مشاهدة كل فيلم بعقل مفتوح وقلب مفتوح كالصفحة البيضاء» وهاجم ما نشر في بعض الصحف عن العلاقات التي تربط بين عدد من أعضاء اللجنة وعدد من المتسابقين،

وقال إن هذه «إهانة» لا يقبلها، وإذا كان المقصود كلينت إيستوود مخرج «النهر الغامض» الذي فاز شون بين عن دوره فيه بالأوسكار، ففيلم إيستوود الجديد لو كان جديراً بالفوز سوف يفوز.

ولأول مرة وافقت إدارة مهرجان «كان» علي أن يقدم رئيس لجنة التحكيم أحد الأفلام المعروضة خارج المسابقة، وهو الفيلم التسجيلي الأمريكي الطويل، «الموجة الثالثة»، وعن هذا الفيلم، قال شون بين في المؤتمر الصحفي، إنه فيلم عن الفن، وكل فن هو عن الحب، ومن أقواله أيضاً: «إن مشاهدة فيلم تعني دائماً أن تسمع قلب الفيلم، وتري قلب الفيلم»، وخروجاً علي منع التدخين داخل قصر المهرجان، أشعلت مارجاني ساترابي عضو اللجنة سيجارة، فتبعها شون بين، ثم عضوة أخري هي الممثلة الفرنسية جين باليبار.

المصري اليوم في 17 مايو 2008

 
 

يثير الجدل ضمن عروض مهرجان كان 2008

«فالس مع بشير» فيلم يؤكد تورط إسرائيل في «صبرا وشاتيلا»

عبد الستار ناجي

تحفل السينما الاسرائيلية بعدد بارز من الاسماء المرموقة، التي ذهبت بعيدا في طروحاتها ونتاجاتها السينمائية المثيرة للجدل، والتي تذهب الى مناطق صعبة تمتاز بالشفافية والعمق والموضوعية، وايضا الاستثمار الحقيقي لفضاء الديموقراطية.

ومن تلك الاسماء نورد يوري بربش واموس غيتاي وهذا الاخير يعتبر احد ابرز الداعين للسلام والحوار، في وقت لم تكن به اسرائيل تؤمن بتلك الطروحات. ومن الاسماء التي تنضم الى تلك القافلة وتمتاز اعمالها بالجدية والمنهجية، يأتي المخرج اري فولمان الذي قدم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الحادية والستين فيلم «فالس مع بشير».

ونقترب من اري فولمان، انه من مواليد 17 ديسمبر 1962 في مدينة حيفا، درس الفن التشكيلي، ويعتبر واحداً من ابرز المتخصصين في رسم المجلات الكارتونية المصورة، ومن هنا تشكلت لديه لغة الصورة، والرغبة في تحريك تلك الصورة سينمائيا ومن خلالها قدم اعماله السابقة ومنها «سانت كلير» عام 1996 و«صنع في اسرائيل» 2001.

وفي فيلمه الجديد «فالس مع بشير»، والذي يتزامن عرضه، في ذات اليوم الذي اقيمت به احتفالية ذكرى مرور 60 عاما على تأسيس دولة اسرائيل، وقد تصور البعض ان الفيلم يأتي ليعزف على اوتار المجاملة للنظام الاسرائيلي، ولكن الامور تذهب الى مرحلة تدعونا الى الحوار وربما الدهشة، حول ما هو مسموح ومتاح من الحوار في دولة اسرائيل.

فالفيلم يأتي اولا، بدعم من عدة قطاعات اسرائيلية رسمية، ورغم ذلك فإنه يذهب الى نقاط «نعتقد» بأنها ستثير كثيراً من الجدل وايضا تسبب كثيراً من الحرج للمخرج وايضا لدولة اسرائيل.

فما هي حكاية «فالس مع بشير»؟

انها حكاية الرسام والمخرج نفسه، الذي يحلم ولمرات متكررة بـ 26 كلبا تأتي من البعيد تلهث تسابق الريح، تريد محاربته ومواجهته وهو مختبئ في شقته.

ولان ذلك الكابوس يطارده، فإنه يبدأ في استدعاء ذاكرته. ومجموعة الاصدقاء الذين عاش معهم ايام شبابه وخدمته في العسكرية.

وتتداعى الشخصيات والذكريات، وهي دائما مجزرة «صبرا وشاتيلا». واجتياح لبنان ابان فترة حكم الرئيس بشير الجميل.

فيلم كارتوني رسم بعناية، والاهم من كل ذلك، تلك المواجهة مع الواقع، والاعتراف بشفافية عالية، من النادر وجودها، خصوصا، في ظل الدعم الرسمي لانتاج الفيلم.

فيلك كل ذكرياته. صوره وشخصياته، تعترف بشيء واحد هو تورط اسرائيل في تلك المجزرة التي راح ضحيتها مئات الابرياء.

اعترافات من اجل تطهير الذات. اعترافات وشواهد، وذكريات، بل وتفاصيل تذهب الى دقائق الامور والملاحظات.. والهوامش.

«فالس مع بشير» او «رقص فالس مع بشير» يرصد مرحلة هامة من تاريخ اسرائيل والمنطقة، حيث الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وتداعيات ذلك الاجتياح والاحتلال بالذات فيما يخص المجزرة.

جملة الشخصيات التي يقوم المخرج «صاحب المرحلة»، برسمها، تدور حول تعميق وتفتح نوافذ الذاكرة، التي أوصدت منذ زمن بعيد، ولكنها تظل تطارد اصحابها، مثل تلك الكلاب الشرسة التي تترقب الثأر ومهما تكن دلالات الكلاب والثأر والمعركة المفتوحة. فإن المخرج اري فولمان يفجر مجموعة من القضايا، اولاها الاتهام المباشر، وللجميع اعتبارا من مفاهيم بيغن (رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق) الى شارون (رئيس الوزراء الاسبق ايضا، ويومها كان رئيسا للاركان) الى جملة الشخصيات التي احاطت به.

لقد تم تغييب الذاكرة، عن تلك المرحلة، كما يقول فولمان الا انه بالبحث، تنكشف الحقائق وتتأكد الاتهامات، وهي اتهامات لا تقبل الشك، ومواجهات ستحمل لهذا المخرج الكثير من المواجهات والاتهامات، اقلها الخيانة العظمى ولكن في زمن الديموقراطيات، يمكن ان تقول السينما والصورة الكثير.

وهذا ما يذهب اليه الفيلم، باحتراف وكم من الوثائق، لعل ابرزها، تلك الصور الوثائقية التي تأتي في نهاية الفيلم، الذي يظل يتعامل مع المشهديات الكارتونية، الا مشاهد المجزرة واثارها، فإنها تأتي عبر كم من الصور الوثائقية النادرة والموجهة التي تزيد من حدة الاتهام، والذهاب بالفيلم الى منطقة ابعد من حدود الصورة.. والاتهام.. والوثيقة. التي تؤكد معرفة اسرائيل وقياداتها بالكارثة التي ارتكبها النظام المسيحي بها تلك الفترة.

حينما اشرنا في بداية الامر، الى مجموعة الاسماء التي ميزت السينما الاسرائيلية، واشرنا الى اموس غيتاي ويوري بربش، فاننا كنا نسعى للتأكيد ان هناك اصواتاً اخرى، تؤمن بالاخر، وتذهب الى طرح موضوعات السلام في مرحلة مبكرة من نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات. في وقت لم يكن احد يفكر فيه بمثل هذا الامر.

ويأتي فولمان يسير الى ذات النهج، ولكن بمعايير جديدة هي «الاعتراف بكل الآثام» فالاعتراف هو السبيل لانصاف الاخر، ومعرفة مساحة الظلم الذي لحق به والدمار الذي عصف به والكوارث التي ترتبت منذ وجود دولة اسرائيل في فلسطين المحتلة حتي يومنا هذا.

هذا ما يقوله فيلم «فالس مع بشير».

وقد يتساءل القارئ، عن سبب تسميته الفيلم، ونشير الى انها جزء من مشهد، يقوم به احد العسكريين الاسرائيليين بمواجهة بعض القناصة، في احدى الساحات التي انتشرت بها «يومها» صور بشير الجميل، ولكثرة الرصاص، يضطر لان يقوم بما يشبه رقصة الفالس واطلاق الرصاص في جميع الاتجاهات للهروب وايضا اغتيال القناصة. وقد نفذ المشهد والفيلم بكامله باحتراف عال، على صعيد الرسم والزوايا والاضاءة والتحرك وايضا الموسيقى والاداء الصوتي لمجموعة من الشخصيات الاسرائيلية البارزة.

ويبقى ان نقول:

«فالس مع بشير» للاسرائيلي اري فولمان فيلم يؤكد على تورط اسرائيل في مجزرة «صبرا وشاتيلا» ويتزامن مع احتفالات اسرائيل بالذكرى الـ 60 لتأسيسها.

النهار الكويتية في 17 مايو 2008

 

«عرين الأسد» ألم المرأة بأبعادها المطلقة

عبد الستار ناجي

لعلهم قلة في العالم العربي الذين يعرفون السينما في اميركا الجنوبية، وفي الارجنتين على وجه الخصوص مكتفين بمعرفتهم لدييغو مارادونا، الذي يظل اكثر شهرة حتى من رئيس جمهورية الارجنتين نفسها. وفي هذه المحطة نقترب للتعرف على احد المبدعين في ذلك البلد، سينمائي من الطراز الاول، كل تجربة سينمائية يقدمها، تخلق فضاءات من الحوار والتحليل، انه بابلو ترابيرو، وهو من مواليد 14 اكتوبر 1971، في سان جوستو بالارجنتين، درس السينما هناك، وقدم العديد من الاعمال، لعل ابرزها «رحلة عائلية» 2004 و«العام» 1999. ثم يأتي فيلمه الجديد «عرين الأسد» أو «ليونيرا» الذي يمثل اضافة لرصيده وتجربته السينمائية. والحكاية قد تبدو للوهلة الاولى، بسيطة وسريعة وتقليدية، بل وشاهدناها مرات عدة من ذي قبل، ولكنه يأتي بهذه الحكاية البسيطة، ليذهب بنا الى الشكل الذي يريده، والى الطرح السينمائي الذي يبتغيه. في فيلم «عرين الأسد» تذهب بنا الحكاية، الى ذلك الصباح، الذي استيقظت به جوليا في شقتها لتكتشف اجساداً مضرجة بالدماء حولها، وهما جسد تهيل «صديقها» وراميرو «صديقه»، ولكن راميرو لايزال حياً ينزف مثخنا بالجراح، بينما فقد تسيهل روحه. والذي لا تعرفه جوليا، ماذا جرى في تلك الليلة، ومن تسبب في تلك الكارثة، وايضا من تسبب في ان تحمل مولودها المرتقب، حيث يتم ارسالها الى السجن، وبالذات، سجن النساء الحوامل، وتحاول في البداية التخلص من ذلك الحمل، الا انها تجد في ذلك الحمل شيئاً من الامان والمستقبل، لتجاوز الكارثة التي لحقت بها. وخلال وجودها في السجن، تتعرف على كم من الشخصيات، وايضا الحكايات المتداخلة، والمعاناة التي تحيط بالمرأة في كل مكان، فكيف بالمرأة داخل السجون، وفي الارجنتين. وتمضي الحكاية، لتلد جوليا مولودها «توماس» الذي تحرص على رعايته والاهتمام به، ولكن القانون يقول بان عليها ان تسلم الطفل لاسرتها، بعد اربعة اعوام، وهي خلال تلك الفترة تتابع قضيتها مع المحاكم بانتظار صدور الحكم، بالذات، حينما يلقي راميرو التهم عليها، في محاولة منه للتخلص من تهمة القتل وبعد اربعة اعوام تقريبا، يصدر الحكم بعشرة اعوام، فكيف ستكون الامور، حيث يتخذ القرار بارسال الطفل الى جدته والدة جوليا، وهذه الاخيرة ترفض. ويرسل الطفل الى جدته، ولكن جوليا الام تريد اللحظة التي تحصل على ابنها، وتخطط بذكاء، حيث تحصل على اجازة لزيارة والدتها وطفلها، وتفلح في اغلاق الابواب على الجميع، واخذ توماس والهروب وبمساعدة احدى صديقاتها السابقات في السجن، تحصل على جوازات مزيفة، تساعدها على عبور الحدود، وتكون البداية الجديدة. و«عرين الأسد» هي تسمية السجون في الارجنتين وهي اشارة الى واقع الحال والظروف في ذلك البلد في اميركا الجنوبية وفي «عرين الأسد» يذهب المخرج بابلو ترابيرو الى نقطة بعيدة، من تحليل معاناة المرأة، حيث الم المرأة بابعادها المطلقة. ولنا ان نتأمل حكاية جوليا، فهي لم تسلم في علاقتها العاطفية، حين احضر صديقها الى شقتها صديقه، وراحا سويا يحتلان الشقة ويعبثان بها الفساد، وحينما وجدتها في اوضاع غير سوية كانت ليلة الكارثة. وتمضي الحكاية، داخل السجن، حيث تتعرض للعنف من قبل الجميع، وبالذات، السجينات اللواتي يرين بها صيدة سهلة. وتتواصل المعاناة، والالم والدمار حتى في مشهدية الهروب، فهي تهرب من بلادها، واهلها، واسرتها، فكيف يكون طعم الحياة، بدون الاهل والبلاد.

انه الالم وانه الوجع وانه الدمار. كل ذلك من اجل ان تحافظ على طفلها الحلم والامل والمستقبل. «عرين الأسد» ليس بالسينما الارجنتينية التقليدية وليس بالسينما العالمية التي يمكن تجاوزها بالقراءة السريعة، والمتعجلة، انها احتراف عالي المستوى، وفي هذا المجال، لا يمكن ان ننسى الاداء الرائع للممثلة الارجنتينية مارتينا غاسمان التي عاشت الشخصية على مدى عام كامل، بل انها صورت مشاهد قمتها الحقيقية ليبدو الفيلم اكثر واقعية وعمقا وتأثيرا. سينما تحرك المشاهد، تدعوه للحوار، والتأمل فالمرأة اسيرة المعاناة والالم، في كل مكان على هذه الارض وهي دعوة للحوار والتأمل.

النهار الكويتية في 17 مايو 2008

 

وجهة نظر

كذب

عبد الستار ناجي

يطلق المخرج عادل أديب فور الإعلان عن الاختيارات الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، وعدم اختيار فيلمه «ليالي البيبي دول» لأي من تظاهرات المهرجان، يطلق تصريحاً، مرتبكاً يقول فيه ان اللجنة المنظمة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، طلبت منه حذف مشهد التعذيب، الذي يتعرض له بعض المعتقلين في معتقل أو سجن أبوغريب في بغداد!!

ولكنه يعود بعد ان يأتي من ينصحه بأن ما يقوله عار عن الصحة، وان مهرجان «كان» هو أكبر من كل تلك الهوامش، بل هو أكبر، من ان ينزلق الى مثل هذه الممارسات أو التوجه.

ويعود المخرج عادل أديب وهو ابن كاتب السيناريو القدير الراحل عبدالحي أديب وشقيق الإعلامي الكبير عماد الدين أديب، وأيضاً عمرو أديب، يعود المخرج عادل أديب لتكذيب ما قاله.. ونفيه.

ومثل هكذا أمر يجرنا في العالم العربي الى تصورات غير سليمة، وأكاذيب وتلفيقات تبعدنا عن الحقيقة، فنحن أمام مهرجان عريق، وتاريخ طويل، وانجازات لا تجارى، فكيف يأتي المهرجان لتلطيخ سمعته وتاريخه.. ان مهرجان «كان» أكبر بكثير من تلك المنزلقات، وتلك التبريرات.

السينما الايطالية بكل تاريخها ونجومها ومبدعيها الكبار غابت عن «كان» لمدة عامين متتاليين، ولم نسمع أو نقرأ أي مخرج يلقي بالتبريرات والأعذار والتسويفات، فالغياب أمر عادي، مشيرين الى ان آخر حضور كان لمصر على يد الرائع يوسف شاهين يعود الي فيلم «المصير»، وعلى السينما المصرية والعربية، ان تكون بمستوى ذلك الحضور المشرف، وان تبتعد عن دائرة الأكاذيب والتبريرات والأعذار.

فالإبداع لا يقترن بالكذب.

وعلى المحبة نلتقي

النهار الكويتية في 17 مايو 2008

 

عمر الشريف يصل لدعم افتتاحه من كان

«ليالي البيبي دول» أغلى فيلم مصري

عبد الستار ناجي

اكدت مصادر مقربة من «جود نيوز غروب» هنا في مدينة كان الفرنسية، ان الفيلم المصري «ليالي البيبي دول» والذي سيعرض في سوق الفيلم الدولية بكان، سيكون اغلى فيلم في تاريخ السينما المصرية، اذ تبلغ كلفته المالية «8» ملايين دولار، وهو عن سيناريو الراحل عبدالحي اديب واخراج نجله عادل اديب. وكانت «جودنيوز غروب» وهي الشركة المنتجة للفيلم قد حاولت ان يجد الفيلم موقعه بين افلام الاختيارات الرسمية، الا انه رفض لاسباب لم يتم الافصاح عنها، لعل ابرزها، المستوى الذي تؤكد عليه اللجنة المنظمة لمهرجان كان السينمائي، فكان ان تم تحويله الى سوق الفيلم مع بقية الاعمال السينمائية القادمة من كل مكان.

واعلنت مصادر «جودنيوز غروب» ان الفيلم سيبدأ عرضه في الاسواق العربية والعالمية في نهاية مايو الحالي، وضمن حملة اعلامية واعلانية ضخمة.

وكانت «جودنيوز غروب» قد انطلقت بمشاريعها من خلال تجربتها السابقة مع فيلم «عمارة يعقوبيان» الذي اخرجه مروان حامد وقام ببطولته عادل امام ونور الشريف ويسرا.

اما فيلم «ليالي البيبي دول» فهو من بطولة نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وليلى علوي. هذا ويتوقع وصول النجم العالمي عمر الشريف، والذي يشارك في بطولة احدث مشاريع «جودنيوز غروب» وهو «حسن ومرقص» وسيكون حاجزا في كان من اجل دعم افتتاح الفيلم الجديد ومنحه شيئاً من الزخم الاعلامي.

النهار الكويتية في 17 مايو 2008

 
 

موضوع الفيلم: ما الفرق بين المقاومة والارهاب؟

'ليلة البيبي دول' في سوق مهرجان كان السينمائي

كان (فرنسا) – من هدى ابراهيم

معظم نجوم الشريط السينمائي الاغلى في تاريخ مصر يحضرون عرضه وسط احتفاء اعلامي واسع بالفيلم.

عرض الفيلم المصري "ليلة البيبي دول" في سوق مهرجان كان السينمائي الدولي في حضور عدد كبير من النجوم المشاركين فيه اضافة الى الفنان عمر الشريف والذين شاركوا على الاثر في حفل اقيم بمناسبة اطلاقه على شاطئ فندق الكارلتون.

وكانت الملصقات الدعائية لـ"ليلة البيبي دول" عرضت على "الكروازيت" وعلى واجهات بعض الفنادق الكبرى في مدينة كان وعليها صور النجوم العرب، كما خرجت مجلتا "فارايتي" و"الفيلم الفرنسي" حاملة على غلافها ملصق الفيلم الذي يمثل دبابة وعليها ثوب نوم نسائي مثير.

ويشارك في الفيلم الذي يعد الاغلى في تاريخ السينما المصرية عدد كبير من الفنانين المصريين والعرب مثل جميل راتب ومحمود عبد العزيز وليلى علوي ونور الشريف وجمال سليمان وسلاف فواخرجي وعزت ابو عوف وغادة عبد الرازق ومحمود حميدة ومحمود الجندي وغيرهم كثيرين اضافة الى الاعلاميين عمرو اديب واسامة منير.

ويقول المخرج عادل اديب "ما كنت لاعود الى الاخراج بعد تسع سنوات لولا ان هذا الفيلم يمثل بالنسبة لي وصية والدي الذي كتب كل انواع السيناريوهات للسينما المصرية".

وكان السناريست الراحل عبد الحي اديب انجز سيناريو هذا الفيلم قبل ساعة واحدة من رحيله بعد ان وضع سيناريوهات اكثر من 120 فيلما متنوعا اغنى بها السينما المصرية، بينها سيناريو "باب الحديد" الذي اخرجه يوسف شاهين.

ويضيف المخرج العائد "كل ما في الفيلم صنع بحب" سواء لجهة موافقة النجوم على اداء ادوار صغيرة واحيانا صامتة كما هو الحال مع اللبنانية نيكول سابا في دور المراة الفلسطينية او مع علا غانم التي تقوم هي الاخرى بدور صامت.

ويؤكد ان منح الادوار لعدد كبير من النجوم جاء "محض صدفة فهم الذين اتوا الي يقودهم حبهم لعمل جيد وهو الامر الذي اصبح نادرا اليوم في السينما المصرية".

وموضوع "ليلة البيبي دول" وعنوانه مقتبس عن فيلم قديم للمخرج الاميركي ايليا كازان، هو الفرق بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الارهاب المرفوض.

واذا كان الفيلم نفذ بعناية فائقة لناحية المؤثرات الخاصة والتصوير والشريط الصوتي والموسيقى التي وضعها ياسر عبد الرحمن، فان السيناريو وتركيبة الفيلم الاساسية تاثرا على ما يبدو سلبا بالخطاب المباشر وبكثرة عمليات "الفلاش باك" التي يبنى الفيلم عليها، حيث لا يكف عن التنقل بين الحاضر والماضي ما يرهق المشاهد.

وبجانب قضية المقاومة الاساسية يعرض الفيلم لاحداث العالم العربي والعالم اجمع خلال السنوات الستين الاخيرة.

ويعود ايضا لفيلم "ليلة البيبي دول" الفضل في كونه الفيلم العربي الاول الذي صور مخيمات الاعتقال النازية وانطلق من هذه النقطة المستعادة ليقارن بين ما فعله النازيون باليهود امس وبين ما يفعله الاسرائيليون بالفلسطينيين اليوم.

ويوضح عادل اديب ان "الفيلم يؤرخ لفترة 60 عاما من الالم بشكل انساني وكوميدي واتمنى ان تصل آخر كلمة كتبها عبد الحي اديب الى الناس".

وكشف عادل اديب انه يرغب مستقبلا في صنع فيلم عن الاسلام والاديان السماوية عموما وقال "ما يحركني هو الشيء المهم والزمن الآتي وعلاقة الاديان بعضها ببعض".

وقد سبق لشركة "غود نيوز" منتجة الفيلم ان عرضت فيلمين في سوق مهرجان كان هما "عمارة يعقوبيان" المقتبس عن رواية علاء الاسواني و"حليم" الذي يتناول حياة العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ الذي قام بدوره الفنان الراحل احمد زكي في اخر ظهور له على الشاشة الفضية.

وقال منتج الفيلم عماد الدين اديب في تقديمه للعرض انه يريد ان "يسجل حضور السينما العربية في المحافل الدولية وبينها مهرجان كان".

ميدل إيست أنلاين في 17 مايو 2008

 
 

يوميات "كان" السينمائي الدولي 2008 ... ( 5 )

يوم عربي في “كان

كان - محمد رضا

ينتظر المرء مهرجان كان ليرى إذا ما أنتج العرب أفلاماً تستحق المشاركة. فإن قرأ أن هناك اختيارات قام بها المهرجان تم على أساسها إدراج فيلم عربي ما في أحد أقسامه، انتظر حتى يعرف ماهية هذا الفيلم وإذا ما عرف كيف يستغل هذه الفرصة لكي يطرح ما تخفق الأبواق الإعلامية او الجهات الرسمية في طرحه من مسائل مهمّة.

بعد أن شاهدنا في الاشتراك “الإسرائيلي” المهم “الرقص مع بشير” عملاً يفضح بلسان الشركاء في الجريمة ما حدث في صبرا وشاتيلا، كان موعدنا يوم أول أمس مع وجهة نظر عربية تُرجمت الى الشاشة عبر فيلمين عُرضا متلاحقين.

في إطار القسم الثاني في الأهمية “نظرة ما” تم عرض فيلم ماري آن جاسر “ملح هذا البحر” ممثّلاً عن فلسطين، وخارج المسابقة وخارج اي إطار رسمي في المهرجان الفرنسي تم عرض فيلم عادل أديب “ليلة البايبي دول” ممثلاً السينما المصرية.

منذ أن صعد تييري فريمو، مدير المهرجان العام، منصّة الصالة الرسمية الكبيرة لتقديم الفيلم مرتدياً الشال الفلسطيني المعروف، تدرك أن الفيلم حقق، بمجرّد وجوده، معنى شاملاً لهويّته وأنجز للحال السياسي من وجهة النظر الفلسطينية في ذلك الصراع القائم بين فلسطين و”إسرائيل” نصراً إعلامياً يتعدّى الرمز الذي يعنيه الشال. وهذا الشال شوهد في أرجاء القاعة الضخمة حول أعناق العديد من الأجانب الحاضرين جاؤوا بتأييدهم لما هو فلسطيني، لكنهم قبل عرض الفيلم ثم بعد عرضه لم يكن هؤلاء كل من صفّق، بل شاركت القاعة بأسرها في التصفيق لفيلم يحارب بالصورة السينمائية في قضيّة جوهرية يعيدها الى أبسط قواعدها: الإنسان في مواجهة النظام. الفرد ضد السُلطة والمظلوم في مناهضة الظالم بأي وسيلة يستطيع مناهضته بها. “المهم”، يقول بطل الفيلم عماد (صالح بكري) لبطلته ثريا (سهير حمد) “أن يبقى رأسك مرفوعاً”.

في فيلمها الطويل الأول ترصد المخرجة الفلسطينية ماري آن جاسر حكاية فتاة فلسطينية وُلدت في بروكلين في نيويورك من أب وأم فلسطينيين وُلدا في فلسطين ونزحا في نكبة العام 1948 الى لبنان صغيرين مع والديهما اللذين ولدا في فلسطين. التاريخ الشاسع لفلسطين يتم تلخيصه في بضعة مشاهد حواراً وصوراً في مطلع الفيلم حين تصل ثريا الى المطار “الإسرائيلي” وتتعرّض للاستجواب عن سبب زيارتها وعن تاريخها العائلي، موقف الفيلم من السلطة “الإسرائيلية” يبرز من تلك المشاهد الأولى (ويتكرر لاحقاً) وهو مستمد من الموقف الذي تبنيه المخرجة بنجاح من تلك السلطة ومن مفهوم الوطن ومعنى افتقاده وكيف أحيلت أملاك عربية الى غزاة قدموا من وراء البحر او تم تدميرها كما لو أنها لم تكن.

ثريا جاءت الى فلسطين لمهمّة معرفة جذورها ولاسترداد ما يقارب ال 360 جنيهاً استرلينياً كانت في ودعة البنك الفلسطيني- البريطاني حين غادر والدها فلسطين قبل ستين سنة. المصرف، يقول لها مديره البريطاني، لا يستطيع صرف المبلغ لطول المدّة التي مضت عليه، أوّلاً، ولتوقّفه عن العمل خلال سنة النكبة حيث خسر كل سجلاته مصوّراً الوضع على أنه وضع جديد لا يحق لها مطالبته بأموال أودعت فيه حين كانت هناك دولة فلسطينية.

في خلال تلك الأيام الأولى من زيارتها لرام الله، بعدما منحت فيزا لأسبوعين فقط، تتعرّف على الشاب عماد (صالح بكري) الذي يعمل جرسوناً في مطعم من ذلك الذي يستقبل زبائن فلسطينيين فوق العادة، مديرين ورجال أعمال و-نسبياً- رجالاً أثرياء. وتلتقي بعماد مرّة أخرى خلال بحثها عن عمل وهو يعرّفها على والدته التي تخرج من البيت، في مشهد ليس فقط قابلاً للتصديق بل يتكلّم أطناناً عن العادات العربية وعن التصرّف السلوكي للأم حين يخبرها ابنها بأن معه فتاة في السيارة. تخرج لتستقبلها كما لو كانت ابنتها الغائبة او كما لو أن ابنها سيعقد قرانه عليها من دون ريب.

تتعرّف كذلك على مروان (رياض عديس) الذي يحلم بأن يصبح مخرجاً مهمّاً. يحمل الكاميرا، في غضون انتظار مثل تلك الفرصة، ليصوّر الأشياء كما تحلو له كأي هاو ما زال في السن الأولى من لملمته بعض أفكاره.

عماد كان تلقّى موافقة من جامعة كندية لمنحة دراسية وهو يحلم بالذهاب الى هناك حيث لن يشاهد بعد اليوم جندياً في حياته كما يقول، معلّقاً على مشاهد التعسّف الذي تمارسه القوّات “الإسرائيلية” بحق الفلسطينيين، وهو ممنوع عليه مغادرة رام الله “خلص، هذه هي الحدود بالنسبة لي” يقول وهو يخرج من سيارته الكالحة الى ثريا عند حدود البلدة. يقفان عند تلّة تشرف على المستعمرات والمدن “الإسرائيلية” الممتدة من ذلك المكان عبر الأفق الى حيث البحر “هناك”، يشير بأصبعه كما لو كان يرى ما يتحدّث عنه “البحر، لم أزره من سبع عشرة سنة”.

ثريا تقرر أن الطريقة الوحيدة للحصول على مال أبيها هو سرقة المصرف والثلاثة يشتركون في السرقة بعدما زوّدوا أنفسهم برشاش من دون رصاص ويهربون بالغنيمة خارج القطاع الى داخل “إسرائيل” ملفّقين حضوراً يهودياً. يعبرون الحاجز بسيارة عليها لوحة مسروقة ويمضون بعيداً في أرض الوطن وصولاً الى البحر.

بعد بهجة الوصول يزور الثلاثة المنزل الذي وُلد فيه والد ثريّا، يجدونه بالطبع محتلاً. النزيلة الحالية يهودية تعرف أن البيت محتل من قبلها لكنها تتمسّك بأن أهل ثريا هم الذين تخلّوا عنه. ثريّا تكرر لها أنهم أجبروا على التخلي عنه، “هذا بيتي” تقول لليهودية التي تحاول، إنصافاً، أن تقبل بعض الموقف لكن ليس كلّه. تستقبل الثلاثة وتتيح لهم البقاء الى أن يغادر عماد وثريا المكان ويبقى مروان في ضياقة المرأة ولا نعد نراه فيما بعد.

الآن يقصد عماد بلدة الدويما حيث وُلد هو. الآن هي خراب كامل. أطلال ممنوعة على شهود العيان يتخيّلها عماد وثريا جنّتهما. يشتريان فراشاً ووسادات ولحفاً ويحلمون بالزواج والإنجاب بعدما وجدوا في بعض البيوت المدمّرة ركناً يأويان إليه، الى أن يُكتشف أمرهما من قبل أستاذ يهودي في رحلة يحاول فيها تعليم طلاّبه التاريخ اليهودي. لكن المخرجة تدبّر خلاصاً لهذه الورطة كما كانت دبّرت خلاصاً لكل ورطة سابقة كانت حقيقتهما المموّهة تكاد أن تُكشف. في قمّة سعادتهما تدرك أن النهاية ستكون وبالاً لكنها تتأخر الى حيث ينكشف كل شيء في النهاية. هو ينتهي سجيناً كونه بلا أوراق ثبوتية تخوّله أن يكون في فلسطين المحتلّة سابقاً، وهي يتم ترحيلها. الحلم بينهما ينتهي لكن حلم الأرض واستعادتها يتواصل.

في القصّة كل ما تحتاجه السينما الفلسطينية من ذخيرة تطلقها في اتجاه الوضع المؤسف الذي يعشيه الفلسطينيون والمرحلة القاتمة للصراع القائم بينهم وبين الدولة التي احتلّتهم. وهو يقول كل شيء بصراحة ومن دون خوف من اتهام بأنه ذو وجهة نظر واحدة ويفصح للمشاهدين أن المسألة ليست أرضاً كانت بلا شعب حتى جاء اليهود، بل شعبها كان موجوداً وتم ترحيله وقضم حقّه في الوجود الا ضمن الرقع التي بالكاد يحترمها العدو. طوال الفيلم هناك تصوير للجدار العازل وللأرض المفتوحة التي تم توطينها من قبل اليهود القادمين من غير تربة تلك الأرض. طوال الفيلم هناك نفحات من مياه الجبل ومياه البحر وتصوير لأديم هذه الأرض الثكلى بالنضال. بعد قليل من شكوى عماد بأنه مجبر على العيش في حدود البلدة وعن رغبته في ألا يشاهد جندياً “إسرائيلياً” بعد اليوم، يتعرّض لمحاولة إذلاله عند حاجز “إسرائيلي” حين عودته وثريا من فوق تلك التلّة التي جلسا يتحدّثان فوقها. يُطلب منه رفع قميصه يفعل. يُطلب منه خلع سرواله والوقوف عارياً يفعل. ترقب هي ويرقب المشاهد معها. الصورة أفضل من ألف كلمة بالفعل.

هناك حدود لقدرات المخرجة على صعيد تشكيل الفيلم فنيّاً. إنه بحاجة الى صياغة سينمائية حقيقية وكاملة عوض صياغته الحالية التي هي أقرب الى المقال النثري، لكنه لا يحوي ضعفاً ظاهراً او ركاكة في التنفيذ. يتقصّد ما يقول ويجد الشكل الفني المناسب له.

على العكس الكامل منه يأتي فيلم “ليلة البايبي دول” الذي عُرض في حفل خاص خارج الإطار الرسمي في المهرجان. والمرء إذ يأسف أن فيلماً مصرياً لم يدخل المهرجان رسمياً، الا أنه سعيد بأن هذا الفيلم بالتحديد لم يستطع ذلك وبقي عرضه في إطار نحو مائة وخمسين مشاهداً معظمهم من العرب. لأن هذا الفيلم الذي يعود به المخرج عادل أديب الى السينما بعد غياب عشر سنوات هو النوع الذي لا يجب أن يُصنع على هذا النحو إطلاقاً.

في مطلع العرض وقف المخرج على المسرح وتحدّث عما يعنيه الفيلم إليه وطلب من ممثليه ليلى علوي، محمود عبد العزيز، محمود حميدة، نور الشريف، سلاف فواخرجي، جمال سليمان، غادة وجميل راتب الصعود الى المسرح ففعلوا، كما طلب من الممثل عمر الشريف، الذي لا علاقة له بالفيلم، الصعود ففعل. وبعد التقديم والتصفيق استلم المنتج عماد الدين أديب وتحدّث لفترة وجيزة ذكر فيها أن الغاية من خلال هذه الإنتاجات الكبيرة تحقيق العالمية للفيلم العربي.

من هنا أول اختلاف. إنه في المفهوم. ما أنجزته الأفلام العربية من وصول للعالمية كان عبر الطريقين معاً: أفلام صغيرة مثل الفلسطيني “الجنّة الآن” واللبناني “سكر بنات” والتونسي “صمت القصور” لمفيدة التلاتلي (1994) وأفلام كبيرة مثل المصري “الإسكندرية ليه” ليوسف شاهين والجزائري “بلديون” لرشيد بوشارب.

بل كما حققه قبل ساعات قليلة فيلم ماري آن جاسر من نجاح من دون أن تتمتّع بأي من هذه الإمكانيات المادية التي صُرفت على فيلم “ليلة البايبي دول”. فالمسألة ليست مسألة كم أصرف، والموضوع ليس على نحو أن الطريقة لإيصال رسالة سياسية عربية هي أن ننجز عملاً تكلفة تواجده في “كان” وحدها كافية لأن تنتج خمسة أفلام مصرية او عربية أخرى صغيرة.

المسألة هي المعرفة. والمعرفة تؤدي الى الجودة وغيابها يؤدي الى عكس ذلك وهذا ما ينجزه الفيلم الذي قيل إنه جاء في أربع ساعات، ثم تم توليفه الى ثلاث ساعات. النسخة التي عُرضت هنا وصلت الى الساعتين والأربعين دقيقة تقريباً.

الفيلم، خليط موجع من الطروحات. الفيلم يطرح في فترته الزمنية كل ما يصادفه من شأن: احتلال فلسطين، حرب الكويت، حرب العراق، العنصرية الأمريكية، المسألة الديمقراطية، السياسة الخارجية للولايات المتحدة، التطرّف، سجن أبو غريب، أحداث 11/،9 المحافظين الجدد، والضغط الأمريكي على الحكومة المصرية بقطع المعونات وصولاً الى الهولوكوست ذاته.

القصّة التي تحتوي على كل هذا الزخم تتحدّث عن رحلة ينظّمها مصري يعيش في أمريكا (محمود عبد العزيز) حيث يتلقى العلاج بسبب عدم الإنجاب تاركاً زوجته العازفة في الأوركسترا وحدها سنة كاملة، لمجموعة أمريكية (نراها في مشهد ثم لا نعود نراها إطلاقاً) الى مصر بقيادة سارة (ليلى علوي) اليهودية المنتمية الى الحزب الديمقراطي التي تقود حملة لإرساء السلام حول العالم وتحضر للغاية ندوة تقام في مصر. في الوقت ذاته يتصيّد الحضور الأمريكي المدني الإرهابي رضوان الأسيوطي (نور الشريف) الذي كان تعرّض في سجن أبو غريب للتعذيب والاعتداء، ومن ذلك الحين انقلب إرهابياً. سائق التاكسي شكري (جمال سليمان) هو معرفة سابقة وعليه معاونة رضوان لكنه يلتقي بمنظّم الرحلة (عبد العزيز) الذي يريد استغلال الليلة الوحيدة التي سيقضيها في مصر للاختلاء بزوجته العازمة (سلاف فواخرجي) لكنه سيفشل في الاختلاء بها رغم المحاولات فهما لا يملكان الآن بيتاً في مصر والغرفة التي كانت محجوزة له في الفندق أعطيت لسواه والسرير الذي يلجأ إليه في المستشفى يتم كشفه وشقّة شكري في مصر القديمة يداهمها البوليس الساهر على مصلحة القانون ويمثّله الضابط (محمود حميدة) الذي يتعقّب شكري ويبحث عن رضوان، وهذا الأخير يكتشف أن الجنرال الأمريكي (جميل راتب) الذي أشرف على سجن أبو غريب موجود في مصر ما يزيد من حقده ومن رغبته في تفجير الفندق بأسره. نفهم من خارج الفيلم أنه زرع عبوات فيه ويكفيه أن يضغط على زر الريموت كونترول، لكن هذا لا يحدث ولا يحدث أيضاً أن يخلو الزوجان معاً.

كل واحد من هذه الشخصيات تقريباً لديه فلاشباكات متكررّة تنتقل به من الزمن والمكان الحاليين الى مكان ما: عدة مشاهد فلاشباك في نيويورك، وعدة مشاهد فلاشباك في العراق، وأخرى في فلسطين وكل مجموعة تفتح الباب على قصّة وشخصيات إضافية. في بعض الأحيان (كما في مشهد راقصة وجندي “إسرائيلي” يطلق النار على نفسه) لا نعرف من هي هذه الشخصيات الدخيلة ولماذا تفعل ما تفعل. او كيف تعرّف نور الشريف بالفتاة التي شاهدها آخر مرّة حين كان كل منهما في الرابعة من عمره. المنطق في آخر قائمة العناصر التي يعمد إليها الفيلم. هناك الى جانب حسن السرد وحسن التوظيف. اما المقدّمة فهي لسوء التركيب وسوء التنفيذ درامياً مع أطياف من المشاكل التي عانت منها السينما في مصر مثل الموسيقا الصادحة في أماكنها الصحيحة حيناً وفي أماكنها غير المطلوبة في معظم الأحيان، والمواقف التي تخلط الكوميديا بالدراما بالوطني بالسياسي بالعاطفي وبالتشويقي وليس على أفضل وجه.

فيلم عادل أديب لا يخفي نقده للوضع لا في مصر ولا في العالم، لكنه مثل رشاش مفتوح على كل الاتجاهات وكل رصاصاته تذهب سدى. 

مهرجان الشرق الأوسط يكشف عن قواعده الجديدة

أعلن محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عن تفاصيل الدورة الجديدة من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، وذلك في إطار الاستراتيجية الثقافية للعاصمة الإماراتية، وبحيث استوجب ذلك تطوير قواعد المهرجان في دورته الثانية التي تنعقد من 10 إلى 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2008 في أبوظبي، ليصبح المهرجان عشرة أيام بدلا من خمسة، ويثبت موعده سنوياً في نفس الفترة من كل عام، وأصبح يمنح جوائز نقدية لصناع الأفلام يزيد مجموعها على مليون دولار أمريكي، وهي أكبر جوائز نقدية على مستوى كل مهرجانات السينما في العالم.

جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي، والذي انعقد أمس الأول في جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في القرية العالمية بمدينة كان وضمن فعاليات مهرجانها السينمائي الدولي، وحضر المؤتمر عدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية التي أبدت اهتماماً ملحوظ بالحضور السينمائي البارز للعاصمة الإماراتية وجهودها لأن تصبح مركزاً عالمياً لصناعة السينما.

وشارك في المؤتمر الصحافي كل من نشوة الرويني مديرة المهرجان، وعيسى المزروعي مدير إدارة المشاريع في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وعبدالله البستكي مدير مسابقة أفلام من الإمارات، وجون فيتزغيرالد مدير البرنامج، وأدريان بريغز مديرة وحدة تمويل الأفلام، وسمير فريد مستشار المهرجان.

ومن حيث المفهوم أصبح مهرجان الشرق الأوسط الوحيد من نوعه بين مئات المهرجانات الذي يمنح جوائز لكل أنواع الأفلام الثلاثة (روائية وتسجيلية وتحريك)، سواء للأفلام الطويلة أم القصيرة أم أفلام الطلبة. وتمنح القيمة النقدية لجوائز اللؤلؤة السوداء مناصفة بين المنتج والمخرج، إلى جانب جائزتين لأحسن ممثلة وأحسن ممثل، وجائزة لأحسن إسهام فني في الفنون السينمائية المختلفة ما عدا الإخراج والتمثيل.

وأصبح المهرجان يتكون من عشرة أقسام وهي المسابقات الثلاث للأفلام الطويلة والقصيرة وأفلام الطلبة، وبرنامج عروض خاصة، وبرنامج أفلام دول مجلس التعاون الخليجي، وبرنامج مخرجات من العالم العربي، وبرنامج تكريم شخصيتين منهما شخصية عربية، وتمّ في الدورة الثانية إضافة برنامج أفلام البيئة، وبرنامج مهرجان المهرجانات الذي يعرض مختارات من أفلام المهرجانات الأخرى، وبرنامج تاريخي، ومسابقة للإعلانات.

وسيكون مجموع الأفلام التي ستعرض في المسابقات الثلاث من الأنواع الثلاثة 60 فيلماً (18 فيلماً طويلاً، 22 فيلماً قصيراً، 20 من أفلام الطلبة)، وهي مسابقات دولية مفتوحة لكل الدول، حيث توضح إدارة المهرجان أنه ليس المقصود من اسم المهرجان أن يقتصر على أفلام الشرق الأوسط مثل مهرجانات أفلام البحر المتوسط أو أي منطقة جغرافية أخرى، وإنما المقصود التعبير عن طموح مهرجان أبوظبي في أن يكون محورياً في هذه المنطقة من العالم.

وقالت نشوة الرويني: نعمل على أن تكون ال 60 فيلماً المتسابقة على جوائز المليون دولار كعرض عالمي أول في المهرجان، أي خارج بلدانها، أو قبل العرض في هذه البلدان، مع استثناء الأفلام التي عرضت في مسابقات ثلاثة مهرجانات فقط هي برلين وكان وفينيسيا.

وهذا العام ولأول مرة يقيم المهرجان معرضاً للملصقات تحت عنوان “ملصقات الأفلام العربية” يضم 50 ملصقاً أصلياً من مختلف الدول العربية، ومن فترات من تاريخ هذه السينما. 

أوراق ناقد

النجاح العربي السينمائي

ما يفعله هذا المهرجان أفضل من سواه هو لفت النظر الى سينمات الدول ذات الانتاجات المحدودة. تلك التي لا صناعات سينمائية كبيرة فيها لكنها تتقدّم بأفضل ما لديها وهذا ما يتيح لهذا الأفضل أن ينتشر على نحو استثنائي لافتاً الأنظار لا الى تلك الانتاجات المميّزة لها فقط، بل الى وضع هذه السينمات الراهن ما يجعل النقاد والأسواق التجارية تهتم بملاحقة كل جديد تنتجه هذه السينما الى أن تأتي ضربة قاضية علي فيلم ظُن به أنه سوف يحمل المشعل خطوات أخرى الى الأمام، لكنه على العكس يخمده ويصير لزاماً على تلك السينما أن تبدأ محاولاتها من جديد.

في العام الماضي انطلق فيلمان مميّزان من هذه الفئة. فيلمان صغيران من بلدين لا صناعة سينمائية فيهما بل مجرد انتاجات متفرّقة وسوق محدودة ومحاولات مبذولة من قِبل مخرجين يحرقون كل الجسور بينهم وبين الواقع المحيط بهم سعياً لإنجاز أفلامهم على النحو الذي يرغبونه وبإيمان مطلق بفاعلية هذا النحو وقدرته على الوصول الى الناس. فيلمان لكل منهما طبيعته الخاصة- المختلفة فنيّاً ومضموناً لكنهما ينطلقان جواهر حين النظر من خلالهما الى البلدين اللذين جاءا منهما.

الفيلمان هما “أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان” للمخرج كرستيان مانجو من رومانيا و”سكر بنات” للمخرجة نادين لبكي من لبنان. الأول عُرض في المسابقة وخطف سعفتها الذهبية، والثاني عُرض في تظاهرة “نصف شهر المخرجين” الذي كان أنجح فيلم تم عرضه في ذلك القسم المهم، على صعيدي النقد، وهو الصعيد الفني، والجماهيري، وهو الصعيد التجاري.

كلا الفيلمين حقق نجاحا كاملاً: طار وحط من مهرجان الى آخر وعُرض تجارياً مستردّاً تكاليفه غير الباهظة بسهولة وبل أضعاف تلك التكاليف. وكلاهما ركّز الأنظار الى هذين البلدين. وكل من هذين البلدين عرف سابقاً ذات الشهرة المفاجئة: رومانيا سبق لها وأن ظهرت فجأة على السطح بفيلم أسبق عنوانه “موت السيد لازارسكو” الذي أخرجه كرستي بويو، ولبنان شهد عدّة نجاحات سابقة خاطفة مثل أفلام عدّة للراحل مارون بغدادي في الثمانينات ومثل فيلم فيليب عرقتنجي الأول “الباص” وهو المخرج الذي كرر في فانيسيا -والى حد- ما فعله فيلم نادين لبكي في “كان” إذ قدّم فيه فيلمه الثاني “تحت القصف” وحقق به نجاحاً مشابهاً وإن أقل أثراً وحجماً.

هذا العام لدى السينما الفلسطينية ذات الإمكانية ولو أنه سيكون من الصعب إنجاز ذات النجاح الذي حققه فيلم “سكّر بنات”، ففيلم ماري آن جاسر آيل الى نجاح لافت نقدياً وتجارياً خصوصاً إذا ما فاز بجائزة أفضل فيلم في نطاق مسابقة تظاهرة “نظرة خاصّة” او بجائزة “الكاميرا الذهبية” لأول فيلم.

كما يفصح الموضوع الرئيسي اليوم، فإن الفيلم يقدّم للسينما الفلسطينية ما قدّمه فيلم هاني أبو أسعد لتلك السينما حين أنجز عمله السابق “الجنّة الآن”. وكان ذلك الفيلم اشترك في مهرجان برلين السينمائي الدولي ونجح في نطاقه وتوالت نجاحاته الى أن وصل الى الترشيحات الرسمية النهائية كأفضل فيلم أجنبي للأوسكار وذلك لم يحدث لأي فيلم عربي من قبل.

العالم العربي للأسف لا يعرف لا قيمة هذه المحاولات الجسورة والناجحة ولا كيف تهيّىء المشاهد الغربي لمراجعة مترسّباته من المفاهيم حول العرب والمسلمين. لا يدرك أن نجاح فيلم سينمائي واحد هو أفضل من عشرات المقالات ومئات الصور ومئات ألوف الدولارات تُصرف في محاولات إعلامية يرمي إليها الغربي نظرة سريعة فيفهم أنها رسمية ومدفوعة.

العالم العربي، بعد كل هذه التجارب، لا يزال لا يقدّر حق التقدير حقيقة أن السينما هي رأس الحربة في النجاح لا الإعلامي فقط، بل في أي غاية سياسية أخرى يتوخّاها هذا البلد او ذاك. لو كان يعرف لكان من السهل على دوله إرساء الحوافز والإمكانيات لمزيد من هذه الأفلام عوض أن يُترك الأمر لكل سينمائي على حدة ينهض ويسقط ثم ينهض ثم يسقط في بحثه عن وسائل تمكّنه من الاستمرار.

الخليج الإماراتية في 18 مايو 2008

 
 

تحفة شكسبيرية من تركيا وفيلم الرسومات يدافع عن المسلمين

بقلم  سمير فريد

الفيلم الثاني من أفلام المسابقة الذي نرشحه لكي يفوز في المهرجان هذا العام، هو الفيلم التركي «القرود الثلاثة» إخراج نوري بلجي سيلان، وذلك إلي جانب الفيلم الإسرائيلي «رقصة الفالس مع بشير» إخراج آري فولمان، وعندما نقول إننا نرشح هذا الفيلم أو ذاك للفوز، فالمقصود الفوز بأي جائزة من السعفة الذهبية إلي جائزة لجنة التحكيم، والجوائز الأخري بين هذه وتلك، أي أنه جدير بالفوز، ومن الصعب تجاهله علي مسرح حفل الختام، حيث تعلن الجوائز الأحد المقبل.

يبدع سيلان بأسلوبه المتفرد الذي ينتمي إلي «عائلة» بريسون وتاركوفسكي وأنجلوبولوس وشادي عبدالسلام وناصر خمير وغيرهم من الذين جعلوا لغة السينما لغة للفلسفة، دراما شكسبيرية عن الحب والجنس والأبوة والأمومة والانتقام والغفران والفقر والثراء، ويلمس الأعماق الخفية للبشر دون ادعاء الإجابة عن كل الأسئلة، وإنما بإثارة التفكير في صياغته الجديدة للأسئلة القديمة التي كانت موضوعاً لأعمال درامية كبري مثل هاملت، وعطيل من روائع شكسبير.

ولكن علي النقيض من المسرح، الحوار هنا قليل جداً من حيث الحجم، وعميق جداً من حيث الإيجاز الدال في اللحظة المناسبة، وكل ما ندركه بالعقل ونشعر به بالوجدان يأتي من خلال أسلوب سينمائي خالص يعتمد علي التكوين والمونتاج وأحجام اللقطات ونظرات العيون ولمسات الأيدي والألوان والظلال، ولا موسيقي في الفيلم علي الإطلاق، وعلي شريط الصوت الحوار والمؤثرات الصوتية فقط، وكان بريسون يتساءل دائماً عن مصدر الموسيقي المؤلفة علي شريط الصوت، ومدي دورها في الإقناع الدرامي من عدمه، واتباعاً للقواعد البريسونية أيضاً، في فيلم سيلان «جريمتا قتل» ولكننا لا نري أياً منهما، فالمتفرج يعرف أن القتل علي الشاشة تمثيل ولا علاقة له بالحقيقة.

تلخيص قصة الفيلم مثل أن تلخص عطيل فتقول إنه شك في زوجته فقتلها وهي بريئة، فعظمة النص الشكسبيري ليست في الحكاية، وإنما في كيفية روايتها، والمحتوي في هذه الكيفية، أي في الأسلوب ذاته، وكذلك الفيلم التركي الذي يبدأ بجريمة قتل خطأ يرتكبها رجل أعمال وسياسي عندما كان يقود سيارته وهو مرهق فصدم شخصاً عابراً وطلب من سائقه الادعاء بأن ابنه إسماعيل كان يقود السيارة، ولكن الأب يذهب إلي السجن بدلاً من ابنه، وأثناء فترة السجن يغوي رجل الأعمال زوجة السائق «هاجر»، وعندما يقتله إسماعيل يقوم الأب بالاتفاق مع شاب يتيم دون مأوي ليعترف بأنه القاتل بدلاً من إسماعيل.

وخارج المسابقة عرض الفيلم التسجيلي الفرنسي الطويل «حب الحمقي» إخراج دانييل ليكونت، عن محاكمة جريدة «شارلي إبدو» الفرنسية الساخرة بناء علي دعوي رفعتها مؤسسات إسلامية في فرنسا لأن الجريدة قامت بإعادة نشر رسومات الكاريكاتير الدنماركية التي تعرف في العالمين العربي والإسلامي بـ«الرسومات المسيئة»، وقد جاء الفيلم موضوعياً في عرضه لجميع وجهات النظر في هذه القضية شديدة الحساسية، ولم يبرر قط الإساءة إلي الإسلام والمسلمين، وإنما فسر الأسباب التي جعلت البعض يربطون بين الإسلام والإرهاب، ومن الواضح تماماً أن قضية الفيلم هي الدفاع عن حرية التعبير، وليس حرية الإساءة إلي الإسلام أو أي دين، وجاء في مرافعة الدفاع عن الجريدة أنها استقبلت بابا الفاتيكان عندما زار فرنسا بعنوان «بابا الخراء يزور فرنسا»، وسخرت من حاخامات اليهود، وأن إدانة الجريدة تعني أن يكون للإسلام وضع خاص يتعارض مع القوانين الفرنسية.

خيبة أمل من الفيلم الفلسطيني

الفيلم العربي الوحيد في كل برامج المهرجان والبرنامجين الموازيين لنقابتي النقاد والمخرجين، هو الفيلم الذي عرض باسم فلسطين في برنامج «نظرة خاصة»، وعنوانه العربي «ملح هذا البحر» إخراج آن ماري جاسر، في أول أفلامها الروائية الطويلة، وقد عرض الفيلم يوم ١٦ مايو بعد عرض فيلم إسرائيل يوم ١٥ في ذكري مرور ٦٠ سنة علي إنشاء إسرائيل، وجاء في ختام الفيلم الفلسطيني أنه يعرض في ذكري مرور ٦٠ سنة علي نكبة فلسطين.

صعد تيري فيرمو، مدير مهرجان كان، علي المسرح مرتدياً الكوفية الفلسطينية، وقال إنها هدية من المخرجة قبل أن يقدمها مع عدد من صناع الفيلم، وصفق جمهور قاعة ديبوس طويلاً في استقبال فيرمو وفريق الفيلم، ولكن «ملح هذا البحر» جاء مخيباً للآمال التي عقدت عليه، خاصة أن مخرجته سبق أن أخرجت فيلماً قصيراً متميزاً بعنوان «كأنه عشرون مستحيلاً».

الشخصية الرئيسية «ثريا» فتاة فلسطينية ولدت في نيويورك، وأصلها من أسرة فلسطينية في يافا طردت عام ١٩٤٨، وعاشت في مخيمات لبنان قبل أن تهاجر إلي أمريكا، ويبدأ الفيلم بالفتاة تزور بلادها الأصلية بعد ٦٠ سنة، وتنوي العودة إليها، ولكنها تصدم بالواقع سواء في أرض السلطة الوطنية الفلسطينية أو في إسرائيل، وينتهي الفيلم بطردها مرة أخري من بلادها، والحكاية علي الورق تبدو تعبيراً جيداً عن معاناة الشعب الفلسطيني، ولكن المعالجة الدرامية ضعيفة، والإخراج تقليدي، والمحتوي شديد التبسيط لقضية مركبة، أو أصبحت مركبة بعد ٦٠ سنة من الصراع في ميادين القتال وموائد المفاوضات، إنه فيلم عزيزة أمير «فتاة من فلسطين» الذي أنتجته بعد حرب ١٩٤٨ مباشرة، ولكن بتقنية أفضل، وبينما يمكن تبرير سذاجة فيلم عزيزة أمير عام ١٩٤٨، لا يمكن تبرير سذاجة فيلم آن ماري جاسر عام ٢٠٠٨.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 18 مايو 2008

 
 

فيلمان عربيان والحرب ثالثتهما

«النكبـة» تطفو على شـاشـة كان و«البيبي دول» أطفأ النجوم

زياد عبدالله - كان

وكالات/ حضرت السينما العربية أول من أمس عبر فيلمين في الدورة 61 من مهرجان كان السينمائي، الأول فلسطيني حمل عنوان «ملح هذا البحر»، والثاني مصري هو «ليلة البيبي دول»، وعلى تباينهما، فإنهما حملا القضايا العربية الساخنة، لكن كل على طريقته وليلاه

النكبة طفت أول من أمس على سطح شاشة عروض مسابقة «نظرة ما»،إذ حضرت بقوة عبر الفيلم الفلسطيني «ملح هذا البحر»، وفي يوم ذكرى مرور ستين عاما عليها.

خصوصية الفيلم وما يتصدى إلى تقديمه أخر العرض، ومنح ما يقرب نصف الساعة لظهور مخرجة الفيلم آن ماري جاسر وبطلي الفيلم صلاح بكري وسهير حمد، والمنتج جاك بيدو والممثل الأميركي داني كلوفر المسهم في الانتاج، الذي بدا في غاية السعادة لأن هذا الفيلم قد تحقق، وحين مُنحت الكلمة إلى آن ماري جاسر لم تستطع تمالك نفسها، وقالت بإيجاز، «إنه فيلم عن النكبة، ومعروض في يوم خاص جدا لنا نحن الفلسطينين».

ما تقدم لم يحدث لأي من عروض مسابقة أفلام «نظرة ما»، كما أن مكبرات الصوت التي تصدح بموسيقى الجاز قبل أي من العروض، كانت تتردد من خلالها هذه المرة أغنية «يا بحرية . . هيلا هيلا».

جميع من ظهر على المسرح كان يرتدي الكوفية الفلسطينية، ولعل فيلم «ملح هذا البحر» ومنذ بدايته كان مشغولا تماما بإحياء تلك النكبة، ومن اللقطة الأولى التي جاءت وثائقية، تضع أمام المشاهد الجرافات الاسرائيلية وهي تهدم البيوت وتهجّر الشعب الفلسطيني.

يمضي فيلم «ملح هذا البحر» خلف قصته البسيطة والعفوية فورا ودون مقدمات، ما عدا التوثيق لما حلّ بفلسطين عام 1948، ولعل بساطة القصة لها أن تكون على تناغم مع بديهية ما ترويه، حيث نشاهد فتاة أميركية تتعرض لاستجواب مطوّل من قبل ضابطة اسرائيلية في مطار تل أبيب، ولتتكرر الأسئلة نفسها من ضابط إلى آخر، ونعرف من اجابتها أنها ولدت في بروكلين، بينما والدها ولد في لبنان، لكن جدها في يافا، وفي هذا ما يدفع الأمن الاسرائيلي إلى التمادي معها، وتعريضها إلى تفتيش دقيق وصارم، ومنحها تأشيرة دخول لأسبوعين فقط.

ثريا عائدة إلى الأرض التي طالما حلمت بها، تريد أن ترى بيت جدها في يافا، أن تسبح في البحر الذي يسبح فيه، ولتتعرف في رام الله إلى عماد الذي لم يخرج منها منذ 17 عاما، وعليه فإن كليهما يحلم بفلسطين التي لم يقع عليها بعين، لا بل إن ثريا تطالب بمبلغ من المال تركه جدها في البنك قبل النكبة، ولتمضي الأحداث بهما وبمساعدة صديق لعماد بالسطو على البنك، وتحصيل ما تعدّه ثريا حقها من ميراث جدها، مضافا إليه مبلغ صغير، وليقوم ثلاثتهم بالخروج من رام الله إلى القدس، ثم  يافا، وليتحول الفيلم إلى فيلم ينتمي إلى سينما الطريق، يمضي بهم نحو التعرف إلى فلسطين التي يرونها للمرة الأولى متنقلين من مكان إلى آخر، ليذوقوا طعم ملح البحر، وبرتقال يافا، وتصل ثريا  إلى بيت جدها، ولتمضي بعد ذلك برفقة عماد إلى قريته «الدواينة»، حيث يقرران السكن في أحد البيت المهجورة، لكن وكما كل شيء في الفيلم لا يستمر الأمر، فمساحة الحلم دائما سرعان ما تضيق، والرغبة في البقاء في أي بقعة من فلسطين سرعان ما تكتشف استحالتها، وصولا إلى إلقاء الشرطة القبض على عماد، وتسفير ثريا إلى أميركا، و الأسئلة التي استقبلها بها الضابط الاسرائيلي نفسها، لكن مع اجابات مختلفة، كأن تجيب بأنها ولدت في يافا.  

المخرج الأميركي مايكل مور المناهض لبوش

وكالات: في فيلم آن ماري جاسر، فسحة حلم وفرح وأمل، لكنها محاصرة بالواقع، الذي ما إن تحيد الشخصيات عنه حتى يتنكر بهيئة جديدة أشد قسوة، كلما حاولت مواجهته بالواقع الذي تعرفه من جدها، حتى بدا الذين حولها يتعاملون معه كذكرى. إنه فيلم لفلسطين التاريخية كما كتب في المنشور التعريفي بفلسطين، وله أن يؤكد ما يتم تجاهله ألا وهو أن فلسطين هي فلسطين 48 .

ننتقل إلى فيلم «ليلة البيبي دول» الذي عرض خارج العروض الرسمية للمهرجان، وضمن ما يعرف بـ«سوق كان»، ولعل الفيلم سُبق بحملة إعلامية هائلة قبل عرضه، فقد تصدر إعلانه غلاف مجلتي «فاريتي» و«سكري»، وعلقت إعلاناته أيضا في شوارع مدينة كان بقوة وبالتالي بكلفة عالية جدا، ويمكن الاضافة على ذلك أنه ولدى عرضه أول من أمس، حضر جميع النجوم الذين شاركوا في هذا العمل المرتقب، ولكم أن تعدوا على أصابعكم إن كانت كافية: محمود عبدالعزيز، نور الشريف، سلاف فواخرجي، جمال سليمان، ليلى علوي، محمود حميدة، جميل راتب، غادة عبدالرازق، محمود الجندي، نيكول سابا.... كل أولئك شاركوا في فيلم «ليلة البيي دول» وغيرهم، وحضروا أول من أمس مضافا إليهم عمر الشريف الذي لم يشارك في الفيلم إلا أنه حضر الافتتاح، وصعد إلى خشبة المسرح، وقال «لم أشارك في الفيلم، لكنني أتساءل ما دام كل هؤلاء النجوم شاركوا فيه فلمَ لم تدعوني»، موجها كلامه إلى المخرج عادل أديب ومدير الشركة المنتجة «غود نيوز» عماد الدين أديب، ولئلا يفوتني فإن الفيلم أيضا مهدى إلى روح عبدالحي أديب كاتب سيناريو الفيلم.  

الملاكم الأميركي مايك تايسون وأبناؤه

وكالات: بدأ العرض ومضى الفيلم أمامنا، ونحن نقلب معه وجوه النجوم والأحداث والمواعظ والحوارات المركبة، وبطولة «الفلاش باك» المطلقة في الفيلم، حيث ما إن يذكر حدث ما حتى تعود الكاميرا على الفور في الزمن وتستحضر هذا الحدث، ولأكون أكثر دقة فما إن ترمش عين الشخصية بذكرى حتى تعود بنا الكاميرا إليها، وبالتالي فإن أبطال الفيلم هم شهود على كل ما شهده العالم ابتداء من 11 سبتمبر وصولا إلى الآن، وتحديدا في العراق، ولي أن استدرك وأقول إن أبطال الفيلم ليسوا جميعا شهودا فقط بل مسهمين في الأحداث، مثل عوضين (نور الشريف) المشارك في كل حروب المنطقة، والبطل والمعتقل في سجن أبو غريب أيضا وغير ذلك، والمتحول إلى إرهابي، والذي يكون طيلة الفيلم في طريقه إلى تفجير الفندق الذي يستضيف وفدا أميركيا. ومن جهة أخرى نرى حسام (محمود عبدالعزيز) مرافق ذلك الوفد، لا يبحث إلا عن وصال زوجته (سلاف فواخرجي) التي كان بعيدا عنها لسنة، وبين هذين الخطين يمتد إلى ما يتجاوز العشرين أو أكثر عودة في الزمن لاستعادة مجانية للاحداث، وعلى طريقة وعظية، وحوار له أن يكون تعليميا لا دراميا، لا بل إن المدهش في الأمر، أن العودة في الزمن لم توفر أي شيء، وبدا الأمر كما أنه هدر في الصورة، والتي كانت على تقنية عالية طيلة الفيلم.   

انجيلينا جولي وبراد بيت

التباس فني  

وكالات / في فيلم «ليلة البيبي دول» الذي قدم هجائية على طريقته للسياسة الأميركية، متبنيا أيضا مقولة كاتبه «أنبل عمل هو مقاومة الاحتلال. وأسوأ جريمة ارتكبت ضد البشرية هي تبرير الارهاب»، جملة ملتبسة، مثل أمور كثيرة ارتجالية في الفيلم، كأن تجري المقارنة بين فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين والاحتلال الأميركي، وأن يقاس الأمر بعدد القتلى الذين وقعوا على يد كل واحد منهم.

أمور كثيرة بحاجة لتمحيص وتدقيق في فيلم «البيبي دول» والذي روج له بأنه الأكثر تكلفة في تاريخ السينما المصرية، ولعل هذا الأمر الوحيد الواضح في الفيلم.

الإمارات اليوم في 10 مايو 2008

 
 

جدلية الصدام والجاذبية

في فيكي كريستينا برشلونة لوودي آلن

قصي صالح الدرويش من كان

برشاقته المعتادة، يقدم وودي آلن عملا سينمائيا جديدا خفيف الدم والظل، يطرح من خلاله أسئلة بسيطة وصريحة حول الحياة وجدلية الرفض والجاذبية. بهذا الفيلم الذي يحمل عنوان "فيكي كريستينا برشلونة" يخرج وودي ألن من شخصيته كممثل ومن عالمه النيويوركي المغلق. بعبارة أخرى، الفيلم لا يتحدث عن هموم وودي آلن الشخصية التي ألفناها سابقا أو بالأحرى هكذا يبدو الأمر.

أحداث هذا الفيلم تدور في مدينة برشلونة التي وصلت إليها شابتان أمريكيتان هما فيكي السمراء المتحفظة التي جاءت من أجل إنهاء أطروحتها الجامعية عن الأصول الكاتالانية، وكريستينا الشقراء المنفتحة على مختلف التجارب العاطفية والتي رافقت صديقتها سعيا وراء تطلعات فنية وعاطفية غير واضحة المعالم. سرعان ما تتعرف الفتاتان على رسام إسباني نجمه في صعود يقترح عليهما الانتقال بالطائرة إلى منطقة اوفيدو لقضاء نهاية الأسبوع في التعرف على المنطقة وممارسة الحب معه. هذا الأسلوب المباشر يصدم فيكي المحافظة التي ترفض الفكرة بينما تتحمس كريستينا المغامرة لهذه الدعوة المثيرة. وأمام إلحاح كريستينا تقبل صديقتها مرافقتها رغم الحذر وربما الخوف الذي يخالجها، وفي اوفيدو وبين أزقتها تتعرف الأمريكيتان على الرسام جون انطونيو واهتماماته ويحكي لهما عن زوجته السابقة ماريا إيلينا العاشقة النارية التي أراد التخلص من تعلقها به والانصراف إلى حياة أكثر تناغما. ويتطور الحوار بين كريستينا والرسام بينما تبدو فيكي معزولة، لكن حين يبدأ الاثنان العناق والقبلات تصاب كريستينا بآلام قرحة معدية تحركت بفعل تناول الكحول. وبينما تتلقى العلاج في المستشفى يبدأ حوار بين فيكي والرسام يتخلله احتساء للنبيذ على أنغام القيثارة وينتهي بهما إلى الفراش في ليل صاح منعش.

في اليوم الثاني تستعيد كريستينا عافيتها وحيويتها وتستأنف علاقتها مع جون انطوني لتصبح فيكي مجددا مجرد رقم زائد أو شاهد غريب محايد، لكن أعماقها اهتزت بعد مغامرة الليلة الفائتة، خاصة وأنها كانت تنادي بالإخلاص لرجل واحد هو الذي تستعد للزواج منه فور عودتها إلى نيويورك. لكن قرار فيكي الهرب والعودة إلى بلدها وخطيبها لا يخلي الساحة أمام كريستينا، فسرعان ما تظهر زوجة الرسام التي تحاول الانتحار كي تستعيده وبالفعل تعود إليه وهو يعيش مع كريستينا، لتبدأ علاقة غرامية ثلاثية قاربت في انتظامها حد الرتابة والملل فتقرر كل من فيكي والزوجة الابتعاد عن الرسام بحثا عن آفاق أخرى وتكاد تكون تلك نهاية الفيلم لولا عودة فيكي إلى الظهور وسعيها إلى جون انطوني بحثا عن أسرار ومشاعر غريبة طالما كبتتها. وعندما ترتمي في أحضانه تعود الزوجة إلى الظهور وبشكل مأساوي هذه المرة.

 دوامة شجار وحب وملل وقطيعة، الدوامة التي يعيشها وودي الن في حياته المنتظمة والمعتادة والتي تفجرت ثم تفجرت مرات. وقد تكون هذه الدوامة المتجددة مملة بدورها لأن لا نهاية كاملة لها، فحكمتها تظل جزئية، لكنها رغم ذلك هي التي تجعل فنانا كبيرا مثل وودي آلن قادرا على مواصلة العمل والتمتع بعمله، وهي متعة يدركها اليوم بعيدا عن التمثيل الذي كان نوعا من العلاج الشخصي للمخرج المؤلف. وحين ساله أحد الصحافيين عن السبب الذي جعله يصور الفيلم في برشلونة؟ أجاب وبصراحة مدهشة بأن فكرة التمويل عرضت عليه شرط تصوير الفيلم في برشلونة وكان يريد أن يقضي عطلته الصيفية. الجواب قد يكون بسيطا فعلا إلى هذه الدرجة، لكن على أية حال فإن التصوير في عاصمة إقليم كاتالونيا منح الفيلم صفته الشخصية الجغرافية وبعده الثقافي والنفسي في إطار الانجذاب والصدام بين الرسام وزوجته السابقة وهما إسبانيان وبين الشابتين الأمريكيتين اللتين وقعتها أسيرتي هذه الجاذبية اللاتينية. بمهارة حكيم صور وودي الن فيلمه الذي أبدع فيه الممثلون الموهوبون من أمثال خافيار باردين في دورالرسام وبينلوبي كروز في دور الزوجة وبيريكا هال في دور فيكي وسكارليت يوهانسون في كريستينا. وبالطبع صفق جمهور كان وكعادته لوودي آلن مع أن هذا الأخير وكالعادة لم يشارك في مسابقة التنافس الرسمية وكأنه أكبر منها بكثير.

موقع "إيلاف" في 18 مايو 2008

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي

غواية الشيوخ في فيلم ألماني والمطر يغرق كان!

محمد موسى من كان

كل شيء بدا متأخرًا، أو ربما هكذا بدا لي، الباص الذاهب إلى مدينة كان الفرنسية، المراهقون الفرنسيون الذين أضجروا السائق بشقاوتهم، ليوقف الباص مرات عديدة. المطر الذي يغرق الشوارع التي تربط بين القرى الفرنسية التي تبدأ من مدينة "نيس". مطر غريب على هذه الاوقات من الربيع هنا، ريح معدومة، مما ينبئ بأيام من المطر العالق مثل مطر الافلام تمامًا!

يصل الباص أخيرًا الى كان، زحمة زوار المهرجان واضحة بالطبع، الآلف من الصحافيين والمهتمين والمعجبين يضيقون الارصفة التي تقابل المسارح الكبيرة هناك. مدخل القسم الصحافي للمهرجان الذي ينظم البطاقات الصحفية هو نفسه، كل شيء يجري من دون تعطيلات هذه المرة، ولا صفوف من المنتظرين، على الرغم من ذلك بدا ثقل الوقت مزعجًا حقًا. الايام الاولى من المهرجان والتي لم استطع حضورها لاسباب قاهرة، جعلت اي تاخير آخر عن المهرجان متعبًا. بالطبع لم يساعد كل من كتب عن المهرجان من عرب واجانب، بالحديث عن افلام هذه السنة، وبانها دورة متميزة بمواضيع افلامها، ومخرجيها، وسير بعض الشخصيات التي تتناولها افلام لمخرجين كبار.

بالقرب من قاعة المؤتمرات الصحفية، يجتمع مئات المصورين والصحافيين بانتظار نجوم ما، عدد الصحافيين الكبير جدًا يشير الى ان الشخصية المنتظرة هي من فئة النجوم الشعبية جدًا، اسال أحد الزملاء الانكليزي، يخبرني ان الجميع بانتظار الممثل والمخرج الكبير "وودي الين" وابطال فيلمه "فيكي،كريسينا، برشلونه"، الذي يعرض خارج المسابقة، يتحرك الزحام فجاة. وصل "وودي الن" اذن، جسم ضئيل كثيراً، والكبر بدا واضحًا، بدا بعيدًا عن صورته الشابة في افلام مثل "اني هيل"، والذي شاهدته بالصدفة على شريط الدي في دي قبل ايام من المهرجان.

لا وقت لانتظار نجوم الفيلم، ابحث سريعًا عن اي فيلم يعرض، في الصالات القريبة، اجد فيلمًا المانيًا يعرض ضمن مسابقة وجهة نظر، ليكن اذن فيلم "سحاب 9"، هو فيلمي الاول لهذه الدورة من كان!

سحاب 9

قدم المخرج الألماني "اندرياس دريسين"، ابطال فيلمه على المسرح قبل عرضه، هم ثلاثة من الممثلين الذي تجاوز الستين من العمر، وممثلة في الاربعينات. هذا فيلم عن المسنين اذن، لا نجوم شباب في الفيلم، وشخصيات المتقدمين بالعمر هي ليست صدا لشخصيات الشباب، بل هي من تقود الدراما، والحياة التي قدمت في الفيلم هي حياتها الخاصة، التي تاثرت بالخيارات الواعية التي اخذتها.

تزور السيدة التي تجاوز عمرها الخمسينات من العمر، والتي تعمل كخياطة، احد الزبائن الذي يكبرها بالسن، بعد دقائق فقط من وجودها هناك، يبدان في ممارسة الجنس، تغادر السيدة الى بيتها والى زوجها الذي تعيش معه منذ اكثر من 30 عامًا، والى حياتها المرتبه، ومجموعة السيدات المسنات التي تغني معهم كل يوم احد.

الدوافع التي دفعت البطلة، الى تلك المغامرة، والتي لا تنسجم مع حياتها الهادئة، تبقى من دون تغيير، بحثها عن الحب مجددًا، خوفها من الموت، تعود السيدة الى الرجل نفسه ويبدآن بعلاقة عاطفية. علاقة المراة المتزوجة بشخص آخر، والتي هي ضد النظم الاخلاقية التي تحملها المجتمعات يمكن ان تكون اقل صدامية، لو كان ابطالها من الشباب مثلا او من المتوسطين الاعمار. الفيلم يتحدى ذلك ويقدم القصة بالشخصيات التي قدمها، والتي يعتقد الكثيرون انه من غير الصواب للذين تجاوزوا عمرًا معينًا، إذ تجاوز اخلاقيات معينة.

هذه سينما لجمهور يفتقد حضور صورة جيلة على الشاشات. الجيل الذي يتزايد عددًا في اوروبا، وهو من يملأ صالات السينمات الفنية في اوروبا مثلاً. ويستحق ان تاخذ قصص حياته مساحة اساسية من عدد ما ينتج من افلام.

لقطات من المهرجان

• تحدث الكثير من الزملاء العرب، والذين شاهدوا الفيلم المصري "البيبي دول" عن خيبة املهم الكبيرة من المستوى الضعف للفيلم، ومن غياب المادة البحثية ووقوع الفيلم باخطاء كبيرة، منها الاستعانة بممثلين مصريين لاداء ادوار شخصيات عراقية، بلهحات لا تشبه اللهجات العراقية ابدًا.

• سوف يعرض في الغد العرض الثاني للفيلم اللبناني "بدي شوف" للمخرجيين اللبنانين خليل جريج وجوانا حاجي، الفيلم كان قد عرض البارحة ضمن مسابقة "نظرة ما".

• يعرض اليوم الفيلم الايطالي "جومورا" للمخرج "ماتيو غاروني"، الفيلم يتحدث عن العنف الذي يجري في الجنوب الايطالي ومن المتوقع ان يثير الكثير من الاهتمام بسبب غياب الحضور الايطالي عن المسابقة الكبرى في الدورات القليلة السابقة، وموهبة المخرج الشاب.

موقع "إيلاف" في 18 مايو 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)