كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

المهرجان الذي وحّد مدينة برلين يحتفي بعيده الستين بدءاً من هذا المساء

برلين - من هوفيك حبشيان

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الستون

   
 
 
 
 

أوروبا تهيمن على المسابقة في دورة تلتفت الى المهاجرين والمتخرجين من السجون .... ديتر كوسليك يُعلي سقف الطموحات مازجاً الهويات ومنفتحاً على العالم بأسره

هذا المساء تنطلق الدورة الستون لمهرجان برلين السينمائي التي من المتوقع ان تكون دورة تحلق عالياً، مسنودة ببرمجة تليق بسن النضج التي تبلغها المهرجان. مثل هذا الوعد بتجاوز الذات، اعتدنا سماعه قبل كل دورة من البرليناله. ثم عندما تُعرَض الأفلام وينتهي النقاش، تكون الاستنتاجات أقرب الى الخذلان، والكلام نفسه يعود على ألسنة بعضهم ومسامع بعضهم الآخر: مهرجان برلين ليس فيه الا بضعة أفلام جيدة، واختيارات مديره ديتر كوسليك غير صائبة البتة، و"مهرجان كانّ" هو الذي يصطاد دائماً كل ما هو مستجد ومثير ويسرق الاسماء المنتظرة من دربه. أحياناً يبدأ التململ في منتصف المهرجان. وأحياناً في آخره. الأهم في هذه الحالة ألاّ يحصل في بدايته.

في انتظار هذا كله، يتوجه أهل السينما اليوم الى مدينة تاريخية عريقة ومهرجانها الذي ساهم الى حدّ كبير في توحيد هذه المدينة بعدما انقسمت شطرين على مدار عقود على اساس ايديولوجي. بعضهم سيحضر الى هنا بالقطار والسيارات من بلدان أوروبية قريبة، وبعضهم الآخر سيستقل الطائرة لينتقل اليها من قارات أخرى بعيدة. وعلى رغم انخفاض الحرارة الى ادنى درجاتها، فالسينما والرغبة في المشاهدة تكفلان تدفئة قلوب البرلينيين وسواهم ممن سيقيمون هنا بين الحادي عشر والحادي والعشرين من شباط في مدينة لها رمزية كبيرة بالنسبة الى الألمان خصوصاً والأوروبيين عموماً.

المهمة الصعبة

برلين المدينة ستكون محط انظار في الأيام الأحد عشر المقبلة. فهل تكون مسابقتها الرسمية كذلك ايضاً؟ هناك 20 فيلماً تتسابق على جائزة "الدب الذهب" ودببة أخرى في مجالات عدة، ومعظمها عناوين غامضة ستنكشف مضامينها وتفاصيلها في الأيام القليلة المقبلة. الأفلام التي تسابقت في كانّ في الدورة الفائتة لوحظ بعد انتهاء العام انها كانت اهم ما صُنع وعُرض في 2009. ابسط أمنية هي أن يحذو برلين حذو كانّ، ويأتينا بأكبر قدر من الأفلام التي تظل ماثلة في الذاكرة.

فيرنير هيرتزوغ هو الذي يترأس هذه السنة لجنة التحكيم. مع اسناد هذه المهمة اليه،  يكتسي المهرجان طابعاً ألمانياً ألمانياً لا نعرف ما طبيعة التأثير التي سيكون له في النتيجة النهائية. هيرتزوغ مخرج كبير له افكاره المعروفة وطريقة عمله. وله ايضاً جانب جعله ينفتح على تجارب غير المانية. شاهدنا له في البندقية أخيراً ريميك فيلم كان قد أخرجه سابقاً الأميركي أبيل فيرارا عنوانه "ملازم سيئ"، وكان على قدر كبير من الرعونة على رغم بعض الأشياء التي حاول هيرتزوغ العبث فيها. لكن التعرف الى هذا الالماني الغاضب من هذا المكان، هو خطأ غير مغفور. فنحن نتكلم عن سينمائي أنجز "اغيري، غضب الله" و"فيتسكارالدو" و"رجل الغريزلي"، وهو أحد أعلام السينما الألمانية الجديدة. يمتد مسار الرجل على خمسة عقود لم يتوقف خلالها عن العمل، لا بل سعى في أحايين كثيرة الى تجديد جلده، ولم يتوان مثلاً عن الانكباب على وثائقيات غريبة والذهاب الى القطب الجنوبي لتصوير مصير رجل وصديقته ستأكلهما الدببة بعد أن تحاول تحويلهما حيوانات أليفة. يساند هيرتزوغ في مهمته الصعبة المخرجة الايطالية فرانتشيسكا كومينتشيني، التي كانت، هي الاخرى، تتسابق جنباً الى جنب مع هيرتزوغ، في المسابقة الاخيرة لمهرجان البندقية. سيكون برفقتهما الكاتب الصومالي نور الدين فرح الذي ترجمت رواياته الى أكثر من عشرين لغة، وأيضاً وخصوصاً الممثلة كورنيليا فروبوز التي لعبت تحت ادارة فاسبيندر في فيلمه "سر فيرونيكا فوس". أما العضو الخامس فهو الاسباني خوسيه ماريا موراليس، احد المنتجين الذين يعرفون جيداً البرليناله اذ سبق أن شارك فيه مرات عدة، كان آخرها مع فيلم البيروفية كلاوديا ليوسا التي حازت في هذا المكان نفسه العام الماضي "الدب الذهب" عن فيلمها "حليب الاسى". تنضم الى هذه الفرقة الجميلة، الممثلة الصينية يو نان التي بعدما عرفت بأفلام فنية في بلادها سلكت درب هوليوود. والى ساحة بوتزدامر ستأتي أيضاً الممثلة ذات الرقة التي لا تضاهى، رينيه زيلويغر، ولن تكون مجرد لعبة للبكاء والتباكي، انما سيكون لها كلمة في جائزة "الدب الذهب" التي ستمنح في العشرين من الجاري.

سينمائيون لا بلدان

هناك اذاً 20 فيلماً في المسابقة الرسمية، 18 منها تُعرَض للمرة الاولى عالمياً. هذه الأعمال تأتينا من 14 بلداً مختلفاً هي تركيا، اليابان، الولايات المتحدة، الدانمارك، النروج، رومانيا، انكلترا، المانيا، روسيا، فرنسا، البوسنة، اسبانيا، الصين، ايران. التوزيع الجغرافي هذا موحٍ على أكثر من صعيد: أميركا اللاتينية غائبة عن المسابقة (اذا استثنينا "بازل" للأرجنتينية ناتاليا سميرنوف من انتاج فرنسي) بعدما كانت نجمة المهرجان العام الماضي اثر فوز الشريط البيروفي "حليب الاسى" بـ"الدب الذهب". أما آسيا القصوى فمتمثلة في بلدين هما اليابان والصين على حساب السينما الكورية التي بات من المعروف أن جواهرها تقتنص في كانّ وليس في برلين الذي يفتح ذراعيه، مرة أخرى هذه السنة في المسابقة الرسمية، لجمهورية ايران الاسلامية، نظراً الى وجود شراكة سينمائية بينها وبين المهرجان. اذاً تسعة من 14 بلداً مشاركاً في المهرجان هي بلدان أوروبية، والأولوية لشباب أوروبيين يخوضون لتوّهم غمار الاخراج، ومنهم سبق له ان جاء الى هنا، مشاهداً أو مشاركاً. لكن لنبتعد قليلاً عن منطق المباريات في منتخبات كرة القدم، والعقلية المناطقية، فنحن في نهاية المطاف أمام سينمائيين وليس أمام بلدان، ومنهم حتى من يفعل عكس ما تفعل بلدانهم.  

اذاً الافتتاح هذ المساء بفيلم  Apart together للصيني وانغ كوانان. صاحب "زواج تويا" الذي حاز "الدب الذهب" عام 2007، يقترح هنا قراءة مستجدة ومثيرة لتاريخ بلاده الحديث. بعد أكثر من نصف قرن على تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية، تنظَّم أول زيارة لمجموعة من المحاربين القدامى بغية لمّ الشمل. دائماً في اطار المسابقة، التي تبدأ من صباح غد، نجد الروسي الكساي بوبوغريبسكي الذي سيقدم في البرليناله فيلمه "كيف انهيت هذا الصيف" الذي تجري حوادثه في محطة قطبية على جزيرة نائية. الفيلم يصفه الملف الصحافي بأنه "ثريللر نفسي قطبي"، مستوحى من يوميات ن. ف. بينغين، التي دوّنها عام 1912 عندما رافق المستكشف الروسي جورجي سيدوف في محاولته لبلوغ القطب الشمالي، والتي مات على اثرها. كان المخرج في الرابعة عشرة من العمر عندما قرأ هذه اليوميات فأصيب بالذهول ولا سيما لقدرة بعضهم على التعامل مع مفهومي الزمن والمساحة.

عودة ثنائي

بعد "ماموث" للوكاس موديسون، فيلم آخر بالعنوان نفسه يشارك في برلين، لكن هذه المرة من اخراج الفرنسيين بونوا ديليبين وغوستاف كيرفيرن. العمل يعيد الى الضوء الثنائي ايزابيل أدجاني وجيرار دوبارديو، بعد عقدين على تمثيلهما "كاميل كلوديل" لبرونو نويتان، حول قصة رجل ستّيني يعلم في يوم تقاعده أن ستة من الذين عمل عندهم كموظف لم يبلّغوا عنه في الضمان الاجتماعي، مما يضطره الى تعقب آثار شبابه من مكان الى آخر، ليكتشف في نهاية المطاف ان جميع من قابلهم في حياته كانوا يعتبرونه ابله، ولا يزالون يعتبرونه كذلك الى اليوم. مسكون بالشك وبذكرى موت صديقته ياسمين التي قُتلت في حادث دراجة نارية، سينسى صديقنا الهدف الاول الذي باشر رحلته من أجله، ليجد في داخله شيئاً فشيئاً شاعراً نائماً. وها ان الحياة تنبعث من أعماقه مجدداً.

من المخرجين القلائل المعروفين والمشاركين في مسابقة هذه الدورة، هناك "القاتل الذي في داخلي" للانكليزي مايكل وينتربوتوم الذي يقتبس في هذا الفيلم الـ"نوار"، احدى روايات جيم تومسون الذي سبق أن شكلت كتبُه اصولاً أدبية لأفلام من إنجاز ستانلي كوبريك وبرتران تافيرنييه وسام بكينبا. هذه الرواية المنشورة عام 1952 والتي سبق أن أفلمها برت كينيدي عام 1976، هي أحدى أكثر روايات طومسون شخصانية. محور القصة هو شريف فاسد، يحبه الجميع ويحترمه، لكن ازدياد الجريمة في المنطقة التي يشرف عليها، سيفتح عيون الناس عليه، وصولاً الى فضح حقيقته أمام الجميع: مجرم سادي يقتل بدم بارد. التمثيل هنا لجيسيكا ألبا وكايسي أفليك.

من تركيا يأتينا سميح كابلانوغلو بفيلمه "عسل". هذا المخرج قابلناه للمرة الاولى في مهرجان القارات الثلاث عام 2005. حينها فاز بالجائزة الكبرى عن فيلمه "سقوط الملائكة". بعد مشاركته في مسابقة البندقية قبل عامين، بفيلمه "حليب"، ها انه يشارك في برلين بقصة عائلة تهزّ استقرارها مجموعة أحداث مترابطة، منها ذهاب الأب الى جهة مجهولة وسكوت الابن، هذا كله على خلفية حلم يطارد الجميع، في طريقه الى التحول حقيقة ملموسة.

حروب وصراعات

بعد 23 عاماً على نيله "الدب الذهب" في مهرجان برلين، يشارك المخرج الصيني المعروف زانغ يمو في مسابقة هذه السنة مع "امرأة، مسدس ومتجر المعكرونة"، عن وانغ الذي يدير متجراً متواضعاً لبيع المعكرونة الصينية، لكن الجميع يتذمر من بخله وطبعه الرديء، مما يجعل زوجته تنام مع الطبّاخ كلما كانت في حاجة الى أحمر شفاه. يقال إن الفيلم هو نسخة ثانية لـBlood simple باكورة الأخوين كووين، الذي اعجب به يمو عندما شاهده للمرة الاولى في أحد المهرجانات قبل عشرين عاماً. دائماً من آسيا، وتحديداً من اليابان، هناك فيلم السبعيني كوجي واكاماتسو "كاتربيلار"، عن ضابط يعود من الحرب مبتور الرجل والذراع ومغطّى صدره بالنياشين العسكرية. واكاماتسو، الذي كان معروفاً لمواقفه السياسية المتطرفة، جاء الى البرليناله للمرة الاولى عام 1965، مع فيلم "أسرار خلف الجدار"، وكانت له زيارة أخرى لها قبل عامين (ضمن قسم فوروم) مع فيلم "جيش يونايتد الأحمر"، وفي اثناء عملية التقاط مشاهد، خطرت على باله فكرة هذا الفيلم. يقول: "ايقنت انه، من أجل أن نفهم شباب الستينات من القرن الفائت وسبعيناته، يجب علينا أولاً أن ننجز فيلماً عن حقبة اهلهم اثناء حرب المحيط الهادئ.

عملية وصف الحرب لا تعني اظهار طلقات الرصاص والمعارك، بل الاصرار على أولئك الذين يتأثرون منها أكثر من سواهم، أي الاطفال والنساء الذين لا يشاركون حتى في الحرب. القادة يكذبون على الناس عندما يقولون لهم ان الحرب مفيدة، ويغشونهم كي يذهبوا الى الحروب. يبقون على مسافة منها ولا يزالون على قيد الحياة عندما تنتهي الحرب. كنت أؤمن أن شخصيات "جيش يونايتد الاحمر" اصبحوا ما كانوا عليه، لأن اهاليهم عاشوا هذه المرحلة".   

هناك أيضاً فيلم يدعى "بازل". بعد عملها لمدة سبعة أعوام في التلفزيون، تقفز المخرجة الارجنتينية ناتاليا سميرنوف الى الاخراج السينمائي في هذا الفيلم الذي انتج بالاشتراك مع فرنسا ويروي قصة ماريا، فتاة تهدي اليها عائلتها في يوم عيد ميلادها الخمسين لعبة بازل بغية تركيب أجزائها المبعثرة. لكن هذه اللعبة ستكون مدخلها للتعرف الى رجل عجوز سيندهش بالطريقة القديمة التي ستتبعها ماريا لتركيب البازل. سيدة أخرى، هي الدانماركية برنيل فيشر كريستنسن، تشارك مع فيلمها الثاني في المسابقة، بعدما كان فيلمها الاول حاز جائزة لجنة التحكيم الكبرى. أما من البلد المضياف، فيأتينا "الصياد" لرافي بيتس (انتاج ايراني - الماني مشترك)، عن شاب ايراني اسمه علي يخرج من السجن ويجد عملاً في احد المصانع بحيث يمكنه سدّ جوع عائلته، الى اليوم الذي تختفي فيه زوجته وابنته، ليتبين انهما كانتا ضحية احدى التظاهرات المسلحة. فيلمان آخران من المانيا: "اللصّ" لبنجامين هايزنبرغ، عن رياضي شارك في ماراتونات، يسرق المصارف ويعيش في منأى من عيون الآخرين؛ و"جيو سوس، صعود وانحطاط" لأوسكار رولر، عن ممثل اسمه فرديناند ماريان، اضطلع بدور البطولة في فيلم دعاية للنازية عام 1940. برع في تقمص هذه الشخصية، لكنه أيضاً دمّر نفسه من خلالها.

التاريخ والحاضر

نوا بومباك معروف لاشتغاله على نصوص ويس اندرسون. اليوم، لديه فيلم جديد اسمه "غرينبرغ"، عن علاقة غرائبية بين "مساعدة شخصية" لعائلة ثرية والرجل الذي يحرص على منزل هذه العائلة خلال سفرها الى الخارج. اما من البوسنة، فهناك فيلم جاسميلا جبانيتش المعنون "على الدرب". المخرجة المولودة في ساراييفو، تعود هذه المرة بشريط يعالج علاقة ثنائي لا تجري الامور بينهما على ما يرام، ولا سيما عندما يقرر الرجل الانخراط في محيط ديني وهّابي متشدد، رغبة منه في التخلص من عادة شرب الكحول.

قصص وحكايات كثيرة، بدأت قبل أن تُنجَز عنها أفلام، وستستمر بعد ان تغرق هذه الأفلام في النسيان. برلين، لرمزيتها ولتجربتها المرّة (ولشتائها القارس الذي يبدو ان الوسيلة الوحيدة للاحتماء من قسوته هو اللجوء الى الصالات المظلمة)، تستوعب هذا الكمّ، مع العلم ان الأشياء تأخذ هنا مذاقاً مختلفاً في بعض الأحيان لعدم امكان عزل التاريخ عن الحاضر، واليوم عن الأمس.

بالنسبة الى الأفلام الاوروبية، معظم هذه الشخصيات التي نجد ملامح صارمة لها في الأفلام المعروضة (خير، شر، وما بينهما) هي صنيعة بيئة اوروبية حيث هاجس الاندماج يطغى على سائر الهموم. هناك الخوف من الآخر ايضاً، لكن هناك الخوف من الذات دائماً. لا يزال الوقت مبكراً للاستنتاجات الواضحة التي تتكفل منحنا فكرة واضحة عن المنحى التيماتيكي الذي تذهب اليه السينما الأوروبية، ولا سيما أن الملخصات غالباً ما تأتي متسرعة وتوقعنا في الخطأ. مع ذلك كله، هناك اكثر من فيلم، شخصياته من مسلمي الجيل الثاني او الثالث. وهذا يقول الكثير عن أوروبا اليوم ومخاوفها. في العام الماضي، جاءنا رشيد بوشارب في هذا المكان نفسه بفيلم "نهر لندن" الذي طرح بذكاء مسألة الاسلاموفوبيا في مدينة مثل لندن. ما كان استثناءً العام الماضي، هل يتحول هذه السنة ظاهرة، وخصوصاً في ظل اختلاط فظيع بين الهويات، أي الاختلاف بين هوية الفيلم وهوية المخرج؟ شريط "شهادة" ذو العنوان اللمّاح لمخرجه الأفغاني الاصل برهان قرباني، قد يكون التمثيل الأدق لهذا التيار المتنامي، اذ يحكي قصة ثلاثة شبان مسلمين من برلين، مريم وسمير واسماعيل، وعلاقتهم بإيمانهم والخيارات الناتجة منه في مدينة مفتوحة على كل الاحتمالات.

تحت الاربعين

دورة 2010 تتضمن عدداً لا بأس به من السينمائيين الذين لم يبلغوا الاربعين بعد. الروماني فلورين سيربان هو واحد من هؤلاء. فيلمه "اذا اردت ان اصفر، سأصفر"، ذو العنوان الغريب، يتعقب شؤون شاب "مشكلجي" يبقى له خمسة ايام ليعود الى المنزل بعدما كان قد وُضع في مركز للتأهيل. بيد أنه عندما يعلم ان شقيقه الاصغر الذي كان له يد في تربيته هو الآخر سيعود الى المنزل، فإن هذه الايام الخمسة ستصبح ابدية.

اللافت أيضاً في تشكيلة هذه السنة، عدد الأفلام التي تتكلم عن متخرجين من سجون أمضوا فترة عقابهم وها هم ينصرفون الى الحياة الحرة. جميعنا يتذكر تحفة عام 2004 لبيتر مولاند "بلاد جميلة". هذا المخرج يعود اليوم مع A Somewhat gentle man، وهو الآخر يختار قصة سجين يعود الى الحياة الطبيعية بعد 12 عاماً سجناً، ليبدأ حينذاك مساراً طويلاً مع تيمات مثل المغفرة والانتقام والتوبة. عقل نيّر آخر هنا هذه السنة: توماس فينتربرغ. الأرجح أن فيلمه الجديد لن يكون مصوَّراً بحسب قواعد الدوغما التي لجأ اليها لإنجاز رائعته Festen. في "سابمارينو"، يروي فينتربرغ، نابغة السينما الدانماركية، قصة شقيقين يصبح الواحد منهما بعيداً عن انظار الاخر، قبل أن يلتقيا بالمصادفة في احد السجون (السجن، مرة أخرى!). مقتبس من رواية للكاتب الدانماركي جوناس بينغتسون، يعود الفيلم الى طفولة الاخوين لتبرير سلوكهما ولجوئهما الى الكحول والمخدرات، وهو، في تقديري الخاص، أحد الافلام المرشحة لاثارة الاهتمام على ساحة بوتزدامر هذه السنة.

فيلم آخر، أميركي هذه المرة، قد لا يمر مرور الكرام في المسابقة: Howl لروبرت ابشتاين وجيفري فريدمان اللذين يلتفتان في هذا الفيلم الى الشاعر الاميركي الكبير ألان غينسبرغ انطلاقاً من قصيدة له مثلت أمام محكمة سان فرنسيسكو في مرحلة أولى بعدما كان الشعر قرأها عام 1955، ثم نُشرت في احدى المطبوعات التي يديرها الشاعر لورنس فيرلينغيتي، مما استدعى تدخل الشرطة التي صادرت 520 نسخة من المطبوعة التي نشرت فيها القصيدة، واتهام فيرلينغيتي أمام المحكمة بتهمة نشر كتابات أباحية. هذه المحاكمة هي التي اعطت الضوء الأخضر للثقافة المضادة التي بلغت احدى قممها في الكتاب المؤسس لثقافة الـ"بيتنيك": "على الطريق" لجاك كرواك. هذه اللحظة التاريخية يعيد كل من ابشتاين وفريدمان تجسيدها من وجهات نظر ثلاث.

نذير شؤم

بولانسكي لن يكون حاضراً في الدورة الـ60 من مهرجان برلين، أما فيلمه "الكاتب الشبح" فبلى. أكبر المشاركين في المسابقة عمراً، يروي في جديده الذي كان يخشى الا يكون جاهزاً للتشكيلة البرلينية بسبب ما تعرّض له أخيراً، قصة كاتب مأجور يُطلَب منه كتابة مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق آدام لانغ. الناشر وعد الكاتب بمبلغ كبير من المال، لكن يبدو ان المشروع محاط بنذير شؤم ولا سيما ان احد الذين سيبني الكاتب روايته على استشارته يموت في حادث تراجيدي.

خارج المسابقة، لكن ضمن التشكيلة الرسمية، نجد ستة أفلام، أهمها Shutter island لمارتن سكورسيزي، و"عن شقيقها" ليوجي يامادا الذي يختتم المهرجان. في الاقسام الاخرى: "فوروم" الذي يحتفي بعيده الاربعين، يأتي في هذه المناسبة بعناوين ترقى الى هذا الحدث، و"بانوراما" (يتضمن فيلمين عربيين هما "ابن بابل" لمحمد الدراجي و"الرجل الذي باع العالم" لسهيل وعماد النوري) الذي يفتح ذراعيه لسينما العالم شمالاً وجنوباً، غرباً وشرقاً. هناك مئات الأفلام لا يسمح ضيق الوقت بمشاهدتها: من وثائقي عن الناقد السينمائي ميشال سيمان الى أفلام عن التغذية، مروراً بفرزان أوزبيتيك وشانتال أكيرمان، نحن أمام تنوع قد يصدم بتنوعه وعدم التجانس بين عناصره. استعادات كبيرة وفضفاضة، تكريمات لوجوه سينمائية ذات أهمية في صناعة الوعي السينمائي الالماني والاوروبي والعالمي. هذا كله يشير الى أن ديتر كوسليك يرفع سقف الطموحات عالياً، ليس فقط رغبة بالبهرجة، انما من خلال تحويل المدينة برمتها احتفاء بعظمة السينما. أياً يكن، فعلى الورق، كل شيء يبدو جميلاً. أما على الشاشة، فعلينا ان ننتظر لنتأكد من ذلك...       

المسابقة الرسمية (20 فيلماً)

Tuan Yuan  (افتتاحاً) *

 Mammuth *

 Puzzle *

 A Simple Noodle Story *

 Submarino *

 Caterpillar *

 A Family *

A Somewhat Gentle Man *

 If I Want To Whistle, I Whistle *

 Greenberg *

 Howl *

  Jud Sub : Film Ohne Gewissen *

 How I Ended This Summer *

 Shahada *

 The Killer Inside Me *

 The Ghost-writer *

  Bal *

  Der Räuber *

  Na Putu *

  Shekarchi *

 

خارج المسابقة

  Exit Through The Gift Shop *

  The Kids Are All Right *

  Please Give *

  Shutter Island *

  My Name Is Khan *

  Otôto (ختاماً) *

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

####

خارج الكادر

راديكالية!

شحّ مخيلة، قصر نظر، أفكار بدائية غير ناضجة، هذا بعضٌ من أحوال الأفلام القصيرة العربية التي عُرضت أخيراً في مهرجان كليرمون فيران السينمائي. في "رؤوس دجاج" للفلسطيني الأميركي بسام علي الجرباوي، تأخذنا الكاميرا الى أحدى القرى الفلسطينية حيث الحياة البرية وسط طبيعة شاسعة. نتعرف الى صبيين ووالدهما. النبرة قاسية. الجو مقلق. شيئاً فشيئاً نكتشف لماذا. يدخل الى الكادر يوسف، صغير العائلة. يوسف أمام معضلة أخلاقية: غزاله قتل خروف العائلة السمين من دون قصد. خشية على مصير الغزال، يتهم يوسف كلب شقيقه. لكن عندما تتبلور الامور، الى حدّ يصمم ابوه على الانتقام من هذا الكلب وتسميمه، يقرر يوسف أن يقول الحقيقة.

سبق للجرباوي أن أخرج فيلماً قصيراً مدته ست عشرة دقيقة اسمه "فريكوانسي" (2005). مع هذا الفيلم الذي تدور أحداثه البسيطة في محيط فلسطيني صرف، يلجأ الى الاستعارة انطلاقاً من تيمات كالمغفرة والشعور بالذنب. واقع يذكّر بواقع آخر. على رغم هذا كله، لا يوصل الفيلم الى أي مكان ذي قيمة، لأن الطريقة التي أنجز بها، تقنياً واخراجياً، تبقى في مكانها حائرة وتائهة. نحن أمام نموذج آخر لمخرج عربي مثقل بالهموم. فما إن يمسك المخرج الفلسطيني أو اللبناني أو السعودي او الجزائري كاميراه حتى يضع نصب عينيه أهدافاً كبيرة: قضية المرأة، اسرائيل، القمع، تسلط الدين، خناق الجماعة. القضايا تصنع سينما بلا شك، لكن يبدو أن كثرتها مثل غيابها. والسلاح في يد من يجهل استعماله، يؤدي أحياناً الى قتل الذات.

في المهرجان نفسه، شاهدنا أحد اهم أفلام المسابقة: "جويل" للايسلندي هلينور بالماسون. فيلم يأتي من بلاد لا تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار كل يوم. واذا كان هناك هموم فهي من نوع آخر. هذا الغياب للقضية الملحة يجعل سينمائيي هذه البلدان يشغلون عقولهم ويبتكرون ما لم نجده في أفلام السينمائيين الشباب العرب المعروضة في كليرمون. يحكي بالماسون في فيلمه عن الفراغ الذي يدفع بالشاب المهمش جويل الى المشاركة في لعبة سادية قاتلة. مجموعة من هواة الدراجات النارية يدفنونه تحت رمال احد الشواطئ ويتيحون له التنفس عبر انبوب ويضعون الى جانبه شاباً يحرسه. لكن الأخير ينام فتدخل مياه الأمواج الى الانبوب ويموت جويل! من فكرة بسيطة وموحية، أنجز بالماسون فيلماً جميلاً ينهض على أفكار متداخلة، أهمها الوعي الشبابي في مجتمع مستقر ومتجانس. هذا الوعي بحسبه يحتاج دائماً الى صدمة.

هناك ايمان بالصورة كناقلة احاسيس وأفكار كبيرة لدى السينمائيين الغربيين الشباب. لغتهم أكثر نضجاً، وتقنياتهم كذلك. لا شأن لهذا النضج بالامكانات المادية بل بالخلفية الثقافية وبفهم آخر للسينما. اذ شاهدنا بعض الأفلام التي حظيت بإمكانات ضئيلة جداً تذهب الى أبعد بكثير من مجرد النكتة. والنكتة هي الشيء الذي وقف عنده اللبناني جورج طربيه في فيلمه القصير Civil… but not civilized. لا نعرف ما اذا كانت تفاصيل قصته شخصية، لكن كل شيء يجعلنا نؤمن بذلك. بيد انه من يوميات حرب 1989 التي صوّرها طربيه، لا يلفتنا الكثير، لأنها خلاصة ما سبق أن رأيناه في الموروث البصري اللبناني المتعلق بالحرب. كثير من التضخيم لاستدرار العواطف، والقليل من السينما. التمثيل التلفزيوني الكاريكاتوري لريمون صليبا ينسف كل شي. يشارف الفيلم نهايته من دون أن يقول شيئاً، لا بصرياً ولا سياسياً ولا انسانياً. يبقى على حافة الأشياء والكلمات (لا تسعفه بعض الشتائم) لأن الشجاعة تنقصه وبعض الراديكالية التي ترافق كل مراحل عملية الخلق لدى سينمائيين من الدانمارك وهولندا وبريطانيا مثلاً، وهي راديكالية قادرة على إحداث الفرق... كل الفرق!   

هـ. ح.

النهار اللبنانية في

11/02/2010

 
 

مهرجان برلين يجمع سينما بولانسكي وسكورسيزي عنف وخطيئة وعقاب وسلطة أخلاقية

برلين - محمد موسى

على رغم القائمة الطويلة للمخرجين الذين يشتركون في دورة هذا العام من مهرجان برلين السينمائي، فإن مخرجين اثنين في العقد السابع من عمرهما، سيستحوذان على معظم الاهتمام الإعلامي للدورة التي بدأت البارحة وتنتهي في 21 من الشهر الجاري. وإذا كان أحد هذين المخرجين سيحظى باستقبال كبير، في برلين، بات مؤكداً أنه يرافق كل إطلالة إعلامية له، فمن المرجح ان يشاهد المخرج الثاني، أخبار الدورة وفيلمه الجديد، من شاشة تلفزيون مقره الإجباري في سويسرا. حيث لا يزال ينتظر حكم القضاء في أمره، وإذا كان سيواجه أياماً صعبة أخرى أمام المحاكم الأميركية، التي تتعقبه على خلفية حادثة وقعت قبل حوالى ثلاثين عاماً.

هي دورة مارتن سكورسيزي ورومان بولانسكي، اللذين يشترك فيلماهما الجديدان في المسابقة الرسمية للمهرجان. وإذا كان المخرجان، لم تربطهما علاقة شخصية، إلا أن هناك الكثير، الذي يجمع بين سينماهما، وأبرز هذا الكثير تقديمهما لشخصيات لا تتورع عن الاتجاه الى العنف والانغماس فيه، إضافة الى انشغالهما ولمعظم حياتهما السينمائية، بقصص عن الخطيئة، العقاب وطلب المغفرة، والسلطات الدينية والأخلاقية.

ويشترك المخرجان أيضاً، في قلة أعمالها السينمائية في السنين العشر الأخيرة، فآخر فيلم روائي لسكورسيزي كان «المرحلون» (إذا استثنينا فيلمه الموسيقي عن الرولنغ ستون)، والذي عرض في عام 2006، فيما عرض فيلم رومان بولانسكي الأخير «اوليفر توست» عام 2005، لكنه لم يحظَ وقتها على النجاح الذي حصل عليه فيلمه الذي سبقه «عازف البيانو» عام 2002.

والى فيلمي «شاتر آيلند» لمارتن سكورسيزي، و«الكاتب الشبح» لبولانسكي، تضم قائمة أفلام المسابقة أسماء إخراجية متنوعة جغرافياً، وعمرياً، فهناك حضور للسينما الأميركية الشابة، والتي يمثلها هذه السنة المخرج نوا بوماج، والذي يشترك بفيلمه الجديد «غرينبيرغ» في المسابقة. ويتوقع ان يبقى الفيلم الجديد، والذي يقدم النجم الكوميدي بين ستيلر، عند المواضيع الأثيرة لمخرجه، العائلة والعلاقات المعقدة داخلها، والتي كانت عصب أفلامه الأخيرة، وآخرها فيلم «مارغيت في الزفاف» من بطولة نيكول كيدمان. كذلك يشترك في هذه المسابقة، المخرج الإنكليزي الغزير الإنتاج مايكل وينتربوتوم بفيلم «القاتل في داخلي»، والذي تشير الأخبار، إلى أن موضوعه يختلف عن الهم السياسي المعاصر، الذي غلب على بعض أفلام المخرج الأخيرة، ومنها فيلمه «في هذا العالم» عن رحلة لاجئين أفغان الى بريطانيا، وفيلم «الطريق الى غوانتانامو»، الذي يروي قصة السجناء في السجن الأميركي الشهير.

هندي عن أحداث أيلول

وتضم المسابقة، فيلم «اسمى كاهان» للمخرج الهندي الشاب كاران جوهر، عن قصة إنسانية بخلفية أحداث الحادي عشر من أيلول، والفيلم الإيراني الألماني المشترك «شهادة» للمخرج الإيراني برهان قرباني، عن قصة ثلاثة شبان مسلمين، يعيشون في برلين، ويواجهون مثل الكثيرين من الشباب المسلم الذي يعيش في الغرب، أسئلة الهوية والمكان المستضيف، ومنظومة الأخلاق، التي تعود لعوالمهما المتضادة أحياناً. وتواصل السينما الآسيوية، حضورها المهم في معظم المهرجانات العالمية، فتعرض في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، فيلمين صينيين، هما «امرأة، مسدس، وحساء نودل» للمخرج الصيني زاهانغ ييميو، والفيلم الذي افتتح المهرجان البارحة، «معاً متفرقين» للمخرج الصيني وانغ كوانين. وسيختتم المهرجان أفلامه، بالفيلم الياباني «عن أخوها»، للمخرج يوجي يامادا.

وجزء من تقليد بدا بالترسخ في الدورات الأخيرة للمهرجان، اختارت إدارة الدورة الستين منه، نجمة سينمائية أميركية لتكون في لجنة التحكيم، حيث وقع الاختيار هذه السنة على رينيه زلفيغير، لتكون إحدى أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرسمية. ويشارك النجمة في اللجنة، الروائي الصومالي نور الدين فرح، المخرجة الإيطالية فرانشكيا كومنيشني، والممثلة الصينية ييو نان، ويرأس اللجنة المخرج الألماني ويرنير هيرزورخ.

وتحضر السينما الألمانية، في جميع تظاهرات المهرجان، فمع مجموعة الأفلام الألمانية، تشترك في الدورة الستين، مجموعة من الأفلام التي اشتركت المانيا في إنتاجها، وبالتعاون مع مخرجين من دول مختلفة، مثل إسرائيل، تركيا، إيران.

كذلك يعرض في المسابقة الرسمية فيلم «السارق»، للمخرج بينجامين هايسنبيرخ، والذي يروي قصة راكض المارثون والذي يمارس في الخفاء سرقة المصارف.

المقابر الجماعية العراقية

وبعد العرض الأول لفيلم «ابن بابل» للمخرج العراقي الشاب محمد الدراجي، في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في شهر أكتوبر الماضي ومروره في مهرجان ساندانس، يصل الفيلم الى المهرجانات الدولية، حيث سيعرض ضمن تظاهرة «بانوراما»، والتي تعد الأهم في المهرجان، بجمعها بين اتجاهات سينمائية مختلفة. وتدور قصة الفيلم، عن الجدة الكردية العراقية، والتي تبدأ بعد سقوط النظام العراقي السابق، رحلة مع حفيدها الصبي، للبحث عن والده المسجون في السجون العراقية. ويأمل صانعو الفيلم الذي سيعرض على جمهور أوروبي هذه المرة، ان يثير النقاش عن ضحايا المقابر الجماعية من المدنيين العراقيين والذين اكتشفوا بعد نهاية نظام صدام حسين عام 2003، وعادت وغابت أخبارهم، بعد انفجار العنف في العراق. ومن المنتظر ان تنظم وزارة الثقافة العراقية، احتفالاً بالفيلم في برلين، كذلك سيعلن عن تشكل الجمعية الإنسانية، والتي أسسها محمد الدراجي، للمساعدة في تحديد رفات الألف من الجثث المجهولة، إذ ما زال العراق يفتقر الى الأجهزة الحديثة لتحديد الحامض النووي البشري.

ويعرض ضمن تظاهرة «بانوراما» كذلك، الفيلم المغربي «الرجل الذي باع العالم»، للأخوين عماد وسهيل نوري، وهو العرض الثالث للفيلم، وبعد عرضه في مهرجاني مراكش ودبي السينمائيين. والفيلم يقدم قصة عن الحب والغيرة بين صديقين شابين يعيشان في مدينة وزمن أبقاهما الفيلم مجهولين.

وضمن البرنامج التجريبي للمهرجان والذي يحمل عنوان «فورم»، يعرض فيلم «ذات مرة على الرصيف» للمخرج اللبناني غيث الأمين. كذلك تحضر مدينة غزة الفلسطينية في الفيلم التسجيلي «عايشين» للمخرج السويسري نيكولاس ويديموف، والذي يسجل بعضاً من يوميات المدينة، والتي تحاول ان تعيش حياة طبيعية، على رغم الظروف التي تحيط بها منذ سنوات. وساهمت قطر في إنتاج الفيلم مع مؤسسات سينمائية سويسرية.

سنوات احمدي نجاد

وأخيراً تنظم مؤسسة دعم سينما العالم الألمانية، وفي السابع عشر من شهر شباط، ندوة كبيرة عن السينما الإيرانية في السنوات الأخيرة، وخاصة في سنوات حكم الرئيس الإيراني الحالي احمدي نجاد، حيث تشير الدلائل إلى ان وضع السينما في إيران في تراجع واضح، خاصة ان بعض الأسماء المعروفة، ممنوعة من الوقوف خلف الكاميرا، ومخرجين آخرين اضطروا لمغادرة إيران بعد أفلامهم الأخيرة. ومن المنتظر ان تشارك أسماء إخراجية كبيرة في الندوة. وكانت المؤسسة نفسها قد نظمت العام الماضي، ندوة كبيرة أخرى، عن السينما الفلسطينية، واتجاهاتها وآفاقها، والمصاعب التي تواجه المشتغلين فيها.

الحياة اللندنية في

12/02/2010

####

«الجزيرة للأطفال» تشارك بفيلم عن غزة في مهرجان برلين

الدوحة - «الحياة» 

تشارك قناة «الجزيرة للأطفال» في «مهرجان برلين الدولي للسينما» الذي انطلق أمس، ويستمر حتى 21 الجاري، من خلال الفيلم الوثائقي «عايشين» للمخرج السويسري نيكولا فاديموف الذي يتناول الآثار التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية على غزّة عام 2008.

وتعتبر هذه التجربة، كما يقول بيان القناة، «الأولى من نوعها، إذ لم يسبق لقناة عربية أن قدّمت عملاً سينمائيًا وثائقيًا ضمن مشاركة رسمية في هذا المهرجان الذي يعدّ أحد أهمّ أربعة ملتقيات سينمائية عــالـمية هي إلى جانب برلين، مهرجان «كان» في فرنسا و«البندقية» في إيطاليا، وجائزة الأوسكار الأميركية.

وكانت «الجزيرة للأطفال» تلقت قبل ثلاثة أشهر طلباً من إدارة مهرجان برلين لتقديم هذا العمل في عروض المنتدى. و«عايشين» هو إنتاج مشترك قطري سويسري، إذ أنتجته «الجزيرة للأطفال» بالاشتراك مع التلفزيون السويسري وشركة «عكا للسينما» التي يديــرها مخرج الفيلم نيكولا فاديموف.

ويقول فاديموف إنّه تمكّن وفريق التصوير من دخول غزة بعد رحلة مضنية وانتظار لأكثر من أسبوعين، مشيراً إلى أنّه لم يكن يعلم طبيعة ما سيعاينه ويسجله لبناء الفيلم. ويضيف: «تساءلت كثيراً من أين سأبدأ وماذا سأصوّر وأنقل. إنها كارثة حقيقية بكل المقاييس... أردت أن يرى العالم ما أراه بعيني وأشهده من خلال تصوير الشعب الصامد... أردت أن أنقل الحقيقة التي لا ريب فيها أن الحياة تستمر وأن للناس قدرة خارقة على البقاء وتجاوز أشد المحن».

واعتبرت رئيس إدارة البرامج في قناة «الجزيرة للأطفال» مليكة علوان «أن مشاركة «عايشين» في برلين بطلب من إدارة المهرجان تمثّل بالنسبة الى القناة إنجازاً يعد سابقة وتتويجاً لسياستنا الإنتاجية الجريئة والطموحة. كما أن هذه المشاركة تضع على عاتقنا تحديات كبيرة في الوفاء بالتزامنا تجاه قضايا الإنسان العربي». وأضافت «أنّ فيلم «عايشين» هو بمثابة الصدى في الذاكرة كي لا ينسى العالم، وكي لا ينسى الإسرائيليون ولا يغفل العرب أن ما جرى في غزة عام 2008 هي حرب همجية بأدوات وأسلحة غير تقليدية، ولا يمكن تبريرها لا بمنطقٍ ولا حجة».

وأشارت علوان الى «أن الجزيرة للأطفال» أوكلت مهمة إنجاز هذا الفيلم لمخرج غير عربي، تحديداً من سويسرا للحفاظ على درجة كبيرة من الحياد والتجرّد في المعالجة والطرح».

الحياة اللندنية في

12/02/2010

 
 

افتتاح بفيلم صيني مع أشرطة لبولانسكي وسكورسيزي وعن غينسبورغ

الـ «برليناله» السينمائية وجه السياسة القبيح والعنف الداخلي

نديم جرجورة/ برلين

انطلق الاحتفال الستون بتأسيس الـ«برليناله». مهرجان السينما في برلين التحق بالمهرجانين الشقيقين «كان» في فرنسا و«لا موسترا» (البندقية) في إيطاليا. سبقه الشقيقان في الاحتفال بالذكرى التأسيسية نفسها قبل أعوام قليلة. لا يعني هذا شيئا مهما. العيد، بالنسبة إلى السينما (وإلى الفنون كلّها، ربما)، يومي. كل فيلم جديد عيد. كل مهرجان يحمل المختلف والمتألّق والبديع والسجالي، عيد. فكيف إذا تضمّن الفيلم كَمّاً من المعطيات الإبداعية والجمالية؟ في برلين، احتفال بالعيد الستين لتأسيس واحد من أبرز المهرجانات السينمائية في العالم. شكّل، مع شقيقيه، فسحة تأمّل في ما آلت إليه أحوال السينما وتطوّراتها. هذا فن لا يتوقّف عن إثارة الدهشة والسجال. مضامينه وأشكاله ولغته وأنماطه وأساليب مبدعيه. تفاصيل لا تنتهي، ومسائل مستمرّة في إشغال المعنيين بأسئلتها. الاستعراض والنجوم والسجادة الحمراء أمورٌ ضرورية، لا تلغي أولوية السينما وحكاياتها. الثلج، ببياضه المخيف أحياناً، يُغطّي شوارع المدينة وأبنيتها وسيارات ناسها. والسينما، إذ تفتح العيون على الدهشة والانفعال على المتعة والعقل على المشاكسة والتساؤل، تعيد صوغ الحياة بمنظارها الخاص، وتفرض روعتها على البهاء الأبيض الذي صنعه الثلج.

احتفال

انطلق الاحتفال الستون بتأسيس الـ«برليناله» لحظة الافتتاح، مساء الخميس الفائت. استمرّ الاحتفال بأشكال مختلفة، أبرزها: عروضٌ استعادية لروائع الفن السابع. والاحتفال، بهذا المعنى، لم يعد حاضراً بشكل مباشر، بعد مرور ثلاثة أيام فقط على افتتاح الدورة الستين لمهرجان برلين السينمائي هذا. السينما هي الحاضرة. الأفلام الجديدة تحرّض مئات النقّاد والصحافيين السينمائيين المتخصّصين على المُشاهدة والتعليق. الأمر، هنا، مختلف عنه في «كان». تفاصيل صغيرة لكنها مهمّة، بالنسبة إلى زائر المهرجان للمرّة الأولى. النصوص الفرنسية غائبة كلّياً، باستثناء المجلة الأسبوعية الفرنسية «شاشة كاملة» (إكران توتال)، التي خصّصت صفحات قليلة من عددها الأخير (10 ـ 16 شباط الجاري) بالـ«بريناله»، لأنها (البريناله) أفسحت مجالاً لأفلام ونشاطات سينمائية فرنسية لتقديم عروضها. اللغة الألمانية طاغية. أخبرني صديق زار برلين مرات عدّة بمناسبة مهرجانها وبمناسبات خاصّة أخرى، أن الغالبية الساحقة من الألمان متعصّبون للغتهم. لا تعثر على لغة غيرها: في أنفاق الـ«مترو». في المحلات التجارية الكبيرة. داخل أروقة المهرجان أيضاً. لكن هذا الأخير مضطرّ إلى جعل اللغة الفرنسية أساسية في الـ«كاتالوغ» الضخم (464 صفحة من الحجم الكبير)، إلى جانب الإنكليزية (لعلّها أكثر اللغات الأجنبية استخداماً)، والألمانية طبعاً. هناك أناس عديدون يتقنون اللغة الإنكليزية. ينتمون، أساساً، إلى جيل شبابي، أو إلى فئة العاملين في حقول ميدانية، تستدعي إتقانهم بعض مفرداتها الرئيسة. مع هذا، فإن الغالبية الساحقة من المنشورات والمطبوعات اليومية المتعلّقة بالمهرجان، مكتوبة باللغتين الألمانية والإنكليزية. «هذا عالم آخر»، أهمس لنفسي. «هذا عالم آخر، والتجربة مُصابة، دائماً، بصعوبات اللقاء الأول». إتقان اللغة الألمانية محتاجٌ إلى وقت. إتقان اللغة الإنكليزية أسهل. لكن اللعنة منصبّة على دولة الانتداب القديم، التي جعلوها الأم الحنون. أم إنها هلوسة الصدمة الأولى، التي أحدثتها زيارة برلين، بما هي عليه من تاريخ عريق وذاكرة جماعية مفتوحة على الأسئلة كلّها؟

تتطلّب زيارة المعالم الأساسية للمدينة حيّزاً آخر. المهرجان حاضرٌ. لكن المعالم الأولى واضحة للعيان. فالحيّز الجغرافي الأساسي للمهرجان مُقام على بُعد خطوات قليلة من الخطّ الذي فصل برلين الشرقية عن برلين الغربية. هنا، أقيم الجدار لسنين طويلة. وعند هدمه وتوحيد المدينة والبلد، ارتأت إدارة الـ«برليناله» أن يكون موقعها الميداني في ساحة بوتسدام، التي كانت حدوداً ما بين المدينتين.

سينما

لكن الزيارة هادفة إلى المهرجان السينمائي ايضاً. أفلام المسابقة الرسمية مهمّة. أقلّه في الأيام الأولى. السياسة طاغية. لكنها مُعالَجَة بطرق سينمائية تستدعي قراءات بعيدة عن السياسة المباشرة. تستدعي تأمّلاً أهدأ. السياسة طاغية. لكن طغيانها لا يعني حضوراً مباشراً. فيلم الافتتاح «منفصلون معاً» للصيني وانغ كيوانان سياسي، وإن ظلّت السياسة مبطّنة. هذا ما تضمّنه فيلمان آخران: «عواء» لروبرت إيبشتاين وجيفري فريدمان؛ و«الكاتب الشبح» لرومان بولانسكي. اللغة المستخدمة في الفيلم الصيني متنوّعة. الأساسي «ماندران». لكن السياسي والانفعالي والاجتماعي فاعلٌ. قصّة حب، أم تشريح الذات، أم استعادة حقبة تاريخية مليئة بالعنف والانفصال؟ هذا كلّه. هناك من اعتبر الحبّ فيه أقوى حضوراً. سنون طويلة مرّت، ولم ينضب الحبّ بين عاشقين اثنين باتا في سنّ الشيخوخة. وعلى الرغم من الانفصال المفروض عليهما، وجدا أن الحب معتملٌ في القلب والروح، عند اللقاء الأول بعد غياب سنين طويلة. لكن المسائل الأخرى حاضرة. الانفصال مردّه سيرة دموية من العنف السياسي والعسكري. اللقاء ناتجٌ من قرار سياسي بضرورة «لمّ الشمل». السياسة مبطّنة للغاية. الانفعال العاطفي أقوى. السرد مشوبٌ بحساسية واضحة.

هذا موجودٌ في «عواء» أيضاً، لكن بأسلوب مختلف تماماً. الحبكة معقودة، هنا، على الشاعر والكاتب الأميركي آلان غينسبورغ. قصيدته التي ألقاها للمرّة الأولى في السابع من تشرين الأول 1955، شكّلت انعطافاً في مسار حياته الشخصية، والحياة الأدبية والإنسانية والاجتماعية أيضاً. عند صدورها بعد عامين اثنين في كتاب مستقلّ، تعرّضت للمحاكمة. تعرّض الشاعر للمساءلة. الفيلم منقسم إلى جانبين أساسيين: مسار المحاكمة، الذي أظهر وجهاً قبيحاً للولايات المتحدّة الأميركية في مرحلة المكارثية الشهيرة. وحكاية الشاعر نفسه. القصيدة صوتٌ صارخ عرّى المجتمع الأميركي. دافع عن المثلية الجنسية. هاجم تفريخ الموت والقتل والجنون العسكري. واجه تحدّيات القمع المبطّن والمباشر. غاص في الذات الممزّقة. القصيدة جميلة. الفيلم ليس تصويراً لها، بل ترجمة بصرية لمضمونها وحكاية كاتبها. مرآة لواقع اجتماعي وتربوي. السياسة أيضاً وأيضاً. رومان بولانسكي مشاغب حقيقي. فيلمه الأخير «الكاتب الشبح» محرّض على إعادة اكتشاف تفاصيل يومية في العيش. المؤامرة والقتل والجرائم المرتكبة باسم آلاف القضايا. الإشارة بالغة الدلالة إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. لكن الالتباس مثير. لا ضرورة لإسقاطات مباشرة. الفيلم أعلى شأناً من هذا. مع أنه لم يبق خارج النقد المباشر لسياسات ومؤامرات استخباراتية.

اعتمد «عواء» على حوار إذاعي حقيقي مع آلان غينسبورغ. الممثل جايمس فرانكو قدّم الشخصية الرئيسة بحرفية بالغة. تداخلت الأزمنة بعضها مع البعض الآخر. الماضي (زمن إلقاء القصيدة ولقاء الأحبة والصدقاء) وقصص الحب والكتابة والعلاقات (بالأسود والأبيض)، والحاضر (زمن صدور الكتاب) بشقّيه الاثنين: المحاكمة والحوار (بالألوان). نزعة استبدادية في الثاني. نسق عاطفي وإبداعي في الأول. التداخل بين الأزمنة حاصلٌ بفضل براعة التوليف. أو بالأحرى، لأن الشكل المعتمد منذ البداية فرض هذه التقنية. التداخل ضروري. لكن اللعبة الجمالية الأبرز والأهم سينمائياً، كامنةٌ في الشقّ المتعلّق بالرسوم المتحرّكة. هذا شقٌّ بالغ الأهمية، فنياً وتقنياً وإنسانياً ودرامياً. متعلّق هو بالذات الخاصّة بالشاعر المختلف، وبهواجسه وكوابيسه وأسئلته وآلامه وتمزّقاته، المكتوبة في قصيدة «عواء»، والملقاة للمرّة الأولى في «غاليري ستة» في سان فرانسيسكو، قبل صدورها في كتاب مستقلّ. الألوان المعتمدة متناسقة والتناقض المطلوب في ثنايا الحكاية الشخصية للشاعر. إعلانه مثليته الجنسية، وعشقه الواضح للتفلّت من حصار الفكر المحافظ والتقليدي. أمور لم تكن سهلة في أميركا الخمسينيات (هل هي سهلة اليوم، في «بؤر» متفرّقة في هذا العالم؟). لكن المسألة الجنسية ليست طاغية. هناك مناخ استبدادي متسلّط، أراد مخرجا الفيلم قراءته على ضوء القصيدة ومحاكمتها. أراد المخرجان التسلّل منها إلى تفاصيل حياتية وإنسانية متفرّقة.

عنف

«إذا أردتُ أن أصفّر، سأصفّر». فيلم روماني لفلوران سربان. قاس. حاد. مؤلم. لكن ببساطة مطلقة. غياب الموسيقى عنه جعله أعنف وأعمق. سلاسته التصويرية والدرامية دفعته إلى أقصى حدود التشريح الذاتي والمجتمعي. غاص في متاهة النفس البشرية، لكنه حافظ على قراءة التفاصيل العادية التي يُمكن للمرء أن يعاني تداعياتها. الشاب سيلفيو يستعد لمغادرة السجن بعد خمسة عشر يوماً فقط. أمضى أربعة أعوام تنفيذاً لحكم بتهمة غير معروفة. ليس مهماً معرفتها. متواضع وإنساني ومرح. هادئ الطباع. مدير السجن يُقدّر ابتعاده المطلق عن المشاكل. لكن الأمور ليست بهذه البساطة. زيارة شقيقه الصغير أحدثت انقلاباً. عادت الأم من إيطاليا لتصطحب معها الشقيق الصغير. رفض سيلفيو. انفتحت أبواب الجحيم عليه. الأم ضائعة، أو بالأحرى غير مبالية بعائلتها إلاّ عندما تقع في الوحدة. لقطات قاسية بين الشاب وأمه. تحوّله إلى كائن عنيف لم يكن أقلّ قسوة. فيلم أحاسيس هو، أكثر من كونه فيلم قصّة وحبكة. فيلم مشاعر وانفعالات. القصّة عادية: تمزّق عائلي أدّى إلى مصائر متناقضة ومتنافرة. لكن المعالجة مهمّة. السياق بارع في تسليط الضوء على التحوّل المذكور، شيئاً فشيئاً.

العنف حاضرٌ في الفيلم الأخير للأميركي مارتن سكورسيزي «جزيرة شاتر». لكنه عنف داخلي مرتبط بالانهيار النفسي الذاتي. تعمّق فظيع في متاهة النفس البشرية. إمعان في تفتيت ظاهرها، لولوج باطنها. البداية بوليسية (لكن النهاية مختلفة تماماً). هناك امرأة اختفت داخل معسكر لمعالجة مصابين بارتباكات نفسية خطرة. استدعاء عميلين تابعين لمكتب «مارشالات الولايات المتحدّة» بداية غرق بطيء وحاد في جحيم الذات والأرض معاً. لكن المأزق في مكان آخر. التمزّق النفسي أساس كل شيء. والعالم المسيّج بالأسلاك الشائكة والخفايا والالتباسات، مخيف. أسلوب سكورسيزي بديع. تعاونه الجديد مع ليوناردو دي كابريو منح الممثل الشاب فرصة جديدة لقول أدائي متقن.

هذه نماذج أولى. برمجة الأفلام المختارة رسمياً في اللائحة الأساسية وفي المسابقة الرسمية تعد بمزيد من العناوين المهمّة. المهرجان لا يزال في بدايته. الشاشات الكبيرة حافلة بالأعمال المشوّقة والبديعة. أو هذا ما يتمنّاه المقبلون إلى المهرجان برغبة المُشاهدة والتعرّف على الجديد.

السفير اللبنانية في

15/02/2010

####

«البرليناله» الستون يُفتتح بالفيلم الصيني «منفصلون معاً»

نديم جرجورة/ برلين

لا شيء يحول دون الاحتفال الدائم بالسينما. في برلين، التي عرفت واحداً من أبرز المهرجانات السينمائية في العالم، هناك ستون عاماً من السعي الدؤوب إلى جعل الشاشة الكبيرة مرآة الحياة والذات والقضايا الكبرى والاشتغالات البصرية، وستون عاماً من جعل لغة الصورة مفردة أساسية في اختبار التواصل.

قبل ثلاثة أشهر فقط على الموعد السنوي مع المدينة الفرنسية «كان» ومهرجانها الأهمّ، جذبت برلين عاملين في شؤون سينمائية متفرّقة، إبداعاً وصناعة وتوزيعاً ومهرجانات، للقاء ممتدّ على مدى عشرة أيام متتالية في صالات العرض والسوق السينمائية والقاعات الخاصّة بالمؤتمرات الصحافية والمكاتب الموزّعة في أبنية قريبة من «قصر البرليناله»، حيث الحفلات الأساسية والسجادة الحمراء وعدسات المصوّرين وكاميرات الإعلام المرئي والنجوم والحكايات التي لا تنتهي.

إذا تساءل البعض عن مدى قدرة «البرليناله» على منافسة مهرجان «كان»، الذي يستقطب السينمائيين ويُطلق الأسماء الجديدة ويدعم المشاريع الإبداعية المختلفة؛ فإن برلين مستمرّة في تثبيت مكانة مهرجانها هذا في عالم الصورة السينمائية. وإذا أبدى البعض قلقه إزاء المضامين الدرامية والأشكال الفنية للأفلام المختارة للمسابقة الرسمية أو للبرامج الموازية، لأن غالبية الأفضل ذاهبةٌ دائماً إلى «كان»؛ فإن التعريفات الأولى الخاصّة بالأفلام العشرين المتنافسة على الجائزة الأولى (الدبّ الذهبي) وعلى جوائز أخرى متفرّقة، عكست اهتمام السينمائيين بالمصاعب الشتّى التي يواجهها البشر في لحظة التحوّلات الخطرة والأزمات المتافقمة، هنا وهناك.

في أجواء احتفالية معتادة في أمكنة تولي السينما أهمية قصوى؛ وعلى الرغم من قسوة الطبيعة في خفض درجات حرارتها إلى ما دون الصفر؛ وعلى مرأى من الثلج الأبيض الناصع، الذي كلّل المدينة بجماله وطقوسه الخاصّة؛ افتُتحت الدورة الستون لـ«البرليناله» مساء أمس الخميس، بعرض فيلم صيني بعنوان «منفصلون معاً» لوانغ كوانان، الفائز بجائزة «الدب الذهبي» من البرليناله نفسها في العام 2007 عن فيلم «زواج تويا».

والحشد المتدفّق على «قصر البرليناله»، مقبلٌ إلى الحيّز الأجمل، المفتوح على عوالم الذات والنفس والعلاقات والحكايات، ومشارك في إعلان انطلاقة الدورة الستين، التي يُفترض بها أن تكون لحظة تجدّد فعلي، لمهرجان مثابر على ابتكار أنماط شتّى من القول الفني والإبداعي.

«منفصلون معاً»، جديد كوانان، استعاد لحظة تاريخية في الراهن، من خلال عودة محارب قديم إلى عائلته بعد غياب سنين طويلة. لكن العودة لن تمرّ بسلام، لأنها مزّقت أقنعة بدت هشّة أساساً، ما جعل أفراد العائلة يقيمون في ارتباكاتهم وشغفهم المنقوص للخروج من ورطة الانصياع إلى الانفصالات الدائمة. اللغة المستخدمة في سرد الحكاية أقرب إلى الشعر منها إلى أي شيء آخر. البساطة والتواضع في الاشتغال الفني مردّهما إلى تقنية البحث في الأعماق الدفينة داخل الإنسان، وفي الأسئلة الكثيرة التي تقضّ مضجعه. لا يُمكن التغاضي عن الهواجس المتعلّقة بالحب والتمزّق العائلي والحرب والنظام الاجتماعي. هذه مسائل مطروحة في «منفصلون معاً». وأسلوب طرحها مخفّف، لأن الأولوية معقودة على تقديم الشخصيات بسلاسة، وفضح مكامن الضعف والألم والانهيار والخذلان والخيبات والخراب، المعتملة في نفوسها وأرواحها الهائمة وسط الانكسارات. والمأزق الآخر كامنٌ في أن المناخ السائد في علاقات الأهل بعضهم ببعض، من انفصال وصدام وغربة، لن يكون غائباً عن الجيل الشاب أيضاً. كأن الغربة، سواء كانت منفى أم هجرة، قدرٌ لا مفرّ منه. فالشابة الصغيرة تُخبر جدّيها برغبتها في الزواج ممن تحب، لكن بعد سنتين اثنتين ريثما يعود من الولايات المتحدّة. فما كان على الجدّة، الطالعة حديثاً من أزمة انفصال جديد بينها وبين زوجها المحارب القديم، إلاّ أن عبّرت عن خوفها من أن تمتدّ السنتان، إلى ما لا نهاية.

السفير اللبنانية في

12/02/2010

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)