كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كان السينمائي في دورته الحادية والستين

نوري سيلان في محن التسلط والإبتزاز وإسرائيلي يصرخ "أين العرب"؟

كانّ ـــ من هوفيك حبشيان 

مهرجان كان السينمائي الدولي الحادي والستون

   
 
 
 
 

بدي شوف" السياحي لا يؤمن بالسينما و"ليلة البيبي دول" أضحك النقاد

نوري سيلان للمرّة الرابعة في كانّ! بهجة اللقاء واياه لا توصف، لا بعبارة ولا بألف. مرّة أخرى أصاب المبرمجون قلب الهدف عبر اختيار احدث أفلام هذا المخرج القدير الذي تتهذب موهبته وينضج عقله السينمائي فيلماً بعد فيلم، وهو ليس الاّ ابناً آخر لكانّ، اذ بدأت قصتهما معاً، ذات أيار من عام 1995، وكان ذلك لمناسبة عرض فيلمه الاوّل "كوكون". أما رؤيته الاخراجية التي تستلهم أزمات الفرد، ففيها من الحدّية والصرامة مما جعل بعض الافلام التي شاهدناها هنا تبدو رخيصة وتنفيذية ولا ضرورة لها، ولا سيّما اذا قارنّا تلك الاعمال مع انجازات سيلان في مجالات الصوت والصورة والتعبير البصري الذي يستغني عن الكلمة المفبركة والحوارات والثرثرة لمصلحة شريط صوتي رفيع المستوى، يكفي ويفي.

اذاً، بعد سنتين على "مناخات"، يعود سيلان بشريط سمّاه "ثلاثة قرود" (مسابقة) عن عائلة تركية تسعى لأن تبقى موحّدة، رافضةً الإقرار بأن ما تعيشه أكاذيب وأوهام. من الصعب تلخيص دراما إنسانية عميقة وسوداوية الى هذا الحدّ، وخصوصاً أن الفيلم تجربة تعاش ولا تُحكى، وهي تُنقل من خلال انفعالات الشخصيات الاربع وسلوكها ونظراتها، وأيضاً من خلال ما يقترحه الشريط الصوتي من مؤثرات طبيعية، كصوت هطل المطر ودوي الرعد والسماء الممتلئة غضباً. هذا كله يلتقطه سيلان بقدرة فائقة على جعل محنة الشخصية محنتنا ودمعتها دمعتنا وكبريائها كبرياءنا. ناهيك بالغنائية التي تستحوذ على معظم العمل. أسئلة وجودية كبيرة يعجّ بها هذا الشريط الذي يحتفي بالطبيعة والعناصر التي يتألف منها الكون. اسئلة معظمها يأتي نتيجة تراكمات وعدم قدرة الحياة اليومية على اجتراح أجوبة مقنعة وصريحة.

منذ زمن ليس بقريب، تقتحم سينما سيلان خصوصيات قومه، مصوِّبةً الاهتمام الى التفاصيل الموحية التي يرسم من خلالها لوحة قاتمة عن أحوال المجتمع التركي المعاصر. شأنه شأن شخصياته التي تجد في الهرب متعة واستغاثة، ينتمي سيلان الى الجيل الذي يحلم بالسينما وطناً بديلاً. وعليه، نراه يبني مساراً سينمائياً يخيّم عليه شبح السينما العالمية من أقصاه الى أقصاه. ما يصوّره سيلان في "ثلاثة قرود"، هو لحظات وجدانية ضخمة، من تلك التي نرى الضعيف يتنامى فيه شعور القوّة، والقوي يمشي فجأة في ركاب من يستغله عاطفياً ومادياً وسياسياً. بالنسبة الى سيلان، أن يفهم الآخرين يعني أن يفهم ذاته ويتحكم بخياراته. لا يوجد في السينما التركية الحديثة، على حدّ علمنا، ما هو أبلغ تعبيراً عن حال الفرد الغارق في محن التسلط والابتزاز ممّا رأيناه في مشهد ختام هذا الفيلم، والذي الى الآن، وفقط ضمن القليل الذي شاهدناه، لا يزال المرشح الاقوى لنيل "السعفة الذهب"، واذا حصل هذا يكون تكريماً لسينما كبيرة ذات تأثير كبير في العقول والقلوب.

¶¶¶

منذ اعلان مشاركة "فالس مع بشير" (مسابقة) في الدورة الحالية من "مهرجان كانّ"، كثر ينتظرون من آري فولمان أن يكون خلفاً لـ"بيرسيبوليس"، المعروض هنا العام الفائت، وذلك للجرأة التي يتسلح بها في التعاطي مع شأن جديّ الى درجة كبيرة، من خلال وسيط بصري (التحريك)، ثمة الى الآن، ولسوء الحظ، من لا يأخذه على محمل الجدّ والاهمية. لحظات قليلة تكفي ليحملنا الفيلم الى أحضانه ويروي لنا تجربة مرّة وقاسية تجول في فلك العبثية وعدم جدوى التقاتل والعنف، وهو ما قامت عليه خطب عشرات الافلام القيّمة والعابرة على حدّ سواء. على رغم ذلك، وجد فولمان حيزاً للابداع رمى من خلاله نظرته الثاقبة على واقع عاشه، لكنه تسلل من بين انامله كحبّات الرمل. القصة اذاً قصة آري فولمان، جندي سابق في الجيش الاسرائيلي، والذي صار مخرجاً. لكن مهلاً: بانتقاله من معسكر الى آخر، هل تتحقق مصالحته مع الذات وتُغفَر خطاياه. هذا شأنه الخاص، علماً أن الفيلم حريص على أن يحمل بعض تساؤلاتنا كلبنانيين عما يمكن أن تؤول اليه أحوال جندي مارس القتل في حق مدنيين، بعد انقضاء عشرين عاماً على ذلك الفعل.

يفتتح الفيلم بمشهد مرعب لكلاب مسعورة تركض في الشوارع ذات ليل حالك، ليبدو في ما بعد، عبارة عن كابوس ضحيته صديق فولمان، المشارك مثله في اجتياح بيروت، حين كان الاثنان جنديين في الجيش الاسرائيلي. الكابوس مصدره تلك الايام التي عاشها الجنود في مناطق مختلفة من بيروت، عندما كانوا يغتالون الكلاب عندما لم يكونوا يعثرون على بشر لقتلهم. لكن هذه الذكريات غادرتها ذاكرة الجنود الجماعية. وها أن فولمان ينهض من سباته العميق ليعيد تجميع كل ما أصرّت الذاكرة على محوه مع مرّ الزمن. بصور جميلة ومختلفة وقاسية الملامح (ادارة فنيّة لديفيد بولونسكي)، يتغلغل الفيلم في ذاكرة فولمان المنكوبة ليرينا ما حصل في داخله اثر اكتشافه ان جانبا كبيرا من حياته سقط في النسيان. "فالس مع بشير" اعادة خلق لهذه الحوادث التي سبقت مجازر صبرا وشاتيلا، من دون تبريرات لأفعال شنيعة ولا ادعاءات ولا تمجيد للجنود الاسرائيليين المدججين بأفكار عنصرية ودينية وايديولوجية. لكن السينما تتعامل دوماً مع المختلف والطارئ، لا مع القاعدة، ما يبرر وجود مثل هذا الفيلم.

يستخدم فولمان التحريك استخداماً مميزاً، سواء لحجب هوية الجنود الذين يدلون بشهاداتهم، أو لاطلاق العنان لمخيلته خدمة لمَشاهد لا يمكن أن تحقق مجدها وتتحقق الاّ تحت راية التحريك وابتكاراته وقدرته على اعادة احياء ما لا يعاد احياؤه عادةً بطرق كلاسيكية. في مستواه الاول، يترفع الفيلم عن السياسة، لكن لفولمان وجهة نظر لا يخفيها في مقابلة أجريت معه: "مجزرة مثل صبرا وشاتيلا أسوأ ما قد يحصل لناس. لكن حزب الكتائب هو المسؤول عنها. الجنود الاسرائيليون لم يعطوا أي أوامر بقتل سكان ذلك المخيم (...).  لا يخفى على أحد أن الاجتياح الاسرائيلي للبنان في أيلول 1982 لم يجد نفعاً. انه لبقعة سوداء في صفحات تاريخنا. أراهن ان شارون الذي هو حالياً في الكوما، كان أقدم على فعل المستحيل لاعادة كتابة التاريخ من جديد وتجنّب هذه المغامرة التي كان هو من أطلقها".

أربع سنوات أمضاها فولمان في إنجاز "فالس مع بشير" الذي استفزّ في داخله مشاعر بسيكولوجية غير مظنونة، وعلى رغم أنه أراد إنجاز هذا الفيلم كي يمنع أولاده، بحسب ما يقول، من أن يشاركوا في أيٍّ من الحروب المقبلة، لأيِّ سبب من الاسباب، الاّ أنه وجه ضربة قاسية الى من كان حتى الامس القريب لا يريد أن يتذكر ما أرتكب من فظاعات، فجاء الفيلم تأكيداً اضافياً أن الذاكرة قد تنام لفترة لكنها لا تنام الى الابد، وهذه الفكرة لاقت طريقها الى الفيلم عبر التخلي التدريجي في نهايته عن التحريك وانهاء هذه الرحلة الى اقاصي جحيم الموت والخراب، بصورة حقيقية لجثث واشلاء، ومن ثم لامرأة يصدح صوتها عالياً: "أين العرب؟". وقد يكون هذا صوت فولمان أيضاً!

¶¶¶

في المكان نفسه، لبنان، لكن بعيداً منه زمنياً نحو عقدين ونصف عقد، تقع حوادث الفيلم الجديد للثنائي اللبناني جوانا حاجي توما وخليل جريج، "بدي شوف" (قسم "نظرة ما"). بدأت مغامرة الفيلم غداة اندلاع ما بات يُعرف بحرب تموز 2006 التي انتهت بما يُعرف أيضاً بـ"النصر الالهي". انها حرب لم يردها المجتمع اللبناني، ولم يختر توقيتها و"منافعها" على المدى القصير والبعيد، وليس هو من منحها عناوين سوريالية غريبة عجيبة. من سلبيات هذه الحرب ليس الدمار والقتل فقط انما ما نتج منها من اعمال سينمائية مشغولة بانفعال و"قلوب مليانة" إما حقداً وإما ابتهاجاً، آخرها هذا الشريط البائس لمخرجين كنا نعتقد حتى الامس القريب انهما أكثر ذكاء من أن يقعا في فخ تأكيد الشيء بالشيء. في الواقع، ما كان بدأ فيلماً قصيراً تحول الى شريط بطول 70 دقيقة، ولولا وجود الممثلة الفرنسية كاترين دونوف فيه، الارجح انه كان سقط من حساب "مهرجان كانّ"، لأن اقحامه بين أفلام لها قدر أكبر من الصدقية والشرعية، يدعو الى تساؤلات غير بريئة.

لا يوصل الفيلم ما يريد ايصاله، هذا اذا كان لديه ما يريد ايصاله أصلاً. حجة السيناريو المتمثلة في سطرين ونصف سطر، أن دونوف تقصد بيروت بعد توقف عدوان تموز، لترافق الممثل ربيع مروة الى بيت جدته في بنت جبيل. معاً سيذهبان الى الشريط الحدودي، معاً سيتحدثان عن اشياء سطحية لا معنى لها، لكن قضيتهما الكبرى ستبقى طوال الفيلم حزام الامان. "نسيت حزامك يا ربيع؟ آه كيف لم أضع حزامي؟ أليس الزامياً وضع الحزام في بيروت؟"، نسمع دونوف تقول ذلك مراراً وتكراراً. هذه النكتة تغدو مزعجة من فرط ما تتكرر وتطول، وتسعى الى اختزال لحظة ومكان وثقافة. انه اسلوب استعاري لتبيان نقاط الاختلاف التي تبدو انها أكثر من نقاط التشابه، لكنها لا تفي حق أيٍّ من الفوارق لأن السينما نادراً ما تتعاطى مع المسلّمات، وكثيراً ما تبحث عن الخارجين على السرب. أما اشكالية الفيلم الاساسية فهي دونوف التي قدّمت ربما أحد أكثر أدوارها بهتاناً. من الحرب لن ترى الكثير وليس عندها الفضول لترى أصلاً، وعلامات اللامبالاة بادية على وجهها (يبدو انها كانت لامبالية أيضاً خلال التصوير ازاء ما رأته من خراب). يسيطر النعاس على عينيها الذابلتين. امرأة باردة لا يستفزها شيء. بل على العكس، كلامها كلّه عادي ومملّ.

"بدّي شوف" عمل مركب تركيباً أخرق. انه تشابك عنجهي بين مشاهد لها مكان ما في سياق الحوادث، وأخرى اقحمت للاستعراض والقول: "هل ترون ما فعلوا بنا؟". ظهور المخرجين في الفيلم غايةٌ في التكلف والادعاء والتصنع. نادراً ما رأينا في عمل ما، هذا الغياب اللامعقول لقضية سينمائية ولسؤال من أي نوع. يكتفي المخرجان بلعب دور دليل سياحي في عمل متنقل من قرية الى أخرى؛ ساعات من القيادة في الوديان والبراري لا تؤدي الى حصول تماس بين المتلقي والفيلم. انه "ريبورتاج" يختتم سهرة أقامها السفير الفرنسي انذاك على شرف دونوف في فندق "فينيسيا"! وفي النهاية، لا يرينا "بدّي شوف" شيئاً. وما هو أهمّ من غيره يبقى خارج الاطار، في مكان تمنع منظومة عمل المخرجين بلوغه. أراد حاجي توما وجريج انجاز نسخة لبنانية لتحفة الان رينه "هيروشيما حبّي"، لكنهما خلصا الى شيء يشبه "أليس في بلاد العجائب"، مع فرق وحيد أن لا عجائب هنا، بل طرق سالكة وآمنة نحو حرق الواقع من خلال السينما، وحرق السينما من خلال سؤال يطرحانه مراراً: "ماذا تستطيع السينما؟". طبعاً، السينما لا تستطيع شيئاً عندما لا يكون الايمان بها عميقاً.

¶¶¶

ما قلناه سابقاً عن عدم دخول "ليلة البيبي دول" الاختيار الرسمي لـ"مهرجان كانّ"، تبيّن ليلة الجمعة الفائت انه ليس نزوات صحافي، وذلك عقب عرضه في سينما "ستار"، خارج تظاهرات المهرجان. ثمة شيء في داخلنا كان يؤكد لنا أن "ليلة البيبي دول" سيحطم كل الارقام القياسية في الرخص والبلاهة، نظراً الى رصيد الجهة المنتجة في مجال السينما. وهذا ما تأكد لنا في السهرة الملحمية (نصف ساعة من الانتظار + نصف ساعة من الكلام الفارغ  والمجاملات والعبقريات والعنتريات + ساعاتان ونصف الساعة من "شيء" سمّوه فيلماً). لم يتمالك الصحافيون الزملاء أنفسهم ضحكاً واستهزاء من شدة غباء الفيلم، ولا سيّما بعد خروجهم من الصالة. والحقّ أنه كان يمكن انجاز عشرة أفلام من خلال الموازنة التي رصدت لـ"ليلة البيبي دول"، وبلغت ملايين الدولارات بحسب تأكيدات البعض، وبحسب ما رأيناه على الشاشة من انفجارات وبهلوانات واعمال تخريب للعقل والمنطق والذوق العام. نحن مع موعد مع السذاجة منذ لحظة صعود الجنريك وظهور الجملة الآتية: "أكثر الافعال نبلاً مقاومة الاحتلال. وأكثر الجرائم بشاعة ازاء الانسانية تبرير الارهاب". توقيع صاحب النص عبد الحيّ أديب، وهو الوالد المرحوم لمخرج الفيلم عادل أديب وأخويه المنتجين.

اذا صدّقنا الملخّص (يصعب تلخيص الحوادث لكثرة الاشياء المتداخلة)، فإن الفيلم كوميديا سوداء حيث الحب يتعايش مع العنف، والسياسة مع الجنس والارهاب والدين. هذا كلّه في سلطة أو بالاحرى شوربة، مكوّناتها مزيج من التهريج والاسقاط والمبالغات المدوية. الانكى ان المخرج لم يدرك أن ما أنجزه ليس فيلماً بكل معنى الكلمة، انما مسوّدة فيلم، وبدا فخوراً بإنجازه العبقري، اذ ان التقطيع يفكك السيرورة الدرامية ولا يدع المَشاهد تتنفس، ويتنقل بنا من نيويورك الى بغداد فالقاهرة وأمكنة أخرى حيث نزاعات وحروب وحوارات شعاراتية، حتى الفضائيات العربية أقلعت عنها.

أبسط القواعد السينمائية يتجاهلها الفيلم بطيبة قلب ربما أو انطلاقاً من قلة معرفة بها. وعليه، نخال أنفسنا في أروقة الجامعة العربية نناقش مشكلات العرب بلغة تبسيطية ونظرة أحادية الجانب للامور، في حين ينكبّ أديب على تجميع الحوادث التي هزّت ولا تزال تهز العالم العربي من غزة الى لا أعرف أين، والحق على بوش أو بن لادن. مملوء بمتتاليات لا مبرر لوجودها، وحركات كاميرا اعتباطية، يمر بنا الفيلم من خضة الى أخرى عبر "فلاش باكات" طويلة ومضنية. العمل عبارة عن حشو، يعرّج أيضاً على معسكرات التعذيب النازية، ومع بعد الخيال كان يمكن أيضاً أن يأخذنا في جولة للتعرف الى نوح وسفينته! لِمَ لا، فكل شيء ممكن في عالمنا العربي هذا.

¶¶¶

الهمّ العربي كان حاضراً مباشرة أو مواربة عبر بضعة أعمال تفاوتت قيمة ومضموناً في الدورة الحالية من كانّ. "ملح هذا البحر" (العنوان مأخوذ من قصيدة لمحمود درويش)، لآن ماري جاسر، وهو ثاني الافلام العربية في قسم "نظرة ما"، يمكث في منتصف الطريق بين العمل التنفيذي اللائق والفيلم السياسي الذي يغلب عليه الطابع الوجداني. لكن السعي دوما الى إمرار معلومات وتفسير ما حصل ويحصل منذ 60 عاماً (ولا سيما الى الجمهور الغربي)، يسلب الفيلم كل امكان للابتكار، ويجعله خطابياً وبسيطاً في نظر الكثيرين، لأن ثمة التزاماً بقضية يقيّد الفيلم في كل لحظة. بات معلوماً أن ثمة مشكلة أكيدة في تصوير المحنة الفلسطينية. لا يتخلص الفيلم من خطيئة أنه ولد فلسطينياً، أي انه ولد في مكان نراه يومياً في نشرات الاخبار، والسينما نادراً ما كسرت الصورة المستوردة من هناك. ايليا سليمان فعلها، لكن جاسر خياراتها مختلفة، وهي تستأهل تحية من القلب على رغم الهنات والكلام المباشر الذي نسمعه في الفيلم حول النكبة وما ضاع من يد الفلسطينيين من أرض وأحلام، وهو جد خطي وتفسيري وتلخيصي في آنواحد. بيد انه، عبر تصوير قصة فتاة فلسطينية من بروكلين، تعود الى أرض جدّها، يحبك السيناريو حكاية تسهل متابعتها، لكن لا ينجح في العثور على هوية سينمائية. الممثلون ليسوا في أفضل أحوالهم، والنص والحوارات لا تشي بموهبة كتابية كبيرة، والاسلوب يبحث عن نفسه أمام أعين المشاهدين، ولا يحسم أمره حتى في نهاية الفيلم. يبقى المشهد الاول في المطار عند نقطة التفتيش الاكثر تعبيراً عن المعاناة الفلسطينية، وهذا الكدح اليومي لحياة بلا ذل موجود في كل مكان، أما نقله سينمائياً في زمن اختلاف اساليب الاقناع، فحكاية أخرى...

¶¶¶

في دورة لم نشاهد منها الى الآن، الا ما يتعلق بعالم تعس واناس مفجوعين، شكّل آخر اعمال وودي آلن "فيكي كريستينا برشلونة" (خارج المسابقة، اختيار رسمي) نوعاً من استراحة أو فسحة أمل، فعاد الطقس الجميل الى الـ"كروازيت" بعد العاصفة والسماء الملبدة بالغيوم. وماذا نستطيع أن نكتب عن آلن أكثر مما قيل وكتب في العقود الثلاثة الاخيرة؟ اذا قلنا انه أمير الطرافة واللؤم والعبثية، فهذا ليس بكلام مفيد وجديد، خلافاً لهذا الفيلم المتجدد والذي يفلح في اخراج المعلم النيويوركي من قمقمه لجولة اسبانية على خلفية قصة سائحتين أميركيتين تذهبان لتمضية عطلة صيف في مدينة يصورها آلن بلا ميل الى السياحة والانبهار. الشريط شديد السخرية من الشخصيات والمواقف، وكل شيء أمام عدسة آلن قابل لأن يتمرغ في الوحل، لكن بأسلوب سلس وسهل الممتنع، سواء في استخدامه الموسيقى كلازمة أو التعليق الصوتي المرافق للحوادث والذي فيه نبرة تشير الى ان المخرج طرف في ما يحصل، يؤيد هذا ويدين ذاك. ولا شك أن "فيكي كريستينا برشلونة" هو أفضل عمل لآلن منذ "ماتش بوينت"، ولا حاجة لتأكيد البلاغة اللغوية وطريقة حبك القصة وتفوق الممثلين في تقمص شخصيات عميقة وسطحية في آن واحد، بدءاً بالمرأة اللعوب التي تلعب دورها سكارليت يوهانسون (في ثالث دور لها في ادارة آلن) وصولاً الى نقيضتها، الفتاة المسؤولة، باتريسيا كلاركسون. ولكن لا يستطيع آلن أن يمتنع عن تحويل هذا العالم الجميل الى ألعوبة قبل أن يخلط الاوراق في لعبة كرّ وفرّ جهنمية تحمل في طياتها قدراً كبيراً من السخرية، ولا يبلغها الاّ من صارت الدنيا خلفه ولا شيء ليخسره.

النهار اللبنانية في 20 مايو 2008

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي

عرض فيلم كلينت ايستورد الجديد

محمد موسى من كان

إنتهى قبل ساعات، عرض الفيلم الجديد للمممثل والمخرج الأميركي الكبير كلينت ايستورد "التبادل"، الفيلم الذي يعرض ضمن المسابقة الرسمية الكبرى، والذي عرض في صباح اليوم في عرض خاص للصحافيين، يبدو أنه سيكون حديث المهرجان لأيام. كلينت ايستورد الذي يقترب من عمر الثمانين يمضي في فيلمه اتجاهًا، صار يميز الأفلام المتأخرة لهذا المخرج الكبير، تقدم الأفلام الأربعة الأخيرة للمخرج، سينما داكنة، تقترب من التشاؤم، وابطال يجهادون مصائر دفعوا لها، ونهايات صادمة، قريبة من واقع الحياة وخيبة مساراتها و نهاياتها.

قصة فيلم "التبادل" تعود الى نهايات العشرينات من القرن الفائت، البطلة (النجمة انجلينا جولي )، هي ام لصبي لا يتجاوز العاشرة ، يختفي في ظروف غير مفهومة. الام والشرطة يبدآن البحث عن الطفل. بعد اشهر من البحث تعثر الشرطة التي تعاني الكثير من المشاكل بسبب انتقادات الصحافة والكنيسة لادائها، على صبي وتسلمه في سيرك اعلامي الى والدته، الام تعرف وبعد النظرة الاولى، بان الابن ليس لها، ضغوطات الشرطة على الام تدفعها الى قبول الوضع لايام قبل ان تبدا في صراع طويل مع الشرطة لاثبات خطئهم، ودفعهم لمواصلة البحث عن الابن الحقيقي والذي ما زال مفقودًا، الشرطة ترد، بالتشكيك بقصة المراة، ومن ثم توجيه اتهامات لها بالجنون، وارسالها الى مستشفى نفسي مرعب.

الفيلم الماخوذ عن قصة حقيقة حدثت في مدينة "لوس انجلس" الاميركية، يتحول في قسم كبير منه الى صراع بين مؤسسة الشرطة الاميركية الفاسدة آنذاك، والام والذين وقفوا معها من مسيحيين متدينين وناس عاديين. البطلة تنجح مبكرًا في الحصول على دعم قس معروف ، يقدم برنامجًا اذاعيًا يهاجم به سلوك الشرطة ويدعو الى تغييرات كبيرة فيها. القس نفسه (يقوم بدوره الممثل جون مولوفاكيش) ينقذ الام من مستشفى الامراض العقلية ويبقى معها الى النهاية.

الفيلم هو واحد من الافلام الكبيرة، هو عودة الى هوليود الكلاسيكية، الى القصص الكبيرة، الى مشاهد قاعات المحاكم، والى المواجهة الواضحة والدامية، والدرامية بين الخير والشر. ممكن الحديث عن اشارات عديدة في الفيلم ترتبط باميركا الآن، والحاجة الآن الى حركة شعبية اجتماعية ضد هيمنة المؤسسات الرسمية. الفيلم يركز على دور الكنيسة في التغيير.

اداء انجلينا جولي في الفيلم هو رائع حقًا، هي مرة اخرى تمثل دور المراة المنكوبة بعد فيلمها الممتاز الاخر "القلب الرحيم" والذي عرض في في عرض خاص في مهرجان كان السينمائي الفائت، هي تلعب في ذلك الفيلم، الذي اخرجه المخرج الانكليزي " Michael Winterbottom " (ميشيل وينتريوتوم)، دور زوجة الصحافي الاميركي " دانيال بيرل"، الذي اختطف وعذب وقتل في باكستان في عام 2001. لا يصعب ربط مشاهد انجلينا جولي في فيلمها "التبادل" وامومتها ونشاطتها الانسانية التي تقوم بها حول العالم.انجلينا جولي تلعب دور سيدة من العشرينات بتمكن مدهش، هي المراة التي لا تستطيع ان تتجاوز كل قوانين زمنها، وصعوبة ان تواجه امراة وحيدة لمؤسسة قوية مثل مؤسسة الشرطة. وهي ايضا الام التي يمزقها حزنها على غياب ابنها الوحيد. اداء جون ميلوكافش اقل تاثيرًا بكثير من اداء انجلينا جولي، في بعض المشاهد القليلة، تراجعت شخصية القس في الفيلم لجون ملكوفاس الانسان، وشخصيته الخاصة المتميزة.

الفيلم جذب الى اللحظات الاخيرة، الشديد التوتر، الجمهور الكبير من الصحافيين، ولم يغادر اي شخص القاعة (نادرا ما يحصل هذا !)، مع النهاية وظهور اسم المخرج الكبير كلينت ايستورد، انفجرت عاصفة من التصفيق والهاتف، لهذه الايقونة السينمائية الخالصة.

موقع "إيلاف" في 20 مايو 2008

 
 

إحتفاء في كان بمئوية مانويل دي أوليفيرا

المهرجان منحه جائزة السعفة الذهبية التقديرية

قصي صالح الدرويش من باريس

إحتفى مهرجان كان السينمائي بالمخرج البرتغالي الكبير مانويل دي اوليفيرا الذي سيبلغ عمره مئة عام هذه السنة. المهرجان كرم شيخ المخرجين وأكبرهم سنًا بمنحه جائزة السعفة الذهبية التقديرية عن مجمل أعماله وهي الجائزة التي سبق أن نالها المخرج الإيطالي انطونيوني والمخرج المصري يوسف شاهين. اوليفيرا بدا متألقًا نشطًا بجسده الرياضي وقامته المنتصبة، على الرغم من استناده بشكل خفيف على عصى، بحيث لا يبدو عليه أنه تخطى السبعين من العمر. وقد أعرب عن سعادته بهذه السعفة التي حصل عليها أخيرًا وبهذه الطريقة، مضيفًا بأنه لم يكن يرغب في الفوز بها في إطار المنافسة مع مخرجين آخرين. وقدم له الجائزة صديقه الممثل الفرنسية ميشيل بيكولي الذي عمل معه في فيلم "سأعود إلى المنزل. وتجدر الإشارة إلى أن المخرج البرتغالي الذي ولد  في 11 كانون الأول/ديسمبر 1908 شارك عدة مرات في مهرجان كان دون أن يحصل على السعفة وفي رصيده 51 فيلمًا ولا يزال يعمل بدأب، حيث شهد مهرجان البندقية العام الماضي عرض أحدث أفلامه.

وكان اوليفيرا قد بدأ حياته المهنية في السينما الصامتة عام 1931 وكان صديقًا لشارلي شابلن، وخلال مسيرته الطويلة عمل مع عدد هائل من الممثلين. وبهذه المناسبة تم عرض فيلم تسجيلي بعنوان "يوم في حياة مانويل دي اوليفيرا" لرئيس المهرجان جيل جاكوب الذي ألقى أيضًا كلمة تحية للمخرج الكبير. وحضر الحفل عدد كبير من النجوم المتواجدين في المهرجان وعلى رأسهم كلينت ايستوود وشون بين وأعضاء لجنة التحكيم  ورئيس اللجنة الأوروبية خوسية مانويل باروزو وهو برتغالي ايضًا وكذلك وزيرة الثقافة الفرنسية كريستين ألبانيل التي ضج بعض الحضور بالتصفير ضدها، كما حضرت أرملة الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران وعدد من المسؤولين الأوروبيين، ذلك أن هذا الاحتفاء تزامن مع مناسبة يوم أوروبا.

مشهد من احد افلامه

ويمكن القول بأن مهرجان كان قد شهد احتفاء آخر تمثل بعرض استثنائي خارج المسابقة لفيلم "رماد الأزمنة" وهو لمخرج هونغ كونغ  الكبير وون كار واي الذي يعد من أهم المخرجين في العالم ومن أكثرهم حداثة. وفيلمه هذا قديم جديد، فقد صوره قبل عشر سنوات، قبل أن يعيد المونتاج ليخرج بفيلم جديد جميل على غرار ما فعل فرنسيس فورد كوبولا في إعادة مونتاج وعرض فيلم "العراب". "رماد الأزمنة" جميل مميز مبهر بالتصوير والإيقاع وكأنه ميتولوجيا في الصحراء تدور أحداثه على إيقاع الفروسية ومقارعة السيوف والحب وطبعًا الجنس. والفيلم بكل ما تميز به من خصوصيات جمالية لقي ترحيبا حارًا وتصفيقًا طويلاً من الجمهور.

موعد ثالث تحول إلى احتفاء ليل الأمس وتمثل في عرض أحدث أفلام ستيفن سبيلبيرغ ونعني "انديانا جونز" في نسخته الرابعة الذي شارك في بطولته هاريسون فورد وكيت بلانشيت وقام بإنتاجه والمشاركة في كتابته جورج لوكاس الذي هو مخرج كبير وممثل أيضًا، كما أشرف لوكاس على الخدع البصرية والتي كانت مبهرة بحق. والفيلم جدد حيوية حكاية قاربت الميتولوجيا والتي تابعتها أجيال من الفتيان منذ اندينانا جونز الأول.

نذكر أخيرًا الفيلم الفيليبيني سيربيس للمخرج بريلانت مندوزا الذي عرض أمس الأول والذي يقدم صورة سوداء عن الأحياء الشعبية الفقيرة بكل ما فيها من دعارة وشذوذ وسرقة وقذارة وفساد وكبرياء أو بعض كبرياء. ويكاد هذا الفيلم أن يمثل صورة تسجيلية لهذه الحياة البائسة والتي يحاول البطل الهروب منها إلى بلاد أخرى حاملاً شعار "وداعًا فيليبين".

الفيلم ضعيف في بنائه الدرامي مزدحم بالضجيج تتلاحق صوره السوداء المخيفة عن الفيليبين ويغيب عنه النضج على مستوى عمق الأفكار والإخراج وخاصة السيناريو الذي استغرقت كتابته خمسة أيام فقط. هذا الفيلم عرض في إطار المسابقة الرسمية ومن الصعب أن ينال أي جائزة في هذا المهرجان، على الرغم من أن آراء النقاد لا تتطابق بالضرورة مع مواقف لجنة التحكيم.

موقع "إيلاف" في 20 مايو 2008

 
 

ارتباكات «كان» فى التعامل مع العرب

عبدالوهاب داود

يبدو أن إدارة مهرجان كان هذا العام تعانى حالة من الارتباك، أو عدم وضوح الرؤية، على الأقل فيما يتعلق بتصريفات السياسة، والعلاقة بالعالم العربى، فهى الإدارة التى طلبت الصحفى المصرى ياسر محب، لعضوية لجنة تحكيم قسم "نظرة خاصة"، بعد اثنين من كبار السينما المصرية، يوسف وهبى ويوسف شاهين، وثالث من تلاميذ الثقافة الفرنسية، يسرى نصر الله، وهى الإدارة التى رفضت مشاركة فيلم "ليلة البيبى دول" فى المسابقة الرسمية، بسبب أحد المشاهد التى تفضح الممارسات الأمريكية ضد العرب فى سجون العراق، "أبو غريب"، ومشهد آخر يشير إلى تعرض الفلسطينيين لمعاملة أقسى مما تعرض له اليهود فى الهولوكوست، ورغم قوة الفيلم، وامتلاكه مقومات المنافسة، من انتاج سخى، ونجوم من أفضل ممثلى السينما العربية، إلا أن إدارة المهرجان رفضته بسبب هذين المشهدين، ومع ذلك يشارك فى السوق التجارى للمهرجان. 

ويكرم المهرجان الذى يقام فى الفترة من 14 إلى 25 مايو الحالى المخرجة التونسية مفيدة التلاتلى بمناسبة الذكرى الأربعين لإنشاء "أسبوع المخرجين"، كما تشارك فى لقاء بعنوان "سينما والتزام" ضمن تظاهرة "أسبوع النقاد"، ومفيدة التلاتلى هى صاحبة "صمت القصور"، فيلمها الروائى الطويل الأول الذى فاز بجائزة "الكاميرا الذهبية" لنفس المهرجان عام 1994. 

فى الوقت نفسه بدأت محاولات تحريضية لحث الدول العربية والإسلامية على مقاطعة المهرجان، لأن المسئولين عن الدورة الحادية والستين اختاروا الفيلم الفرنسى "من الصعب أن يحبك البلهاء" للمخرج دانيال كونت للعرض فى عرض خاص، وهو يتناول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة، وإعادة نشرها فى صحف فرنسية نقلا عن الدنماركية، من وجهة نظر معادية للإسلام والمسلمين، وهو موقف غير مفهوم، سواء من الإدارة أو هؤلاء المحرضين، فإذا كانت إدارة "كان"، تخشى إغضاب اليهود، ولو بمشهد فى فيلم، فلماذا التجرؤ على الإسلام، بفيلم كامل، يوضح عداءه لمعتنقى ذلك الدين، بداية من العنوان؟ خاصة أن وضعه فى مساحة "العرض الخاص" يتضمن اعترافا بإدراك الإدارة لما يحتويه الفيلم من استفزاز للمسلمين، فاختارت حلا ربما يرضى الطرفين، بعرضه، ولكن فى ركن لايشاهده أحد. 

ومن الواضح أن أنباء المقاطعة، والتحريض لم تسفر عن شئ، خاصة مع كلمات المحرر الفنى لـ "الأهرام ابدو" بالشرف العظيم الذى قال إنه يناله بذلك الاختيار، واعتباره تشريفا للسينما العربية، بغض النظر عن وجود مخرجين كبار، ومتخصصين يجيدون الفرنسية أيضا، لكن اعتبار الدماء الجديدة كان أقوى تأثيرا وحضورا فى الاختيار، وكلمات المخرجة التونسية التى رأت فى الاحتفاء بها فرصة للتعريف بإبداعات المرأة التونسية، التى شقت طريقها نحو العالمية، واستعدادات شركة جود نيوز منتجة فيلم "ليلة البيبى دول" للمشاركة فى المهرجان، وتخصيص طائرة خاصة يوم 14 مايو لتحمل نجومه وأبطاله بجانب فريق العمل وعدد كبير من الإعلاميين إلى فرنسا لتغطية الحدث، حيث تقيم حفلا ضخما بمناسبة العرض العالمى الأول للفيلم يوم 16 مايو فى الثامنة مساء بدار عرض "ستار 2"، أكبر دور العرض بالمهرجان، يليه حفل يقيمه المنتج عماد الدين أديب فى تراس فندق "الريتز كارلتون" تكريما لذكرى والده السيناريست الراحل عبدالحى أديب، واحتفالا بنجوم الفيلم، ويحضره عدد كبير من صناع السينما حول العالم. 

العربي المصرية في 20 مايو 2008

 
 

..ولكن ما الفرق بين خراب لبنان وخراب الصين بعد الزلزال؟!

بقلم  سمير فريد

اختارت إدارة مهرجان «كان» فيلمين عربيين هذا العام.. الأول يعرض باسم فلسطين، ومصور في أرض السلطة الوطنية وفي إسرائيل «ملح هذا البحر»، إخراج آن ماري جاسر، والثاني يعرض باسم فرنسا، ومصور في بيروت وجنوب لبنان «بدي شوف» إخراج جوانا حاجي توماس وخليل جريح..

وكلاهما يعرض في برنامج «نظرة خاصة»، وهو من برامج المهرجان الرسمية خارج المسابقة، وإن خصصت له جائزة لأحسن فيلم منذ سنوات، تمنحها لجنة تحكيم خاصة، ويترأسها المخرج الألماني، تركي الأصل «فاتح أكين».

فيلم فلسطين روائي طويل، وقد أشرنا إليه في رسالة سابقة، أما فيلم الثنائي اللبناني «جوانا وخليل»، فهو فيلم تسجيلي في ساعة وربع الساعة عن زيارة تقوم بها نجمة السينما الفرنسية والعالمية كاترين دي نيف إلي لبنان بعد حرب يوليو ٢٠٠٦، وفي اللقطة الأولي من الفيلم يتم تفسير العنوان، عندما تقول إنها جاءت لكي تري ما حدث: «بدي شوف» بالعامية اللبنانية. إننا نراها تصل إلي بيروت، ويرافقها الممثل اللبناني ربيع مروه، حيث يقود السيارة ويتحاور معها طوال الفيلم عن نفسه وعنها وعن لبنان والحرب..

ومن خلال السيارة نري معها الخراب الذي تعرضت له بيروت، خاصة حي «الضاحية»، والخراب الذي تعرض له لبنان، خاصة الجنوب، حيث ولد ربيع، وحيث كان منزل أسرته الذي تهدم بعد أن توجهت الأسرة إلي العاصمة، وينتهي الفيلم بحفل وداع في السفارة الفرنسية في بيروت للنجمة المعروفة قبل أن تعود إلي باريس، نراها فيه مع سفير فرنسا.

«بدي شوف» صرخة ضد الحرب، ودعوة للتضامن مع الشعب اللبناني، ولإعادة إعمار لبنان، ولكن كان يمكن أن يكون في نصف ساعة ليتحقق غرضه، ومن دون حفل السفارة الفرنسية الدعائي الصارخ، والمبتذل إلي حد لا يصدق. أما في ساعة وربع الساعة، من دون أي تحليل سياسي لأبعاد حرب يوليو ٢٠٠٦، وكأنها قَدر مثل الكوارث الطبيعية، فالخراب الذي نراه في هذه الحالة، لا يختلف عن الخراب الذي نتج عن الزلزال الذي ضرب الصين الأسبوع الماضي - وهكذا قدر لنا في مهرجان كان ٢٠٠٨، أن نري فيلمين ساذجين من العالم العربي عن قضية الصراع علي أرض فلسطين، بينما جاء الفيلم الإسرائيلي الذي يعرض في المسابقة «رقصة الفارس مع بشير»، إخراج أري فولمان، من أكثر الأفلام عمقاً في التعبير عن ذلك الصراع.

بورنو من الفلبين في المسابقة

الفيلم التاسع الذي عرض في مسابقة الأفلام الطويلة «٢٢ فيلماً»، جاء من الفلبين، «خدمات» إخراج بريلانتي علي ميندوزا.

السينما الفلبينية، سينما آسيوية تعسة، لم تعرف في تاريخها، ربما سوي مخرج واحد كبير، وهو لينو بروكا، الذي عرفه العالم من خلال مهرجان «كان».. وفيلم «خدمات» من أفلام الواقعية الخشنة التي تتأثر بسينما الأندر جراوند في نيويورك في ستينيات القرن الميلادي الماضي، حيث تعيش مجموعة من الشخصيات التي ينتمي أغلبها إلي أسرة واحدة في دار سينما مهدمة، تعرض الأفلام الجنسية، وداخل الدار أيضاً، يتم تقديم خدمات جنسية مختلفة حتي تبدو مثل دار للدعارة.. يحتوي الفيلم علي مشاهد بورنو، ليس لها مثيل في السينما الفلبينية، ولا أي سينما علنية في العالم، وهو سبب لا يكفي لعرض الفيلم في مسابقة أهم مهرجانات السينما وأكبرها، وليس هكذا توضع سينما مجهولة علي خريطة السينما العالمية.

٦٠ سنة علي تقسيم فلسطين.. وفيلم شهراوي في مسابقة أبوظبي

أعلن هنا أن مهرجان «الشرق الأوسط السينمائي الدولي الثاني»، ينعقد في أبوظبي من ١٠ إلي ١٩ أكتوبر، وأن مهرجان «قرطاج» الـ٢٢، الذي يقام كل عامين، ينعقد في تونس من ٢٥ أكتوبر إلي أول نوفمبر، وأن مهرجان «دمشق» الـ١٦ ينعقد من أول نوفمبر إلي ١٠ نوفمبر، ومهرجان «مراكش» الثامن من ١٤ إلي ٢٢ نوفمبر، ومهرجان «القاهرة» الـ٣٢ من ١٨ إلي ٢٨ نوفمبر، ومهرجان «دبي» الخامس من ١١ إلي ١٨ ديسمبر، وقد توسعت مسابقة دبي هذا العام، ولم تعد للأفلام العربية فقط، وإنما للأفلام العربية والآسيوية والأفريقية.

وأمس نشرت «فارايتي» عن المؤتمر الصحفي، الذي عقده محمد خلف المزروعي، رئيس مهرجان أبوظبي، ونشوي الرويني، مديرة المهرجان في جناح المهرجان، الذي أقيم لأول مرة في سوق الفيلم، وذكرت الجريدة، في تقريرها عن المهرجان، أن اللائحة الجديدة تجعله المهرجان الوحيد في العالم، الذي يمنح جوائز لكل الأفلام الطويلة والقصيرة الروائية والتسجيلية، والتحريك للمحترفين والطلبة، وأنها أكبر جوائز نقدية بين كل المهرجانات في العالم، حيث يصل مجموعها إلي أكثر من مليون دولار أمريكي.

وجاء في التقرير أيضاً، أن البرنامج التاريخي للدورة الثانية، يقام تحت عنوان «٦٠ سنة علي تقسيم فلسطين»، ويقام بالتعاون مع أرشيف الفيلم الفلسطيني في برلين، حيث يعرض ١٦ ساعة من الأفلام التسجيلية عن هذا الموضوع، كلها لمخرجين غير عرب من أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا واليابان، وأن المؤتمر شهد إعلان أول فيلم في مسابقة الأفلام الطويلة «عيد ميلاد ليلي»، أحدث أفلام المخرج الفلسطيني الكبير رشيد مشهراوي، الذي حضر المؤتمر، وعبر عن سعادته بأن يكون العرض العالمي الأول للفيلم في أبوظبي.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 20 مايو 2008

 
 

من بطولة كاترين دينوف

فيلم «بدي شوف» السينما حينما تغرق في المجاملات

عبد الستار ناجي

حتى قبيل بداية الفيلم اللبناني «بدي شوف» كنت اتساءل عن الأسباب التي دعت اللجنة المنظمة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي لاختيار هذا الفيلم لتظاهرة «نظرة ما» وهي التظاهرة الثانية من حيث الأهمية.

ولكن بعد الدقائق العشر الأولى تم حسم تلك الأسئلة، فنحن أمام فيلم يغرق في المجاملات، أولاً للنجمة الفرنسية كاترين دينوف التي (تفضلت) - كما يعتقد فريق الفيلم بالحضور الى بيروت - من أجل القيام بجولة في لبنان والجنوب على وجه الخصوص، وذلك بعد أيام قليلة من انتهاء حرب يوليو 2006.

فمنذ اللحظة الأولى، لركوبها السيارة وهي في طريقها الى الجولة تسأل عن عدد الحرس الشخصي الذي سيرافقها في هذه الجولة، التي تنتهي بزيارة قوات الأمم المتحدة، وأيضاً المشاركة في الحفل الذي اقامه السفير الفرنسي في لبنان على شرفها.

كاترين تحضر دون ايمان بما تقدم، أو الاهتمام بملابسات ما حصل، أو وعي للظروف التي يعيشها لبنان عبر تاريخه، وفي هذه المرحلة من تاريخه...

تجد نفسها مدعوة من فريق عمل الفيلم ونقصد الثنائي جوانا حاج توما وخليل جريج، وتمتد الزيارة ليوم واحد فقط، فماذا ستشاهد تلك النجمة الكبيرة؟

نحن نحترم توجهات السيدة كاترين دينوف، ولكن في هذا الفيلم تبدو بعيدة كل البعد عن احترافها السينمائي الطويل، حيث لا سيناريو ولا حوار مكتوباً، ولا خطاب سياسياً أو فكرياً.

نجمة حذرة من رحلة مرتبكة..

ويرافقها الفنان اللبناني ربيع مروة، الذي يتكلم الفرنسية المكسرة، حيث الجمل غير مرتبة أو مدروسة، أو كما تقول كاترين دينوف، حينما يعتذر عن لغته المكسرة فترد «المهم اننا نفهم بعضنا بعضا».

هذا أمر ايجابي ان نفهم بعضنا بعضا، ولكن علينا قبل ان نفهم بعضنا بعضا، ان ندرس ظروف كل المراحل وهذه المرحلة.

فيلم يتحدث عن الدمار، ولا يوجه أصابع الاتهام لمن تسبب في ذلك الدمار، سواء اسرائيل أو غيرها.

رحلة في سياحة الدمار.. وبكاء على الاطلال.. ولكن لا هدف..

لقد كان الثنائي جوانا وخليل يقومان بتصوير كل شيء، خلال الأربع والعشرين ساعة التي قضتها السيدة دينوف في بيروت، وما تم لاحقاً، هو تحصيل حاصل وتجميع في غرفة المونتاج يبتعد عن حدود الاحتراف، كما ابتعدت السيدة دينوف وقبلت ان تشارك في فيلم يخلو من مفردات الاحتراف السينمائي من حيث الكتابة، بل اننا نعتقد بانه لم يكن هناك أي ورق.. سوى حوارات.. وحذر.. وجولة تطوف بنا في أنحاء لبنان.

نحترم تعاطف السيدة دينوف مع لبنان واللبنانيين بجميع أطيافهم، ولكن هذا التعاطف لا يصنع فيلماً يصل الى قلوبنا أو يخاطب عقولنا.

التعاطف والنية الحسنة وحدهما لا يصنعان فيلماً يستحق العرض في مثل هذه التظاهرة الكبرى، مثل مهرجان «كان» أو حتى «نظرة ما».

حتى الحوار جاء مفككاً باهتاً ضائعاً متعثراً، ولا وجود لأي خيوط يمكن ان ترتبط بين بعضها والآخر.

وحينما يضيع الحوار، ومن قبله ضاعت الصورة، التي جاءت هي الأخرى، مرتبكة ومشوشة.. فاننا نكون حينها أمام فيلم ينزلق الى قيعان المجاملة لكاترين دينوف ومن قبلها فرنسا، وكأن فرنسا وحدها هي المشغولة بالهم اللبناني.. والشرق أوسطي.

سؤال محوري ينطلق من الفيلم، هو ماذا يمكن ان تفعل السينما لهذا البلد أو ذاك، وللبنان على وجه الخصوص؟ سوى التعاطف ومحاولة عرض القضية كما هي، بجميع دمارها واشكالياتها.

وكم كنا نتمنى على ثنائي الفيلم استباق هذه التجربة بكم من البحث والدراسة، وكتابة حوار ومشاهد، يمكنها ان تثري تلك الرحلة في دمار لبنان والجنوب على وجه الخصوص.

نحترم دعم السيدة دينوف لهذا الثنائي الشاب، ونحترم أيضاً تعاطفها مع قضية لبنان، ولكن الاحترام والتعاطف ليس لهما أي علاقة بصناعة الفن السابع، وبحرفية السينما، ومدى مقدرتها على اثارة القضايا وتقديمها بشكل منهجي.

هذا الفيلم لا يمثل حتى الحركة الأولى من لعبة الشطرنج، ولا يمثل سوى مبادرة مرتبكة لا تمتلك المقدرة للوصول الى مساحة أكبر من المشاهد...

لقد بادرت السيدة دينوف، ولكن جهد الثنائي جوانا وخليل ظل هامشياً.. وسطحياً.. وباهتاً.. وهكذا أكثر ما يحزن في هذه التجربة.

ونخلص..

السينما أكبر من ذلك الارتجال السينمائي غير المدروس.. ولبنان أكبر بكثير من تعاطف نجمة نجلها ونحترمها في حرفتها، ولكنها لا تعرف عن لبنان أي شيء، بدليل انها لم تقل جملة حقيقية تؤكدة علاقتها مع هذا البلد العظيم. 

«القرود الثلاثة» لنوري جيلان تأكيد على لغته السينمائية

عبد الستار ناجي 

الحديث عن السينما التركية يعني الحديث عن اجيال من المبدعين الذين استطاعوا ان يقدموا اضافات الى التجربة السينمائية العالمية، وفي هذه القراءة لعمل سينمائي تركي، فاننا لا يمكن بأي حال من الاحوال ان نتجاهل الدور الكبير الذي قام به الراحل «يلماز غوتيه» الذي كان عبر تجاربه السينمائية بمثابة المبدع الكبير الذي ستظل السينما العالمية تتذكره وتنظر اليه بكثير من الاحترام، وبالذت مع افلام «غول» و«الحائط» وغيرها.

واليوم حينما يعود الينا المخرج نوري بليج جيلان فاننا نتلمس وبوضوح ذلك الاحتراف العالمي واللغة السينمائية المقرونة بأقصى درجات التميز.

وهو في فيلم «القرود الثلاثة» يذهب للحكاية على حساب اللغة المشهدية المصورة، فهو يريد لغة الصورة، ولذلك.. فهو يقترح اي حكاية، من اجل ذلك الشكل الذي يسحرنا بصورته والاحتراف العالي في رسم المشاهد وحركة الممثلين وايضاً منهجية ادائهم التي تمتلك حالة من الهارموني المتناغم.

حكاية في غاية البساطة..

مسؤول يرتكب حادثة، يطلب من سائقه ان يسلّم نفسه مكانه ودخول السجن لمدة عام مقابل مبلغ من المال، ولكن بعد قيام السائق بالموافقة، يذهب المسؤول بعيداً في علاقته مع زوجة سائقه، على مرأى وعين ابنها..

حكاية لطالما شاهدناها في الكثير من الاعمال السينمائية، ولكن جيلان يرسمها بشكل آخر، انه لا يريد القضية بل يريد الشكل، لا ينشغل في الدراما، بقدر انشغاله بالصورة بل انه حتى بعد التصوير، وفي العمليات الفنية النهائية، يقوم بادخال كم من الاضافات من السحب والغيوم وحركتها وايضاً مصادر الاضاءة في المشهد.. شيء ما تقترب من اللوحة التشكيلية.

مبدع يرسم بكاميرته، حريص ومحترف يهتم بأدق التفاصيل اللاهامشية عنده في اي شيء أمام الكاميرا ولهذا فان الصورة تأتي في أقصى بهائها وجمالها وروعتها.

سينما تركية تختلف عما هو نمطي ودارج..

سينما تركية خارج الأفق التقليدية انها مساحة متقدمة من سينما المؤلف بل هي بصمة راح يؤكد عليها جيلان فيلماً بعد آخر، وتجربة بعد أخرى.

مشيرين الى ان نوري جيلان من مواليد 26 يناير 1959 في اسطنبول وهناك درس السينما وفي عام 1997 قدّم عمله السينمائي الأول الذي حمل عنوان «المدينة الصغيرة» وفي عام 1999 قدم فيلم «غيومي» ثم جاءت تحفته «القدر» عام 2003 وأكدها بتحفة اخرى هي «المناخ» او «الطقس» عام 2006.

وها هو يعود مجدداً مع القرود الثلاثة..

فمن هم القرود الثلاثة؟.. انهم الزوج والزوجة والابن احدهم لم يسمع والثاني لم يشاهد والثالث لم يتكلم بالذات حينما نكتشف أن المسؤول قد قتل.. فمن قتله الزوجة التي احبته وراحت تطارده.. أم ابنها الذي ظل صامتاً ولم يتحدث، انه الابن الذي ظل صامتاً عن جريمته من اجل ان تبقى العائلة متماسكة وتعود الى عهدها السابق خصوصاً بعد التخلص من المسؤول الذي اراد من حيث يدري ولا يدري ان يؤمن نفسه ويحصل على كل شيء مقابل ان يظل سليماً، لقد ادخل الأب «السائق» الى السجن وحصل على زوجته فماذا يريد أكثر.. لهذا يأتي قرار الابن وبصمت ان ينهي تلك المعادلات العدوانية التي تحمل التسلط والسيطرة.

هذه هي الحكاية وهي كما اسلفنا بسيطة ولكنها في حقيقة الأمر تحمل الكثير من المعاني الكبيرة اما الشكل الاجمالي او اللغة السينمائية التي استخدمها جيلان فحدث وأسهب فنحن أمام مبدع متجدد يرفض تكرار المعادلات التي يقدمها ويذهب دائماً الى مساحة من الابتكار على صعيد الصورة السينمائية التي تجعل المشاهد مشدوها بين ما هو حقيقي في الصورة وما هو مضاف ومبتكر، سينما تؤكد أننا امام مخرج من جيل سينما المؤلف، سينما الإحتراف، التي هي أكبر من الحكاية التقليدية، أو كما يقول جيلان نفسه: «لا أقدم فيلماً يروي حكاية بل أقدم فيلماً يقدم المتعة البصرية، فالسينما هي الصورة، فلماذا ننشغل بالحكاية على حساب الصورة»؟

ونخلص...

فيلم تركي كبير سيكون له كثير من الحضور في عدد آخر من المهرجان وحصاد أوفر من الجوائز لاننا امام مبدع يؤكد بصمته في كل تجربة سينمائية يقدمها. 

وجهة نظر

مظلات

منذ اليوم الأول، حتى اليوم، والمظلات لاتزال مرتفعة في مدينة كان الفرنسية، حيث تتواصل أعمال مهرجان كان السينمائي الدولي.

وحينما ترتفع المظلات، تتغير المعادلات..

فقد اقترنت كان بالشمس.. والشاطئ.

وحينما ترتفع المظلات، وتغيب الشمس، يفرغ الشاطئ من رواده، وتزدحم الصالات.. والمطاعم.. والمقاهي.. والفنادق.

ورغم ارتفاع المظلات، وانخفاض درجات الحرارة، الا ان حرارة العروض لاتزال عالية، بل عالية جدا، ومع اليوم الثالث، هناك اكثر من اربعة افلام من اصل سبعة، تمتاز بالمستوى الفني الرفيع، بل ان عدداً من النقاد، سواء في الصحف أو المطبوعات اليومية الناطقة بالفرنسية والانكليزية يرشحون أكثر من فيلم للسعفة الذهبية.

ارتفاع المظلات، لا يعني غياب التميز، فنحن امام مهرجان لا يرتضي بانصاف الحلول، مشيرين الى ان «22» فيلما التي تم اختيارها للمسابقة الرسمية، هي حصاد مشاهدة اكثر من الفي فيلم، بالتالي فان حتمية التميز تبلغ درجات عالية جدا.

ارتفاع المظلات، يفتح الباب على مصراعيه، امام عدد من الاسئلة، حول الحالة المتردية التي تعيشها السينما العربية، حيث التراجع الحاد في الكم والكيف، وعن الكيف حدث بلا حرج، فنحن امام كمية من العروض، لا تصلح حتى للعرض التلفزيوني، فكيف بالعرض في صالات السينما، او ارسالها الى المهرجانات.

وأشير هنا، وبشيء من التحفظ الى جملة قالها لي زميل ناقد بريطاني حيث قال: «جماعتكم الا تشاهد العروض» ويقصد المخرجين العرب الا يشاهدون جديد السينما العالمية يحكمون على الأمر بشيء من القسوة.

نعلم ذلك، ولكنه الواقع، فحينما ترتفع المظلات علينا ان نتحمل المطر، والبرد، وليس امامنا الا متعة السينما الحقيقية هنا في كان.

وعلى المحبة نلتقي

annahar@annaharkw.com

النهار الكويتية في 20 مايو 2008

 
 

يوميات “كان” السينمائي الدولي 2008... ( 7 )

الصراع يتجدد من خلال السينما

حرب أفكار عربية - “إسرائيلية” على شاشة كان 

كان - محمد رضا

مهرجان “كان” هذا العام يبرز حرب الأفكار القائمة بين العرب و”الاسرائيليين” وكيف أن كل طرف لديه ما يقوله في هذا الشأن. الاختلاف هو أن ما يطرحه الفيلم العربي محاصر بالتوقّعات من أن يكون تفاوضياً إن لم يكن مسالماً، بينما ما يطرحه الفيلم “الاسرائيلي” لا بأس به إذا لم يكن طالما أنه لا يدعو لمحو الفلسطينيين من خريطة البلد او يمدح الحلول العسكرية التي تمارسها “إسرائيل”.

 بكلمات أخرى، الاعجاب كبير جداً هنا بفيلم “ملح هذا البحر” لأنه يصوّر اضطرار أبطاله للجوء الى السرقة هرباً من الاحباط وحدود المكان وتسللاً من حواجز القهر “الاسرائيلية” التي يرفضها العالم الغربي، لكن لو كانت للفيلم نبرة عسكرية او نضالية لخاف المشاهد الغربي منه وتراجع عنه.

لكن الاعجاب الأكبر والأكثر شيوعاً هو من نصيب الفيلم “الاسرائيلي” “الرقص مع بشير” أساساً لأنه وعلى عكس الفيلم الفلسطيني، مقدّم في المسابقة. هذا الفيلم النقدي للحرب “الاسرائيلية” في لبنان ولدور الجيش في مذبحة المخيمات الفلسطينية يستفيد من رقعة الحرية الممنوحة ل”الاسرائيليين” والمحدودة بالنسبة للعرب في تلك الدولة.

واحد من السبل التي تستطيع فيها السينما العربية كسب حرب الأفكار حول العالم هو أن يُتاح لها التمتّع بالحرية المسؤولة من دون شرط أو قيد.

والحرية المسؤولة هي ألا تستغل الحريّة لمآرب قد تقلب معايير التفاهم الديني والعنصري والفني فتبيح لنفسك ما تريد من مشاهد جنسية او تنقل المشاعر المتطرّفة الى الشاشة من دون تدخل من طرف أصحاب الفيلم أنفسهم.

 لكن حتى تكون هناك حريّة مسؤولة، يجب أن تكون هناك حريّة أولاً. والسينما العربية تتمتّع بأقل قدر من الحريّة أساساً وبهامش محدود من القدرة على التعبير خارج حدودها. هذا في الوقت الذي تستفيد فيه السينما “الاسرائيلية” من واقعها الأكثر تحرراً وتمنح الشاشات العالمية أفلاماً لا تقترب منها السينما العربية لسببين أهمّهما أنها ليست متحررة.

السبب الثاني هو أنها لا تفكّر في المنهج نفسه بالطريقة ذاتها.

في مسابقة “كان” هذا العام الفيلم “الاسرائيلي” “الرقص مع بشير” الذي عرضناه بحسناته المتمثّلة بالكشف عن الصمت “الاسرائيلي” إزاء قيام حزب الكتائب اللبناني بمذبحة صبرا وشاتيلا، وبسيئاته المتمثّلة بعدم الكشف عن أن هذا الصمت كان اشتراكاً.

لكن بصرف النظر عن الحقيقة في هذا المجال وكم أبدى وكم أخفى فإن الحقيقة الموازية هي أن ما أبداه المخرج آري فولمان وما أخفاه تم حسب موقفه الخاص وليس تبعاً لسياسة أن ذلك ما لا نستطيع التحدّث فيه وهي العبارة التي قد تواجه أي سينمائي عربي يهدف لتقديم جردة حساب جادّة وفعلية.

حين تم عرض “الرقص مع بشير” وهو فيلم كرتوني يعتمد مبدأ رسم الوثيقة لغيابها وذلك في هذه المناسبة الستّينية لانشاء كيان قام على الغزو والاحتلال تلبية لمطامع اقتصادية ارتدت ثوباً دينياً، لم نسمع إدانة من أي جهة “إسرائيلية” حكومية او نقداً ضد الفيلم من قبل مكتب رسمي.

حين أنجز المخرج الفلسطيني محمد بكري فيلمه التسجيلي النيّر عن مذبحة جنين (اعلم أن النسيان سيّد الأحكام) قبل سنوات قليلة، قامت المؤسسة العسكرية “الاسرائيلية” بتقديمه الى المحكمة “الاسرائيلية”. ومحمد بكري مواطن يحمل أوراق هوية “إسرائيلية”. هذا وحده يرينا كيف أن هناك ازدواجية تعامل حيث يُسمح بالنقد على هوانه للمؤسسة “الاسرائيلية” اذا ما كان المنتقد “إسرائيلياً” غير عربي، ولا يُسمح به إذا ما كان المنتقد عربياً. محمد بكري كان حذقاً في ذلك فحقق فيلماً عن المحاكمة ذاتها من دون أن يخاف او يخشى اي عاقبة ووضع المؤسسة العسكرية في خانة اليَك.

ونتيجة الحرب السينمائية بأسرها لم تكن، حتى الآن، لصالح الطرف “الاسرائيلي” وحده حين تضع في عين الاعتبار أن أفلام هاني أبو أسعد وإيليا سليمان المعبّرة عن روح الحقيقة الفلسطينية في هذا الصراع الممتد ستين سنة الى اليوم، كانت وصلت الى مهرجانات عالمية وبل الى مناسبات كبيرة مثل الأوسكار. لكن الطرف “الاسرائيلي” هذا العام في “إسرائيل” يبدو آيلاً الى نجاح في المقابل عبر “الرقص مع بشير” وذلك لأن التوقّعات هو أن ينال الفيلم جائزة كبيرة على الرغم من وجود المتحرر والناقد السياسي شون بن على رأس لجنة التحكيم، وبل ربما لهذا السبب إذ إن النظر الى الفيلم من قبله او قبل عديدين قائم على أنه فيلم معاد للمؤسسة العسكرية في حربها في لبنان في الثمانينات وهذا يستحق أن يكافأ عليه المخرج. 

لكن الخطر هنا: “إسرائيل” هي المستفيدة من منح هذا الفيلم جائزة لسببين رئيسيين: الأول أنها تحتفل بعيد ميلادها الستّين وسيبدو الأمر مكافأة لها للمناسبة، والثاني أن الفيلم يعلن بوضوح أن حرية التعبير “مصانة” في “دولة تدعي الديمقراطية” ما يغطّي على الفظائع التي يمارسها هذا الكيان ومن بينها وجود ألوف المعتقلين من الأولاد الفلسطينيين في السجون “الاسرائيلية” من دون تدخّل طرف واحد حول العالم.

 إنها حرب أفكار كما قال ذات مرّة ناقد سينمائي في الستينات وكان صادقاً حينها ولا يزال الى اليوم. والحرية تهدي عادة الدولة التي تعمد إليها أكثر بكثير مما تأخذ منها، لكن من يعرف كيف؟  

صورة سينمائية عن لبنان اليوم  خليل وجوانا:

“بدي شوف” فيلم إنساني ووطني وواقعي

يعيش الوسط السينمائي اللبناني سعادة غامرة بمشاركة فيلم الزوجين المخرجين خليل جريج، وجوانا حاجي توما بعنوان “بدي شوف”، (je veux voir)  ومدته ساعة وربع الساعة والذي سيعرض اليوم ضمن التظاهرة الثانية “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي الدولي ال 61 وترشيحه بالتالي لنيل الكاميرا الذهبية.

“الخليج” التقت الزوجين المخرجين وكان الحوار التالي:

·         هل مشاركة كاترين دونوف في الفيلم ساعد على قبوله؟

- بداية كانت سعادتنا لا توصف ومدام دونوف تقول نعم سأكون معكما لكن لماذا وافقت لجنة الاختبار؟ الاعتبارات موجودة عندها وحدها، لكننا شعرنا بمسؤولية دون شك عندما عرضنا عليها سيناريو الفيلم ووافقت.

·         ألم تكن حذرة مثلاً من كونه فيلماً يؤشر إلى أجواء سياسية؟

- الفيلم انساني، هناك ضحايا، ودمار، هناك حالة مرعبة عاشها اللبنانيون طوال فترة العدوان على البلد، و”كلنا بدنا نشوف”، ماذا حصل ولماذا، وبعد ذلك الى أين.

·         هذا هو السؤال الدائم. منذ 33 عاماً، الى أين؟

- لا إجابات في الفيلم، لكننا نطرح شؤوناً ومشاعر ووقائع مكثفة كثيرة.

·         ما الذي جذب اللجنة الى الفيلم؟

- صدقه، واقعيته، روحه وإحساسه.

·         كم تراهنون على نيل جائزة أو تنويه من المهرجان؟

- بداية رائعة أن نشارك في “نظرة ما” وهي التظاهرة الثانية بعد المسابقة الرسمية، واذا كانت لنا فرصة للحصول على جائزة فسيكون الفرح مضاعفاً.

·         هل سيكون سهلاً توزيعه وعرضه في لبنان؟

- طبعاً، وربما كانت هناك اضافة في الأهمية مع جائزة فنحن ننتظر ونتوقع خيراً.

·         هناك قضايا حساسة تطرقتما اليها؟

- شعرنا دائماً بأن هذا واجب، والجيد هنا أننا سنحمل قضيتنا حالياً لكي يتابعها 25 ألف شخص من صحافيين وفنانين ومتخصصين هذه أفضل وسيلة لايصال صوت بلدنا الى العالم وماذا عن حقيقة قضاياه.

·         ما الذي أردتما قوله في الفيلم؟

- لا نريد احراق فكرته. لكنه عمل انساني بالكامل، نريد إظهار الانسان بأن له كرامة وقيمة في بلادنا لا أن يستباح تحت حجج واهية. 

أوراق ناقد

جرس الانذار

تسمع الشكوى في كل مكان. 

سوق كان السينمائي هذا العام لا يتحرّك. عدد الصفقات المهمّة والمجزية قليل. معظم الشركات تعرض ولا أحد يشتري. نسبة المبيعات في الأسبوع الأول هي أقل نسبة مبيعات في الفترة ذاتها من أي دورة سابقة منذ أن تم إنشاء السوق.

* ما الذي يحدث؟

- الجواب البسيط لذلك هو أن المشتركين في السوق هذا العام هم أقل من عدد المشتركين في العام الماضي او الذي قبله. وهؤلاء هم في الواقع شركات توزيع كانت تشتري من المعروض ما كان ينعش السوق بأسره. الشركة الصغيرة قد تشتري نصف دزينة من الأفلام التي تضمنها، لكن بوجود تلك الكبيرة فإن روح المغامرة أعلى والموزّع العربي على سبيل المثال كان يعود بحصيلة كبيرة من هذا المهرجان مفتخراً بأنه اشترى ما أراد ولو بسعر مرتفع.

الوضع الحالي له عدّة مبررات وأسباب ومنها أن سعر الدولار هبط كثيراً الى حد أنه صار من المكلف جدّاً حضور مهرجان “كان” ناهيك عن إقامة مكتب في السوق وجلب موظّفين وعن تكلفة الاقامة والولائم وما شابه وصولاً الى تكلفة استئجار صالة عرض. ليس التكاليف ارتفعت بحد ذاتها، بل يكفي أن سعر الدولار هبط ليخسر من قوّته الشرائية أكثر من أي وقت مضى.

الزحام الذي كان المهرجان يشهده في الأروقة وفي صالات العروض المخصصة للسوق أقل بكثير مما كان عليه سابقاً. بعض المنتجين الفرنسيين أنفسهم ليسوا هنا. كذلك، والى جانب خسارة الدولار لنصف قيمته او نحوها، هناك تلك الأسعار المرتفعة التي تضرب قفا المتواجدين هنا وتجعلهم لا يشعرون بأنهم يريدون تعريض جيوبهم او جيوب الشركات التي يعملون فيها الى الافلاس. 

وكل هذا مرتبط بالوضع الاقتصادي لأمريكا المرتبط بالحرب في العراق والمرتبط بسعر النفط.. إنه عالم صغير حقاً هذا الذي بتنا نعيش فيه.

هناك أيضاً تغييب واحدة من أهم الشركات الأمريكية التي كانت تشتري وتوزّع وتنتج، وهي شركة نيولاين سينما التي اشترتها وورنر ثم طوتها وصرفت من فيها. السوق التجارية تفتقد عبر هذه القناة التي كانت تشتري بأسعار متقدّمة، النشاط الذي كانت تبثّه مثل هذه العمليات الكبيرة.

لكن انعكاسات ذلك على المشاهد العربي في أي مكان شبه معدومة.

فالموزّع العربي اعتاد أن يحصّن حياته العملية بأكثر الأفلام تجارية وهذه لا يزال يتلقّاها من شركات التوزيع الكبيرة مباشرة من الولايات المتحدة. لذلك أنخفض عدد حضوره هذا العام وعوض أن ترتطم بالدزينة المعتادة من الحضور، تجد نفسك أمام أربعة او خمسة أشخاص من الذين لابد أن يأتوا وهم أكبر القوى العاملة في هذا الميدان.

بما أن ما يشترونه هنا هو أيضاً أفلام من نوع “هشّك بشّك” (أي بغير اللبناني) سخيفة وتجارية فإن انعكاس هذا الوضع معدوم تقريباً. كل ما في الأمر هو أنه عوض أن نجد 52 فيلماً رديئاً تجارياً من إنتاج مستقل في العام الواحد، سنجد نصف هذا العدد بالاضافة الى ال 52 فيلماً رديئاً تجارياً او أكثر القادمة من شركات التوزيع الكبرى سواء أقيم كان أو لم يقم.

لكنه جرس إنذار في الواقع وانعكاس لمجريات الزمن. وإذا ما رغب المرء القراءة في المستقبل فإن “كان” بأسره ربما وصل الى السقف الذي لا تقدّم من بعده الا الى الوراء.

الخليج الإماراتية في 20 مايو 2008

 
 

فلسطين والإسلاموفوبيا يشعلان المهرجان

كان‏-‏أحمد عاطف‏

برغم البداية الفاترة للدورة الواحدة والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي بفرنسا المنعقد الآن بسبب المستوي الضعيف لفيلم العمي لفرناندو ميرييس عن رواية البرتغالي خوسية ساراماجو‏..‏ إلا أن أروقة المهرجان اشتعلت بعد ساعات قليلة من عرض الفيلم الإسرائيلي رقصة فالس مع بشير‏,‏ والفيلم الفلسطيني ملح البحر الأول جاءت ردود الأفعال تجاهه أكثر من ايجابية‏.‏

الفيلم بمثابة فعل تطهر وأسف للمخرج آري فولمان من ماضيه الذي يطارده ويريد أن يتخلص منه‏..‏ فهو الذي كان مجندا في الجيش الإسرائيلي في أثناء احتلال لبنان عام‏1982,‏ وشارك في مذبحة صابرا وشاتيلا‏..‏ والجهد الابداعي في الفيلم شديد الخصوصية فهو من أفلام الرسوم المتحركة إلا أنه في بنائه فيلم تسجيلي يعتمد علي الحوارات والتحقيق‏..‏ وفي مجمله ينتقد فولمان الحرب باعتبارها من أسوأ مسالك الإنسان‏..‏ بل يتعدي ذلك ليدين أخلاقيا ما تفعله إسرائيل وبالذات في توقيت أحداث الفيلم‏..‏ ويقول فولمان انه صنع الفيلم لأولاده ليساعدهم علي تحديد اختيارهم في الحياة وليدفعهم إلي نبذ الحرب‏.‏

أما الفبلم الفلسطيني فقد جاء كقصيدة شعر مليئة بالرثاء علي ما وصل إليه حال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي‏..‏ والفيلم مستوحي من حياة المخرجة آن ماري جاسر نفسها حيث يحكي عن فتاة فلسطينية طردت أسرتها بعد نكبة‏1948‏ وهاجرت للولايات المتحدة حيث تربت البطلة هناك‏,‏ ويبدأ الفيلم بعودتها لبلادها وهي تحمل باسبورا أمريكيا ويعرض الفيلم للمهانة المستمرة التي تتعرض لها ـ برغم أنها مواطنة أمريكية ـ طوال الوقت بإمطارها بعشرات الاسئلة من أجهزة الأمن الإسرائيلية عن سبب مجيئها‏,‏ وسبب تحركاتها وأين تقيم وتمتد الإهانة بالتفتيش الدائم الذي تتعرض له هي وبقية الفلسطينيين ويصل إلي لمس كل الاجزاء الحساسة بالجسم للتأكد من عدم حمل أسلحة وبرغم كل ذلك تستطيع البطلة أن تتحايل علي كل الإجراءات الأمنية لتسرق بنكا مع صديقيها‏,‏ وكان البنك قد رفض أن يمنحها مبلغا من المال كان جدها قد أودعه قبل طرده عام‏1948..‏ ثم تتخفي مع الشابين في مظهر يهود جدد تهودوا لتوهم ليذهبوا جميعا ليافا بلد أسرتها التي أصبحت الآن تحت الحكم الإسرائيلي‏..‏ وهناك تزور منزلهم القديم وتطلب من سكانه الإسرائيليين الرحيل منه باعتبارهم مستولين عليه‏..‏ وينقذها أصدقاؤها قبل أن تقبص عليهم الشرطة ثم يذهبون لمدينة دوايمة التي أحدث بها الإسرائيليون مذبحة لسكانها في الماضي بل غيروا اسمها‏..‏ وتقرر البطلة أن نقيم في اطلالها مع صديقها حتي يقبض عليها الأمن الإسرائيلي ويرحلها‏..‏حقائق مريرة كثيرة فجرها الفيلم منها عبثية أن تكون غريبا في وطنك‏.‏ فالإسرائيليون يعاملونها كأمريكية‏,‏ والسلطة الفلسطينية ترفض أن تعطي لها أي ورقة تثبت أنها فلسطينية بل الأكثر مرارة أن تاريخك وذاكرتك يتم تدميرهما وتغيير ملامحهما بالكامل‏.‏

ويأتي عرض الفيلمين في المهرجان صفعة عالمية قوية علي وجه كل من أراد الاحتفال بمرور ستين عاما علي انشاء إسرائيل‏,‏ وتذكيرا بأقوي حرب الإبادة الجماعية التي تقودها إسرائيل‏..‏

أما الصدمة الحقيقية فقد جاءت من عرض الفيلم التسجيلي الفرنسي من السييء أن يحبك الحمقي الذي يعرض للقضية التي رفعها مسجد باريس واتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا ضد جريدة الكاريكاتير الفرنسية الشهيرة شارلي إبدو بسبب إعادة نشرها لرسوم الكاريكاتير المسيئة لرسول الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم التي نشرتها جريدة دنماركية‏.‏ بل اضافتها عدة رسوم اضافية تأخذ نفس النهج في السخرية من الإسلام وبنيه‏,‏ ومهما أتتني الكلمات فلن استطيع أن أصف حالة المهانة والغضب والمرارة التي شعرت بها وأنا أشاهد الفيلم‏..‏

فقد تكررت كلمة حمقي علي أنها علي المسلمين عشرات المرات‏..‏ وتم الحديث عن النبي كثيرا عن طريق شخصيات فرنسية بالفيلم قائلين محمد فعل كذا وذاك‏..‏ بدون أي تقديس لكونه نبي الآخرين وضرورة أن يقترن اسمه بالاحترام‏.‏ فضلا عن تقديم الفيلم مرات ومرات الكاريكاتيرات المسيئة المليئة بالسخرية التي تصل لحد الوضاعة والفيلم نفسه وضع القضية في خانة دفاع اصحاب جريدة شارلي ابدو ومناصريهم عن قيم حرية التعبير في المجتمع الفرنسي وأن الدفاع عن علمانية فرنسا القائمة علي الفصل بين الدين والدولة يسمح بالسخرية من أي شيء وكل شيء‏..‏

وعنوان الفيلم نفسه من السيئ أن يحبك الحمقي هو عنوان كاريكاتير جاء علي غلاف الجريدة الفرنسية مصدرا نبي الإسلام صارخا وواضعا يده علي رأسه مضيفا أنه قد فاض به من المتشددين يقول فيليب قال رئيس تحرير الجريدة أنه يقصد المتطرفين وليس كل المسلمين ويعني بهم من فجروا مركز التجارة العالمي ومدريد وغيرهما‏..‏ لكن نواياه تفضحه علي لسانه شخصيا طوال الفيلم بأنه يقصد المسلمين جميعا‏..‏ فهل يتصور أن أي مسلم مهما كانت درجة اعتداله وتسامحه يقبل بإهانة نبيه تحت مسمي حرية التعبير وتصويره في كاريكاتير مربوط بعمامته قنبلة‏..‏

بل تصوير النبي محمد بكاريكاتير من الاساس وهو الحرية تصويره ورسمه في الإسلام وهل من احلرية أن تسب أديان الآخرين وانبيتهم‏,‏ وبرغم أن مخرج الفيلم دانيل لوكونت كان في صف أصحاب الجريدة ومتحيزا بدون أن يتحلي بروح الموضوعية ويوازن بين آرائهم وآراء المعسكر الآخر وأقصد مسلمي فرنسا الذين يظهرون بالفيلم‏..‏ إلا أن الوقائع التي أوردها المخرج فضحت الكثير ومنها اعتراف محامي الجريدة بأن تلك الرسومات تختلف عن جرائد الكاريكاتير التي كان يصدرها النازيون قبل الحرب العالمية الثانية سخرية من الجنس اليهودي وأن تلك الرسومات عنصرية‏..‏

وأن الرسومات الأخري التي تسب الإسلام ونبيه والمؤمنين به تدخل في إطار حرية التعبير‏..‏ ومما ظهر أن محامي مسجد باريس كريستوف ببجيو هو نفسه محامي الرئيس شيراك وقتما كانت القضية بالمحاكم عام‏2007..‏ ويعترف الفيلم ايضا بأن جريدة فرانس سوار التي اعادت نشر الرسوم تم إقالة رئيس تحريرها‏,‏ وكذلك مجلة الاكسبريس التي فعلت الشيء نفسه تم بيعها من مالكها لملك آخر‏,‏ ويعترف الفيلم بأن أغلب الصحافة الفرنسية قد قاطعت نشر أي أخبار عن القضية المرفوعة وأن جرائد لها وزنها مثل الفيجارو قد هاجمت شارلي إبدو لنشرها الرسوم ورأت أنها تضع البنزين علي النار‏..‏ بل ظهر بالفيلم القص الأب ميشيل ليلونج الشهير الذي أدان ما تفعله شارلي وأن هذا استفزاز وإهانة للمشاعر الدينية للآخرين

يظهر بالفيلم أنه تم استخدام القضية من السياسيين الفرنسيين كورقة انتخابية في منافسة بين ساركوزي وسيجولين رويال في الانتخابات ويظهر الفيلم عدة شخصيات مهمة مؤثرة في المجتمع الفرنسي لعبت دورا كبيرا في القضية مثل محامي الجريدة والوزير الفرنس السابق جورج كببجمان والدكتور أبو بكر رئيس مجلس طائفة المسلمين بفرنسا والسينمائي اليهودي كلود لانزمان الذي صنع فيلم شوا عن اضطهاد اليهود ويبدو بالفيلم إهانة المسلمين‏..‏ وتجاهل الفيلم أي ردود فعل خارج فرنسا سواء من المسلمين أو غيرهم‏..‏ صدمة الفيلم الحقيقية أنها أظهرت كم العنصرية التي يتمتع بها كثير من الشخصيات الفرنسية بالفيلم‏,‏ وأن ظاهرة الإسلاموفوبيا العداء للإسلام قد استشرت ودفعت عقول نخبة أوروبية مهمة لعدم التفرقة بين الإسلام والمتطرفين داخله‏.‏

الأهرام اليومي في 21 مايو 2008

 

استقبال كبير لفيلم ليلة البيبي دول في سوق مهرجان كـان

كان‏-‏محمود موسي‏

قيمة اي فيلة فيما يحدثه موضوعه من اهتمام وجدل‏,‏ وبما يناقشه من قضايا تلامس هموم الأوطان ومشاعر الشعوب‏..‏ وهذا ما نجح ان يحققه المخرج عادل اديب في فيلمه ليلة البيبي دول الذي عرض علي هامش مهرجان كان السينمائي والذي تدور احداثه في اطار كوميدي ساخر حول ما يعيشه الانسان العربي من هموم كبري‏.‏

أقامت شركة كودينور عرض كبير في سينما ستار‏2‏ وحضر مئات من السينمائيين العرب والأجانب ثم اقيمت حفلة حضرها من‏500‏ مدعو من كبار نقاد وفنانين وفنيين السينما العالمية‏,‏ والحفلة أقيمت تكريما لإسم الكاتب السينمائي الراحل عبد الحي اديب ولابطال الفيلم وهم محمود عبد العزيز ونور الشريف وليلي علوي ومحمود حميدة وسلاف فواخرجي وجميل راتب وجمال سليمان وغادة عبد الرازق وروبي والمخرج عادل اديب والموسيقار ياسر عب دالرحمن‏.‏

وقبل عرض الفيلم في المهرجان القي الاعلامي الكبير عماد أديب كلمة باللغتين الانجليزية والعربية حول ظروف الفيلم والقي الضوء علي بعض من مشوار والده الراحل عبد الحي اديب‏.‏

وقال أنه اراد ان يقول من خلال هذا الفيلم ان الارهاب اكثر الاعمال بشاعه‏,‏ وان المقاومة اكثر الأعمال نبلا‏,‏ وان التطرف الديني هو عمل بشع‏..‏ وان استخدام اسم الله في الأعمال العسكرية أيضا عمل بشع وان احتلال العراق واسراذيل من اكثر الأعمال بشاعة‏.‏

وعقب عرض الفيلم اهتم به وسائل الاعلام الاجنبية وتصدرت افيشات الفيلم اغلفة كبري المجلات ومنها فارايتي وسينما فرنسا وإكران وسكرين‏,‏ اضافة الي تصدر الافيشات أهم مواقع وشوارع مدينة كان‏.‏

وقد اشاد النجم العالمي عمر الشريف بالفيلم وموضوعه وقال في تصريحات خاصة ان موضوعه يمس الانسانية‏,‏ وانه يشعر بالغيرة الفنية وقال كنت أتمني المشاركة في هذا العمل‏.‏

اما الناقده الأميريكة الشهيرة ديبرا يانج كتبت عن الفيلم في مجلة فاراتي واعتبرته خطوة شديدة الجرأة في التصدي لقضايا سياسية وانسانية يخشي الغرب من فتح ملفاتها ومناقشتها بهذه الصراحة والوضوح‏.‏

وفي السوق التجاري بدأت مفاوضات جدية بين الشركة المنتجة والعديد من الموزعين العالميين بهذف الحصول علي حقوق عرض الفيلم سينمائيا وفي المحطات العالمية‏.‏

الأهرام اليومي في 21 مايو 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)