كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أسامة أنور عكاشة يكشف قبح فترة الانفتاح.. "كتيبة الإعدام" و"دماء على الأسفلت" و"الهجامة" علامات بارزة فى تاريخ السينما المصرية

كتبت هنا موسى

عن رحيل الكاتب

أسامة أنور عكاشة

   
 
 
 
 

عندما قرر الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أحد أعمدة الدراما المصرية والعربية خوض المجال السينمائى، كتب بطعم مختلف ومتميز عن كل ما كتب، فكانت كتاباته إضافة مهمة للسينما المصرية، التى تفتقر لكتاب بحجم عكاشة كما ونوعا.

من أهم أعمال عكاشة السينمائية فيلم "كتيبة الإعدام" أول تجربة سينمائية له بطولة نور الشريف "حسن عز الرجال" ومعالى زايد"نعيمة"، وإخراج عاطف الطيب، حيث استطاع عكاشة من خلال هذا جذب اهتمام الجمهور والنقاد، ورغم أن القصة لا يوجد بها جديد لأن قصة القتل والثأر أشبعتها الدراما المصرية، إلا أن الفرق كان فى طريقة التناول، حيث استطاع عكاشة ببساطة شديدة تحويلها من قصة تقليدية إلى قصة جديدة لها بعد سياسى، وتناقش قضية الشرف والدفاع عن الوطن، فالقتيلان "الرجل وابنه" كانا من أبناء المقاومة الشعبية فى حرب أكتوبر، وقتلهما موظف البنك المكلف بتوصيل ما يقارب المليون جنيه، هى مرتبات الجيش الثالث، حتى يتسنى له سرقة المبلغ، وبالتالى يصبح من كبار رجال الأعمال، وأراد عكاشة أن يوصل رسالة هامة من خلال الفيلم، وهى أن مرحلة الانفتاح الاقتصادى خيانة لحرب أكتوبر، واستطاع أن يصنع الفيلم ملحمة تاريخية مهمة وظل عالقا بأذهان الجمهور.

عكاشة قدم بعد ذلك فيلم "الهجامة" بطولة ليلى علوى وهشام سليم وحسن حسنى، وهو يحمل رسالة أن الإنسان قد يضطر لدخول عالم الجريمة، حيث تدور أحداثه حول فتاة تدعى "نوسة" يتم خطبتها على ابن خالتها "سيد" الذى تشاركه فى عمليات سرقة الشقق، وتم القبض عليها ويهرب هو بالمسروقات، ويحكم عليها بالسجن عامين، ثم يتم الإفراج عنها وتقرر الاستقامة، ولكن يعود "سيد" ومعه ثروة ضخمة بعد أن أسس عصابة للاتجار فى المخدرات، وهنا يلقى عكاشة الضوء أيضا على فترة الانفتاح التى جعلت من معظم المجرمين أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال، وهنا توضح أعمال عكاشة ناصريته الشديدة وحبه للرئيس جمال عبد الناصر وكرهه لفترة الانفتاح وكل ما حدث بها من مخالفات.

يأتى فيلم "دماء على الأسفلت" بطولة نور الشريف، حسن حسنى، إيمان الطوخى، حنان شوقى، وإخراج عاطف الطيب، وتلقى أحداثه الضوء على الانحلال الذى أصاب المجتمع المصرى، من خلال أسرة مكونة من 3 أبناء، هم الدكتور ثناء "نور الشريف" الذى يشغل مركزًا مرموقَا فى منظمة دولية بالخارج وعلاء "طارق لطفى" وولاء "حنان شوقى" التى تعمل فى أحد الفنادق، ووالدهم أبو الحسن "حسن حسنى" الذى يعمل "باشكاتب" فى وزارة العدل، ويصدم الأبناء ذات يوم باتهام والدهم بسرقة ملف إحدى القضايا الهامة، فيعود الدكتور ثناء كى يقف إلى جوار والده البرىء، لكن يبدو أن الانحلال أصاب الأسرة، حيث تحولت ولاء إلى فتاة هوى تتعاطى هى وعلاء الهيروين.

ويقدم عكاشة باقى أفلامه لتدور فى هذا الإطار، وهو إظهار وجه المجتمع القبيح فى فترة الانفتاح ومحاولة معالجتها عن طريق صنع صدمة للجمهور بإظهار الحقيقة الكامنة وراء الأقنعة التى يرتديها أصحاب رؤوس الأموال فى هذه الفترة الهامة من تاريخ مصر، ومن هذه الأفلام "تحت الصفر" بطولة نجلاء فتحى وصلاح السعدنى وعبد العزيز مخيون، إخراج عادل عوض، وتدور أحداثه حول سعد الذى يحقق ثروة كبيرة من تجارة المخدرات، ويصر على تحطيم صديقه مصطفى لزواجه من رجاء التى يعجب بها، ثم يسافر مصطفى ليعمل بالخارج وعند عودته فى إجازة يتم القبض عليه لوجود هيروين فى حقيبته.

اليوم السابع المصرية في

29/05/2010

 

هل يرحل قوس الكمان؟

د.عزازى على عزازى 

آه من هدير البحر لمَّا يزوم.. آه من فحيح الريح لمَّا تقوم.. بهذه الكلمات للشاعر سيد حجاب بدأ تتر المسلسل الجديد، يتصدر الشاشة مشهد ارتطام الموجات بشاطئ ساكن يحتوى رمالاً هادئة ناعمة، يوقظها الموج فى غفوتها، تاركًا خلفه بذور لقاح الريح فى الزبد.

فى هذه اللحظة يظهر اسم المسلسل مصحوباً باسم مؤلفه "وقال البحر".. قصة وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة.

وكأنه الغيث الذى أنتظره الجدب، فتمخضت له الأرض عشبًا وشجرًا ونخلاً.. هكذا كان أسامة منذ تفجرت ينابيع إبداعه على الشاشة العطشى، فشرب الجمهور حتى ارتوى طيلة أكثر من ثلاثين عاماً.

ولم يكن عكاشة مجرد «دراماتورجى» كما يقول عن نفسه، مثلما لم يكن محفوظ روائى اً فحسب أو هيكل مجرد جورنالجى، فكتابة السيناريو أداة فى معركة الوعى الكبرى التى خاضها عكاشة فى كل أعماله التليفزيونية والمسرحية والسينمائية، فمساحة الدراما كانت أشبه بميدان الحرب، اهتم أسامة كقائد ميدانى بتوفير كل أسباب النصر بداية من المخرج العبقرى إسماعىل عبدالحافظ، مروراً بفريق العمل الذى يمكن وصفه ببساطة.. إنهم يشبهون الناس العاديين، الذىن نراهم حولنا فى كل مكان ومن ثم استطاع عكاشة تحوىل الشخصيات العادية والبسيطة إلى أبطال، ففى ساحات القتال لا مجال للأفنديات أصحاب الياقات البيضاء ولا الباشوات المنتفخة أدراجهم.. وكان طبيعياً أن ينتصر الكاتب العظيم لهؤلاء البسطاء وهو يخوض بهم أعنف صراع درامى شهدته ساحات الفن خلال العقود الماضية، وفى انحيازه للشخصية المصرية بعمقها الشعبى الإنسانى وبأصالة معدنها، لم يبرئها من العيوب والهفوات لأنه يكره الشخصية النمطية سواء بشكلها الإيجابى أو السلبى، لكنه يظهر معدن الشخصية فى اللحظات الصعبة كما فعل مع معظم أبطاله الشعبيين وبشكل خاص مع «حسن أرابيسك».

والعمل عنده لا يأخذ خطاً واحداً كاللحن الميلودى، بل كانت ساحته الدرامية تسمح بالتعدد والتنوع، تحول الهامش إلى متن والعكس، وهى قيمة ذات بعد ديمقراطى، فالمجتمع عند أسامة سيمفونية تتعدد آلاتها وتشكيلاتها اللحنية، لكنها تصنع فى النهاية تكاملاً نغمياً يؤدى وظيفة ورسالة معينة.

وكان قوساً للكمان يعزف فى كل «سحبة» نغمة جديدة تصيبنا بالدهشة والحيرة حول قدرته الفذة فى الدخول إلى عوالم جديدة، ففى كل مرة ينتهى فيها من عمل خاصة إذا كان متعدد الأجزاء، يتساءل البعض: ما الجديد الذى يمكن أن يضيفه أسامة بعد ليالى الحلمية؟ أو بعد «الراية البيضاء» أو «أرابيسك» و«الشهد والدموع» و«زيزينيا» أو «البشرى» أو «امرأة من زمن الحب» أو «كناريا» و«عفاريت السيالة»، وفى كل مرة تكتشف أن معينه لا ينضب، وأتصور أن أعماله مازالت قابلة للاستمرار والاكتمال، إذا حاول أى سيناريست التقاط أى خيط درامى صغير فى أحد أعماله محاولاً إكماله فى عمل جديد.

كان بودى الحديث عن صحبة الراحل الكبير فى شقة الإسكندرية ومقاهى القاهرة وريف القلىوبية والشرقية وحواراتنا الطويلة فى شقته بحدائق الأهرام أو عبر التليفزيون، لكنى لم أشعر بفقده بعد، حتى يتحول الكاتب الكبير إلى خانة الذكريات.. فهل يرحل قوس الكمان؟

اليوم السابع المصرية في

29/05/2010

 

وهج مقدس

سعيد شعيب 

كانت المرة الأخيرة التى رأيت فيها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة منذ حوالى عام تقريبا، التقينا فى حجرة الضيوف فى التليفزيون المصرى، وتحادثنا طويلا أنا وهو وصديقى أكرم القصاص، وتواعدنا على لقاء قريب، لكنه مثل معظم المواعيد مع الأحبة لا تتم بسبب ضيق الوقت واللهاث وراء أكل العيش.

تعرفت على الكاتب الكبير رحمه الله منذ حوالى 20 عاما، وكان من حسن حظى أننى استمتعت بصحبته لساعات طويلة، رغم أنها مرات قليلة، فهو لم يكن فقط كاتبا دراميا عظيما، ولكنه كان مفكرا بكل معنى الكلمة، وأقصد بهذا التعبير قدرته على إنتاج الأفكار، وفى معظمها جديدة ومبتكرة، ناتجة عن روح قلقة، متمردة، شأن كل المبدعين الكبار الذين لا يعيدون إنتاج الملقى على الأرصفة، لكنه دائم البحث عن إجابات لأسئلة وجودية، هذه الأسئلة التى تواجه الإنسان منذ بداية الخليقة، وفى الأغلب الأعم، الأسئلة تنتج أسئلة لا نهائية.

لذلك لم تكن قيمة الكاتب الكبير فقط فى البعد السياسى فى أعماله، الموقف من كل المراحل التى مرت بها مصر، ورغم أنه قدم رؤية عميقة ومثيرة للجدل قبل وبعد يوليو 1952، مرورا بفترة الرئيس السادات ومن بعده مبارك، لكنه فى كل هذا يبحث عما هو أعمق، أسئلة وجود مصر، وأسئلة الوجود الإنسانى.

وأظن أن هذا بالضبط ما منح أعماله كل هذه الحميمة والعمق، وما جعل المختلفين معه فى السياسة يعجزون عن عداوته، فكتابته فيها ما هو أبعد من ذلك بكثير، فيها ما يجمع كل البشر على اختلافهم، فيها الوهج المقدس للحياة.

رحم الله الكاتب العظيم، وجمعنا وإياه مع الأحبة فى دار الحق...

اليوم السابع المصرية في

29/05/2010

 

الديك: عكاشة مفرط الحساسية.. صعب أن تحدده الكلمات

البشاير :حنان مختار: 

رحل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بعد صراع مع المرض وترك العديد من البصمات الثرية التي أثرت بشكل أو بأخر في المجتمع المصري فقد عبرت كتاباته وبحق عن كافة طبقات المجتمع المصري واستطاع بقلمه وفكره أن يغوص في أعماق ونخاع النفوس البشرية المختلفة من الشخصية المصرية البسيطة التي تبحث عن رزق اليوم إلي الشخصية الأرستقراطية التي لا تلقي بال بمعاناة الغير ....

رقد جسمان الراحل في ترب الغفير ليواري التراب الجسد ويبقي الإبداع معبراً عن فكره ورؤيته ......

وفي مداخله تلفونية مع السينارست بشير الديك لبرنامج 48 ساعة قال :أسامة أنور عكاشة هو صانع الأدب التلفزيوني وهو مفكر شديد الثقافة والثراء والحساسية لدرجة الإفراط ومن الصعب أن نوفيه حقه أو نحدده في كلمات .

وفي مداخلة تلفونية مع الكاتب الصحفي بلال فضل قال :أسامة عكاشة هو "نجيب محفوظ " الدراما وهو صاحب الخلطة السحرية لتاريخ مصر .

وكان في الفترة الأخيرة يأخذ مخدر شديد ليقدر علي الاستمرار في استخدام جهاز التنفس، وقد رأيته أخر مرة أنا وصلاح السعدني ...

وأخر ما كتب عن أن الأمل في إنقاذ مصر يبدأ من حزب الوفد وكان مهتم بذلك من خلال أعماله .

البشاير المصرية في

29/05/2010

 

لم تهزمه البقرة المقدسة

طارق الشناوي

منذ أن تغيرت طبيعة الدراما التليفزيونية قبل نحو 10 سنوات صارت قضية «أسامة أنور عكاشة» هي التصدي للبقرة المقدسة.. وكان يقصد بها الإعلانات.. كان «أسامة» يري أن الكل يعبدها فهي التي شكلت ملامح الدراما في كل المسلسلات خلال السنوات الأخيرة وتحديداً بعد أن اقتحم الشاشة الصغيرة عدد من نجوم ونجمات السينما وفرضوا قواعدهم وصارت وكالات الإعلان هي التي تحدد توقيت عرض المسلسل وذلك طبقاً لعدد إعلانات الزيت والسمن والشيبسي التي تتهافت علي المسلسل، وكثيراً ما دخل «أسامة» معارك ضارية لمواجهة مظاهر الخضوع التي ارتضي بها مع الأسف الآخرون.. لم يكن «أسامة» ضد النجوم ولكن ضد أن نفصل الأعمال الدرامية علي مقاسهم.. كان ومعه عدد من المخرجين والكتاب يناضلون في هذا الاتجاه وعلي رأسهم «إسماعيل عبدالحافظ»، «محمد فاضل»، «إنعام محمد علي»، «محفوظ عبدالرحمن».. «وحيد حامد».. النص أولاً هو شعار «أسامة» الذي لم يكن يقبل أبداً مهنة الترزي ليفصل ما يراه النجم ملائماً علي مقاسه.. قال لي كاتب كبير وشهير لقد صارت يدي مرتعشة فأنا أكتب وأفكر في التورتة المفروض أن ينالني جزء منها دائماً ما يزغلل عيني حجم القضمة التي سوف أنالها.. يقصد الفلوس التي ترصد للمسلسل وهو لن يحصل علي شيء إلا إذا وافق النجم ولهذا صارت أيدي أغلب الكتاب حتي الكبار منهم مرتعشة لأنه إذا عبر عن نفسه بعيداً عما يريده النجم ربما يتم التخلص منه ولهذا قبل أن يسأل نفسه عن منطق الدراما يسأل نفسه عن المنطق الذي يحكم الفنان الذي يتعامل مع النص.. «أسامة» لم أضبطه يوماً إلا ويده «واثقة»، أما عدد كبير من الكتاب فلقد كانت أياديهم «موثقة».. خذله النجوم أكثر من مرة لكنه لم يستسلم مثلاً كتب الجزء الثالث من «زيزينيا» وكان ينتظر أن يستكمل «الفخراني» المسيرة لا يوجد من يلعب دور «بشر عامر عبدالظاهر» بطل «زيزينيا» سوي واحد فقط «يحيي الفخراني» ولكنه انسحب ولم يستطع أن يقدم بديلاً له.. وأجهض مشروعه كان قد حدث في الجزء الثاني من نفس المسلسل «زيزينيا» موقف مشابه عندما اعتذرت «آثار الحكيم» عن دور «عايدة» ووقع اختياره هو والمخرج «جمال عبدالحميد» علي «هالة صدقي» أما هذه المرة ومع اعتذار «الفخراني» كان من المستحيل استبداله بأحد.. في «المصراوية» الجزء الثاني فوجئ باعتراضات «غادة عادل» و«هشام سليم» فتم التغيير إلي «ميس حمدان» و«ممدوح عبدالعليم».. قبل ذلك مسلسل «حسن أرابيسك» كان مرشحاً له في البداية «عادل إمام» ولم تتوافق القناعات بين «أسامة» و«عادل» في توقيت ما كان المرشح هو «محمود عبدالعزيز» ثم استقر الأمر علي «صلاح السعدني» وهو واحد من أكثر المقدرين لموهبة «أسامة» وهو أيضاً كان يقدر موهبة «السعدني».. لم يكتب «أسامة» لنجم ولكن كان يكتب حالة إبداعية.. حتي مسلسل «ضمير أبلة حكمت» لم يكتبه لفاتن حمامة ولكن ألح عليه كفكرة وقدمه لإنعام محمد علي بعد أن أسفر لقاؤهما معاً عن المسلسل الناجح «الحب وأشياء أخري» بطولة «آثار الحكيم» و«ممدوح عبدالعليم».. ثم اكتشف أن «فاتن» متحمسة بل وضعت شرطاً واحداً للتمثيل للتليفزيون وهو أن يكتب «أسامة» لها النص الذي تقدمه، وبعد أن قرأت كانت لها هي والمخرجة «إنعام محمد علي» عدد من الملاحظات الثانوية.. «فاتن» هي التي اقترحت أن تذهب إلي منزل «أسامة» لتناقشه شعرت بأنه ليس من اللائق أن يأتي هذه المرة إلي منزلها، هل رأيتم رقة في التعامل مع الكبار أكثر من ذلك؟! وهكذا نري «فاتن» تعطي درساً في العلاقة التي ينبغي أن تسود بين النجم الكبير والكاتب المبدع.. «البقرة المقدسة» غيرت الكثير من قواعد اللعبة الدرامية وتأثر أيضاً «أسامة» بها، فلقد كان يعرف أن النجوم أسلحة لتوصيل أفكاره، ولكنه اكتشف أن بعضهم صار سلاحاً لاغتيال أفكاره ويتوقف عن الكتابة لهم ولكن أبداً لم تتوقف معركة «أسامة».. ظل يكتب ويبدع إلي اللحظة الأخيرة وحافظ علي اسمه باعتباره علامة الجودة.. لم يهزم «البقرة المقدسة» التي لا تزال تملك مقاليد الحكم في التليفزيون لكنها أيضاً وهذا هو الأهم لم تهزمه!!

الدستور المصرية في

29/05/2010

 

رسول الحكايات

عمرو خفاجي 

صباح أمس هبط الحزن على مصر عندما رحل أسامة أنور عكاشة.ولأنه ـ أى أسامة أنور عكاشة ـ كان أقوى من الحزن وأشجع من الاستسلام له فسأفعل مثله وأدع الحزن جانبا كاسيا جنبات الروح تاركا المجال لكلمات يجب أن تقال عن رجل مصر وعقلها الوطنى وفنها الإنسانى وإبداعها الفذ.

أسامة أنور عكاشة لم يكن مجرد كاتب تليفزيونى كبير أو أديب قدير أو مفكر مبدع أو فنان خلاق، بل كان كل ذلك وأكثر.. كان أحد أهم أبواب فهم مصر والمصريين.. فهم الوطن والمواطن.. لم يكن مثل«الجبرتى» منتبها فقط لما يحدث من حوله.. بل منبها من حوله بما يحدث شارحا موضحا ناصحا مخلصا.. عميقا فى كل فكرة يطرحها.. صادقا فى كل حكاية يحكيها.. أمينا فى كل رواية يكتشفها من جنبات تاريخ وطنه.

أسامة أنور عكاشة «المولود فى دلتا مصر (طنطا) شمال البلاد وابن محافظة كفر الشيخ قبل الثورة بسنوات إحدى عشرة». لم يكن سجينا لعالم القرية، ولم يكن أسيرا لإغواء المدينة.. ولم يكن عبدا لكتابة براقة أو خادما لموهبة جبارة.. بل كان رسول الحكايات عن الفلاحين والعمال والبسطاء.. كاشفا همومهم مبشرا بالخير لهم.. لم يكن ظالما للأغنياء، بل مكتشفا لثرائهم الوطنى قبل ثراء خزائنهم.. لم يكن أسامة تقليديا وهو يحدثنا عن الخير والشر.. عن الغنى والفقير.. لم يكن محترفا للكتابة.. ولا هاويا للفن..

بل كان الباب الواسع لفهم ما لم نفهمه عن بلادنا وتاريخ بلادنا.. عن الثورة وما قبلها.. عن الانفتاح وما بعده «ليالى الحلمية».. عن القومية العربية وثقافة البحر الأبيض المتوسط «أرابيسك» عن قوة المصرى الأصيل وحيويته «الشهد والدموع» عن الخوف من جبروت المدن «على أبواب المدينة» عن الصانع صاحب الحق الضائع «بوابة الحلوانى» عن المصرى النموذجى الذى لا يكل عن إصلاح ما فسد «أبو العلا البشرى».. وعن.. وعن.. وعن.. عن كل ما يعنى المواطن.. وكل ما يجب أن يعتنى به الوطن.

أسامة.. وها قد رحل الرجل، لم يكن المؤلف الذى يبحث عن الشهرة ولا الأديب الباحث عن المجد.. ولا المفكر المتقدم الصفوف.. أسامة كان جزءا نبيلا من عقل مصر.. حكى لنا ما استعصى علينا.. حكى لنا ما كن يجب أن يُحكى إلينا.. ولم يعد لدينا إلا أن نحكى عنه، بعد أن نرفع الحزن عن عقولنا وأرواحنا.

أسامة من غرفة مكتبه، ضائقة الجدران، واسعة البهجة والمعرفة فى الجيزة.. إلى مكتبه الهادئ فى نهايات حى الهرم التاريخى.. وبينهما مقاعد على مقاهٍ متفرقة بين القاهرة والاسكندرية.. عشقه الجنونى.. مع الأقلام الملونة التى كان يكتب بها.. وصوت هدير البحر.. وصورة عبدالناصر.. وصوت أم كلثوم.. وأوقات ارتفعت فيها آهات إعجاب إبراهيم عيسى.. تصفيق محمود الكردوسى الصامت.. عرفت أسامة أنور عكاشة ثلاثين عاما كاملة..عرفت وتأكدت أن مصر بها رجال هم سادتها وحضارتها.

أسامة أنور عكاشة.. رحل وستبقى حكايات أسامة أنور عكاشة دليلا على أن هذا الشعب لن يموت أبدا.
شكرا يا رسول الحكايات.

*نقلا عن " الشروق" المصرية.

العربية نت في

29/05/2010

 

فشل رحلته إلى الكويت عام 1970 فجّر لديه مواهب السيناريوهات التلفزيونية

أسامة أنور عكاشة «خارج الدنيا» ... بعد صراع مع المرض

القاهرة - «الراي»

غيّب الموت، أمس، الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة عن عمر يناهز 70 عاما بعد صراع مع المرض.

وكان الرئيس المصري حسني مبارك أصدر قرارا الأسبوع الماضي بعلاج عكاشة على نفقة الدولة، وتوفير الرعاية الكاملة له باعتباره أحد رموز الإبداع الأدبي في مصر.

ويعتبر عكاشة واحدا من أبرز كتاب الدراما التليفزيونية في مصر والعالم العربي، وهو من مواليد 27 يوليو 1941 في مدينة طنطا في محافظة الغربية، وتخرج في كلية الآداب العام 1962.

وقد بدأ حياته بكتابة القصة القصيرة عندما أصدر مجموعته الأولى «خارج الدنيا» 1968، ثم أصدر روايته «أحلام في برج بابل» العام 1984، وبعدها توالت أعماله الأدبية.

تعرض عكاشة في بداية حياته العملية لظروف صعبة، وعمل في البداية مدرسا في صعيد مصر، ثم موظفا في جامعة الأزهر في القاهرة، حتى سافر العام 1970 إلى الكويت وهناك، وعلى عكس ما توقع، فشلت رحلته ماديا ومعنويا وعاد محبطا تماما حتى استطاع صديقه المخرج الراحل فخرالدين صلاح أن يقنعه بالكتابة للتليفزيون، وقدم له العديد من النصوص والسيناريوهات التليفزيونية، كي يستدل بها في تعلم حرفية السيناريو وكيفية كتابته. وفعلا بدأ مشواره مع الكتابة للتليفزيون منذ العام 1974 بسباعية «الإنسان والحقيقة»، التي شارك في بطولتها عدد من نجوم التليفزيون الكبار - آنذاك، ثم قدم بعدها أعمالا عدة منها: «الأبرياء»، «الحصار» و«المشربية» إلى أن جاءت انطلاقته الكبرى من خلال مسلسل «الشهد والدموع» ثم «ليالي الحلمية»، «أبوالعلا البشري»، «الحب وأشياء أخرى»، «عصفور النار»، «النوة»، «الراية البيضاء»، «مازال النيل يجري»، «أرابيسك»، «زيزينيا» و«أميرة في عابدين»، «كناريا وشركاه»، و«المصراوية».

كما قدم للسينما عددا من الأفلام منها «كتيبة الإعدام»، «دماء على الأسفلت» الذي قدمه مع المخرج الراحل عاطف الطيب. أما في المسرح فقدم «القانون وسيادته» و«البحر بيضحك ليه» على مسرح القطاع الخاص، لكنهما فشلتا ولم تحققا أي نجاح إلى أن قدم منذ عامين مسرحيته «الناس اللي في التالت» على مسرح الدولة، ونالت تقدير النقاد والجمهور، كما قدم مسرحية «في عز الضهر» على المسرح نفسه.

وكان عكاشة أثار أزمة ثقافية دينية حادة في العام 2004 - بعد هجومه عبر تصريحات صحافية على الصحابي عمرو بن العاص - رضي الله عنه، ونعته بأوصاف لا تليق بأحد صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم، وتطورت الأمور إلى حد تقديم أحد المحامين دعوى قضائية يطالب فيها بالتفريق بين عكاشة وزوجته، باعتبار أنه خرج عن ملة الإسلام.</< p></< div>

الراي الكويتية في

29/05/2010

 

عفاريت السيالة والمصراوية وليالي الحلمية يودعون أسامة أنور عكاشة

محيط ـ عادل عبد الرحيم 

رحل عن عالمنا أستاذ من جهابذة الأدب الواقعي، إنه الكاتب القدير أسامة أنور عكاشة الذي يعتبره الكثيرون وبحق امتدادا شرعيا للأديب العالمي نجيب محفوظ، من حيث تشريح المجتمع المصري والغوص في أعماقه للدرجة التي تضع المتلقين في قلب الحقبة الزمنية التي يعالجها.

وقد تميز عكاشة عن سائر أقرانه بجمال الأسلوب ودقة الأوصاف وسلاستها بصورة تجعلك لا تملك إلا أن تنبهر بروعة السيمفونية الفنية التي تأسر جميع حواسك.

واستطاع عكاشة طوال رحلته مع الأدب أن يوظف إمكانياته لتجميل وجه فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فهو المجاهر دائما بعشقه وإيمانه الكامل بقدراته الكاريزمية حتى أنه تشجع وقال في إحدى تسجيلاته مع الإعلامية منى الحسيني أن تاريخ مصر قد توقف برحيل عبد الناصر وأنه حتى الآن لم ير زعيما غيره لمصر، مما أخرج الكاتب الراحل من عباءة مجاملة الحكام.

هذا بالإضافة إلى كثير من الأقلام التي رأت أن هذا الكاتب غير وجه الدراما التلفزيونية، ونقل الرواية من الورق إلى الشاشة فهو واحد ممن صنعوا البهجة واحتفظوا بالكثير من ذاكرة الأمة.

قدم في ليالي الحلمية تاريخا اجتماعيا واقتصاديا لمصر أنصف فيه المصريين بكل تناقضاتهم وتاريخهم، وعبر عن مختلف الطبقات وشرائح المجتمع كما بدا في روايتيه الشهيرتين عفاريت السيالة وزيزينيا اللتان قدم من خلالهما وصفا لا يقارن بالمجتمع الساحلي المتمثل في معشوقته الأبدية محافظة الإسكندرية.

فمن خلال العديد من أعماله قدم أسامة أنور عكاشة الصراع الإنسانى بواقعية وبلا خطابة أو ادعاء، لهذا فقد بقيت أعماله خالدة تماما تبقى شاهدا على انتقالات وتحولات تاريخ مصر، لقد قدم تجارب أخرى كانت رائعة تماما فى الراية البيضا وقبلها الشهد والدموع أو أرابيسك، لكنه ظل مشغولا بالصراع البشرى.

وقد بدا عكاشة حريصا فى بعض الأحيان على إصدار مجموعات قصصية فى كتب، فهو القادم من عالم الرواية المقروءة، قدم الكثير من المغامرات السينمائية والمسرحية، لكنه ظل الروائى الذى يحاول الإمساك بالتاريخ وأسئلته والمجتمع وألغازه، دون أن يتخلى عن الإمتاع والتشويق، وهى سمة الأدب الجيد.

عبر عكاشة عن الكثير من الأفكار السياسية والاجتماعية بشكل يفوق الكثير من الأعمال الأدبية، وليس مصادفة أن يبدأ أسامة من حيث انتهى أو كاد نجيب محفوظ، صحيح أنه عاد إلى الوراء فى العشرينات وإلى الريف المتطلع إلى المدينة فى المصراوية، لكنه لم يتخل عن رغبته فى التقاط تحولات المجتمع المصرى. 

شبكة محيط في

29/05/2010

 

اسامة انور عكاشة ومحاولة اعادة قرأة التاريخ المصري المعاصر

رياض ابو عواد

القاهرة - ا ف ب: لا شك في ان الكاتب والمفكر اسامة اسامة انور عكاشة, الذي رحل امس عن عالمنا, كان له تاثير كبير على اجيال مصرية وعربية عاشت وتابعت الدراما التي اثرى بها التلفزيون المصري والعربي لسنوات طويلة.

يبرز اسم عكاشة كواحد من اهم المؤلفين وكتاب السيناريو مقدما اعادة قراءة للتاريخ المصري المعاصر في مسلسلاته التي صنعت العصر الذهبي للدراما المصرية قبل انتشار القنوات الفضائية وما تبعها من زيادة في الانتاج ادت الى ركاكة وهشاشة العديد من المسلسلات.

فمن اهم ما يميزه عن غيره من كتاب الدراما انه صاحب موقف في اعادة قراءة التاريخ المصري بعيدا عن رؤية المؤسسة الرسمية ليقدم جيلا عاش على الهامش وحمل احلاما كبيرة وعاني ايضا من هزائم كبيرة طبعت شخصيته بمزيج من الفرح والمرارة لكنها لم تفقده الرغبة في السعي الى تحسين ظروفه.

يتجلى ذلك في شخصياته الدرامية مثل شخصية "علي البدري" (قدمها على الشاشة ممدوح عبد العليم) في مسلسل "ليالي الحلمية" الشهير حيث تشاهد الاحلام الكبيرة والهزائم القاسية وضياع بوصلة جيل النكسة بين الحلم والهزيمة.

ومن خلال شخصياته المختلفة في هذا المسلسل مثل نازك السلحدار (صفية العمري) وسليم البدري (يحي الفخراني) والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) يقدم برؤية جديدة تاريخ مصر منذ الملكية وموقف كل طبقة من الطبقات والشرائح الاجتماعية بكل تناقضاتها بطريقة تنصف هذا الماضي الملكي وتقدمه كمرحلة تطور اجتماعي وسياسي.

فهذا المسلسل, الذي قدم على مدار خمس سنوات في شهر رمضان وشكل معلما من معالم الاسرة العربية التي كانت تحدد زياراتها ونشطاتها تبعا لمواعيد عرضه, قدم الانتقالات السياسية منذ الحرب العربية الاسرائيلية الاولى قبل عام 1948 وما اعقبها من اعلان قيام الدولة اليهودية واثرها على تطور المجتمع المصري مرورا بحرب اكتوبر وصعود التيار الديني وسياسة الانفتاح الاقتصادي الذين غيروا نهائيا وجه المجتمع المصري لتفقد اللحظة دفئها وانسانيتها في اطار الجماعة وليصبح الفرد هو المركز حسب الرؤية التي قدمها عكاشة في هذا العمل.

وعكاشة الذي ولد عام 1941 في مدينة طنطا وسط الدلتا لم يكن يحلم ان ياتي يوما يكون فيه من اشهر كتاب الدراما العربية وان يكون من اكثر المؤلفين قدرة على فهم طبيعة الشخصية المصرية كما ظهر في نماذج اعماله.

ومن هذه النماذج شخصية حسن النعماني في مسلسل "ارابيسك" التي قدمها الفنان صلاح السعدني وما حملته ايضا من احلام مذبوحة وهزائم متكررة وكذلك شخصية بشر في "زيزينيا" التي قدمها الفنان يحي الفخراني والتي تطرق من خلالها الى الوضع السياسي والاجتماعي والتعددية الحضارية التي ميزت مجتمع مدينة الاسكندرية في ظل الصراع بين الوطني وبين الاجانب الذين مثل بعضهم بعدا استعماريا فيما اندمج اخرون منهم ولا سيما اليونانيون في المجتمع المصري ليصبحوا جزءا لا يتجزأ منه.

ولم يكتف عكاشة بذلك بل حاول ان يخلق الشخصية الايجابية التي تحارب الشخصية السلبية التي سادت بعد سياسة الانفتاح الساداتية مثل شخصية الفنانة فاتن حمامة في "ضمير ابلة حكمت" ومحاربتها كل مظاهر الفساد التي تبعت سياسة الانفتاح.

ومن اهم اعماله التي لم تكتمل للاسف اعادة كتابة تاريخ مصر في مسلسل "المصراوية" انطلاقا من الريف والصراع بين الحركة الوطنية المصرية مع الاتراك ومع الاستعمار الاجنبي والاندفاع اتجاه استقلال مصر.

وقد بقي الراحل الذي شيعت جنازته ظهر امس الجمعة وفيا لموقفه السياسي المطالب بقيام مصر بدورها على الاساس الاقليمي العربي والعودة الى موقعها الريادي في قيادة المنطقة بعد تراجع دورها الاقليمي بشدة.

فهو لم يهادن اصحاب الفكر الديني الذين يسعون الى ردة تعود بالبلاد الى الوراء مهاجما بلا هوادة اصحاب الفكر الوهابي المستورد من السعودية.

يشار الى ان اسامة انور عكاشة بدأ حياته ككاتب قصص قصيرة بعد تخرجه من جامعة عين شمس عام 1962 وعمله في مناطق مختلفة من الريف الى المدينة كما كتب الرواية والمسرحية والمقال.

ترك عكاشة حوالي اربعين مسلسلا اهمها "ليالي الحملة" "زيزينيا" و"ارابيسك" اضافة الى "الشهد والدموع" و"المشربية" و"الراية البيضا" و"عصفور النار" و"مازال النيل يجري" و"كناريا وشركاه" و"الحب واشياء اخرى" و"رحلة السيد ابو العلا البشري".

اضافة الى سهرات درامية تجاوز عددها ال15 وعدد من الافلام من بينها "كتيبة الاعدام" و"الهجامة" و"تحت الصفر" و"دماء على الاسفلت" و"الطعم والسنارة" و"الاسكندراني".

كذلك كتب عكاشة عددا من المسرحيات اهمها "القانون وسيادته" و"الناس اللي في الثالث" و"البحر بيضحك ليه".

وفي القصة القصيرة كتب عكاشة "خارج الدنيا" و"مقاطع من اغنية قديمة" الى جانب روايات "احلام في برج بابل" و"منخفض الهند الموسمي" و"وهج الصيف" و"اوراق مسافر" و"همس البحر" و"تباريح خريفية".

الحياة اللندنية في

29/05/2010

 

غياب أسامة أنور عكاشة أشهر كُتّاب «الأدب التلفزيوني»

القاهرة - علي عطا 

بغياب الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة، الذي وافته المنية أمس عن 69 عاماً، انطوت صفحة مهمة في كتاب الدراما التلفزيونية العربية، اتسمت بتميز المستوى الفني، عبر خيال راق وانشغال عميق بقضايا تؤرق النخبة والعامة على حد سواء، ورواج كبير في الوقت نفسه، لتتحقق بذلك «المعادلة الصعبة»، ما بين الرواج والقيمة. ونظر كثير من النقاد، ومنهم الراحل علي الراعي، إلى عكاشة باعتباره رائد ما يسمى «الأدب التلفزيوني»، خصوصاً بعد مسلسليه «الشهد والدموع» و «ليالي الحلمية» اللذين لا تزال فضائيات عربية كثيرة تكرر بثهما بعدما فتحا الباب أمام إنتاج الأعمال الدرامية التلفزيونية المتعددة الأجزاء.

وطوال مسيرة عكاشة الإبداعية ظل التلفزيون ساحة تميزه الأساسية، فمحاولاته خارج هذا الوسيط التي تمثلت في ستة أفلام أشهرها «كتيبة الإعدام»، ومسرحيات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقليل من الإصدارات الأدبية أولها مجموعة قصصية صدرت العام 1967 تحت عنوان «خارج الدنيا»، لم تحظ بالقدر نفسه من النجاح الذي حققه عبر الشاشة الصغيرة.

وبعيداً من الكتابة الدرامية التي كان يفضل ممارستها في مسكنه الخاص في الإسكندرية في أوقات معينة من العام، انشغل عكاشة خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة من عمره بكتابة المقالات الصحافية والظهور في الفضائيات للتعبير المباشر عن آرائه المناوئة للتطبيع مع إسرائيل وعجز جامعة الدول العربية، وللمد الأصولي والانفتاح الاقتصادي وحتى ما سماه «الفتح الإسلامي لمصر»، ما أدخله في خصومات مع بعض رموز نظام الحكم في بلده ومعارضي ذلك النظام في الوقت نفسه، بل امتدت تلك الخصومات إلى دول عربية أخرى كان ينتقد سياساتها.

عمل عكاشة في وظائف صغيرة عقب تخرجه في كلية الآداب في جامعة عين شمس العام 1962 حتى قرر التفرغ تماماً للكتابة بدءاً من العام 1982. بدأ مسيرته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ثم الرواية، وكتب كذلك للمسرح، لكنه ظل كاتباً مجهولاً حتى بدأ عرض مسلسل «الشهد والدموع»، وهو عمله التلفزيوني الثاني بعد مسلسل «المشربية». وأغرى النجاح الساحق الذي حققه «الشهد والدموع» عكاشة بأن يكتب جزءاً ثانياً منه، نال أيضاً شهرة واسعة، فكتب بعد ذلك عمله الملحمي «ليالي الحلمية» في خمسة أجزاء.

ويبلغ عدد الأعمال التي كتبها عكاشة للتلفزيون 40 مسلسلاً تعاون فيها مع عدد من المخرجين البارزين مثل إسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل، كما تعاون مع عدد من أهم نجوم التمثيل مثل فاتن حمامة التي قدمت مسلسل «ضمير أبلة حكمت» وسميرة أحمد التي قدمت مسلسل «أميرة من عابدين»، وآخر مسلسلاته هو «المصراوية» الذي عرض الجزء الأول منه في العام 2007. وحصل عكاشة على جائزة الدولة للتفوق في الفنون العام 2002، وفي العام 2008 حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون أيضا،ً وليس في الأدب، مع أنه كان أديباً متميزاً وليس مجرد كاتب سيناريو.

الحياة اللندنية في

29/05/2010

 

رحيل أسامه أنور عكاشة .. أشهر كتاب السيناريو العرب

القاهرة - الدستور الثقافي - وائل السمري 

خالصا في حبه مخلصا ، واضحا في نقده صادقا ، من رآه أحبه ، ومن سمعه أعجبه ، ومن قرأ له التمس في كل كلمة حبه الشديد للإنسان وخوفه من تقلب الزمن ونوائبه ، أسامة أنور عكاشة المولود في 27 يوليو 1941 توفى أمس الجمعة بعد مرض طويل تحمله صامدا ، وفترة عناء قصيرة سرعان ما أنهاها ليعلن في إباء نهاية حياته بعد أن ملأها حبا وفنا وإخلاصا لوطنه الكبير. الحزن على أسامه أنور عكاشة في مصر لم يكن عاديا ، فقد اعتبره المصريون أبا ومعلما ، ومن يستطلع تعليقات القراء على خبر وفاته يتأكد من فداحة الخبر الأليم ، إذ نعاه أحد القراء قائلا: كنت أعتبره بمثابة الأب والأم ، ومن أعماله تعلمت وعليها تربيت ، وبلا شك تعتبره الأسرة المصرية والعربية واحدا منها ، إذا شاركنا أحلامنا وهزائمنا ونكساتنا ومصائبنا وأفراحنا وموائدنا ، وكان علامة مبهجة بها نسترشد على قيم الأصالة والحب والحرية وإعمال العقل والإيمان به ، ويعتبره الفنانون عميد الدراما العربية وأستاذها الذي تعلم منه أشهر كاتبي السيناريو الآن ويدينون له بالفضل ويقدرونه تقدير التلميذ للأستاذ. علاقته بنجوم التمثيل الكبار تتجاوز حدود العمل بين المؤلف والنجم ، فقد كان رحمه الله "نجم شباك" تتابع الناس مسلسلاته وأعماله الدرامية بمجرد أن يروا اسمه على تترات المسلسل ، لذا كان صانعا للنجوم وأبا روحيا للعديد من علامات الفن المصري أمثال صلاح السعدني ويحي الفخراني وهشام سليم وممدوح عبد العليم وآثار الحكيم وإلهام شاهين وجميل راتب وخالد زكي ، وغيرهم الكثير ، شخصياته الفريدة كانت تصنع مثالا للشخصية الأصيلة الفاضلة المثالية ، التي تحاول التغلب على الظلم والفقر والطغيان والانمحاء والتدهور بفروسية وشجاعة ونبل ، الراية البيضا ، لما التعلب فات ، عصفور النار ، رحلة أبو العلا البشري ، وما زال النيل يجري ، ضمير أبلة حكمت ، الشهد والدموع ، ليالي الحلمية ، أرابيسك ، زيزينيا ، امرأة من زمن الحب ، أميرة في عابدين ، المصراوية ، وقال البحر ، كلها أعمال تنادي على القيم الجميلة في الإنسان وتتشبث بها كما يتشبث الغارق "بقشة" يوقن أنها لن تنقذه ، لكنه يؤمن أنها وسيلته للتعلق بالحياة وأمله الأخير في إصلاحها ، فيظل يصارع الأمواج الطائشة الغادرة ، ويشكل في صورة رمزية صنعها في فيلمه "كتيبة الإعدام" جيش المخلصين الذين يحاربون الظلام والخيانة والاسترخاص. الصدق هو العنوان الكبير الاسم الحقيقي لعكاشة المولود في مدينة طنطا محافظة الغربية ، والمتخرج في كلية الآداب عام 1962 ، ظل ينشده ويصدم به الأغيار ، وبالصدق عاش وبالصدق كتب ، وبالصدق أحبه الناس ، لم تمنعه جماهيريته العريضة من التصريح بما يصدمها ويزلزل معتقداتها ، في زمن أصبح نفاق الجمهور هو العرف المتبع ، آراءه الصادمة التي أفقدته الكثير من المكاسب السريعة حمته من شبه الرياء والممالأة ، ومنها اكتسب مصداقيته وكسب نفسه التي لا تعرف التلون ولا التظاهر بخلاف ما يبطن ، وبرغم ما عرف عنه من تعصبه للقومية العربية وتماهيه مع الحلم الناصري ، لكنه لم يقدر كتمان شهادته حينما رأى هذا المشروع الكبير يتهاوى بعد احتلال العراق للكويت ، فطالب بحل جامعة الدول العربية وإنشاء "منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية" لكنه عاد في مقالات متفرقة إلى الاستئناس بالحلم العربي الكبير ، وكأن الحنين يجذبه ويشده إلى ما تربى عليه ووعاه ودرسه ، صدقه أيضا لم يمنعه من انتقاد بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية مثل عمرو بن العاص بجرأة نادرة ، متحملا أثر انتقاده ويلات المتشددين ونيرانهم الموقدة ، وبرغم هجوم الكثيرين عليه لكن لم يستطع أحد أن يشكك في صدقه وولائه ومحبته للإنسان العربي من المحيط إلى الخليج.

الدستور الأدرنية في

29/05/2010

 

رمضان المقبل يفتقد أسامة أنور عكاشة

والشاشات العربية بلا إبداع "عميد الكتّاب"

القاهرة ـ رامي ابراهيم

غيّب الموت امس عميد كتاب الدراما العربية اسامة انور عكاشة عن 69 عاما لتفتقد شاشات التليفزيون العربية في رمضان المقبل ابداعاته للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود، وهو المؤلف الاول الذي احرز نجومية تفوقت على الممثلين حتى باتت المسلسلات تباع لوجود اسمه عليها ويقبل عليها المشاهد.
عالجت اعماله فكرة الصراع بين المال والقيم مستخدما عددا من الافكار التي كررها مثل حالات سقوط ثروة مالية كبيرة على احد الاشخاص ليكتشف في النهاية عدم جدواها مثل مسلسل "ضمير ابله حكمت" و "سوكا واخواتها" ، وعالج فكرة الصراع على السلطة في "عصفور النار" مستفيدا من ثقافته الواسعة وناقلا الدراما التلفزيونية من عصر الى آخر حتى صارت لونا من الوان الادب المعترف به وخاصة ان الحوار الذي انطق ابطاله به كان راقيا ومحملا بمستويات عالية من البلاغة وكادت بعض اعماله ان تقترب من لغة الحكاية الاسطورية.

وأبدع أسامة في كتابة مسلسلات الأجزاء بشكل كبير، ومنها رائعته "ليالي الحلمية" التي تعلق الجمهور بأجزائها الـ5، وساهمت بشكل كبير في وضع أبطالها يحيى الفخراني وصلاح السعدني وممدوح عبد العليم، في مكانة خاصة لدى الجمهور وخاصة أنه حافظ على إيقاع الأجزاء ولم يقع في فخ التطويل والمد.

ولا ينسى الجمهور العديد من المسلسلات التي كتبها أستاذ الدراما المصرية، ومنها مسلسل "الراية البيضا"، الذي قدمته الفنانة سناء جميل وجسدت فيه دور "فاطمة المعداوي" وجميل راتب الذي جسد شخصية السفير "مفيد أبو الغار" ليوضح الصراع بين المال والثقافة، ويلقي الضوء على التغيرات التي حدثت في المجتمع ونمو طبقة اجتماعية جديدة تملك المال دون الثقافة، وبالتالي لا تقدر قيمة التاريخ، ويبقى المشهد الأخير في المسلسل ليؤكد محاولات أسامة التصدي من خلال كتابته، لكل التغيرات الدخيلة على المجتمع وملامح الفساد، بوقوف أبطال العمل الذين يمثلون الجانب المثقف، ومنهم جميل راتب وهشام سليم، في وجه قوة ونفوذ وأموال سناء جميل التي تريد هدم فيلا مفيد أبو الغار، بوقوفهم في وجه بلدوزر الأوقاف.

كتابات أسامة للدراما التلفزيونية تعد بمثابة أعمال بارزة يحفظها الجمهور، ويلقي من خلالها الضوء على محاولات البعض التمسك بمبادئهم وقيمهم الأصيلة في مواجهة التغيرات التي تحدث في المجتمع وتتسبب في فساده، ومنها "ريش على مفيش"، و"عصفور النار"، و"رحلة أبو العلا البشري"، و"ضمير أبله حكمت" عام 1991، الذي نجح وقتها أسامة في إقناع فاتن حمامة بالوقوف أول مرة أمام كاميرا التلفزيون، حيث جسدت دور حكمت ناظرة مدرسة للبنات، وأيضا مسلسل "امرأة من زمن الحب"، و"أميرة في عابدين" بطولة سميرة أحمد، و"المصراوية"، وغيرها من الأعمال.

وجاءت الوفاة بعد صراع مرير مع المرض. وكان أدخل إلى مستشفى وادي النيل منذ أيام بسبب الأزمة الصحية التي ألمت به، وكان الرئيس المصري حسني مبارك أمر له بتوفير كل ما يلزم من علاج وإمكانيات على نفقة الدولة، علما بأن آخر نكسة صحية ألمت به كانت منذ ثلاث سنوات حين خضع لعملية جراحية في الكلية اليمنى، وهو من مواليد 1941 في مدينة طنطا محافظة الغربية وتخرج من كلية الآداب العام 1962.

ومن أهم المسرحيات التي قدمها عكاشة مسرحية "ولاد الذين" بطولة الفنان محمود الجندى ومنة شلبي وياسر فرج وتامر عبد المنعم. وتدور أحداثها حول الطبقة الفاسدة التي تتمتع بالنفوذ والسلطة ويطلق عليها اسم مارينا، التي تتاجر بكل شيء لتحقيق مصالحها الشخصية، اضافة إلى ذلك يتناول العرض مشكلات البطالة والرشوة الجنسية واغتيال الحرية. كما قدم مسرحيات أخرى عدة منها "الليلة 14"، و"في عز الضهر"، و"الناس اللي في التالت".

الشرق في

29/05/2010

 

من الرواية إلى الدراما

مهاب نصر 

كما بدا نجيب محفوظ مؤرخا وناقدا للتاريخ المصري الحديث الذي أعقب ثورة 19، في أعماله الروائية مجسداً من خلال ثلاثيته الروائية الشهيرة، رحلة الحياة المصرية عبر رواية «الأجيال» التي عرفت من قبل في أعمال الكلاسكيين الأوروبيين، ومعبرا ً عن ذلك من خلال تفكك الطبقة المتوسطة وصراعها الداخلي السياسي الذي افضى في النهاية الى شكلين متباينين: الاسلامي واليساري، جاء اسامة انور عكاشة بزخم هذا العالم الروائي ذاته (هو نفسه بدأ حياته كاتباً قصصياً)، ولكن ليضعه لأول مرة في خدمة الدراما، وليفتتح بذلك تاريخاً مختلفاً للدراما.

فأعماله مثل «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية»، كانت تخلي شوارع المدن او تكاد من المارة حين اذاعتها، ليقرأ المصريون حياتهم لأول مرة على الشاشة بصورة بعيدة عن المبالغات العاطفية، والمطاردات البوليسية ومسلسلات الملل الرتيب ليجعل من الدراما التلفزيونية عملاً عميقاً دسماً ناقداً مؤرخاً بواقعية وبحوار اخاذ لطبقات المجتمع وصراعاته ايضاً من خلال دراما «الأجيال».

ولم يتوقف الصراع عنده كما عند نجيب محفوظ على ابن المدينة البرجوازي، بل كان الصراع «في ليالي الحلمية» بين ابناء الطبقة المتوسطة ذات الاصول الريفية التي يمثلها «العمدة غانم»، والأخرى سليلة تجار المدن التي يمثلها «سليم باشا»، كما جسد العمال وتفتح وعيهم السياسي وطبقات الرعاع من امثال «بسة» وصديقه اللذين كانا يجمعان اعقاب السجائر واللذين استغلا سياسة الانفتاح في السبعينات والثمانينات وانتشار الفساد ليصبحا من اصحاب الملايين متقلبين على كل لون حتى اللون الأصولي بلا ولاء ولا انتماء.

الرمز الحضاري جاء ايضاً في حسن ارابسك، الذي يجسد الصانع والحرفي الفنان سليل العمارة والزخرف الاسلامي الذي يجد نفسه مطالبا مع الاغنياء الجدد بالتحول الى مجرد نجار، متحدياً بثقافته التي انحدرت من مجتمع غني بافكاره وقيمه التقليدية وليس من الكتب، حائراً بين اصالة ضائعة وحداثة ينخر فيها الفساد.

كان عكاشة مأخوذا بالاسكندرية وكتب الكثير من الاعمال الدرامية التي تقع احداثها فيها، مثل «النوة» «زيزينيا» و«الراية البيضا»، وفي الأخيرة يبدو الصراع بين دبلوماسي متقاعد يملك فيللا ذات طابع فريد وبين «المعلمة فضة)» تاجرة الاسماك بنت البلد التي تتحكم في الرجال بقوة وحزم الفتوة والتاجر الحاذق، ومن خلال هذا الصراع من اجل الاستيلاء على الفيللا ينكشف مجتمع كامل باحلامه المزهقة وتحولاته العميقة، من ثقافة الجمال والتمتع الى ثقافة البذخ الجاهل والامتلاك، ومن الادب الارستقراطي الرصين الى الفتوة والعنف في حياة غاب عنها القانون.

ظل عكاشة دؤوبا في قراءة المجتمع رغم اخفاقه احيانا ووقوعه في التكرار او في الارتكاز على انماط مبالغ في فرديتها واصالتها تناضل من اجل التغيير، ولم يخل ذلك من هدف سياسي وتوجيهي وهو ما دفعه لخوض معارك جانبية مع الاسلاميين، خاصة لآرائه حول التاريخ الاسلامي وبالذات شخصية عمرو بن العاص.

مع هذا يبقى اسامة انور عكاشة، ليس فقط صاحب بصمة في عالم الدراما، لكن علامة فاصلة في تاريخها وقدرتها على ملاحقة الواقع بما يضاهي ارقى الأعمال الأدبية.

الشرق في

29/05/2010

 

غيـــاب سيــــد الدرامــــا العربيــــــــــة

بغداد – موفق مكي 

لم يتوصل أي من كتاب الدراما المصريين، من الوصول الى اعماق المجتمع المصري وطبقاته الكادحة، كما توصل اسامة انور عكاشة، ذلك الكاتب الذي اطل على الصراعات والتطورات التي حدثت لذلك المجتمع في تاريخه المعاصر، وبسط امام المشاهد العربي احداثاً يومية، تكاد ان تؤرخ النسيج الشعبي المصري.

عرف عن الكاتب ميوله الناصرية في وقت المكاسب التي اتى بها نظام 23 يوليو في بدايته، ولكنه غير اتجاهه السياسي، ليحوله الى الشعب المصري وآلامه الضاربة في عمق التاريخ. حتى آخر اعماله الدرامية، لم يتخل عكاشة عن اهتمامه الكبير بتفاصيل شعبه، وقصص كفاحه اليومية، ما جعل مسلسلاته موضع انشداد لجمهور الدراما العربية، التي استطاع عكاشة ان يجعلها تنافس مباريات كرة القدم، في بلد يهيم جنونا بتلك اللعبة.الراية البيضا، وقال البحر، عصفور النار، الشهد والدموع، والملحمة الكبيرة ليالي الحلمية، تلك اسماء مسلسلاته التي لم تخرج من ذاكرة المشاهد العربي، والكثير غيرها مما تفنن عكاشة في البحث داخلها عن لحظات الانسان المصري المكافح، وطول معاناته وحياته المريرة عبر التاريخ.

وبرغم عدم وجود ممثل رسمي عن الدولة، التف حول نعش الكاتب، ابطال مسلسلاته المفضلون، يحيى الفخراني، سامح الصريطي، وحيد حامد، محمد العدل، جلال الشرقاوي، محمود ياسين، وعدد من الكتاب منهم يوسف العقيد، فضلا عن عدد كبير من محبي عميد الدراما التلفازية.

وقد شكل رحيل الكاتب اسامة انور عكاشة صدمة لمحبيه من الفنانين الذين عملوا معه طوال فترة 4 عقود، ما جعلهم صامتين امام وسائل الاعلام، رافضين الحديث في تلك الساعات الحزينة من حياة الدراما العربية.

علق الكاتب محفوظ عبدالرحمن، صديق عمر الكاتب، (ان القدر كان اسرع من ابداعات عكاشة، اذ كانت لديه العديد من المشاريع التي كان ينوي تقديمها).

فيما توارى صوت الفنان صلاح السعدني حزنا، وهو يقول ان هذا ثالث خبر حزين يهزني هذا الاسبوع، فبعد وفاة شقيقي، ووفاة الفنان عبدالله الفرغلي، ها هو اقسى الاخبار يبلغنا وفاة عكاشة. وقف صديق عكاشة في الحياة والعمل، المخرج اسماعيل عبدالحافظ والحزن يغطي كيانه، معبرا: (خسرت اليوم توأم روحي وصديق عمري كما خسرت الدراما احد الذين اخلصوا لها طوال عمرهم.

كان اسامة يحاول ان يعكس حياة البسطاء من المجتمع المصري من خلال اعماله).

واعتبر الكاتب يوسف العقيد، ان عكاشة يعد مؤسس الدراما التلفازية الحديثة، وقد قرب بين الادب والدراما وظل طول عمره مهموماً بقضايا المصريين، ويعبر عنها من خلال كتاباته).

محمود ياسين يرى ان الدراما العربية خسرت بوفاة عكاشة استاذاً وضع قواعد الدراما ليسير عليها من بعده من الكتاب، آثار الحكيم، الهام شاهين، والكثير من الفنانين عبروا عن صدمتهم وحزنهم لفقدان هذا الكاتب الفذ، الذي جعل من الدراما العربية مادة ثقافية تاريخية، وليس مادة للتسلية اليومية البسيطة.

الصباح العراقية في

29/05/2010

 

الشهد والدموع

بقلم: عبدالله السناوي

في ذروة الوهج خُيل إليه أنه في سباق مع الزمن، الذي قد يضن عليه بدوام الموهبة والقدرة على كتابة التراجيديات وإثارة الدهشة والإمتاع.. تملكته في نهاية الثمانينيات خشية أنه قد لا يتمكن من أن يحلق عالياً مرة أخري إلى حيث لم يسبقه أحد.. كان قد بدأ لتوه في كتابة الجزء الثالث من ملحمة «ليالي الحلمية».. وكان النجاح مدوياً بصورة غير مسبوقة وشوارع القاهرة تبدو خالية أثناء عرض حلقاتها.. وظن أن بوسعه أن يعطي كل ما لديه مرة واحدة، فأخذ يكتب نصوصاً تليفزيونية وروائية ومسرحية وسينمائية في نفَس واحد.. كأنه يسابق الزمن، وبداخله شعور عميق أن الوهج قد ينطفئ، وأنه إذا لم يكتب الآن، فربما لا يتمكن من الكتابة مستقبلاً بالمستوي ذاته، الذي خلب مشاعر الرأي العام.

وأثار حوارات معمقة حول الأفكار التي طرحتها عن تاريخنا الحديث والمحطات الرئيسية فيه.. ولكن ظنونه لم تكن في محلها.. كانت موهبته استثنائية وفريدة، أسست للكتابة الدرامية باعتبارها أدباً رفيعاً، أو فرعاً جديداً من الأدب ـ على ما قال وقتها الدكتور «يوسف إدريس».. وهذا المعني دفع «محمود السعدني» إلى أن يصفه بـ «المعلم»، الذي يسيطر على الدراما ويدفع بها إلى ذري عالية ورفيعة، ويطلق طاقات الإبداع والتألق في فريق العمل، ويعيد اكتشاف المواهب الفنية، كأنها تمثل للمرة الأولي.. وفي آخر أعماله التليفزيونية «المصراوية» عاد «أسامة» إلى أجواء «الحلمية» ولكن في ريف الدلتا، لا في حي شعبي، وفي أزمان أخري سبقت ثورة (1919).. وهو عمل ملحمي قيمته الفنية عالية، لكن لم يتسن له أن يحصل على ما يستحق من اهتمام ومشاهدة.

في «المصراوية» تبدت ـ مرة أخري ـ مواهب «عكاشة» في كتابة المونولوجات الدرامية العميقة والمؤثرة التي تتجلي فيها مواهب الممثلين وقدراتهم الفنية، كأنه في الكتابة الأخيرة قد عاد إلى كامل لياقته الفنية في الدراما التليفزيونية.

قلق «أسامة أنور عكاشة» الإنساني والفكري والفني، وخشيته من سباقات الزمن، من أسرار تألقه من مرحلة إلى أخري.. هو كاتب في حالة قلق دائم ومراجعة دائمة، التساؤلات تسبقه إلى أعماله، محاولاً أن يكتشف الإجابات في عمق التجربة الإنسانية، من داخل أبطاله، وهواجسهم.. التي تتماهي ـ أحياناً ـ مع هواجسه هو شخصياً.. ويتبدي ذلك بأوضح صورة في مسلسل «أرابيسك»، فسؤال الهوية القلق عند بطله («حسن» ـ الذي جسده «صلاح السعدني»: «من نحن بالضبط: «عرب.. أم فراعنة.. أم أوسطيون.. أم «بزرميط»؟) يلخص أزمة «أسامة أنور عكاشة» نفسه، فقد بدت الأمور أمامه متناقضة واعتقاداته لا تتسق مع ظاهر التطورات حوله، خاصة مع أزمة احتلال الكويت.. راودته الشكوك في سلامة الفكرة القومية والانتماء للعروبة.. والأسئلة القلقة عكست محنته، التي التقطها مبدع آخر هو الشاعر «سيد حجاب» في أغنية من ألحان «عمار الشريعي» تصاحب تترات بداية ونهاية المسلسل: «ويرفرف العمر الجميل الحنون.. ويفر ويفرفر بدقة قانون.. وندور نلف ما بين حقيقة وظنون».. إنه القلق الذي يعترف بأنه كان هناك عمر جميل وحنون، وأنه يفر منا ويضيع، ونضيع معه ونتخبط بين الحقيقة والظنون والشكوك.

هذا القلق الفكري والفني هو الذي ارتقي بأعمال «عكاشة» إلى مصاف التراجيديات الكبرى، فالقلق طبيعي وغير مفتعل، وإخلاصه لفنه والحقيقة معاً نزع عن مثل تلك الأعمال روح الخفة أو الدعاية.. هو رجل لديه أسئلة تقلقه، ويبحث عن إجابات تقنعه بوسائل الفنان.. لكن الأسئلة تظل تراوح نفسها وتضغط على روحه، فلا إجابات يقينية أو أخيرة.. يهاجم في مقالاته الفكرة العروبية، ولكنه يعترف بأنه عروبي بالثقافة، ويهاجم العروبة السياسية، ولكنه يلتزم برمزها الأكبر في القرن العشرين «جمال عبدالناصر»، كانت مشكلته أعمق من أن تلخصها عبارة واحدة.. أو استخلاص يكتب على عجل.. هو رجل غاضب على ما آلت إليه مصر.. ويراجع بعض اعتقاداته، يسأل حائراً، ويحاول أن يجيب، ثم ينظر مرة أخري في إجاباته.. والمثير للالتفات في ظل ذلك كله أنه ظل وفياً لـ «جمال عبدالناصر».. وهذه مسألة تستحق التوقف أمامها.. فالعلاقة فريدة وعميقة، وتكاد أن تكون بالنسبة إليه شخصية.. وقد روي بنفسه قصة لها مغزاها.. فقد كان في أواخر الستينيات غاضباً على نظام «جمال عبدالناصر»، وعلي الأسباب التي أدت إلى الهزيمة العسكرية الفادحة، وكان يحمّله شخصياً مسئولية ما جري.. وذات مرة كان يردد، مع مجموعة من أصدقائه الشخصيين، مثل هذه الانتقادات أثناء التجوال في حي «مصر الجديدة»، وفجأة مر بجوارهم موكب الرئيس، فإذا به يجري وراء سيارته، مع أصدقائه الذين كانوا ينتقدون «عبدالناصر» بعنف ظاهر قبل لحظات، هاتفين باسمه من قلوبهم: «ناصر.. ناصر».. وظلت تلك المشاعر العميقة تصاحب «عكاشة» حتى نهاية الرحلة.. تغيرت الدنيا وانقلبت حسابات السياسة والمصالح بعد أن راحت أيام «جمال عبدالناصر»، ولكن لم تغادر هذه الصورة مشاعره أبداً.. كان مستعداً لنقد جوانب جوهرية في تجربة «جمال عبدالناصر»، بل ونفيها بصورة كاملة وحادة، مثل توجهاته القومية العربية، ولكنه لم يكن مستعداً، أو متقبلاً، على أي نحو، أو بأي أسلوب، الانتقاص من قدر «عبدالناصر» نفسه، فالقضية هنا تختلف، فـ «عبدالناصر» يمثل عنده صورة الأب، قد تختلف معه، قد تراجع بعض مواقفه، ولكنه يظل يمثل لك معني الوجود.. ومن مفارقات القصة أن «محمد حسنين هيكل» كان المحاور الرئيسي لـ «عكاشة» في ظنونه وشكوكه، وما بدا أنها اعتقادات جديدة.. والعلاقة بينهما عميقة إلى حد أن بعض أصدقاء «عكاشة»، ممن يعرفون ثقل تأثير «هيكل» عليه إنسانياً، طلبوا ـ قبل ثلاثة شهور ـ تدخله لإقناع «عكاشة» بالعودة لتناول العلاج الضروري، وكان «عكاشة» قد توقف من فرط الألم واليأس من الشفاء عن أخذ هذا العلاج وعندما دعاه «هيكل» للعودة إلى تلقيه استجاب على الفور.. ولكنه شك في أن يكون نجله الأكبر «هشام» نقل حالة الامتناع عن تلقي العلاج إلى توءمه الفني «محفوظ عبدالرحمن».. وشك في أن يكون لي صلة بتدخل «هيكل».. ولكن «محفوظ عبدالرحمن» علق ملخصاً الأجواء الإنسانية بجملة واحدة: «كلنا بنسمع كلامه».

لم يكن «عكاشة» سوي نفسه، أخلص لفنه، وأخلص لتاريخ بلده، وأخلص لأمته العربية، حتى لو انتقدها بعنف، وحاول أن ينفي أي صلة سياسية بها، فالإخلاص ـ هنا ـ يتجاوز بكثير الشعارات السياسية المباشرة.. فهو أسس للدراما العربية، ولعب دوراً جوهرياً في تشكيل الوجدان العربي العام خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما لم يفعل أديب أو روائي عربي آخر.. وبعض النقد العنيف هو من فرط الحب والإحباط فيه.. ورغم هذا النقد العنيف، فإن «أسامة أنور عكاشة» احتفظ بقيمته الكبيرة كحارس صلب وكمؤرخ درامي بارع لتاريخنا الحديث السياسي والوجداني معاً.. فيه شيء من أستاذه «نجيب محفوظ»، إخلاصه لفنه لا يقارن على أي وجه مع ما يكتبه للصحف أحياناً، فالإبداع قضية أخري، ورسالة لا تهاون فيها، قد تختلف مع آرائهما السياسية، هذا لا يهم كثيراً، ولكنك لا تمتلك غير أن تعترف ببصماتهما العميقة على تجربتك الإنسانية والوجدانية.

لـ «نجيب محفوظ» بالذات تأثير خاص على مسيرة «أسامة أنور عكاشة»، فقد مضي على طريقته بأدوات مختلفة ورؤى جديدة في الكتابة الدرامية للتاريخ المصري الحديث، وحاول أن يعيد اكتشاف التاريخ بالدراما.. وعلي نهج «ثلاثية نجيب محفوظ» مضي «أسامة» في كتابة «ليالي الحلمية» ـ تاريخ عائلة وتاريخ مصر، وصعود وسقوط نظم وطبقات، ولكن «أسامة» بدا أقرب إلى الناصرية في قراءته للتاريخ المصري ومفاصله الرئيسية فيما بدا «محفوظ» أقرب إلى القراءة الوفدية للتاريخ.. كلاهما ارتبط بحقبة ثورية مختلفة، وفيما كان «مصطفي النحاس» هو الأب عند «محفوظ» كان «عبدالناصر» له المكانة ذاتها عند «عكاشة».. الذي تبدت في أعماله أجواء حنين لحقبته وعصره، حتي وإن اختلف مع بعض أطروحاتها ومواقفها.. ومن أبرز هذه الأعمال: «رحلة السيد أبوالعلا البشري»، كأنه المؤلف نفسه ـ «دون كيشوت» جديد تصدمه التحولات في المجتمع والخلل الفادح في القيم التي تحكمه.. وفي «ضمير أبلة حكمت» و«زيزينيا» و«وقال البحر» بدت الأجواء سكندرية، وتجلت في صلب العمل الدرامي أجواء فلسفية عن حركة الأيام وتحولات العصور والبشر، وشيء من الزواج الاستثنائي بين البشر والحجر والبحر.

كان «أسامة» مشغولاً في أعماله بتراجيديات الصعود والسقوط، وفلسفة الحكم ونوازع البشر فيها (عصفور النار مثالاً).. هو فنان عنده حنينه الخاص، ولديه في الوقت ذاته استشراف لما قد يأتي غداً.. وفي «الراية البيضا» تتجلي عبقرية الاستشراف بصورة تدعو للدهشة، فقد لمس بعمق فكرة تدهور قيمة الجمال في بلادنا تحت وطأة سوقية الطبقات الصاعدة الجديدة، (التي تمثلها في المسلسل «فاطمة المعداوي» ـ التي لعبت دورها «سناء جميل»)، داعياً إلى عدم رفع الرايات البيضاء أمامها، وكان رمز الممانعة عنده شخصية (الدكتور «مفيد أبوالغار» ـ الذي لعب دوره «جميل راتب»).. ومن مفارقات ما جري عند محاولة هدم مستشفي الشطبي الجامعي بالإسكندرية أن الدكتور «محمد أبوالغار» كرر الموقف ذاته الذي استشرفه «أسامة».. وبدت الوقائع متقاربة بصورة مذهلة: هدم مستشفي تاريخي في الواقع يقابل هدم فيللا لها قيمة أثرية بالمسلسل، أستاذ جامعي وطبيب له وزن دولي يتصدي لهدم المستشفي وكشف الذين يقفون وراءه يقابل سفير سابق في الخارجية بالمسلسل.. وعندما سألت «عكاشة» عما إذا كان يعرف الدكتور «أبوالغار» قبل كتابة المسلسل، أجاب على الفور «لا.. عرفته بعد ذلك» لافتاً إلى تلك الحقيقة: «مصر لم تعدم أبداً مثل هذه الشخصيات.. انظر حولك ستجدها».. فيما بعد كتب «أسامة» عن الواقع الذي بات أبشع من الكوابيس التي يتصورها خيال فنان أو أديب.. وبسبب صدقه الفني والإنساني لم تكن رحلته سهلة، فقد شنت عليه حملات ضارية في «أخبار اليوم» لمنعه من كتابة فيلم عن حرب أكتوبر، بدعوي أنه ناصري، سوف ينحاز إلى «عبدالناصر» ضد «السادات»، وكان ذلك افتراء استباقياً على أديب كبير بوصلته الوحيدة الوطنية المصرية.. وعندما يغيب اليوم فإن مصر تفقد أحد أركان ما تبقي من قوتها الناعمة في وقت تتآكل فيه بصورة فادحة مكانتها وأوزانها واحترامها في محيطها، كأن الرحلة مع نهايتها فيها شيء من الشهد والكثير من الدموع.

العربي
الأحد 30 مايو 2010

صوت العراق في

29/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة .. جدل لا يموت وأوراق قديمة في الفكر والحياة

محيط – سميرة سليمان 

"الأمل كالإنسان، يولد ويعرف أن مصيره الحتمي هو الموت ومع ذلك ينسى ويبتسم" شيعت أمس الجمعة من مسجد مصطفي محمود جنازة صاحب هذه الكلمات الكاتب المصرى الشهير أسامة انور عكاشة عن عمر يناهز 69 عاما بعد معاناة كبيرة مع المرض وتضاعف مشاكل في القلب والرئة . وكان آخر ظهور للراحل في عزاء الكاتب محمود السعدني، حيث بدا على عكاشة وقتها التأثر بشدة لرحيل أحد أصدقائه المقربين.

كتب يوما "بدأت الكتابة الأدبية قبل الدرامية، وكانت فشل قصة حبي هي التي دفعتني أن أصبح أديبا وأخرج مشاعري على الورق" ، وقد ولد الكاتب بمدينة طنطا عام 1941، والتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الإجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس والتى تخرج منها عام 1962.

فـور تخرجه من الجامعة عمل إخصائيا إجتماعيا فى مؤسسة لرعاية الأحداث ثم عمل مدرسا فى إحدى مدارس محافظة أسيوط ثم إنتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بكفر الشيخ وبعدها فى رعاية الشباب بجامعة الأزهر، الى أن جاء عام 1982 ليغـير مجرى حياته تماما حيث قدم إستقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف .

قـدم أسامة أنور عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان" خارج الدنيا" عام 1967 صادرة من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، و رواية "أحلام فى برج بابل" عام 1973، مجموعة قصصية بعنوان "مقاطع من أغنية قديمة" عام 1985 و رواية "منخفض الهند الموسمى " عام 2000 ، و رواية "وهج الصيف" عام 2001، كما قام بتأليف عدد من الكتب منها كتاب "أوراق مسافر" عام 1995 ، وكتابى "همس البحر، تباريح خريفية" فى نفس العام ، وكان عكاشة يكتب مقالا اسبوعيا في صحيفة "الأهرام" المصرية.

بعد بدايته الأدبية التي لم تحقق له الشهرة اتجه إلى الدراما التلفزيونية، وجاءته الفرصة الأولى من خلال قصة قصيرة تم تحويلها إلى سهرة تلفزيونية من إخراج علوية زكي، ثم اختار السيناريست كرم النجار قصة أخرى له وهي "الإنسان والجبل" وأخرجها فخر الدين صلاح، وفي ذلك الوقت شجعه الأديب الكبير سليمان فياض على كتابة السيناريو، وبحماس من المخرج فخر الدين صلاح قرر انتاج سباعية عن قصة وسيناريو وحوار أسامة انور عكاشة بعنوان "الإنسان والحقيقة: التي حققت له الشهرة.

فكر صادم

ارتبطت شخصية الراحل بكثير من الجدل، فقد تعرض عكاشة مرارا لانتقادات بسبب مواقفه السياسية،  فلأنه "ناصري" التوجه أخذ منتقدوه عليه دفاعه عن فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وانتقاداته لفترة حكم الرئيس أنور السادات من خلال تطورات الأحداث في مسلسلاته خاصة "ليالي الحلمية" ، وقد اعتاد الرد على هذه الانتقادات بأنه ليس مؤرخا ولكنه كاتب يقدم رؤية، ورغم "ناصريته" المعروفة إلا أنه طالب بحل جامعة الدول العربية وإنشاء "منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية" مبني علي أساس التعاون الاقتصادي !

أيضا تسببت تصريحاته حول شخصية "عمرو بن العاص" الصحابي الجليل ونعته بأوصاف تقلل من شأنه ، وتفاقمت الأزمة أكثر بعدما أعلن عكاشة عبر برنامج "القاهرة اليوم" الذى بثته قناة "أوربت" الفضائية بعد تصريحاته الصحفية على الهواء مباشرة تمسكه برأيه !.

دراما الحياة

كتب عكاشة دراما الإنسان الملتحمة بالحياة، فتحدث في كتاباته عن فقد الهوية والحب الضائع التي تتحكم به القيم المادية، وعن الفساد وأوجاع العرب، والمقهورين والخارجين على قوانين الحياة.

وعن أبطال أعماله يقول عكاشة: ".. أشخاصى هم الناس العاديون الذين نراهم يوميا فى الشارع، فى إحدى المرات سألنى أحد القراء من أن أين أنتقى أسماء شخصياتى.. قلت له أنتقيها من الشارع. أنا لا أخترع أسماء، ولا أخترع شخصيات أو أحداثاً، أنا أنهل من الواقع "، وعرف عنه عشقه الشديد لمدينة الإسكندرية المصرية الساحلية على الرغم من أنه لم يولد بها، لكنه يقيم بها بصورة شبه متواصلة وينجز بها أهم أعماله .

له اكثر من أربعين عملا دراميا، وكانت شهرته مع مسلسل "الشهد والدموع"، ومن أهم أعماله الدرامية " المشربية"، " ليالى الحلمية"، "ضمير أبلة حكمت"، "زيزينيا"، "الراية البيضا" " الحب وأشياء أخرى" وآخر اعماله "المصراوية"، كما كتب عكاشة بعض المسرحيات الناجحة منها مسرحية "القانون وسيادته"، "البحر بيضحك ليه"، "الناس اللى فى التالت".

وشارك الكاتب الراحل في العديد من المحافل العربية والدولية الخاصة بمجال الأدب والكتابة الدرامية، كما حصل على عديد من الجوائز والأوسمة من أبرزها جائزة الدولة للتفوق في الفنون من وزارة الثقافة المصرية عام 2002، وجائزة الدولة التقديرية عام 2008 ، كما حصدت أعماله الدرامية العديد من الجوائز في الكثير من الاستفتاءات واستطلاعات الرأي الجماهيرية، وأيضا فاز بجائزة نجيب محفوظ للتأليف الدرامي في مهرجان الإعلام العربي.

حال البلد

وصف أسامة أنور عكاشة في إحدى حواراته الصحفية التعديلات الدستورية بـ "كذبة النظام السوداء" على المصريين، وقال: "إن التعديلات كذبة كبيرة وسوداء ضحك بها النظام على المصريين، ولن تسفر إلا عن إحباطٍ وفشلٍ كبيرين، والهدف الرئيسي منها هو خدمة أغراض شخصية، حتى لو استخف النظام بعقول المصريين"، وكان يرى ان مصر تعيش الآن عصر انحطاط عام فى كل المناحى وعلى كل المستويات فى الاقتصاد والأدب والفن والسياسة والأخلاقيات وكل شي.

أيضا كان متألما من تردي الحالة الثقافية بمصر وعن ذلك قال:  "هناك مؤامرة تُحاكُ في الظلام لتهميش الثقافة المصرية وإحلال ثقافة تيار السلفية، وخاصًة هذا الفصيل الذي يتلقى الدعم من معاقل الوهابية"، وقال أيضا أن السلطة تكره المثقف بسبب طبيعته النقدية، والمثقف يكره السلطة الديكتاتورية، ولذلك هناك تنافر بين المثقفين والسلطة، وهناك مثقفين باعوا أنفسهم وضمائرهم للسلطة.

أسرار حياة

أصدر الكاتب مختار أبو سعده كتاب مؤخرا بعنوان "أسامة أنور عكاشة ..أسرته وحياته"، متناولا حياته في فصول منذ ولادته حتي صراعه مع المرض.

يتكون الكتاب من عشرة فصول يروي خلالها أبو سعده مشوار حياة عكاشة وما يتخللها من محطات هامة، بدأت من وفاة والدته وهو لم يتجاوز السبع سنوات من عمره، كما تناول حياة تلك الطفل، ونشأته، ومسقط رأسه، وعلاقته بوالده الذي تصور عكاشة وهو صغير أنه السبب في وفاة والدته المريضة بمرض القلب بعد أن تزوج من أخرى .

ينتقل الكتاب في الفصول التالية إلي محطات مختلفة، كحياته الجامعية في كلية الاداب جامعة عين شمس، التي اعتبرها الكاتب أن عكاشة قضاها تائها علي مقاهي الجامعة، ثم بعد ذلك تخرجه عام 1962وعمله كمدرس فترة وجيزة من الزمن .

ويؤكد أبو سعدة أن الإسقاطات السياسية ورصد التغيرات الإجتماعية في المجتمع المصري ظلت ملمحا أساسيا في كتابات عكاشة الدرامية، كما اهتم باظهارها في عديد من مسلسلاته.

عاش أسامة أنور عكاشة رحلة طويلة مع المرض، أفرد أبو سعدة لها الفصل الأخير من كتابه، والتي بدأت في أمريكا بإجراء عملية القلب المفتوح، وبعد أن تخطي محنته الأولي سرعان ما وقع في محنة جديدة وهي إصابة إحدي كليتيه بالتلف مما أدي إلي استئصالها، لكن صراعه مع المرض لم يتوقف عند هذا الحد، حيث أصيب بعدها بسرطان في كليته الثانية ليستأصل نصفها.

"همس البحر"

في هذه المجموعة القصصية يبحر عكاشة بعيدا في النفس البشرية قائلا أنها " مثلها مثل "طيبة" القديمة وقد أوصد أبوابها في وجه "أوديب" لا يسمح له بالولوج إلى أن يجيب على السؤال "اللغز"، وقديما قال سقراط جملته الجامعة المانعة "اعرف نفسك" وما أشقها من رحلة للمعرفة وما أجدرها بالمحاولة" .

في قصته "خطاب" يتحدث عكاشة عن الفساد المستشري في المصالح الحكومية حيث يحكي عن خطاب يبدأ بهذه العبارات " سيدي المدير العام: ستجد هذه الرسالة في بريدك الخاص ذات صباح وتقرؤها بينما تحتسي قهوة الصباح"،  ويضيف كاتبها أنه لن يذكر اسمه لأنه لا يملك الشجاعة الكافية لذلك، فالخطاب قد يدفع المدير العام إلى التنكيل به واضطهاده وربما التآمر لفصله وإلقائه في الشارع، وعن دافعه لكتابة هذه الرسالة يقول مخاطبا المدير: ".. لابد من وجود أحد يصدقك القول تلك مسئولية اخلاقية لا أستطيع الهرب منها وأنا أرى كل يوم صفوفا من المنافقين تنتظر أمام مكتبك وهذه هي الكارثة التي حتمت عليّ ان أكتب إليك لأضع مرآة الحقيقة أمام عينيك ترى فيها نفسك على حقيقتها".

ويتابع صاحب الخطاب: ".. أنت يا سيدي وبلا منافس أسوأ رئيس عمل شهدناه طوال سنوات عملنا بهذه المؤسسة، وأنت يا سيدي لا تعرف مرءوسيك ولا تجيد الحكم عليهم ودائما تقرب الفاشل وتكافئه وتبعد القادر المتمكن، مقياسك الوحيد هو مدى ما يتمتع به الموظف من قدرة على تملقك وتوفير الخدمات الخاصة لك، إن أمنية واحدة تسكن صدر كل مرءوسيك وتتصدر قائمة أحلامهم أن يصبحوا ذات يوم فيقرأوا خبر استقالتك أو إقالتك أو نعيك".

وفجأة كما تحكي القصة عن صاحب الرسالة: "..توقف القلم في يده وقد أحس بالنعاس يثقل أجفانه وقال لنفسه سأكمله غدا، ونهض إلى فراشه كان يعرف أنه لن يكمله أبدا مثل عشر خطابات سابقة كتبها وأجل تكملتها إلى الغد ولكنه كان يحس بالراحة والسلام عقب كل مرة".

كما كتب عكاشة الشعر ، وفي قصيدة بعنوان "حدثتني" يقول:

حدثتني الزهرة ذات صباح

همست في أذني بكلمة سر

قالت أن اليوم هو الموعد! لم أفهم

ذاكرتي كانت قد غابت عند الفجر

لكن الزهرة تعرف..تتذكر

في اليوم السابق كان لقاء

درجت أقدامنا عند الشاطئ

غاصت في الرمل الناعم

واغتسلت بمياه البحر

الزهرة ما زالت تتحدث

وانا ما زلت أفكر

ما زلت أحاول فك الطلسم

هل كان الأمس حقيقة؟ أم أنه لم يأت بعد؟

أذهب وأراجع أوراقي

لا أجد رسالة لا أعثر على يوم له تاريخ الأمس

هل ضاع اليوم؟

همست لي الزهرة! لم أسمع ما قالت

والشمس تطل

تتبخر قطرات كالدمع

تنتفض وريقات الورد

تعلو أصوات العالم وطنين النحل

والزهر ما زالت تتحدث

وأنا ما زلت أفكر

ما زلت احاول أسمع

لكني لم أفهم حرفا غير الكلمات الأولى

اليوم يحين الموعد

موعد من؟ وأين يكون؟ وكيف يحل

الزهرة ما زالت تتحدث

وانا لا أعرف لغة الزهر

شبكة محيط في

29/05/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)