كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

الجوائز الفضية عن استحقاق

ولكن لجنة التحكيم حوَّلت الذهب إلى صفيح!

يكتب من مهرجان برلين :سمير فريد

مهرجان برلين السينمائي الدولي الخامس والستون

   
 
 
 
 

جاء فوز الفيلم الإيرانى «تاكسى»، إخراج جعفر بناهى، بجائزة الدب الذهبى، أرفع جوائز مهرجان برلين، مفاجأة لم تخطر على بال أحد حتى من المعجبين بالفيلم، وقد أصبح من الصعب على مخرجين من طراز هيرزوج وماليك وجريناواى أن يقبلوا الاشتراك فى مسابقة مهرجان برلين، أو حتى أى مهرجان آخر، ما دامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد الذين يهدر الفن لحساب أشياء أخرى.

والمعروف أن المخرج الإيرانى محكوم عليه فى بلاده بالمنع من السفر وتحديد إقامته فى منزله والمنع من صنع الأفلام لمدة عشرين سنة، والسبب رسمياً وبالنص أنه كان «ينوى» صنع فيلم ضد النظام الحاكم بعد ثورة ٢٠٠٩ الشعبية ضد هذا النظام، والتى تم قمعها بوحشية. ولكن بناهى صنع ثلاثة أفلام عُرضت فى مهرجانات «كان وفينسيا وبرلين» منذ الحكم عليه، وفيلمه المُتوَّج فى برلين مُصوَّر فى الشارع، وليس فى منزله.

وبغض النظر عن هذا الغموض فإن الفيلم متواضع وأقل من عادى، حيث يُصوِّر المخرج نفسه وهو يقود سيارة تاكسى فى طهران، ويتحاور مع الزبائن الذين تنعكس فى أحاديثهم أحوال الناس فى المدينة، على طريقة كتاب خالد الخميسى المشهور «تاكسى»، ولكن الكتاب المصرى أكثر عمقاً وصدقاً. والمؤكد أن الدفاع عن حرية بناهى لا يعنى منحه الدب الذهبى فى مسابقة حفلت بالعديد من الأفلام التى تفوقه بأى المقاييس. وقبل إعلان الجائزة قال ديتر كوسليك، مدير المهرجان: «يقال إن (برلين) مهرجان سياسى، وإنه كذلك فعلاً، لأننا لا نستطيع الانفصال عما يحدث فى العالم»، وكأنه يُمهِّد لفوز «تاكسى»، وعلى أى مهرجان أن يكون فى العالم، ولكن ليس على حساب الفن.

لقد ذكرنا فى رسالة الأحد أن فيلم «إيكسانو» إخراج جارو بوستمانتى الأحق بجائزة ألفريد باور لأحسن فيلم طويل أول لمخرجه، وأن شارلوت رامبيلنج الأحق بجائزة أحسن ممثلة عن دورها فى الفيلم البريطانى «٤٥ سنة» إخراج أندرو هيج، وكذلك توم كورتيناى لجائزة أحسن ممثل.

وقد جاءت الجوائز الثلاث كما ذكرنا تماماً، وكذلك ذكرنا أن الفيلم الفرنسى التسجيلى «أزرار اللؤلؤ» إخراج باترشيو جوزمان الأحق بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، ولكنه فاز بأحسن سيناريو، وأن الفيلم الرومانى «عفارم» إخراج رادو جودى يستحق جائزة السيناريو، ولكنه فاز بجائزة الإخراج مناصفة مع مالجورزاتا مسوموسكا عن الفيلم البولندى «الجسد».

وفاز الفيلم الشيلى «النادى» إخراج بابلو لارين بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، وهو فيلم جيد، ولكنه لا يفوق أفلام المخرجين الكبار الثلاثة الذين اشتركوا فى المسابقة، وخرجوا من دون أى تقدير. وفاز بجائزة أحسن إسهام فنى الفيلم الروسى «تحت سماء كهربائية» إخراج ألكسى جيرمان الابن عن التصوير الذى اشترك فيه إفجينى بريفين وسيرجى ميخالشوك، والفيلم الألمانى «فيكتوريا» إخراج سباستيان شيبر عن التصوير الذى قام به ستورلا برانديث جرفلين، والتصوير فى الفيلمين متميز، ولكن لا يوجد ما يبرر تقسيم الجائزة، وكذلك تقسيم جائزة الإخراج، فضلاً عن أن إخراج الفيلم البولندى لا يقارن مع إخراج الفيلم الرومانى الذى كان يستحق الفوز وحده.

وتقسيم أى جائزة دليل على عجز لجنة التحكيم عن الوصول إلى الأفضل، ومعيار قوة أى لجنة فى التمكن من ترجيح الفائز عند وجود أكثر من فنان يستحق الفوز بهذه الجائزة أو تلك، أى إدراك التفاصيل الدقيقة التى ترجح فوز هذا أو ذاك، فما أسهل الوصول إلى النتائج عند وجود عدد قليل من الأفلام التى تستحق التقدير، وما أصعب المهمة عند وجود عدد كبير، أو بالأحرى أكبر من عدد الجوائز.

وهكذا فازت ٩ أفلام من الـ ١٩ فيلماً التى تنافست على الدب الذهبى الوحيد والدببة الفضية السبعة، وهذه الأفلام الـ٩: فيلم من آسيا (إيران)، وفيلمان من أمريكا الجنوبية (شيلى وجواتيمالا)، و٣ أفلام من شرق أوروبا (روسيا وبولندا ورومانيا) و٣ أفلام من غرب أوروبا (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، ولا عزاء للسينما الأمريكية التى اشتركت بفيلمى ماليك وهيرزوج.

المصري اليوم في

16.02.2015

 
 

فوز «تاكسى» بالدب الذهبى يكشف عدم قدرة الحكومات على منع مبدعيها من ممارسة أعمالهم الفنية

رسالة برلين ــ خالد محمود

·        جوائز برلين جاءت طبقـًا للتوقعات وانحازت لحرية الفن والسينما الجميلة

هل بإمكان الحكومات أن تمنع مبدعيها من تصوير أعمالهم الفنية؟، السؤال فرض نفسه عقب الاعلان عن فوز فيلم «تاكسى» للمخرج الإيرانى الكبير جعفر بناهى بجائزة الدب الذهبى لمهرجان برلين السينمائى .

واجابة السؤال: بالقطع لا، حيث إن فيلم «تاكسى» يعد التجربة الثالثة لمخرجه منذ أن صدر قرار بمنعه تماما من الإخراج من قبل الحكومة الايرانية، وبدون شك تأتى جوائز الدورة الخامسة والستين لمهرجان برلين السينمائى الدولى لتنتصر للفن ولعشاقه الذين يحاربون من اجله ويتحدون كل الظروف لتحقيق احلامهم، وللمشاعر الإنسانية لجمهور ونقاد المهرجان الذين اشاروا مسبقا إلى ان فيلم «تاكسى» للمخرج الإيرانى جعفر بناهى سوف يحقق فوزا كبيرا فى المهرجان، وخرجت معظم الاستفتاءات لتؤكد استحقاقه بالفوز بالدب الذهبى، وهو ما تحقق بالفعل .

مشهد الاعلان عن الجائزة كان بحق عظيما ومؤثرا للغاية، فقد صفق الجمهور طويلا، عقب نزول بيتر كوسليك مدير المهرجان من على مسرح الجوائز لتسليم الجائزة لابنة اخو بناهى واحدى بطلات الفيلم، تلك الطفلة الصفيرة، واسمها هنا (11 عاما)، التى لم تصدق اللحظة، وانهمرت فى البكاء على خشبة مسرح الجوائز وزرفت اعين الحضور من نجوم ونقاد العالم بالدموع ايضا. وهو المشهد الذى تكرر مع مشهد النهاية للفيلم الذى عرض عقب الجوائز باعتباره الفائز بالجائزة الكبرى.

بناهى رغم انه ممنوع فى بلاده من ممارسة نشاطه فى مجال السينما، الا أنه نجح فى تهريب فيلمه «تاكسى» إلى برلين للمشاركة فى البرليناله، وليحقق المفاجأة ويفوز بالدب الذهبى. وهو واحد من أبرز المخرجين الإيرانيين والذى يعانى دائما من محاولات قمعه بشتى الطرق من قبل السلطات الإيرانية، حتى إنها منعته من مزاولة مهنته وتصوير أى أفلام سينمائية، لكنه تمرد على ذلك الوضع وتحدى القيود التى وضعتها حكومة بلاده ومنعه من السفر لأى دولة أخرى، خشية من تصوير أفلامه بالخارج، لكن بناهى لم يستسلم لتلك المعوقات ليعطى درسا كبيرا للسلطات الإيرانية بأنه لايستطيع أحد مصادرة حق القوى الناعمة فى التعبير عن قضايا المجتمع.

صور بناهى الفيلم فى تاكسى بعيدا عن أنظار المسئولين، بل ويجسد به دور سائق تاكسى يركب معه العديد من الاشخاص البسطاء وكل منهم يعبر عن رأيه خلال الطريق وعبر مواقف شخصية فى الأوضاع السياسية والاجتماعية فى طهران بشكل مباشر وغير مباشر ليكشف الكثير من تردى الحريات فى إيران، وهو يؤكد أنه رغم كل المضايقات التى يتعرض لها إلا أنه لا يعرف شيئا سوى تصوير الأفلام السينمائية التى يحيا بها، والمدهش اننا فى الفيلم نرى بعض الركاب وقد تعرفوا اليه وينادونه باسمه، ليكتسى العمل بالواقعية الشديدة ليس فقط فى اسلوب الطرح، ولكن اراد بناهى ان يؤكد للجميع انه قادر على صنع السينما التى يحبها رغم انف الجميع، ولم ننس بالقطع البيان الذى نشر فى المهرجان على لسان جعفر بناهى يؤكد فيه «أنه لن يمنعه شىء من التصوير بالكاميرا، وأنه حتى عندما تمت محاولة وضعه فى زاوية بعيدة ليتنحى جانبا إلا أنه تواصل مع ذاته الداخلية، وأوجد عملا إبداعيا يتخطى مجرد موضوع الرغبة».

ظاهرة بناهى الفائز من قبل بجائزة الدب الذهبى عام 2006 عن فيلمه «اوفسايد» جعلتنى أسال بعض نقاد وسينمائيى العالم وقد جلست بجوارهم لأشاهد الفيلم، حيث اشار البعض إلى أن بناهى نجح فى انتقاد النظام الإيرانى بـ«تاكسى»، وأشادت بعناصر الفيلم سواء من حيث اختيار الشخصيات أو الجمل الحوارية وأيضا التصوير، ليصل برسالته السياسية والاجتماعية إلى الجمهور بحرفية عالية، وقال البعض الاخر ان سيناريو العمل كان مبدعا وجذابا بتلقائيته، مشيرين إلى ان المخرج قام بذلك وهو ممنوع من الاخراج فى بلده، بينما قال المخرج الأمريكى دارين أرونوفسكى، الذى ترأس لجنة تحكيم المهرجان المؤلفة من سبعة أعضاء، «لقد أوجد رسالة حب للسينما».

والواقع ان فيلم بناهى تحفة سينمائية رائعة لنقله واقع الشارع الإيرانى كما عود جمهوره دائما فى أفلامه، وذلك من خلال أسلوب بسيط وسهل لكنه مؤثر للغاية، وربما لهذا السبب تعتبر الحكومة الإيرانية بناهى شخصا مخربا وتروج إلى أنه يسعى لإثارة البلبلة فى بلاده، فأفلامه تتضمن دائما سخرية اجتماعية لاذعة وهو ما لا يعجب السلطات وتم منعه من التصوير بعدما حاول بالكاميرا توثيق المظاهرات التى اندلعت فى إيران اعتراضا على إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدى نجادى 2009، وفى 2011 صدر ضده حكم بالسجن لمدة 20 سنة، ومنعه من التصوير أو كتابة الأفلام أو السفر، ثم تم إخلاء سبيله بكفالة على أن يحق للسلطات اعتقاله متى شاءت.

كما جاءت باقى جوائز المهرجان مطابقة للتوقعات باستحقاق الافلام الجميلة سينمائيا للفوز بالجوائز، حيث فاز المخرج الرومانى مالجورزاتا تشوموفسكا عن فيلمه «عفارم»، والمخرجة البولندية رادو جود بفيلمها «جسد» مناصفة ــ بجائزة الدب الفضى التى تمنح لأفضل مخرج فى مهرجان برلين السينمائى، فى فوز مزدوج لسينما وسط أوروبا.

وتدور أحداث فيلم «أفيريم» فى غرب رومانيا فى القرن التاسع عشر، فى حين أن فيلم «بادى» لسزوموسكا يستكشف الموت المعنوى للحياة، وكيفية التغلب عليه عبر فكرة فلسفية شديدة العمق قوامها «الصراخ بكلمة آه».

المخرج التشيلى بابلو لارين

وجاءت جائزة الدب الفضى، (جائزة لجنة التحكيم الكبرى)، لفيلم المخرج التشيلى بابلو لارين «النادى» فى حين ذهبت جائزة الدب الفضى جائزة ألفريد باور، لفيلم المخرج الجواتيمالى جايرو بوستامنتى «بركان إكسكواناجو» واستحقت عن جدارة جائزة الدب الفضى لأفضل ممثلة، العملاقة المخضرمة تشارلوت رامبلينج عن دورها فى فيلم «45 عاما» التى قدمت دورا رائعا وايضا جائزة الدب الفضى لأفضل ممثل، ذهبت إلى الرائع توم كورتيناى عن دوره فى نفس الفيلم «45 عاما» الذى نافس بقوة على جائزة افضل فيلم أيضا.

تشارلوت رامبلينج

كانت هناك توقعات كبيرة بفوز المخرج التشيلى باتريشيو جوزمان بإحدى الجوائز، نظرا للتحفة السينمائية التسجيلية التى قدمها فى فيلمه الذى يتناول فيه عالم طبيعة المياه وسحركنوزها بين سماء وارض، وبالفعل حصد جائزة الدب الفضى لأفضل سيناريو.

الدب الفضى لأفضل إسهام فنى، ذهبت إلى المصور السينمائى شتورلا براندث جروفلين عن تصويره للفيلم الألمانى «فيكتوريا». وذلك مناصفة مع المصورين إيفجينى بريفينى وسيرجى ميخائيلتشوك عن تصويرهما للفيلم الروسى «تحت السحب الكهربائية».

الشروق المصرية في

16.02.2015

 
 

الدبّ يصعد في التاكسي!

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان ــ برلين

كما توقع كثيرون، نال المخرج الإيراني جعفر بناهي الذي منعته سلطات بلاده من العمل لمدة عشرين عاماً، جائزة "الدبّ الذهب" في برلين (5 – 15 الجاري) عن فيلمه الدوكودرامي البديع، "تاكسي"، شريط وصل الى المهرجان من دون مخرجه. فاذا كانت ايران "تتسامح" مع مخرج "الدائرة"، وتتيح له فرصة تصوير أفلامه بـ"السرّ" وتسريبها الى التظاهرات السينمائية الكبرى، في المقابل لا تسمح له بمغادرة البلاد والتوجه الى العاصمة الألمانية لتسلم جائزته. الأمر الذي يوقع قضية بناهي في الالتباس والغموض، وخصوصاً ان المخرج يمتنع عن ذكر اسماء العاملين معه في الفيلم، على الرغم من ظهورهم المعلن والواضح فيه. سؤال يؤرق الكثيرين: أيُّ منطقٍ هذا أن يُسمح له بأن يصوّر (اذا اعتبرنا انه مراقب وأن مخابرات بلاده لا تجهل تفاصيل تحركاته ونشاطه) ويبعث بالفيلم الى برلين، وغير مسموح له بأن يخرج من الحدود الايرانية ليصطحب العمل؟

مساء السبت في الـ"برليناله"، كانت من المرات النادرة التي لم يصوّب فيها المصورون عدساتهم صوب المخرج بل تركزت على "الدبّ الذهب" الذي ظلّ وحيداً على طاولة صالة المؤتمر الصحافي. هناء، ابنة اخت بناهي، هي التي اعتلت المنصة لتسلم الجائزة (فيما كانت زوجته من بين الحضور)، تحت وابل من التصفيق الحاد وصيحات الرضى، ما جعل الفتاة الصغيرة التي ظهرت في "تاكسي" في دور تلميذة، تعبّر عن عدم قدرتها على الكلام من شدة الانفعال، قبل ان تنهار بكاءً ويتم ابعادها عن المسرح.

على قيد الحياة

"تاكسي" الذي عُرض في اليوم الثاني لانطلاق الـ"برليناله" - بـ19 فيلماً في المسابقة أغلبها أفلام جيدة - أجمعت حوله الصحافة الغربية، ليس بالضرورة لأسباب سياسية تُختزل في التحدي الذي رفعه سينمائي كبير مُنع من ممارسة مهنته، فجديد بناهي فيلم مهم في قدرته على التقاط نبض الشارع الايراني، هذا عدا مزاياه الفنية الكثيرة. رئيس لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي بدا مقتنعاً جداً بالفيلم، وقال وهو يعلن فوز بناهي: "بدلاً من الاستسلام، وعوضاً من السقوط في الغضب والكبت، وجّه بناهي بهذا الفيلم رسالة حبّ الى السينما. فيلمه هذا مملوء بالحب لفنّه وجماعته وبلاده وللجمهور ايضاً". طبعاً، سيُتَرجَم هذا الكلام سياسياً، لخدمة مصالح غامضة، البعض منا يجهلها تماماً. لكن إذا أسند مخرج أميركي صاحب أفلام واسعة الانتشار، جائزة المهرجان الكبرى الى فيلم شبه مرتجل بإمكانات بسيطة، فلا شكّ انها سياسة، ولكن ليس بمعناها التقليدي الضيق. والجائزة، هي قبل كل شيء، موقف سينمائي، قمة في الرقي، نابع من احترام الاختلاف وافساح المجال أمام الايرانيين ليعبّروا عن أنفسهم بأنفسهم، بعيداً من الأفلام التي تنمّطهم. هذه الجائزة هي ايضاً وايضاً انتصار لحرية الفكر الذي يحلق بجناحيه العريضين، مهما تزايدت محاولات محاصرته.

علاقة قديمة تربط بناهي بمهرجان برلين، فهو حاز فيه جائزتين ("دبّ فضة" عن "ضربة جزاء" في العام 2006؛ "دب فضة" عن "برداية" في العام 2013")، بالاضافة الى الدعم المعنوي الذي وجده من ادارة المهرجان ورئيسه ديتر كوسليك شخصياً يوم اعتُقل ومُنع من السفر. وكان بناهي قد أرسل بياناً قبل عرض الفيلم يعترف فيه بأنه "لا يجيد انجاز اي شيء آخر غير السينما التي هي لسان حاله والفنّ الذي يعطي معنى لحياته". وذكر في البيان: "عندما أجد نفسي في زاوية، أتواصل حينها مع ذاتي العميقة، فتصبح عملية الخلق أكثر من ضرورية وملحّة. السينما اصبحت مع الأيام اهتمامي الاول؛ لهذا السبب عليَّ ان اتابع انجاز الأفلام تحت أي ظرف كان، كي أشعر بأنني لا أزال على قيد الحياة".

بلا قبضات مرفوعة

في "تاكسي"، يقترب بناهي من الناس ليلتقط أفكارهم وهواجسهم وتطلعاتهم، بكاميراته الصغيرة المثبتة قرب مقود السيارة، مستعيداً بذلك حقّه في الانوجاد داخل ضوضاء المدينة، بعد فيلمين صوّرهما خارجها. ببُعد نظر يُحسَد عليه، يفكّ عنه الأغلال التي تكبّله والقيود المفروضة عليه، مؤكداً من خلال هذه التجربة أن الخيال الانساني عصيّ على المصادرة، والحاجة إلى التعبير مصدر كلّ الحيل الفنية. نحن ازاء سينما مقاوِمة، ولكن بلا قبضات مرفوعة وشعارات ورصاص حيّ. هناك في "تاكسي" عدد من "المخرجين" يتشاركون صناعته؛ حيناً نرى الكاميرا في يد تاجر أفلام مقرصنة، وحيناً آخر، تحرّكها ابنة أخت المخرج. هناك أيضاً الكاميرا المتموضعة التي يغيّر بناهي اتجاهها بين حين وآخر، بالاضافة الى عين مجهولة تلتقط ما يتعذر على الشخصيات التقاطه. غنيّ عن القول إن في كلّ مراحل نقل الحكاية، تتعدد أنواع الكاميرات، لتتراوح من عدسات أجهزة الخليوي الى الكاميرات الرقمية ذات الجودة العالية. ولكن أياً تكن الكاميرا المستخدمة، فهي دائماً داخل السيارة، من اللحظة الأولى حتى الأخيرة. بناهي عمل مساعداً لعباس كيارستمي الذي أنجز فيلماً صوّره بالكامل في السيارة ("عشرة" - 2001)، وهو تلميذه الى حدّ ما. هنا، في "تاكسي"، يذهب بناهي الى أبعد من فكرة معلّمه، محوّلاً مقصورة الركاب في السيارة مسرحاً للتبادل الديموقراطي بين نماذج مختلفة من المجتمع الايراني المعاصر. الشقّ الأول من الفيلم مختلف تماماً عن الشق الثاني، لا بل يمكن القول إنه نقيضه. في الأول، ينجرّ بناهي مع الشخصيات انجراراً شبه كامل. هي التي تتحكم به، تأخذه من مكان الى آخر. بناهي يمنحنا الشعور بأن قرار اختيار مساره لا يعود اليه، بل رهن أهواء الركاب وخططهم. هم مخرجو هذا الفيلم في شقّه الأول. في هذا الاطار، تشكل فكرة قيادة التاكسي وترك المسار للآخرين، فكرة مباشرة واضحة وذكية.

لاراين والقتل باسم الله

السينما التشيليانية كانت الأوفر حظاً هذه السنة في برلين. اثنان من الذين كنا نتوقع ادراجهم في لائحة الفائزين نالا ما يستحقانه، وربما كانا يستحقان أكثر من ذلك. "الدبّ الفضة" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) ذهبت الى بابلو لاراين عن فيلمه "النادي"، فيما اسندت جائزة أفضل سيناريو ("دبّ فضة") لـ"الزر اللؤلؤة"، للمخرج الوثائقي الكبير باتريسيو غوزمان. مع "النادي"، يقدم لاراين عملاً مثيراً للقلق، أحدث خضّة في المهرجان. شريط ذو حسّ ساخر مبطّن يتحول احياناً الى كوميديا سوداء عن أربعة رجال وراهبة يعيشون في نوع من "منفى" في بيت على شاطئ البحر، ولا يختلطون بسكان المنطقة. الرجال رهبان سابقون استغنت عنهم الكنيسة بعد تسببهم بفضائح مختلفة، لكنهم لا يزالون في حمايتها ورعايتها ويفترض انهم في هذا المكان للتوبة. هناك في الفيلم، سلسلة استجوابات مع الرهبان على شكل اعترافات ستجعل الفيلم يغوص في المزيد من الفضائح بين التحرش الجنسي بالأولاد وبيع الأطفال الرضّع بعد انتزاعهم من أمهاتهم. فيلم عن السلطة المطلقة التي تلجأ الى كلّ أنواع الجرائم عندما تضطر الى ذلك، يتهم الكنيسة الكاثوليكية بالسكوت والتواطؤ. خلال تسلمه الجائزة، قال لاراين البالغ من العمر 38 عاماً، إن القتل باسم الله لم يعد مقبولاً في عصرنا هذا.

أما غوزمان، فيأتينا بمرافعة طموحة ضد النسيان، متنقلاً من خلال روابط مدهشة، من الفضاء والنجوم والمياء الى انقلاب بينوشيه والمجازر التي ارتكبت آنذاك في السبعينات في حق معارضيه. بتعليق صوتي جميل يمسك النص من كل أطرافه، يحملنا الشريط الى مغامرة لن نعود منها سالمين. صور أخاذة، خيال مشتعل، طموحات جمالية لا حدود لها، هذا كلّه في اطار سينما مصنوعة بذكاء باهر، وخصوصاً في ربط الأشياء بعضها بالبعض الآخر. سنعود الى غوزمان لاحقاً في مقابلة خاصة معه.

سينمات نادرة وبلدان منبوذة

في دورة راحت فيها الجوائز الى سينمات بعيدة ونادرة وبلدان منبوذة، نال الفيلم الغواتيمالي "بركان" لخايرو بوستامانتيه جائزة ألفرد باور، وهي الجائزة التي تعطى لفيلم "يشرّع آفاق السينما". الشريط عن مراهقة ترغب في الهجرة الى أميركا مع صديقها... المخرجة البولونية مالغورزاتا زوموفسكا (وليس "المخرج البولوني" كما جاء في الخبر الذي وزعته الوكالات العربية) فازت عن فيلمها "جسد" بجائزة أفضل اخراج، مناصفةً مع زميلها الروماني رادو جوديه عن "عفارم". "جسد"، فيلم بديع تختلط فيه الأفراح بالأحزان، عن طبيب شرعي وابنته المصابة بداء الأنوريكسيا. أمّا "عفارم" فهو "فيلم طريق" بالأسود والأبيض تجري حوادثه في أوروبا الشرقية في العام 1835.

لحظة رائعة كانت لحظة صعود البريطانية شارلوت رامبلينغ الى المنصة، بسحرها الذي لا يُقاوَم وبخفة ظلها لتسلم جائزة "الدبّ الفضة" لأفضل ممثلة عن دورها في "45 عاماً" لأندرو هاي الذي ينقب في حياة زوجين بعد مرور 45 عاماً على زواجهما. وقالت رامبلينغ ان والدها كان فاز بميدالية في الألعاب الأولمبية في برلين العام 1936، وهي تشعر الآن بأنها على خطاه. أما شريكها في الفيلم توم كورتناي، فذهبت اليه جائزة أفضل ممثل، ولم يتوانَ عن ذكر صديقه ألبرت فيني الذي فاز بالجائزة نفسها في العام 1985.

بناه بناهي: لا أحد يملك شجاعة والدي

في نيو دلهي العام 2012، التقت "النهار" إبن المخرج الايراني جعفر بناهي واسمه بناه بناهي (27 عاماً)، وكان لها معه حديثٌ مقتضب عن أحوال والده الذي يعاني الظلم والاقصاء في بلاده، بعد صدور قرار شهير في حقه يمنعه من ممارسه مهنته.

·        ماذا يعني أن تكون ابن مخرج عانى الكثير؟

- صعب جداً. حتى قبل المشكلة، كان الأمر صعباً. أيام الجامعة، كان الاساتذة والطلاب يقولون لي: "هل تريد صناعة أفلام كوالدك؟". صعب أيضاً لأنهم يتوقعون منك الكثير.

·        هل كنت في المنزل عندما تمّت عملية إلقاء القبض الشهيرة؟

ــــ لا، كنتُ عائداً الى المنزل، عندما رأيتُ الشرطة على المدخل، فذهبتُ الى منزل الجيران، وصرتُ أراقب من الشبّاك ما يحصل في بيتنا، وكيف أخذت الشرطة أمي وشقيقتي ووالدي.

·        كم بقوا في السجن؟

ــــ بقيت أمي وشقيقتي يومين، أما والدي فبقي شهرين.

·        ما كان مقدر حزنك عليهم، وخصوصاً انك لم تُعتقل؟

ـــ كبير جداً.

·        مَن هم الذين وقفوا الى جانبه في محنته؟

ـــ لا أحد. اذا دعم مخرجٌ إيراني والدي، فهناك احتمال الاّ يستطيع أن يصنع أفلاماً جديدة. أما الصحافيون، فيُعتقلون اذا كتبوا عنه إيجاباً في هذه القضية، علماً أن الصحافيين الجيدين هم أصلاً في السجون. كثرٌ من أصدقائه المقرّبين هجروه بعد الذي تعرض له. وليس هناك اتصال هاتفي بينه وبينهم، لأنهم يخافون.

·        هل أنت شجاع كوالدك؟

ـــ لا أحد يملك الشجاعة التي يملكها (ضحك).

·        كيف ينظر اصدقاؤك الى والدك، هل يعتبرونه بطلاً؟

ـــ الناس في إيران يقولون رأيهم الإيجابي فيه، ولكن فقط المشاهير لا يستطيعون ذلك.

·        سمعتك تقول إنه متفائل...

ـــ لأنه اذا فقد الأمل، فسيموت! والدي رجل يعمل مذ كان في العاشرة، ولا يستطيع العيش مقيّداً.

·        كيف يمضي أوقاته اليوم؟

ـــ يسافر كثيراً في إيران، شمالاً وجنوباً، ويلتقط الكثير من الصور.

·        هل تتكلمان كثيراً معاً؟

ـــ ليس كثيراً. لا أتفق معه في أمور السينما، خلافاً لأمور الحياة. لكن، ما عدا ذلك يدعمني، ونحن صديقان.

·        هل تلقيتَ تربية دينية في المنزل؟

ـــ بتاتاً. في طهران، ليس هناك مقدار التدين الذي نراه في وسائل الاعلام. هناك تلاعبٌ كما تعلم. لدينا حياة عصرية، على رغم انه ليس هناك حرية. يمكننا أن نتحدث في كل شيء، لكن في الخفاء.

·        ما أبعد أفلام والدك الى قلبك؟

ـــ "ضربة جزاء" لأنه نضالي قليلاً.

·        ماذا عن "هذا ليس فيلماً"؟

ـــ يعجبني كثيراً. لم يكن هناك نص. صُوِّر في يومين.

·        بمَ تحلم؟

ـــ أن نكون أحراراً ونحقق ذاتنا كما نريد.

النهار اللبنانية في

16.02.2015

 
 

فوز بناهي في برلين:

انتصار سينما الحرية.. بإمكانات بدائية

برلين - هوفيك حبشيان

فعلها المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي وأعطى "الدبّ الذهب" للمخرج الإيراني جعفر بناهي عن فيلمه "تاكسي" المصوَّر بالسرّ وبامكانات بدائية. رجل يجوب شوارع طهران بسيارة أجرة، فبعض الركاب ممن يقلّهم يدركون أنّ سائقهم ليس سوى المخرج الإيراني المغضوب عليه من السلطات. يحوّل بناهي سيارته مسرحاً ديموقراطياً لطرح المواضيع السجالية في المجتمع الإيراني الحالي. وصل الفيلم من إيران الى مهرجان برلين (5 ــ 15 الجاري) بطريقة غير شرعية، رافقته زوجة بناهي وابنة شقيقته التي تظهر فيه في دور تلميذة يُطلَب منها في المدرسة أن تنجز فيلماً قصيراً، فتستشير خالها، ثم يدور بينهما نقاش في السينما، وكيف بات من الصعب تقديم فنّ حقيقي طالما لا يزال نظام الملالي قائماً

الفتاة الصغيرة عادت وصنعت الحدث ليلة الختام، عندما صعدت الى المنصة لتتسلم الجائزة نيابةً عن خالها، فلم تستطع الكلام تحت ضغط المصفقين والجمهور الهائج. أما كاميرات المصورين، فتركزت على "الدبّ" الذي ظل ينتظر وحيداً في صالة المؤتمرات الصحافية مَن يحمله الى صاحبه في إيران. وزير الثقافة الألماني اعتبر أنّ فوز بناهي انتصارٌ لحرية التعبير، في حين قال أرونوفسكي أنّ فيلمه هذا "رسالة حبّ للسينما ولإيران والجمهور". وأجمعت الصحافة على أنّ بناهي الذي ينال ثالث جائزة في برلين، ليس منشوراً سياسياً بل عمل مشبع بنظرة سينمائية جادة تتوافر فيه كل عناصر الفيلم الكبير

بعد عشرة أيام من المشاهدة النهمة، تتكوّن لدى المشارك في مهرجان برلين فكرة عميقة عن أحوال السينما وأوضاع العالم المفتّت. وهي أوضاع أقل ما يقال فيها انها لا تزال مأسوية، ولكنها تلهم السينمائيين بتحف بصرية. فالسينما، خلافاً للفنون الأخرى، مكلّفة دائماً بهذه الوظيفة الأبدية لفضح المستور وكشف قضايا لا تتناولها عادة وسائل الإعلام التقليدية، ربما لكونها من الفنون الأكثر شعبية والأشد انسجاماً مع قضايا الناس. في هذا السياق، يمكن القول انه من الأفلام المهمة التي خضّت الـ"برليناله" هذه السنة جديد المخرج التشيلياني الشاب بابلو لاراين، "النادي"، الذي نال الـ"دبّ الفضة" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) في المهرجان.
الموضوع منتهى القسوة، والمعالجة مستفزة والشريط لا يسلم نفسه للسهولة. إنها حكاية رهبان يتم عزلهم عن الكنيسة لاقترافهم جرائم لا تليق والثوب الذي يلبسون. أحدهم اغتصب أولاداً، والثاني انتزع أطفالاً رضّعاً من امهاتهم لبيعهم، وثالثٌ تورط في أعمال غير أخلاقية. عقابهم الآن هو أن يعيشوا في منزل على شاطئ البحر، ويمتنعوا عن الاختلاط بسكان المنطقة، بل عليهم الانزواء للصلاة بغية العودة الى الطريق الصحّ. بيد أنّ حادثة انتحار أحد الرهبان الجدد الذي ينضم الى الرعية بعد مواجهة أحد ضحاياه، ستقلب هدوء المنزل رأساً على عقب، ليبدأ مذذاك رحلة تختلط فيها السخرية والمأساة والحقائق المرّة. لاراين الذي أنجز أفلاماً عدة تجري حوادثها في حقبة الديكتاتور أوغوستو بينوشيه، يقدم فيلماً فجاً فيه تفاصيل كثيرة عن تحرش الرهبان بالأولاد، منطلقاً من شهادات كانت الكنيسة تنكرها دائماً. "النادي"، فيلمٌ عن السلطة المطلقة التي لا تتوانى عن اللجوء الى كلّ أنواع الجرائم عندما تضطر الى ذلك. في المقابل، أخطر ما يُظهره الفيلم هو التواطؤ الذي سيحصل بين الأب المُصلح الذي يأتي لايجاد حلّ لمشكلة الرهبان الخارجين على القانون، والراهبة التي تحرسهم. والهدف من هذا الحلف الشيطاني تلميع صورة الكنيسة ــ أو على الأقل- عدم الإساءة إليها.

بابلو لاراين لم يكن التشيلياني الوحيد الذي شارك في برلين هذه السنة. هناك أيضاً المخرج القدير باتريسيو غوزمان (73 عاماً)، الذي جاءنا بوثائقي جديد، "الزر اللؤلؤة"، مرافعة شاعرية سياسية سينمائية ضد النسيان الذي يضرب المجتمع التشيلياني، حاز عنه "الدبّ الفضة" لأفضل سيناريو، علماً أنه يستحق أكثر من ذلك. العام 1973، قاد بينوشيه انقلاباً عسكرياً راح ضحيته أكثر من 3000 معارض، بعضهم انتهى في قعر المحيط. كان الجلادون يربطون أجساد المعارضين بقطعة معدنية قبل إلقائهم من الهليكوبتر الى قعر المحيط، المكان العميق الذي ستذهب اليه كاميرا مخرج "نوستالجيا الضوء" لانتشال بقاياهم، لتجد زراً ملتصقاً بإحدى القطع المعدنية. الفيلم مصنوعٌ بذكاء باهر، تنتقل فصوله من خلال روابط سلسة بين موضوعي المياه والقمع. فالمياه بالنسبة لغوزمان، تمتلك ذاكرة تحاسب البشر على أفعالهم. في فيلمه السابق، تبنّى غوزمان معالجة مشابهة لمآسي الانقلاب. هنا، بدلاً من الذهاب الى الصحراء التشيليانية مع مجموعة من أمهات يبحثن عن بقايا أولادهن، نراه يبحث عن وجوههم الهاربة الى أماكن طمرها الزمن والنسيان

ومن الأفلام التي وردت في لائحة الفائزين بجوائز الدورة الـ65، "بركان" للمخرج الغواتيمالي خايرو بوستامانتيه، الذي عكست الالتفاتة إليه ميل المحكمين وعلى رأسهم دارن أورنوفسكي للأفلام التي جاءت من سينماتوغرافات فقيرة تفتقر البنى التحتية. نال "بركان" جائزة ألفرد باور التي تُمنَح عادة الى أفلام تساهم في فتح فضاء السينما والذهاب بها الى الأمام. يحكي الفيلم عن مراهقة ترغب في الهجرة الى الولايات المتحدة برفقة صديقها، هرباً من ظروف عيشها البدائي. البولونية مالغورزاتا زوموفسكا جاءتنا هذه السنة بفيلم بديع اسمه "جسد"، نالت عنه "الدبّ الفضة" لأفضل إخراج، وتشاركت جائزتها هذه مع رادو جوديه، مخرج الفيلم الروماني "عفارم". 

تصوّر زوموفسكا في جديدها بأسلوب يتأرجح ما بين الطرافة والحزن، قصة أبّ وابنته. هو طبيب شرعي نجده في مواقع الجريمة، يجرجر خلفه ذكرى زوجته التي رحلت باكراً ويحاول مداوة الألم كيفما يستطيع. أما الابنة، فتعاني داء الأنوريكسيا وتتابع علاجاً عند إحدى الاختصاصيات. لقاء الأب والابنة والاختصاصية سيشعل الفيلم ويولّد أحلى لحظاته. أما فيلم "عفارم"، فهو "رود موفي"، باللونين يحملنا الى أوروبا الشرقية في منتصف القرن التاسع عشر. وكما كان متوقعاً، ذهبت جائزتا التمثيل الى كلٍّ من شارلوت رامبلينغ وتوم كورتناي عن دورهما في "45 عاماً" لأندرو هاي، الفيلم الرقيق الذي يحاول البحث في الأزمة التي يمرّ بها زوجان بعد ارتباطهما مدة 45 عاماً. ذكرت رامبلينغ البالغة التاسعة والستين من العمر خلال تسلمها الجائزة والدها الذي نال ميدالية لدى مشاركته في الألعاب الأولمبية العام 1936، في حين أعرب كورتناي عن فرحه كونه تُسنَد اليه جائزة سبق أن نالها صديقه ألبرت فيني في برلين قبل 30 عاماً.  

المدن الإلكترونية في

16.02.2015

 
 

«تاكسي» بناهي ينطلق من قلب طهران إلى برلين ليحصد «الدب الذهبي»

طارق الشناوي

للفن أجنحة تستطيع النفاذ والتحليق مهما كانت القيود صارمة، وهكذا انطلق تاكسى جعفر بناهى من قلب طهران إلى قلب برلين ليحصد جائزة الدب الذهبى.

كثيرون سيحاولون التفسير السياسى للجائزة رغم أنها مستحقة لعمل فنى به الألق والوهج واللمحة الإبداعية الحاضرة، كما لم تكن فقط لجنة تحكيم المهرجان الرئيسية هى فقط التى منحته الجائزة الأولى، ولكن أيضا كانت من نصيبه جائزة أفضل فيلم من لجنة تحكيم النقاد الدوليين الفيبرسكى ، فهل من الممكن أن تتفق لجنتان مختلفتان فى الأعضاء على نفس المعيار الذى يرى العمل الفنى بمنظور سياسى.

أسوأ تحليل للفن هو أن نحاول عنوة أن نسقط عليه معانى سياسية هو ليس مسؤولا عنها، وهى ما قال عنها الكاتب العالمى أرنست هيمنجواى صاحب رواية العجوز والبحر إنها تُشبه زبيب التقاد ، أى أنك تُقدم لهم خبزا فيعتقدون أنك أخفيت فى العجين بطريقة غير مباشرة بعض الزبيب لتحلية البضاعة، ويبدؤون فى إضافة لزوم ما لا يلزم وربط النص الأدبى أو الفيلم السينمائى بأحداث ووقائع هو لم ولن يكون طرفا فيها، الأسوأ من ذلك هو أن يتم نزع العمل الفنى بعيدا عن كونه عملا فنيا، ويبدأ البعض فى تفسير سياسى للجائزة. رغم أن الحقيقة التى يؤكدها العمل الفنى هى أن بناهى أخذ الجائزة لأنه كان يستحقها مثلما حصل كمخرج على جائزة الدب الفضى عن فيلمه أوفسايد قبلها -بتسع سنوات- جائزة أحسن مخرج، أى قبل أى بوادر خصومة مع النظام الإيرانى الحاكم، وفاز قبل عامين بجائزة أحسن سيناريو الدب الفضى عن فيلمه ستائر مسدلة . أظن أن ثلاث جوائز من نفس المهرجان فى ظل أوضاع سياسية متعددة تؤكد أن جعفر بناهى يكرم فنيا وليس سياسيا.

المخرج الإيرانى صارت أفلامه فى الحقيقة هدفًا لكل المهرجانات الكبرى، نظرا إلى أنه دائما ما يراهن على الإبداع الخاص ولا ينفصل أبدا عن واقعه، ولهذا فهو يقف على الجانب الآخر من النظام، الفنان والمثقف لا يجوز سوى أن تجده على يسار النظام الحاكم، وهو درس أتمنى أن يستوعبه عدد كبير أو القطاع الأكبر مع الأسف من مثقفينا الذين يراهنون دائما على الحاكم ويتنقلون من سلطة إلى أخرى ولا يدركون أن الناس تتابعهم فى تنقلهم ويرصدون كم هم منافقون يصفقون فقط لمن يملك السلطة.

أيهما يكسب فى نهاية الجولة، الفنان أم السياسى؟ إنها معركة أزلية، ومن الممكن أن تجد تنويعات كثيرة على نفس التيمة فى الحياة الفنية والثقافية، وفى نهاية المطاف تعلو سماء دولة الإبداع وتكتب هى الكلمة الأخيرة.

من الممكن أن تجد ما يشفى غليلك وأنت تتابع كثيرًا من الأحداث التاريخية، وفيلم تاكسى ، هو آخر مثال على ذلك. كان بناهى هو الغائب الحاضر بينما هناك كثير من الفنانين الحاضرين فى كل المهرجانات والتجمعات والندوات، ولكن فى حضورهم انصرافًا وفى وجودهم غيابًا، فلا يفرق مع أحد حضورهم من غيابهم. الحياة الفنية مليئة بمن يعشقون الصورة وهم فى الحقيقة لا يستحقونها.

فى كل المهرجانات العالمية هناك ترقب لبناهى، وهو لا يخذل أبدا جمهوره، دائما لديه ما يقوله للناس بدهشة وفن ومتعة، فهو مثل كبار الفنانين لم يفقد قَط الإحساس بالدهشة، ولهذا تستطيع أن تقول إن أفلامه تتعامل مع الساكن والثابت والمألوف إلا أنها من خلال ذلك تقدم لنا دائما وجها جديدا لما نراه مألوفا أو عاديا، وهذا هو سر وسحر الفن.

كان الجميع يترقب الشريط السينمائى، والكل يعلم أن بناهى مقيد الحرية وغير مسموح له بالسفر خارج حدود البلاد، النظام الإيرانى منذ 2009 مع تولى نجاد الولاية الثانية كان قد أدانه جنائيا لوقوفه مع من ينادون بالحرية ويؤازرون تيار الإصلاح، اعتبروه مهددا للأمن القومى للبلاد. وما أسخفها من تهمة وما أبشعه من اتهام. الخلاف فى الرأى أصبح هو الطريق السريع للتشكيك فى الولاء الوطنى، وهكذا صدر بحقه عقابان، الأول السجن 6 سنوات، والثانى عدم ممارسة المهنة 20 عاما، وهو كما تعلمون عذاب قاسٍ لا يقل ضراوة عن السجن.

هل نحن فى تلقى العمل الفنى ننحاز إلى المبدع فكريا ونتعاطف معه إنسانيا ولذا نؤيده فنيا؟ هل التصفيق كان حصادا مستحقا حتى قبل أن نرى الفيلم، أم أنه استحقه لأنه نتاج ما زرعه على الشاشة؟ أظن أن التصفيق للمبدع الموهوب بعيدا عن التعاطف المسبق معه، فهذه قضية أخرى. لسقراط كلمة موحية وهى تكلم حتى أراك ، أى أننا نفهم الناس ونراهم بحق عندما يفكرون بصوت مسموع، وأظن أن بناهى تكلم فأبدع على الشريط السينمائى. إنه الفن الذى ينبض على الشاشة، أتخيل أن أهم رسالة قدمها الفيلم ليست حالة الزخم الفكرى التى نضح بها الشريط، ولا التأييد المسبق لبناهى لموقفه السياسى والفكرى، ولكن الحالة الإبداعية التى حملها الفيلم وبها عديد من الدلالات، منها قدرة المخرج على الحفاظ على بكارة وعفوية من يستقلون التاكسى حتى بعد أن اكتشف أغلبهم أنه جعفر بناهى. وبالمناسبة، كانوا يحملون له مشاعر إيجابية، وليس معنى ذلك أنهم بالضرورة يؤيدون أفكاره، ولكن المؤكد أنه قد وصل إليهم إبداعيا فصاروا متعاطفين معه إنسانيا. نحن نرى طهران بعيون بناهى، ولهذا تأتى اللقطة الأولى وهى تشير إلى ذلك عندما تستمر لمدة دقيقة لأن الإشارة حمراء، ونتابع رؤية الشوارع والسيارات والبشر مع إطلالة بناهى، نرصد زبائنه الذين يستقلون التاكسى مع أكثر من كاميرا ثبتها المخرج على الزجاج الخارجى للسيارة لنرى أحلام وأفكار وكوابيس الناس ومن مختلف الأعمار والفئات.

من الممكن أن تعتبر الفيلم محاكاة تسجيلية لما يعرف بـ أفلام الطريق ، وهو واحد من القوالب الشائعة التى تمنح المتلقى متعة التنقل من مكان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، وتتعدد فى هذا النوع الشخصيات التى نقابلها، وهذا يضمن للفيلم إيقاعا لاهثا وتنوعا فى القضايا، كما أنه غير مطالب فى كل مرة بأن يقفل القوس الذى يفتحه، فهو من الممكن أن يلتقى شخصية تروى له مشكلة ما ولكنه غير مطلوب منه أن يظل متابعا تفاصيلها ويكتب نهاية الجملة ويقفل القوس، أغلب الشخصيات تقع فى إطار الأقواس المفتوحة.

جعفر بناهى كمخرج حقق ما هو أبعد فى رؤيته التسجيلية من مجرد الرصد، إذ إن الأحداث تنتقل بانسياب ونعومة، وهو لا يتطرق مباشرة إلى السياسة بقدر ما يمنحنا تشريحا اجتماعيا، وكأننا بصدد دراسة مرئية وممتعة لعينة عشوائية.

انتصرت الكاميرا على السجن وحطم السجين قيوده. ويبقى السؤال: ما الذى سوف يفعله الآن حسن روحانى؟ هل سيرسل تهنئة إلى مخرج حمل جائزة الدب الذهبى ورفع اسم بلاده إلى القمة فى مهرجان بحجم برلين، بينما هو فى عرف القانون الإيرانى مدان؟ الفرصة جاءت مواتية وعلى طبق من ذهب لروحانى ليوقف تلك المهزلة التى يعيشها بناهى منذ 5 سنوات وهو ممنوع من مزاولة المهنة ومهدد فى كل لحظة بالذهاب مجددا إلى السجن!!

التحرير المصرية في

16.02.2015

 
 

نقاد: الأداء الباهت للممثلين أضعف من قيمة الفيلم

«ملكة الصحراء».. إنصاف للعــرب وفرحة لم تتم

المصدر: عُلا الشيخ - برلين

«فرحة لم تتم».. مثل يكاد يختصر الحالة التي أحاطت بفيلم «ملكة الصحراء» الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ65 التي اختتمت أول من أمس، وصور في الأردن والمغرب، فللمرة الأولى يتناول فيلم غربي قضية تتعلق بالعرب وتكون لصالحهم.

يدور الفيلم الذي أخرجه فيرنر هرتزوغ، وقامت ببطولته نيكول كيدمان وجيمس فرانكو والفنان السوري جهاد عبدو، حول الخاتون بيل الرحالة والمستكشفة البريطانية والدبلوماسية لاحقاً، وإحدى أبرز الشخصيات البريطانية التي شكلت تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ورسمت حدوده المعاصرة، وصنعت ملوك بعض بلدانه، متناولاً في أول مشاهده الضباط الكبار البريطانيين وهم يقفون فوق خريطة بلاد الشام ويقسمون فيه في ما عرف باتفاقية «سايكس بيكو».

الغريب أن المشهد الأول من الفيلم وعلاقته بتقسيم بلاد الشام كان مضحكاً لغالبية الصحافيين والنقاد في إحدى قاعات «برلين السينمائي»، لذلك كعربي مشاهد تتساءل: هل يعتبرون هذا النوع من السرد التاريخي كوميديا، أم إنهم لا يعرفون فعلا هذا الجزء من التاريخ؟

لتكون الإجابة من خلال مخرج العمل الذي أراد إيصال فكرة من الفيلم بغض النظر عن دور الخاتون بيل، وهو اللقب الذي منحه إياها العراقيون: يجب علينا مراجعة التاريخ، خصوصاً في ما يتعلق بسايكس بيكو، ونسأل أنفسنا: لو تدخلنا في المنطقة هل كنا سنرى ما يحدث حالياً في دول عربية خصوصاً بالمناطق التي كانت تحت مسمى بلاد الشام سابقا؟. رأى أحد الصحافيين أن الفيلم لصالح العرب، بينما رد آخرون: واضح أن الإعلام الغربي ضللنا كثيراً.

الفرحة التي لم تتم لها علاقة بالفنية في الفيلم، بداية من قصة تاريخية منقوصة مروراً بأداء تمثيلي باهت لنيكول كيدمان وفرانكو، وسيناريو ضعيف ومضحك في أحيان عدة، وليس وهذا انحيازاً عربياً الإشادة بدور الفنان السوري جهاد عبدو في الفيلم عبر شخصية «فتوح»؛ إذ كان متماسكاً وطاغياً على آخرين، مع أن غالبية مشاهده أمام نيكول كيدمان، لكنه بالفعل طغى عليها فنياً، وذلك حسب آراء العديد من النقاد الذين أكدوا أن فنيات الفيلم غير المتماسكة طغت على القضية الفعلية.

مخرج الفيلم فيرنر هرتزوغ، وهو مخرج سينمائي ألماني، إضافة إلى كونه منتجاً وكاتباً للسيناريو وممثلاً ومخرجاً لعروض الأوبرا، لطالما اعتبر واحداً من أعظم الشخصيات في السينما الألمانية الحديثة، ومعروف عنه تقديمه أفضل الوثائقيات، ويقال عنه إذا ما أقدم على إخراج فيلم روائي هو نوع من الترف، فالجمالية في أفلامه الوثائقية أعمق؛ مثل عمليه الوثائقيين «فيتزجيرالدو» و«أغويرا» ، ومعروف عنه أيضاً استعانته بممثلين من هوليوود، في أفلامه الروائية؛ كما حدث مع «ملكة الصحراء»، وهذا - حسب البعض - يضعف ما يقدمه، لأن الممثل الهوليوودي يصعب أن يكون أوروبياً غالباً.

لكن جرأته في الطرح وأجوبته خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد فور انتهاء عرض الفيلم للصحافيين في برلين، يؤكد أن المخرج صاحب قضية وموقف وصاحب تساؤلات تحتاج إلى إجابات من خلال ردود فعل الجمهور، إذ وقع فيلمه في فخ المقارنة مع فيلم «لورانس العرب» للمخرج ديفيد لين عام 1962، إلا أنه أزاح الاهتمام بنقد أداء الممثلين في الفيلم من خلال ذكائه في تحويل مسرى الأسئلة لتصبّ جميعها في قيمة الفيلم المبتغاة.

ويرى الناقد السينمائي محمد رضا أن «فيلم فرنر هرتزوغ (ملكة الصحراء) (تتكامل فيه) كل عناصر الفيلم الساحر بصرياً، وفي مقدمتها تلك الصحراء المترامية برمالها الذهبية. مثل ديفيد لين في (لورانس العرب)، ينقل هرتزوغ الصحراء جميلة ومخيفة في الوقت ذاته. جميلة لطبيعتها الغريبة (ترليونات من حبات الرمل في كل متر مربع؟) وتضاريسها المتنوّعة، ومخيفة إذ تعود الكاميرا إلى الوراء لتحوّل الناس إلى مجرد ظلالات فوق أرض شاسعة.

هؤلاء الناس هم غرترود بل، الرحالة البريطانية التي جابت الصحراء العربية بحثاً عن نفسها أولاً، ثم في محاولة منها للتواصل مع زعماء القبائل في الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية مبدية أيما إعجاب بالثقافة الإسلامية (تستشهد بأقوال للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم) والبدوية ومبدية الاستعداد لمساعدة البريطانيين رسم خطوط فوق الرمال تكون بمثابة حدود لدول المنطقة مستقبلاً، وتقف بالند ضد محاولة تجيير معلوماتها كجاسوسة بريطانية من قبل أحد الضباط (ولو أنها لاحقاً ما تنخرط في عمل الحكومة البريطانية) فتقول له: »لدى البدو ما تفتقده أنت وحكومتك: الحرية والكبرياء«.

من جهته، كتب الناقد السينمائي بيتر ديبرغ، بمجلة فاريتي »يميل الفيلم أكثر الى الرومانسية، إضافة إلى القبائل المتصارعة في الشرق، مع نهاية الحقبة العثمانية، والتي أدت بنهاية المطاف الى تقسيم المنطقة العربية، الفيلم يفتقر إلى الصراع الدرامي الملحمي، ولا يقارن بأي شكل من الأشكال مع تحفة «لورانس العرب» فالسرد كان قليلاً ومختصراً«.

بينما كتب الناقد والزميل إبراهيم توتونجي عن الفيلم »تبرز نظرية المخرج الألماني هيرزوغ في فيلمه ملكة الصحراء، وهو مستند عن قصة واقعية مستمدة من حياة الجاسوسة البريطانية غيرتود بيل (1868-1921) التي عاشت في إيران والأردن في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية على إثرها. ويعتبر المخرج أن قصة الحب الرومانسية التي ظللت أحداث الفيلم، وربطت بين البطلة التي يظهر الفيلم وجه اهتمامها بالشعر والثقافة، هدفه أن يعيد تسليط الضوء على «جمال وكبرياء حياة بدو الصحراء»، في مقابل «الكثير من الحملات التي تتعرض لها »تلك الشعوب« في هذه الأيام، »أنها رسالة من حقبة ماضية إلى الراهن اليوم«.

لكن المخرج - حسب توتونجي - لا يوضح كيف أن فيلماً كتبه وأخرجه عن جاسوسة تتمتع برفاهية الكولونيالية البريطانية في بلاد فارس والعرب، وتخوض في علاقات سياسية مع الأطراف المتنازعة والمتكالبة على رسم الخرائط، وتقضي وقتا في »البازارات« الموحشة حيث تباع رؤوس الخراف المقطوعة والمنفرة، وتتمايل مع حبيبها بلباسها الفاخر في عربة الخيل التي تمر في مناطق بائسة (صورت غالبية مشاهد الفيلم في المغرب).. كيف ذلك كله بوسعه أن يساعد في ردم تلك الهوة التي تحدث عنها».

بدوره علق ماثيو اندريسون، من بي بي سي، على الفيلم «على الرغم من أن المخرج اختار أن يفتتح فيلمه باجتماع شهير حضره ونستون تشرشل، وزير المستعمرات آنداك (أدى دوره الممثل كريستوفر فلفورد) لتقاسم النفوذ في مناطق الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض) بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أنه لم ينشغل بتعقيدات السياسة وجعل هذه الأحداث مجرد خلفية لمغامرة بطلته في الصحراء، أو قصص حبها الفاشلة». ويضيف «بدت الشخصيات السياسة مفرغة من تأثيرها الأساسي بل وأقرب إلى الشخصيات الكاريكاتيرية، كما هي الحال مع شخصية لورانس التي جسدها روبرت باتنسون، وقد أثار ضحكات جمهور المشاهدين عند ظهوره بزيه العربي، لاسيما أن الكثيرين يتذكرون الأداء المميز للممثل القدير بيتر أوتول لهذه الشخصية في »لورانس العرب«. وكذلك الحال مع تشرشل وهو يقف لالتقاط صورة له أو يحاول امتطاء جمل أمام الاهرام».

وتابع «إذا استثنينا شخصية فتوح مرافق مس بيل ودليلها في كل رحلاتها، التي أداها بنجاح الممثل السوري الاصل غاي أبدو (جهاد عبدو)، بدت الشخصيات العربية الأخرى شاحبة الحضور وغير متقنة الأداء كما هي الحال مع صور الأميرين فيصل وعبدالله أو أمير حائل، على الرغم من حرص المخرج على تجنب تقديم صورة نمطية مشوهة للشخصية العربية اعتدنا أن نراها في الكثير من أفلام هوليوود التي تظهر فيها شخصيات عربية، وحرص على تقديمها من منظور إيجابي استناداً إلى منظور مس بيل نفسها».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

16.02.2015

 
 

جعفر بناهي متوّجاً في برلين :

«تاكسي» الأمل في شوارع طهران

روي ديب

فعلها رغم المنع والحظر. وإذا لم يستطع حضور الاحتفال الختامي أول من أمس، فإنّ أحداً لم يقدر على أن يمنعه من صنع الفيلم الذي استحق الجائزة الأولى في الدورة الـ 65 من «مهرجان برلين». رائعة سينمائية تظهر العاصمة الإيرانية كما رآها من سيارته، مع شخصيات يومية توّج نقدها إلى الرقابة والسلطة

برلين |أول من أمس، اختتمت الدورة الـ65 من «مهرجان برلين السينمائي الدولي» متوّجة الإيراني جعفر بناهي (1960) بجائزة «الدب الذهبي» عن فيلمه «تاكسي». لـ«برلين» علاقة مميزة مع بناهي. ضمن المسابقة، قدّم فيلمه «تسلل» لينال عنه «الدب الفضي ـــ جائزة لجنة التحكيم الكبرى» عام ٢٠٠٦، ومن ثم فيلم «ستائر مغلقة» الذي نال عنه «الدب الفضي لأفضل سيناريو» عام ٢٠١٣. كذلك، دعا المهرجان بناهي للحضور كعضو لجنة التحكيم سنة ٢٠١١، إثر صدور حكم سجنه في إيران، ليترك كرسيه فارغاً يومها بين أعضاء اللجنة الآخرين.

غير أن كل من تابع أفلام المسابقة الرسمية في «مهرجان برلين» هذه السنة، كان على يقين أن «الدبّ الذهبي» لن يكون إلا من نصيب «تاكسي». بعيداً عن مواقف التضامن، لا يمكن تجاهل تلك الرائعة التي وصفها مدير اللجنة لهذا العام المخرج دارين أرونوفسكي بـ«رسالة حبّ إلى السينما».

كمشاهدين يصعب أن نلمس بوضوح الخيط الفاصل بين الواقع والخيال

في ٢٠١٠، صدر بحق بناهي حكم بالسجن في إيران لمدة ست سنوات. منع من السفر وإنتاج الأفلام لـ 20 سنة، بسبب مشاركته في تظاهرات ولـ«عمله الدعائي ضد النظام الإيراني». لكن ذلك الحظر لم يمنعه من مواصلة إنتاج أفلامه. عام ٢٠١١، قدّم «هذا ليس فيلماً»: وثائقي صوّره داخل منزله عبر كاميرات رقمية وبعدسة هاتفه. يومها، هُرِّب الفيلم من إيران على USB داخل قالب حلوى إلى «كان». وفي عام 2013، قدّم «ستائر مغلقة» المصوَّر أيضاً في منزله، ليصل الفيلم بدوره خلسة إلى «مهرجان برلين». لكن هذه المرة، خرج بناهي من خلف ستائر منزله إلى شوارع طهران لتصوير فيلمه عبر كاميرا مخبأة في سيارة تاكسي. كما في فيلم «عشرة» للمعلم الإيراني عباس كياروستامي، تستقبل سيارة الأجرة عدداً من الركاب/ الشخصيات، فيما تجول في شوارع طهران. لكن الفرق الأساسي أنّ سائق التاكسي ليس سوى المخرج نفسه. في تصويره لفيلمه الثالث تحت الحظر، لا يتحدى بناهي النظام الإيراني فحسب، بل يعلن خروجه من منزله إلى شوارع طهران وإعادة استملاك مدينته عبر عدسة كاميرته. داخل التاكسي، نستقبل مع بناهي شخصيات تتناول كلّ منها موضوعاً اجتماعياً وسياسياً معيناً. في البداية، يصعد سارق، ثم بائع الـ«دي في دي» أوميد المعجب ببناهي المخرج. يصرّ على المضي معه في رحلة طويلة، يقودنا عبرها إلى ذلك الشك المتواصل حول الحدود بين السيناريو المكتوب أو المرتجل. في مرات عدة في الفيلم، وأمام أحداث معينة، يتوجه أوميد إلى بناهي، مؤكداً له أنّه يعلم أن ما حصل الآن ليس سوى سيناريو مركّب، مثل اضطرار بناهي إلى حمل جريح وزوجته إلى المستشفى في سيارته. يصرّ الجريح على تسجيل فيديو وصيّته الأخيرة بتوريث زوجته ممتلكاته بعد موته كي لا يسطو عليها أخوته عبر حقّهم القانوني. هكذا تتابع الأحداث من دون استطاعتنا كمشاهدين أن نلمس بوضوح الخيط الرفيع الفاصل بين الواقع والخيال. في تلك المساحة الضيقة بين الواقع والخيال في السينما، اختار بناهي أن يعيد رسم صورة مدينته وصورة أهلها. من بين الركاب، نتعرف أيضاً إلى قريبة بناهي الصغيرة (هناء سعيدي) التي يقلّها من أمام باب مدرستها، وتتابع معه الرحلة حتى نهاية الفيلم. في السيارة، تسأل الطفلة عمّها عن كيفية صنع الأفلام ضمن المحظورات التي تفرضها وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، معبّرة عن سخطها لأن عليها تصوير فيلم قصير للمدرسة من دون أن تجد إلى ذلك سبيلاً. على لسان تلك الطفلة ذات الأداء المبهر، ينتقد بناهي بحنكة عبثية المحظورات السينمائية في إيران، وهكذا تفعل شخصيات الفيلم متناولة ومنتقدة أصغر وأكبر التفاصيل السياسية والدينية والاجتماعية في إيران. لكن المشهد الأجمل يبقى برفقة «السيدة التي تحمل الورود». خلال رحلة الفيلم، تتنبه الطفلة إلى سيدة بجانب الشارع، فتستوقف عمها منادية: أليست هذه «السيدة التي تحمل الورود» التي كانت تزورك دائماً؟ تصعد تلك السيدة مع ورودها إلى سيارة الأجرة، لتحتل المقعد الأمامي إلى جانب بناهي، فيما تتوسط الطفلة الصغيرة المقعد الخلفي. إنها ناشطة ومحامية، تدافع عن المعتقلين السياسيين في إيران، وتحمل دائماً لهم ولأهلهم الورود للتخفيف من آلامهم. عرفها بناهي خلال فترة اعتقاله. أما اليوم، فهي تهتم بقضايا أخرى. في التاكسي، تخبر بناهي عن قصص المعتقلين الذين ترافع اليوم. لكن أجمل ما في تلك المرأة والمشهد، هي تلك الابتسامة التي لا تفارق شفتيها، وإصرارها على الأمل، رغم كل شيء. إنّها السيدة التي تحمل الورود. إنها طهران الجميلة. صورة أبلغ من الشعر، أرادها بناهي في «تاكسي» توكيداً على الأمل، وإصراراً على حبّه لمدينته رغم الظلم الذي يعيشه اليوم. في النهاية، يركن بناهي سيارته ويترجل مع الطفلة للمرة الوحيدة في الفيلم، ويسيران بعيداً عن التاكسي. حينها، يهجم شابان على السيارة، يخلعان الباب، ويكسران الكاميرا داخلها. ينتهي الفيلم على مشهد اختفاء الصورة، وغياب الـ Credits، لعمل من غير المسموح تصويره في إيران اليوم.

لم يستطع بناهي الوصول إلى برلين لتسلّم الجائزة أول من أمس. تسلمتها الطفلة هناء سعيدي عنه. في رسالة سابقة للمهرجان، قال بناهي: «إنني مخرج سينمائي، لا أعرف سوى صناعة الأفلام ولا شيء يمكنه أن يمنعني عن ذلك». لطالما عرف السينمائيون الإيرانيون كيف يتحايلون على المحظورات والمعوقات التي تفرضها الدولة الإسلامية في إيران، وبخلقهم وذكائهم قدّموا روائع سينمائية. اليوم يضاف «تاكسي» إلى تلك الأفلام. شريط يتحدى لوجيستياً المعوقات والمحظورات. أما سينمائياً، فيتحدى أسلوب السرد في الأفلام الروائية. إنه انتصار لبناهي، وأملاً لنا أيضاً بإيران أجمل يوماً ما.

متوّجون

أسدل «مهرجان برلين السينمائي الدولي 65» ستاره متوجاً الإيراني جعفر بناهي بجائزة «الدب الذهبي» عن شريطه «تاكسي». وذهبت جائزة «الدب الفضي» لأفضل إخراج مناصفة لفيلمي «جسد» للبولندية مالغورزاتا سزوموسكا و«أفيريم!» للروماني رادو جود. أما «الدب الفضي لجائزة لجنة التحكيم الكبرى» فنالها المخرج التشيلي بابلو لارين عن فيلمه «النادي». وحصد مواطنه باتريسيو غوزمان «جائزة الدب الفضي لأفضل سيناريو» عن فيلمه التسجيلي The Pearl Button. «الدب الفضي للفيلم الروائي الذي يفتح آفاقاً جديدة» ذهب إلى المخرج الغواتيمالي جايرو بوستامانتي عن Ixcanul. وعن دورهما في فيلم «45 عاماً» لأندرو هاي، حصل البريطانيان شارلوت رامبلينغ على «الدب الفضي لأفضل ممثلة»، وتوم كورتناي «الدب الفضي لأفضل ممثل».

الأخبار اللبنانية في

16.02.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)