كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كان السينمائي في دورته الحادية والستين

هراء غاريل وكوستوريتسا في مواجهة عبقرية "تشي"

كانّ - من هوفيك حبشيان

مهرجان كان السينمائي الدولي الحادي والستون

   
 
 
 
 

الاكتشافات القليلة أتت من الهامش المحظور 

صباح الخميس الفائت، لم ينتظر النقّاد الموجودون في صالة "لوميير" نهاية فيلم فيليب غاريل كي يصفقوا احتجاجاً على الضجر الذي أصابهم، وكان التصفيق يأتي كلما ساد فيها انطباع بأن الشريط شارف نهايته. لكن "حدود الفجر" (عنوان أحمق لا يمت الى حوادث الفيلم بصلة)، جعل صبر المشاهدين ينفد، فعبّروا عن قرفهم مما شاهدوه طوال ساعة وخمس واربعين دقيقة من خلال صيحات الاستهجان التي كانت تعكس عدم ارتياحهم الى خيار كهذا من جانب المدير الفني تييري فريمو، وخصوصاً ان الفيلم تسابق لنيل "السعفة الذهب". أقل ما يمكن القول عن غاريل انه لم يكن في عداد الذين كرِّموا في الدورة الحالية، وهي دورة لامسنا فيها ميلاً واضحاً من جانب صنّاع السينما الحديثة الى الثرثرة والمطوّلات الكلامية.

ينبغي القول أيضاً ان غاريل اتاح المجال لهذا النوع من الاستقبال الرديء، وربما افتعله. فليس في "حدود الفجر" مادة لنقاش حقيقي او لطرح ما. العمل بأكمله عبارة عن لقاء يحصل بين نجمة سينمائية (أداء غير مقنع اطلاقاً للورا سميت) ومصوّر يؤدي دوره لوي غاريل، ابن فيليب، الذي كان أفضل حالاً في "العشاق المنتظمين" و"أغنيات الحبّ"، المعروض هنا العام الفائت. اذاً، يبدأ كل شيء بلقاء عمل. يصل المصوّر الى شقة النجمة الباريسية بغية إجراء ريبورتاج صحافي عنها، لكن يحصل انجذاب، فيفضي ذلك الى علاقة لن تخلو من اللقاءات والفراقات المتكررة وصولاً الى الجنون والضياع... والى كلام فارغ كثير وكثير. ناهيك بالعناقات والقبلات التي تصبح سلاح الممثلين الوحيد في غياب نص واضح وفكرة جليلة وخط متوازن بين الكلمة والحدث. ينجرّ غاريل خلف مواقف عقيمة وسلوكيات باهتة لا تصدَّق. الجمل التي تخرج من أفواه الممثلين تتعاقب وتتشابه، واذا ماتت شخصية وظهرت أخرى فلن يتغير الكثير. أما المصيبة فهي حين يتحول الفيلم الى نوع من "افتح يا سمسم"، ويتكرر ظهور لورا سميت في المرآة التي ينظر فيها لوي غاريل، من حيث هي، مطالبةً به الى جانبها في السماء. فلا يبقى أمام لوي الاّ ان يرمي نفسه من نافذة شقته!

•••

لماذا رغبت أربع جهات انتاجية اعطاء الضوء الأخضر لهذا "السيناريو" غير المنجز، حيث تطفو شذرات من أفلام عدة أنتجت سابقاً، وبالذهنية عينها، لاستكشاف الوضع الاجتماعي في بلد ما، من خلال شخصية هي بالطبع مارادونا، والفيلم هو الوثائقي الذي انجزه أمير كوستوريتسا عن لاعبه المفضل. بحجة انه معجب بالرياضي الارجنتيني المشهور، ها انه يصنع فيلماً غير مفيد البتة، يقدّس الشخصية التي يصوّرها. لكن هذا الفيلم عجّل في انزاله الى العدم مجدداً، بعد سنة على فيلمه الاخير "أعدني". أما البقية فبؤساء مخدوعون يتخبطون في هذا العمل الذي لا يعطي أي دلالة على الحياة فيه، وحيث لا شيء فيه يمكن انقاذه: سيئ التصوير (لا تنجح الكاميرا في التقاط عدد من التفاصيل من النوع البسيكولوجي، وتعود الى التواضع البدائي، بعد فترة من الأنانية)، سيئ التطور في الأحداث، سيئ الاخراج. هذا الاخفاق المربك والضخم لمخرج حائز "السعفة" مرّتين، ناجم عن عمل صُنع بواسطة الأرجل، وليس فيه سوى هذيانات تسمعنا اياها الشخصيات. هراء، هراء، هراء.

•••

بعد سنة على مشاركته في "مهرجان كانّ"، يعود المخرج الاميركي جيمس غراي الى هنا بفيلم هو الرابع له، ويشكّل منعطفاً في مساره السينمائي، ذلك لأنه يتخلى عن الفيلم الاسود القاتم، لصالح كوميديا عاطفية، مع الحفاظ على موضوعاته الاثيرة التي لا مجال للابتعاد عنها مهما حصل. يمتلك جديده "عاشقان" (مسابقة رسمية) كل المقومات السينمائية المطلوبة ليحوّل مخرجه الحاذق والمختلف الى إحدى أهم مفاجآت هذه الدورة التي لم تحمل الكثير من الاكتشافات، مهما كان عدد الافلام الجيدة كبيراً. عمل غراي، تأليفي، متمكن، قادر على الصمود في وجه الثغر والعيوب، ويقاوم الاغراءات التي تقدَّم له، كما يرفض الاستسلام لمنطق السهولة او الرضوخ للحلول السيناريستية المبسّطة. خط سينمائي واضح المعالم، شامل الرؤية، يرسمه مخرج "الليل لنا"، من اول الشريط الى نهايته، وفي ذهنه همّ واحد: جمع كل العناصر، من تمثيل وقصة وشخصيات ثنائية، في مساحة خيالية يستطيع التحكم بها، زمناً ومكاناً. وهو في مهمته هذه، يسجل هدفاًَ في مرمى الابتكار والاسلوبية الشفافة. يروي الفيلم قصة شاب نيويوركي (يواكين فينيكس) من عائلة يهودية، لا يزال يعيش في كنف العائلة على رغم بلوغه الثلاثين من العمر. تمارس العائلة عليه شتى أنواع الضغوط النفسية. هذا الغيتو الذي يعيش فيه يقيّد تحركاته ويحدّ من حريته.

لكن "عاشقان" ما كان ليصبح على هذا القدر من الجودة والالق، لولا اشتراك الممثل يواكين فينيكس فيه، بشخصية قام عليها الفيلم، وتفاعل هذا الممثل معها، فأخذ من لونها وشكلها حتى اصبحا جسداً واحداً وروحاً واحدة. ولنعترف سريعاً: نادراً ما شاهدنا فيلماً يتوحد فيه الملموس وغير الملموس، ويذهبان في الاتجاه نفسه لخدمة قضية واحدة. كنا نعلم ان فينيكس، في ادارة غراي، يصبح في حد ذاته "فيلماً"، وراهنّا اكثر من مرة أن الكاميرا هي اولى المعجبات بادائه الذي يفوق الوصف، إذ تنتقل من مهمتها التسجيلية الى مهمة المراقبة، وتصبح، مثلها مثل المتفرج، غير قادرة على صرف النظر عن الشاشة، وإن لثانية. بيد انه يجب ألاّ تخدعنا مظاهر الخفة التي أدرج غراي حوادث الفيلم في اطارها، ذلك لأن السوداوية والقتامة هما سيدتا الموقف، مهما يكن الحرص على التسلية والمرح معززاً من جانب المخرج.

هذا رابع فيلم لغراي عن العائلة. العائلة هي التي يتوطأ غراي معها دائماً للتكلم عن الحياة والموت وما بينهما. مجمل عمله يدور على موضوع واحد ووحيد، لكن بتنويعات مختلفة: ما هو السبيل للافلات من الخط الذي ترسمه لنا سلفاً العائلة والجماعة والبيئة؟ طبعاً لن يكون الخروج هذا ممكناً لشخصية فينيكس. هذا هو الفرق بين غراي ومخرجين أميركيين آخرين. في إحدى لقطات الفيلم الختامية يقصد فينيكس شاطئ البحر ليتأمل ويفكر بتمعن في ما ستؤول اليه حالته اذا تزوج بنت العائلة اليهودية التي يحبها أقل مما يحب فتاة أخرى لكن ليست يهودية. ينتهي الشريط بتأكيد متجدد أن لا بديل حياتياً آخر لمن لا يجازف.

•••

في الازمنة الصعبة هذه، وفي الازمات الانسانية المستعصية التي تمرّ فيها البشرية، تبقى فكرة الثورة هي الملاذ أو المتنفس الوحيد لدى المقهورين الذين يعتقدون أن الطريق الى الحرية لا تزال سالكة وآمنة. مثل وعاء ضغط، ينجح الغضب وتنجح الثورة في تنفيس كل ما يختزنه الكائن الحي من نقمات واحقاد وثأر وظلم وأنظمة فاسدة تحاول أن تدوس الفكر، ليتجسدا (الغضب والثورة) في الهواء على شكل صرخة، او ضربة كف، او صفعة... في وجه الريح!! ثمة افلام تدعو الى الثورة، تكشف اوراق رجال احترفوا الدين كمهنة، او تفضح مخططات رجال اتخذوا من السلطة وسيلة للثراء غير المشروع. بعيداً من الالتزامات السياسية والقومية، هناك افلام اخرى تمجد جمال الطبيعة والشعر والفن. اليوم، تتجه الافلام اكثر واكثر الى الاستفزاز المفرغ من المضامين الجادة والنقية. ومن شدة حماقتها، تزعم هذه الافلام نقل "شمولية" فكرية ما الى اصحاب العقول المتعبة من الحياة، اي الى المشاهدين المستعدين لتقبل كل شيء، وايضاً الى اصحاب الاذهان المعلّبة. وما اكثرها في عصر الأحادية الفكرية والايديولوجية هذا.

بين المزاح والجد، تتحول السينما من ثور متوحش الى خروف طيب القلب ومطيع، لتتخلى عن دورها التحريضي، ولتتبنى ابجديات اخلاقية جديدة. لكن، وفي مقابل كل التفاهات التي قد تأتينا من هوليوود وأمكنة أخرى، لم يحدث لشريط ان دعا الى عقلانية ثورية على النحو الحكيم، كما يفعلها "تشي" لستيفن سادربرغ (مسابقة رسمية). بل اكثر من ذلك، إذ يعيد اليهم ما تبقّى من حريتهم المرهونة! هذا كله، كي نقول إن ملحمة سادربرغ ذات الساعات الاربع ونصف الساعة هو فيلم عن الثورة وكيف تمارَس وتعاش وتكرّس مفاهيمها، قبل أن يكون فيلماً عن غيفارا. الدليل: ليس تشي الاّ وسيلة للتكلم عن الثورة وقيمها الابدية، مهما اختلفت الازمنة وتبدّل الناس. لذلك يبلغ الفيلم كونيةً ما في خطابه، ويتفادى تقديس الشخصية التي يتناولها. بل على العكس، يفكك اسطورة الثوري الارجنتيني الكبير، كاشفاً النقاب عن جوانب عدة من شخصية انسانية عميقة كانت تؤمن بالفكر والعقل والعدالة اكثر مما تؤمن بالسلاح والعنف. الاهم، دعوة ثوّاره الى التحرر من الداخل قبل أن يحرروا شعوبهم من الظلم (كم كنا نرغب ان ترى منظمات تحريرية عدة في منطقتنا هذا الفيلم لتتلقى الدروس، لكنها على الارجح لا تحب السينما). مهما يكن، يبقى انجاز مثل هذا الفيلم في أميركا في عهد بوش عملاً جباراً!

•••

كثر، في الدورة الحادية والستين من "مهرجان كانّ" السينمائي، اعجبوا بفيلم "دلتا" (مسابقة رسمية) للمجري كورنيل موندروكزو الذي يقتفي خطى مواطنه بيلاّ تار، العصيّ على التصنيف. على رغم بقائنا على مسافة منه، ولا سيما لشعورنا أن الفيلم يُكثر من المشاهد الثابتة واللقطات الطويلة التي لا تؤدي بالسيرورة الدرامية الى مكان، بل يعلكها ويرميها في وجه المشاهد، الا ان الفيلم يكسر احد أكثر التابوهات صلابة، وهو العلاقة الغرامية والجنسية بين شقيق وشقيقته. اختار المخرج التكلم عن هذا المحظور انطلاقاً من فكرة أن هذه العلاقة بدائية في طبيعتها، وتنشأ دائماً من رغبة يرافقها نوعٌ من قرف حيال حب لا يمكن أن يكون الاّ مستحيلاً. لكن الفيلم لا يتطرّق الى سفاح القربى انما يتحدث عن شجاعة من يملك مثل هذه المشاعر، في أن يعترف بمشاعره. يقول موندروكزو إن البعض يعتقد انه يمتلك الحق في أن يضطهد أولئك الذين لا تنطبق عليهم معايير الطبيعة. أما بالنسبة اليه فانعدام التسامح هو الذي ينبغي أن يدان.

•••

من اللحظات التي ستظل محفورة في الاذهان الى الابد، لحظة صعود المخرج الصيني الكبير وونغ كار - واي الى المنصة في صلة "ديبوسي" بغية تقديم فيلمه "رماد الزمن"، طالباً من المشاهدين دقيقة صمت من أجل ضحايا الزلزال الذي ضرب الصين، والذي تبين في ما بعد ان السلطات كانت تعلم بحدوثه ولم تحرك ساكناً ولم تنذر المواطنين. ثم كان عرض هذا العمل الكلاسيكي الذي دخل تاريخ السينما الآسيوية من بابه الواسع. لمسات إضافية جاءت لتزيد الفيلم قوة وصرامة.

مهما تكن الأساطير خاطئة ومفتعلة، تبقى أكثر فاعلية من الواقع المعيش. والاكذوبة، مهما يبلغ حجم بغضنا لها في الأوقات الحرجة، تثمل الإنسان وتجعله أقرب الى "الحقيقة" التي يريد الإنسجام معها. هذه هي باختصار المقاصد التي نستنتجها من "رماد الزمن"، وهو انتاج سينمائي يتعذر تصنيفه، تماماً كصاحبه، الذي، بعدما اخفق في القاء نظرة خاصة وسوية في "لياليّ العنبية"، ينجز نسخة معدلة لاهتماماته وهواجسه "التيماتيكية" في فانتازيا بديعة تجعل المشاهد مثل "أليس في بلد العجائب"، زائراً مفترضاً في عالمه الذي يتميز كالعادة بإمكانات فنية ضخمة انتاجاً، وتأليفاً، واخراجاً وتمثيلاً. من خلاله يدعو كار - واي المشاهد المعتاد على لقطات سينمائية تخرج على المألوف، ليتساءل ويتأمل واياه في نقلة بصرية لحكايات وأساطير كانت تصعب ترجمتها الى لغة سينمائية لولا تولي كار - واي ادارة هذا المشروع الذي يجمع الثوابت العزيزة على قلبه.

 أما اللحظة الثانية فكانت عودة المخرج البولوني القدير جيرزي سكوليموفسكي الى كانّ بفيلمه "أربع ليال مع آنّا"، (افتتح تظاهرة "اسبوعا المخرجين" على هامش المهرجان) وهو أول فيلم له منذ 17 عاماً، اذ أمضى سنوات الغياب منزوياً في بيته في كاليفورنيا، يزاول الرسم الذي عشقه دائماً. كيف عادت اليه الرغبة في المرور خلف الكاميرا؟ يقول: "بما أني عضو في اكاديمة الـ"أوسكار" كانت تُرسَل اليَّ مجموعة الافلام المرشحة كي اختار منها ما اراه جديراً بالجائزة. عموماً، كنت أكتفي بمشاهدة بضع دقائق من الفيلم، لكن هذا جعلني أطرح على نفسي السؤال الآتي: "أي فيلم أريد أن أراه؟". ثم سمعت قصة رجل شديد الخجل من الشرق الاقصى يقع في غرام امرأة لكن لا يستطيع التقرب منها، فيقرر أن يتسلل في منزلها ليلاً ليتأملها" (...).

•••

 لأسباب لسنا مطلعين عليها، اختارت الدورة الحادية والستون من "مهرجان كانّ" عدداً من الافلام لعرضها في المسابقة الرسمية، في حين أن أفلاما أخرى كانت أكثر أحقية منها للتسابق على "السعفة الذهب" رُميت رمياً هامشياً في زوايا اخرى من المهرجان، لمصلحة أسماء أكيدة النتائج دخلت المسابقة من دون امتحان. هذه حال فيلم "أو هورتن" للمخرج النروجي بنت هامر ("نظرة ما") الذي يروي تجربة رجل سيقوم برحلته الاخيرة بالقطار عشية بلوغه التقاعد.

يعبق الفيلم بالسخرية اللطيفة التي لا تجرح، لكنها تصل الى هدف مراده القول إن الحياة مزحة ولا شيء يستحق ان نموت من أجله، والانسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك لأنه الوحيد يعرف انه سيموت يوماً.

النهار اللبنانية في 26 مايو 2008

 
 

القبس في مهرجان «كان»

«ملحمة جيفارا» وضرب نار على الفاضي

كان (فرنسا) ــ صلاح هاشم

ترى أين يكمن سحر مهرجان «كان» الخفي في الدورة 61، هل هو في الناس، أي في ذلك الحشد الإنساني الذي مازال يتجمع بالآلاف أمام سلم المهرجان وسجادته الحمراء، لتحية المبدعين والممثلين والنجوم،حين تهبط ستارة الليل فجأة بجوار البحر، ويشكل خليطا مذهلا من الوجوه والعطور والجنسيات والألوان، وخلف كل وجه إنساني حكاية بلا نهاية، تجعلنا نصيح مع ميراندا بطلة مسرحية «العاصفة» لشكسبير أن: «يا له من عالم ساحر حقا، بكل هؤلاء البشر الرائعين فيه».. ونحن نشق بصعوبة طريقنا وسط الزحام، ونتعجب من بهجة المولد، أم أنه يكمن في تلك الأعمال السينمائية الجديدة الفريدة، التي تأتي الينا في «كان» كل سنة، من مناطق وبقاع وفضاءات وثقافات ومناخات متعددة، لكي تحط هنا في قارب المهرجان، وتجعله يبحر بنا في رحلات مكوكية حول العالم، تكشف لنا عن حضارة السينما الكبرى، تياراتها واتجاهاتها، وكيف تتطور من بلد الى بلد، ومن قارة الى قارة، لتعكس في النهاية وفي كل حالة وجهنا الإنساني الواحد، وهي تحكي عن مغامرة الوجود الكبرى، وتسحرنا ببهجة السينما الفن؟.

تألقت الدورة 61 بأعداد كبيرة من المشاهير ونجوم السينما والغناء والرياضة في العالم الذين أتوا الى المهرجان من كل حدب وصوب، مثل حسناء الإغراء الأميركية الممثلة شارون ستون (التي استغلت حضورها وشهرتها في المهرجان، وأقامت حفلا جمعت فيه أكثر من عشرة ملايين دولار لضحايا مرض الايدز في أميركا)، كما شارك المخرج الصيني الكبير جون وو في حفل لجمع تبرعات لضحايا الكوارث في برماني والصين. وحل الملاكم الأميركي العالمي بطل الوزن الثقيل سابقا تايسون كذلك في «كان» 61، بمناسبة عرض فيلم جميل يحكي عن حياته الغريبة العجيبة، وصعوده كلص من أعماق السجون، الى بريق الشهرة والأضواء، داخل حلبة الملاكمة الدولية.

كما حضرت المغنية والممثلة الأميركية الشهيرة مادونا، وكذلك كل نجوم الأفلام التي عرضت في المهرجان (أكثر من 56 فيلما في قائمة الاختيار الرسمي) الذين نوروا ساحات «كان» بحضورهم، وكانوا «واجهة» براقة وبألوان قوس قزح للمهرجان ليجعلوا من «كان» عيدا حقيقيا للسينما في العالم، و«واجهة» توظف وتستثمر دوما لعرض أفلام وصور أخرى لا نعرفها، ولم نرها بعد، لأن الهدف الأول من إقامة «كان» السينمائي وأعظم استعراض في العالم هو «الاكتشاف» واثارة «الدهشة» من خلال إتاحة الفرصة لعرض تلك الأفلام الفنية عكس التيار في القائمة الرسمية، وفي مقابل أفلام السوق الأميركية التجارية، حيث يجعل مهرجان «كان» السينمائي العالم كله، وذلك من خلال أكثر من 4000 صحافي من أنحاء العالم يتعرف عليها ويكتب عنها ويجد فيها «مرآة» وانعكاسات لحياته.

كما حط في المهرجان لاعب الكرة العالمي الأرجنتيني مارادونا، الذي سجل «هدف القرن العشرين» التاريخي في مرمى المنتخب البريطاني، وأنتقم للأرجنتين من هزيمتها واهانتها في حرب الفوكلاند، وذلك في فيلم موسيقي فكاهي خفيف الدم وبالرسوم المتحركة، من إخراج الصربي أمير كوستوريكا، عرض خارج مسابقة المهرجان ضمن قائمة الاختيار الرسمي.وكان أمير على وشك أن يضع يحكي عن نفسه في الفيلم، من خلال وضع مقاطع من أفلامه، أكثر مما حكى عن مارادونا، لكن كشف في الفيلم عن جانب إنساني مهم في حياة مارادونا حين ركز على زوجته شريكة حياته التي وقفت الى جواره دوما في محنته بعد إدمانه على المخدرات، وكانت بمثابة الملاك الحارس في حياة ذلك الصبي اللاعب الساحر العبقري، الذي خرج من ضواحي الفقر في الأرجنتين، ليصبح «أيقونة» من أيقونات عصرنا.

وقد جعلنا الفيلم نتعاطف مع مارادونا ضد ثورته على الرئيس الأميركي بوش، وفضحه لرجال السياسة الفاسدين الوصوليين الكذابين في العالم، وسيطرة المافيا على كرة القدم في ايطاليا، وسيادة الشمال على الجنوب حتى في تلك اللعبة، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في العالم بشكل بشع، وبخاصة في دول العالم الثالث، ويرى مارادونا في احد مشاهد الفيلم وقد رسمت صورة للبطل المناضل الاسطورة تشي جيفارا على جلده.

أسطورة جيفارا

كما عرض المهرجان شخصيات اخرى غير تايسون ومارادونا، فقد كنا جميعا في المهرجان أناس وصحافيون ننتظر عرض فيلم يحكي ايضا عن «أيقونة» من أيقونات عصرنا، ويذكر بحياتها كرمز وطقس وقدوة ومثال، ونعني به فيلم «تشي» للمخرج الاميركي ستيفن سودربيرغ وبطولة الممثل بينيسيو دول تورو، وأخيرا حل يوم العرض وتدافعت الحشود التي طال انتظارها وصبرها لكي تشاهد وتتعرف على الفيلم المشهود، بعد ان كان المهرجان عرض علينا عدة أفلام سياسية اعتبرناها نموذجا للفيلم السياسي القوي مثل فيلم «جوع» للبريطاني ستيف ماكوين الذي يحكي عن اضراب الجوع الذي قام به المناضلون السياسيون الايرلنديون في سجن ميز في ايرلندا الشمالية ضد الحكم البريطاني، وراح ضحيته وبارادته المناضل بوبي ساند عام 1981 وأعتبره أهم فيلم سياسي عرضه المهرجان، وبخاصة بعد ان شاهدت فيلم «تشي» للمخرج الاميركي ستيفن سوديربيرغ عن حياة البطل الايقونة والاسطورة تشي جيفارا الكومندانتي - القائد - كما كانوا يطلقون عليه وينادونه في كوبا ثم في بوليفيا.

اذ يحكي الفيلم في جزأين (يستغرق عرضهما أكثر من 4 ساعات ونصف الساعة، ويتخلل ذلك استراحة قصيرة) عن مسيرة جيفارا، فيرينا في الجزء الأول كيف هبط هذا الطبيب الأرجنتيني، الذي صار منظرا لحرب العصابات في أميركا اللاتينية، مع فيدل كاسترو و80 مناضلا الى كوبا، وعبروا البحر لشن حرب وانقلاب على حكومة الدكتاتور باتيستا، ومن منطلق ان تصعيد القمع على يد سلطته الجائرة ومؤسسة الدولة والعنف الذي مارسته على المتظاهرين الكوبيين، سيدفع بالتالي اغلبية الشعب الكوبي الى التعاطف مع هدف الثوار النبيل كاسترو وجيفارا ورفقتهما في تخليصهم من حكم باتيستا ووضع نهاية له.

ونتعرف على تشي المناضل في تعامله مع المناضلين الكوبيين وثقتهم به، حتى انهم سرعان ماتبنوا جيفارا وجعلوه واحدا منهم، ونتعرف على جيفارا خلال تحرك جيش الثوار باتجاه المدن الكبرى في كوبا للاستيلاء عليها بعد ان نجحوا في الاستيلاء على العديد من التحصينات الدفاعية العسكرية التابعة لجيش باتيستا النظامي الكوبي.

وتدور اثناء التحرك مواجهات ومعارك حربية، وتشمخ صورة جيفارا كفارس نبيل في الجزء الاول وفهمه لطبيعة سكان الريف الذين انضموا الى الثوار، وتبدو قدرته كقائد في التعامل والتفاهم مع الجميع وتحدثه باللغة التي يفهمونها، وتكبر وتنمو بالتدريج جماهيريته وشعبيته، ونفهم من خلال الجزء الاول ان جيفارا كان رجلا عمليا، وهنا تكمن سر شعبيته وسحر شخصيته الخاص، فهو لا يعظ ولا يخطب في الناس ويتكلم في الهواء، بل يعطي المثال والقدوة من خلال افعاله وسلوكياته، وفي قلبه يعشش ذلك الحب الكبير للبشر الكادحين الفقراء ملح الأرض والثورة على الظلم.

ومن خلال حوار يدور معه في الجزء الاول من الفيلم نراقب عملية صعود شعبية جيفارا وشجاعته عند مواجهة قوات الجيش الكوبي ودحرها، ليصبح «قدوة» ومثالا يحتذي، كما نتعرف على نظريته في «حرب العصابات المستمرة» على الامبريالية وأعوانها في بلدان أميركا اللاتينية، وليس في «كوبا» وحدها، ونرى جيفارا يلقي خطابا في هيئة الأمم المتحدة يلخص فيه أفكاره وفلسفته في النضال ضد الاستعمار.

وتبدأ «أسطورة» تشي جيفارا البطل تتشكل وتنمو وتنتشر، لا في كوبا وحدها بل في بلدان قارة اميركا اللاتينية والعالم، ويتبنى العديد من المثقفين اليساريين مثل روجيه دوبريه في فرنسا افكار جيفارا الاسطورة، ويعملون على ترويجها من خلال كتاباتهم واعمالهم ومشاركتهم في تغيير مجتمعاتهم.

قمة الشهرة

وفي الجزء الثاني من الفيلم يتنكر جيفارا في صورة موظف في هيئة دولية ويحلق شاربه وذقنه ويصبغ شعره، ويضع نظارات، ويسافر الى بوليفيا لمواصلة الحرب التي بدأها في كوبا مع كاسترو على الاستعمار.

وكان جيفارا وقتذاك وصل الى قمة الشهرة كمناضل ثوري في العالم، ومثالا يحتذى في الحرب على الاستبداد والاستعمار والظلم، وفساد السلطة والحكام الخونة، ولم يقبل كل المناصب الكبيرة التي عرضت عليه في كوبا، وبمساعدة بعض المناضلين من الاصدقاء الكوبيين يبدأ في تعبئة وتجنيد مجموعة من الفلاحين البوليفيين للمشاركة في الثورة اللاتينية الكبرى، غير انه يصطدم هنا بطبيعة اخرى غير الطبيعة الكوبية ويواجه العديد من المصاعب والعراقيل التي تحول دون نجاحه في تحقيق حلمه في تخليص شعوب اميركا اللاتينية من الاستبداد والاستعمار.

وينتهي الفيلم بمشهد تطويق جيفارا ومجموعة صغيرة من الثوار في بوليفيا، ونراه يطلب من حارسه البوليفي في الحبس أن يطلق سراحه لكن الحارس يتردد، ثم نرى كيف يدلف حارس الى زنزانته ويصرعه برصاص بندقيته حتى يلفظ أنفاسه الاخيرة.

واحسرتاه

وتتفرج على مسيرة جيفارا في الفيلم لفترة تزيد على اربع ساعات من دون ان تشعر بالملل وهناك مواقف ومشاهد جميلة وحلوة ومؤثرة في الفيلم، غير ان الفيلم كله على بعضه لا يسوى، ولم يخرج علينا يا حسرة بشيء، فكله تصوير وقائع واحداث صورت بطريقة واقعية، كما في معارك الهنود الحمر ورعاة البقر الكاوبوي في أفلام «الوسترن»، فتحس بأنك تشاهد فيلما تسجيليا في الجزء الاول، وفيلما من أفلام انديانا جونز في الغابة في الجزء الثاني، بمعنى انك لا تجد في هذا الفيلم أي شيء يعجبك او يدهشك او يحركك او يهزك، فتسأل بعد كل لقطة ومشهد طيب وبعدين، والى أين يذهب الفيلم، وماذا يريد مخرجه ان تكون محصلته النهائية.

لكن لا محصلة ولا مفصلة، فجأة ينتهي الفيلم، ينزل ويطلع على مفيش، ويخيب املنا وصبرنا وانتظارنا الطويل، على الرغم من اداء الممثل الأميركي بينيسيو دول تورو الرائع في الفيلم، وتجسيده لشخصية وحركات وسكنات ولازمات جيفارا بحرفنة واتقان غير عادي، ونرشحه للفوز بجائزة احسن ممثل في المهرجان، وعلى أمل أن يكون ذلك كرما من لجنة التحكيم، ودفعة ترفع الفيلم قليلا وتنتشله من «الهوة» التي سقط فيها، فقد نجح مخرجه ستيفن سودربيرغ في ان يحكي لنا عن كل تلك الوقائع التي عاشها البطل المناضل الثوري جيفارا، بالتفاصيل المملة، لكنه لم يستطع ان يجيب لنا في فيلمه على السؤال الأساسي والضروري والدافع الحيوي الخلاق لعمل وصنع الفيلم، الا وهو: لماذا تحول في رأيه تشي جيفارا الى «أسطورة» للنضال من اجل الحرية والاستقلال والحياة الكريمة والتغيير في العالم كله؟.

وان كانت الإجابة على سؤال كهذا، تحتاج الى فيلم طويل جدا جدا يستغرق عرضه اكثر من أربع ساعات، ثم تتبين في النهاية واحسرتاه، انه لا يقدم أي إجابة على أي سؤال البتة، فقد انشغل بالتفاصيل، وضاع في زحمة حياة «ملحمة» البطل الملهم، وغرق في بحر الحكايات التي أراد ان يرويها كلها عنه، وليخرج في النهاية بتصويره فقط في الفيلم كـ«الشجيع» في أفلام الوسترن الاميركية وكلها ضرب نار على الفاضي.

القبس الكويتية في 26 مايو 2008

 
 

مهرجان «كان» يختتم دورته الحادية والستين ويوزع جوائزه...

جوع العالم ونضالات «الشعوب» في ليلة الفساتين الفاخرة

كان (جنوب فرنسا) - ابراهيم العريس

حتى اللحظة الاخيرة ظل شون بن مشاكساً. شاكس حتى على مشاكسته. وكانت النتيجة أن اعلان الجوائز في ختام الدورة الواحدة والستين لمهرجان كانّ جاء باهتاً، مثل الدورة كلها. جاء اعلاناً يخلو من المفاجآت. كان هذا الخلو هو المفاجأة الوحيدة. سقطت كل التوقعات باستثناء التوقع الاساس: ان يحضر بن ورفاقه في لجنة التحكيم بعض جوع العالم وبعض النضالات الكبرى وشيئاً من السياسة والمافيا الى مهرجان المهرجانات. في ليلة قدر صديق كلفة فساتين النجمات فيها بأكثر من خمسين مليون دولار.

التسويات كانت واضحة: نال الفرنسيون «سعفتهم» الذهب بعد غياب طويل، عن فيلم عرض فقط في الايام الاخيرة، هو «بين الجدران» الذي حوى كل كليشهات الهجرة والاندماج ومشاكل المراهقين عبر صف دراسي ثانوي. جائزة أخرى لفرنسا من طريق كاترين دونوف أوجدت خصيصاً لها لتتشارك فيها مع كلينت ايستوود. هي جائزة خاصة لانجاز العمر اخذتها عن فيلم «حكاية عيد ميلاد». بعذ ذلك حضر الجوع، بدءاً من عنوان فيلم الكاميرا الذهب «جوع» لستيف ماكووين، ثم عبر الممثلة ساندرا كورفيلوني بطلة «خط العبور»: أمّ جائعة فقيرة تربي أربعة صبيان في بؤس ساو باولو الراهنة.

المفاجأة - اللامفاجأة أتت من تركيا: جائزة الاخراج لنوري بيلجي جيلان عن «ثلاثة قرود» التي استحقها وأكثر. أما ايطاليا فخرجت بحصة مزدوجة: جائزة لجنة التحكيم الكبرى لـ»غومورا» عن المافيا النابوليتانية. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لـ»ايل ديفو» عن المافيا أيضاً وعن جوليو أندريوتي. الايطاليون فوجئوا أكثر من غيرهم! أما الاخوان داردين فكانت مفاجأتهما سلبية اذ كان عليهما الاكتفاء بجائزة السيناريو لفيلم «صمت لورنا» الذي رُشح لـ»السعفة» منذ البداية.

أما شون بن، فهو اذ لم يتمكن من مكافأة صديقه كلينت ايستوود بجائزة كبرى مستحقة أيضاً عن «الابدال» حقق انتصاراً شخصياً بمنح جائزة التمثيل الرجالي لبينيسيو ديل تورو عن دور غيفارا في «تشي». وهكذا في ليلة مرحة وفي ختام مهرجان أقل مرحاً نال كل نصيبه وكل «كان» وانتم بخير.

الحياة اللندنية في 26 مايو 2008

 
 

استوود لا يفوز بالسعفة الذهبية..

ويرفض جائزة خاصة مع دي نيف

بقلم  سمير فريد

الخبر في جوائز مهرجان «كان» ٢٠٠٨، التي أعلنت مساء الأحد، أن الفيلم الأمريكي «الاستبدال» إخراج كلينت استوود لم يفز بالسعفة الذهبية، ولم يكن من الممكن تجاهل الفيلم علي مسرح الجوائز في حفل الختام، فتم منح فنان السينما الكبير جائزة خاصة، سميت جائزة الدورة ٦١ للمهرجان، والأدهي فوزه بها مناصفة مع نجمة السينما الفرنسية كاترين دي نيف، ولذلك رفض استوود الجائزة، ولم يحضر حفل الختام أصلاً، وكان الوحيد الذي أعلن عن فوزه بجائزة، ولم يصعد لتسلمها. هل طلب استوود ألا يعلن عن الجائزة، أم قبلها ورفض تسلمها، ربما تكشف الأيام المقبلة ما حدث بالضبط، ولكن المؤكد أن الجائزة ترضية واضحة، ومهينة لمن يفوز بها، لأن المهرجان اعتاد أن يقدم جوائز باسم الدورات اليوبيلية «٢٥ -٣٥ - ٤٠ - ٥٠ - ٦٠»، ولكن ليس من المعقول تقديم جائزة باسم الدورة الـ ٦١، وكأن كل دورة أصبح لها جائزة برقمها.

التحفتان اللتان شهدتهما المسابقة إلي جانب تحفة استوود، هما الفيلم التركي «القرود الثلاثة» إخراج نوري بلجي، وفاز بجائزة أحسن إخراج الفيلم البلجيكي «صمت لورنا» إخراج الأخوين دارديني، وفاز بجائزة أحسن سيناريو، وهما كاتباه.

 ولم تكن اللجنة علي مستوي تقدير الفيلم المجري «دلتا الدانوب» إخراج كورنيل موندوروزو، والفيلم الإسرائيلي «الرقص مع بشير» إخراج آري فولمان، ولكنها كانت علي مستوي تقدير بينسيو ديل تورو، كأحسن ممثل عن دوره في الفيلم الأمريكي «جيفارا» إخراج ستيفن سودربرج، الذي أهدي الجائزة إلي اسم جيفارا.

وكان من مفاجآت حفل ختام المهرجان فوز الفيلمين الإيطاليين «جومورا» إخراج ماثيو كاروني بالجائزة الكبري، و«النجم» إخراج باولو سورينتينو بجائزة لجنة التحكيم، فكلاهما من الأفلام السياسية الإيطالية العادية، ولعل فوزهما يرجع، علي نحو ما، إلي اهتمامات «شون بين» رئيس لجنة التحكيم السياسية، وجاءت جائزة أحسن ممثل إلي ساندرا كورفيليوني عن دورها في الفيلم البرازيلي «خطوط العبور»، إخراج واتر سالس ودانييللا توماس، تحية إلي السينما البرازيلية التي شاركت في المسابقة لأول مرة بفيلمين، وإلي سينما أمريكا اللاتينية بصفة عامة، وهي «نجمة» مهرجان «كان» هذا العام، صحيح أن أداء الممثلة الفائزة جيد، وفوزها لا يثير الاستياء، ولكن كانت هناك ممثلات عبقريات في فيلمي دارديني وموندوروزو.

وفاز بالكاميرا الذهبية لأحسن فيلم أول، الفيلم البريطاني «جوع» إخراج ستيف ماكوين مع شهادة تقدير للفيلم الروسي «الكل يموت ما عداي» إخراج فاليريا جايا جورمانيكا، الذي عرض في أسبوع النقاد، أما المفاجأة الكبري فكانتيت فوز الفيلم الفرنسي «الفصل الدراسي» إخراج لوران كاتيت بالسعفة الذهبية، وهو أول فيلم فرنسي يفوز بها منذ ٢١ سنة، والفيلم يستحق التقدير، ولكن ليس بالسعفة الذهبية.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 27 مايو 2008

 
 

بعد عرض فيلم تشي في كان يحلم نجل الثوري الارجنتيني بفيلم يصنع في كوبا

فيينا ـ من غابريال غرنز

تمني كاميلو غيفارا احد ابناء الثوري ارنستو غيفارا بعد عرض فيلم تشي للمخرج الاميركي ستيفن سودربرغ في مهرجان كان، ان يتمكن الكوبيون بدورهم ذات يوم من تصوير فيلم عن حياة والده.

وقال كاميلو غيفارا في حديث اجرته معه وكالة فرانس برس يبدو لي امرا مشروعا ان يصور مخرجون كوبيون عملا سينمائيا كهذا لكن ينبغي توافر وسائل ضخمة لضمان انتاج بمستوي معين ونظرا الي اهمية الشخص والي الحب الذي يكنه له الشعب الكوبي، وهذا باهظ جدا .

ويفتتح ابن الثوري الارجنتيني الشهير الذي قاد الثورة في كوبا الاثنين في فيينا معرضا فوتوغرافيا في الذكري الثمانين لولادة التشي.

ومع فريق سودربرغ اتصل به خلال اثناء التصوير فهو لم يتمكن بعد من مشاهدة الفيلم.

وقال كاميلو البالغ من العمر 64 عاما معلقا علي الفيلم اذا كان يحترم روحية فكر التشي، عندها لن يكون هناك اي مشكلة ، مذكرا بفيلم يوميات راكب دراجة نارية للبرازيلي والتر ساليس (4002) الذي يروي تجوال تشي غيفارا مع صديقه البرتو غرانادو في اميركا الجنوبية عام 2591 ويظهر فيه يعبر نهر الامازون سباحة.

ويقول ابنه الذي يدير مركز دراسات تشي غيفارا في هافانا تاريخيا، ان التشي سبح في الامازون لكنه لم يعبره. وهذا جزء مهم في الفيلم لانه يظهر تفانيه. ومن هذا المنطلق، لا مانع لدينا . واوضح ان ثمة اوروبيين يعرفون اعماله جيدا، لكن ثمة الكثيرين الذين لا يعرفونها ومن الجيد ان يكتشفوا فكره حتي يتمثلوا به . ورأي انه يمكن عندها استيعاب صورته كمفكر ومصلح بشكل افضل، فلا نعود نكتفي بارتداء قمصان عليها صورته بل نعيشه من الداخل .

وتابع لا يزال ينبغي القيام بالكثير في كوبا ايضا ولو ان التشي حاضر بشكل راسخ هناك . ويهدف مركز الدراسات الذي يديره الي اصدار اعمال والده غير المنشورة بدون رقابة ولا تأويل ويقول انه سيتم في مرحلة اخري اصدار طبعة اكثر نقدا .

وبمناسبة الذكري الثمانين لولادة التشي في 41 حزيران/يونيو، يسعي القائمون علي دار فستليشت التي تقيم المعرض في فيينا، من خلال الصور لفهم الشعبية العارمة التي لا يزال يتمتع بها الثوري الارجنتيني.

ويتضمن المعرض صورا من سنوات الثورة التقطها مصورون كوبيون، تتوسطها الصورة الشهيرة التي التقطتها عدسة البرتو كوردا ويظهر فيها التشي يحدق بوجوم معتمرا قبعته البيريه المزينة بنجمة ذهبية.

والتقطت هذه الصورة في الخامس من اذار/مارس 0691 خلال مراسم اقيمت علي نفوس ضحايا اعتداء وقع في اليوم السابق واستهدف سفينة تحمل ذخائر في مرفأ هافانا.

وقال كاميلو غيفارا كل ما فعله كوردا انه استخدم آلة التصوير، لكن الصورة من صنع الامبريالية الاميركية . واوضح مدرجا الصورة في اطارها التاريخي لا شك ان هذا الوجه الواجم علي علاقة بمئات القتلي والمشوهين العديدين جراء عملية وحشية مولتها حكومة الولايات المتحدة ونظمتها .

ولم تكتسب هذه الصورة شهرتها الا بعد وقت طويل وقد نشرتها في اوروبا مجلة باري-ماتش في 91 اب/اغسطس 7691 وفي الثالث من تشرين الاول/اكتوبر، تصدرت غلاف مجلة اوبوس انترناسيونال الثقافية الفرنسية نسخة عنها لونها الفنان الاوكراني رومان سيسلفيتش علي طريقة البوب ـ آرت.

وبعد ستة ايام، اعدم الثوري الارجنتيني بامر صادر من حكومة بوليفيا حيث كان يسعي لتصدير ثورته، وبموته العنيف تحول الي شهيد ثم الي مثال اعلي لثورة ايار/مايو 8691 الطلابية.

وختم ابنه ردا علي سؤال عما يمكن ان يقول والده عن اميركا اللاتينية اليوم لو كان علي قيد الحياة اعتقد انه لكان شعر بالسعادة والامل، لانها البقعة الوحيدة من العالم حيث نشاهد الانظمة تتغير في هذه المرحلة ، في اشارة الي وصول اليسار الي السلطة في بوليفيا والاكوادور والباراغواي. (ا ف ب)

القدس العربي في 27 مايو 2008

 
 

طوى سجّاده الأحمر بعد أن مشى عليه دي نيرو

«سعفة كان» فرنسية.. لأن هـذا «ما حدث فقط»

زياد عبدالله - كان

كان الجو عاصفا حقيقة ومجازا ليلة أول من أمس في «كان»، الرياح قوية لا تمنح الفرصة المناسبة لعبور السجادة الحمراء، كما هي العادة في ليلة الختام وتوزيع الجوائز، لكن دون أن تتمكن الرياح العاتية من زعزعة تكهنات الصباح بما سيناله ذاك الفيلم ومن سيتوّج بالسعفة الذهبية، والكيفية التي يفكر بها شون بين، وأنه طلب معاودة مشاهدة فيلم «سيربيز» للفلبيني برلينت ميندوزا، أو أن فيلم «فالس مع بشير» للاسرائيلي آري فولمان، صاحب الحظ الأوفر، على اعتباره يقدم هجائية كبيرة ومميزة للجيش الاسرائيلي، وما إلى هنالك من شائعات وأقاويل لابد منها.

كل ما تقدم اختفى تماما في تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت كان، فمع وصول طاقم فيلم الختام «جست وت هابن» (ما حدث فقط) وعلى رأسهم روبرت دي نيرو  الذي كان سخيا جدا بتواقيعه للجمهور، وقيامه بكل ما يطلب إليه سواء من الجمهور المحتشد أو المصورين، كما لو أنه في مكان آخر، كل التوقعات اختفت مع البدء بإعلان النتائج، وللدقة مع إعلان الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية في دورته الـ61،والتي توج بها «انترليه مور» أو (بين الجدران) للفرنسي لوران كانتيه، الذي لم يكن في وارد التوقعات على صُعُد عدة، وجاء وصف الفيلم على لسان بين «السعفة الذهبية من نصيب هذا الفيلم الرائع»، ليضع النقاط على الحروف.

تهكم سياسي

قبل الخوض بتفصيل الجوائز، يجب تأكيد أن الخيارات نأت تماما عن أي فيلم يتناول حدثا أو جزئية تاريخية متعلقة بقضايا سياسية راهنة حضرت بقوة في الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، ولعل السياسي وإن جاء تهكميا ومداورا، فقد كان في كلمة بين الوجيزة، التي اعتبر فيها أنه أصبح رئيسا للجنة تحكيم، لأن هذا «ما حدث فقط» مستعينا بعنوان فيلم الختام، لكنه مؤكدا في الوقت نفسه أنه ليس رئيسا مثل رئيس الولايات المتحدة.

إذن هذه السنة السعفة فرنسية، ولعل الفيلم نفسه فرنسي بامتياز على صعيد موضوعه أيضا، وعلى شيء من مقاربة المجتمع المتعدد الأعراق الذي صارت إليه فرنسا، من خلال صف دراسي، وعلاقة التلاميذ بمعلمهم، وليكون الفيلم من أوله إلى آخر ضمن المدرسة، لا بل إن أربعة أخماسه ضمن الفصل الدراسي، وليصوغ من خلال الحوارت اللامتناهية بين الطلبة والاستاذ صورة مكثفة لأوضاع كل طالب على حدة، وخصوصا أن المعلم يتبنى تماما حرية الكلام، مشرعا الأبواب على مصاريعها لتلقي كل الآراء والأفكار التي يبديها الطلاب، الذين يكونون في غالبيتهم من أصول غير فرنسية (عربية، إفريقية، آسيوية)، ولعل هذا الفصل صالح لأن يكون مجتمعا مصغرا عن فرنسا المعاصرة، والمشكلة التي تواجه المعلم مع طالب ذي أصول إفريقية (مالي)، تحمل شيئا من تخطي مساحة الحرية والتحول إلى سوء استخدام لها.

لا شك أن الفيلم محكم، والحوارات مبنية فيه بحنكة وبراعة، ويكاد يكون خاليا من أي زيادات أو حشو، لكن يبقى السؤال المطروح بقوة، ما الذي يقدمه الفيلم على صعيد سينمائي له أن يبهر، مع انحسار قوته بإدارة الممثلين، وضبط الإيقاع دون أن تكون للقطة أي حضور، لا بل يمكن أن يكون الحوار هو العنصر الأقوى في الفيلم لا السيناريو ولا حتى التصوير، بل يمكن القول إن الفيلم كتاب مصور لنا أن نقرأ ـ إن كنا لا نعرف الفرنسية ـ أكثر من أن نشاهد على اعتبار أن المتابعة تستدعي مرافقة الترجمة التي لا تتوقف أبدا ما دامت الأحاديث في الفيلم بلا نهاية.

مفاجأة الجوائز

أسئلة كثيرة له أن يولدها خيار لجنة التحكيم لهذا العام، لها أن تغيب مع فوز التركي نوري سيلان بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه «ثلاثة سعادين» الذي قدم فيلما جميلا، له أن يكون من بطولة مخرجه الذي بدت لمسته دامغة في كل لقطة من الفيلم مثلما هو الأمر مع فيلم «دلتا» للهنغاري كورنل مندروزكو.

أعود إلى مفاجأة أخرى بالنسبة إلى الجوائز، تتمثل في فوز فيلم «كومارا» للإيطالي ماشيو غارون بالجائزة الكبرى، نعم فاز «كومارا» ومعاودة الاقتراب من المافيا الايطالية في نابولي، عبر سرد خمس قصص نجدها جميعا متشابكة مع المافيا  المتحكمة في كل شيء وقد أعلنت الحرب بين طرفيها، وليأتي إلى جانبه فيلم ايطالي آخر يقترب هو بدوره من المافيا الايطالية، لكن من خلال شخصية أسطورية في تاريخ ايطاليا الحديث ألا وهي جولي اندريوتي، والحديث هنا عن فيلم «ايل ديفيو» لباولو سورينتينو، والذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولعل الفيلم كان على قدر هائل من الإيقاع العالي، والمقاربة المتماهية تماما مع املاءات شخصية اندريوتي وغموضها وخصوصيتها، ومن ثم فضيحة علاقته بالمافيا، دون أن ننسى أنه هو القائل «إن دليل الجريمة يظهر في الروايات البوليسية فقط وليس في الحياة الواقعية»، هذا عدا أرقه المزمن، وآلام الشقيقة التي لا تفارقه، وغير ذلك مما تناوله سورينتينو بأكبر قدر من التنويع على أسلوب مقاربة كل جانب من جوانب هذه الشخصية التي جسدها بشكل مدهش توني سيرفيلو.

فيلم البرازيلي والتر سالس «لينا دي باسه»لم يخرج من المسابقة خالي الوفاض فقد ذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى بطلته جوا بلدسيريني التي جسدت دور الأم لأربعة أبناء، كل منهم يحاول شق طريقه في ساو باولو المزدحمة والقاسية، ولكل واحد منهم عالمه الخاص تتقاسمهم كرة القدم والدين والعمل والمدرسة، بينما الأم التي نشاهدها حاملا منذ بداية الفيلم مع انعدام وجود أب لأولادها، أو لذاك الحامل به، تسعى طيلة الوقت لتلبية جزء من احتياجاتهم عبر عملها خادمة.

أفضل ممثل

هذا يمضي بنا في الحال إلى جائزة أفضل ممثل والتي ذهبت مباشرة إلى بنسيو دل تيرو عن تجسيده شخصية ارنستو تشي غيفارا في فيلم ستيفن سيدربورغ، في أداء ليس له أن يوصف إلا بالرائع، ولعل لهذا الممثل، وفي جردة سريعة لأدواره، أن يستحق كثير التقدير، إذ لكم أن تستعيدوا دوره الرائع في «21 غراما» أو حتى في آخر أفلامه «الأشياء التي فقدناها في الحريق».

تبقى جائزة السيناريو التي ذهبت إلى فيلم الأخوين ديردين «لورنا دي سايلنس» (صمت لورنا)، واللذان حظيا بها كونهما مخرجي الفيلم وكاتبيه، ولعل السيناريو كان نقطة القوة الرئيسة في فيلم الأخوين، والذي يحكي عن لورنا المقسمة بين قلبها ورزقها، بين أن تتزوج على الأوراق من أجل بيع جنسيتها البلغارية، واللحظة التي تنقلب فيها حياتها رأسا على عقب، لدى اكتشافها أن من تزوجته على الأوراق قد وقعت في حبه حقا، هو المدمن على المخدرات، والذي سرعان ما يموت أو يقتل، والسبب جرعة زائدة من المخدرات.

جائزة خاصة ابتدعتها لجنة التحكيم كانت من نصيب كاترين دنوف على إسهامها الخاص والمتواصل في «كان»، ولعل هذا أقل ما يمكن لبين أن يقدمه لدنوف المرتبطة لديه بـ«كان»، ثم إنها هي من سلمته جائزة أفضل ممثل عام .1997 وكذلك الأمر بالنسبة لكلينت ايستوود الذي طالته هذه الجائزة.

حسنا اختتم المهرجان وبدا أول من أمس مقفرا، وعلى شيء مما يدفع إلى الحزن، الأمر الذي بدأ منذ الصباح، فكان الأمر يستدعي الوقوف على الأطلال السينمائية، واختفاء الحشود، ليلي ذلك وبعد الختام، أي أمس، البدء بنزع السجاد الأحمر، وليكون الأمر سينمائيا أكثر، فإن الأمطار وضعت الخاتمة كما في كثير من الأفلام للدورة الحادية والستين وغسلت كل شيء، أو كما في الفيلم التركي «ثلاثة سعادين» حيث اللقطة مفتوحة على البحر، والرجل يقف وحيدا على سطح بيته بينما المطر ينهمر بغزارة، لقطة تمتد لدقيقتين وينتهي الفيلم، ولقطة مهرجان «كان»  بحاجة إلى سنة أخرى لها أن تجد في مايو العام المقبل اللقطة أو الدورة الثانية والستين. 

ساركوزي يعرب عن سعادته

 اعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اول من امس، عن سعادته بفوز الفيلم الفرنسي «بين الجدران» بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان مشيدا بـ«فطنة»  مخرجه لوران كانتيه و«رقته».

وقال ساركوزي في بيان ان الفيلم «يظهر الصعوبات المدرسية في فرنسا اليوم ولكن ايضا جهود وآمال ونجاحات الاساتذة الذين يشكل التزامهم في خدمة الطلاب ارضية الفيلم»معبرا عن سروره وارتياحه لهذا النجاح.

وقال ان الفيلم «يشهد على صحة السينما الفرنسية وقدرتها التي لا تزال قائمة في جعل «نوعية» افلام المؤلف موضع اعجاب المشاهدين عبر العالم».

وفاز فيلم «انتر ليه مور» (بين الجدران) للفرنسي لوران كانتيه الاحد بالسعفة الذهبية للدورة الحادية والستين لمهرجان كان التي لم تحصل عليها فرنسا منذ 21 عاما، كما اعلن رئيس لجنة التحكيم الممثل والمخرج الاميركي شون بين.

وكان آخر فيلم فرنسي فاز بالسعفة الذهبية «سو لو سولاي دو ساتان» (تحت شمس الشيطان) للمخرج موريس بيالا عام .1987 

الإمارات اليوم في 27 مايو 2008

 
 

القبس في مهرجان «كان» 61

في حفل توزيع الجوائز.. انتصار لسينما الواقع وهموم الناس

كان (فرنسا) ــ صلاح هاشم

كاد شون بن الممثل والمخرج الاميركي رئيس لجنة التحكيم في مهرجان «كان» الـ61 يبكي من فرط تأثره، وهو يعلن عن فوز الفيلم الفرنسي «بين الجدران» ENTRE LES MURS بجائزة السعفة الذهبية، وهو يرى فرحة مخرج الفيلم لوران كانتيه والتلاميذ من الهواة الذين شاركوا في تمثيله ومجموعة طاقمه الفني، يقفزون ويتصافحون ويتعانقون ويهنئون بعضهم البعض، فأخيرا وبعد مرور 21 سنة، تمنح الجائزة لفيلم ينتمي الى الدولة المضيفة للمهرجان، أي لفرنسا، وكانت آخر مرة يفوز فيها فيلم فرنسي بتلك الجائزة «السعفة الذهبية» في المهرجان، فيلم «تحت سماء الشيطان» للفرنسي موريس بيالام منذ أكثر من عقدين. وظهر أن لجنة التحكيم برئاسة شون بن، انحازت في اختياراتها لتوزيع جوائزها الى «سينما الواقع»، التي تحكي الآن عن هموم الناس، وتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية، وأزماتها ومشاكلها.

الفيلم الفائز مأخوذ عن رواية كتبها فرانسوا بيجودو، ويحكي فيها عن ذكرياته خلال الفترة التي عمل فيها مدرسا في احدى المدارس الثانوية، قبل ان يتفرغ للتأليف والكتابة، وعن مشاكل الطلبة في تلك المدرسة وفصولها، التي تعكس أيضا هموم ومشاكل واضطرابات «جيل» كامل في فرنسا اليوم، وتمنح الفيلم واقعيته ومصداقيته، وتجعله من خلال «المدرسة»، كصورة مصغرة للمجتمع الفرنسي الكبير، ابن الحاضر وزمننا الراهن وتشمخ به عاليا، في مقابل أفلام «الفارس» الفكاهية التجارية الفرنسية الهشة، التي توظف فن السينما للتنكيت والترفيه، ودغدغة المشاعر والعواطف، وعينها على شباك التذاكر، كما في جل أفلامنا المصرية، وتنسى الدور التعليمي المهم للسينما، كأداة ــ كما يقول المخرج والمفكر السينمائي الفرنسي الكبير جان لوك جودار ــ للتفكير في مشاكل الحاضر.

والجميل في الفيلم، ان كاتب الرواية بيجودو جسد بنفسه شخصيته الحقيقية في الفيلم ويمثل هنا لأول مرة، والجميل أيضا أن أن تكون البطولة فيه «جماعية»، وأن يعكس من خلال الكيان الطلابي الحاضر في الفيلم من خلال تلاميذ الفصل الصغار الهواة «تعددية» المجتمع الفرنسي وتناقضاته وتعقيداته، وهو يعلي في الوقت ذاته من قيمة وحضارة العلم والدراسة والتعليم على المستوى الإنساني العام، من خلال «النموذج» الذي يطرحه الفيلم.

دلالات ومعان

كما تكشف دلالات ومعاني منح الجائزة لهذا الفيلم، ومجموعة الأفلام الاخرى التي منحتها اللجنة جوائزها، أن لجنة التحكيم الموقرة، كانت تضع عينا على «الواقع» والعين الاخرى على «هموم» الناس في الحاضر. وعندما نقول الناس، فنحن نعني الأغلبية الصامتة المسحوقة في العالم التي تعاني من مشاكل الحروب والأمراض والمجاعات والاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية والتلوث وغلاء المعيشة وتدهور العلاج، واتساع الهوة بين الأغنياء المرفهين والفقراء الكادحين، ومشاكل تعليم الأولاد وتربيتهم، ومشاكل الفقر وارتفاع الأسعار المخيف، وهي تتعجب من بقائها على قيد الحياة كل نهار بأعجوبة.

كما تدل على أن اللجنة برئاسة شون بن، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الأفلام في المسابقة الرسمية التي ضمت 22 فيلما، كانت على ما يبدو اتفقت في ما بينها على أن تمنح جوائزها فقط للأفلام التي تقدم انعكاسا فنيا فريدا وأصيلا لمشاكل «الحاضر»، والحاضر فقط،، على اعتبار انه قد يكون جميلا بالفعل، ان تحكي السينما كما في فيلم «تبادل» للامريكي كلينت ايستوود عن مشاكل امرأة مع سلطة البوليس، بعد أن فقدت ابنها، غير أن أحداث تلك القصة الواقعية تقع عام 1928 في اميركا أي منذ زمن.

والمهم الآن كما ارتأت اللجنة، لا أن تروي لنا السينما حكاية أو قصة وقعت منذ زمن وصارت في ذمة التاريخ، كما في فيلم «فالس مع بشير» الإسرائيلي مثلا، الذي يحكي عن مذبحة صبرا وشاتيلا التي وقعت منذ عقدين، وجعلنا نبكي من فرط التأثر في نهاية الفيلم ولم يفز بشيء، بل أن تروي لنا قصة هي بنت «الحاضر» الآن، لكي تقذف بها في وجوهنا، وتقلقنا وتحركنا وتصدمنا.

ومن هنا ندرك الكيفية التي منحت بها اللجنة جوائزها، و«المعيار» أو «المقياس» الذي تبنته في الحكم على الأفلام، فالمهم هنا بالنسبة للجنة ليس الحكاية، بل «حدثيتها» ان صح التعبير، وحضورها القوي الراهن المعاصر الذي يفقأ العين، وكأن «رسالة» الدورة الـ61 كما أرادت اللجنة برئاسة شون أن تنوه، تكمن في أن نفتح أعيننا أكثر على حاضرنا الآني الآن، لكي نحدق في مشاكل ومتناقضات واقعنا الإنساني الراهن، ببؤسه وقبحه وظلمه، بعنفه وبشاعته، ونتخذ موقفا عاجلا» من قضايا عصرنا، اذ لم يعد هناك وقت لكي تكون السينما فيه مجرد «ترفيه» بريء فقط، وترفا لا يقدر عليه سوى ملاك البيوت التي تكتظ رعبا، واستعراض عضلات وفذلكات فنية من خلال التلاعب بالصور والخدع والمؤثرات البصرية والألعاب النارية المدهشة، بل ينبغي أن تكون «ضرورة» وحاجة، مثل رغيف العيش، والهواء الذي نستنشقه، للتفكير في مشاكلنا الحالية، والوعي بأهمية التغيير.

تكريم السينما في اميركا اللاتينية

وانطلاقا من ذاك «المنظور» وزعت اللجنة برئاسة شون جوائزها، فمنحت جائزة أفضل سيناريو لفيلم «صمت دارنا» للأخوين داردين من بلجيكا الذي يحكي عن «واقع» المهاجرين اليوم، من خلال قصة مهاجرة البانية تتحايل للبقاء على قيد الحياة في بلجيكا، هربا من حياة الفقر والحاجة في بلدها بأي ثمن، حتى لو اضطرها الأمر لارتكاب الجريمة.

وعلى الرغم من أن الفيلم لا يرقى الى مستوى فيلميهما الأثيرين «روزيتا» و«الطفل» اللذين حصدا جائزتي سعفة ذهبية من قبل في المهرجان، نعتبر أن منح الأخوين جائزة السيناريو هي بمثابة تكريم لهما على النهج السينمائي الواقعي الذي اعتنقاه، ومسيرتهما دوما على ذلك الخط، وتركيزهما على هموم الحاضر في بلجيكا، وتعاطفهما مع قضايا الغرباء والهامشيين المنسيين في المجتمعات الاوروبية الرأسمالية الاستهلاكية التي لا ترحم، كما في بلدهما.

أفضل ممثلة

ومنحت جائزة أفضل ممثلة الى الممثلة ساندرا كورفيلوني من البرازيل التي لعبت دور الأم «كلوزا» المكافحة في فيلم «خط التمرير» لوالترساليس ودانييلا توماس، الأم التي تعاني الأمرين في تربية أبنائها الأربعة، وتشقى كخادمة من أجل أن توفر تضمن لهم ظروف العيش الكريم، رغم أحوال وأوحال البؤس والفقر في مدينة سان باولو في البرازيل، وأخطار الضياع والإدمان على المخدرات والانحراف التي تترصدهم ككل أبناء الطبقات الفقيرة المسحوقة.

ونعتبر تلك الجائزة أيضا بمثابة تكريم للسينما في اميركا اللاتينية، وحضورها وتوهجها في كل تظاهرات المهرجان كما نوهنا.

..وأفضل ممثل

وعلى الرغم من اننا لم نعجب بفيلم «تشي» للأمريكي ستيفن سودربيرغ الذي يحكي عن مسيرة المناضل الطبيب الأرجنتيني تشي جيفارا، واعتبرنا ان الفيلم لم ينجح، على الرغم من طوله الذي يتجاوز الأربع ساعات، في ان يقول لنا لماذا أصبح جيفارا «أسطورة» في عصرنا، وان الإجابة عن هذا السؤال، لم تكن بحاجة الى فيلم طويل وممل كهذا الفيلم الذي لا يلمح حتى ولو من بعيد الى تواطؤ المخابرات الاميركية السي آي ايه في عملية اغتيال البطل الثوري الشهيد جيفارا على يد العسكر في بوليفيا، فإننا اعتبرنا أيضا ان الممثل الاميركي بينيسيو دو لو تورو، تألق وبرز في دور المناضل الثوري العظيم، ورشحناه للحصول على جائزة افضل ممثل، وكان يستحقها عن جدارة.

ونعتبر أيضا ان منحه تلك الجائزة، هي تحية الى الفيلم وتحية أيضا الى أصحابه وهدفهم النبيل في تصوير قصة كفاح «أيقونة» من إيقونات النضال ضد الامبريالية والاستعمار في عصرنا.

الجائزة الكبرى

وكان من الطبيعي أيضا من ذلك المنظور أن تمنح اللجنة الجائزة الكبرى للمهرجان لفيلم «غومورا» الايطالي لماتيو جارون، الذي نجح في الكشف عن آليات وأساليب هيمنة الكومورا ــ المافيا النابوليتنية ــ اليوم على أقدار مدينة، وتحكمها في أهلها، وسيطرتها على الجريمة المنظمة فيها، واعتبرناه أحد أهم الأفلام القوية التي بهرتنا في المهرجان، حيث يصدمنا بل يرعبنا بواقعيته الدموي.

وكان موريتزيو بروسي كاتب الرواية الواقعية المأخوذ عنها الفيلم قد حضر الى المهرجان، وشارك في المؤتمر الصحفي الخاص بالفيلم تحت حراسة مشددة، بعد ان تلقي تهديدا بالقتل من عصابات الكومورا. ولا يسير هذا الفيلم «السياسي» على نهج الأفلام السياسية الباهرة التي ظهرت في الستينيات في أعمال الايطالي فرانشيسكو روزي كما في فيلمه «سلفاتور جوليانو» 1961 مثلا، بل يجدد ايضا في «النوع» ــ أفلام الجريمة ــ، ويضيف اليه من عنده، فيزيد من جرعة الواقعية وحدتها وبشاعتها وعنفها، ولا يحكي قصة كما في فيلم «الأب الروحي» لكوبولا مثلا، بل يجعنا نحبس أنفاسنا خوفا ورعبا من هول ما يحدث في الفيلم وجنونه، الذي انفجر مثل قنبلة في وجوهنا، ونحن نتابع أحداثه ونتفرج على مصائر أبطاله في المهرجان.

كما اهتمت اللجنة بفيلم «الديفو» الايطالي لباولو سرانتينو ومنحته لجنة التحكيم الخاصة لأنه يحكي عن مصير رجل سياسة معمر (70 سنة) من نوع نادر وفريد، وتحكي من خلال احتلاله لأرفع وأخطر المناصب السياسية في ايطاليا عن تناقضات المجتمع الايطالي وتعقيداته وسلطة المافيا.

أفضل مخرج

كما استحق فيلم «3 قرود» للتركي نوري بيلغ شولان الذي يحكي عن انهيار أسرة بالكامل لعدم قدرتها على مواجهة «الواقع» في تركيا اليوم جائزة أفضل إخراج، وكنا أفردنا مقالا كاملا من «كان» للحديث عنه، وعن اسلوبه وموضوعه وبنيانه، في محاولة للكشف عن أسرار صنعة الإخراج فيه التي بهرتنا، وهو يستحق تلك الجائزة عن جدارة، وكنا رشحناه بقوة للحصول على سعفة الدورة الـ61 الذهبية لجماله وقدرته على الحكي بالصمت، وفنه.

جوائز خاصة

ونالت الممثلة الفرنسية القديرة كاترين دينوف، والممثل والمخرج الاميركي الكبير كلينت ايستوود جائزة «كان» الحادي والستين الخاصة بمجمل أعمالهما، وكنا نوهنا بدور كاترين في فيلم «حكاية عيد الميلاد» الفرنسي، وحضورها الشجاع المؤثر في فيلم «بدي شوف» للثنائي اللبناني جوانا حاجي وخليل جورجي، كما ذكرنا إعجابنا الكبير بفيلم ايستوود «تبادل» وصدقت توقعاتنا بحصوله على جائزة خاصة في المهرجان، وحصول فيلم «جوع» للمخرج الانكليزي ستيف ماكوين، الذي يحكي عن المناضل الايرلندي بوبي ساندز الذي دفع حياته ثمنا لحصول وطنه على حريته، من خلال اضرابه عن الطعام في السجن، وكان قد عرض في تظاهرة «نظرة خاصة»، حصوله كما توقعنا على جائزة «الكاميرا الذهبية»، كأفضل عمل أول في جميع تظاهرات «كان» 61 الرسمية وغير الرسمية، كما بمجرد ما شاهدناه في حفل افتتاح تظاهرة «نظرة خاصة» اعتبرناه «تحفة» سينمائية، وأهم فيلم سياسي في المهرجان على الفور، ورشحناه مباشرة كما كتبنا للحصول على تلك الجائزة.

قائمة بالجوائز

في ما يلي قائمة الافلام الفائزة بجوائز الدورة الـ61 لمهرجان «كان» السينمائي التي اعلنت مساء الاحد.

السعفة الذهبية: «انتر ليه مور» (بين الجدران) للفرنسي لوران كانتيه.

الجائزة الكبرى: «غومورا» للايطالي ماتيو غاروني.

جائزة لجنة التحكيم: «ايل ديفو» للايطالي باولو سورينتيو.

افضل ممثلة: البرازيلية ساندرا كورفيلوني عن «لينها دي باش».

افضل ممثل: الاميركي بنيسيو ديل تورو عن «تشي».

افضل اخراج: «القرود الثلاثة» للتركي نوري بيلج جيلان.

افضل سيناريو: «صمت لورنا» للبلجيكيين جان بيار ولوك داردين.

الكاميرا الذهبية لافضل فيلم قصير: «ميغاترون» للروماني ماريان كريسان.

الكاميرا الذهبية: «هانغر» (الجوع) للبريطاني ستيف ماكوين.

القبس الكويتية في 27 مايو 2008

 
 

رسالة مهرجان كان :

السعفة الذهبية لفرنسا وأمريكا فازت بجيفارا

كان - سمير فريد

أعلنت مساء الأحد جوائز الدورة ال61 لمهرجان كان أكبر مهرجانات السينما في العالم. وهي الدورة الأولي التي يتولي فيها تيري فيرمو السلطة علي إدارة المهرجان كمفوض عام مع استمرار جيل جاكوب رئيسا وقد احتفلت "فارايتي" بمرور 30 سنة علي بداية عمله في المهرجان كمدير فني عام .1977

جاءت جوائز لجنة التحكيم التي رأسها الممثل والمخرج الكبير شون بين والمعروف بقيادته للمعارضة السياسية في هوليوود محملة بالعديد من المفاجآت التي أثارت جدلاً واسعا من المتوقع أن يستمر طويلا حيث فازت السينما الأوروبية بأربع من الجوائز السبع منها السعفة الذهبية وفازت كل من السينما الأمريكية والسينما الآسيوية وسينما أمريكا الجنوبية بجائزة واحدة.

فاز بالسعفة الذهبية الفيلم الفرنسي "الفصل الدراسي" اخراج لورين كانتيت وهي المرة الأولي التي تفوز فيها السينما الفرنسية بالسعفة منذ 21 سنة عندما فاز "شمس الشيطان" اخراج الراحل موريس بيالا بها في الدورة ال40 للمهرجان ويتناول كانتيت الذي ولد عام 61 في فيلمه الروائي الطويل الخامس "الفصل الدراسي" الموضوع الذي يشغل العالم منذ 11 سبتمبر وهو ضرورة الحوار بين الثقافات لتجنب المزيد من الكوارث وذلك من خلال الحوار بين تلاميذ وتلميذات من مختلف الأديان والأعراق وأساتذتهم في احدي مدارس باريس الثانوية وخاصة استاذ اللغة الفرنسية فرنسوا بيودو.

الفيلم عن كتاب صدر عام 2006 من تأليف بيودو الذي اشترك في كتابة السيناريو مع المخرج وروبين كامبيلو وفيه يمثل بيودو دوره في الحياة ويمثل تلاميذه أدوارهم في الحياة ايضا أو بالأحري يعيدون انتاج أدوارهم أمام الكاميرا من خلال عين المخرج صانع الفيلم والفيلم بهذا تجربة فنية جديدة ومثيرة وقد كان أفضل الأفلام الفرنسية الثلاثة التي عرضت في مسابقة الأفلام الطويلة ولكنه ليس أفضل أفلام هذه المسابقة. ومشكلة الفيلم الفنية انه يعتمد علي الحوار حتي انك يمكن أن تدرك معانيه لو سمعت شريط الصوت في الراديو وأن المعادل الموضوعي حسب اليوت لتعبيره عن قضية حوار الثقافات ضعيف ويبسط قضية مركبة.

واذا كانت السينما الفرنسية قد فازت بالسعفة فان السينما الايطالية حققت أكبر انتصاراتها في كان منذ سنوات عندما اشتركت بفيلمين هما "جومورا" اخراج ماتيو كاروني الذي فاز بالجائزة الكبري التي تلي السعفة مباشرة و"النجم" اخراج باولو سورينتينو الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم وكلا الفيلمين من الأفلام السياسية الايطالية التي تتناول العلاقة بين السلطة والمافيا في ايطاليا وفوزهما وأغلب جوائز كان 2008 تعبير واضح عن الميول السياسية لرئيس اللجنة.

أما الجائزة الرابعة التي فازت بها السينما الأوروبية فهي جائزة السيناريو للأخوين جان بيير ولوك دارين عن الفيلم البلجيكي "صمت لورنا" والذي كان من تحف المهرجان هذا العام مثل الفيلم التركي "القرود الثلاثة" اخراج نوري بلجي سيلان الذي فاز بجائزة الاخراج ولا أحد يدري كيف يكون أحسن فيلم وأحسن اخراج لفيلم آخر من الناحية الجمالية البحتة ولكن هكذا قررت الاكاديمية التي تنظم الأوسكار منذ عام 1927 وتبعها العالم كالقطيع في كل جوائز المهرجانات القومية والدولية حيث يمكن ان يكون أحسن فيلم غير أحسن اخراج.

عدم الفوز أفضل

فازت السينما الأمريكية بجائزة أحسن ممثل "بينسيو ديل تورو" عن دور جيفارا في فيلم ستيفن سودربرج عن حياة ثائر أمريكا اللاتينية الذي اغتالته المخابرات الأمريكية عام 1969 وفازت سينما أمريكا اللاتينية بجائزة أحسن ممثلة "ساندرا كورفيلوني" عن دورها في الفيلم البرازيلي "خطوط العبور" اخراج والتر سارس ودانييلا توماس وكلا الفيلمين من الأفلام السياسية مثل الفيلمين الايطاليين.

جوائز لجنة شون بين تملك منطقا داخليا متماسكا رغم انها تجاهلت تحفة فنية سياسية وهي فيلم التحريك الإسرائيلي "الرقص مع بشير" اخراج آري فولمان وتحفة أخري غير سياسية وهي الفيلم المجري "دلتا" اخراج كورنيل موندو روزو ولكن المشكلة الكبري في جوائز كان 2008 هي عدم فوز الفيلم الأمريكي "الاستبدال" اخراج كلينت استوود بالسعفة الذهبية التي كان يستحقها عن جدارة حيث وصل في هذا الفيلم إلي أعلي مستويات السينما بكل المقاييس وأي المقاييس.

وقد كان من الممكن قبول عدم فوز الفيلم بالسعفة وهو أمر لا يؤثر علي قيمته علي أية حال. وذلك علي أساس المنطق الداخلي المتماسك المذكور للجوائز ككل. ولو انه بدوره فيلم سياسي بأعمق معاني السياسة ولكن اللجنة منحت الفيلم جائزة خاصة خارج الجوائز السبعة الرسمية واطلقت عليها جائزة الدورة ال61 رغم انه رقم لا تمنح عنه جوائز خاصة مثل ال25 أو ال50 بل ومنحت كلينت استوود هذه الجائزة مناصفة مع كاترين دي نيف عن دورها في الفيلم الفرنسي "حكاية عيد الميلاد" اخراج أرنو ديبلشان فتحولت الجائزة إلي مهزلة ورفض استوود حضور حفل الختام لاستلامها وهو موقف صحيح تماما ودائما ما يكون عدم الفوز أفضل من الفوز بجائزة ترضية بينما أي لجنة تحكيم لا تعبر إلا عن رأي أعضائها.

الجمهورية المصرية في 28 مايو 2008

 
 

السينما الرومانية تفوز بسعفة الأفلام الطويلة عام ٢٠٠٧ والقصيرة عام ٢٠٠٨

بقلم  سمير فريد

فازت السينما الرومانية لأول مرة في تاريخها بالسعفة الذهبية أحسن فيلم طويل في مهرجان كان العام الماضي، وفازت هذا العام مساء الأحد الماضي بالسعفة الذهبية لأحسن فيلم قصير.

كما كانت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة التي رأسها رون بين «سياسية» في أغلب اختياراتها للجوائز، كانت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة حتي رأسها فنان السينما التايواني الكبير هوهيساو هيسين «واقعية» في اختياراتها.

وكما تجاهلت لجنة الأفلام الطويلة الفيلم المجري «دلتا» إخراج كورنيل موندوروزو الذي يعتبر من تحف السينما الشعرية، والذي فاز بجائزة الاتحاد الدولي للنقاد «فيبريس» جاء اختيار لجنة النقاد هذه المرة مبررا لوجود جائزة النقاد، تجاهلت لجنة الأفلام القصيرة الفيلم الإسباني «رحلة سعيدة» إخراج خافير باليريو وجوليرو مو روكامورا، وهو بدوره تحفة من السينما الشعرية، ولا تمنح لجنة النقاد جائزة لأحسن فيلم قصير مع الأسف.

فاز الفيلم الروماني «ميجاترون» إخراج ماريان كريسان بالسعفة الذهبية، وهو الفيلم القصير الخامس لمخرجه الذي ولد عام ١٩٧٦، والذي يعبر في ١٥ دقيقة عن عالم طفل من قرية صغيرة بالقرب من العاصمة الرومانية بوخارست، تحتفل أمه المطلقة بعيد ميلاده الثامن بدعوته إلي الغداء في مطعم من مطاعم ماكدونالد في المدينة، وميجاترون عنوان الفيلم اسم روبوت للأطفال يتمني الطفل الحصول عليه في عيد ميلاده.

تدور أحداث الفيلم من الصباح إلي الظهيرة يوم عيد ميلاد الطفل، ومن خلال رحلة الطفل وأمه إلي بوخارست نري صورة من الحياة في القرية، وعلي الطريق إلي المدينة، حيث يستخدمان الدراجة من البيت إلي محطة القطار، ثم القطار إلي الطريق الرئيسي، ثم طريقة «الأوتوستوب» إلي الأوتوبيس العام، وهنا يستجيب لهما سائق نقل يتحاور مع الطفل، ويكشف الحوار عن مدي افتقاد الطفل لوالده الذي لا ترغب الأم في أن يشاركهما الاحتفال بعيد ميلاد وحيدهما، ويتصاعد الصراع الخفي بين الأم وابنها، فيلجأ الطفل إلي إخفاء حافظة نقود أمه حتي لا تجد ما تدفعه للطعام في ماكدونالد، وتضطر إلي الاتصال بوالده ليحضر، وهو ما يحدث بالفعل، ولكننا لا نري هذا الوالد أبدا، وإنما نسمع صوته عبر التليفون.

فيلم قصير نموذجي من حيث إنه ليس ملخصا لفيلم طويل، وإنما موقف مكثف دال علي المعني، وأسلوب الإخراج واقعي متطور مثل أسلوب «٤ أشهر و٣ أسابيع ويومين» إخراج كيريستيان مونجيو الذي فاز بسعفة الأفلام الطويلة العام الماضي، أي أنه يتجاوز الواقعية الاجتماعية التقليدية إلي أسلوب ذاتي خاص ومتميز في استخدام لغة السينما، ويؤكد فوز «ميجاترون» أننا نشهد مولد سينما جديدة في رومانيا يصنعها جيل ما بعد الديكتاتورية.

وفاز الفيلم الاسترالي «جيركن» إخراج جوليوس أفيري بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة، وهو الفيلم القصير الرابع لمخرجه الذي ولد عام ١٩٧٧، والمقصود بالعنوان «جيركن.. البنزين» كما نطلق عليه في مصر أيضا، والفيلم واقعي بدوره عن أطفال الشوارع في استراليا، ولكن أسلوب الإخراج ينتمي إلي الواقعية الخشنة، حيث يستخدم حركة الكاميرا الحرة، والمونتاج الحاد في الانتقال بين اللقطات تعبيرا عن العنف الشديد في عالم أطفال الشوارع، والذي يتشابه في كل المدن.

أما الفيلم الشعري الإسباني الذي كان تحفة مسابقة الأفلام القصيرة هذا العام، فيدور كله في محطة عبور السيارات علي طريق رئيسي، حيث نري الشابة ساندرا عاملة شباك التذاكر تصل إلي مكان عملها مع والدها الذي يقود السيارة، ولا نراه إلا من بعيد، والمقصود بعنوان الفيلم «رحلة سعيدة» العبارة التي تقولها ساندرا لكل العابرين بعد دفع ثمن التذكرة، وخلال ١٣ دقيقة هي مدة الفيلم تتلقي ساندرا مكالمتين تليفونيتين، ندرك من الأولي أن والدها سقط مريضا، ونقل إلي العناية المركزة، وفي الثانية ندرك أنه توفي، وعندما تطلب ساندرا من رئيسها في المحطة الحصول علي إجازة، يعبر لها عن تعازيه، ولكنه يرفض أن تترك العمل، وعلي الاتجاه المعاكس تمر سيارة، وتتجه ساندرا نحوها، وتعبر السيارة ولا نري ساندرا، لقد تركت العمل، وذهبت إلي المدينة.

ومن الملاحظ أن الأفلام التسعة التي اختيرت للاشتراك في مسابقة الأفلام القصيرة في كان ٢٠٠٨ كلها روائية، وليس فيها أي فيلم تسجيلي أو تحريك، ومن الأفلام اللافتة إلي جانب الفيلم الإسباني والفيلمين اللذين فازا بجائزتي المسابقة.. «عصفوران» إخراج رونار رونار سون من أيسلندا عن عالم المراهقين، واكتشاف فتي وفتاة للجنس، أو عالم الكبار الذي يبدو وحشيا، فهما يشتركان في حفلة، وتفقد الفتاة وعيها تحت تأثير الخمر، ويغتصبها رجلان أمام عيني الفتي، وفي الصباح تسأله: هل كنت جيدة؟ فيرد: نعم، وهكذا يدخلان عالم الكبار.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 28 مايو 2008

 
 

«كان» 61.. ماذا حقق؟

باريس (فرنسا) ــ صلاح هاشم

ترى ماذا حقق مهرجان «كان» السينمائي العالمي في الدورة 61 وما هي يا ترى أبرز ملامحها؟. حقق المهرجان بلا شك الكثير، حيث انه بداية لا يشمل فقط المهرجان الرسمي (أي قائمة الاختيار الرسمي) بل يشمل ايضا تظاهرتين مهمتين جدا تعقدان على هامشه، هما تظاهرة «أسبوع النقاد» وتظاهرة «نصف شهر المخرجين» غير ان الوقت والركض في محاولة لمتابعة افلام المسابقة، وتظاهرة نظرة خاصة في قلب قائمة الاختيار الرسمي (56 فيلما) لا تسمحان بتغطية التظاهرتين الهامشيتين المذكورتين، إضافة الى أن قائمة الاختيار الرسمي تشمل أيضا أفلام مسابقة الأفلام القصيرة، ومسابقة الفونداسيون «المؤسسة» المخصصة لأفلام المعاهد والمدارس السينمائية في العالم. ولذلك لا نبالغ عندما نقول، اننا حين نكون في كان، «نغرق» في «بحر» الأفلام، ولا نستطيع الا الحديث عن أفلام المسابقة (22 فيلما)، وفقط عن بعضها، لكي ننوه بما تحمله من رؤى وصنعة، وفكر جديد، لتطور فن السينما ذاته، وتضيف إليه من ابتكارات واختراعات الفن المدهشة، وإلى حين تسمح الظروف قريبا بالحديث عن أفلام التظاهرات الأخرى.

لا شك في أن أهم ظاهرة في الدورة 61، هي: انفتاح المهرجان في كل التظاهرات الرسمية وغير الرسمية عامة على السينما في آسيا واميركا اللاتينية، واميركا اللاتينية بالذات، حيث عرض المهرجان في المسابقة الرسمية فيلم «سحري الخاص» من سنغافورة و«مدينة 24» من الصين، و«خدمة سرفيس» من الفلبين، لكنه عرض أربعة افلام دفعة واحدة من اميركا اللاتينية هي «العمى» للبرازيلي فيرناندو ميريل، و«ليونيرا» لبابلو ترابيرو، و«امرأة بلا رأس» لليوكريشيا مارتل من الارجنتين، و«خط التمرير» لوالتر ساليس من البرازيل. كما يمكن أيضا ان نضيف الى القائمة فيلم «تشي» للاميركي ستيفن سودربيرغ، فهو ناطق بالاسبانية، وطاقم الفيلم كله من اميركا اللاتينية.

وفي تظاهرة «نظرة خاصة» نجد فيلمين هما «لوس باستروداس» لامات ايسكلانت من المكسيك، و«حفل الشابة الميتة» لماتيوس ناشترجال من البرازيل، كما عرض في المهرجان العديد من الأفلام اللاتينية ايضا، من التشيلي وكولومبيا والاورغواي وغيرها في تظاهرة «اسبوع النقاد»، مثل فيلم «دم يظهر» لبابلو فندريك من الارجنتين، وكذلك في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» مثل فيلم «طوني مانيرو» لبابلو لوران من التشيلي وغيرها.

الاشتغال على التاريخ

والسبب في اختيار هذه الأفلام وعرضها في تظاهرات المهرجان، يكمن في ان محاولات السينما للتجديد والتطوير والتحسين المستمر الذكي في بلدان قارة اميركا اللاتينية، وبخاصة في الدول الثلاث الارجنتين والبرازيل والمكسيك، تكتسب أهمية خاصة من ناحيتين، حيث تتمتع أولا كل دولة منها على حدة بتراث سينمائي كبير، وهناك في كل دولة منها تقاليد سينمائية، تراكمت بمرور الزمن، كما هي الحال مع السينما المصرية، ومن هذه التقاليد ينهل شباب سينما الحاضر في تلك الدول.

كما انها من ناحية ثانية تركز في أفلامها على واقع بلدانها ومجتمعاتها، بكل ما فيه من مشاكل وتناقضات وأزمات، كما في فيلم «خط التمرير» البرازيلي، كما تهتم وتلتف من ناحية ثانية على تاريخها وذاكرتها وماضيها، لتنقب وتفتش وتبحث فيها، وتقلب في جذورها، وتتعرف على «هويتها».

ولذلك تقدم من خلال تلك المحاولات «صورة» تتواصل مع المشاهد في التومن، حيث واقعيتها، وارتباطها بالتقاليد السينمائية الموجودة في كل بلد على حدة أيضا، وإدراك أهمية استمراريتها بشكل أو بآخر في تلك المحاولات.

ولذلك لا تحضر أفلامها من فراغ، او تهبط علينا من كوكب آخر، كما في بعض أفلام السينما العربية التافهة العبث التي صارت مسخا، ولم تتطور بطبيعتها منذ زمن، وتلك «العقلية» المتخلفة التي تتحكم فيها. العقلية التي تفكر في ان نجاح الفيلم يتوقف على عدد ملايين الدولارات المصروفة عليه، أو «النجوم» الفواخر الذين سيضطلعون ببطولته، والحفلات التي تقام لإطلاقه للعرض، ولا علاقة لأفلامها بالسينما من قريب أو من بعيد، ولا بواقعنا الذي نعيشه، ولا بحياتنا. ولا يعرف أحد من أين تأتي لهذه الأفلام ميزانياتها الهائلة التي تكفي لفتح عشرات المعاهد والمدارس و«نوادي السينما» والمستشفيات، وإطعام عشرات الملايين من الجوعى المحرومين في بلادنا وعلاجهم، وكذلك صنع أفلام كثيرة، تحكي عن بؤسهم والظلم الواقع عليهم وتلتفت الى شكواهم.

معالجات جديدة

في حين عجت سيناريوهات أفلام اميركا اللاتينية في المهرجان واحتشدت بالأفكار والأساليب والتجارب والمعالجات الجديدة، لكنها وقبل أي شيء آخر، وعلى العكس من سينماتنا، تغوص عميقا مثل نصل خنجر حاد وقاطع في ضلوع واقعها وحاضرها، وتستلهم وتغرف منه، لكي تقدم نماذج باهرة للسينما الحقيقية كما نفهمها ونحترمها ونقدرها. السينما التي تتحدث عن «الأحشاء» وعن «الجذور»، ولاتأنف من نشر غسيلنا القذر فوق سطح العالم والكون، حيث ان ذلك «الغسيل» مطلوب وضروري وربما في كل فيلم، وحيث ان تواجده وحضوره القوي اللافت للانظار وواقعيته في بعض أفلام المخرج الهندي الكبير ساتيا جيت راي، أو في بعض أعمال مخرجينا الكبار من أمثال صلاح أبو سيف أو توفيق صالح أو يوسف شاهين أو داود عبد السيد أو نوري بوزيد أو اليا سليمان، لم يمنع الناس من زيارة الهند أو مصر أو تونس أو فلسطين، بل ربما يكون، من خلال توهج افلام «الغسيل» الواقعية هذه، الفني والساحر، قد حفزهم أكثر على زيارة بلادنا، والتعرف إليها والى أهلها، والتأمل في ودراسة معالمها وتاريخها وواقعها، كما هي الحال مع فيلم «خط التمرير» البرازيلي لوالتر ساليس الذي دخل مسابقة المهرجان، ونعتبره من أقوى الأفلام التي تعرض لواقع البرازيل الآن.

يحكي الفيلم عن واقع أسرة برازيلية مكونة من أربعة شبان تعولهم أمهم التي تعمل خادمة، ومحاولاتهم العثور على مخرج من واقع الفقر والبؤس والبطالة داخل مدينة سان باولو البرازيلية العملاقة التي تضم 20 مليون مواطن، ويصل فيها طول اختناقات المرور من فرط الزحام، الى 200 كيلومتر، وتعتبر من أكثر مدن العالم ارتباكا وازدحاما وفوضى.

وينتهي الفيلم بمأساة، حيث تدفع تلك الظروف الواقعية التي نعيشها معهم في الفيلم - مع الأخ الذي يفشل لكبر سنه في ان يصبح لاعب كرة محترفا (الخلاص بالكرة) فيدمن على تعاطي المخدرات والشرب، والأخ الثاني الذي يعمل في محطة بنزين، وينضم الى كنيسة ليصبح واعظا ومرشدا (الخلاص بالدين). والأخ الثالث الذي يعمل في وكالة لنقل الرسائل، وقد تزوج في الخفاء من صديقة له وأنجب منها، ثم يؤدي به الأمر بسبب ظروف البطالة التي يعاني منها الشباب، لا في البرازيل وحدها ودول امريكا اللاتينية بل في دول العالم الثالث أيضا وبلداننا، الى كسر نوافذ السيارات، وخطف حقائب أصحابها بالداخل بالقوة (الخلاص بالسرقة). ثم الأخ الرابع أصغرهم، وهو أسود وفي العاشرة من عمره ولا يعرف من يكون والده، فيروح يبحث عن الوالد طوال الفيلم من خلال صورة تحتفظ بها الأم، ثم ينتهي به الأمر الى سرقة اتوبيس نقل عام، لكي يهرب به من ظروف البؤس المرعبة في شوارع سان باولو.

تدفع كل تلك الظروف بالطبع من خلال تصوير الحياة في تلك المدينة العملاقة الى اليأس والملل والإحباط وارتكاب الجريمة، غير ان سوداوية الفيلم ونظرته التشاؤمية المأسوية الموحشة، وغسيل البؤس الذي ينشره في «كان» ليصور حال سان باولو وضياع شبابها، لن يمنع أبدا الناس من زيارتها، والتصفيق لكل تللك المحاولة الفنية في الفيلم التي تستحق الاعجاب، وبخاصة اذا عرفنا ان والتر ساليس مخرج الفيلم لم يضع الاخوة الاربعة مع امهم في ديكور شقة داخل استديو واخذ يصورهم، بل جعلهم لكي يكون فيلمه اكثر واقعية ومصداقية في تصويره لظروف العيش القحط البائس في المدينة، يعيشون داخل بيت حقيقي من بيوتات الاحياء الشعبية الرثة الفقيرة والعشوائيات التي تكتظ بالهامشيين والعاطلين عن العمل وتشكل الآن غيتوهات للبؤس على حافة المدن الكبرى، كما انه لم يختر أبطاله الأربعة من «النجوم» الفواخر، بل اختارهم من بين الهواة، الذين يمثلون في السينما لأول مرة!! ولم يفكر أبدا في أن نجاح الفيلم واختياره ضمن أفلام المسابقة في المهرجان ستتوقف على ملايين الدولارات التي سوف تنفق على إنتاجه، ودفع أجور نجومه، بل ستتوقف على واقعيته ومصداقيته.

تحرير «النظرة»

وربما كان هذا الفيلم أنضج أفلام والتر ساليس وأحد أهم الأفلام البرازيلية في الوقت الحاضر، حيث لايهتم مخرجنا هنا بالالتزام بالحكاية التقليدية، فيركز على حكاية اخ، ثم ينتقل الى الاخ التالي ليحكي لنا حكايته، بل يتجول بكاميرته كما يشاء في انحاء المدينة وهو يعرض في ذات الوقت لحكاياتهم، لكي يمسك بحركة الحياة فيها وتوهجها. ويبدأ الفيلم بلقطة مشهدية رائعة للأم، التي تشجع ناديا للكرة، ونراها تشاهد مباراة لناديها في إستاد ضخم ترفرف عليه الأعلام، وقد بدت تلك الأعلام مثل خيمة كبيرة تغطي المشجعين بالآلاف في الإستاد، وهم يمارسون طقسا دينيا جماعيا وروحانيا، لكي يصير الكل في واحد مطلق، يتحرر من الجاذبية الأرضية عند تسجيل هدف في مرمى الخصم، وينطلق مثل طائر في عنان السماء.

ولذلك أيضا نجد ان الفيلم من ناحية الأسلوب، يجمع بين الروائي والتسجيلي، ويتنقل بينهما وفقا لمزاج المخرج وإرادته، وفي ذلك أيضا «تحرير» للنظرة، نظرة المشاهد، لكي تتجول مع المخرج، ولا تتقيد بالمشاهد الروائية الحكائية في الفيلم فقط، بل تتنقل معه وعن طواعية بين الروائي والتسجيلي، وهو اتجاه بدأ يفرض نفسه وقد برز في عدة أفلام أخرى بما يشكل أيضا ظاهرة في الدورة 61 مع ظاهرة السينما اللاتينية..

إن نظرة واحدة الى قوائم أفلام التظاهرات الرسمية وغير الرسمية في الدورة تكشف أيضا عن حضور دول أخرى غير البرازيل والأرجنتين والمكسيك بأفلامها في المهرجان، مثل البراغواي وفنزويلا والتشيلي، لكن مع حضور أكبر للسينما الأرجنتينية، يفوق حضور كل بلدان اميركا اللاتينية الاخرى.

ولا شك في أن ذلك الحضور «اللاتيني» البارز، يجعل من هذه الدورة الـ61 دورة تكريم غير مقصود لسينما اميركا اللاتينية، لتنوعها الهائل، وإضافاتها وانجازاتها الملهمة لتطوير فن السينما. ويجعلها أيضا سنة للسينما الأرجنتينية في المهرجان عن جدارة، وتكريس لذلك الحضور السينمائي الارجنتيني من خلال «ايقونة» كرة القدم مارادونا الذي حضر المهرجان بمناسبة عرض فيلمه «مارادونا» اخراج الصربي أمير كوستوريكا، وتستحق لكل تلك الأسباب التي ذكرناها أن نصفق لها ولأفلامها.

القبس الكويتية في 28 مايو 2008

 
 

مهرجان كان.. من محاباة السينما الأمريكية إلى تشكيل وجه السينما العالمية المعاصرة

محمد الخليف

البداية

"أضخم حدث عالمي بعد كأس العالم والأولمبياد الرياضية" هكذا تم وصف مهرجان كان السينمائي الدولي في إحدى الصحف البريطانية، الذي تم تعديل اسمه بعد 2003ل"مهرجان كان" فقط وإسقاط كلمتي سينمائي ودولي، لأن "مهرجان كان" أكبر من أن يعرّف. ومع أنه يعرف بكونه أشهر المهرجانات وأقدمها إلا أنه لم يكن الأول، فقد سبقه بذلك غريمه التقليدي، مهرجان البندقية السينمائي (1932)، والذي أشعل نار الغيرة في قلوب الفرنسيين، ليقرروا عام 1939إطلاق الدورة الأولى لمهرجان كان السينمائي.

انطلقت الفكرة في البداية كردة فعل عكسية ومناهضة لمهرجان البندقية الفاشي في ذلك الوقت، وخاصة بعد سحب الجوائز الرئيسية في البندقية عام 1938والتي كان من المفترض أن تمنح لأفلام بريطانية وأمريكية ووجهت لأفلام ألمانية وإيطالية داعمة للنازية والفاشية مما أغضب رواد المهرجان واحتجاجهم. عندها لمعت فكرة إقامة مهرجان للعالم الحر في عقل رئيس البعثة الفرنسية للمهرجان "فيليب إيرلانغ"، وبمجرد ما طرحت فكرة إنشاء مهرجان سينمائي في فرنسا ليكون مناهضاً لمهرجان البندقية، رحب الفرنسيون بالفكرة من جهة دعم السياحة والصناعة السينمائية في فرنسا، ووعد الأمريكيون والبريطانيون بالدعم.

فتم تحديد الأول من سبتمبر 1939لانطلاقة أولى دورات المهرجان، في نفس اليوم المشؤوم الذي اجتاحت فيه القوات الألمانية بولندا، ليستمر المهرجان لمدة ثلاثة أيام حتى أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على ألمانيا فتم إجهاض مهرجانٍ لم يولد بعد. وبمجرد انتهاء الحرب عاود المهرجان الانطلاقة من جديد في عام 1946، ولم يتوقف بعدها إلا في عامي 1948و 1950لنقص في التمويل وعام 1968لأسباب الثورة الطلابية التي يحتفل بها هذا العام، فمواضيع السياسة التي ولد المهرجان من رحمها مازالت تطارد المهرجان حتى الآن، وآخرها عام 2004عندما توج المهرجان فيلم مايكل مور "فهرنهايت 11/9" بالسعفة الذهبية، في بادرة تم تأويلها سياسياً من قبل الكثيرين.

الانطلاقة

عندما نسترجع تاريخ كان، فكأننا نسترجع أهم لحظات تاريخ السينما العالمية ككل، بداية من نشوء التيارات السينمائية المختلفة وانتهاءً بأهم المخرجين السينمائيين المعاصرين. ففي السنوات الأولى من المهرجان، كانت هوليوود ونجومها المسيطرين الوحيدين على المهرجان، مع أن الكثير من النقاد الفرنسيين وجهوا انتقادات لاذعة للمهرجان في منتصف الخمسينيات لمحاباته الشديدة للأمريكيين ومنحهم العديد من الجوائز والحضور الوفير. لم يكن ذلك هو الانتقاد الوحيد الذي تعرض له كان وقتها، ففي ذلك الوقت، كان شباب الموجة الحديثة الفرنسية يسجلون حضورهم في كان بصفتهم نقاد مشاغبين، وبرز اسم "فرانسوا تروفو" لتعرضه بالنقد الشديد واللاذع للمهرجان عام 1957عندما وصفه "بمعرض العلاقات التجارية" ليتخذ المهرجان موقفا معاكسا في عدم دعوته لدورة 1958، ليحضر في العام الذي يليه بأول أفلامه الطويلة " The 400 Blows" ويخرج بجائزة أفضل مخرج، مما دعا الكثيرين لاعتبار هذه الجائزة اعترافاً رسمياً بالموجة الحديثة التي سجلت حضورا بارزا وقتها ليس في المهرجان فقط بل في إعادة تشكيل السينما العالمية ككل، مع أن السينما الفرنسية في تاريخ المهرجان ككل لم تحظ بتقدير كبير من المهرجان من ناحية الجوائز، لأسباب تدعو للغرابة.

علاقة النفور بين كان واستوديوهات هوليوود بدأت عام 1960، ليس استجابة لطلبات النقاد، بل لملاحظة هوليوود الآثار السلبية لدخول أفلامها في المسابقة الرسمية لما تتعرض له من نقد شديد من قبل النقاد العالميين، ففضلت هوليوود الحضور في المستقبل عن طريق أفلام خارج المسابقة تكون إما لحفل الافتتاح أو للختام. في نفس الفترة التي قررت فيها هوليوود تخفيض حصتها كان سوق المهرجان المخصص لعروض البيع والشراء في ازدهار شديد، وتم استبدال نجوم هوليوود بنجوم أوروبا وبالتحديد نجوم السينما الإيطالية كصوفيا لورين وكلوديا كاردينالي ومونيكا فيتي ومارشيلو ماستروياني، كنتيجة لازدهار صناعة السينما الإيطالية التي شكلت حضوراً لافتاً في المهرجان بدأها فيلليني عندما انتزع السعفة الذهبية عام 1960عن فيلم Dolce vita. La في أول سنة تخرج منها أمريكا خالية الوفاض.

الوجه القبيح للسياسة

لم يكن الحضور الطاغي للسينما الأمريكية هو الانتقاد الوحيد الذي تعرض له المهرجان، ففي ذلك الوقت كان المنظمون يفرضون معايير رقابية سياسية شديدة التقييد، ومعايير يمكن وصفها غير سينمائية، ويتم رفض العديد من الأفلام الجريئة ذات المضامين الدينية والسياسية التي لا تتماشى مع رغبات الحكومة الفرنسية، وعلى سبيل المثال تم رفض ثلاثة أفلام للمخرج الفرنسي آلان رينيه بسبب تعرضها لحكومات أجنبية مختلفة في الخمسينيات والستينيات، كما رفض فيلم (معركة الجزائر - The Battle of Algiers) لتعرضه لأكثر المواضيع حساسية عام 1966ليذهب للبندقية ويفوز بالأسد الذهبي ويفجر خلافات حادة بين المهرجانيين.

الشرط السياسي تم التخلص منه تدريجياً لكن ليس بالكامل، فإلى هذا اليوم والاعتبارات السياسية تؤخذ في الاعتبار عند منح الجوائز، فمع نهاية السبعينيات أصبح سينمائيو الدول القمعية يلقون ترحيباً جيداً في كان مثل تاركوفيسكي من روسيا ولينو بروكا من الفلبيين ويلماز جوني من تركيا، كأحد الأدوار الجيدة التي يلعبها كان في إغضاب بعض الحكومات، كما حدث مع إيران في العام الماضي. في عام 1968اندلعت الثورة الطلابية الشهيرة في باريس ليصل صداها لمهرجان كان من قِبَل طلبة السينما الذين قوبلوا بترحاب كبير جداً من قبل سينمائيي الموجة الحديثة ليتعاضدوا معهم في وجه مهرجان كان مطالبين بإغلاق مهرجان سينمائي لأجل السينما، أبرز الثوار السينمائيين والذين كان لهم دور كبير في إحداث نقلة نوعية في توجه المهرجان ككل، هم "فرنسوا تروفو" و"جان لوك غودار" و"لويس مال" الذي كانت مهمته إقناع أعضاء لجنة التحكيم بالانسحاب، و"ميلوش فورمان" الذي كان مشاركاً بفيلم قرر سحبه هو الآخر.

دخول المنعطف

بعدما قرر المهرجان إلغاء دورة 69استجابة لطلبات المتظاهرين المطالبين بدعم أكبر للسينما الحقيقية، تم إنشاء قسم جديد في المهرجان يدعى "بأسبوع المخرجين" أصبح الوجهة الرئيسية لمخرجي العالم الناشئين ومنجماً حقيقياً لمواهب سينمائية معاصرة. ومنذ ذلك الوقت دخل مهرجان كان منعطفا آخر، بالتفاعل مع عوامل محورية أخرى، كجلب سينمائيين متخصصين بدلاً من الأكاديميين وفوز الفيلم الجزائري "وقائع سنوات الجمر" لمحمد لاخضر حامينا عام 75كأول فيلم من العالم الثالث يفوز بالسعفة الذهبية، واستحداث لجنة خاصة لقبول الأفلام المشاركة بإدارة جيليس جاكوب الذي أصبح رئيس المهرجان عام 2000، وكانت أبرز إنجازات جاكوب استحداث قسم "ان سيرتن ريقارد" وجائزة الكاميرا الذهبية التي تقدم لصاحب أول فيلم.

وبدخول كان هذا المنعطف بدأ يمشي بتمهل وترو حتى أصبح عشاق السينما في العالم يعرفونه كأبرز حدث سينمائي فني يجمع كل عام نخبة السينمائيين، ويكرم أفضل أفلام السنة بسعفته الذهبية التي هي طموح كل مخرج في العالم، لأنها حتماً ستضع اسم صاحبها في مصاف مبدعي الفن السابع، الذي سيدخل ضمن قائمة ما يعرف ب"أبناء كان" الذين نشاهدهم يتكررون كل عام في كان، وهذا هو أبرز الانتقادات الموجهة لمهرجان كان في مرحلته الجديدة، حيث أصبح يحتكر أبرز الأسماء الفنية لصالحه، ويتجاهل المواهب الشابة، الذين يعتبرون دخولهم في المسابقة الرسمية أحياناً بمثابة انتحار مهني، ويفضلون الدخول في فروع المهرجان الأخرى.

الرياض السعودية في 29 مايو 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)