كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جيفارا بينوكيو دين تورو..

ممثل كبير في فيلم صغير

بقلم  سمير فريد

مهرجان كان السينمائي الدولي الحادي والستون

   
 
 
 
 

تمخض أطول أفلام المهرجان (٤ ساعات و٢٨ دقيقة) «جيفارا» إخراج ستيفن سودربرج عن دور رائع لممثل كبير وهو بينوكيو ديل تورو الذي قام بدور جيفارا، ولكن في فيلم صغير من حيث القيمة الفنية والفكرية. وقد تبين أنه فيلم أمريكي وليس إسباني كما ذكرت «فارايتي»، ويبدو أنه أصبح لابد من انتظار مشاهدة الفيلم لمعرفة جنسيته، وبذلك يرتفع عدد الأفلام الأمريكية في المسابقة إلي أربعة أفلام، وهو أكبر عدد من دولة واحدة بما فيها فرنسا (٣ أفلام) حيث المعتاد أن يتساوي عدد الأفلام الأمريكية مع الفرنسية.

يتكون الفيلم من جزءين، الأول عن ثورة كوبا من بدايتها عام ١٩٥٦ حتي انتصارها عام ١٩٥٩ حيث قاد كاسترو وجيفارا أقل من مائة من الثوار وأطاحوا بنظام الديكتاتور باتيستا، والثاني عندما استقرت الثورة وتحولت إلي دولة كان من أقطابها جيفارا، لكنه فضل أن يترك السلطة والحياة الرغيدة، ويواصل قيادة الثوار في بوليفيا حيث كان يري وهو الأرجنتيني أن الثورة وقلب نظام الحكم بالسلاح هما الحل الوحيد لتغيير الأوضاع في كل أمريكا اللاتينية التي طالما عانت شعوبها من الفقر والجهل والمرض نتيجة الديكتاتوريات العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الجارة العظمي التي لا تري في القارة سوي حديقة خلفية لتصريف منتجاتها، والحصول علي ثرواتها الطبيعية بأبخس الأسعار، ولذلك لم يكن من الغريب أن تتآمر المخابرات الأمريكية وتغتال جيفارا عام ١٩٦٩.

ولكن استغناء جيفارا عن السلطة، واغتياله في أحداث بوليفيا بمؤامرة أمريكية، جعلت منه أسطورة بكل معني الكلمة، ومثلاً أعلي للشباب من جيل الستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وقد تم إنتاج العديد من الأفلام الروائية والتسجيلية عن جيفارا أقلها قيمة فيلم ريتشارد فلايشر الهوليوودي التجاري الذي مثل فيه عمر الشريف دور جيفارا لإدراكه السياسي المحدود وسعيه للنجومية آنذاك، مما أدي إلي عزوف أغلب الشباب عن مشاهدة أفلامه، وهو ما لم يكن يتصوره نجمنا العالمي الكبير، أما أكثر الأفلام الجيفارية قيمة فهو فيلم فنان السينما البرازيلي والتر سارس عن جيفارا الشاب، والذي أنتج منذ عامين، وعرض في مسابقة مهرجان كان دون أن تقدره لجنة التحكيم حق قدره.

وبين فيلم فلايشر وفيلم سارس يأتي فيلم سودربرج في موقع وسط، ولكنه يظل فيلماً صغيراً لأنه لم يعبر عن رؤية فكرية خاصة، وإنما جاء مجرد سرد رتيب لا يخلو من البلادة ويخلو من الخيال لحياة الثائر الأرجنتيني، بل إن السيناريو يعاني من خلل واضح منذ بداية الفيلم، ويربك المتفرج لمجرد متابعته.

الصراع بين أصحاب الديانات رغم أنهم جميعاً يعبدون الله

انفرد الفيلم الكندي «عبادة الله» أحدث أفلام فنان السينما الكندي من أصل مصري آتوم إيجويان بعرض واحد للصحافة في موعد خاص (١١ ونصف صباحاً في القاعة الكبري) وعرض آخر في العاشرة والنصف مساء وهو العرض الرسمي، فكل أفلام المسابقة تعرض مرتين للصحافة، ومرتين للجمهور والصحافة منهما العرض الرسمي، وليس هناك تفسير واضح لخروج «برنامج كان» هذا العام عن آلياته المعروفة منذ سنوات طويلة بالنسبة لبعض الأفلام.

يتناول إيجويان في فيلمه الجديد الموضوع الذي يشغل البشر في العالم منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١ أكثر من أي موضوع آخر، وهو الصراع بين أصحاب الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ويعبر عن وجهة نظره في هذا الصراع من عنوان الفيلم إلي لحمته وسداه، وهي أن الجميع يعبدون الله سبحانه وتعالي، والأولي بهم أن يكفوا عن الصراع علي أساس هذا الجامع المشترك بينهم، وهو لو يعلمون عظيم.

المعادل الموضوعي الدرامي لرؤية الفنانة سابين التي قتل والداها في حرب من الحروب اللبنانية وهاجرت مع زوجها سامي إلي كندا حيث عملت مدرسة، وواصل هو عمله كصانع لآلات الفيولين الموسيقية، ولأن سابين لا تنجب، تزوج سامي من العازفة الكندية راشيل وأنجب منها ابنه سيمون، وظل علي علاقته مع سابين دون أن تعرف راشيل، ويلقي سامي وراشيل حتفهما في حادث سيارة، ويقوم توم شقيق راشيل برعاية سيمون الطفل حتي يصبح شاباً في المدرسة الثانوية، وفي الوقت نفسه تقوم سابين برعاية سيمون وكأنه ابنها، ولكن عن بعد، وفي النهاية تخبر توم وسيمون بالحقيقة.

يبدأ الفيلم وسيمون طالب ثانوي يريد أن يعرف من كان أباه ومن كانت أمه من خلال الحوار مع جده والد راشيل الذي لم يحب سامي أبداً، وطوال الفيلم يدخل سيمون في المناقشات الدائرة في العالم عبر الإنترنت مع زملائه وغيرهم من الناس في كل مكان حول الإرهاب والإسلام، والصراع بين اليهود والمسلمين من ناحية، وبينهم وبين المسيحيين من ناحية أخري،.

وعبر سيناريو مركب كتبه المخرج تتكشف أبعاد الدراما بالتدريج، ولكن التركيب يبدو من غير طائل في بعض الأحيان، وفي الحوار تبسيط شديد يضعف الفيلم ككل، إنه فيلم جميل مثير للجدل، ولكنه ليس من أفضل أفلام إيجويان مبدع التحفة الرائعة «آرارات».

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 24 مايو 2008

 
 

«آل ديفو»: السياسة الإيطالية وعالم المافيا في عهدة «كان»

كان (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس

يوم واحد فصل، في مهرجان «كان» السينمائي، بين تقدم الفيلمين السياسيين الأبرز اللذين عرضتهما هذه الدورة في مسابقتها الرسمية، فيلم «تشي» للأميركي ستيفن سودربرغ، وفيلم «آل ديفو» للإيطالي باولو سورنتينو. وهنا إذ نقول «فيلماً سياسياً» فإننا نعني، تحديداً، سيرة لرجل سياسة تقدم عبر الشاشة. من ناحية المناضل المغامر الارجنتيني ارنستو تشي غيفارا، ومن ناحية ثانية جوليانو اندريوتي السياسي الإيطالي الداهية الذي شكل 7 حكومات وعين 20 مرة وزيراً وانتخب سيناتوراً مدى الحياة في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية ليكون في نهاية الأمر السبب المباشر في انهيار الحزب الديموقراطي المسيحي الذي واصل حكم عقوداً بدت وكأنها لن تنتهي .

الفوارق كثيرة بين الشخصيتين والحيزين الجغرافيين. ولكن أن يكون فيلماهما اجتمعا في «كان»، فإن هذا ليس سوى إشارة الى ازدهار سينما «السيرة» وسينما السيرة السياسية تحديداً، وهو أمر يلاحظ منذ سنوات. غير أن الجديد هذه المرة، بالنسبة الى اندريوتي تحديداً، وهو موضوع «آل ديفو»، اننا أمام سيرة لم تنته بالموت بل بالموت السياسي، والناتج كما يعرف متابعو أخبار إيطاليا عن تورط اندريوتي في علاقات مشبوهة مع المافيا، ومع سلسلة من الفضائح السياسية والمالية والإجرامية وصولاً الى محاكمته مرات ومرات. وهذا كله قدمه فيلم باولو سورنتينو، وإن في التباس مستغرب لا يتوخى، طبعاً، الدفاع عن اندريوتي ودرء التهم عنه، بقدر ما يرمي الى بث علامات استفهام وتعجب، ربما تكون هنا أكثر عدداً وإثارة للارتباك من أن يتحملها فيلم سينمائي يراد له أن يعرض عرضاً عالمياً.

فالحقيقة انه إذا كانت حال اندريوتي معروفة في ايطاليا ومثيرة للجدل، فإنها في الخارج لا تتحمل ذلك. ورغم أن سورنتينو حاول أن يجدد في أسلوب السينما السياسية، ولها في إيطاليا تاريخ عريق، فإنه لم يوفق كثيراً في أن يربط بين الأسلوب المتوتر ذي النبض والبادي أشبه بفيلم تحقيق وثائقي – وهو ليس كذلك، والتوليف الآتي من عالم «الكليب فيديو»، وبين موضوع وشخصية أراد أن يقدمهما لنا في غناهما. قد يكون اندريوتي سياسياً كبيراً، كما يريد الفيلم أن يقول، وقد يكون كاتباً لامعاً، يضاهي في ايطاليا البريطاني تشرشل لناحية المواهب الأدبية وابتكار العبارات الحادة والذكية، لكن هذا أتى في التوليف الذي جعله المخرج للفيلم، من خارج سياق أحداثه. أتى أشبه بتذكير بين الحين والآخر.

فإذا أضفنا الى هذا امتلاء الفيلم بالموسيقى وطلقات الرصاص والجثث والشخصيات المزدحمة الآتية من المحلية الإيطالية الضيقة، يصبح المتفرج امام فيلم محير، قد يكون أسلوبه مسلياً، لكن «سياسيته» تبقي هذا المتفرج على ظمئه. أما الممثل البارع الذي لعب دور أندريوتي (طوني سرفيلو)، فإنه أدى دوره بتركيبة لافتة، ولكن في معظم الأحيان ايضاً على إيقاع يجعله جديراً حقاً بأن يكون في «كان»، ولكن على الرصيف بين أولئك الفنانين الهواة، الذين يلعبون أمام المارة أدوار المهرجين الصامتين. وهو أبدع حتى في هذا، من دون أن يكون لإبداعه أثر في فيلم من الواضح أن ادعاءاته الفنية أتت أكثر كثيراً من حجم موضوعه، ما جعل كثراً يشعرون بأن «آل ديفو» لم يتمكن من أن يعيد الى السينما الإيطالية، السياسية غالباً وبامتياز، لحظات ماضيها الزاهية الكبرى يوم كان لمبدعيها أسماء روسي، بيتري، وجيرمي.

الحياة اللندنية في 24 مايو 2008

 

يدخل عالم الإرهاب والعنصرية والشرق الأوسط من دون توقع...

«عبادة» لآتوم ايغويان: عن الحقيقة وأقنعتها مرة أخرى

كان (جنوب فرنسا) - ابراهيم العريس 

الشرق الأوسط مرة أخرى في «كان»، ولكن من حيث لم يكن أحد يتوقع: من كندا، وتحديداً من المخرج آتوم ايغويان، الذي كان، ومن دون ان يُعرف عنه الكثير، واحداً من الأفلام المنتظرة في هذه الدورة من المهرجان. لكن احداً لم يكن ينتظر ان تكون للفيلم علاقة ما بمنطقة العواصف، منطقتنا. ومع هذا ليست العلاقة بمثل هذا الوضوح. بل إن كل شيء في هذا الفيلم لا يتسم بكثير من الوضوح. ففيلم «عبادة» بدءاً من عنوانه فيلم يشتغل على الظاهر والباطن، على ذاتية الحقيقة، مثل كل الأفلام المميزة التي حققها هذا المخرج الكندي من أصل أرمني والمولود في مصر «يوم افتتح السد العالي»، كما يقول هو محدداً مفسراً اسمه «آتوم» (ذرة) بأنه من بنات أفكار أبيه المصري - الأرمني الذي كان من المعجبين بعبدالناصر ووقف مؤيداً ما رآه يومها من ان افتتاح السد العالي طريق لولادة مصر في العصر الذري. من هذا التاريخ بقي لآتوم ايغويان ارتباط قوي بالمنطقة العربية وقضاياها. ولئن بدت هذه القضايا غائبة في أفلامه السابقة، فإنها هنا قفزت الى الواجهة... ولكن ليس تماماً. ويستطرد: انه فيلم عن الإرهاب ولكن ليس تماماً، وعن العنصرية وليس تماماً، وعن التسامح ثم هو دراما عائلية إنما مشغولة في ذهن بطل الفيلم الفتى المراهق سيمون الذي يعيش في تورنتو اليوم، تحت وطأة فقدانه أمه وأباه. ولأن سيمون ابن عصر التكنولوجيا والإنترنت، وابن الزمن الراهن نراه يخترع لنفسه تاريخاً خاصاً، فحواه ان أباه، الفلسطيني من بيت لحم، أرسل أمه الكندية عازفة الكمان الى فلسطين على متن طائرة إسرائيلية ومعها حقيبة ملأى بمتفجرات يفترض ان تنفجر في الجو وتقتل ركاب الطائرة، ومعهم طبعاً الأم وسيمون نفسه في أحشائها.

هذه الحكاية يرويها سيمون في الصف بتشجيع من مدرِّسة اللغة الفرنسية التي سنعرف لاحقاً انها آتية من بيروت حيث ذُبح أفراد عائلتها. ومن يعرف التاريخ المعاصر، يتذكر ان ثمة أردنياً كان العام 1986، أرسل خطيبته الإرلندية الى إسرائيل ومعها حقيبة مفخخة. لكن العملية انكشفت، وها هو سيمون يروي ما هو مماثل لها. بيد اننا بعد ثلث اول من الفيلم تنطلي الحكاية فيه علينا، نبدأ بإدراك ان سيمون إنما اخترع الحكاية أو عرف بها وأعاد توظيفها انطلاقاً مما كان جده يرويه له وهو على فراش الموت. لاحقاً سندرك ان الواقع هو غير هذا تماماً، وأن السيناريو الذي بدا أول الأمر كالمتاهة، إنما رسم في شكل مقصود كي يغير لاحقاً من وظيفة كل شخصية وعلاقتها بجوهر الفيلم. وهنا في هذا الإطار، المفاجآت كثيرة ومدهشة تضع سيناريو «عبادة» والفيلم الناتج منه في مقدم ما عُرض في «المسابقة الرسمية» في «كان» حتى الآن. لكنها، في طريقها تضع اموراً كثيرة في واجهة عالم الأفكار المسبقة، والتعصب والعنصرية، الذي نعيش فيه اليوم. وكذلك في صلب التكنولوجيا وإيديولوجيتها اللتين كثيراً ما شغلتا سينما ايغويان منذ بداياتها. لنا عودة – طبعاً – الى هذا الفيلم الغني والذي شكل مفاجأة كبيرة بمعنى ما، وفي انتظار ذلك قد يكون في إمكاننا ان نقول ان الحديث عن هذا الفيلم، في «كان» وفي ما بعد «كان» لن يتوقف هنا أو عند هذا المستوى، إذ ان الفيلم، كما الأسلوب التدريجي للسيناريو الرائع الذي بُني عليه، يدخل الى الأذهان والقلوب تدريجاً... أوليست هذه سمة أساسية من سمات الفن الكبير؟

الى ذلك (ا ف ب)، حصل الفنان اللبناني خالد مزنر، في اطار جناح «سينما الجنوب» على جائزة افضل موسيقى تصويرية للافلام عن فيلم «سكر بنات». وتمنح هذه الجائزة جمعية مؤلفي الافلام في اوروبا المكونة من نحو 300 عضو صوتوا للموسيقى التصويرية لفيلم «سكر بنات» الذي اخرجته نادين لبكي وعرض العام الماضي في تظاهرة «خمسة عشر يوما للمخرجين» ولقي نجاحا شعبيا كبيرا ونال العديد من الجوائز.

الحياة اللندنية في 23 مايو 2008

 
 

من توقيع الأميركي ستيفن سودربرغ

فيلم «شي» تحفة تخلد نضال جيفارا

عبد الستار ناجي

باختصار شديد.. فيلم تحفة هكذا هو فيلم «شي» «CHE» وهم اسم المناضل الأرجنتيني ارنستوشي جيفارا.

الفيلم من توقيع ستيفن سودر برغ مخرج من الطراز الأول، محترف، مقتدر، يمزج بين ما يريده كفنان وما يريده الجمهور ولو تأملنا مشواره لوجدنا مجموعة من المفارقات ولكنها دائماً تصب في اطار الاحتراف عالي الجودة.

فيلمه «الأول، جنس، كذب، فيلم فيديو» فاز عنه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1989 بعدها تواصلت اعماله تمزج بين احتياجات سينما المؤلف حيث التجريب على صعيد الشكل والمضمون وايضاً سينما المغامرة التي يعشقها الجمهور.

فمن أفلام «كافكا» 1991 الى ثلاثية «أوشن الفن» التي قدم فيها 3 أجزاء جمعت جورج لكوني وبراد بيت وحقنة اخرى من كبار النجوم.

ولكنه هنا يذهب بنا بعيداً، أبعد مما نتوقع وعبر موقف ينبض بالتعاطف والتفاعل والإيمان بالدور الذي قام به ذلك الثأر، الذي نذر حياته للثورة في أميركا الجنوبية.

وعبر أربع ساعات ونصف الساعة تابعنا فيلم «شي» وهو من جزئين، مدة كل جزء ساعتين وربع تقريباً، حافلة بالسفر والدهشة في عوالم ذلك الانسان الذي انشغل بمهنة الطب، أولاً وايضاً بمحاولة رفع الظلم والمعاناة عن أبناء أميركا الجنوبية.

أحداث الجزء الأول تسير وفق مجموعة من الخطوط المتوازية التي تتقاطع في احيان كثيرة، من اجل خلق حالة من الثراء والتداخل في الأزمان والاحداث لتجاوز السردية التقليدية في تحقق مثل هكذا أفلام ملحمية الجانب عامرة بالوجوه والشخصيات والأحداث الكبيرة.

تبدأ الأحداث في 26 نوفمبر 1956 حينما قام الكوبي فيدل كاسترو مع مجموعة من الثوار بمسيرته وكان معه الارجنتيني ارنستوشي جيفارا ذلك الطبيب الذي أنجذب الى طروحات وأحلامه مع مجموعة من الثورة والانطلاق في مسيرة تعمل على تغيير نظام الحكم الاستبدادي في هافانا كوبا وتنطلق المجموعة بعد اجتماعها في المكسيك ويوافق «شي» على مرافقة فيدل شرط انه بعد الانتهاء من الثوريين في «هافانا» يكملون المشوار الى بقية دول اميركا الجنوبية، التي تحتاج الى عملية تغيير شاملة من اجل تحقيق العدالة في ظل نسب الأمية والفقر التي تضرب اطنابها في انحاء تلك القارة المترامية الأطراف والأعراق والشعوب.

رحلة عامرة بالمواجهة والتضحيات وسقوط الكثير من رفاق الدرب من الثورة الذين يوثقهم الفيلم، وان ظل المحور الأساس هو «شي» الإنسان العامر بالعشق للأرض والشعوب، يساعد الجميع، لا يرضى إلا بالقيم العالية، يرفق ممارسات بعض المحاربين فيعيد الأمور الى نصابها بكثير من الحزم، وايضاً بدعم وثقة فيدل كاسترو الذي آمن بدوره ومكانته.

وتمضي مسيرة الثورة تسيطر على المدن وتغيير الوجوه انها الثورة بكل ملامحها وهي الوثيقة المكتوبة بعناية عن الدور المهم الذي قام به «شي» من اجل الثورة في كوبا، وفي أميركا الجنوبية لاحقاً.

وتتقاطع مشاهد المسيرة الثورية مع مشاهد زيارة «جيفارا» الى الأمم المتحدة والقائه خطب كوبا في ذلك العام، نيابة عن الرئيس فيدل كاسترو، والتقاطه مع اجهزة الإعلام والصحافة الأميركية.

فيلم يدعونا الى التفكير والتأمل في مساحة الإيمان المطلق الذي أمنت به تلك الشخصية المناضلة من اجل... تحقيق مسيرتها ورحلتها التي طرزت بحروف خالدة في ذاكرة الزمن والاجيال، كأحد رموز الثورة والتغيير في العالم.

شخصية واضحة الملامح، يعمل للثورة من اجل الثورة، وليس للسلطة والكراسي، فحينما نجحت الثورة، وتم اختياره وزيرا للاقتصاد، قام برحلته الى الامم المتحدة، وبعدها بقليل، جاء قراره بالذهاب الى بوليفيا للمشاركة في تأسيس جيش من الثوار لمواجهة ظلم السلطة هناك.

وينتهي الفيلم مع بداية الرحلة.. ونقصد فيها الجزء الأول من الفيلم.

ويأتي الجزء الثاني من تلك التحفة السينمائية، العامرة بكم من الوثائق والحكايات والصور والموت والتضحيات فالاوطان تستحق الكثير من التضحيات من اجل التغيير والدعوة الى مستقبل افضل.

واذا كان مشواره مع الثورة في كوبا قد اقترن بالايمان الحقيقي بالثورة، فان رحلته من بوليفيا، والطريق الى لاباز، كشف غياب الحرية وغياب الايمان الحقيقي، وعدم التحاق الكثيرين في رحلة الثورة والتغيير.

وعلى مدى قرابة العام نلمس الاختراقات التي عانى منها الثوار وعدم وجود مصادر الدعم المادي والمعنوي، وايضا الدعم الاميركي الصريح للنظام الحاكم من لاباز.

رحلة من الألم والمعاناة، فنحن امام رجل ترك كل شيء، المال والثروة والسلطة والنجاح، من اجل مساعدة الاخرين، لا يجد من يساعده ويمد الثورة، بشيء من الدعم.

ولكنه يظل يحاول، ويظل يقاتل، ويظل يحمل سلاحه وحلمه ولثورته التي يريد ان تحدث حالة التغيير في بلد يغرق في قيعان الفقر، بل لعله البلد الاكثر فقرا في العالم.

ويشتد الحصار..

ويتساقط الرفاق.. الواحد تلو الاخر.

حتى تأتي لحظة الاصابة، حيث يحمل الى الاسر، ثم الاعدام لاحقا.

ولكن موت جيفارا لا يعني موت الثورة.

فالثورة باقية في بقاع المعمورة، ويظل جيفارا احد رموزها الخالدة.

باقتدار عظيم، يتألق الممثل المكسيكي الاصل بيانكو دل تورو، ليجسد رحلة الثورة ورحلة تشكيل ملامح تلك الشخصية النضالية الثائرة.

ممثل استطاع ان يذوب في الشخصية، ويقدمها في جميع مراحلها وظل محافظا على ايقاعها وتطورها وعمقها، وايضا مبادئها التي تغلب الحوار على العنف، والتضحية على اي طموح هامشي، والانتماء للثورة بكل ارهاصاتها.

لقد كان بيانكو دل تورو في شخصية شي جيفارا، كأنه يتنفس تلك الشخصية ويعيشها، فكان ان جسدها بعمق، وعاشها باحتراف وحملها معه عشقا للشخصية، وتفاعلا مع مسيرتها.

بيانكو دل تورو ليس بالاسم التقليدي، أو الفهم العابر، حتى اثناء عمله مع هوليوود، وعبر عدد من الاعمال السينمائية، يظل ذلك النجم المشاكس الذي لا يرضي بانصاف الحلول والشخصيات.

وهكذا الامر بالنسبة للمخرج الاميركي ستيفن سودربرغ الذي يقتنص الحكاية والسيناريو ويستغرق عامين من الاعداد والتحضير، من اجل انجاز هذا الفيلم الكبير الذي يقدم به مساحات من الاحتراف عالي الجودة، وايضا يستدعي كما من الصور الشهديات التي اعتاد تقديمها في عدد من اعماله السابقة.

ولكن تظل الصورة عندها وهي في فيلمها التوثيقي محافظة على القها الدرامي العامر بالصورة والمتعة البصرية.

مخرج كبير، يعرف احتياجات، هوليوود، وايضا احتياجات جمهور المشاهدين في العالم، ولهذا حينما يستدعي حكاية ومشوار ارنسستوشي جيفارا، فانه يستدعي المناضل وباحترام جم، ويقدم لنا تحفة سينمائية خصبة.

فيلم كبير، لمخرج كبير، ونجم اختصر تاريخه السينمائي عبر هذه الشخصية ذات الاطر الملحمية العالية الجودة.

ونخلص..

فيلم «شي» تحفة تخلد نضال جيفارا. 

  

الفاجعة هي المحور والدين قابل للنقاش

أتوم أوغايان في «العبادة» يضع النقاط على الحروف

عبد الستار ناجي

تعالوا نتعرف على المخرج الكندي الارمني الاصل اتوم ادغايان، فنحن امام مخرج فذ، حرفي متميز، يكتب بعناية، اعماله دائما تنطلق من الكارثة، فهي دائما المحور الاساسي الذي تتفرع منه القضايا. اتوم من مواليد القاهرة 19 يوليو 1960، يحمل الجنسية الكندية، وهو اليوم اشهر مخرج ارمني، قدم العديد من الاعمال السينمائية، التي لفتت اليه الانتباه، واكدت عمق حضوره، وشددت على الخط البياني الذي يسير عليه، بدايته كانت مع فيلم «نكست اوف كن» عام 1984، وتواصلت اعماله ومن اهمها فيلم «اكسوتيكا» ثم «رحلة فالنسيا» و«ايضا تحفته» «ارادات» الذي يروي المجزرة التي تعرض لها الارمني في مطلع القرن التاسع عشر. واليوم يأتي ليقدم فيلم «العبادة». حيث الكارثة دائما، وايضا تداعيات تلك الكارثة، وهو هنا يناقش موضوعات في غاية الاهمية وهو موضوع «الدين» الذي يظل بالنسبة للبعض بمثابة «التابو». فماذا حمل الينا اليوم.. نتابع حكاية الفتى سيمون، القادم من اسرة مسيحية الاصل، ومن اب عربي مسلم، حيث يرفض جده هذه العلاقة، ولكن الحب اكبر من اي شيء، وتكون النتيجة ميلاد سيمون، ولكن بعد ايام قليلة، واثناء عودة والده مع والدته من احدى الحفلات حيث اشتهرت الام بعزفها المتميز على آلة الكمان، يلتفت الاب الى شيء ملقى على الكرسي، واذا بالكارثة.. حيث تنفجر السيارة وتحترق اثناء اصطدامها بشاحنة. ويظل الفتى سيمون برعاية عمه وجده.. العم مشغول بعمله وهو نقل السيارات المخالفة، والجد في احد المستشفيات يكرر ذات الاتهامات لزوج ابنته المسلم، والذي يؤكد أنه «قتل ابنته» وانه كان يخطط لهذه الكارثة المأساوية. وتمضي الحكاية، في عملية بحث، خصوصاً، حينما يثير سيمون القضية عبر الانترنت ونأتي لكم من الاراء في هذه القضية وتلك الاتهامات. وتتواصل رحلة الحوار..

وتدخل في الاحداث امرأة مسلمة محجبة، لا نعرف هويتها، نكتشف لاحقا أنها المدرسة التي تدرس سيمون وهي تظل تخفي هويتها، حيث نتعرف عليها لاحقا اذ تتعرف لعم «سيمون» أنها كانت زوجة «سامي» وهو زوج شقيقته ووالد «سيمون». ويكتشف سيمون، بأن جده ينطلق من موقف عدائي، سببه الدين، حيث جده المسيحي يرفض اولا الزواج والارتباط، ويظل يكيل الاتهامات.. حتى تظل الصورة مشوهة. ويؤكد الابن، يوماً بعد اخر، ان السبب في الخلاف بين البشر، هو الدين، فيقرر ان يحرق بعض الأشياء الدينية المسيحية التي تقام في ايام عيد الميلاد من كل عام، وايضا حرق جهاز الهاتف المحمول، الذي يحمل تسجيلات لجده وهو يتحدث عن والده بكراهية. يحرق كل شيء، لانه يرى أن الدين والاصول، هي السبب في ذلك الالتباس بين البشر في العالم، فكل هذه المواقف العدائية سببها الدين. اتوم اوغابان الارمني، يذهب الى الفاجعة، ويناقش موضوع الدين واثره في زرع الخلاف والضغائن بين البشر. مواقف محسوسة.. ومواقف سلفية جاهزة، تحمل العداء للاخر، حتى دون سبب. مثل هذا النقاش يضع الكثير من النقاط على الحروف.

 

«رومي» أول عمل روائي قطري

عبد الستار ناجي

اعلن في كان ان قطر كشفت عن انتاج اول عمل روائي سينمائي طويل بعنوان «رومي نار الحب» والقصة عن الشاعر جلال الدين الرومي، وتدور احداثها في القرن الثالث عشر الميلادي، عن الشاعر الفارسي الشهير. وحري بالذكر ان الرومي هو احد مؤسسي الصوفية، الفيلم يشارك في انتاجة ديباك شوبرا، والميزانية المقترحة «25» مليون دولار، اما الجانب القطري فيمثل «الهيئة القطرية» التي تترأسها الشيخة موزة زوجة سمو امير قطر. وسيقوم بتصوير هذه الملحمة السينمائية مدير التصوير العالمي «فتوريو ستراورو» الفائز بثلاث جوائز اوسكار كأفضل مصور في العالم. هذا وسيبدأ التصوير في يناير المقبل، بين تركيا وعدة من دول الشرق الاوسط. وحري بالذكر ان شعر الرومي قد ترجم الى عدة لغات.

 

وجهة نظر

حدث

عبد الستار ناجي

يتواجد في مهرجان «كان» السينمائي كم غير قليل من الفضائيات التلفزيونية التي جاءت من أنحاء المعمورة التي تجاوز عددها 220 محطة، يمثلها أكثر من سبعمئة كادر فني واعلامي متخصصين، هذا طبعا عدا 7 آلاف صحافي وناقد محترف.

ونتشرف في «النهار» أن نكون الصحيفة الكويتية الوحيدة التي تقوم بتغطية هذا الملتقى المهم من خلال صفحة يومية حافلة بالخبر والعرض والتحليل والمتابعة.

ونعود إلى بيت القصيد.. ففي مهرجان «كان» يمكن أن نفتح الكاميرا على أي زاوية أو أي فعالية، لنحصل على مادة خصبة وثرية يمكن ارسالها لهذه القناة أو تلك.

كل شيء في هذه المدينة يتحول الى نجم، قد يتجاوز نجومية انجلينا جولي وبراد بيت أو غيرهما..

ثمة منتجين أكثر شهرة من كل النجوم، وهناك نوعية من المخرجين لا يمكنهم التحرك في شوارع «كان» وهكذا الدور مع عدد آخر من المبدعين.

ازدحام «كان» يتجاوز كل أنواع الازدحامات الدارجة، انه ازدحام الفن والابداع والتميز، ولكن ما هو أهم هو الكيفية التي يتم بها استثمار هذه المناسبة وهذا الحدث.

أعرف قنوات تبث على مدى 24 ساعة، بعضها يبث على القمر الصناعي الأوروبي وأخرى تبث بالساعات وأخرى تختار دقائق.. وثالثة ترصد جميع التظاهرات والمناسبات.

انه عرس السينما.. وحدثها الأهم.. ومهرجانها الأبرز ولكن يبقى تساؤل نرفعه لمن يعنيه الأمر في الاعلام: لماذا يغيب تلفزيون الكويت وبقية القنوات الفضائية المحلية عن هذا العرس المجلجل؟

وعلى المحبة نلتقي

annahar@annaharkw.com

النهار الكويتية في 24 مايو 2008

 
 

القبس في مهرجان «كان»

هل يكرس المهرجان لـ«نوع» سينمائي جديد؟

كان (فرنسا) ــ صلاح هاشم

ترى ما أبرز الأفلام التي شاهدناها في مسابقة الدورة 61، التي تتنافس على جائزة السعفة الذهبية، والتي من المحتمل وفقا لتقديراتنا أن تفوز بها أو بجائزة أخرى من الجوائز التي يوزعها المهرجان - في الإخراج والسيناريو والتمثيل الخ - وسوف يقوم بتسليمها الى أصحابها هذه المرة الممثل الأميركي روبرت دونيرو في حفل الختام؟.

نرشح لعدة اعتبارات ذكرناها من قبل فيلم «تبادل» لايستوود للحصول على سعفة «كان» الذهبية، كما نرشح بطلة الفيلم انجلينا جولي للحصول على جائز أحسن ممثلة في المهرجان، فقد أجادت في أداء دور الام التي تبحث عن ابنها المفقود في «تبادل» وجعلتنا نصفق لها ولشجاعتها. ويأتي من بعد فيلم ايستوود مباشرة فيلم «3 قرود» للمخرج التركي نوري بيلغ سيلان، ونعتبره مع عدد كبير من النقاد، أكثر أفلام المسابقة اكتمالا من الناحية الفنية، فهو قطعة «سينما خالصة» مثل اللوز المقشر، وقد استحوذ علينا بقصته وبتوهجه الفني وأجوائه ومناخاته وأعجبنا كثيرا.

يحكي الفيلم عن حادث سيارة يقع لرجل سياسة تركي في الطريق، يصدم عابر سبيل، ويسبب موته، غير انه يوقظ سائقه في الليل، ويسأله إن كان يقبل أن يقدم نفسه الى الشرطة، لكي يحاكم ويحبس في محله، في نظير مبلغ كبير من المال، وعلى أساس ان يحافظ السائق أيضا داخل السجن على مرتبه الشهري، ويدفع أثناء فترة الحبس الى أسرته كل شهر، وبذلك يحافظ السياسي على مركزه، فلا يسقط في الانتخابات القادمة ويحافظ دوما على موقعه في قمة السلطة. ويوافق السائق التركي ويدعى «أيوب» على الصفقة، يوافق على أن يكذب، فيدخل السجن ليسجن بدلا من مدير المكتب رجل السياسة التركي.

وأثناء ذلك يصور الفيلم حال أسرته المكونة من الزوجة (45 سنة) التي مازالت محافظة على بعض من جمال قديم، وابنهما الشاب في العشرين من عمره، ونراهما الزوجة والابن يدوران في حلقة مفرغة من القنوط والبؤس واليأس والملل، إلى حين خروج الأب، وحصول الأسرة على المكافأة التي وعد بها السياسي عند خروجه، ويمكن بالطبع استثمارها في مشروع، يدر على الأسرة دخلا ما في ما بعد، ويساعدها على مواجهة ظروف الحياة الصعبة.

ثم تتطور أحداث الفيلم حين تتوجه الأم الى مكتب ذلك السياسي، لتطلب منه تقديم جزء من المكافأة كما اقترح عليها ابنها، لكن قبل خروج الأب من السجن وليس بعد، وكان الابن الشاب يفكر في شراء سيارة بالمبلغ، ويقوم من خلالها بنقل وتوصيل الأطفال الى مدارسهم، لعل ذلك يخلصه من الضياع الذي يعيشه في تلك الضاحية الشعبية التي تقع بالقرب من مزلقان قطار، مع أقرانه في الحي من الأشقياء، وعراكهم ومشاجراتهم بعضهم مع بعض ليل نهار، وقد مل وكره تلك الحياة من العبث والقرف والضجر، وهاهي أمه تطلب منه أن يأكل، فلا يأكل بعد أن فقد شهيته، وبات طعم كل شيء ماسخا، وتعود الأم الى البيت أحيانا، فإذا بها تجد الابن ينزف دما من رأسه وجبهته، وكأن اقرأنه قد ضربوه ضربا مبرحا للانتقام منه.

عن الخيانة والألم والذنب

ويقوم رجل السياسة بتوصيل الأم بعد أن زارته في مكتبه الى شقة الأسرة التي تطل على البحر، ثم ترتبط الأم بعلاقة آثمة مع السياسي، الذي يتردد عليها في الشقة حين يذهب الابن لزيارة الوالد في السجن، غير ان الابن يعود يوما الى البيت، بعد ان أصابته وعكة في الطريق، ليكتشف ان أمه خائنة، وتزني مع السياسي، بل لقد احبته وتعلقت به بمرور الوقت، على الرغم من انه متزوج ومن طبقة أخرى غير طبقتها الشعبية، ولذلك بعد أن أخذ منها مايريد وبغيته، هاهو رجل السلطة، السياسي صاحب الأمر والنهي، يلفظها لبرد ووحل الطرقات.

ويحاول الابن أن ينتقم من الأم الخائنة، التي وقعت في حب السياسي وبدأت تنسى زوجها الذي خرج من السجن، فتروح مثل مجنونة تطارد السياسي وهي غير عابئة بالعيب والتقاليد الشرقية والشرف واكتشاف أمرها، فتسبب له الكثير من الإحراج والضيق، حتى راح يهددها بالقتل، فتصرخ في وجهه انه لا يعرف ما تقدر عليه النساء وتهدد بقتله.

ثم يكتشف الاب عند خروجه من الحبس انه قد خدع في ابنه، وخدع في زوجته، وخدع ايضا في رئيسه في العمل رجل السياسية الذي اشتراه بالمال، ويحتار كيف يتصرف، ويتردد في قتل الزوجة، فهو مازال يعطف عليها ويحبها على الرغم من رغبته في الانتقام منها كما يتردد في عقاب وحساب الابن أيضا وعلى أساس انه المسؤول ايضا عما وقع، فهو الذي مهد لوجود تلك الظروف التي دفعت أثناء غيابه الى خيانة الزوجة وإخفاء الابن الأمر عن أبيه وتورطه هو أيضا (الابن) في الكذب.

وحين يتعب الأب من التفكير وحساب نفسه قبل ان يحاسب الآخرين الذين ورطهم معه، يستلقي على السرير، وإذا بطفله الذي مات من زمن، يجيء الى الفراش وينام الى جواره ويحضنه، الى ان يقوم الابن الشاب في نهاية الفيلم بقتل رجل السياسة، ويخرج الأب الى الطريق بعد ليلة مشهودة، ليلة لم ينم فيها أحد، وكانت الأم هددت فيها بالانتحار وإلقاء نفسها من فوق سطح البيت ولم تفعل، ويقوم الأب بعقد صفقة مع عامل غلبان في مقهى في نهاية الفيلم، والاتفاق معه على أن يدخل السجن في محل الابن القاتل.. وبذلك تكتمل الحلقة، وتغلق دائرة الفيلم، لتكشف عن الطريقة التي تنتقل بها القيم في المجتمع التركي، كما يراها ويتمثلها المخرج نوري بيلغ شولان في فيلمه.

3 قرود.. صورة سوداوية

حيث تبدأ هنا من عند أعلى قمة البناء الهرمي في السلطة التي يمثلها رجل السياسة، فهو الذي يرتكب الحادث في الفيلم، وهو الذي يقتل، لكنه بدلا من أن يذهب الى الحبس، يجعل الطبقة الفقيرة التي تشتغل عنده توافق على كذبه، وتجد نفسها بسبب احتياجاتها الاقتصادية ترضخ لأوامره وتوجهاته، ثم انها كطبقة تقوم في ما بعد بتصدير تلك القيم والمثل البرجوازية الجديدة المنافقة في المجتمع التركي الى الطبقة الادنى والافقر منها، تلك الطبقة في أسفل السلم الاجتماعي، التي ينام أفرادها كما عامل المقهى الغلبان في الفيلم على رصيف الشارع، في البرد والمطر، وتحضر بأفرادها من الريف الى المدينة لتسكن المقاهي والعشوائيات في ضواحي المدن الكبرى كما في بلدان العالم الثالث.

ويكشف لنا نوري بفيلمه ذاك الاثير «تحفة» المهرجان، وأحد أهم الافلام التي نرشحها للحصول على سعفة او بالأحرى «نخلة» المهرجان، يكشف عن أليات انتقال القيم والأخلاقيات في المجتمعات التركية الجديدة، ويرسم صورة شديدة القتامة والسوداوية لطقوس ومناخات، لقيم وعادات، وتحولات تطرأ على المجتمع التركي ويكشف عن تفشي ظاهرة «العنف» من خلال تناقضات المجتمع التركي، من خلال الصورة والصورة وحدها، وليس بالكلام والخطب في أفلامنا الدرامية التي تعج بالكلام والضجيج والثرثرات اللامجدية والعويل وتورث الصداع ووجع الدماغ.

نوع سينمائي جديد

فيلم «3 قرود» الذي بدا لنا مثل «تراجيديا يونانية» لسوفوكل أو مأساة مثل «ماكبث» لشكسبير، ولاشك في أن الأجواء السوداوية القاتمة في الفيلم قد تذكر البعض بفيلم «ماكبث» لاورسون ويلز، يكرس لنوع سينمائي جديد تصنع فيه السينما وتكون مشغولة بالدانتيلا والحرير، فتكون لها شفافية الأول ونعومة الثاني، في أوقات ولحظات الصمت فقط بين مشهد ومشهد، وهي تبحر في اعماق شخصيات العمل الدرامي، وتتوغل غوصا داخلها، لكي تمسك بنبض الروح، وبلحظات اشتعال المشاعر والأحاسيس، التي لا تعثر لها على أسما، وتحاول تصويرها، ثم انها تجعلنا ونحن نتفرج عليها في الفيلم من خلال اداء الممثلين، نحاول ايضا من خلال تلك المشاركة الفنية - التفسير والتأويل - كما حين نتفرج على لوحة لرينوار او جوجان او فلاسكيز، وهي العملية التي تسحبنا أيضا الى الداخل لنشارك في صنع الفيلم، نحاول نحن ايضا أن نعطيها اسما.

فيلم يقترب من روح الاعمال الشعرية الخالصة التي تحار في جمالها وتفسيرها كقصيدة مثلا لطاغور او سان جون بيرس، ويكون لها وقع وتوهج الشعلة التي تقترب من الوجوه وتكاد تحرقها ومن دون ان تستطيع تفسير السبب. نوع سينمائي يعاف التفسير، وهو يكرس لخطاب الصورة وحده، وينفتح على المنظر الطبيعي في الفيلم، ويجعله اساس وروح الصورة كله النفساني والوجداني الصوفي، وليس ديكورا اجوف، ويخلق مناخات أجواء وطقوس فيجعلنا من دون ان نغادر ارضية المجتمع التركي الصلد، نحلق في سماوات الحلم بجمال ورقة وحساسية السينما الواقعية الشاعرية الملهمة.

القبس الكويتية في 24 مايو 2008

 
 

يوميات “كان” السينمائي الدولي 2008... ( 10 )

السينمائيون شاركوا فيها والمهرجان توقف بعد 3 أيام بسببها

 “كان” يحتفل بمرور 40 عاماً على أحداث 1968

كان - محمد رضا

احتفل مهرجان كان السينمائي في دورته الحالية بمرور 40 سنة على أحداث سنة 1968 بطريقته وهي: إعادة عرض بعض الأفلام التي كان المهرجان برمجها للعرض في مسابقة ذلك العام لكنها لم تشهد فرصتها آنذاك بسبب حصول اضطرابات أدّت الى تعطيل فيلم ثم امتدت لتعطيل الدورة بأسرها.

ففي العاشر من مايو/ أيار من ذلك العام، ومن دون سابق إنذار فوجىء المتواجدون وهم على أهبة مشاهدة فيلم للإسباني كارلوس ساورا عنوانه Peppermint Frappe باعتلاء كل من جان لوك غودار وفرنسوا تروفو وكلود ليلوش ولوي مال ورومان بولانسكي (وكلّهم مخرجون كانوا في بدايات الطريق حينها) المنصّة وإلقاء كلمات تأييد للحركة الطلابية التي كانت دخلت شهرها الثالث في فرنسا ذلك العام.

ساد الهرج والمرج وفي إحدى المرّات سقط البعض على البعض الآخر حين تدافع المحتجّون ثائرين على موقف المهرجان السلبي مما يدور.

سبب ثورة 1968 الرئيسي بدأ باحتجاج المثقّفين والطلاب في فرنسا على حكومة شارل دي غول التي أقدمت على عدد من الإجراءات كان من شأنها لو طبّقت وضع النظام التعليمي ضمن مزيد من القوانين المحافظة التي تجعل حرية التعبير ذاتها مقيّدة. وكان أحد الإجراءات التي أقدمت عليها الحكومة عزل، رئيس متحرف السينما الفرنسي، جورج لانغلوا لأجل تعيين سينمائي من الحكومة المحافظة عوضاً عنه. وهنا تتضّح حقيقة مهمّة: ميول تروفو اليمينية (او ربما هي أكثر من مجرد ميول) لم تمنعه من تسريب الخبر الى رفاقه السينمائيين فقاموا بالاحتجاج على القرار بإطلاق مظاهرة قادها جان-لوك غودار واحتوت حين انطلقت على نحو مائة فرد لكنها سريعاً ما استوعبت بضعة ألوف من الطلاب وهواة السينما، مع رسائل تأييد تم إرسالها من قبل ألفرد هيتشكوك وتشارلي تشابلن وجان رنوار وروبرتو روسيلليني (وهم أبطال لدى مخرجي موجة السينما الجديدة، مثل تروفو وكلود شابرول وغودار على أي حال).

قاد غودار المظاهرة الى أن واجهها رجال البوليس الفرنسي بالقوّة. تحطّمت نظارة غودار الطبيّة وشج رأس زوجته ما دعاه الى الطلب من المتظاهرين التوجّه الى السينماتيك فرنسيز ( تلك التي أدمن على مشاهدة الأفلام فيها السينمائيون الفرنسيون من أمثال تروفو وغودار) وتعطيل عروضها. أمر سارع الجميع الى تنفيذه. وبعد ثلاثة أشهر امتدت الثورة التي كانت انتشرت بين قطاعات طلابية أكثر الى مدينة “كان” التي كانت تقيم مهرجانها الحافل وأدّت الى إيقاف المهرجان السينمائي المعروف بعد ثلاثة أيام من بدايته.

احتفاء المهرجان الفرنسي تم عبر عرض مجموعة الأفلام التي كان المهرجان سيعرضها ولم يتمكّن من ذلك بسبب المظاهرة الحاشدة التي عطّلته كما كانت عطّلت عروض السينماتيك قبله وهذه الأفلام هي فيلم كارلوس ساورا المذكور أعلاه وفيلم فرنسي بعنوان “24 ساعة في حياة امرأة” أخرجته دومينيك ديلوش، والفيلم الروسي “أنا كارنينا” لألكسندر زارخي كما الفيلم البريطاني “الأيام الطويلة تموت” لبيتر كولنسون كما عرض فيلم “13 يوم فرنسي” لكلود ليلوش الذي كان من بين مقتحمي صالة المهرجان في ذلك اليوم المشهود من تاريخه.

لكن ما حدث بعد الثورة بين اثنين من قادتها هما جان-لوك غودار وفرنسوا تروفو لم يُصنع عنه فيلم حتى الآن. أحداث تلك الفترة التي انتهت بادعاء كل فريق أنه هو الذي انتصر في تلك المواجهة (الحقيقة أن الحكومة انتصرت من حيث أنها التزمت بمعظم قراراتها، لكن الثائرون يستطيعون القول إنهم جلبوا الى البلاد ريح تغيير وإن فرنسا، بحق، لم تعد، بعد تلك الأحداث كما كانت قبلها) أنهت كذلك فترة صلح مرحلية بين المخرجين حدثت حينما اشتركا في الاحتجاج على الحكومة. ذلك أنه قبل ثورة 1968 بدأت بوادر خلافات كبيرة تنشب بين الاثنين يعود معظمها الى اختلاف المنظور السياسي بينهما.

غودار كان يسارياً ماركسياً، وتروفو كان ليبرالياً يُحسب على يسار الوسط. هذا لم يمنع الثاني من الاشتراك في التظاهرات الباريسية ولا -لاحقاً- في اقتحام قصر المهرجانات في “كان”، لكنه كان مستاء أشد الاستياء من خطب زميله الثورجية.

الشقاق الحقيقي بين المخرجين بدأ خلال ذلك العام. تروفو كان معتدلاً في موقفه من الحكومة يأمل فقط في إعادة تعيين لانغلوا وغودار كان يهاجمها من دون هوادة قاصداً إزالتها. تروفو لم يكن مستعداً لمواجهة البوليس وغودار كان يعتبر البوليس جزءاً من النظام وهو يريد أن يواجه كل من يقف في طريق تلك الثورة.

اتسعت هذه الخلافات وشملت قيام كل منهما بوصف الآخر بكلمات لا نستطيع نشر بعضها هنا. ما نستطيع نشره هو أوصاف مثل “كاذب” و”خائن” و”مخطىء”. وزاد الطين بلّة أن كلاً منهما، في الأعوام اللاحقة أخذ ينتقد فيلم الآخر بعبارات قاسية.

لكن الاثنين حافظا، كل على نحو منفرد، على إعجاب السينمائيين العالميين سواء أكانوا من الجيل الأكبر او الأصغر. الإيطالي برناردو برتولوتشي لا يخفي تأثره بأفلام غودار، بينما يرفع الأمريكي آرثر بن قبّعته لفرنسوا تروفو. كما أن تأثيرهما معاً وتأثير سينما “الموجة الجديدة” في مطلع الستينات، أي قبل أن يتفشّى الخلاف كان شديداً حتى بين المخرجين الأمريكيين الذين بدأوا عملها في السبعينات من فرنسيس فورد كوبولا الى جورج لوكاس مروراً ببرايان دي بالما وجونثان دامي. أما ستيفن سبيلبرغ، فقد دعا فرنسوا تروفو لبطولة فيلمه “لقاءات قريبة من النوع الثالث” لإظهار تقديره.

قبلة مادونا بمليون دولار في مزاد لمكافحة الإيدز ب “كان”

شهدت مدينة “كان” وعلى هامش مهرجانها السينمائي عشاء خيرياً نظمته المؤسسة الأمريكية لمكافحة “الأيدز” amFAR حضره مشاهير العالم ونجح في جمع أكثر من عشرة ملايين دولار وهو مبلغ قياسي.

ومن المشاهير الذين شاركوا في المزاد الذي ذهب ريعه للجمعية، مغنية البوب الأمريكية مادونا التي قامت بإفراغ كامل محتويات حقيبتها الجلدية المرصعة بالألماس من تصميم دار “شانيل”، بالإضافة إلى تقديم غيتار كان ضمن جولتها الغنائية “اعترافات” لتجمع مبلغ 550 ألف دولار.

ومن ضمن المحتويات مرآة ومشط للشعر ومطري للشفاه.

ومازحت مادونا الحضور مطالبة إياهم بالتبرع بسخاء وعدم الإنقاص من شأنها.

أما المشرفة على الحفل الخيري فهي الممثلة الأمريكية شارون ستون أحد أبرز المشاهير الناشطين في الدفاع عن حقوق مرضى الايدز، فقد حاولت دفع الجمهور للمطالبة بقبلة من مادونا ضمن المزايدات، مذكرة الحضور بأن الممثل الحائز على أوسكار جورج كلوني باع قبلتين العام الفائت مقابل 700 ألف دولار.

وعلقت مادونا مازحة “ذلك رخيص الجميع قبّل جورج كلوني”. وقالت إنها لن ترضى بأقل من مليون دولار مقابل قبلة واحدة، وفق وكالة “أسوشيتد برس”.

وكان العشاء الخيري افتتح بتعهد ستون بمبلغ 100 ألف دولار لأبحاث الايدز المتعلقة بالأطفال، مطالبة الحضور بالتبرع بسخاء، وخلال دقائق نجحت في جمع مليوني دولار.

ومن المشاهير الذين باعوا مقتنيات خاصة بهم خلال الحفل الخيري شارون ستون حيث دُفع خلال المزايدة مبلغ 786 ألف دولار لسيارتها البورشيه الكلاسيكية موديل عام 1976. كذلك من المشاهير الذين شاركوا في المزاد، الراقصة ديتا فون تيس، التي قدمت جواربها، حاصدة77 ألف دولار. 

بين الأفلام

3 أفلام تبحث عن المجهول والأمل الضائع

* Headless Woman امرأة بلا رأس

يمكن إطلاق العنوان على حال الفيلم أيضاً. إنه بلا رأس ولا أطراف ولا يعرف أحد ما المواصفات التي وجدتها لجنة الاختيار كافية لاختيار هذا الفيلم في المسابقة، بينما هناك أعمال أفضل منه معروضة في أقسام أخرى، او ربما تكون رفضت لإتاحة المجال لهذا الفيلم.

إنتاج أرجنتيني/ إسباني/ فرنسي من كتابة وإخراج لورسيا مارتل صوّرته بكاميرا ذات نظام عريض مناسب للرغبة التي تعتري الفيلم في إظهار أجواء الحياة المختلفة ووضع شخصياتها، خصوصاً شخصيّتها الأساسية، في وسط تلك الأجواء.

تبدأ القصّة ببطلة الفيلم (ماريا) وهي تقود سيّارتها في سرعة كبيرة على الطريق الريفية الموصلة الى البلدة التي تعيش فيها بينما يصدح الراديو بموسيقا عالية. فجأة يرن جرس الهاتف النقّال. تنحني جانباً لالتقاطه وفي لحظة ترتطم بشيء. توقف السيّارة وكلّها اعتقاد بأنها ارتطمت بإنسان، لكن المرمي على قارعة الطريق وراءها هو كلب. بعد ذلك هو محاولة المخرجة تصوير قناعة بطلتها بأنها قتلت شخصاً وكيف أن هذه القناعة مترسّبة في البال على أساس أنها تأنيب ضمير. لكن لا زوجها ولا أحد الأصدقاء ولا الشرطة نفسها وجدت ما يدل على أنه في ذلك اليوم تعرّض أحد لحادثة سير على تلك الطريق.

خلال ذلك فإن غاية المخرجة الأرجنتينية هي البحث في الحياة الأسرية لتلك المرأة التي تؤديها مارتل كامرأة حائرة وهائمة بين أفكارها المشوّشة. حيرة وهيام نراهما منتشران على شؤون الفيلم المختلفة كما لو أن المخرجة وجدت الفكرة ولم تجد السبيل الصحيح لسردها والقدرة على الربط بين الحادثة وبين ما يقع في محيط البطلة العائلي في ذلك الوقت.

الفيلم عبارة عن لقطات مثرثرة صورياً وحوارياً وسلسلة من المواقف التي يبكي فيها هذا على كتف ذاك مع بعض المشاهد التي توحي بأن حياة بطلة الفيلم كانت متهاوية قبل الحادثة وليس من بعدها فقط.

في فيلميها السابقين “الفتاة المقدّسة” و”لا سيينيغا”، شاهدنا المخرجة وهي تبحث في أواصر العلاقات الأسرية لكن هذين الفيلمين كانا أفضل من هذا العمل لمجرّد أنهما كانا أوضع في معالجة هذا الجانب او سواه.

** Palermo بالرمو

لأول مرّة أسمع فيها ضحك مشاهدين في الصالة المكتظّة على ما يدور على شاشة فيلم من إخراج الألماني فيم فندرز. لكن الضحك انطلق في مشهد يقول “هذه البلدة تقع على سفح الجبل”، عبارة ما كان ضرورياً أن تذكر لأن اللقطة كانت أظهرت أنها فعلاً تقع على سفح جبل. لكن الضحك ازداد بالقرب من نهاية الفيلم حينما بات واضحاً أن دنيس هوبر (في شخصية ملك الموت) ليس مقنعاً في تشخصيه، بينما يعاني ممثل باسم كامبينو من سوء الأداء أساساً، وكلاهما في مشهدهما الذي يجمع بينهما قبل دقائق من نهاية الفيلم، تحت وطأة حوار يدعو فعلاً الى الضحك. لكن هذا، في نهاية الأمر، فيلم من إخراج فيم فندرز. المخرج الذي يقصد أعماله كل من يريد الجمع بين جماليات السينما ومضامينها. كيف يمكن أن يحدث له ذلك وهل الفيلم من الرداءة بحيث يستخرج الضحكات عوض التأمّلات؟

بطل الفيلم، كامبينو، مصوّر فوتوغرافي معروف ينتقل الى مدينة بالرمو الإيطالية فيجد فيها الحياة البسيطة والأليفة التي لم يتعوّدها في مدينته. لكن انتقاله اليها ليس محض مصادفة ولا اختياراً سياحياً، بل نتيجة ظروف خاصّة. هذا الرجل يتحدّث الى والدته الغائبة طوال الوقت بصوت ينتشر فوق الفيلم تراءت لبطله هذه الأم (كما تفعل أكثر من مرّة) او لم تفعل. وهو رجل ربما مات فعلاً حين حدث بينه وبين سيارة أخرى صدام كبير، وربما لم يمت ولم يقع ذلك الصدام أساساً. ثم هو رجل يتحوم حوله الموت أينما ذهب. شبح لرجل يرتدي عباءة رمادية ويحمل قوساً ونشاباً يطلق سهامه باتجاه البطل كلما سنحت له الفرصة. لا أحد سوى البطل يعرف ذلك وهو لا يستطيع التعبير عنه. حينما يلتقي بفتاة مستعدة لتصديقه، تزداد ضربات السهام عنفاً وتبدأ بإصابته مباشرة إنما من دون أن يموت.

الفيلم يعكس مزيجاً من تشتت البال والحيرة في الشأن والتردد بين الحياة والموت أمر مطلوب في مثل هذه المعالجة، لكن أن يكون الفيلم نفسه مزيجاً من هذا التشتت وأن يخفق المخرج في وضع مسافة مطلوبة بين ما يعرضه على الشاشة وبين معالجته لهذا الوضع فإن الأمر يصبح أصعب من أن يحتمل خصوصاً وأن الفيلم يقضي الوقت في تكرار سائد للمواقف ذاتها.

**** O Horten أو هرتن

هذا الفيلم النروجي تحفة صغيرة تتمتّع بكل ما أخفق الفيلمان السابقان في توفيره: الفن في البساطة والمضمون في العمق من دون افتعال او سقوط تحت عبء المرغوب في تقديمه. إنه حكاية اجتماعية حول رجل اسمه أو هرتن (بارد آو) وصل الى سن التقاعد كسائق قطارات. لا تزال لديه رحلة واحدة عليه القيام بها قبل أن يُحال رسمياً الى مكتب التعويضات، لكنه في ذلك اليوم بالتحديد يخفق في الظهور في الموعد المناسب قبيل انطلاق القطار بعدما جيء بغيره.

هذا لا يسعده او يرضيه لكنه مقبول لدى محيطه العملي الذي يكن له احتراماً كبيراً. السبب الذي من أجله لم يستطع أود (كما يرمز حرف أو) في الظهور صبيحة ذلك اليوم يعود الى ليلة غريبة قضاها في غرفة في منزل عائلي من دون دراية أحد سوى طفلها. حدث ذلك حينما لم يستطع أود دخول البناية التي دعي لحفلة على شرفه تقام في شقّة منها. اعتقد أن الطريقة المثلى هو الدخول الى نصف ملاصق بدا تحت الترميم ثم دخول واحدة من شققها لكي يخرج منها الى الجانب الآخر. لكن حين دخل تلك الشقّة وأصحابها نائمون، شاهده صبي في نحو العاشرة من عمره وطلب منه أن يبقى جالساً في غرفته الى أن ينام. أود لم يجلس في تلك الغرفة حتى نام الطفل فقط، بل حتى وقع هو نفسه في النوم واستيقظ صباحاً ليتسلل قبل أن يشاهده باقي أفراد العائلة الذين استيقظوا قبله.

هذا فصل نموذجي من المشاهد من حيث قدرته على إثارة اهتمام بشخصية رجل وحيد في مجتمعه وغريب في عالمه. بعد ذلك هناك أكثر من موقف ساخر ينتهي -ايضاً- بالتسلل هرباً لأن الهروب هو الأمر الوحيد المتاح بالنسبة الى رجل يجد أن حياته بعد التقاعد أصبحت جديدة جدّاً عليه (عنوان الفيلم الأصلي: الحياة الغريبة لأو هرتن). إنه واقع في الشق بين الرغبة في الاستمرار وبين الماضي. ومثل بطل “بالرمو” يستذكر والدته لكنه ليس مريضاً بتلك الذكرى ولا هي فعل نفسي يؤثر في شخصيّته على غرار ما حاول فندرز الإيحاء به. ما يبدأ بسلسلة من المواقف التي لا تبدو متّجهة لتشكيل قصّة حقيقية، يتحوّل الى عمل مناخي يتأمّل في الشخصية ويمهّد لعدد من القصص التي تلتقي ثم تتفرّق من حوله. هذا ثاني فيلم أشاهده للمخرج بَنت هامر بعد “قصص مطبخية” قبل نحو ثلاث سنوات (ورابع أعماله) وهو يبني أفلامه، كما يبدو هنا، من مواقف غريبة، لكنها ليست غريبة لدرجة أنه يصعب تصديقها، بل غريبة على نحو يرتبط بالعالم المنفرد الذي يعيش كل منا فيه بتصوّراته ومفاهيمه.  

أوراق ناقد

السينما والمدينة: علاقة أسعار

لو أن “كان” كان مهرجاناً عربياً لوجدنا أن آخر ما يمكن أن يقع للمدينة التي يحدث فيها هو هذه الموجة الموازية لفترة إقامته من الغلاء.

مهرجاناتنا السينمائية من القاهرة الى دبي وأبوظبي ومراكش ودمشق وقرطاج وبيروت وسواها العديد، وعلى اختلاف أحجامها وأنواعها، لا تُقام لكي يرفع هذا المقهى سعر فنجان القهوة مرّة كل عام. ولا لأن يفرض هذا الفندق رسوماً جديدة لجانب رفعه سعر الإقامة فيه، ولا لكي يأخذ التاكسي ما يُتاح له من أجر لقاء ذات المسافة بين المدينة والمطار.

الفارق هو أن المهرجان العربي لا يزال واحداً من المظاهر العديدة التي يعيشها الإنسان العربي، وليس المناسبة الاقتصادية الرئيسية التي من الممكن استحواذها لتحسين إيراد المدينة. الى ذلك، كل المهرجانات المذكورة تقع في العواصم العربية ما يجعل المهرجان جزءاً من نشاطاتها وليس هناك سوى القليل من المهرجانات التي تقع في مدن صغيرة بحيث يصبح المهرجان الكيان الرئيسي في حياتها تتمحور الأشغال من حوله. حتى ولو افترضنا أن مهرجان الإسكندرية، مثلاً، كان أكبر وأهم مما هو عليه الآن فإنه من المشكوك في أمره أن يرتفع سعر كل أدوات الحياة في الفترة التي يقام فيها هذا المهرجان.

لكن مدينة كان جعلت من المناسبة الفنية في نصفها والتجارية في نصفها الثاني مناسبة للربح. وهو ليس ربحاً فردياً حين يكون المستفيد كل قطاع ممكن. وليس ربحاً موسمياً حين نعلم أن المدينة تشهد أكثر من مهرجان كمهرجانها السينمائي ترتفع خلالها أسعار المشتريات علي نحو شبه أتوماتيكي وتنخفض بعد كل مهرجان الى حد هو لا يزال مرتفعاً.

هذه المدينة تستفيد كثيراً من مهرجاناتها المقامة فيها والناس هنا قد يتأففون من اضطرارهم لمواجهة حركة سير شديدة، لكنهم يدركون تماماً أن المهرجان الواحد إنما يساعد جيوب المدينة أيّما مساعدة. هذه الشقّة التي استأجرتها ب 2800 يورو، او ذاك الفندق الذي نزل فيه زميل ب 240 يورو في الليلة (فندق من نجمتين يوفّر على حد قول الزميل ثلاثة في سبعة أمتار للنوم وإفطار بسيط من نصف رغيف وزبدة ومربّى وفنجان قهوة او شاي) تصبحان عماداً اقتصادياً لمالكيها. ولا تخفي السيدة المسنّة التي تملك الشقّة وشقّتين أخريين قامت بتأجيرهما بسعر مشابه حقيقة أن الأسعار لا تعرف انخفاضاً لمعدّل أقل ب 20 في المائة مما هي عليه حالياً الا شهرين في العام. تقول ذلك وهي تخبرني بنفس الرمق أنها ستنطلق لقضاء إجازة في سويسرا. إجازة أفهم أنها ستستخدم فيها ما جنته من إيراد شقّة واحدة.

المفارقة هنا هي أن الغلاء في العالم العربي مرتبط بقواعد الاستهلاك وارتفاع الأسعار والطلب على البضائع والسينما لم تتحوّل بعد الى بضاعة استهلاكية ولو كانت لأصيبت. لكن حتى ولو أصيبت لن تُصاب على أغلب اليقين بما يوازي ما تصاب به مدينة كان من عوارض تضخّم.

م.ر

الخليج الإماراتية في 25 مايو 2008

 
 

اليوم إعلان جوائز المهرجان:

إستوود وسيلان والأخوان دارديني

بقلم  سمير فريد

تعلن اليوم جوائز مهرجان «كان» الـ٦١، حسب استفتاء نقاد فرنسا الـ١٥ في «فيلم فرانسيه».. يأتي في المركز الأول الفيلم الفرنسي «حكاية عيد الميلاد» إخراج آرنو ديبلشان، وفي المركز الثاني الفيلم البلجيكي «صمت لورنا» إخراج جان بيير دلوك دارديني، وفي المركز الثالث الفيلم الأمريكي «الاستبدال» إخراج كلينت إستوود.

وحسب استفتاء ١٢ ناقدا من ١٢ دولة في «سكرين إنترناشيونال»، يأتي في المركز الأول الفيلم التركي «القرود الثلاثة» إخراج نوري بلجي سيلان، وتتساوي أربعة أفلام في المركز الثاني، منها: «صمت لورنا» و«الاستبدال»، إلي جانب الفيلم الإسرائيلي «الرقص مع بشير» إخراج آري فولمان، والصيني «مدنية ٢٤» إخراج جيا زانج كي.

ومن الصعب توقع قرارات لجنة التحكيم، ولكن الجوائز حسب رأينا، وكما نتمناها هي:

- السعفة الذهبية

(الاستبدال)

- الجائزة الكبري

(القرود الثلاثة)

- جائزة لجنة التحكيم

(الرقص مع بشير)

- أحسن إخراج

الأخوان دارديني عن (صمت لورنا)

- أحسن ممثل

بينوكسيو ديل تورو عن (جيفارا)

- أحسن ممثلة

إنجيلينا جولي عن (الاستبدال)

- أحسن إسهام فني

كورنيل موندو روزو عن (دلتا الدانوب)

 

أحسن أفلام الطلبة من إسرائيل

.. وفرح يوسف وآسر ياسين في المسابقة

منذ عشر سنوات تماماً، عام ١٩٩٨، بدأت مسابقة أفلام الطلبة في مهرجان «كان»، وتقوم بالتحكيم فيها لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، التي يترأسها هذا العام فنان السينما التايواني الكبير هو هيساو هيسين، وتشترك فيها المخرجة الدنماركية سوزان بير، والمخرج الفرنسي أوليفييه أساياس.

مسابقة أفلام الطلبة تمنح ثلاث جوائز، وتتيح الفرصة لعرض الأفلام الطويلة للمخرجين الفائزين في المسابقة أو خارج المسابقة، إذا جاء علي المستوي المأمول بالطبع.. وقد شهد هذا العام عرض الفيلم المجري «دلتا الدانوب» إخراج كورنيل موندو روزو في المسابقة، وكان في مسابقة أفلام الطلبة عام ٢٠٠٤، وعشرة أفلام طويلة أخري سبق لمخرجيها الفوز أو الاشتراك في مسابقة أفلام الطلبة (٣ في نظرة خاصة، و٥ في نصف شهر المخرجين، و٢ في أسبوع النقاد)، وبذلك يصبحون من أبناء «كان» بكل معني الكلمة.

ومن المؤسف حقاً أنه طوال عشر سنوات من مسابقة أفلام الطلبة في مهرجان «كان»، لم يعرض فيلم واحد من معهد السينما بالجيزة، رغم وجود العديد من الأفلام، التي لا يقل مستواها عن مستوي ما نشاهده في تلك المسابقة، والمؤكد أن هذا التقصير مسؤولية المعهد واللجان والأجهزة الحكومية وغير الحكومية، التي يبدو أنها عاجزة عن التواصل والتفاعل مع آليات المهرجانات الكبري، ولا تتعامل إلا مع المهرجانات الصغيرة في القري الآسيوية والجبال الأوروبية، وغيرها من المهرجانات التي لا قيمة لها.

ومن بين مفاجآت مسابقة أفلام الطلبة هذا العام، الفيلم الأمريكي «الخادمة»، إخراج مصرية الأصل هيدي سمعان، ومن إنتاج جامعة تمبل بولاية فيلادلفيا، فالفيلم ناطق بالعربية، ومصور في مصر، ومهندس الصوت محمد فاروق، ويشترك في تمثيله فرح يوسف وآسر ياسين وسمر عبدالوهاب، وهم من الوجوه الجديدة الموهوبة، الذين يمكن اعتبارهم من نجوم سينما الديجيتال، وهذا هو الفيلم القصير الثالث لمخرجته التي ولدت عام ١٩٧٩، ويتناول بحس إنساني وأسلوب واقعي مؤثر في ١٩ دقيقة، عالم خادمة منزل شابة، ومشاعرها وطموحاتها.

وقد أعلنت في الرابعة والنصف بعد ظهر الجمعة، جوائز مسابقة أفلام الطلبة ٢٠٠٨، حيث فاز الفيلم الإسرائيلي «إنسان»، أول أفلام مخرجه إيلاد كيدمان «مواليد ١٩٧٩»، وإنتاج مدرسة سام سبيجل للسينما والتليفزيون في القدس «٣٦ دقيقة» بالجائزة الأولي عن جدارة، ويبدو أن إسرائيل قررت أن تحتفل بعيدها الستين، عن طريق الاشتراك بأفلام ذات قيمة فنية عالية، لا تستطيع أن تتجاهلها أي لجنة تحكيم.

وفاز بالجائزة الثانية الفيلم الفرنسي «فورباخ» إخراج كلير بورجير، ومن إنتاج معهد «فيميس» بباريس، وتقاسم الجائزة الثالثة الفيلم الفنلندي «صناع الطرق» إخراج جوهو كيوسمانين، من إنتاج مدرسة السينما في هيلسنكي، وفيلم «ستوب» إخراج بارك جاي -أوك، من إنتاج الأكاديمية الكورية للفنون السينمائية، وهو فيلم تحريك أبيض وأسود، بينما الأفلام الثلاثة الأخري الفائزة من الأفلام الروائية.

الفليم الفنلندي جيد، والكوري متواضع، والفرنسي أقل من متواضع، حتي إنه يبدو أحسن الأفلام الفرنسية في المسابقة، وليس أحسن أفلام المسابقة!

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 25 مايو 2008

 
 

إعجاب بالفيلم الفرنسي بين الجدران

فيلم الختام يقدم روبير دي نيرو في نقد ساخر لسينما هوليوود

قصي صالح الدرويش من كان

شاهدنا في اليومين الأخيرين مجموعة من الأفلام المتفاوتة من حيث المستوى الفني ومن حيث استقبال النقاد لها، ومنها فيلم مثل الأميركي سينكدوش نيو يورك لشارلي كوفمان الذي يخوض تجربة الإخراج بعد أن ذاع صيته ككاتب سيناريو فاز بجائزة الاوسكار عن enternal sushine of the spotless minde كما رشح مرتين للجائزة نفسها عن فيلم " في جلد مالكوفيتش " وعن فيلم adaptaionµ. في هذا الفيلم يؤدي الممثل فيليب سيمور هوفمان، الذي حاز بدوره على جائزة الأوسكار من قبل، دور مخرج مسرحي شهير يجتاز مرحلة اضطراب حياتية ويعاني من مرض غامض، بعد أن تخلت عنه زوجته الرسامة وذهبت لتواصل حياتها المهنية في برلين مصطحبة ابنتهما الوحيدة أوليف، أما علاقته التي يحلم بها مع مساعدته الجذابة فتنتهي قبل أن تبدأ فعلا.

يحاول استعادة زوجته التي ترفض، والرفض نفسه تقابله به ابنته التي تجد أنها محظوظة بتواجدها مع والدتها ومحيطها من الأصدقاء. بين زوجتيه وأعز صديقة له وابنته وطبيبته النفسية يجد البطل أن حياته تتسرب من بين أصابعه فيما يبدأ على المستوى المهني بنقل مسرحه إلى مستودع في نيويورك حيث يعمل مع ممثليه على مسرحية ديكورها مدينة لا تتوقف عن التوسع. الأفكار التي يطرحها الفيلم عميقة قدمت في قالب يتراوح بين خفة الفكاهة وثقلا أحيانا. والفيلم من هذه الناحية مؤثر، خصوصًا أداء الممثل هوفمان الذي قد يختلف دورها عن كل أعماله السابقة. هذا الفيلم وعلى الرغم من إعجاب بعض النقاد الشديد به يبقى مستبعدًا عن حلقة المنافسة على السعفة الذهبية.

الفيلم الثاني الذي عرض يوم أمس كان بعنوان "تصوير في باليرمو" وهو للمخرج الألماني المعروف فيم فيندر. المخرج الماني المعروف فيم فيندر، وينتول تجربة مؤثرة لمصور مشهور عالميا اسمه فين يعيش حياة غنية وسط الأضواء إلى أن يغير حادث سير حياته فيقرر التخلي عن كل شيء والتوجه إلى مدينة باليرمو في صقلية، هناك حيث يلازمه شبح الموت في الوقت نفسه الذي تلوح فيه بداية حب جديد في أفق حياته. وقد تفاوتت آراء الجمهور بين من صفق للفيلم ورأى فيه استمرارًا حيويًا لأفلام فيم فيندر الجميلة السابقة، مثل فيلم "باريس تكساس" أو Nick's Movie الذي قدم فيه المخرج الكبير نيكولاس راي في حوار معه وهو مريض على فراش الموت، بينما رأى بعضهم الآخر أن فيم فيندر فقد ومنذ سنوات طويلة حيوية الأفلام القديمة وأنه ما زال يقدم أفلامًا أنيقة لكنها خالية من القوة المؤثرة التي ميزت بداياته. وبالنسبة إلى فيلم "تصوير في باليرمو" أخذ بعضهم عليه ضعف أداء الممثل الذي اختاره لدور المصور.

الاستقبال المتباين نفسه كان من نصيب المخرج الفرنسي فيليب جاريل الذي يخوض عملاً تجريبيًا شجاعًا وغريبًا في فيلمه "حدود الفجر" الذي شهد عرضه انسحاب عدد كبير من الصحافيين قبل نهاية العرض، فيما صفق من بقي حتى النهاية وبحرارة. ومن الصعب أن يحظى هذا الفيلم التجريبي بإجماع لجنة التحكيم لتمنحه جائزة، ما لم تكن قد اتخذت قرارًا بدعم السينما التجريبية.

أما الفيلم الذي فاجأ الجمهور والنقاد فكان "بين الجدران" للمخرج الفرنسي لوران كانتي. والفيلم يستند إلى عمل أدبي يحمل الاسم نفسه لفرنسوا بيجودو مدرس اللغة الفرنسية الذي نقل تجربته الحقيقية في إحدى المدارس الصعبة وحولها إلى عمل روائي. الفيلم يصور بعفوية بسيطة وبحرية فعالة هذه التجربة الغنية بين مدرس شاب ومجموعة من المراهقين يمثلون داخل جدران الصف المدرسي صورة عن تنوع المجتمع الفرنسي وتناقضاته والظلم والعنف القائم فيه. وقد أدى بيجودو دوره الحقيقي في الفيلم بينما تكفل 24 مراهقًا من طلابه بلعب أدوارهم، وهذا الحشد من الشبان حضروا إلى كان وارتقوا الدرجات الحمراء حتى قاعة العروض كنجوم أمام تصفيق الجمهور.

ومن الطبيعي أن تثير هذه التجربة إعجاب النقاد ولجنة التحكيم، خاصة وأن هذا الفيلم أفضل بكثير من الفيلم الفرنسي "حكاية عيد ميلاد" الذي صفق له النقاد الفرنسيون بشكل مبالغ فيه ورشحوه لجائزة السعفة الذهبية، خلافًا لزملائهم من غير الفرنسيين، كما أن فيلم "بين الجدران" وإلى جانب جمال بساطته وطزاجته التي لم نرها كثيرًا هذه السنة استطاع تحقيق عنصر المفاجأة.

ونشير إلى الفيلم الكوري الجنوبي الذي عرض خارج المسابقة "الجيد والسيئ والمجنون" للمخرج كيم جي وون، فيستعيد فيلم الويسترن الشهير "الجيد والسيئ والقبيح" لجورجيو ليوني في قالب ساخر، لكنه يفتقر إلى الحبكة الدرامية المشوقة التي اشتهرت بها أفلام ليوني، إذ يمثل الفيلم الكوري الجنوبي نوعا من العبث المجنون الأنيق، ويمكن أن يكون تجربة مثيرة كما يمكن أن يلقى جماهيرية في صالات العرض، وهو في كل الحالات مؤشر على تطور السينما في هذا البلد وجرأتها في التصوير وفي تقنيات السينما.

أما فيلم الختام الذي شاهدناه ليلة أمس مع قسم من النقاد والذي سيعرض اليوم بعد توزيع الجوائز، فيحمل عنوان "ما الذي حدث بالضبط" وهو للمخرج الشهير باري ليفنسون ويشارك فيه مجموعة كبيرة من نجوم هوليوود يتقدمهم روبير دي نيرو وشون بين وبروس ويليس وكاترين كينر وجون تورتورو وروبن رايت بن زوجة شون بن. والفيلم على الرغم من أنه من النوع التجاري يبقى كوميديا درامية خفيفة ولطيفة، تتناول أسبوعين في حياة بن وهو منتج سينمائي هوليوودي، خاض تجربتي زواج ويعاني من صعوبة إنهاء آخر الأفلام التي ينتجها بسبب وقوعه وسط صراع بين المخرج وإدارة الاستديو، فبينما يريد المخرج الذي يريد موت الكلب قتلا وبشكل وحشي في نهاية الفيلم، بينما تريد إدارة الاستديو نهاية ألطف إلى أن يلوح حل يعرضه المخرج ويقبله الطرف الآخر يبقي على حياة الكلب.

بالتوازي نتابع تطور حياة بن الخاصة ومحاولة استرجاع زوجته السابقة التي تهرب من إلحاحه المستمر، فيما تساوره شكوك بأنها على علاقة مع أحد الممثلين في الفيلم الذي لا يجد له نهاية وهذا الممثل هو بروس ويليس الذي يلعب دوره الحقيقي. وتتطور الأحداث إلى أن يصل الفيلم وأبطاله ومنتجيه ومخرجه إلى مهرجان كان، وخلال العرض يكتشف بن الذي عادت إليه زوجته أن المخرج لم يلتزم بالنهاية المتفق عليها وأن الكلب يقتل بشكل أكثر وحشية من السيناريو الأول.

الفيلم يسخر من السينما الهوليوودية وطرق الإنتاج ودرجات المنتجين ومخرجيهم وحتى أبطالهم، ويلقي نظرة طازجة على مهرجان كان، كل ذلك في إطار سيناريو فعال يستند في المقام الأول إلى أداء روبير دي نيرو في دور المنتج، في حين بقيت جميع الأدوار الأخرى ثانوية.

موقع "إيلاف" في 25 مايو 2008

 
 

اليوم يختار شين بن وشلته الافلام الفائزة بـ«السعفة الذهبية» وغيرها...

مهرجان كان: الترجيحات تصخب والمفاجآت في الانتظار

كان (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس 

مساء اليوم يختتم مهرجان «كان» السينمائي الدولي فعاليات دورته الحادية والستين، بإعلان لجنة التحكيم، وعلى رأسها الممثل والمخرج الاميركي شين بن، أسماء الفائزين بجوائز المهرجان في المجالات القليلة التي اعتاد أن يمنح جوائزه فيها. وحتى اللحظة، وكما هي العادة، لم يرشح اي شيء عن اختيارات لجنة التحكيم، وان كانت التكهنات تسير في دربها المعتاد، إنما من دون ان «يجرأ» أحد على تأكيد أي شيء. وهذا العجز لا ينبع من سجال حول مستوى الأفلام، أو أحقيتها المطلقة بالفوز، بل بالمسألة التي باتت بديهية أكثر وأكثر: مسألة ان مهرجاناً ما، منذ اللحظة التي يختار لجنة التحكيم ورئيسها، يختار الفائزين أيضاً. ما يعني أن أي اختيار في هذا المجال هو اختيار ذاتي يخضع لأهواء وتفضيلات المحكمين ولا يعني أبداً انه محط إجماع. ولهذا الأمر حسناته كما ان له سيئاته ولكن هذه هي قواعد اللعبة، يخضع لها الجميع. يحتج البعض. يحتفل آخرون. وآخرون لا يبالون على الإطلاق، يعرفون ان هذا كله سينسى بسرعة لتبقى الأفلام وحدها في مواجهة الجمهور.

هذه الدورة لا تشذ إذاً في هذا الاطار عن سابقاتها. كما لا تشذ في مجال ما يلاحظ من انحدار تنظيمي وفي الاختيارات وفي التعامل مع الجمهور من دورة الى أخرى. أضف الى هذا ان الدورة لم تأت على مستوى ما كنا نتوقعه منها بالنسبة الى الأفلام. ما يعيد من جديد طرح السؤال الذي لم نتوقف عن طرحه منذ سنوات: «كان» الى أين؟ وذلك في ظل المنافسة السنوية المحتدمة مع برلين والبندقية.

مهما يكن، كان يمكن لمستوى الأفلام أن يقول ان مهمة لجنة التحكيم لن تكون صعبة، طالما أن أفلاماً متسابقة كثيرة خرجت ذهنياً من التباري. ومع هذا نعرف دائماً ان الجودة المطلقة لا تؤخذ في الحسبان وان لجان التحكيم تطلق مفاجآت تستدر هجومات وهجومات مضادة. وفي هذا الاطار أيضاً، وطالما أن المشاكس شين بن هو رئيس اللجنة، يضع كثر أيديهم على قلوبهم منذ الآن. ومع هذا، ندخل لعبة الترجيح ولو على سبيل التسلية كما يفعل كثر غيرنا الآن، مجازفين بأن يبدو هذا كله عند المساء قبض ريح. لكنها مجازفة محسوبة تأخذ في اعتبارها ليس فقط شخصية شين بن بل مصالحه وصداقاته أيضاً، طالما أن رئيس اللجنة يكون عادة المؤثر الأكبر.

قد يكون «إبدال» ايستوود مستحقاً حقاً لـ «السعفة الذهبية». ولكن لشين بن أسباباً إضافية منها ان ايستوود أعطاه الأوسكار قبل سنوات. رد الجميل وارد هنا. بينيشيو ديل تورو صديق حميم لبن، وهو أدى على أي حال دوراً كبيراً في «تشي». وهذا برسالته النضالية يغيظ جورج بوش، ولا أحب على بن من غيظ جورج بوش. إذاً، جائزة أفضل تمثيل رجالي لديل تورو في الأفق. التركي «ثلاثة قرود» هو محل بالإجماع أفضل ما في المهرجان. سيؤخذ هذا في الاعتبار على الأرجح وينال جائزة لجنة التحكيم الكبرى. في المقابل «عبادة» لإيغويان فيلم عن التسامح وتلاقي الأديان والشرق الأوسط يدخل في هوى لجنة التحكيم المثقفة. إذاً، حظوظ سيناريو هذا الفيلم المحكم كبيرة. (جائزة السيناريو؟). التمثيل النسائي قد لا يبعد كثيراً عن انجلينا جولي، صديقة أخرى لبن وللجنة التحكيم والسيدة تطلق لحدود فنها العنان. مرة أخرى الاخوان داردين قدما في «صمت لورنا» فيلماً كبيراً. ربما «السعفة» ولكن الأرجح انهما سيتقاسمان جائزة الإخراج. فيما تُكافأ فرنسا على استضافتها كل هذا الجمع السينمائي اللذيذ بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. هذا كل شيء تقريباً ولكن من دون نسيان فلتة شوط تروق لبن وصحبه، وهو الفيلم الإسرائيلي المعادي لإسرائيل «فالس مع بشير»، شرط أن يعثر على فيلم عربي يقابله بجائزة ما. ولكن هذا مستحيل، في هذه الدورة على الأقل.

الحياة اللندنية في 25 مايو 2008

 
 

أنجلينا جولي هل تحقق حلمها؟

«شي» في دائرة الترشيحات للسعفة الذهبية

عبد الستار ناجي

دائرة الترشيحات للسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الحادية والستين تبدو مفتوحة على مصراعيها أمام جميع الاحتمالات، ولكن ثمة أفلام دخلت دائرة الصراع وبشكل قوي، ولعل أبرزها فيلم «شي» الذي يتحدث عن حياة ومشوار كفاح المناضل الأرجنتيني «ارنستو شي جيفارا» والفيلم من توقيع المخرج الأميركي ستيفن سودربرغ وبطولة النجم المكسيكي بينانكو دل تورد.

ونعود لدائرة التنافس، في المستوى الأول للصراع هناك مجموعة أعمال، يأتي من بين فيلم «موعد في باليرمو» اخراج الألماني فيم ويندر والفيلم الايطالي «الديفو» (النجم) اخراج باولو سورنيتو وأيضاً الفيلم التركي «القرود الثلاثة» اخراج نوري بليح جيلان.

وفي المستوى الثاني هناك عدد من الأعمال السينمائية من بينها الفيلم البرازيلي «التمريرات» اخراج والتر ساليس، دانييلا توماس. وايضاً الفيلم البلجيكي «صمت لورنا» للأخوين جان بيير ولوك داردين من بلجيكا واللذين يناقشان موضوع تجارة البشر في أوروبا.

على مستوى التمثيل النسائي، تطل وبتميز واضح الممثلة الأميركية انجلينا جولي في فيلم «التغيير» اخراج كلينت ايستوود. وتنافسها الأميركية جوليان مور في فيلم «العمى» والإسبانية أرتا دوبروشي في «صمت لورنا». وفي مجال التمثيل الرجالي، تبدو المنافسة مفتوحة على مصراعيها، يتقدمهم الايطالي الرائع توني سيرفيلو عن فيلم «الديفو» وهو يتقمص شخصية رئيس الوزراء الايطالي الاسبق جوليو أندريوتي، وأيضاً هنالك حظوظ ايجابية للنجم المكسيكي بيانكو دل تورو عن فيلم «شي».

عموماً هي مجرد ترشيحات، ولكن تبقى السعفة الذهبية دائماً مشرعة الأبواب صوب الإبداع.. فمن يتوج هذا العام على عرش الابداع السينمائي؟! المعادلة الاهم في التجربة هي القضية التي تذهب اليها السينما هذا العام، فأي القضايا ستكون في دائرة الاهتمام والبحث؟! 

من إخراج باولو سورنتينو

«النجم» الإيطالي تحليل لمشوار حياة أندريوتي

عبد الستار ناجي

قد تم نسيان مكان السياسيين في إيطاليا، ولكن لن ينسى اسم جوليو أندريوتي الذي شغل الحقيبة الوزارية أكثر من 30 مرة ورئاسة الوزراء لأكثر من 15 مرة وفي كل مرة هو دائماً تلك العقلية التي تمتلك المقدرة على عبور الأزمات الداخلية فيها على وجه الخصوص، وهذا ما أشاع ارتباطه بالمافيا.

حول هذه الشخصية يأتي فيلم «الديفو» او «النجم» من اخراج الايطالي الشاب باولو سورنتينو من مواليد 1970 الذي استطاع من خلال أفلامه السابقة وبالذات «ظروف الحب 2004» و«صديق العائلة 2006» ان يؤكد اقتداره ويعلن عن حضور بصمته الفنية الحافلة بالتفرد واللغة السينمائية، ومنذ اللحظة الأولى لفيلمه الجديد، يجمع سورنتينو كل مفردات السخرية التي عرف بها الشعب الايطالي وهو يرصد مسيرة تلك الشخصية التي تمتاز باسلوبها في الحديث والحركة وايضاً جديته المطلقة، وقد اختار لشخصية أندريوتي الممثل الإيطالي القدير توني سيرفيلو الذي شاهدناه هذا العام، وفي مهرجان كان السينمائي ايضاً في دور رجل المافيا في فيلم «كومورا».

ويبدو أن قدر إيطاليا كما هو قدر السينما الحديث عن المافيا حتى ونحن نشاهد فيلمها يفترض ان يذهب الى عالم السياسة وتقاليد الدبلوماسية التي تمتاز بالرصانة والدقة والانضباطية، فإذا بالمافيا تنخر كل شيء في إيطاليا تذهب الى أدق التفاصيل وفي كل يوم يسقط عشرات الضحايا، اعتباراً من مدراء البنوك الى القضاة الى رجالات الشرطة وذلك لتورط هذا أو رفض ذاك، فالكل متساوٍ في الحساب عند المافيا رحلة في أدق المشهديات اليومية لحياة رئيس الوزراء الايطالي الأسبق، مقابلاته واحاديثه وعلاقاته وتجوله وايضاً ارتباطه بفريقه واسرته وزوجته.. حرص ودقة والتزام ورغم ذلك يتم في نهاية الأمر الدعوة لاستدعائه الى الشهادة، وتوجيه كم من الاتهامات اليه.. وتطول المحاكمة، ورغم خروجها دون ادلة إلا ان يظل الشخصية التي استطاعت ان تصبح مرحلة من تاريخ ايطاليا بالاتزان والالتزام والموضوعية.

ما يعنينا الحديث عنه في هذه القراءة المتعجلة ان النسيج العام للفيلم جاء متسارعاً عامراً برصد جميع التفاصيل وكم من السخرية على الطريقة الايطالية التي تلتفت لادق التفاصيل وتسخر من كل شيء على طريقة اخواننا المصريين.

أما اداء الممثل توني سيرفيلو فهو التجاوز الى مرحلة من السيطرة على الشخصية والالتزام بجميع تفاصيلها، ممثل كبير وشخصيته ثرية، جعلته يذهب بعيداً في التقمص والأداء والتمثيل، وهي بلا أدنى شك مفردات مختلفة ومتباينة من فنون الأداء الدرامي.

وهذا ما يؤكده سيرفيلو خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد نهاية الفليم وأشار فيه الى انه من عشاق «اندريوتي» ولقد حرص على مشاهدة أكبر كمية من الأعمال التلفزيونية واللقاءات وتابع ادق تفاصيل حركته واسلوبه في الحديث، حتى استطاع ان يجسد الشخصية بداخله ويحس وكأنه يعيشها في الفيلم على وجه الخصوص.

أما باولو سورنتينو فهذا فنان لا يرتضي بأنصاف الحلول، يُؤمّن جميع الفرص لنجاح التجربة السينمائية التي يقدمها، مشيراً الى ان الفيلم يحفل بكم من المشهديات فخمة الانتاج بالذات تلك التي صدرت في البرلمان الايطالي وايضاً رئاسة الوزراء.

وحتى لا نطيل....

فيلم «النجم» تحليل متأن وعميق لمشوار حياة جوليو أندريوتي إحدى أهم الشخصيات السياسية على مدى ثلاثة عقود من تاريخ ايطاليا الحديثة.  

في فيلمه «سينكدويش نيويورك»

شارلي كوفمان في مسرح السينما باحتراف

عبد الستار ناجي

شارلي كوفمان، حالة سينمائية قادمة من عالم المسرح، فبعد سنوات من الاشتغال والعمل الدؤوب في عالم المسرح، وفي برودواي على وجه الخصوص، ها هو كوفمان يأتي إلى السينما وبفيلمه الأول، وهو بهذه التجربة لا ينسى أصوله المسرحية، لهذا فهو في مسرح السينما، يحول الفعل المسرحي بكامله إلى سينما، ويحول السينما بما تحمل من صور ومعان، إلى المناخ المسرحي، وكأنه لا يفارق كلمة المسرح إلى صورة السينما، وفعل السينما إلى فضاء المسرح وهكذا حالة من التداخل والامتزاج.

حكاية كاتب ومخرج مسرحي يجسد الدور الممثل الرائع «فيليب سيمور هوفمان» الحاصل على اوسكار أفضل ممثل، هذا المخرج مرتبط بفنانة تشكيلية ذات ميول غريبة، تغادره إلى رحلة مع طفلتها وصديقتها إلى ألمانيا، في حين يغرق هو في أعماله وهمومه الحياتية، وتصبح هنالك حالة من التداخل بين الشخصيات، بين ما هو حقيقي وما هو مسرحي، وبعد عرضه المتميز يحصل على احدى الجوائز الأساسية، ويعهد إليه بإدارة مسرح ضخم، ويقترح تقديم تجربة مسرحية، تعتمد مسرحه جوانب من حياته ومشواره الإنساني، فنشاهد حياته بجميع تفاصيلها، فهو ينتقل بين المسرح والحقيقة وبالعكس في نسق ابداعي وحرفي عالي المستوى.

يكتشف بعد سنوات أن حالته الصحية تزداد سوءاً، وأن علاقته في طريقها دائماً إلى الفشل، وأن زوجته هجرته لإقامة علاقة مثلية مع صديقتها، وأن ابنته راحت تغرق في الضياع.

وهو يستدعي كل تلك الأحداث إلى المسرح، ويشعر المشاهد (السينمائي) أنه أمام حالة من الامتزاج، فأين ما هو حقيقي؟ وأين ما هو مسرحي، بل أين ما هو سينمائي؟

امتزاج التفاعلات والأحاسيس، عبر الهم اليومي والحياتي المعاش، شخصيات نعرفها، تدور حوله وحولنا، بسيطة اعتيادية، ولكن لكل منها حكايته وهمه اليومي واشكاليات الظروف التي يعيشها.

ومع مضي الأحداث، يجد نفسه مشغولاً في المسرح، على حساب أسرته، التي تنتهي بالضياع والغربة، وهكذا كم من الصداقات والعلاقات التي تبدأ به، وتتفرع إلى علاقات أكبر، في حين هو دائماً وحيد، إلا من الأمل في استعادة أسرته، وابنته التي سارت على درب والدتها في العمل في مجالات العري والإثارة والغرائز.. يحاول.. يجتهد.. ولكن كل الأبواب التي يفتحها حتى في عالم المسرح تقوده إلى أبواب أكثر تعقيداً، كل ذلك عبر سياق سينمائي، مشفوع بحوارات المسرح وصورة السينما الأكثر بهاء، والتي تنقلنا إلى عوالم تلك الفنون الجميلة باحتراف وتميز.

الانتقال من المدينة الصغيرة «سينكدويش» إلى الفضاء الأرحب في نيويورك، حيث ادارة تلك الصالة المسرح الكبير، جعله يغرق في فضاء المدينة الكبيرة، كما الحياة.. كما الهم. وفي تجربته المسرحية، يترك الشخصيات لتكون كما هي، تعيش على المسرح واقعها، تستدعي مشاكلها وهمومها ومعاناتها وظروفها، فكيف سيكون الواقع؟ بل، أين هو الواقع؟ وأين هو المسرح؟ تداخل غريب وشفاف ولكنه في الحين ذاته حاد وقاس ومشبع بالتفاعلات القاسية.

باقتدار واضح يلعب فيليب سيمور هوفمان تلك الشخصية، يعيشها، يحسها، يتفاعل معها، يتعمقها، يرحل معها الى تلك العوالم، فمن المخرج الى الزوج الى الأب الى الاغتراب داخل الذات والاسرة والمجتمع، الى العلاقات المبتورة والهامشية الى الحالة المرضية الى تقدم السن والشيخوخة... والى... والى...

وعبر كل مشهدية، يؤكد فيليب سيمور هوفمان انه ذلك الممثل الكبير، الذي يذكرنا بجيل الكبار، جيل المبدعين الذين شكلوا وعينا وذوقنا ومعهم دور الممثل وطبيعة الاحتراف في التعامل مع هذه الحرفة. وبعفويته وبساطته يأسرنا هوفمان، فنكون معه ويكون معنا.

بل انه لا يكاد يفارقنا، حتى بعد ان يفارقنا الفيلم ذاته، تظل تلك الشخصية تشغلنا نتحاور معها تدعونا لان نحسها نعيشها، وايضا يعيش ظروفنا وواقعنا وحياتنا وأسرنا وكل ما يدور حولنا.

فيلم مشبع بالحوار الخصب، وايضا الشخصيات المهمومة المشغولة بحياتها وهمومها الحياتية. فيلم ينهل من المسرح أدق تفاصيله، ولكن يقدمها بشكل وببعد ومفهوم سينمائي.

شارلي كوفمان يعرف أدواره المسرحية، ولهذا حينما يحولها الى فعل سينمائي، فانه يستدعي نجوما لهم حضورهم في العالمين المسرح والسينما، ومن بينهم فيليب سيمور هوفمان وسامانتامورتن وستيل ويليامز وكاترين جارنر وايميلي واتسون وديان وبست وكما آخر من الوجوه القادمة أصلا من عالم المسرح ولكنها تمتلك حضورها الخصب في عالم السينما.

فيلم مجدول بالحكايات وايضا الاشكاليات.

فيلم تتصادم به الشخصيات لمصالحها وقضاياها وطموحاتها حيث الشخصية المحورية تلهث وراء المستقبل، وحينما تحصل على المستقبل يفقد الأسرة، وحينما يذهب لاستعادة الأسرة، يضيع في عوالم الشخصيات التي تتحرك حوله..

فيلم يحتفي بقضايا الانسان..

فيلم يحتفي بالمسرح... فنشاهد السينما ممسرحة..

aونخلص...

السينما تبدو رائعة حينما تعتمد على المعين المسرحي، فالفنون، دائما يكمل بعضها البعض. 

وجهة نظر

مواعيد

عبد الستار ناجي

تعاني النسبة الأكبر من المهرجانات السينمائية العربية من تحرك مواعيد، وذلك بسبب وجود عدد من المناسبات الدينية على وجه الخصوص، من بينها شهر رمضان المبارك وعيد الفطر المبارك وايضاً موسم الحج وعيد الأضحى المبارك.

وأمام تحرك مواعيد تلك المناسبات، فإن مهرجانات مثل القاهرة ومراكش، اضطرا الى ترحيل مواعيدهما الى مطلع شهر نوفمبر من اجل الابتعاد عن موسم الحج وعيد الأضحى.

وهكذا الأمر بالنسبة لمهرجان دبي الذي أخّر موعده الى منتصف شهر ديسمبر ليكون بعد الأعياد.

مثل هذا الأمر لا تعاني منه المهرجانات السينمائية الدولية التي تتخذ من التقويم الشمسي، ولكن تحرك الأيام في السنة القمرية، يجعل الأيام تزحف وتتحرك، ما يضطر الكثير من المعنيين بالبرمجة الفنية على وجه الخصوص بتغيير المواعيد وترحيلها، وبمناسبة الحديث عن تداخل المواعيد نتساءل وللمرة المئة عن الأسباب التي لا تجمع مديري تلك المهرجانات من اجل فك الاشتباك والابتعاد عن تداخل المواعيد.

وأتذكر في هذا المجال، ان جيل جاكوب رئيس مهرجان كان السينمائي اقترح ذات مرة ان يتم ترحيل موعد المهرجان من شهر مايو الى سبتمبر، وذلك بناء على طلب الفنادق والمرافق السياحية في مدينة كان التي تدرج شهر مايو ضمن أشهر الصيف، وبالتالي فهي ليست بحاجة الى اشغال فنادقها ومرافقها السياحية.

وبعد حوار اتحاد المنتجين السينمائيين الدولي تم التوصل الى قرار لا عودة عنه، بعدم تحريك موعد مهرجان كان لانه سيتداخل مع مهرجان البندقية ولوكارنو وسان سباستيان ومونتريال وغيرها من المهرجانات التي تقام في شهر سبتمبر من كل عام.

وتم حسم الأمور..

مديرو المهرجانات عندنا لماذا لا يجتمعون... ويقررون ويتم فك الاشتباك؟

وعلى المحبة نلتقي

annahar@annaharkw.com

النهار الكويتية في 25 مايو 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)