يوميات “كان” السينمائي الدولي
2008... ( 7 )
الصراع يتجدد من خلال السينما
حرب أفكار عربية - “إسرائيلية”
على شاشة كان
كان
-
محمد رضا
مهرجان “كان” هذا العام يبرز حرب الأفكار القائمة بين العرب و”الاسرائيليين”
وكيف أن كل طرف لديه ما يقوله في هذا الشأن. الاختلاف هو أن ما يطرحه
الفيلم العربي محاصر بالتوقّعات من أن يكون تفاوضياً إن لم يكن مسالماً،
بينما ما يطرحه الفيلم “الاسرائيلي” لا بأس به إذا لم يكن طالما أنه لا
يدعو لمحو الفلسطينيين من خريطة البلد او يمدح الحلول العسكرية التي
تمارسها “إسرائيل”.
بكلمات أخرى، الاعجاب كبير جداً هنا بفيلم “ملح هذا البحر”
لأنه يصوّر اضطرار أبطاله للجوء الى السرقة هرباً من الاحباط وحدود المكان
وتسللاً من حواجز القهر “الاسرائيلية” التي يرفضها العالم الغربي، لكن لو
كانت للفيلم نبرة عسكرية او نضالية لخاف المشاهد الغربي منه وتراجع عنه.
لكن الاعجاب الأكبر والأكثر شيوعاً هو من نصيب الفيلم
“الاسرائيلي” “الرقص مع بشير” أساساً لأنه وعلى عكس الفيلم الفلسطيني،
مقدّم في المسابقة. هذا الفيلم النقدي للحرب “الاسرائيلية” في لبنان ولدور
الجيش في مذبحة المخيمات الفلسطينية يستفيد من رقعة الحرية الممنوحة ل”الاسرائيليين”
والمحدودة بالنسبة للعرب في تلك الدولة.
واحد من السبل التي تستطيع فيها السينما العربية كسب حرب
الأفكار حول العالم هو أن يُتاح لها التمتّع بالحرية المسؤولة من دون شرط
أو قيد.
والحرية المسؤولة هي ألا تستغل الحريّة لمآرب قد تقلب معايير
التفاهم الديني والعنصري والفني فتبيح لنفسك ما تريد من مشاهد جنسية او
تنقل المشاعر المتطرّفة الى الشاشة من دون تدخل من طرف أصحاب الفيلم
أنفسهم.
لكن حتى تكون هناك حريّة مسؤولة، يجب أن تكون هناك حريّة
أولاً. والسينما العربية تتمتّع بأقل قدر من الحريّة أساساً وبهامش محدود
من القدرة على التعبير خارج حدودها. هذا في الوقت الذي تستفيد فيه السينما
“الاسرائيلية” من واقعها الأكثر تحرراً وتمنح الشاشات العالمية أفلاماً لا
تقترب منها السينما العربية لسببين أهمّهما أنها ليست متحررة.
السبب الثاني هو أنها لا تفكّر في المنهج نفسه بالطريقة ذاتها.
في مسابقة “كان” هذا العام الفيلم “الاسرائيلي” “الرقص مع
بشير” الذي عرضناه بحسناته المتمثّلة بالكشف عن الصمت “الاسرائيلي” إزاء
قيام حزب الكتائب اللبناني بمذبحة صبرا وشاتيلا، وبسيئاته المتمثّلة بعدم
الكشف عن أن هذا الصمت كان اشتراكاً.
لكن بصرف النظر عن الحقيقة في هذا المجال وكم أبدى وكم أخفى
فإن الحقيقة الموازية هي أن ما أبداه المخرج آري فولمان وما أخفاه تم حسب
موقفه الخاص وليس تبعاً لسياسة أن ذلك ما لا نستطيع التحدّث فيه وهي
العبارة التي قد تواجه أي سينمائي عربي يهدف لتقديم جردة حساب جادّة
وفعلية.
حين تم عرض “الرقص مع بشير” وهو فيلم كرتوني يعتمد مبدأ رسم
الوثيقة لغيابها وذلك في هذه المناسبة الستّينية لانشاء كيان قام على الغزو
والاحتلال تلبية لمطامع اقتصادية ارتدت ثوباً دينياً، لم نسمع إدانة من أي
جهة “إسرائيلية” حكومية او نقداً ضد الفيلم من قبل مكتب رسمي.
حين أنجز المخرج الفلسطيني محمد بكري فيلمه التسجيلي النيّر عن
مذبحة جنين (اعلم أن النسيان سيّد الأحكام) قبل سنوات قليلة، قامت المؤسسة
العسكرية “الاسرائيلية” بتقديمه الى المحكمة “الاسرائيلية”. ومحمد بكري
مواطن يحمل أوراق هوية “إسرائيلية”. هذا وحده يرينا كيف أن هناك ازدواجية
تعامل حيث يُسمح بالنقد على هوانه للمؤسسة “الاسرائيلية” اذا ما كان
المنتقد “إسرائيلياً” غير عربي، ولا يُسمح به إذا ما كان المنتقد عربياً.
محمد بكري كان حذقاً في ذلك فحقق فيلماً عن المحاكمة ذاتها من دون أن يخاف
او يخشى اي عاقبة ووضع المؤسسة العسكرية في خانة اليَك.
ونتيجة الحرب السينمائية بأسرها لم تكن، حتى الآن، لصالح الطرف
“الاسرائيلي” وحده حين تضع في عين الاعتبار أن أفلام هاني أبو أسعد وإيليا
سليمان المعبّرة عن روح الحقيقة الفلسطينية في هذا الصراع الممتد ستين سنة
الى اليوم، كانت وصلت الى مهرجانات عالمية وبل الى مناسبات كبيرة مثل
الأوسكار. لكن الطرف “الاسرائيلي” هذا العام في “إسرائيل” يبدو آيلاً الى
نجاح في المقابل عبر “الرقص مع بشير” وذلك لأن التوقّعات هو أن ينال الفيلم
جائزة كبيرة على الرغم من وجود المتحرر والناقد السياسي شون بن على رأس
لجنة التحكيم، وبل ربما لهذا السبب إذ إن النظر الى الفيلم من قبله او قبل
عديدين قائم على أنه فيلم معاد للمؤسسة العسكرية في حربها في لبنان في
الثمانينات وهذا يستحق أن يكافأ عليه المخرج.
لكن الخطر هنا: “إسرائيل” هي المستفيدة من منح هذا الفيلم
جائزة لسببين رئيسيين: الأول أنها تحتفل بعيد ميلادها الستّين وسيبدو الأمر
مكافأة لها للمناسبة، والثاني أن الفيلم يعلن بوضوح أن حرية التعبير
“مصانة” في “دولة تدعي الديمقراطية” ما يغطّي على الفظائع التي يمارسها هذا
الكيان ومن بينها وجود ألوف المعتقلين من الأولاد الفلسطينيين في السجون
“الاسرائيلية” من دون تدخّل طرف واحد حول العالم.
إنها حرب أفكار كما قال ذات مرّة ناقد سينمائي في الستينات
وكان صادقاً حينها ولا يزال الى اليوم. والحرية تهدي عادة الدولة التي تعمد
إليها أكثر بكثير مما تأخذ منها، لكن من يعرف كيف؟
صورة سينمائية عن لبنان اليوم
خليل وجوانا:
“بدي شوف” فيلم إنساني
ووطني وواقعي
يعيش الوسط السينمائي اللبناني سعادة غامرة بمشاركة فيلم
الزوجين المخرجين خليل جريج، وجوانا حاجي توما بعنوان “بدي شوف”، (je
veux voir)
ومدته ساعة وربع الساعة والذي سيعرض اليوم ضمن التظاهرة
الثانية “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي الدولي ال 61 وترشيحه بالتالي
لنيل الكاميرا الذهبية.
“الخليج”
التقت الزوجين المخرجين وكان الحوار التالي:
·
هل مشاركة كاترين دونوف في الفيلم ساعد على
قبوله؟
- بداية
كانت سعادتنا لا توصف ومدام دونوف تقول نعم سأكون معكما لكن لماذا وافقت
لجنة الاختبار؟ الاعتبارات موجودة عندها وحدها، لكننا شعرنا بمسؤولية دون
شك عندما عرضنا عليها سيناريو الفيلم ووافقت.
·
ألم تكن حذرة مثلاً من كونه فيلماً يؤشر إلى
أجواء سياسية؟
- الفيلم
انساني، هناك ضحايا، ودمار، هناك حالة مرعبة عاشها اللبنانيون طوال فترة
العدوان على البلد، و”كلنا بدنا نشوف”، ماذا حصل ولماذا، وبعد ذلك الى أين.
·
هذا هو السؤال الدائم. منذ 33 عاماً، الى
أين؟
- لا
إجابات في الفيلم، لكننا نطرح شؤوناً ومشاعر ووقائع مكثفة كثيرة.
·
ما الذي جذب اللجنة الى الفيلم؟
- صدقه،
واقعيته، روحه وإحساسه.
·
كم تراهنون على نيل جائزة أو تنويه من
المهرجان؟
- بداية
رائعة أن نشارك في “نظرة ما” وهي التظاهرة الثانية بعد المسابقة الرسمية،
واذا كانت لنا فرصة للحصول على جائزة فسيكون الفرح مضاعفاً.
·
هل سيكون سهلاً توزيعه وعرضه في لبنان؟
- طبعاً،
وربما كانت هناك اضافة في الأهمية مع جائزة فنحن ننتظر ونتوقع خيراً.
·
هناك قضايا حساسة تطرقتما اليها؟
- شعرنا
دائماً بأن هذا واجب، والجيد هنا أننا سنحمل قضيتنا حالياً لكي يتابعها 25
ألف شخص من صحافيين وفنانين ومتخصصين هذه أفضل وسيلة لايصال صوت بلدنا الى
العالم وماذا عن حقيقة قضاياه.
·
ما الذي أردتما قوله في الفيلم؟
- لا نريد
احراق فكرته. لكنه عمل انساني بالكامل، نريد إظهار الانسان بأن له كرامة
وقيمة في بلادنا لا أن يستباح تحت حجج واهية.
أوراق
ناقد
جرس
الانذار
تسمع الشكوى في كل مكان.
سوق كان السينمائي هذا العام لا يتحرّك. عدد الصفقات المهمّة
والمجزية قليل. معظم الشركات تعرض ولا أحد يشتري. نسبة المبيعات في الأسبوع
الأول هي أقل نسبة مبيعات في الفترة ذاتها من أي دورة سابقة منذ أن تم
إنشاء السوق.
* ما الذي
يحدث؟
- الجواب
البسيط لذلك هو أن المشتركين في السوق هذا العام هم أقل من عدد المشتركين
في العام الماضي او الذي قبله. وهؤلاء هم في الواقع شركات توزيع كانت تشتري
من المعروض ما كان ينعش السوق بأسره. الشركة الصغيرة قد تشتري نصف دزينة من
الأفلام التي تضمنها، لكن بوجود تلك الكبيرة فإن روح المغامرة أعلى
والموزّع العربي على سبيل المثال كان يعود بحصيلة كبيرة من هذا المهرجان
مفتخراً بأنه اشترى ما أراد ولو بسعر مرتفع.
الوضع الحالي له عدّة مبررات وأسباب ومنها أن سعر الدولار هبط
كثيراً الى حد أنه صار من المكلف جدّاً حضور مهرجان “كان” ناهيك عن إقامة
مكتب في السوق وجلب موظّفين وعن تكلفة الاقامة والولائم وما شابه وصولاً
الى تكلفة استئجار صالة عرض. ليس التكاليف ارتفعت بحد ذاتها، بل يكفي أن
سعر الدولار هبط ليخسر من قوّته الشرائية أكثر من أي وقت مضى.
الزحام الذي كان المهرجان يشهده في الأروقة وفي صالات العروض
المخصصة للسوق أقل بكثير مما كان عليه سابقاً. بعض المنتجين الفرنسيين
أنفسهم ليسوا هنا. كذلك، والى جانب خسارة الدولار لنصف قيمته او نحوها،
هناك تلك الأسعار المرتفعة التي تضرب قفا المتواجدين هنا وتجعلهم لا يشعرون
بأنهم يريدون تعريض جيوبهم او جيوب الشركات التي يعملون فيها الى الافلاس.
وكل هذا مرتبط بالوضع الاقتصادي لأمريكا المرتبط بالحرب في
العراق والمرتبط بسعر النفط.. إنه عالم صغير حقاً هذا الذي بتنا نعيش فيه.
هناك أيضاً تغييب واحدة من أهم الشركات الأمريكية التي كانت
تشتري وتوزّع وتنتج، وهي شركة نيولاين سينما التي اشترتها وورنر ثم طوتها
وصرفت من فيها. السوق التجارية تفتقد عبر هذه القناة التي كانت تشتري
بأسعار متقدّمة، النشاط الذي كانت تبثّه مثل هذه العمليات الكبيرة.
لكن انعكاسات ذلك على المشاهد العربي في أي مكان شبه معدومة.
فالموزّع العربي اعتاد أن يحصّن حياته العملية بأكثر الأفلام
تجارية وهذه لا يزال يتلقّاها من شركات التوزيع الكبيرة مباشرة من الولايات
المتحدة. لذلك أنخفض عدد حضوره هذا العام وعوض أن ترتطم بالدزينة المعتادة
من الحضور، تجد نفسك أمام أربعة او خمسة أشخاص من الذين لابد أن يأتوا وهم
أكبر القوى العاملة في هذا الميدان.
بما أن ما يشترونه هنا هو أيضاً أفلام من نوع “هشّك بشّك” (أي
بغير اللبناني) سخيفة وتجارية فإن انعكاس هذا الوضع معدوم تقريباً. كل ما
في الأمر هو أنه عوض أن نجد 52 فيلماً رديئاً تجارياً من إنتاج مستقل في
العام الواحد، سنجد نصف هذا العدد بالاضافة الى ال 52 فيلماً رديئاً
تجارياً او أكثر القادمة من شركات التوزيع الكبرى سواء أقيم كان أو لم يقم.
لكنه جرس إنذار في الواقع وانعكاس لمجريات الزمن. وإذا ما رغب
المرء القراءة في المستقبل فإن “كان” بأسره ربما وصل الى السقف الذي لا
تقدّم من بعده الا الى الوراء.
الخليج الإماراتية في 20
مايو 2008
|