كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أسامة أنورعكاشة ..

مقاتل حتى الرمق الأخير

القاهرة : إميل أمين

عن رحيل الكاتب

أسامة أنور عكاشة

   
 
 
 
 

ربما لم تهتم الأوساط الفكرية والأدبية في مصر منذ عشرات السنين برحيل أحد رواد الثقافة والحداثة والتنوير مثلما اهتمت برحيل صاحب الشهد والدموع ومبدع ليالي الحلمية ، الكاتب المصري الكبير أسامة أنورعكاشة .

ترك عكاشة في جيل الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم ـ على نحو خاص ـ بصمات لا تمحى. ذلك أنه الروائي الذي صور الحياة المصرية عبر سلسلة تلفزيونية بديعة من الأحداث منذ زمن مصر الملكية وصولا إلى مصر الانفتاح .

لم تكن مسلسلات أسامة أنور عكاشة ضربا من ضروب التسلية أو الترفيه بل كانت نضالا بالكلمة في زمن توارت فيه المواهب المبدعة وملأت الأجواء أصوات مغشوشة على كل الأصعدة.

ولعل أفضل تعبير يمكن أن يطلق على الكاتب الراحل هو ذلك الذي أطلقه عليه زميله الكاتب المصري الكبير محفوظ عبد الرحمن بقوله : إنه " مقاتل حتى النفس الأخير " مضيفا :" لقد رحل أسامة بجسده فقط أما أفكاره وأعماله باقية وستظل في وجدان الشعب المصري والعربي معا ."

هل كان عكاشة كاتبا اعتياديا مثل غيره من مئات الكتاب المصريين ؟

يجيب الكاتب المصري يوسف القعيد : " إن الراحل كان من أصحاب الرسالات في كل ما كتب كان همه الأول بحثه في جذور مصر وهوية المصريين وعالجها في الدراما بشكل كبير وهوأول من تنبه لقضية الإرهاب الفكري وحاربه في كتاباته ".

في طنطا كانت البدايات ...

ولد الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بمدينة طنطا عام 1941 وكان والده يعمل فى التجارة بمحافظة( كفر الشيخ) وهى المحافظة التى ينتمى اليها . أما مدينة طنطا فهى المدينة التى نشأت فيها والدته .

تلقى تعليمه الإبتدائى والثانوي بمدارس كفر الشيخ والتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس والتى تخرج منها عام 1962 ، وقد كانت أولى محاولاته فى مجال التأليف خلال فترة دراسته الجامعية .

- فـور تخرجه من الجامعة عمل إخصائيا اجتماعيا فى مؤسسة لرعاية الأحداث ثم عمل مدرسا فى إحدى مدارس محافظة

( أسيوط ) ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة (بكفر الشيخ ) وبعدها فى رعاية الشباب بجامعة (الأزهر) ، إلى أن جاء عام 1982 ليغـير مجرى حياته تماما حيث قدم استقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف .

كتب أسامة أنور عكاشة أكثر من أربعين مسلسلا تليفزيونيا بالإضافة إلى عدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات وهى التى حفرت اسمه فى الذاكرة مؤلفا مصريا عريقا . وقد جاءت شهرته الحقيقية في التأليف من مسلسل ( الشهد والدموع ) والذى حقق نجاحا مبهرا .

توالت بعد ذلك المسلسلات التى كتبها عكاشة والتى نالت شهرة واسعة ونجحت فى تغيير شكل الدراما التليفزيونية .. كان من أهمها ( المشربية ، ليالى الحلمية ، ضمير أبلة حكمت ، زيزينيا ، الراية البيضا ، وقال البحر ، ريش على مفيش ، أنا وأنت وبابا فى المشمش ، لما التعلب فات ، عصفور النار ، ومازال النيل يجرى ، أرابيسك ، امرأة من زمن الحب ، أميرة فى عابدين ، كناريا وشركاه ، عفاريت السيالة ، أحلام فى البوابة ، المصراوية ، الحب وأشياء أخرى ، رحلة السيد أبو العلا البشرى ، الحصار ).

عكاشة والوجه العجوز ...

كانت مصر بالنسبة لعكاشة قلق في النهار وأرق في الليل أما السبب ، فلأنه عاشق لها ، وعاشق على نحو خاص للقاهرة بأوجهها التاريخية المتعددة وقد كتب عنها مؤخرا مقالا بديعا شبهها بأنها السيدة العجوز قال فيه : بالرغم من عمرها الطويل الذي تعدى الألف عام بتسع وثلاثين بعدها‏ فمازالت صامدة في وجه الزمن وعواديه‏ ، ومازالت تناضل من أجل البقاء والحفاظ على كبريائها وعلى المعنى الذي يحتويه اسمها لتبقى القاهرة غير مقهورة أو مهزومة‏..‏

ولقد تلقت خلال هذا العمر المديد صنوفا شتى من الضربات والصدمات لو تعرضت لها مدينة أخرى لركعت واستسلمت لخراب يتركها أطلالا‏..‏ لكنها ـ لسر ما في تكوينها أو في الخامة الإنسانية لأهلها ـ امتصت كل الضربات واستوعبت كل الصدمات بل وحولتها بعبقرية نادرة إلى محفزات لعوامل القوة والانتصار‏..‏ وكانت قمينة بأن تظل واحدة من سيدات العواصم وحاضرة من أهم الحواضر‏..‏ لولا أن الكثرة تغلب الشجاعة .

أسامة وحساب حصاد السنين ... .

استطاع أسامة أنور عكاشة أن يكون واحدا من أهم المؤلفين وكتاب السيناريو للدراما المصرية والعربية ، وتعتبر أعماله التليفزيونية هى الأهم والأكثر متابعة فى مصر والعالم العربى ، فقد عرف طريقه إلى قلوب البشر بصدق الكلمة ورشاقة المعنى ، ونجحت أعماله فى إيجاد جيل جديد من كتاب السيناريو القادرين على الإبداع وإمتاع المشاهد .

حصد أسامة أنور عكاشة العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002 ، جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 2008 .

عاش أسامة أنور عكاشة رحلة طويلة مع المرض، بدأت فى أمريكا بإجراء عملية القلب المفتوح، وبعد أن تخطى محنته الأولى، وقع فى محنة جديدة ، هي إصابة إحدى كليتيه بالتلف مما أدى إلى استئصالها، لكن صراعه مع المرض لم يتوقف عند هذا الحد، حيث أصيب بعدها بسرطان فى كليته الثانية ليستأصل نصفها.

وفي تكريم خاص من الدولة أمر الرئيس حسني مبارك بعلاج عكاشة على نفقة الدولة بعد الأزمة الصحية التى ألمت به ، وذلك فور إبلاغه بالحالة الصحية للكاتب الكبير التى تستوجب توفير جميع أوجه الرعاية الطبية ، لكن يد القدر كانت أقرب إليه .

مع بداية رحلة المرض وقبل أن يرحل الرجل عن عالمنا الفاني كانت صحيفة الدستور المصرية المستقلة هي آخر الصحف التي التقته وقدم من خلالها ما يشبه الاعترافات قبل الرحيل .. ما الذي قاله عكاشة للدستور ؟

بدأ أسامة أنور عكاشة حديثه عن فترة المرض قائلاً:

«التجربة كانت لها خصوصية شديدة خرجت منها إنسانًا جديدًا.. طفلاً عاد إلى الحياة مرة أخرى، وبعد انتهائها أدركت أنها بقدر ما كانت محنة، فقد كانت فرصة أيضًا، فالمحنة كانت في شعوري الإنساني بالخوف الممزوج بالملل من حالة المرض والرغبة في التخلص منه ومن آلامه لدرجة أنني وسطت طبيبًا مصريًا في كليفلاند بتقديم موعد الجراحة، وقلت له: «لو عايز تخدمني خليهم يقدموا لي ميعاد العملية»، واستغرب الطبيب جدًا وقال لي: إن الجميع يهربون من الجراحة، وأنت تريد أن تقدمها، فقلت له: «أنا عايز أخلص»، وبالفعل قدموا الموعد.

قبل موعد الجراحة بيوم واحد شرح لي حالتي بالضبط، والنتائج التي قد تترتب عليها فقال: بعد الجراحة سنواجه مشكلة التدخين، فأنت تدخن منذ 40 عامًا، وهو ما سيتسبب في مشكلات عديدة ومضاعفات خطيرة، ستؤثر بالتأكيد في الرئتين، وما قاله حدث بالضبط ، وبعد الإفاقة دخلت العناية المركزة، وتوقفت الرئتان عن العمل تمامًا، وتم وضعي على جهاز التنفس الصناعي، وكانت هذه أصعب الأوقات.. شعرت بحالة شديدة من الضيق النفسي، فأنا على قيد الحياة، لكني لا أتنفس.. الجهاز هو الذي يؤدي هذه المهمة.

كنت وقتها محرومًا من الطعام والشراب وكنت في حالة عطش لا توصف، فالماء ممنوع لأنهم يريدون التخلص من الماء الموجود على الرئة.. شعرت وقتها ومن خلال تعبيرات الأطباء أنني على الحافة «بين وبين»، فقد قال الطبيب لصديق جاء لزيارتي «we hope that he makes it ..we did our best».. فكرتني هذه الجملة بكلمة الأطباء المصريين: «إحنا عملنا اللي علينا والباقي علي ربنا».. شعرت من ضيقي وكربي وأنا تحت رحمة جهاز التنفس الصناعي أنني أتمنى العبور إلى إحدى الجهتين.. إما الحياة أو الموت.. تمنيت أن أتخلص من حالة العجز..

أفكار في غرفة العناية المركزة ...

وتستمر اعترافات عكاشة فيضيف : كانت أفكاري في غرفة العناية المركزة كلها تتمحور حول تفاهة بني آدم الذي يملأ الدنيا صخبًا وضجيجًا، ويخوض معارك وصراعات، ثم يقع مسطوحا على فراش لا حول له ولا قوة ، حتى نفسه لا يمكنه التحكم فيها.. مرتبطا بجهاز إذا توقف الجهاز انتهى الإنسان.. شعرت وقتها أن الأقوى في الإنسان هو أفكاره، وليست قواه الجسدية التي يملكها، حتى وهو في أشد لحظاته ضعفا، لكني ورغم أنني كنت أفكر، فإنني كنت من الضعف لدرجة أني في حالة استسلام تام، وقد يكون هذا رحمة من الله بالمريض أن يفقده الإحساس بالندم مثلا على ما فعله من أخطاء، فالله لا يريد أن يضيف على عذاب مرضه عذاب قلبه ونفسه وضميره. بعد أن اجتزت محنة المرض شعرت أن تغيرات كثيرة حدثت بداخلي. مواقف كثيرة اختلفت، لكن أكثر ما تغير، هو شعوري بأنني أصبحت أكثر شجاعة، فقد قابلت الموت.. كانت خطوة واحدة هي الفاصلة بيني وبينه، ومن حسن حظي أو من سوء حظي كانت الخطوة للنجاة لا للوفاة.. فماذا بعد مواجهة الموت؟! الخوف من الموت هو الهاجس الأكبر الذي يخافه الجميع.. يكرهون أن تنتهي حياتهم ويتمردون عليه، ولا يصدقون أنه قد يكون قريبًا منهم...بالفعل كنت أخاف من الموت.. من حالة العدم والصمت الأخرس الكامل الشامل.. هذه التجربة جعلتني أكثر شجاعة ومستعدًا لمواجهة الموت في أي لحظة، وأكثر شجاعة في مواجهة مواقف الحياة والتعامل معها، فإذا كنت واجهت الموت فما بالنا بباقي المشاكل التافهة.

عمان العمانية في

30/05/2010

 

ترك الحلمية ولياليها ولم يرفع «الراية البيضاء»...

أسامة أنور عكاشة «أرابيسك» الدراما العربية 

محمد أمين

لا تُذكر الدراما التلفزيونية العربية إلا ويذكر الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة الذي غادر الحياة أمس الأول بعد صراع طويل مع المرض، كيف لا وهي لم تكن قبله تملك مشروعية أدبية وشعبية وكانت تعتبر من (سقط المتاع) في نظر الكتّاب والمفكرين ومجرد أداة تسلية وتزجية أوقات لا أكثر، وعندما ظهر عكاشة حوّل الدراما التلفزيونية إلى أدب شعبي روائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وإذا كان نجيب محفوظ قد نقل الواقع الشعبي المصري إلى روايات ستظل تُقرأ إلى حين، ونال على ذلك أرفع جائزة أدبية عالمية وهي جائزة نوبل، فإن أسامة أنور عكاشة نقل الواقع المصري إلى ورق تحوّل بعد ذلك إلى صورة وأعتقد أن أعماله ستظل تشاهد إلى حين أيضاً ونال على ذلك جائزة لا تقل أهمية عن جائزة نوبل وهي جائزة (الاحترام) والتقدير ليس من الشعب المصري فحسب بل من الشعب العربي كله.

قبيل ثورة الفضائيات وقبيل انطلاقة الدراما السورية الواثقة كانت مسلسلات أسامة أنور عكاشة تحظى بإجماع ومتابعة واهتمام الجمهور العربي بدءاً من مسلسل (وقال البحر) و(عصفور النار) ومروراً بـ(الراية البيضا) و(ارابيسك) والمسلسل الشهير (ليالي الحلمية) و(الشهد والدموع) و(ضمير أبلة حكمت) و(وما زال النيل يجري) و(أبو العلا) وانتهاء بمسلسل (مصراوية) وكان آخر أعماله وقد عرض الجزء الثاني منه في رمضان الفائت، لقد لامس عكاشة وجع وأحلام البسطاء والتقط نبض الشارع وهذه ليست بالمهمة السهلة بالنسبة لكاتب درامي تلفزيوني فهو ومن خلال 150 حلقة تلفزيونية هي مسلسل (ليالي الحلمية) ألقى نظرة طائر على تاريخ مصر الشعبي على مدى خمسين عاماً من خلال شخصيات دخلت الذاكرة العربية لعل أشهرها (سليمان غانم) التي أداها باقتدار الفنان صلاح السعدني بطل مسلسل آخر لعكاشة لا يقل أهمية وعمقاً واقتراباً من الناس وهو مسلسل (أرابيسك) الذي طرح قضية هامة في الذاكرة المصرية المعاصرة وهي مسألة الهوية.

لم تكن مسلسلات أسامة أنور عكاشة مجرد أعمال درامية عادية بل كانت نواقيس خطر وتنبيهاً ورفضاً وكانت فوانيس تعلّق على أبواب الفقراء والبسطاء والذين يقفون على (باب الله).

لقد كانت أعمالاً ذات معنى ومغزى ومن هنا جاءت أهميته بحيث تحول إلى نجم ولعله الكاتب الدرامي العربي الأول الذي يصبح ظاهرة ذات معنى وفائدة ولم يكن مجرد ظاهرة فارغة كحال بعض كتاب الدراما العربية اليوم.

أنا على يقين أن المرحوم أسامة أنور عكاشة قد انتقل إلى رحمة الله وهو غير راض عن حال الدراما العربية التي بدأت تفقد بريقها وشعبيتها شيئاً فشيئاً في تدهور لأنها لم تعد تهدف إلى الصدق ولم يعد يعنيها المشاهد العربي البسيط الذي كان يعتبرها مرآة أحلامه وآلامه ووسيلته للتعبير. لقد تحولت الدراما العربية من أداة تغيير إلى أداة تخدير.

لم يعد لدينا كتاب دراميون معنيون بالشأن العام ولديهم قضايا يدافعون عنها ويحملون مسؤوليتها ويتحملون أوزارها، لقد طغى كتّاب الـ(بزنس) على المشهد الإعلامي والدرامي وجاء عصر كتاب المقاولات و(الضمان) والمستكتبين من أصحاب شركات الإنتاج والفضائيات العربية.

لم تعد هناك مشروعات فكرية بل هناك نصوص تتحدث عن مجتمعات غريبة.

يزعجني كما يزعج غيري بالتأكيد حال السينما المصرية على وجه التحديد وكان أسامة أنور عكاشة أحد كتابها حيث قدم لها عدة أفلام منها (كتيبة الإعدام) و(دماء على الإسفلت) و(الهجامة).

لقد تحولت هذه السينما على يد السينمائيين الجدد من طبيب جراح مبضعه لا يخطئ إلى مجرد (تمرجي) لا يعرف إلا إعطاء (الحقن).

لقد تعلّق أسامة أنور عكاشة بالقضايا الكبرى التي تحدد مسار المجتمعات ولم يلتفت إطلاقاً للقضايا الفارغة التي لا طائل منها، كان أميناً في نقل الواقع ولم يتأخر عنه كما هو حال بعض الكتّاب الذين يعانون من ضيق أفق معرفي ولم يتقدم عليه كحال كتاب ومخرجين يعانون من عقد لها علاقة بالادعاء الكاذب، لم يكن يتجمل لكي لا يضطر للكذب.

ورغم أن المرحوم بإذن الله قد أدلى في الفترة الأخيرة بتصريحات إعلامية أثارت حفيظة البعض وقد كانت آراؤه فيها غير موفقة إلا أنه لم يكن ليقول ما قاله إلا لأنه كاتب لديه موقف ورأي وكان جريئاً في طرحه.

لقد ترك أسامة أنور عكاشة الحلمية ولياليها بعد أن أطل (عصفور النار) من قفصه دون أن يرفع (الراية البيضاء) لقد كان (أرابيسك) الدراما المصرية، فمن يحل محله؟! فما زال النيل يجري.

الوطن اللبنانية في

30/05/2010

 
 

أسامة أنور عكاشة

فخري صالح

استطاع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة 1941( - )2010 ، الذي اختطفه الموت أمس الأول وهو في أوج عطائه الإبداعي ، أنْ يجدد دم الدراما المصرية خاصة ، والعربية عموما. فقد أحدثت المسلسلات التي كتبها منذ ثمانينيات القرن الماضي نقلة نوعية في مستوى الكتابة الدرامية ، وخلصت الدراما من التسطيح وهشاشة الشخصيات والحوارات المصطنعة التي لا تقول شيئا ، والعاطفية المفرطة التي لازمت الإنتاج الدرامي العربي عقوداً عدة.

كان دخول أسامة أنور عكاشة ، الذي جرب حظه مع الكتابة القصصية ، ثم الكتابة للسينما ، فلم يلفت الانتباه ، إلى عالم الدراما بمثابة إلقاء حجر كبير في المياه الراكدة. فالرجل كان واعيا بما يفعله لمشروعه الذي تمثل في كتابة تاريخ مواز للمجتمع المصري في حقب وفترات متقطعة او متعاقبة ، موفرا مساحة واسعة للخيال في كتابته الدرامية. والأهم من ذلك أنه استطاع أن يجعل شخصياته الدرامية حية ، طبيعية ، قريبة من الواقع وقادرة على إقناع المشاهد بأنها تشبه البشر الساعين في الأرض وليست مجرد مخلوقات خيالية.

هذا هو الفرق بين كاتب الدراما الناجح وكاتب الدراما الذي لا يراعي هذه العلاقة الدقيقة المفصلية بين الواقع والخيال. وأسامة أنور عكاشة كان بارعا في إقناع المشاهد بأن شخصيات "ليالي الحلمية" و"التعلب فات" و"زيزينيا" هي شخصيات من لحم ودم ، وجدت يوما وسعت في الأرض وشكلت علامات على زمن مضى. من المؤكد ان الكاتب الدرامي البارز كان يجمع مادة تاريخية تتصل بالعالم الذي يرسمه ، والأحياء التي كانت مسرحا لحركة شخصياته ، لكن قدرة عمله على شد أبصار المشاهدين وحيازة اهتمامهم ، وجعلهم يتابعون مسلسلاته الطويلة ، التي امتد أحدها وهو "ليالي الحلمية" إلى مئة وخمسين حلقة ، تعود إلى حيوية الشخصيات والسياقات الحدثية التي كان يرسمها ، وإلى المتعة التي يحصل عليها المشاهد ، والحيوية التي تتمتع بها الشخصيات ، والأطوار الغريبة التي تتعاقب على بعض هذه الشخصيات وتؤسس لأفعالها.

لم أكن يوما مغرما بمتابعة المسلسلات ، فأنا مهتم بمشاهدة الأفلام السينمائية أولا ، وليس لدي من الوقت الكثير لأجلس يوميا أمام الشاشة الصعيرة لمتابعة أحداث مسلسل معين ، لكنني فعلت ذلك مع عدد كبير من مسلسلات أسامة أنور عكاشة على مدار عقدين من الزمن تقريبا. لم أعدَّ ذلك إضاعة للوقت ومشاهدة بلا طائل: لأن مسلسلات عكاشة تقدم ، إضافة إلى المتعة الدرامية ، قدرا من المعرفة بالمجتمع المصري خلال فترات تاريخية معينة. وهذا ما كان يهدف إليه الكاتب الراحل: أن يضيء تاريخ مصر الحديث كما فهمه من خلال ابتداع عوالم خيالية لشخصيات تسعى في مكان كان موجودا ولكنه في الوقت نفسه من صناعة كاتب الدراما.

من خلال المسلسلات التي كتبها عكاشة تعرفت إلى عبقرية عدد من الممثلين المصريين الكبار ، تعرفت إلى يحيى الفخراني وصلاح السعدني ومحمود مرسي ، وتبينت وجوها داهشة لهؤلاء الفنانين الذين شاهدتهم في أفلام سينمائية ، لكنني لم أكن أعلم أنهم ينطوون على كل تلك الطاقة والحيوية والقدرة على تجسيد شخصيات خيالية صنعها قلم عكاشة ، ولكنهم استطاعوا أن يدخلوا في إهاب هذه الشخصيات ويمنحوها حياة ربما كانت أكثر حضورا وقدرة على العيش في الزمن من البشر الحقيقيين الساعين في الأرض. هذه هي عبقرية الخيال الذي يجمع كاتبا مميزا مع مخرج مميز وممثل خلاق بارع. ولهذا فإن رحيل كاتب درامي مميز مثل أسامة أنور عكاشة يعد خسارة مؤلمة للدراما العربية التي عادت منذ سنوات عدة إلى عوالم العاطفية المفرطة وضعف رسم الشخصيات وتخليق أحداث غير منطقية ، ما يجعل المرء يشيح بوجهه عن الشاشة الصغيرة عندما يأتي موعد إذاعة المسلسل الدرامي اليومي.

nawahda@go.com.jo

الدستور الأردنية في

30/05/2010

 

قلمه أثرى الساحة الدرامية واستفاد الكثير من كتاب الدراما العرب من مدرسته الإبداعية

كتّاب عمانيون: أسامة أنور عكاشة ليس مجرد كاتب دراما إنما مؤرخ

مسقط - عبدالرزاق الربيعي  

لم يكن الأثر الذي تركه الكاتب أسامة أنور عكاشة الذي رحل عن عالمنا صباح أمس الأول على الدراما العمانية بالقليل فكاتب الشهد والدوم والراية البيضاء وليالي الحلمية بأجزائها الخمسة وحلقاتها الـ150 والعشرات من الأعمال الأخرى له بصمة واضحة على الدراما العربية.

يقول الكاتب محمد عيد العريمي: "بعد نجيب محفوظ والذي كنا، ونحو طلابا، نتابع مشاهدة أفلام رواياته بالذهاب إلى المكتبة، في اليوم التالي، للحصول على نص الفيلم مكتوبا، أعاد لي أسامة أنور عكاشة العادة نفسها مع أول عمل درامي أشاهده له. تأثير عكاشة لم يقتصر على بث الروح من جديد في الأعمال الدرامية وإعادة الاعتبار للدراما المصرية بعد مرحلة راج فيها الإسفاف والاستخفاف. ومنتجو الدراما إلى الأعمال الأدبية المتميزة بعد أن اكتفوا بكُتَّاب سيناريوهات يفصلون القصة حسب قياس الممثلين، فظهرت أعمال أدبية رفيعة المستوى لكتاب آخرين انحصرت شهرتهم بين القراء المخلصين للرواية ففضل أسامة عكاشة لم يقتصر على الدراما وحسب فما كان للمشاهد العربي ـ في ظل أزمة القراءة المزمنة أن يتعرف على مبدعين كحنه مينه لولا مسلسل مثل "نهاية رجل شجاع"، الذي نهض بالدراما السورية نهوضاً لم يسبق إليه، وخرّج ممثلين سوريين أصبحوا نجوما على مستوى العالم العربي بعد أن احتكرت الدراما المصرية الشاشة الفضية ـ بما لها وعليها".

ويقول د.شبر بن شرف الموسوي "لقد كان للكاتب أنور عكاشة دور كبير في تطور الدراما العربية فلقد كانت كتابته تتعلق بدرجة من الوعي بقضايا الأمة العربية والشعب المصري ولقد حاول أن يطرح من خلال أعماله الدرامية التطور التاريخي الذي مر به الشعب المصري إن كان من خلال الشهد والدموع أو ليالي الحلمية أو زيننا أو المصراوية فكل أعماله كانت تدلل على الوعي الكامل بقضايا الشعب المصري وهو وعي يتعلق بالدرجة الأولى بوعي الكاتب وبمفهومه عن كتابة الأعمال الدرامية وبتصوره الموضوعي والشخصي والفني لتلك القضايا، ووعيه بالعناصر الفنية لكتابة العمل الدرامي، وكيفية التعامل مع هذه العناصر وتحقيقها داخل ذلك العمل وهذا ما وجدناه واضحا في أعمال أسامة أنور عكاشة، وبموقفه ورؤيته الشخصية لمعنى القصة الدرامية والهدف، وقدرته على تحويل الفكرة وعناصرها الفنية إلى عمل فني تتحقق فيها كل عناصر العمل الدرامي بشكل جميل ومعبر.

وأضاف الموسوي: "وبطبيعة الحال فإن أسامة أنور عكاشة قد أظهر قدرته ككاتب قادر على كتابة نص درامي متماسك، وأن تكون له قدرة على نقل فكرته إلى القارئ، وأن يكسب بناءه الفني تماسكا وأن يبعده عن الخلل، فالمواقف كلها في القصص الدرامية جعلتنا كمشاهدين نتسمر أمام الشاشة حتى نعرف نهاية الحكاية، واستطاع بتلك اللمسات الفنية التي يضيفها ككاتب درامي إلى إيجاد مناخات جمالية جديدة تضفي على الأحداث والشخصية أبعادا فنية مبتكرة. وإن الحراك الفني في هذه المسلسلات كان يعبر عن الوعي الفني في عقل الكاتب، ويمثل تطورا في فكره القصصي، ووعيه الفني، وكل هذا بالتأكيد كان يكسب البناء الفني الدرامي قوة وتميزا في المسلسلات التي كتبها أسامة أنور عكاشة، لأن الكاتب استطاع أن ينقل الفكرة أو المعنى العام من مجرد فكرة قصصية عابرة إلى تشكيل فني وإبداعي. وهو ما جعل المسلسلات التي كتبها كأفضل مسلسلات عربية عرضت على الشاشة الفضية وفازت بجوائز عديدة. رحم الله أسامة أنور عكاشة وأسكنه فسيح جناته ولقد كانت وفاته خسارة كبيرة للدراما العربية".

ويقول الكاتب محمد بن سيف الرحبي: "أسامة أنور عكاشة ليس مجرد كاتب دراما، إنما هو مؤرخ حقيقي يقدم التاريخ من خلال الناس، يزوّق رسالة التاريخ للوصول إلينا، ولا يتعامل معه على أنه أحداث جامدة وقع كل جزء منها في اليوم الفلاني من السنة العلانية، إنما عبر الحكايات (الشهرزادية) التي تجعل من الماضي بساطا ممتدا لنجلس عليه اليوم، ونشكل بدورنا ما سيجده جيل قادم من بعدنا..

أسامة اختزل أحلام الناس وتطلعاتهم ومشاكلهم، وضعها في دفتر ملون يتتالى علينا كل ليلة، نجلس نترقب ما سيفاجئنا به من حكايات ضمن الحكاية الأم، ببساطة جعل من الكتابة الدرامية تاريخا يوثق المراحل الزمنية وتجلياتها وإخفاقاتها بلغة فنية راقية، والخوف على الدراما العربية بعد رحيل واحد من أهم صنّاع الكلمة فيها، وبفقدان كل فارس من هؤلاء الفرسان القدماء سيجعلنا نواجه حالة تصحر نلمسها حاليا، حيث أزمة النص تضرب الدراما العربية بقوة، ولا يمكن تعويض رجل كأسامة أنور عكاشة، لكن فئة النجوم الجدد يمكن العثور عليهم بكل بساطة.

ويرى الكاتب الدرامي أحمد الإزكي أن المرحوم أسامة أنور عكاشة مدرسة لوحده في كتابة سيناريوهات المسلسلات الدرامية فقلمه الرائع أثرى الساحة الدرامية العربية فكم من الكتاب قد حذا حذوه لأنه كاتب متمكن من أدواته في رسم المشهد الدرامي ولا أبالغ ولا أغالي لو قلت إنه يرسم مشهده على مقياس دقيق يقاس بالسنتميتر فكل عمل يحمل اسم عكاشة يكتب له النجاح بصرف النظر عن المخرج ونجوم المسلسل" وأضاف الإزكي: "لقد استفاد الكثير من كتاب الدراما في الوطن العربي من مدرسة عكاشة الإبداعية فلو لم يكتب غير مسلسل "ليالي الحلمية" لكفاه شرفا وتألقا وإبداعا".

وأكد "إن أعمال عكاشة تركت أثرا إيجابيا في الدراما العربية وستكون مدرسة أسامة أنور عكاشة مفتوحة حتى بعد موت صاحبها لأن الأعمال الخالدة ستبقى محفورة في ذاكرة الزمن".

وترى الناقدة عزة القصابية أن عكاشة "يعد من رواد كتاب الدراما العربية وقد جاء في مرحلة قبل الفضائيات لذا أحدث أثرا في المشاهدين كـ"ليالي الحلمية" الذي كان نال متابعة جماهيرية واسعة شأنه شأن مسلسلاته الأخرى كـ"آرابيسك" و"الراية البيضا" و"الشهد والدموع" وهذه الأعمال تركت بصمات جعلته مميزا عن كتاب الدراما العربية وقد اشتغل على التاريخ المصرية لقد فقدنا برحيله كاتبا مهما ونحن بحاجة إلى أعمال توازي هذه الأعمال".

الشبيبة العمانية في

30/05/2010

 
 

أسامة أنور عكاشة وداعاً 

إسماعيل مروة

فجأة ودون سابق إنذار يظهر في الشريط الإخباري نبأ مفجع يعلن وفاة المبدع أسامة أنور عكاشة، هذا المبدع الذي حرّك مياه الدراما الراكدة، فقدّم روائع الدراما المصرية والعربية، فقد كان أول من قدم المقاومة اللبنانية في عمل درامي، كما حرّك من قبل عالم القصة القصيرة، من خلال (مقاطع من أغنية قديمة) التي رأى فيها الدكتور حامد سيد النساج علامة فارقة في القصة..

تعشقت أعمال أسامة أنور عكاشة، وكان أول ما فعلته عندما زرت مصر عام 1995 الاتصال بأسامة على هاتفه فجاءني صوته، فأقفلت الخط مباشرة لهيبة الصوت، فإذا به يعاود الاتصال على رقمي ونتواعد في (التريانون) على سور نادي الزمالك، وبتاريخه الجميل الكبير جلسنا لساعة من الوقت، تواعدنا بعدها على اللقاء مساء في بيته على طريق الصحراوي إسكندرية، وهناك جلسنا معاً، تحدثنا، تقاربنا، بكى أسامة عندما تحدث عن طفولته، وكان اللقاء علامة من علامات الودّ شاركنا فيه ابنه المخرج.

وفي زيارة ثانية إلى القاهرة أدهشني أسامة بتاريخه وقامته وهو يأتي جارّاً قدميه المريضتين لاستقبالي واصطحابي إلى بيته في دعوة كريمة، فلم يشأ أن أزور القاهرة دون أن ألتقيه.. وحين زار دمشق أكثر من مرة كنت ممن يتصل بهم أسامة لنقضي وقتاً جميلاً على الرغم من تعبه.

يرنّ صوت أسامة في ذاكرتي فتدمع عيناي عندما يقول لي: آه أبو السباع إزايك.. كان لقب أبو السباع هو اللقب الذي خصني به أسامة خلال خمس عشرة سنة من علاقة أدبية بدأها أسامة باحترام شديد.

لا أزال أذكر آراءه المثيرة للجدل، والتي حدثني بها في بيته عام 1997 وهي مسجلة ومحفوظة لدي قبل عشرة أعوام من إعلانها على الملأ..

قد لا أوافق أسامة فيما ذهب إليه فكرياً بعد دوران طويل طويل، لكنني أحترم كل ما وصل إليه، فهو قناعات حاول قدر الإمكان الدفاع عنها..

عندما قدمت إليه بعض أعمالي اتصل بي ليقول:

قرأت الأعمال، وهي جميلة، ولكن أريدك أن تتوجه إلى الدراما يا بو السباع كل كتبي لم يقرأها إلا نفر قليل، أما أعمالي الدرامية فقد قرأها حتى غير القادرين على القراءة والتهجئة.

بقامة رفيعة عظيمة كتب أسامة أنور عكاشة لدوريات طلبت منه أن يكتب لها، وكتب عن دمشق وسورية أجمل التعابير الواقعية غير الإنشائية.

لم يكن عكاشة ناصرياً.. لم يكن شيوعياً.. لم يكن فرعونياً..

كان أسامة وطنياً متجذراً، ومرتبطاً بالمحيط..

لا أزال أذكر لأسامة إعجابه غير المنتهي بنزار قباني، فهو مفتون به أدباً وشعراً ومفتون بفكره وتوجهه، وعبّر أكثر من مرة بأن نزار قباني أكثر المتصالحين مع أنفسهم.

أسامة صديقي النبيل غاب صوتك نهائياً، ولن أحلم بسماع كلمة (أبو السباع) ولكنك باقٍ أبداً ما دام إنساننا العربي مرتبطاً بمفهومك الخاص (الناس اللي في التالت) كتبت عن الإنسان وهمومه، وكنت في الصف الأول.. وداعاً حبيبنا وصديقنا.

الوطن اللبنانية في

30/05/2010

 

ماذا يقول رفاق الدرب في «نجيب محفوظ الدراما»؟

القاهرة - سعيد ياسين 

«شخصياً أقول مش هقدر أكمل أجزاء «المصراوية» التي اعتبرها تحدياً لي، بخاصة أنها فاجأتني أثناء البدء فيها بأنها تتطلب مجهوداً أكثر عشر مرات مما أفعله، إذ لم أكابد فيها مشاكل المؤلفين فقط، بل أكابد صحياً وذهنياً وانفعالياً»... ما سبق كان إجابة للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة عن سؤال لـ «الحياة» قبل أزمته الصحية الأخيرة بأيام قليلة، حول مصير الجزء الجديد من المسلسل الذي عُرض جزؤه الثاني في شهر رمضان الماضي. ولم يكتف عكاشة بذلك، بل مضى قائلاً: «استطيع القول بعد الجزءين الأول والثاني اللذين أتمنى طباعتهما في كتاب، أنهما خلاصة تجربتي وحرفتي وموهبتي في الدراما التلفزيونية التي أكملت فيها رحلة الرصد الدرامي للمجتمع المصري التي بدأتها بـ «الشهد والدموع» على مستوى الأسرة، ثم أكملت في «ليالي الحلمية» على مستوى الحي، وفي «المصراوية» على مستوى المدينة كاملة بما فيها القرية والمركز والعاصمة بداية من عام 1914 إلى أوائل القرن الحالي».

كانت المساحة في «المصراوية» كعادة عكاشة في غالبية أعماله هائلة، والمكان منظوره واسع ورحب من البراري في شمال محافظة كفر الشيخ (شمال دلتا مصر) إلى البرلس ودسوق ولا صيفر البلد وطنطا والمنصورة صعوداً إلى القاهرة، وبالتالي احتوى على عدد مهول من الشخصيات، وهو ما كان مدعاة لعكاشة لأن يفتخر بقدرته على الإمساك بخطوط كل شخصياته وتسييرها كما يرغب.

يعد عكاشة حالاً استثنائية لا يمكن أن تطبق عليه مقاييس الإنسان العادي، كان في حال توهج دائمة منذ بدأ علاقته بالقلم والإبداع واكتشافه موهبته، ولا نبالغ إذا قلنا إنه كان أكثر مؤلفي مصر إنسانية أو اتساقاً مع النمط الإنساني. وهو يعد الرائد الأول في ظهور الأدب التلفزيوني الذي أصبح أدباً وفناً في الوقت ذاته. ولا يخفى على أحد أن بدايته في القصة القصيرة والرواية كان لها الأثر العميق حين تحول إلى الدراما التلفزيونية التي أصبح فيها نجماً يتفوق في الكثير من أعماله على أسماء النجوم الذين يلعبون بطولتها، لدرجة أنه في الأعوام الأخيرة كان مجرد وجود اسمه على أي عمل بمثابة ضمانة الجودة له وفرصة للتسويق إلى الفضائيات العربية التي تلهث وراء كبار النجوم والنجمات.

كان يؤكد أن مقولة هبوط الوحي والإلهام غير صحيحة: «الأمر كله لا يعدو كونه تعبيرات شعرية لا أكثر، لكن ما ينتابني هو اختمار الفكرة في داخلي، شيء ما يدور في أعماق الكاتب أو الفنان، شعور بإلحاح القلم وتدفق الأفكار».

وكان يعتبر أن الإسكندرية «تمثل الحلم الضائع والقاصر الذي يدور في خيال الزمن وله تجلياته في الواقع باعتبار أنها تعد أقدم مدينة حية في مصر، لم ينقطع فيها زمن التواصل التاريخي»، لذلك حظيت بالنصيب الأكبر من أعماله ومنها: «وقال البحر» و«النوة» و«الراية البيضا» و«لما التعلب فات» و«زيزينيا» و«عفاريت السيالة».

شهادات

يحيي الفخراني الذي كان يثق به عكاشة ثقة لا نهائية، يقول عنه: «أشعر بأنني أرتكز عليه، فلا أفكر في شيء وأنا أعمل معه، لثقتي في أنه سيتحمل المسؤولية وأنه يضيف من عنده روحاً مختلفة. إنه أهم مؤلف درامي عربي، ويصعب أن يجود الزمن بمؤلف آخر يملك ما كان يملكه الراحل على المستويين الفني والإنساني». ويشير الفخراني الى أن تعاونه معه في «ليالي الحلمية» من خلال شخصية سليم البدري كان فاتحة خير عليه، وأن هذا العمل كان مفتاحه الرئيس نحو النجومية. وعزا إليه الفضل في وقوفه أمام العملاق محمود مرسي من خلال مسلسل «لما التعلب فات»، وأشار إلى أنه كان يأمل أن يكمل معه رائعة «زيزينيا» التي قدم منها فقط الجزءين الأول والثاني، وحالت الظروف دون ظهور بقية أجزائها.

المخرج إسماعيل عبدالحافظ الذي قدم وعكاشة ثنائياً متجانساً من خلال عدد من المسلسلات منها «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية» و«أهالينا» و«المصراوية» يقول انه مهما تحدث عن رفيق مشواره فلن يوفيه حقه، مؤكداً أن تعاونهما مرجعه نشأتهما المشتركة في محافظة كفر الشيخ. ويضيف: «خرجنا من أرض واحدة، وساعدنا في ما بعد التقارب الفكري كثيراً، إذ إنني كنت من خلال معرفتي العميقة به ادرك ماذا يريد من وراء السطور وإن لم يذكره صراحة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر».

ويشير صلاح السعدني إلى أن أعمال عكاشة «كانت تطرح قضايا مهمة وحقيقية ورسائل واضحة، وكانت أقرب إلى الروايات الأدبية. إنه المؤلف الوحيد الذي تغلغل في أعماق الشخصية المصرية وقدم نماذج مختلفة منها، وأفتخر بأنني جسدت له شخصية حسن أرابيسك في المسلسل الذي حمل الاسم ذاته، إلى جانب شخصية العمدة الملحمية سليمان غانم في «ليالي الحلمية». وكشف أنه كان يحضر مسلسلاً جديداً يتعاون فيه مع عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ عنوانه «تنابلة السلطان».

سميرة أحمد، التي تعاونت مع عكاشة في ثلاثة مسلسلات هي «امرأة من زمن الحب» و«أميرة في عابدين» و«أحلام في البوابة»، تبدي حزنها الكبير على الفقيد، وتقول: «فقدت كاتباً كبيراً وصديقاً عزيزاً وإنساناً جميلاً، الله وحده يعلم مدى حزني على رحيله، وكلنا سنفتقد كتاباته المميزة والمضيئة في تاريخ الدراما العربية والتي تعد بمثابة دروس للأجيال الشابة».

وترى سميحة أيوب التي تعاونت مع الراحل في مسلسل «المصراوية» أن عكاشة «يعد المؤلف الوحيد الذي استطاع أن يجعل الشخصية المصرية تنبض حال تقديمها على الشاشة»، معتبرة انه «رائد للدراما التلفزيونية أمتع الجمهور العربي بأعماله التي عكست الواقع بكل ما يحمله من هموم وأفراح، وقدم أعمالاً خالدة ونماذج محفورة في الذاكرة».

ويستبعد أحمد بدير الذي قدم مع عكاشة واحداً من أفضل أدواره في مسلسل «زيزينيا»، أن يحل أحد مكان الراحل الذي يعتبره الأب الشرعي للدراما التلفزيونية. ويقول: «بوفاته فقدنا نجيب محفوظ الدراما، لقد كان يتميز بقدرة عجيبة على الغوص في أعماق الشخصية والحارة المصرية، إلى جانب قدرة استثنائىة على طرح شتى المشاكل والقضايا بأسلوب بسيط وسهل».

جماهيرية

يذكر أن عكاشة ولد في 27 تموز (يوليو) 1941 في محافظة كفر الشيخ وحصل على ليسانس آداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية من جامعة عين شمس عام 1962، وعمل مدرساً في التربية والتعليم عام 1963، قبل أن يصبح عضواً فنياً في العلاقات العامة في ديوان محافظة كفر الشيخ حتى عام 1966 كما عمل اختصاصياً اجتماعياً في جامعة الأزهر في الفترة من «1966 إلى 1982».

وتعتبر أعماله التلفزيونية الأهم والأكثر متابعة في مصر والعالم العربي. إذ لاقت تجاوباً جماهيرياً كبيراً بداية من «عصفور النار» و«الطيور والصيف» و«حب بلا ضفاف» و«الحب وأشياء أخرى» مروراً بـ «ضمير أبلة حكمت» و«الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية» و«رحلة أبو العلا البشري» و«لا يزال النيل يجري» و«أرابيسك» و«امرأة من زمن الحب» و«أهالينا» و«أميرة في عابدين» و«أحلام في البوابة» و«كناريا وشركاه» و«المصراوية».

كما كتب للمسرح عدداً من الأعمال منها: «البحر بيضحك ليه؟» و«في عز الضهر» و«ولاد الذين» و«الليلة 14» و«الناس اللي في التالت».

وكتب للسينما عدداً من الأفلام منها: «دماء على الأسفلت» لنور الشريف وإيمان الطوخي وحسن حسني، و«كتيبة الإعدام» لنور الشريف ومعالي زايد وممدوح عبدالعليم، و«الهجامة» لليلى علوي وهشام سليم... فضلاً عن عدد من المؤلفات منها المجموعتان القصصيتان «خارج الدنيا» عام 1967، و«مقاطع من أغنية قديمة» عام 1988، ورواية «أحلام في برج بابل» عام 1984، ثم «همس البحر» و «تباريح خريفية» و «منخفض الهند الموسمي» و «وهج الصيف» التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني كتب له السيناريو والحوار عاطف بشاي ولعب بطولته جميل راتب بدلاً من محمود مرسي الذي غيّبه الموت عقب تصوير عدد من مشاهده وأخرجه نجله هشام عكاشة.

وكان الراحل حصل على الكثير من الأوسمة والجوائز من أبرزها جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2002، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2008.

الحياة اللندنية في

30/05/2010

 
 

محاولة رثاء فاشلة

رحل أسامة أنور عكاشة، وترك أبطاله وجمهوره يتامى

هشام بن الشاوي

تذكرت مقطعا في رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ، يصف فيه قميص رب الأسرة، الذي فارق الحياة قبل لحظات، في حين مازال قميصه مبتلا بعرقه الذي لم يجف بعد.. تذكرت هذا المشهد، وأنا أعيد تشغيل شريط حواري الأول مع عميد الدراما العربية، الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة.

سيجف العرق، لكن سيبقى صوتك، أيها الغالي.. حيا، نابضا، شاهدا على خسارة كبيرة بالنسبة لي، فلولاك ما تورطت في محبة السرد.

****

وصلني خبر رحيل أنور عكاشة في إميل مقتضب، تحت عنوان "عاجل"، من صديق يعرف أنني مهووس بأسامة حد عبادة البطل، لكن ما فتنني به - منذ بداية التسعينات- عبقريته السردية/الدرامية... بينما مازلت نادر الاهتمام بمقالاته وتصريحاته النارية.

كان الخبر بدون تفاصيل، وهكذا وجدتني مرتبكا، غير مصدق، غير قادر على كبح جماح دموعي، ودون حتى محاولة التأكد من الخبر...

ما آلمني أكثر أنني اعتبرت نفسي مقصرا في حقه- رغما عني، ولأسباب قاهرة-، منذ أن علمت بخبر دخوله غرفة العناية المركزة. لم أتمكن من الاتصال به هاتفيا، أو على الأقل إرسال رسالة قصيرة.. تدعو له بالشفاء العاجل. أتألم... لأنه رحل دون أن أسمع صوته.. لآخر مرة، وأتساءل : هل أحذف رقم هاتفه المحمول ورقم هاتفه السكندري الثابت؟ ماذا سأفعل بهما ومن سيرد علي؟

هكذا ترحل دون أن أسمع صوتك مرة أخرى، وأنت تردد كالعادة : "واخذ بالك" لتتأكد من انتباهي..

****

ما أبشع ظلم ذوي القربى!

ثمة ما هو مؤلم أكثر من فقدان الأحبة، وهو الإساءة إليهم، التي لا تنسى.. ولا تغتفر، في حين نتعود على غيابهم، ونجد بعض السلوى. ما آلمني أكثر أن بعض الحاقدين والجهلة لم يستسيغوا نشر خبر تكفل الرئيس حسني مبارك بعلاج أسامة أنور عكاشة على نفقة الدولة، في جريدة مصرية خصصت - الآن- ملفا عن الفقيد، ومن قبل، أجازت نشر تعاليق ركيكة، تافهة وفي منتهى النذالة، وقد تعودت الصحيفة على السماح بنشر هكذا تعاليق، رغم وجود بروتوكول، أول من يخرق بنوده الجريدة نفسها. لو كانت موقعا خليجيا.. لن نلوم زوار الموقع، لأن لهم أسبابهم الخاصة لكراهية الكاتب. وما يثير الشفقة نشر "إيلاف" تعاليق تهاجم عكاشة دون مراعاة لحرمة الموتى، "فلتحيا حرية التعبير وديموقراطية النشر !!"، في حين تُحذف التعاليق التي تهاجم عاهرات الفيديو كليب ..!!

هذه الجريدة المصرية المحترمة قامت بتشويه مقاربتي لرواية "جنة مجنون" لأسامة أنور عكاشة، بل إن محرر الصفحة الثقافية تصرف في مقدمتها بغباء لا نظير له، مما جعل أحد القراء يتعجب لأنني لا أفرق بين أولى روايات الكاتب وآخرها، فراسلت الجريدة.. طالبا نشر المادة كاملة أو حذفها، لاسيما وأن النشر في نسختها الإلكترونية وليس ورقيا، ولم تبال الجريدة برسالتي.

****

ما أقسى أن تجد نفسك مجبرا على أن تكتب عمن تحبهم بــ "كان".

بعد أن أرسلت إلى الأستاذ أسامة مجموعتي القصصية البكر "بيت لا تفتح نوافذه..."، سألته عن انطباعه حول نصوصها، فرد على سبيل المجاملة بأنها "تنفع يتعمل منها سيناريو". لست هنا للتفاخر بكلمته، لكن جوابه يشي بقراءته للعمل، وانتباهه إلى أن كتابتي القصصية متأثرة بأسلوب السيناريو، وهذا ما يدل على تواضعه المعهود، "في حين لو أرسلت كتابا إلى زميل أو صديق، لن يتصفحه نهائيا، وقد يرد - فيما بعد- بمجاملة عابرة تفضحه". ولو أن من هاجموا الراحل عرفوا أنه رغم شهرته الكاسحة متواضع، لترفعوا عن تلك السفاسف.

****

في حواري معه أشرت إلى من يهاجمونه على النت، فكان رده بمنتهى الهدوء : "تلك تفاهات من يتسلون على النت، ومجموعة السلفيين المتنطعين الذين يحاولون أن "يوهبنوا" الثقافة المصرية، وأنا لا أعبأ بهم جميعا.. إنما أعبأ بالمواطن البسيط "، وفي تعليقه على من انتقدوا عادل إمام رد قائلا : "اللسان من الصعب اعتقاله، هل ستعتقل ألسنة الناس؟ لو صادفك طفل في الطريق وقذفك بحجر. هل ستجري وراءه؟ ستحترم نفسك وتبتعد. أسهل شيء السباب، ولغتنا - والحمد لله- عامرة بكل صيغ السباب واللعن".

لماذا ننسى الأشياء الجميلة بسرعة، ونتذكر الأشياء السيئة فقط؟ لماذا نسي أو تناسى من هاجموه أعماله العظيمة، ولا يتذكرون سوى تصريحاته النارية، ينسون أنه رمز من رموز الثقافة والفن؟ هل هي لعنة الوسط الفني؟ هل لأنه كاتب سيناريو نرميه في سلة واحدة مع فقاقيع الصابون وأدعياء الفن والمتطفلين؟ ألا يكفي أنه أول كاتب يجعل المشاهد العادي يتقبل وجود شخصيات مثقفة في عمل فني ويتعاطف معها.. شخصيات تقاوم كل أشكال التخلف والقهر والفساد؟

لقد استطاع أسامة أنور عكاشة أن يحفر بعض شخصياته في الوجدان العربي، صانعا نجومية عدة فنانين.. فمن منا سينسى الأدوار اللافتة، التي أداها كل من صلاح السعدني في "ليالي الحلمية" و"أرابيسك"، والراحل محمود مرسي في "رحلة السيد أبو العلا البشري"، وفردوس عبد الحميد في "زيزينيا" و"النوة"، كما صنع نجومية هشام سليم وممدوح عبد العليم انطلاقا من " ليالي الحلمية"، وتألقا في خماسيته "المصرواية" التي لم تكتمل، واكتشف أحمد السقا في إحدى المسرحيات وقدمه في مسلسل "النوى"، ورأينا عبلة كامل في أجمل أدوراها على الإطلاق في "امرأة من زمن الحب"، فسرقت عبلة الكاميرا من كل نجوم المسلسل حتى بطلته سميرة أحمد، و لا ننسى سناء جميل وجميل راتب وسمية الألفي في "الراية البيضا"، ويحيى الفخراني في "زيزينيا" و"ليالي الحلمية"، ويوسف شعبان وعفاف شعيب في "الشهد والدموع"، و قدم زوجته الشابة عبير منير في دور الأميرة التركية في "المصراوية"... أما نبيل الحلفاوي، سيد عزمي، سيد عبد الكريم، فكل أدوراهم بدراما عكاشة لافتة، بينما لم يتعامل معه نور الشريف إلا سينمائيا، في فيلمين رائعين من إخراج الراحل عاطف الطيب "كتيبة الإعدام" و"دماء على الإسفلت".

****

رغم الشهرة الكاسحة للراحل، لم تلق أعماله الأدبية نفس نجاح أعماله الدرامية، وقليلون من يعرفون أنه بدأ كاتب قصة، وأصدر عدة روايات، آخرها "سوناتا لتشرين"، في حين يبقى مصير روايته الأخيرة "شق النهار"، التي نشرها في جريدة الأهرام متسلسلة مجهولا وغامضا مثل مصير أبطال خماسية "المصراوية"، التي كان يعزم على أن تكون آخر لقاء بينه وبينه جماهيره العريضة، فرحل عميد الرواية التلفزيونية دون أن يكمل كتابتها... بعد أن شكل استثناء وظاهرة خاصة، فهو أول كاتب سيناريو "نجم"، وأشهر كاتب عربي على الإطلاق، فحتى ربات البيوت يعرفن اسمه، بينما هناك حملة شواهد عليا، ولا يعرفون من هو ماركيز...

العرب أنلاين في

30/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة .. الساحة الدرامية العربية تفقد عميدها 

نعى كتّاب ونقاد وسينمائيون مصريون الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة الذي توفي فجر الجمعة 28 أيار بأحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة، بعد صراع طويل مع المرض، معتبرين أن الساحة الدرامية العربية فقدت عميدها، حتى إنهم لقبوه بأنه نجيب محفوظ الدراما.

وعن مواقفه السياسية، قالوا في تصريحات لقناة ام بي سي  ، إن صراحته أوقعته في أزمات كثيرة، خاصة عندما انتقد الصحابي عمرو بن العاص، ورأوا أن الديمقراطية هي السبب في انقلابه على عشقه للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وقال الفنان محمود الحديني «إن عكاشة تاريخ وتراث، وإذا كان كاتبنا الكبير هو نجيب محفوظ في الأدب فإن أسامة أنور عكاشة نجيب محفوظ الدراما».

واعتبر ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما «أن عكاشة صنع دراما تجذب كل طبقات الشعب، واستطاع من خلالها أن يحقق أهدافا راقية، كما أنه صنع مشاهدا متخصصا يجلس أمام التلفزيون بالساعات ليتابع أعماله، سواء في مصر أم في الوطن العربي».

بدوره، نعى مسعد فودة، نقيب المهن التمثيلية، الكاتب الراحل قائلا «فقدنا قامة فنية وأدبية عظيمة جدا أثرت في الحياة الفنية والاجتماعية بعديد من الروائع الدرامية، كما إننا على نحو سياسي فقدنا أيضا معارضا صلدا ومحترما يقارع الحجة بالحجة».

أما وحيد حامد الكاتب والمؤلف السينمائي فقال عن زميله الراحل والكلمات تتحشرج في فمه «كان من شرفاء الكتابة».. وصمت قليلا قبل أن يتوارى قائلا «الله يرحمه».

ورأى الإعلامي وائل الإبراشي رئيس تحرير صحيفة صوت الأمة «إن عكاشة ينتمي إلى الناس، فهو ينحاز في كتاباته إلى مشاكلهم وهمومهم وأزماتهم، وأعتقد أن هذه هي القيمة الأساسية التي كان يحملها الكاتب الكبير».

وقال حسام عبد الهادي رئيس رابطة النقاد الفنيين «نحن فقدنا واحدا من أهم كتاب الدراما في الوطن العربي، بدأ من مسلسل الشهد والدموع، مرورا بليالي الحلمية على مدار 150 حلقة في 5 أجزاء، ليصل حتى 40 مسلسلا».

ورأى أن «الراحل بجانب ذلك كان مشرِّحا للمجتمع المصري والعربي، وكان عميدا للدراما العربية بسبب دراسته المتخصصة في الاجتماع؛ لأنه تخرج من كلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية».

واعتبر رئيس رابطة النقاد الفنيين أن عكاشة كان صريحا إلى أبعد الحدود، الأمر الذي كان يوقعه في مشاكل، والمثال الواضح على ذلك عاصفة الانتقادات التي تعرض لها والتي وصلت إلى حد تكفيره بسبب رأيه الرافض لأفكار الصحابي عمرو بن العاص، خاصة عندما قال «إنني لا يشرفني أن أكتب عملا دراميا عن عمرو بن العاص».

وكان عكاشة دخل إلى غرفة العناية المركزة في مستشفى «وادي النيل» بالقاهرة، مساء الثلاثاء قبل الماضي، بعد إصابته بتجمع مياه على الرئة.واضطر فريق الأطباء المشرف على حالته إلى وضع المخرج الكبير على جهاز التنفس الصناعي، غير أنه لفظ أنفاسه الأخيرة ولم يستجب للعلاج.وكان الرئيس المصري حسني مبارك قد أمر بعلاج الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة على نفقة الدولة، بعد الأزمة الصحية التي ألمّت به.وأسامة أنور عكاشة أحد أهم المؤلفين وكتاب السيناريو في الدراما المصرية والعربية، وتعتبر أعماله التلفزيونية الأهم والأكثر متابعة في مصر والعالم العربي، والراحل من مواليد 27 يوليو/تموز 1941م في مدينة طنطا محافظة الغربية، تخرج من كلية الآداب عام 1962م.وآخر أعماله التلفزيونية كان مسلسل «المصراوية»، الذي بث في رمضان 2007، والذي حاز على جائزة أفضل عمل في ذلك العام، ويجسد المسلسل تاريخ الشعب المصري منذ عام 1914. ويعرف عن أسامة أنور عكاشة عشقه الشديد لمدينة الإسكندرية المصرية الساحلية، على رغم أنه لم يولد بها، لكنه يقيم بها بصورة شبه متواصلة، وينجز بها أهم أعماله؛ منها «ليالي الحلمية» و»الراية البيضا»، و»ريش على مفيش»، و»عصفور النار»، «وما زال النيل يجري».

الرأي الأردنية في

30/05/2010

 
 

وداعاً أسامة أنور عكاشة... «سيّد الدراما العربية»

محمد عبد الرحمن

إنطفأ «نجيب محفوظ التلفزيون»، عن 69 عاماً، تاركاً خلفه عشرات الأعمال الدراميّة، إلى جانب كتبه ومسرحيّاته، وأفلامه و... مواقفه المثيرة للجدل

في حلقة الثلاثاء الماضي من برنامج عمّار الشريعي على «راديو مصر»، وجّه الموسيقي المصري تحية خاصة إلى أسامة أنور عكاشة وطلب من الجمهور الدعاء له. وأكد الشريعي في برنامجه أن عكاشة ظاهرة مصرية حقيقية، وأنه فخور بوضع الموسيقى التصويرية لأكثر من 90 في المئة من مسلسلاته وأفلامه. وأضاف، نقلاً عن نسرين عكاشة، إن صحة والدها تتحسّن. لكن القدر كتب الحلقة الأخيرة من حياة «سيّد الدراما العربية» فجر أمس، فتوفِّي عن 69 عاماً في مستشفى «وادي النيل».

هكذا رحل الكاتب المخضرم الملقب بـ«نجيب محفوظ التلفزيون»، بعدما أعطته الحياة الفرصة الكاملة للتعبير عن فلسفته الخاصة، مستخدماً أكثر أنواع الفنون جماهيرية في السنوات الثلاثين الأخيرة، أي الدراما. وقد غطّى نجاح عكاشة في الدراما على باقي أعماله الأدبية وأفلامه ومسرحياته.

تزامن صعود نجم عكاشة مع تطور الدراما التلفزيونية. وبدأ الجمهور يعرف اسمه مطلع الثمانينيات بعد عشرين عاماً من دخول التلفزيون إلى البيوت المصرية. ومع دخول الألوان إلى التلفزيون، باتت صناعة المسلسلات بحاجة إلى فكر جديد سواء على مستوى التأليف أو الإخراج وبالطبع التمثيل. هنا، فُتحت الأبواب أمام الثلاثي أسامة أنور عكاشة، والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، ومعهما يحيى الفخراني، ثم باقي الممثلين الذين هربوا من السينما إلى التلفزيون، أبرزهم صلاح السعدني، وهشام سليم، وآثار الحكيم...

كل هؤلاء وجدوا في عكاشة طوق النجاة لتقديم نصوص درامية مغايرة، اهتم صاحبها برصد المتغيّرات التي طرأت على المجتمع المصري في الربع الأخير من القرن العشرين. اهتم عكاشة بالدعوة إلى الحفاظ على الهوية المصرية، وكانت لميوله الناصرية دور كبير في جماهيرية أعماله التي اقتربت من مزاج الشارع المصري والعربي. إلى جانب ذلك، امتلك قدرةً فائقة ـــــ ساعده عليها المخرجون الذين عملوا معه، وخصوصاً إسماعيل عبد الحافظ ـــــ على تقديم دراما جذّابة لا تعتمد الفكر فقط، بل تحمل كل عناصر «الفرجة الممتعة». كما صنع شخصيات عدة لا تزال عالقة في أذهان الجماهير وتُعدّ الأبرز في مشوار من جسّدوها على الشاشة. ويُعدُّ مسلسل «الشهد والدموع» (1983) البداية الحقيقية لعكاشة.

لكنه بلغ قمة المجد التلفزيوني مع «ليالي الحلمية» (1987) الذي استمر خمس سنوات، وكان نقطة تحوّل في مشوار كل من شاركوا في بطولته. وهو المسلسل الأكثر إعادة الآن على الفضائيات العربية رغم مرور عشرين عاماً على إطلاقه. ويعدّ عكاشة من أكثر الكتّاب الذين عبّروا عن سحر الإسكندرية، رغم أنه ليس من أبنائها، لكنّه اعتاد كتابة كل مسلسلاته هناك.

ميوله الناصريّة زادت من جماهيريّة أعماله واقتربت من مزاج الشارع العربي

وقدّم المخرج الراحل أحد أشهر الأعمال التي تناولت المدينة العتيقة في «زيزينيا» (1997) ولاحقاً مسلسل «أرابيسك» (1992) الأبرز في مشوار صلاح السعدني، وناقش الهوية المصرية بجدية لم تخلُ من الكوميديا المحببة للجمهور. كذلك، قدم لسميرة أحمد أفضل مسلسلاتها للتلفزيون وهو «امرأة من زمن الحب» (1998)، و«أميرة في عابدين» (2002). ولفردوس عبد الحميد والمخرج محمد فاضل كتب «عصفور النار» (1987)، و«ما زال النيل يجري»، و«النوة» (1991). أما لسناء جميل، فكتب «الراية البيضا» (1996)، ولفاتن حمامة مسلسلها الأشهر «ضمير أبلة حكمت» (1990). وقدّم لمحمود مرسي أفضل أعماله «رحلة أبو العلا البشري» (1993). ومن أعماله المميزة أيضاً «كناريا وشركاه» (2003)، و«عفاريت السيالة» (2004)، و«لما التعلب فات» (1999) و«أهالينا» (1997). كما أنجز عدداً من المسرحيات لاقت نجاحاً جماهيرياً مثل «ولاد اللذينة» (2007).

على جبهة السينما، كتب ثلاثة أفلام دارت حول تأثير سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد أنور السادات على المصريين في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. الشريط الأول كان «الهجامة» (1992) لهشام سليم، وليلى علوي والمخرج محمد النجار، الذي رصد تحول اللصوص إلى رجال أعمال. والثاني من توقيع عاطف الطيب هو «دماء على الاسفلت» (1992) لنور الشريف الموظف الأممي الذي يعود إلى القاهرة ليكتشف حالة الانهيار الذي تعرضت له أسرته الصغيرة. أما أهمّ أفلامه فهو «كتيبة الإعدام» (1989) للمخرج عاطف الطيب، وبطولة نور الشريف. وتدور أحداثه حول انتقام أربعة من الشرفاء من شخص فاسد باع رجال المقاومة للإسرائيليين خلال الحرب.

أضف إلى ذلك أنّه كاتب روائي مميز، رغم عدم الاهتمام النقدي بأعماله. وقد كتب في السنوات العشر الأخيرة ثلاث روايات هي «وهج الصيف»، و«منخفض الهند الموسمي»، و«سوناتا لتشرين». كما خاض معارك سياسية ودينية وثقافية عدة، من دون أن تؤثر على جماهيريته في الشارع المصري. هذا الأخير سيتوافد بالتأكيد على مقر العزاء في مسجد عمر مكرم مساء الاثنين ليؤكد صحة القاعدة التي عاش من أجلها عكاشة وهي... «اللي كتب لم يمت».

ورغم نتاجه الكبير، أصدر عكاشة مجموعة مواقف في الفترة الأخيرة أثارت الجدل على الساحة المصرية. ولعلّ أشهرها كانت دعوته إلى حل جامعة الدول العربية وهجومه على عمرو بن العاص، واصفاً إياه بأنّه «من أحقر الشخصيات في التاريخ الإسلامي».

الأخبار اللبنانية في

30/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة...

من شهد الدراما إلى دموع الرحيل

القاهرة - محمد الصادق 

كما كانت حياته، أثار رحيل الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة جدلا واسعا بشأن طريقة تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، بعد أن وافته المنية أمس الأول (الجمعة) عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد صراع مع المرض.

انتقد مثقفون وكتّاب مصريون عدم تغطية جثمان الكاتب الراحل بعلم مصر على غرار كبار الأدباء والفنانين الراحلين أمثال نجيب محفوظ وسعد وهبة وغيرهما، رغم أن عكاشة حاصل على أعلى جوائز الدولة المصرية وهي الجائزة التقديرية في الفنون، وقدّم للدراما المصرية والعربية العديد من الأعمال المهمة، وساهم بشكل مؤثر في رفع اسم وقيمة الكتابة الدرامية.

كما انتقدوا غياب المسؤولين في الدولة عن مراسم الجنازة، وساد جدل بين الحضور وسط مشاعر الحزن والبكاء على تعامل الدولة مع مبدعيها، وأن الراحل كان مثيرا للعديد من القضايا التي خالفت رؤية الدولة وسياستها الرسمية كانتقاده الدائم للفكر الوهابي، وشن حملة ضده عبر العديد من مقالاته، وكذلك فضح سياسة الانفتاح وظواهر الفساد في المجتمع راهنا.

رثاء
رثى الكتاب والفنانون عكاشة، ولم يستطع الكثير منهم منع دموعهم أثناء الحديث عنه، واعتبروا رحيله فاجعة ألمت بالدراما العربية، وقال الفنان صلاح السعدني إن الراحل الكبير كان أحد عباقرة الكتابة التلفزيونية، ونجح في التلاقي مع مشاعر المشاهد قبل الممثل الذي يؤدي الأدوار التي كتبها بقلمه ومشاعره ووجدانه وكانت تجمعني بالراحل صداقة قوية قبل أن أجسد بعضا من أعماله على الشاشة، وكان يؤمن بأن الدراما وحدها لا تستطيع النهوض بالمجتمع، ولكن يجب أن يشهد هذا المجتمع حركة على أرض الواقع، وكان يحاول دائما أن يزاوج بين الكلمة والفعل ليبدوا من خلال أعماله وكتاباته كجنرال يحارب أعداءه في ظلام الجهل.

وقال الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن: 'إن الراحل قامة كبيرة في عالم الكتابة التلفزيونية، حيث استطاع التعبير عن قضايا الناس من خلال فن راقٍ، وقد كان له تأثير كبير على الدراما التلفزيونية، وتمكن من الاستمرار على مدار أكثر من ثلاثين عاما وهو يزداد تألقا مع الزمن من خلال قدرته على التواصل والتواجد بين الناس'، ويشير عبدالرحمن إلى أنه لا يمكن كتابة تاريخ الدراما المصرية والعربية دون أن يكون لعكاشة نصيب الأسد. وأشار محفوظ إلى أن التغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة قد تكون أصابت الراحل بالإحباط قبل الوفاة إلا أنه لم يتنازل عن الثوابت والقيم التي كان يؤمن بها.

وصفته الفنانة فردوس عبدالحميد بأنه فارس الدراما العربية، وقالت: 'أعتز كثيرا بالأعمال التي قدمتها من تأليف الراحل أسامة أنور عكاشة' مثل 'أنا وانت وبابا في المشمش' و'ليالي الحلمية' و'عصفور النار' لأن أسامة كان برأيها من أفضل من عبروا عن قضايا المجتمع المصري، وتمكن أن يرصد تحولات المجتمع من خلال مسلسلات اجتماعية لاقت إقبالا جماهيريا منقطع النظير.

مواقف وآراء

طرح الراحل العديد من الآراء والقضايا التي فجرت نقاشات واسعة وشهدت الأعوام الثلاثة قبل رحيله جدلا، على خلفية تصريحاته عن الصحابي عمرو بن العاص، وقضية حجاب الفنانات، وكذا الهجوم على فكرة القومية العربية واعتبارها فكرة عنصرية.

وفي ما يخص 'عمرو بن العاص' كان رأي عكاشة أن هجومه كان على الشخصية السياسية التي كانت ميالة دائما إلى الميكافيللية، وقامت بدور خطير في شق صف المسلمين أيام النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ولم أقصد الجانب الديني.

وفي ما يخص القومية العربية كان رأي الكاتب أنه 'منذ تاريخ حرب الخليج الثانية وتقاتل العرب بعضهم مع بعض في عاصفة الصحراء، سواء تحت مظلة أميركية أو بدونها، فإن الفكرة العربية أصيبت في مقتل'.

كما أكد الكاتب أنه لم يهاجم الحجاب، وإنما الفنانات اللواتي اخترن الحجاب ثم تراجعن، معتبرا أن موقفهن من البداية لم يكن سليما، وأنهن لم يخترنه عن اقتناع، وإنما طمعا في شيء ما، وعندما لم يتحقق هذا الشيء عدن ليبحثن عن المكسب.

وحول رؤيته للرئيس الأميركي باراك أوباما، قال بأنه 'أميركاني' بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أنه يمكن أن يقول كلمة طيبة في حق المسلمين أو يزور القاهرة ويلقى بها خطابا عن سماحة الإسلام والتآخي بين الأديان، لكن كل هذا لا يغير من حقيقة أنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية التي لها سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء.

مسيرة وأعمال

كتب أسامة أنور عكاشة أكثر من أربعين مسلسلاً تلفزيونيا بالإضافة إلى عدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات، وهي التي حفرت اسمه في الذاكرة كمؤلف مصري وعربي، وقد جاءت شهرته الحقيقية كمؤلف مع مسلسل 'الشهد والدموع' الذي حقق نجاحا مبهرا، ثم توالت بعد ذلك المسلسلات التي كتبها عكاشة، والتي نالت شهرة واسعة ونجحت في تغيير شكل الدراما التلفزيونية وكان من أهمها 'المشربية، ليالي الحلمية، ضمير أبلة حكمت، زيزينيا، الراية البيضا، وقال البحر، ريش على مفيش، أنا وانت وبابا في المشمش، لما التعلب فات، عصفور النار، ومازال النيل يجري، أرابيسك، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، كناريا وشركاه، عفاريت السيالة، أحلام في البوابة، المصراوية، الحب وأشياء أخرى، رحلة السيد أبوالعلا البشري، الحصار'.

وفي مجال السهرات الدرامية، كتب عكاشة حوالي خمس عشرة سهرة درامية كان من أهمها 'تذكرة داود، العين اللي صابت، الشرير، الكمبيوتر، البراءة، مشوار عيد، الملاحظة، الغائب، سكة رجوع، حب بلا ضفاف'. وفي مجال السينما كتب عكاشة مجموعة من الأفلام السينمائية الناجحة لعل من أهمها 'كتيبة الإعدام، الهجامة، تحت الصفر، دماء على الأسفلت، الطعم والسنارة، الإسكندراني'

وفي مجال المسرح كتب عكاشة بعض المسرحيات الناجحة منها مسرحية 'القانون وسيادته' لمسرح الفن، ومسرحية 'البحر بيضحك ليه' لفرقة الفنانين المتحدين، ومسرحية 'الناس اللي في التالت' للمسرح القومي، مسرحية 'ولاد اللذينة' للقطاع الخاص، وقـدم أسامة أنور عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان 'خارج الدنيا' ورواية 'أحلام في برج بابل' ورواية 'منخفض الهند الموسمي' وسوناتا لتشرين.

حصد عكاشة العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2008.

الجريدة الكويتية في

30/05/2010

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)