كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عكاشة بطل ماراثون الدراما المصرية والعربية

صالح أسعد

عن رحيل الكاتب

أسامة أنور عكاشة

   
 
 
 
 

يوم الجمعة ودعت الاوساط الثقافية والفنية المصرية والعربية الكاتب المبدع اسامة انور عكاشة الذي رحل عن هذه الدنيا بعد رحلة ابداع, هذا المبدع احد اعمدة الدراما المصرية والعربية واحد نجومها الذي تفوق لينافس النجوم الذين جسدوا شخصياتها التي كتبها على الشاشة. لقد امتاز عكاشة بخياله الواسع الذي جمع ما بين التاريخ الحقيقي والدرامي الافتراضي وتجلى هذا في معظم اعماله فاذا كان نجيب محفوظ قد ارّخ لفترات من تاريخ مصر من خلال قصصه خاصة الثلاثية. فان اسامة انور عكاشة كان اكثر استرسالا وتفصيلا لهذه المراحل التاريخية من خلال المسلسلات التي كتبها خاصة ليالي الحلمية.. والشهد والدموع والراية البيضاء »والمصراوية« وغيرها فنقل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال شخصياته وابطال اعماله.. فجعلنا نتفاعل مع بساطة العمدة سليمان غانم وارستقراطية سليمان البدري ونحقد على نازك السلحدار في »ليالي الحلمية« وكان يتحول ايضا في مواقفه السياسية من خلال هذه الاعمال فمرة تراه وفديا وفجأة يتحول الى ناصري اشتراكي بعد ذلك ناقدا للثورة التي امن بها عندما اخطأت حسب رأيه في بعض التصرفات.

لقد كان اسامة انور عكاشة مؤرخا عاطفيا تطغى العاطفة على العقل في بعض طروحاته الا انه رغم ذلك كان مبدعا يتعاطف مع الفقراء ويجعلك تحقد على الاغنياء في العديد من الاحيان ثم تجد نفسك بعد ذلك متعاطفا معهم في مواقع اخرى.

ولكن اهم ما يميزه انه كان صاحب مبادئ ثابتة ونفس طويل لديه القدرة على الفوز بسباق مارثون المسلسلات الطويلة فهو الذي قدم لنا خمسة اجزاء مترابطة من ليالي الحلمية دون كلل او ملل رغم تغير الابطال والممثلين مؤكدا ان العمل المتكامل لن يتأثر بغياب نجم او ممثل وهذا سر الصنعة الذي امتاز به اسامة انور عكاشة واذا ما اردنا ان نحلل ما قدمه فاننا نحتاج الى مجلدات ورسائل دكتوراه عديدة ولن نوفيه حقه.

ربما اختلفنا مع بعض اطروحاته المصرية الفرعونية الاقليمية في بعض الاوقات الا انه كان ناصريا قوميا ديمقراطيا رافضا للاحتلال والاستعمار وللشرذمة في معظم مواقفه وقبل كل ذلك رفض رفضا باتا للتطبيع وللديكتاتورية ولحكم الفرد وهذا ما اكده في معظم اعماله وان تجسد هذا بشكل واضح في »الراية البيضاء« وامرأة من زمن الحب«. وغير ذلك من الاعمال.. لقد كان اسامة انور عكاشة كاتبا لتاريخ مصر بطريقته الخاصة وباسلوبه المميز لدرجة جعلتنا لا نشعر بالتكرار وهو يعيد تقديم نفس الفترات التاريخية في عدة اعمال, لكن قدرته الخارقة على التصوير والدخول الى اسرار النفس البشرية الى التركيبة الاجتماعية جعلتنا في كل مرة نستمتع ونتابع.

لقد رحل عكاشة ولكن اعماله ستبقى خالدة وشخصياته لن تنسى ابدا.

saleh_assad@hotmail.com

العرب اليوم في

31/05/2010

 

اسامة انور عكاشة رحل بعد ان حاول اعادة قرأة التاريخ العربي والمصري المعاصر 

القاهرة - (ا ف ب): لا شك في ان الكاتب والمفكر اسامة اسامة انور عكاشة، الذي رحل امس الاول عن عالمنا، كان له تاثير كبير على اجيال مصرية وعربية عاشت وتابعت الدراما التي اثرى بها التلفزيون المصري والعربي لسنوات طويلة.

يبرز اسم عكاشة كواحد من اهم المؤلفين وكتاب السيناريو مقدما اعادة قراءة للتاريخ المصري المعاصر في مسلسلاته التي صنعت العصر الذهبي للدراما المصرية قبل انتشار القنوات الفضائية وما تبعها من زيادة في الانتاج ادت الى ركاكة وهشاشة العديد من المسلسلات.

فمن اهم ما يميزه عن غيره من كتاب الدراما انه صاحب موقف في اعادة قراءة التاريخ المصري بعيدا عن رؤية المؤسسة الرسمية ليقدم جيلا عاش على الهامش وحمل احلاما كبيرة وعاني ايضا من هزائم كبيرة طبعت شخصيته بمزيج من الفرح والمرارة لكنها لم تفقده الرغبة في السعي الى تحسين ظروفه.

يتجلى ذلك في شخصياته الدرامية مثل شخصية "علي البدري" (قدمها على الشاشة ممدوح عبد العليم) في مسلسل "ليالي الحلمية" الشهير حيث تشاهد الاحلام الكبيرة والهزائم القاسية وضياع بوصلة جيل النكسة بين الحلم والهزيمة.

ومن خلال شخصياته المختلفة في هذا المسلسل مثل نازك السلحدار (صفية العمري) وسليم البدري (يحي الفخراني) والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) يقدم برؤية جديدة تاريخ مصر منذ الملكية وموقف كل طبقة من الطبقات والشرائح الاجتماعية بكل تناقضاتها بطريقة تنصف هذا الماضي الملكي وتقدمه كمرحلة تطور اجتماعي وسياسي.

فهذا المسلسل، الذي قدم على مدار خمس سنوات في شهر رمضان وشكل معلما من معالم الاسرة العربية التي كانت تحدد زياراتها ونشطاتها تبعا لمواعيد عرضه، قدم الانتقالات السياسية منذ الحرب العربية الاسرائيلية الاولى قبل عام 1948 وما اعقبها من اعلان قيام الدولة اليهودية واثرها على تطور المجتمع المصري مرورا بحرب اكتوبر وصعود التيار الديني وسياسة الانفتاح الاقتصادي الذين غيروا نهائيا وجه المجتمع المصري لتفقد اللحظة دفئها وانسانيتها في اطار الجماعة وليصبح الفرد هو المركز حسب الرؤية التي قدمها عكاشة في هذا العمل.

وعكاشة الذي ولد عام 1941 في مدينة طنطا وسط الدلتا لم يكن يحلم ان ياتي يوما يكون فيه من اشهر كتاب الدراما العربية وان يكون من اكثر المؤلفين قدرة على فهم طبيعة الشخصية المصرية كما ظهر في نماذج اعماله.

ومن هذه النماذج شخصية حسن النعماني في مسلسل "ارابيسك" التي قدمها الفنان صلاح السعدني وما حملته ايضا من احلام مذبوحة وهزائم متكررة وكذلك شخصية بشر في "زيزينيا" التي قدمها الفنان يحي الفخراني والتي تطرق من خلالها الى الوضع السياسي والاجتماعي والتعددية الحضارية التي ميزت مجتمع مدينة الاسكندرية في ظل الصراع بين الوطني وبين الاجانب الذين مثل بعضهم بعدا استعماريا فيما اندمج اخرون منهم ولا سيما اليونانيون في المجتمع المصري ليصبحوا جزءا لا يتجزأ منه.

ولم يكتف عكاشة بذلك بل حاول ان يخلق الشخصية الايجابية التي تحارب الشخصية السلبية التي سادت بعد سياسة الانفتاح الساداتية مثل شخصية الفنانة فاتن حمامة في "ضمير ابلة حكمت" ومحاربتها كل مظاهر الفساد التي تبعت سياسة الانفتاح.

ومن اهم اعماله التي لم تكتمل للاسف اعادة كتابة تاريخ مصر في مسلسل "المصراوية" انطلاقا من الريف والصراع بين الحركة الوطنية المصرية مع الاتراك ومع الاستعمار الاجنبي والاندفاع اتجاه استقلال مصر.

وقد بقي الراحل الذي شيعت جنازته ظهر امس الجمعة وفيا لموقفه السياسي المطالب بقيام مصر بدورها على الاساس الاقليمي العربي والعودة الى موقعها الريادي في قيادة المنطقة بعد تراجع دورها الاقليمي بشدة.

فهو لم يهادن اصحاب الفكر الديني الذين يسعون الى ردة تعود بالبلاد الى الوراء مهاجما بلا هوادة اصحاب الفكر الوهابي المستورد من السعودية.

يشار الى ان اسامة انور عكاشة بدأ حياته ككاتب قصص قصيرة بعد تخرجه من جامعة عين شمس عام 1962 وعمله في مناطق مختلفة من الريف الى المدينة كما كتب الرواية والمسرحية والمقال.

ترك عكاشة حوالي اربعين مسلسلا اهمها "ليالي الحملة" "زيزينيا" و"ارابيسك" اضافة الى "الشهد والدموع" و"المشربية" و"الراية البيضا" و"عصفور النار" و"مازال النيل يجري" و"كناريا وشركاه" و"الحب واشياء اخرى" و"رحلة السيد ابو العلا البشري".

اضافة الى سهرات درامية تجاوز عددها ال15 وعدد من الافلام من بينها "كتيبة الاعدام" و"الهجامة" و"تحت الصفر" و"دماء على الاسفلت" و"الطعم والسنارة" و"الاسكندراني".

كذلك كتب عكاشة عددا من المسرحيات اهمها "القانون وسيادته" و"الناس اللي في الثالث" و"البحر بيضحك ليه".

وفي القصة القصيرة كتب عكاشة "خارج الدنيا" و"مقاطع من اغنية قديمة" الى جانب روايات "احلام في برج بابل" و"منخفض الهند الموسمي" و"وهج الصيف" و"اوراق مسافر" و"همس البحر" و"تباريح خريفية". 

أسامة أنور عكاشة

شيع المصريون أمس الأول (الجمعة) الكاتب المصري الكبير أسامة أنور عكاشة، الذي توفي في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر ناهز الـ69 عاماًً، متأثراً بأزمة صحية ألمت به طيلة الشهرين الماضيين وانتهت به في مستشفى وادي النيل للحالات الحرجة بالقاهرة.

وكان عكاشة يتلقى العلاج في المستشفى إثر إصابته بضيق في التنفس بسبب معاناته من مياه على الرئة.

- من مواليد 27 يوليو/ تموز العام 1941، في مدينة طنطا بمحافظة الغربية.

- حصل على ليسانس الآداب قسم دراسات علم نفس والاجتماع، كلية الآداب، العام 1962.

- يعد عكاشة أحد أهم مؤلفي وكتاب الدراما العرب وكان أول من كتب دراما الأجزاء في «ليالي الحلمية» أحد أشهر الأعمال الدرامية في تاريخ التليفزيون العربي.

- من أعماله المهمة: وقال البحر، ريش علي مفيش، لما التعلب فات، عصفور النار، رحلة أبو العلا البشري، وما زال النيل يجري، ضمير أبلة حكمت، الشهد والدموع، أرابيسك، زيزينيا، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، كناريا وشركاه، عفاريت السيالة، أحلام في البوابة، الراية البيضا، و«ليالي الحلمية» التي تعد من أطول المسلسلات العربية وهي نحو 150 حلقة في خمسة أجزاء.

- من أبرز الكتاب الذين أعادوا الاعتبار إلى مؤلف الدراما المصرية بمسلسلاته التلفزيونية التي ارتبطت بممثلين بارزين منهم فاتن حمامة في «ضمير أبلة حكمت» ومحمود مرسي في «لما التعلب فات» ومحمود المليجي في «وقال البحر» ويحيى الفخراني في أكثر من عمل.

- كان آخر أعماله «المصراوية» التي أنتج منها الجزءان الأول والثاني في العامين الماضيين.

- ألف عدة أفلام سينمائية لكنها لم تحقق شعبية مثل مسلسلاته منها «كتيبة الإعدام» و»الهجامة» و»دماء على الأسفلت». وله روايات منها «منخفض الهند الموسمي».

- اشتهرت أعماله دائماً بوجود لمحة عن مدينة الإسكندرية لحبه الشديد لها حيث كان يقضي معظم أشهر العام فيها متفرغاً للكتابة بعد تخليه عن وظيفته الحكومية في وقت مبكر من حياته للتفرغ للكتابة.

- نال عدة أوسمة وجوائز أبرزها جائزة الدولة التقديرية.

- عُرف عنه أنه ناصري التوجه، إضافة إلى تصديه في أعماله بشكل واضح للسلفية والتكفيريين ورفضه هيمنة رأس المال الخليجي على الدراما المصرية مما تسبب له في صدامات عدة مع قنوات خليجية كبرى كانت ترفض التعاقد على أعماله.

- كتب عكاشة المقال الصحافي لسنوات طويلة في صحيفتي «الأهرام» و«الوفد» المصريتين وطالب في مقال شهير له بحل جامعة الدول العربية وإنشاء «منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية» مبني على أساس التعاون الاقتصادي.

الوسط البحرينية في

30/05/2010

 

ليالي الحلمية.. تبكي فارسها

أحمد عفيفي

فرق كبير ان تلتقي مع واحد والسلام وبين ان تلتقي مع استاذ في مجاله، وكلمة استاذ هنا لها معنى ومدلول، فنحن نخاطب من لا نعرفهم: يا استاذ فلان، ولكن عندما نقول مثلا عن محمد عبدالوهاب الاستاذ، فنحن نقصدها، وعندما نطلق على فؤاد المهندس الاستاذ فنحن نعنيها، وعندما نقول عن اسامة انور عكاشة الاستاذ، فإنما نريد ان نعلي من شأنه ونضعه في مكانه الذي يليق بمن هم على قدر قامته.

منذ 8 سنوات كان لي مع استاذ الدراما التلفزيونية واديبها اسامة انور عكاشة لقاء، اذكره واذكر تفاصيله كأنني كنت معه بالامس، والاستاذ ـ لمن لا يعرفه عن قرب ـ انسان في غاية الرقة والتواضع وخفة الظل، كان اللقاء في بيته بحي المريوطية في الهرم، يومها تأخر عن موعده معي 10 دقائق نتيجة مرور القاهرة الذي لا يرحم، فإذا بالاستاذ يعتذر بأدب جم عن هذه الدقائق العشر، رغم انني واثناء انتظاري له في مكتبه كنت مستمتعا وعيني تتفحص المكان بصوره المعلقة على الجدران لأراه مع نجيب محفوظ ويوسف ادريس وجمال الغيطاني، واطالع مكتبته فتزغلل عيني أمهات الكتب.. قديمة وحديثة، غير الجوائز التي حصل عليها من الدولة التي تربى فيها ومن دول عربية متعددة عرفت قيمته فأنزلته المكانة التي تليق به.

نَفَس سيجارة

يومها كان الاستاذ لتوه عائدا من رحلة علاج في أميركا خضع فيها لعملية جراحية دقيقة، قال له الاطباء بعدها: بينك وبين الموت «نفس سيجارة».. اسحبه ان اردت وارحل. كان اسامة انور عكاشة يدخن في اليوم 140 سيجارة.. تخيل الرقم.. لا يكتب او يقرأ الا والسيجارة في يده حتى ولو لم تكن مشتعلة، وعندما عرف ان موته مرتبط بنفس واحد يسحبه، تركها وظن انه بتركه التدخين سيودع الكتابة الى الابد.. يضحك الاستاذ وهو يقول لي قبل ان نبدأ حوارنا: كذبة كبيرة ووهم اكبر من يظن ان الدخان محفز على الابداع، كلام فارغ، فقد توهمت انني لن اقدر على الكتابة بعد الاقلاع عن هذه الآفة اللعينة، لكنني كتبت بعده اعمالا ربما افضل من كل الاعمال التي كتبتها وفي يدي سيجارة.

الأبيض وأسود

يومها دار الحديث بيننا عن اعماله وبداياته منذ «الفارس الاخير» ايام التلفزيون «الابيض واسود».. ومسلسله الآخر «وأدرك شهريار الصباح».. عملان يحملان قيمة فكرية عالية جديدة على جمهور التلفزيون الجالس في البيوت الذي يحب الحدوتة التقليدية، وعرف اسامة انور عكاشة بذكائه وفطنته هذا الامر، فكان مسلسل «الشهد والدموع» اول بطاقة تعارف بينه وبين الجمهور «البيتوتي» على حد تعبيره، الحدوتة المصرية العادية.. لكنها تعكس اوضاع امة، صراع عائلي بين اشقاء واقارب يترجم صراعا سياسيا مصريا وعربيا انتهى بنكسة دون ادانة مباشرة للزعيم في وقتها.

أحلى لياليه

ومن بعد الشهد ودموعنا التي سالت على حال امة، اخذنا الرجل لنعيش معه احلى لياليه.. «ليالي الحلمية» ليؤرخ في خمس اجزاء تاريخ مصر منذ ما قبل الثورة الى عهد مبارك، ولا أحد كبيرا كان او صغيرا تسأله عن «ليالي الحلمية» الا وعرفها واثنى عليها ثناء المدركين لقيمة العمل وثقله.. سليم البدري وسليمان غانم، او الباشا والعمدة، او ان اردت الدقة المال والسلطة.. لمن تكون الغلبة؟ ادرك اسامة انور عكاشة بحسه ان الزمن القادم هو زمن التزاوج بين الاثنين وهو ما حادث الآن في حكومة مصر، منبها منذ 20 سنة الى خطورة هذا الامر على الحركة السياسية في البلد، صحيح انه في «ليالي الحلمية» كان هناك تنافر بين سليم البدري وسليمان غانم، لكنه تنافر الراغبين في الاقتراب والتوحد ليخلقا جيلا بعدهما لا يعرف الا مصلحة نفسه وليذهب الآخرون الى الجحيم.

لست بصدد التحدث باستفاضة عن «ليالي الحلمية» والا ما تحدثت عن غيرها من اعمال رائعة اخرى وكثيرة.

كل الشخوص..أبطال

اذكر خلال اللقاء ان قلت له: كل شخوص رواياتك ابطال في العمل، ليس بمعنى انهم اسماء كبيرة، ولكن حتى وان أداها ممثلون صغار، الا اننا نعيش معهم ونتفاعل ونذكر مواقفهم الصغيرة المؤثرة في سياق العمل ككل، فهل وانت تكتب تقصد ذلك الامر بعكس غيرك حيث الاعمال تركز على البطل الاوحد، الكل يدور في فلكه فلا نرى على السطح الا هو؟ اعجبه السؤال، ومن احساسه بقدره وعلو شأنه استشهد بعمل ليس له، حدثني عن «اوبرا عايدة» التي كتبها شاب غير معروف خطفه الموت في لحظة وعمره 32 سنة اثر حادث أليم.. هذا الشاب اسمه اسامة غازي ويقول الكاتب الكبير عنه: لو قدر الله له ان يعيش، لصارعني مصارعة النبلاء على التألق والابداع.. كنت ارى شبابي في هذا الولد، كان يدرك معنى الدراما الحقيقي.. من يشاهد اوبرا عايدة يتذكر شخصية «الفيل» ويعلق بذهنه تماما مثل سيد اوبرا المحامي بطل المسلسل، ولا ينسى «الخالة ستوتة» او «منجي» الزوج البخيل وغيره كثيرون، كلهم ابطال على الورق وفي العمل الدرامي، وبالنسبة لي عندما نشاهد «الشهد والدموع» على قدر ما نتذكر «زينب» بطلة العمل او شوقي واخاه حافظ على قدر ما نتذكر دولت هانم ونجية الخادمة ومختار برهامي، والاخير شخصية موجودة في حياتنا، تلك الشخصية التي تحب دائما التقرب من الكبير، هي شخصية صعلوكة لكنها تستمد قوتها من هذا الكبير صاحب السلطة والمال، وهذا الكبير لا يستغني عن هذا الصعلوك. وفي جملة حوارية كتبتها على لسان حافظ رضوان الكبير: مختار برهامي لا يمكن استغني عنه، عشان لما ايدي تتوسخ الاقي حاجة امسحها فيها!

«الحب وأشياء أخرى»

ولخص لي الاستاذ روايته «الحب واشياء اخرى» في هذه العبارة شديدة الايحاء: مش مهم انك تكون زي اللي بتحبه، لكن المهم ان تكون على نفس قدره ومكانته. وهذا ما لم يدركه بطل المسلسل سامح مدرس الموسيقى الذي تزوج من طبيبة «د.هند» ويراها في مكانة ارفع منه لأنه فاقد ـ عن عدم وعي ـ لقيمة نفسه.

وفي «الراية البيضاء» احد اهم اعماله، الصراع بين القيمة والمادة متمثلا في المعلمة فضة المعداوي والسفير المرموق، القيمة التي انهارت او كادت لولا التصدي بقوة وثبات لكل من يريد ان يواريها التراب.

«أميرة في عابدين»

سألت الاستاذ عن «اميرة من عابدين» إحدى روائعه، فابتسم وصحح لي الاسم قائلا «اميرة في عابدين»، استغربت وسألته: وهل هناك فرق؟ اجاب: فرق السما والارض، «اميرة من عابدين» عادي، لا توحي بأي شيء، لكن «اميرة في عابدين» فيها كل المعنى الذي اقصده، بمعنى ان البطلة لن تكون اميرة بحق الا في عابدين، بمعنى اكثر وضوحا، اننا لن نكون امراء ونستعيد هيبتنا الحقيقية والتي نستحقها الا بالعودة الى الجذور والاصول.

وكأنني تلميذ نجيب في محراب استاذ، أصغي بأدب من يريد ان يتعلم ويدرك قيمة من يجلس امامه ويشرف بلقائه.

«ويرفرف العمر الجميل الحنون»

قال لي اسامة انور عكاشة ضمن ما قاله: ان اهم اسباب نجاح مسلسلاته هم المخرجون الكبار امثال محمد فاضل واسماعيل عبدالحافظ وجمال عبدالحميد، ثم فاجأني: وتترات المسلسلات المغناة، ساعدت على نجاح المسلسلات بدرجة هائلة لأنها تترجم ببراعة الفكرة التي اتحدث عنها في 30 حلقة بكلمات بسيطة وغاية في الروعة كتابة ولحنا وغناء. وذكر لي تتر مسلسل «زيزينيا» الذي كتبه احمد فؤاد نجم واختار هذا الجزء:

وياموج بحر الليالي

عديتك وانت عالي

ودفعت المهر غالي

بالايام والسنين.

ومن «اربيسك»:

ويرفرف العمر الجميل الحنون

ويفر ويفرفر برقة قانون.

اما «ابوالعلا البشري»، فلخصها لي في صوت على الحجار:

ياصاحبي ياصديقي

ياللي طريقك طريقي

انا يوم ما اعيش لنفسي

ده يوم موتي الحقيقي.

«طواحين الهواء»

عاش اسامة انور عكاشة مثلما عاش بطله ابوالعلا البشري (دون كيشوت) يصارع طواحين الهواء، حالم في زمن غارق في الموبقات، مثالي في زمن «خد الفلوس واجري»، المتوهم ان للانسان قيمة في زمن اصبحت هذه القيمة صفرا على الشمال، لا تستطيع ان تشتري رغيف خبز او سندوتش طعمية.

هو دون كيشوت الذي صارع طواحين الهواء فلم تكسر هذه الطواحين الغبية الا رقبته.

مات الكاتب الكبير وتركنا لطواحين الهواء نصارعها مثله لعلنا ننجح ـ لا أقول في قهرها ـ انما في انقاذ رقابنا منها.

صديقه الصدوق

سألت الأستاذ عن أقرب أصدقائه الى قلبه فقال دون تفكير: الفنان نبيل الحلفاوي، وعلى فكرة الى جانب انه فنان كبير فهو شاعر أيضا وله ديوان رباعيات رائع. وأسمعني احدى رباعياته:

لو سعدك زمانك وبقيت لوا من دول

تأمر وتنهي وتبقى صاحب القول

نصيحة مني عشان ماتتهزأش

اوعى تعمل لوا ع اللي شافك صول.

سرحت ولم انطق من روعة الرباعية التي ربما على حد قول الاستاذ تلخص مأساة مجتمع انفتاحي طغى فيه على السطح من لا قيمة لهم، وانداس تحت الأحذية الكثير من الشرفاء!

ضمير أبلة حكمت

معروف من هي فاتن حمامة ومعروف قدر هذه الفنانة.. سيدة الشاشة العربية.. حدثتها المخرجة اللامعة انعام محمد على لتحمسها لعمل درامي في التليفزيون، فكان شرط القديرة الوحيد ان يكون كاتبه هو الاستاذ أسامة أنور عكاشة.

الكبير يدرك قيمة الكبير.. وكان مسلسل (ضمير ابلة حكمت) البسيط في سياقه.. العميق في معناه.

الأنباء الكويتية في

31/05/2010

 

أضعف الإيمان - مات حسن أرابيسك

داود الشريان 

رثى محمد فرحات في يومياته في «الحياة» الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة، وتساءل فرحات، هل اخطأ عكاشة أم أصاب في اختيار مسار كتابته، «بدأ كاتب رواية وقصص قصيرة، ونشر كتابين لا يخلوان من قيمة كانت تؤهله لمكانة لا تقل عن مكانة بهاء طاهر وابراهيم أصلان، لكن الرجل اختط مساراً مغايراً هو الكتابة للتلفزيون. كان أول روائي عربي ينصرف تماماً للدراما التلفزيونية». عكاشة لم يتخل عن الكتابة. لكنه غيّر الوسيلة، وان شئت فهو اختار الوسيلة الأكثر انتشاراً. اكثر صعوبة وتعقيداً.

أسامة أنور عكاشة نقل الدراما التلفزيونية من الصنعة الى الإبداع. وهو جعل الحوار في المسلسلات التلفزيونية حالة أدبية غير مسبوقة قبله. كان الحوار في أعمال عكاشة يخرج من يده، يصبح رهناً بتلقائية الشخصيات، وتصاعد الموقف، تجد هذا المعنى في مسلسل «ليالي الحلمية» على نحو ممتع، وكان اكثر وضوحاً وجنوناً وتوهجاً في مسلسله الجميل «أرابيسك». عكاشة اشبع وجدان المشاهد العربي بلغة الحوار. نقل الحوار من مرحلة الترهل والإنشائية الى الإبداع والمتعة والروعة والفن الجميل.

قدم عكاشة حكايات الأسرة وصراعها في «الشهد والدموع»، ونقل تناقضات الحي وعالمه المثير وتفاصيله الجميلة في «ليالي الحلمية»، وفي «المصراوية» كتب حكاية المدينة. وهو في كل أعماله كان مشاهداً متميزاً لما يكتب. يعجبني في عكاشة انه لم يمارس سلطته الفكرية على الشخوص. كان ينساق مع الحدوتة على نحو عجز عنه كثيرون. في «ليالي الحلمية» حيد ناصريته، وتجاهل انه من جيل اليسار والثورة. تعاطف مع الباشوات أحياناً. وقسا على ابن قاع المدينة علي البدري حين لزم الأمر. وهو في الحقيقة ترك الحكاية تصل الى حيث يجب ان تصل. جعل الدراما تمارس فعل التغيير بأحداثها.

اختلف عكاشة بين المقال والدراما. كان كاتباً عملاقاً في الدراما وكاتباً عادياً في المقالة. السبب انه في الدراما يعيش اللحظة، ويتفاعل مع شخصيات ويصبح واحداً منها طوال العمل. لكنه في المقال كان يعبر عن نفسه وينقل آراء تخصه. كان رجل ذاتياً في المقال وموضوعياً في النص الدرامي. ولهذا صنع شخصيات في مسلسلاته يصعب ان يصدق الإنسان أنها مجرد خيال كاتب. مات عكاشة وفي حلقه غصة من التطاول على الدراما المصرية. وحين مات اكتشفنا جميعاً ان الدراما العربية لم تلد حتى الآن مثل عكاشة... عكاشة المصري. رحمك الله.

الحياة اللندنية في

31/05/2010

 

نساء أسامة أنور عكاشة

نفيسة عبد الفتاح 

قد تكون لك رؤية مختلفة في بعض القضايا التي تبناها الراحل أسامة أنور عكاشة رحمه الله لكنك بالتأكيد أحد عشاق إبداعه المرئي الذي استطاع أن يغزو القلوب ويخلق حالة من التعايش بين المشاهد والعمل الإبداعي قلما يستطيع مبدع أن يخلقها، وقد توقفت طويلا أمام نموذج المرأة في تلك الأعمال، كان للمبدع الراحل قدرة عجيبة علي إعطاء نموذجين لامرأتين تمثلان طرفي نقيض، لكنهما علي نفس الدرجة من القوة والصلابة،

التحدي والفاعلية، لا فرق في ذلك بين شر فضة المعداوي في الراية البيضا أودولت في الشهد والدموع أو نازك السلحدار في ليالي الحلمية،وبين الخير الذي مثلته أبلة حكمت في ضمير أبلة حكمت وزينب في الشهد والدموع وأمل صبور في الراية البيضا وحورية في عصفور النار،ونموذج المرأة في كلتا الحالتين قوي سواء كانت تلك القوة في الشر أو في الحق،فالمرآة الشريرة قادرة علي كل شيء سواء كان ذلك بعلم وعنجهية"دولت" أو بجهل وقدرة مالية"فضة" أو بطبقية ونرجسية" نازك"، والمرأة القوية الطيبة هي نموذج للعطاء والمعاناة والقدرة علي مواجهة عالم قاس رغم تحدياته المحبطة في كثير من الأحيان، امرأة قد تجبرها الحياة علي كبت حاجاتها النفسية والبيولوجية لكنها تجاهد من أجل ما تؤمن به وهي في جهادها هذا تملك الحكمة والصبر فتتصدي للإصلاح علي طريقتها لتتفتح ثمار العطاء المدهشة علي يديها. حتي كبوات المرأة عند أسامة انور عكاشة لابد أن يعقبها نهوض وتحقيق لنوع من التفوق في محاولة لإثبات الذات من خلال النجاح العلمي أو العملي"زهرة" في ليالي الحلمية،"ناهد" في الشهد والدموع.

المرأة عند أسامة أنور عكاشة هي المحرك الأعظم للحوادث الجسام خيرا أو شرا، حتي عندما انهار النموذج العظيم "أبو العلا البشري" كانت وراء هذا الانهيار امرأة. وهو يكره الشر ويريح قلب المشاهد بنهايات محتومة لمن يمثله باستثناء قلة من أعماله منها الراية البيضا حيث ترك الصراع قائما بين الخير والشر وإن اتحدت أيادي الجميع ورابضوا علي الأرض في مواجهة بلدوزر هدم التاريخ والقيم والجمال الذي مثلته فيلا أبو الغار.

أسامة أنورعكاشة من جيل عاش حلم الثورة وآمن به شاهد طليعة نساء مصر وهن يشاركن في حلم العمل وإثبات الذات،وعندما اختلفت قناعاته وتغيرت نظرته للأمور لم تتغير بالنسبة للمرأة،فقد ظلت في وجدانه دائما أبدا ذلك الكيان القادر علي ان يبني أو يهدم، يعلي أو يخفض من قيم الفضيلة والحب والجمال.. رحمه الله.

الأسبوع أنلاين في

31/05/2010

 

مصر تودّع أسامة أنور عكاشة أحد رواد الكتابة الدرامية للتليفزيون

بقلم   سمير فريد

تودّع مصر اليوم الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة (١٩٤١ - ٢٠١٠)، الذى توفى الجمعة الماضى، بعد معاناة طويلة مع المرض، وحياة إبداعية حافلة استمرت أكثر من أربعة عقود، منذ أن جاء من كفر الشيخ، وتخرج فى كلية الآداب جامعة عين شمس عام ١٩٦٢، وتفرغ للكتابة ١٩٨٢، بعد أن عمل ٢٠ سنة فى وظائف حكومية متعددة.

ربما يبدو تعبير «تودّع مصر» أقرب إلى «الكلشيه» من كثرة ترديده فى موضعه وفى غير موضعه، ولكنه مع أسامة وعدد قليل من الكتاب حقيقى مائة فى المائة، ففى أغلب أعماله الأدبية ومقالاته السياسية كان الإنسان المصرى المعاصر والتاريخ الحديث، الذى صنع مكوناته هو الموضوع الذى شغله واستطاع أن يعبر عنه ببراعة.

وقد كتب أسامة القصة والرواية والمسرحية والسيناريو للسينما والتليفزيون، ولكن نجاحه الكبير كان فى الكتابة الدرامية للتليفزيون، ونجاحه الأكبر فى كتابة المسلسلات التليفزيونية، وخاصة فى خماسية «ليالى الحلمية»، التى أخرجها إسماعيل عبدالحافظ، وجعلت كلاً منهما من الأسماء التى صنعت تاريخ الدراما التليفزيونية، حتى إنها قورنت بثلاثية نجيب محفوظ (١٩١١ - ٢٠٠٦) من حيث إن كلا العملين ينتميان إلى رواية الأجيال، أو أدب الأجيال.

فى عام ١٩٤٦، وببصيرته النافذة، قال طه حسين (١٨٨٩ - ١٩٧٣)، إن تعالى الكتاب الموهوبين عن الكتابة للسينما سوف يؤدى إلى نتيجة واحدة، وهى أن تترك لغير الموهوبين، وهذا بالضبط ما فعله أسامة أنور عكاشة وعدد محدود من الكتاب الموهوبين، الذين كانوا رواداً بحق، عندما قرروا كتابة المسلسلات التليفزيونية، ولم يتعالوا عليها باعتبارها تتوجه إلى كل جمهور التليفزيون فى البيوت، والتباين الشديد بالضرورة بين المستويات الثقافية لهذا الجمهور.

بل يمكن القول إن كتاب ومخرجى المسلسلات المتميزة فى مصر، وكذلك فى سوريا، استطاعوا الوصول إلى أعلى المستويات العالمية فى هذا المجال، فالمسلسلات تعرف بـ«السوب أوبرا»، والمقصود الترجمة الحرفية لكلمة «سوب» أى «شوربة»، وهى السائدة فى مصر والعالم العربى وكل الدنيا لقضاء الوقت فى تسلية فارغة مثل «قزقزة اللب»، ولكن بفضل من لم يتعالوا عليها من الموهوبين أصبحت تقارن مع الأعمال الأدبية الكبرى، ومنهم أسامة أنور عكاشة رحمه الله بقدر ما أعطى.

samirmfarid@hotmail.com

 

فيديو جنازة «سيد الدراما التليفزيونية» على الرابط التالى:

http://www.almasryalyoum.com/ar/node/45353

المصري اليوم في

31/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة

مازن يوسف الصباغ 

إذا كان الصحفي مؤرخ اللحظة كما اعتاد الروائي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للأداب عام 1957 ألبير كامو أن يقول، فإن الكاتب الدرامي هو مؤرخ للحياة، يحفظها عبر شخصياته المتخيلة التي تمثل الفرد العادي، بأفكاره ومعتقداته، أوجاعه وهمومه، آماله وتطلعاته، لترسم بمجموعها صورة تحليلة للحياة الاجتماعية والمزاج السائد في حقبة زمنية معينة، تكمل عمل المؤرخ في توثيق الأحداث التاريخية ودراستها، وفي الصف الأول من هؤلاء (الكتاب–المؤرخين) يظهر اسم أسامة أنور عكاشة.

ولد الكاتب القصصي والروائي والسيناريست المصري أسامة أنور عكاشة في 27-7-1941 بمدينة طنطا، وتلقى تعليمه الإبتدائى والثانوى بمدارس كفر الشيخ والتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الإجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس وتخرج منها عام 1962، وكانت أولى محاولانه فى مجال التأليف خلال فترة دراسته الجامعية.

عمل بعد تخرجه أخصائياً اجتماعياً في مؤسسة لرعاية الأحداث، ثم عمل مدرساً بمحافظة أسيوط من عام 1963 إلى عام 1964، انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ من عام 1964 إلى عام 1966، وأخيراً عمل كأخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر من عام 1966 إلى عام 1982 تاريخ تركه الوظيفة ليتفرغ للكتابة والتأليف.

بدأ مسيرته الأدبية الإبداعية بكتابة القصة القصيرة وسرعان ما أضاف إليها الكتابة الدرامية والمسرحية والسينمائية والروائية، كما دأب على نشر مقال  أسبوعي في صحيفة الأهرام القاهرية العريقة.

كانت تظهر في جميع أعماله موهبته الأدبية وبراعته في التوليف بين ما هو أدبي وفلسفي وسياسي وتاريخي وتأملي وشعبي.

أعماله الأدبية: (خارج الدنيا، مجموعة قصصية 1967 - أحلام في برج بابل، رواية 1973 - مقاطع من أغنية قديمة، مجموعة قصصية 1985 - أوراق مسافر، مجموعة خواطر 1995 -  همس البحر، مجموعة خواطر  1995 - تباريح خريفية، مجموعة خواطر  1995 - منخفض الهند الموسمي، رواية 2000 - وهج الصيف، رواية 2001).

مسرحياته: (القانون وسيادته - البحر بيضحك ليه - الناس اللي في الثالث - ولاد اللذين).

لكن مجال الإبداع الأقوى لعكاشة كان كتابة السيناريو حيث ابتدأت شهرته مع مسلسل الشهد والدموع بجزئيه في حين سجلت ملحمته التاريخية المعاصرة (ليالي الحلمية) بأجزائها الخمسة علامة فارقة في مسيرة تطور العمل الدرامي العربي، حين استطاع الراحل عبر أكثر من مائة وخمسين حلقة تغطية قرابة أربعين عاماً من تاريخ مصر الحديث منذ العام 1950 وصولاً إلى منتصف التسعينيات من القرن العشرين.

 وتضم قائمة أعماله الدرامية التلفزنية التي تزيد عن الأربعين أسماء: (الراية البيضا - وقال البحر - ريش على مفيش - لما التعلب فات - عصفور النار - رحلة أبو العلا البشري - أبو العلا البشري 90 - وما زال النيل يجري - ضمير أبلة حكمت - أرابيسك -  زيزينيا - امرأة من زمن الحب - أميرة في عابدين - كناريا وشركاه - عفاريت السيالة - أحلام في البوابة - المصراوية).

بالإضافة إلى ذلك كتب عكاشة حوالى خمسة عشر سهرة درامية كان من أهمها ( تذكرة داود - العين اللى صابت - الشرير - الكمبيوتر - البراءة - مشوار عيد - الملاحظة - الغائب - سكة رجوع - حب بلا ضفاف).

وفي مجال السينما كتب سيناريو أفلام: (كتيبة الإعدام  -  الهجامة -  تحت الصفر - دماء على الأسفلت - الطعم والسنارة - الاسكندراني).

حصد عن مسيرته الإبداعية العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة المصرية للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002، وجائزة الدولة المصرية التقديرية فى الفنون عام 2008.

تسنى لي الالتقاء عدة مرات مع الراحل الكبير بحكم عملي في اللجنة العليا للانتاج العربي بجامعة الدول العربية.

كان أسامة أنور عكاشة يمثل النبض الحقيقي للشعب المصري، وعرف كيف يرسم ويكتب ملاحم نبض الناس والشارع والشعب في مصر.

رحل يوم الجمعة 28-5-2010 عن 69 عاماً، له الرحمة وجنات الخلد والبقاء لله والوطن.

مصدر الخبر: sns-خاص

محطة أخبار سوريا في

31/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة غادر تاركًا التنابلة مع رز الملايكة

وليد أبوالسعود 

يقام مساء اليوم بمسجد عمر مكرم عزاء الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة الذى وافته المنية صباح الجمعة الماضى عن عمر يناهز، 69 عاما، بعد صراع طويل مع المرض. بدوره، نفى المخرج هشام أنور عكاشة، أن يكون والده قد ترك وصية مكتوبة على المستويين الشخصى أو المهنى، داعيا محبيه إلى الدعاء له.

وأوضح هشام أن الكاتب الراحل اختار بنفسه الغياب عن دراما رمضان فى العام المقبل نتيجة شعوره أن معظم نجاحاته كانت بعيدة عن رمضان وأن له «رمضانه الخاص».ولم يخف نجل الكاتب الراحل شعور الأخير بالظلم الواقع على أعماله الأخيرة خاصة الجزء الأول من مسلسل «المصراوية»، وأضاف باقتضاب «وكأن قبل الرحيل كان يشعر بأنه سيغادر الحياة».

وحول ماذا إذا كان الراحل قد شرع فى كتابة الجزء الثالث من مسلسل «المصراوية»، قال عكاشة الابن «هذا الكلام غير صحيح»، مشيرا إلى أن مسلسله الأخير الذى كان يعمل عليه كان بعنوان «تنابلة السلطان»، وهو مسلسل معاصر عن المصريين حاليا.. وكيف يبدون «كسالى» و«غير مبالين» ولكنهم فى الحقيقة ليسوا كذلك على الإطلاق.

وكشف نجل الراحل أيضا عن وجود مشروع مسلسل كان يتم الاعداد له ليجمعهما سويا، وقال إن العمل كان يحمل عنوان «رز الملايكة» ويدور فى أجواء منطقة مصر القديمة والحسين والسيدة زينب وهو غوص آخر من أسامة فى أعماق الشخصية المصرية وهويتها ولكن فى إطار جديد ومغاير، مؤكدا أن الفكرة الأخيرة ربما يتم العمل عليها وكتابتها مستقبلا.

من جانبه، كشف الدكتور أشرف زكى، نقيب المهن التمثيلية، أنه دعا إلى عقد اجتماع مع عدد من النجوم والكتاب لبحث امكانية إقامة تكريم ملائم لمكانة «جبرتى» الدراما المصرية بحيث يخرج التكريم بشكل يليق بمكانة وعظمة الراحل.

وفى السياق ذاته، قال ممدوح الليثى، رئيس اتحاد النقابات الفنية، إن أى تكريم لعكاشة لن يكون بمثابة تكريم الدولة له عندما منحته جائزتها التقديرية وهذا يعتبر أكبر تكريم من الممكن أن يحصل عليه الفنان فى حياته وبعد رحيله أيضا.

غير أن الليثى عاد وقال إن هذا لن يمنعنا من اقامة تكريم يناسب مكانة عكاشة فى قلوبنا جميعا.. وسنقوم ببحث هذا التكريم بعد انتهاء مراسم العزاء.

الشروق المصرية في

31/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة‏..‏ شاهد علي العصر

كتب : محمـد هـزاع  

كان عام‏1982‏ نقطة التحول الرئيسية في حياة اسامة انور عكاشة والتي غيرت مجري حياته تماما حيث قدم استقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف‏.

كتب اكثر من اربعين مسلسلا تليفزيونيا بالاضافة الي عدد من الافلام السينمائية والمسرحيات‏,‏ جاءت شهرته الحقيقية كمؤلف مع مسلسل‏(‏ الشهد والدموع‏)‏ والذي حقق نجاحا كبيرا‏,‏ ثم توالت بعد ذلك المسلسلات التي كتبها عكاشة‏,‏ والتي نالت شهرة واسعة ونجحت في تغيير شكل الدراما التليفزيونية كان من اهمها‏(‏ المشربية‏,‏ ليالي الحلمية‏,‏ ضمير ابلة حكمت‏,‏ زييزينا‏,‏ الراية البيضاء‏,‏ عصفور النار‏,‏ ارابيسك‏,‏ رحلة ابوالعلا البشري‏,‏ المصراوية وغيرها‏,‏ و في مجال المسرح كتب بعض المسرحيات الناجحة منها مسرحية‏(‏ القانون وسيادته‏)‏ و‏(‏البحر بيضحك ليه‏)‏ و‏(‏الناس اللي في التالت‏)‏ وغيرها كما قدم اسامة انور عكاشة مجموعة من الاعمال الادبية من اهمها مجموعة قصصية بعنوان‏(‏ خارج الدنيا‏)‏ عام‏1967‏ ورواية‏(‏احلام في برج بابل‏)‏ عام‏1973‏ ومجموعة قصصية بعنوان‏(‏ مقاطع من اغنية قديمة‏)‏ عام‏1985‏ ورواية‏(‏ منخفض الهند الموسيمي‏)‏ عام‏2000‏ ورواية‏(‏ وهج الصيف‏)‏ عام‏2001,‏ كما قام بتأليف عدد من الكتب منها كتاب أوراق ساخر عام‏1985,‏ همس البحر‏,‏ وتباريح خريفية من العام نفسه‏..‏ عرف عنه ثباته علي الحق وقوله بما يؤمن به ويعتقده من آراء‏,‏ وتمسكه بمبادئه الرافضة لكل أشكال التطرف‏.‏

استطاع أسامة أنور عكاشة‏,‏ الذي رحل عن دنيانا صباح الجمعة الماضي ان يكون واحدا من أهم المؤلفين وكتابي السيناريو للدراما المصرية والعربية وتعتبر اعماله التليفزيونية هي الاهم والاكثر متابعة في مصر والعالم العربي‏,‏ فقد عرف طريقه إلي قلوب البشر بصدق الكلمة ورشاقة العبارة وجمال المعني‏,‏ ونجحت اعماله في إيجاد جيل جديد من كتاب السيناريو القادرين علي الإبداع وامتاع المشاهد‏,‏ وتظل ابداعاته شاهدة علي أكثر من عصر وأكثر من تحول‏,‏ تجمع اعماله في براعة بين الأدبي والفلسفي والسياسي والتاريخي‏,‏ كتب عن دراما الرأي والموقف والتأمل والتحليل وكتب عن الهوية التي باتت غير قادرة علي صد الاختراق‏,‏ وكتب عن مافيا الفساد وعن الهم المصري والعربي‏,‏ وعن الرأسمالية الجديدة‏,‏ وصراع الأجيال وغير ذلك كثير‏.‏

حصل عكاشة علي العديد من الاوسمة والجوائز‏,‏ أهمها جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام‏2002,‏ وجائزة الدول التقديرية في الفنون عام‏2008.‏

وصفحة دنيا الثقافة تنعي مبدعا شارك الناس احزانهم وافراحهم واثري مكتبة الدراما المصرية والعربية بأعماله الإبداعية‏.‏

الأهرام اليومي في

31/05/2010

 

مشاهد / وجع الأدب

يوسف القعيد

قد لا يعرف كثيرون، أن الراحل العزيز الصديق أسامة أنور عكاشة، ما كان يحب أن يوصف بكلمة سيناريست، لكنه كان يعشق كلمة أديب، وكان يتحدث عن نفسه باعتباره واحدا من جيل الستينات الأدبي في مصر، وعندما خطط لحياته كانت خطته أن يصبح روائيا وكاتبا للقصة القصيرة ومدونا لخواطره وانطباعاته ورحلاته، لولا صدفة تحويل إحدى قصصه القصيرة لتمثيلية سهرة في التلفزيون، فاكتشف أن من شاهدوها يعدون بالآلاف ومئات الآلاف.

لذلك قرر أن يتحول لكتابة السيناريو للتلفزيون، ثم كتب السهرة التلفزيونية والنص المسرحي والفيلم السينمائي، لكن كل هذا التجول بين الفنون المختلفة لم يُشفِه أبدا من وجع الأدب، وأذكر أنني كتبت مرة في حياته عن هذا الوجع عندما طبع بعض أجزاء من مسلسله الشهير: «ليالي الحلمية» في كتاب، وطبع مسلسلا آخر كان اسمه: «الإسكندراني» في كتاب، نشرهما له الحاج مدبولي عليه رحمة الله، وكتبت عن هذه الظاهرة تحت عنوان: «وجع الأدب»، فاتصل بي أسامة وقال لي إن الكلمة أصابت وجعا حقيقيا بداخله، وأنه فعلا موجوع بالأدب رغم كل ما حققه من خلال الكتابة للتلفزيون والسينما والمسرح.
وأسامة بذلك كان جزءا من جيل من كتاب السيناريو الذين دخلوا لكتابة السيناريو من أرض الأدب، فوحيد حامد- أمد الله في عمره- عرفته في منتصف ستينات القرن الماضي باعتباره قصاصا. وأذكر أنه قد طبع مجموعة قصصية في هيئة الكتاب، كان عنوانها: «القمر يقتل عاشقه». وكان يعد نفسه للاستمرار في الكتابة الأدبية، لكنه تحول بعد ذلك إلى الكتابة التلفزيونية، ثم السينمائية، ومع هذا كان حريصا على أن يعد بعض الأعمال الروائية للسينما. منها بعض روايات إحسان عبدالقدوس، وأيضا عندما حول «عمارة يعقوبيان» للدكتور علاء الأسواني لفيلم سينمائي.

رغم هذا الوجع فإن أسامة أنور عكاشة لم يفكر في تحويل أعمال أدبية لأدباء غيره لمسلسلات، بل إنه عندما كتب أعماله الأدبية بنفسه. لم يحولها لا إلى مسلسلات ولا إلى أفلام سينمائية، وترك لغيره من الأجيال التي جاءت بعده تحويل أعماله شخصيا إلى دراما تلفزيونية أو رؤى سينمائية، وليس في هذا ثمة تناقض على الإطلاق، فعندما يكتب أدبا خالصا كان يترك لغيره مهمة تحويله.

وأذكر أن أسامة ما كان يسعده شيء أكثر من مقارنته بنجيب محفوظ، باعتبار أن نجيب محفوظ خلد الجمالية الحي الشعبي الجميل في القاهرة، وأسامة أنور عكاشة خلد الحلمية الجديدة، القريبة من السيدة زينب وليس حي الحلمية القديم الذي يقع ما بين كوبري القبة ومصر الجديدة.

وعندما بدأت هذه المقارنات بينه وبين نجيب محفوظ في الكتابة، كان أسامة سعيدا بلا حدود، لمجرد أنه يقارن بأديب، بصرف النظر عن أن هذا الأديب هو نجيب محفوظ أو لو لم يكن نجيب محفوظ.

طبعا كونه نجيب محفوظ، مسألة أصبحت تحمل سعادة لكل من يقارن به، خصوصا بعد 12 أكتوبر سنة 1988. وهي سنة حصوله على جائزة نوبل للآداب. كأول مصري وكأول عربي وكأول مسلم يحصل عليها، ولن أقول كآخر حتى أترك باب الأمل مفتوحا لمن يتدافعون بالمناكب جريا وراء هذه الجائزة.

من أعراض هذا الوجع الأدبي عند أسامة حرصه على كتابة المقالات، خصوصا في الفترة الأخيرة، كان له مقال في جريدة الأهرام. وكان له مقال في جريدة الوفد، علاوة على أنه كان يكتب في بعض الأحيان في جريدة العربي الناصري وغيرها من الجرائد.

وكتابته للمقال لم تكن كتابة هواة، ولكنها كتابة محترفين، فيها درجة من الاحتراف والحرص على أن يخط لنفسه مكانا وسط كتاب الكلمة المقروءة، وكثيرا ما تعرض لقضايا كبرى لم يكتب فيها مقالا واحدا، ثم ينصرف عنها، مثلما يفعل الهواة. لكنه كان يستمر في الكتابة فيها لفترات طويلة، مثل قضايا الدراما التلفزيونية بين الإنتاج المصري والإنتاج العربي وعروبة مصر وهوية المصريين وما جرى عليها من تغيرات في السنوات الأخيرة. كان يكتب مقالات رصينة عميقة تشي بأنه يعتبر كتابة المقال جزءا من عمله العام. أو قيامه بدوره في المجتمع المصري بل المجتمع العربي.

بقدر ما كان أسامة أنور عكاشة يشاهد الدراما ويتابعها، وأنا أقصد بذلك الدراما التي يكتبها غيره من المؤلفين، فقد كان حريصا على قراءة النتاج الأدبي المنشور، سواء المصري أو العربي أو العالمي. بالتحديد النصوص الروائية والكتابات القصصية. كانت لديه مكتبة لم أشاهد مثلها أبدا، لقد زرته منذ أكثر من ربع قرن في بيته القديم بميدان الجيزة، وبهرتني مكتبته وهي لم تكن مكتبة ديكورية مثل التي نجدها في قصور محدثي النعمة في مصر الآن، ولكنها مكتبة حقيقية بمعنى أنه كان يعرف ما فيها، قرأ الكثير منه واستوعبه وهضمه وأعاد إنتاجه من أول وجديد.

وأنا متأكد أن الشكل المتخيل لدونكيشوت الذي سبق تترات مسلسله البديع: «أبوالعلا البشري»، هو الذي فكر فيه، وهو الذي أوحى به. بل ربما يكون هو الذي أصر عليه أن يكون شعارا للعمل، ليس معنى هذا أنه استوحى رحلة دونكيشوت في «رحلة أبوالعلا البشري»، لكنه كان يقدم تناولا مصريا للملحمة العالمية المهمة التي كتبها سرفانتس وكانت من الأعمال الروائية المؤسسة لفن الرواية على مستوى العالم كله. وأيضا هو الذي ابتدع عناوين الحلقات، وكان يضع لكل حلقة عنوانا أدبيا، وهذا يعكس الإحساس بالأديب بداخله. الذي لم يطغ على كاتب السيناريو.

كانت ثقافة أسامة أنور عكاشة أساس شرعيته، وكان إحساسه بأنه أديب مسألة شديدة الأهمية بالنسبة له، وهذا ما ميز أعماله ومنحها أعماقا حقيقية، جعلها تبقى معنا وجعل أبطال أعماله يبدون أمامنا كما لو كانوا من أبطال الواقع الذين نراهم كل يوم في الحياة العادية.

من الأعمال الأدبية التي كتبها أسامة أنور عكاشة، مجموعة قصصية بعنوان «خارج الدنيا» صدرت العام 1967 من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ورواية «أحلام في برج بابل» العام 1973، مجموعة قصصية بعنوان «مقاطع من أغنية قديمة» العام 1985، ورواية «منخفض الهند الموسمي» العام2000، ورواية «وهج الصيف» العام 2001، كما قام بتأليف عدد من الكتب، منها كتاب «أوراق مسافر» العام 1995، وكتاب «همس البحر، تباريح خريفية» في العام نفسه. وآخر كتاب صدر له قبيل رحيله لا أعرف إن كان قد رآه أو لم يره. هو روايته: «سوناتا لتشرين». التي نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام. ثم أصدرها في كتاب.

الراي الكويتية في

01/06/2010

 

ثلاثية الفن والتاريخ والسياسة

عميد الدراما العربية أسامة أنور عكاشة.. قصة حياة وفاجعة رحيل

بقلم: مصعب الصاوي 

إذا صح أن مفجر الاستنارة الأول هو أستاذ الأجيال أحمد لطفي السيد وتلميذه طه حسين الذي جعل التعليم حقاً للفقراء كالماء والهواء، ومن هذا الاتجاه صنعت مصر الحديثة وصدر كتاب «عودة الروح» لتوفيق الحكيم الذي ألهم جمال عبد الناصر في ثورة يوليو 1952م . كذلك رواية «رادوبيس» التي تتحدث عن القائد الفرعوني الذي أعاد الحياة لمصر وخلصها من الهكسوس، فإن مفجر ثورة 1952 يوليو المصرية هو أيضاً صاحب النهضة الثقافية في مصر المعاصرة والتي عرفت بالثورة الثقافية او الثقافة الجماهيرية التي استفاد منها أسامة أنور عكاشة وجيله لذا نلمس هذه العلاقة المستبطنة بين أسامة أنور عكاشة وثورة يوليو، فكثير من الاحداث التي يرويها أسامة أنور عكاشة تمثل الثورة المصرية فاصلاً تاريخياً جوهرياً في مضمونها وتكوينها الفني.

*دفاتر التاريخ الاجتماعي:

لم يكن متاحاً لاسامة أنور عكاشة وجيله التعبير صراحة عن رؤاهم السياسية بين عصرين نهاية عصر عبد الناصر وبداية عصر السادات، فقد كانت الرقابة وهو مصطلح معروف في الحياة الفنية المصرية تسمح بأن تتجاوز السينما والفنون عموماً حدود الترفيه والمعالجات العادية السطحية لقضايا الواقع الاجتماعي إلاَّ لقلة من المبدعين القابضين على جمرة الوعي السياسي والمجتمعي منهم صلاح أبو سيف ويوسف شاهين فكان ملاذ اسامة أنور عكاشة الغوص في طبقات التاريخ الاجتماعي للخروج منه بخلاصات موحية ورموز معّبرة عن ما يضج داخله من فكر سياسي.

*أسامة وشت ينبك:

أعجب أسامة أنور عكاشة بالكاتب الروائي الأمريكي شت ينبك واستلهم مجموعة من أعماله في سهرات درامية تلفزيونية استطالت الى أن صارت مسلسلاً كاملاً هو «وقال البحر» الذي بدوره أسهم في نقل الدراما التلفزيونية المصرية نقلة كبيرة وغيَّر كثيراً في مفاهيم الحوار والبناء التلفزيوني للصورة والمشهد، كما أن شت ينبك يشبه في واقعيته الناقدة للمجتمع الامريكي بين يدي الحرب الأهلية وما عاناه المجتمع من ظروف القهر السياسي والفقر وسيطرة الطبقات ما جعل هذا النموذج يصلح لمقاربة الواقع المصري على نحو ما خاصة فترتا ما قبل الثورة المصرية وبعدها.

*ظهور الناشط السياسي:

تتميز أعمال أسامة أنور عكاشة عن غيرها من تراث الدراما التلفزيونية المصرية بشخصية الناشط السياسي بوضوح أكبر سواء أكان هذا الناشط متجسداً في قناع ابن الحارة او ابن البلد المصري الأصيل (الجدع) كشخصية حسن أرابيسك او البطل الذي يتخفى في الشعب أيام المواجهة مع الانجليز أو الوزير النزيه الذي يرفض ممارسة النفاق ليكون مقرباً من قصر الملك فؤاد، او الضابط الوطني الذي يرفض استغلال سلطاته لارضاء مرؤوسيه أيام حكم عبد الناصر ويضحي بعمله من أجل ايمانه بنفسه أولاً ثم بمبادئ الثورة ثانياً.

*دلالة السخرية

تحفل ثنايا حوار أسامة أنور عكاشة بالسخرية السياسية كقناع نقدي خاصة لبعض الفترات في تاريخ مصر السياسي المعاصر، فقد سادت في نهاية عصر الملك فاروق ظاهرة شراء الألقاب، القاب البكوية والباشوية وقد تم تجسيد هذه  المفارقات على نحو مفصل في «ليالي الحلمية »، كما أن السخرية من سياسة الانفتاح والتطبيع نهاية عصر السادات كان لها نصيب الأسد من سخرية أسامة وتقريعه على لسان الشخوص التي كتبها خاصة مسلسل (أميرة في عابدين).

*اسكندرية ليه؟!

رغم أن أسامة أنور عكاشة مصري كامل الدسم عاش في  عدد من المدن المصرية مثل المنصورة وطنطا إلاّ «زيزينيا» اسكندرية هي نموذجه المفضل وحلمه يشبه في هذا العشق يوسف شاهين، ويعتقد عكاشة ان شخصية الاسكندراني هي شخصية المصري المتحضر الذي يقبل الآخر بغض النظر عن دينه وجنسه بل بعمله وعطائه - كما أن الاسكندراني فيه شهامة الانسان المصري وكرامته ورفضه للظلم والاضطهاد.. ويعتبر مسلسل (النوّة) من أعمق المسلسلات التي جسدت شخصية الاسكندراني خاصة (سوكا) التي لعبت شخصيتها الفنانة القديرة فردوس عبد الحميد، (وسوكا) مثال للفتاة المصرية المكافحة التي تعمل بشرف وتعكف على تربية شقيقاتها وتنسى نفسها ويفوتها قطار الزواج لتكتشف انه لم يتبق لها من المخلصين إلاّ زملائها في الكار، والكار سوق الأقمشة والملابس الذي تعمل فيه وبعد ان تكتسح رياح المستورد السوق ويكسد سوق التريكو والغزل البلدي المصري تقول لشريكها وهي تفتح المخزن بعد أن تعجز عن سداد حقه: أهو باب المخزن فاتح خد اللي انت عاوزو فيفاجئها بالبوح الذي طالما تكتم عليه: (أنا انتظرت العمر ده كله يا سوكا مش عشان تفتحي لي باب المخزن بس عشان تفتحي لي قلبك).

*المعارضة الوطنية:

في مسلسل حسن أرابيسك تبرز شخصية خبير الآثار اليساري السابق الذي كان يعمل موظفاً بمصلحة الآثار وفصل للصالح العام أيام عبد الناصر يسأله حسن عن هذه الفترة فيقول له: لقد عارضت جمال عبد الناصر ولكنني احترمه، أنا فصلت من عملي لكن أنا مصري وبحب بلدي.

 وبذات المفهوم السياسي الذي يناقش مشروعية المعارضة الوطنية ناقش أسامة عبر أعماله مفاهيم سياسية وفكرية أخرى كمفهوم التعايش الديني والاجتماعي بين المسلمين والاقباط في إطار الجماعة الوطنية ووجه عبر أعماله نقداً كثيفاً لجماعات التطرف الديني مسيحية كانت أو اسلامية وقد ظهر هذا المفهوم بكثافة في مسلسل حسن ارابيسك الذي ناقش مفهوم الهوية الثقافية لمصر الحديثة أيضاً، هل هي نتاج عربي اسلامي أم مزيج من حضارات متداخلة مشرقية وأوروبية الخ.. ويبدو ان أسامة كان متأثراً في كل مفاهيم الوحدة والتنوع من مدينته المفضلة وملهمته (زيزينيا).

الرأي العام الكويتية في

01/06/2010

 

أسامة أنور عكاشة تحت شجر البرتقال

سعيد الشحات 

عاتبنى صديقى الكاتب والناقد الدكتور عزازى على عزازى على ما رآه اختصارا كبيرا، لما كتبته فى الأسبوع الماضى عن الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة.

كان ذلك قبل ثلاثة أيام من رحيل أسامة، وكان مصدر عتابه أننى لم أذكر الكثير من المناقشات التى كانت تدور فى منتديات ولقاءات أسامة الجماهيرية التى قام بها، خاصة بعد مسلسله الرائع «ليالى الحلمية»، ومن بينها لقاؤه الجماهيرى الذى حدث فى قريتنا كوم الأطرون - طوخ - محافظة القليوبية، وحضره معه من نجوم المسلسل الفنان سيد عبدالكريم، الذى جسد دوره الخالد زينهم السماحى فى المسلسل، وحضره الفنان سيد عزمى الذى جسد دوره الرائع «الأسطى زكريا».

ذكرنى عزازى وكان حاضرا لهذا اللقاء بالإضافة إلى الصديق الدكتور عبدالحليم قنديل، والصديق الكاتب الصحفى الراحل سيد زهران، وفى حديقة البرتقال التى أكلنا تحت أشجارها الفطير المشلتت، الذى ضرب أسامة عرض الحائط بتحذيرات الأطباء من تناوله، وأكل بشهية كبيرة قائلا: «الدواء يقاوم المرض، أما الفطير فلا أحد يقاومه»، وفى مناخ من التلقائية والفرح، تبادل أسامة وسيد عبدالكريم وسيد عزمى رمى البرتقال على بعضهم وكأنهم يلعبون كرة طائرة، وبعد هذا المرح وانتظارا لتناول الشاى، انتقل الحديث إلى قضية لم نكن نتوقع أنها ستنتهى إلى ولادة فكرة فيلم جميل لأسامة هو «كتيبة الإعدام». تحدثنا عن تنظيم ثورة مصر بقيادة محمود نور الدين وخالد جمال عبدالناصر، والذى نفذ عمليات اغتيال ضد عناصر من الموساد الإسرائيلى فى مصر، وتم الكشف عنه والقبض على عناصره، وخرج خالد عبدالناصر إلى يوغسلافيا حتى عاد لمحاكمته، وتزامنت زيارة أسامة إلى قريتنا مع انتظار محاكمة أعضاء التنظيم، وفرض الأمر نفسه فى جلستنا بحديقة البرتقال، خاصة فيما يتعلق بما يمكن فعله من مساندة للمعتقلين، ومع حماس المناقشات نظر الدكتور سيد عبدالكريم إلى أسامة قائلا: «همتك يا عبقرى»، وأكمل الحاضرون نداء سيد عبدالكريم، ليأتى الفيلم بعدها بفترة ليست طويلة، وأذكر أن سيد عبدالكريم قال لى أنه ظل يتابع كتابة الفيلم مع أسامة يوما بيوم، لدرجة شعر سيد معها أن الفيلم مولود يتم على يديه.

كتيبة الإعدام كان تحريضا من أسامة على ضرورة عدم التفريط فى الثأر من إسرائيل وكل الخونة، الذين استغلوا الحروب للمتاجرة بدماء الشهداء، وتلك واحدة من القيمة العظيمة التى لم يفرط فيها أبدا، وبسببها وغيرها من عشرات الأسباب سيظل الحزن والغم يلفنا زمنا طويلا، ويلفنى شخصيا على رحيله، وسيظل فخرى مع أهل قريتى أنه كان لها نصيب فى رؤيته ومحاورته، بل وولادة فيلم من تأليفه تحت شجر برتقالها.

اليوم السابع المصرية في

01/06/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)