كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

«داعش» وسؤال في برلين

طارق الشناوي

مهرجان برلين السينمائي الدولي الخامس والستون

   
 
 
 
 

قبل أن تسألنى مذيعة «بى بى سى» من لندن عن رأيى فى المهرجان وجوائزه، كان سؤالها الذى فرضته الأحداث الأخيرة، ما رد الفعل فى كواليس المهرجان عما تفعله «داعش»، تلك البشاعة التى شاهدناها جميعا عبر «يوتيوب»، وتسابقت مع الأسف الفضائيات فى ذيوعها وانتشارها، كأنها تُحقق سبقا، حيث كانت كاميرا السينما حاضرة فى المشهد، وتُقدم من خلال تتابع اللقطات وحجمها فيضانا من الرعب، لتُضفى على الواقع الدموى وحشية مضاعفة فوق وحشيته وبشاعته.

كاميرات تملك أعلى تقنية هاى ديفينيشن ، ومصورون محترفون، ومخرج يقدم تتابعا سينمائيا تروج لممارسات داعش ؟ كانت إجابتى وهل تحتاج هذه الأفلام إلى أفلام مضادة؟ إنها تكفى وحدها لفضح هؤلاء السفاحين.

هل نحن بحاجة إلى أفلام تُعرى ممارسات داعش أكثر مما هى عارية. لا يمكن أن تعزل ما يجرى حولنا فى العالم داخل أى تجمع فنى، خصوصا عندما تكشف ملامحك أو اسمك عن هويتك العربية، نعم الحدث سينما، والحديث سينما، لكننا لا ننعزل كأننا فى جزيرة خارج نطاق الحياة.

يبدو لى مهرجان برلين فى تلك الدورة من 5 إلى 15 فبراير، كأنه وقع بين قوسين من حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، الذى كان يسيطر على المشاعر مواكبا للافتتاح، الرسالة واضحة جدا هى أن المطلوب تصدير الخوف للجميع، ليسكن الرعب فى القلوب، الأمر لا يحتاج إلى فيلم مضاد، من يتعاطف مع شريط تحرق فيه الأجساد وتراق الدماء لا يستحق أن نُقدم له فيلما يقول له إن تلك الممارسات تحرمها قبل الأديان الفطرة الإنسانية السليمة، كان هذا هو بداية القوس، أما نهايته فلقد كانت أشد ضراوة على نفوسنا جميعا، مواكبة للختام، فلقد جاء ذبح 21 مصريا على الهوية الدينية ليصل بنا إلى ذروة البشاعة، خصوصا عندما تتدثر بالدين، لنرى شريطا سينمائيا يريد أن يحيل البحر المتوسط إلى اللون الأحمر، لا ليست هذه هى كلمة النهاية، ولا هذا هو نهاية القوس، لن يضع الهمجيون الكلمة الأخيرة، وفى نفس الوقت لا أرى أن السينما مطالبة بفضح داعش ، أفلامهم كفيلة بذلك، فمن يتعطش للحرق وإراقة الدماء هو إنسان مريض نفسيا أو عقليا، ليس دور السينما ولا المهرجانات أن تتولى علاجه.

لا أعتقد أن هناك اهتماما سينمائيا قادما بتلك الأفلام، لتشكل حالة تتهافت عليها المهرجانات مثلما حدث مع أفلام ثورات الربيع العربى، وكان آخرها ما عرضه مهرجان برلين الفيلم المصرى بره فى الشارع ، لن تُصبح داعش وما يجرى فى معسكراتها مجالا لكى يتسابق عليه السينمائيون، على الأقل أتمنى أن لا تحيلها السينما العالمية إلى شريط سينمائى متكرر.

يجب أن ندرك أن هناك ولا شك بقعا حمراء تتناثر على ثوب الإسلام، لنعترف أن الميديا تلعب دورها فى تأكيد تلك الصورة، وهو ما يعنى أن هناك خطورة قائمة من استمرار تلك الممارسات التى تحيل الإسلام إلى مرادف للذبح والقتل والحرق، ولا يمكن فى كل مرة أن نلوم الغرب فى ترسيخ تلك الصورة النمطية عن الإسلام، كانت هذه هى إجابتى عن السؤال الأول.

وانتقلنا إلى المهرجان وسر نجاحه على مدى 65 دورة؟ قلت لها الإجابة فى كلمة واحدة إنها دقة التنظيم، نعم هناك أفلام رائعة تابعتها فى المهرجان وفى كل الأقسام، وهذا يعنى أن جهدا مضاعفا قد بُذل، لكن ما يجعل هذا الجهد يمضى فى طريقه الصحيح هو أن التنظيم فى برلين يؤكد لك دائما أن كل شىء تحت السيطرة، معك أوراقك التى أرسلها لك المهرجان تتقدم للفندق، فتكتشف أنه لا مجال للخطأ، خريطة تُقدم لك من إدارة الفندق، لتعرف بالضبط أين أنت وكيف تتوجه، وجدول منتظم للعروض ومن يقترح عليك السير 15 دقيقة أو ركوب الأوتوبيس لتصل إلى مقر المهرجان، ويأتى الاقتراح مشفوعا بالإجابة، وهى أن الحركة كلها بركة، خصوصا فى عز البرد، وهو بالفعل ما حرصت على تنفيذه مرتين يوميا رايح جاى.

ليس هذا هو السر الأول للنجاح، لكنه الجمهور، إنه مهرجان للناس أولا، عُشاق للسينما جمهور المهرجان هم المفتاح، هناك حفاوة وإقبال إعلامى تجاوز 5 آلاف ناقد وصحفى وإعلامى يتسابقون لملاحقة أفلام هذا الحدث العالمى، وبعيدا عما تثيره عادة النتائج، ما بين مؤيد إلى حدود الهتاف للجنة التحكيم، والمطالبة ببقائها مدى الحياة، وما بين مستهجن مشككا فى توجهها ومطالبا بإسقاطها فورا، هذه التناقضات فى الرؤية تظل من طبائع التقييم الفنى، الذى مهما وضعنا له من قواعد ومحددات، فالأمر يخضع فى جانب كبير منه إلى الذوق الشخصى، لا تصدقوا أن الموضوعية والقواعد الصارمة هى وحدها التى تملى إرادتها، هناك بالطبع معايير، لكن الإبداع يأتى ليهدم قاعدة مستقرة ليبنى على أطلالها إبداعا آخر، ولو أعدت تشكيل لجنة تحكيم -أى لجنة تحكيم- لحصلت بالضرورة على نتائج مغايرة.

الصورة التى سكنت مشاعرى هى الجمهور الصانع الأول لهذا الشغف، الذى يمنح المهرجان خصوصيته كما رأيتها بين عشرات المهرجانات، ولو أحلت المشاعر إلى رقم لاكتشفت أن الإقبال يصل إلى نصف مليون تذكرة، عندما أعقد مقارنة بين مهرجانى كان و برلين أقول لكم بضمير مستريح إن الجمهور فى كان فى العادة لديه هذا الشغف بأفلام المهرجان، لكنه يعشق بنفس الدرجة رؤية النجوم، وهكذا تتم مطاردتهم من الفندق إلى السلم فى قاعة لوميير الكبرى المطل على شاطئ الريفييرا الساحر، هناك من يستيقظ مبكرا ليحجز لنفسه مكانا قريبا من السجادة الحمراء فى انتظار أن يرى فى المساء نجمه أو نجمته المفضلة، فى برلين هذا الشغف قائم بالطبع، لكن تدافع الجمهور لأفلام المهرجان هو الذى يسيطر على المشهد.

الوجه الآخر للصورة وهو ما نراه فى عديد من المهرجانات العربية، خصوصا المقامة فى مصر، تكتشف أنها لعدد من النقاد والصحفيين، بينما الجمهور غائب، أين الناس؟ أقصد أصحاب الحق الأول فى إقامة المهرجان، لن تعثر عليهم إلا فى ما ندر.

أتذكر قبل 30 عاما كانت الحالة مختلفة تماما فى مهرجان القاهرة، حيث إن الإقبال الجماهيرى كان صاخبا وتردد وقتها تعبير قصة ولا مناظر ، كانوا يقصدون الفيلم الذى به مشاهد جريئة وسمحت به الرقابة، فهو إذن مناظر، أما القائم على فكرة فهو قصة، ولن يشاهده أحد، تلاشى تقريبا كل ذلك فى السنوات الأخيرة، فلا قصة تثير اهتمام الجمهور، ولا مناظر تدفعه إلى قطع التذكرة. أتصور أن الهدف الأساسى لمهرجان القاهرة فى دورته القادمة مع تولى الباحثة والناقدة السينمائية الكبيرة ماجدة واصف المسؤولية، هو أن يعود الجمهور إلى المهرجان، وفى قول آخر يعود المهرجان إلى الجمهور، هذا هو سر النجاح فى برلين، إنه الجمهور صاحب الحق الأول والوحيد!

التحرير المصرية في

18.02.2015

 
 

الدرس الأهم في مهرجان برلين

طارق الشناوي

هل يمكن أن نقسم السينما، أقصد إلى كلاسيكية وحداثية؟ نظريا ممكن، ولكن بالنسبة لى أرى أن السينما والفن عموما ليس موضة أو بحثا عن الجديد والمختلف، كما أن محاولة تغيير لغة السرد فى كل الفنون والسينما تحديدا ليست ابنة هذا الزمن، وفى العادة تتلاقح الفنون، فتلمح مثلاً وعند قطاع وافر من الأدباء روح السينما مسيطرة على السرد الأدبى، ولا تزال فى عديد من الأفلام تنضح بين الحين والآخر روح الحكى القصصى.

لا تستطيع أن تقسم الفن إلى مرحلة ميلاد، وفى العادة يغلب عليها الروح التقليدية، ثم تأتى مرحلة نمو ومراهقة، قد تسمح بالانتقال إلى التجريب، حيث إنه له حضوره الدائم حتى منذ البداية ستجدونه مصاحبا للإبداع، وهو فى جزء ما يشكل ميلاد الفنون بأسرها، مثلا الساحر الفرنسى جورج ميليش، الذى بدأ السينما وهى لا تزال تحبو، ولكنه تمرد فى حدود الإمكانيات البدائية لينقل الخيال إلى واقع مع بدايته مثل فيلم الصعود إلى القمر ، الذى أعاد مهرجان كان عرضه ضمن فاعلياته قبل بضع سنوات تقديرا لهذا المخرج، ومن خلاله تستطيع أن ترى بدايات الجنوح فى التعبير السينمائى، حدث هذا عام 1902 بينما الأخوان لوميير لويس وأجوست اللذان بدآ السينما عام 1895 بأسلوب السرد الواقعى الذى يمثل فى القطاع الأكبر الحالة السائدة.

ولكن تاريخ التطور ليس هو بالضرورة انعكاس فقط لتطور الآلة التى يقف خلفها المخرج، بقدر ما هو أيضا مرتبط بتركيبة المبدع الشخصية، تستطيع وأنت تتابع أفلاما عديدة فى مهرجان برلين وهى تتحدث سردا بمعناه الكلاسيكى، ولكن لا يعنى ذلك أنها الأفضل، ولا أن هذا هو فقط الصحيح، لديك مثلا فيلم آينشتاين فى جوانخوتو للمخرج بيتر جيرنواى، الذى رشحه كثيرون للدب الذهبى، ولم يحصل عليها بالطبع، ولا على أى جائزة أخرى، والفيلم تعددت فيه التفسيرات السياسية والفكرية، وهو ما يجعل الشريط السينمائى يميل بقوة إلى التعبير عن الحداثة فى اللغة السينمائية، بينما وعلى المقابل لدينا فيلم تاكسى لجعفر بناهى، الذى يشكل أكبر التزام بالأسلوب التقليدى فى السرد، فهو لا يخرج عن السائد والمباشر، بل إن التركيبة السينمائية نفسها شاهدناها عشرات المرات روائيا وتسجيليا، ولكن الجديد الذى منحه الفيلم هو الإحساس الفنى فى التعبير، حيث الهدوء على السطح والسكون المباشر، لكنه يخفى العمق الفكرى حيث اللمحة والنظرة هما ما يمنحنا نشوة فى التلقى، وهو ما يمكن أن نراه مجسدا فى الطفلة التى تسلمت الجائزة هناء السعيدى، التى شاهدناها فى الفيلم باعتبارها أحد رواد التاكسى، حيث كان التعبير تلقائيا من خلال المخرج، بل وعفويا أيضا فى حواره معها داخل الفيلم.

الغريب أن المخرج الذى لم يلقَ -غالبا- ترحيبا من إيران، أتحدث بالطبع عن الدولة الرسمية، إلا أنه على الجانب الآخر يتلقى أيضا العديد من الضربات التى ترسل له من خلال الإعلام فى محاولة للتقليل من قيمة الجائزة الفنية، واعتبارها مجرد موقف سياسى من ألمانيا، أو لو اتسعت الدائرة لاعتبرها موقفا سياسيا من أوروبا وأمريكا كلها، وبالمناسبة لم يظهر حتى الآن بيان رسمى من إيران يستهجن أو يرحب بالجائزة، ولكن بعيدا عن كل ذلك فإن ما أراه هو فى تحليلى للجنة التحكيم عموما أن الجوائز عبرت عن مزاج فنى واحد، والأمر ليس متعلقا برئيس لجنة التحكيم المخرج الأمريكى دارين أرونوفسكى، الذى يحاول البعض أن يعتبروه قرارا أمريكيا برغم تعدد جنسيات الأعضاء التسعة باللجنة، وهو نوع من القراءة التعسفية للجوائز، لينفى عنها مصداقيتها وتحديدا لينفى عن المخرج الإيرانى جعفر بناهى وفيلمه تاكسى جدارته بالجائزة.

مواقف المخرج خارج الفيلم وداخل الفيلم أراها وطنية، كما أن التحليل الذى قدمه داخل فيلمه هو تحليل بالدرجة الأولى اجتماعى وليس سياسيا، ومن البديهى أن المخرج لم يصور هذا العدد من البشر فقط، ولكنه اختار وانتقى، وهذا بالتأكيد لا يتعارض مع مصداقية الفكرة، لأنك فى النهاية لن تستطيع أن تزيف الواقع، والفيلم تحديدا لم يكن هدفه الحقيقى سوى أن يقدم الواقع، حتى لو تدخل المخرج بالحذف، فإن هذا يعمق الرؤية الاجتماعية ولا يطرح على الإطلاق رأيا سياسيا، هنا تبدو قيمة العمل الفنى الذى حرص مخرجه على التنوع وعلى ضبط الإيقاع فى الصورة والصوت، ومن هنا جاءت الجائزة لمن يستحقها.

الجوائز انحازت للسينما التى تتوجه أولا للمشاعر، وهو ما يمكن أن تجده وبقوة فى فيلم لم يحصل على أى جائزة، بسبب بسيط أنه عرض على هامش قسم البانوراما ، ولكنه حقق من خلال متابعتى لأفلام المهرجان أكبر قسط من التصفيق لم أشهده إلا فقط مع فيلم بناهى.

الفيلم البرازيلى الأم الثانية أنثوى بامتياز، للمخرج والكاتبة آمنة مايلر، وهو ليس أنثويا بالمعنى المباشر، لأن المخرج والأبطال من النساء، ولكن لأنه بالفعل يمسك بتفاصيل تستشعرها النساء أكثر، نجحت المخرجة فى تحقيق كل هذا الحضور لفيلمها، لأنها انحازت للإنسان بعيدا عن قيود التاريخ والجغرافيا، كل ذلك من خلال لغة سرد سينمائية تقليدية فى بنائها الفنى، لكنها تفيض بالمشاعر، حيث يتناول الفيلم قصة أم تنتقل للعمل فى مدينة ساو باولو قبل عشر سنوات، وتترك ابنتها مجبرة بعد خلاف مع زوجها، وعندما تأتى الابنة بعد كل هذا الزمن ولا تجد أن أمها التى تعمل خادمة فى أحد البيوت قد حققت شيئا ماديا، فتعيش فى غرفة صغيرة ملحقة بمنزل العائلة الكبير، التى يبدو أفرادها كل منهم بمعزل عن الآخر.

تأتى الابنة إلى أمها وقد صارت فى السابعة عشرة من عمرها لتلتحق بالجامعة، وتبدأ رحلة أخرى تكشف فيها المخرجة عن قدرتها غير المحدودة عن الإمساك بالتفاصيل، وهى تقدم لغة سينمائية أيضا، لو وضعتها تحت المنظار الأكاديمى لظلت فى إطار التعبير السردى السينمائى بصريا وصوتيا، فقط تنحاز فيه باللغة التقليدية.

من الواضح أن سينما المشاعر هى التى فازت فى مهرجان برلين فى دورته الاستثنائية رقم 65، فاستحقت تصفيق الناس، واستحقت أيضا الجائزة الكبرى التى حصل عليها تاكسى ، ومن حق جعفر بناهى أن يفخر بها فنيا، ومن حقنا أن نصفق له فنيا بعيدا عن تلك الحسبة التى تحاول التقليل من قيمة الفيلم وقيمة المخرج.

التحرير المصرية في

17.02.2015

 
 

المشاركة المصرية ببرلين..

تمنيت لو لم تكن «بره فى الشارع»

رسالة برلين ــ خالد محمود:

مخيب للآمال بداية من الفكرة والطرح مرورًا بالمونتاج وصولًا إلى التمثيل

الفيلم المصرى يطرح التساؤلات حول ترشيحات المشاركة بالمهرجانات الدولية

المخرج الشيلى بابلو لارين يثير الجدل فى المهرجان بفيلم «النادى»

من يختار فيلما مصريا ليعرض فى مهرجان سينمائى دولى كبير؟، وكيف يتم هدا الاختيار؟، السؤال يفرض نفسه بقوة بعد مشاهدتى فيلم «بره فى الشارع» الذى عرض باسم مصر فى برنامج امتداد المنتدى بمهرجان برلين السنيمائى، ووجدته عملا مخيبا للآمال على المستوى الفنى بأغلب مفرداته، بداية من الطرح الدرامى الساذج لفكرة مستهلكة، ومرورا بالمونتاج المهلهل، وحتى الاداء التمثيلى الغريب الذى يفتقد لأى روح أو منهج، ورأى أنه كان أضعف بكثير من كل الافلام التى عرضت فى نفس القسم واقسام اخرى موازية بالمهرجان الدولى الكبير الذى يعد للعرض على شاشته حلم يراود الكبار والشباب، وأعود لأطرح سؤالى مرة أخرى: من يتحمل مسئولية مشاركة وعرض فيلم لا يرتقى لمستوى الحدث؟

المسألة تتطلب نظرة أخرى، حتى لو كان الاشتراك فى المهرجانات الكبرى هو تحرك شخصى لأصحاب الاعمال، وسعى منهم للتواجد، وهذا حقهم، لكن طالما ان الفيلم يحمل اسم مصر، فيجب على الاقل أن يكون جيدا ومبشرا بانطلاقة جديدة، وهو مالم يتوافر فى فيلم "برة فى الشارع" إخراج ياسمينة متولى وفيليب رزق، من إنتاج شركة «س» للمخرجين مصطفى يوسف وهبة يسرى.

واذا كان الفيلم يحمل ملمحا تجريبيا، كما يقول صنّاعه، فهى مغامرة غير محسوبة جيدا، لأن التجريب به كان عقيما سواء فى لغة السرد او الصورة، ويخلو من عناصر الجمال أو الابهار، أو الدهشة، وربما لو شاهد صناع العمل بعض أفلام دورة مهرجان برلين السينمائى، لأصابتهم صدمة حقيقية، لأن التجريب الذى كشف عنه المخرجون بأفلامهم كان بحق خلاقا ومبهرا ومبدعا شكلا ومضمونا، واعتقد لو أن صناع الفيلم المصرى وقفوا عند تجريب جعفر بناهى، واندرو هاى، وسيباستيان تشيبر، وتيرانس ماليك، وبابلو لاريان فى طرحهم لقضايا اجتماعية تخص اوطانهم، لترددوا كثيرا قبل تقديم هذا الفيلم بهذه الصورة، حيث شاهده جمهور كبير وقف حائرا أمام هذا الطرح الفقير لفكرة يفترض انها غنية سينمائيا لو كانت هناك رؤية.

العمل الذى يمتد زمنه لـ٧٢ دقيقة حاول ان يتناول الظلم الاجتماعى الذى حل على افراد الطبقة العاملة اثر الخصخصة، ومن المفترض ان الاحداث تدور قبيل ثورة يناير او تمهد لها، وذلك من خلال مجموعة من عمال احد مصانع حلوان الذى تم بيعه لأحد رجال الأعمال، يظهرهم العمل وهم يشتركون فى ورشة تمثيل، وأثناء البروفات يجسدون الوضع على سطح احدى البنايات التى تطل على قلب القاهرة مع محاولة خلق مساحة ما بين الخيال والواقع ليخرج المشاركون، ويدخلون فى الشخصيات لتشكيل مأساتهم اليومية فى العمل ويستحضرون قصص الظلم فى المصنع، وضياع حقوق العمال، وعنف وبلطجة رجال الشرطة واظهارهم كمرتشين، وتلفيق التهم للأبرياء، وعدد من قصص فساد واستغلال النفوذ من قبل ارباب عملهم الرأسماليين.

وإذا كان مخرجا الفيلم قد استعانا بلقطات حقيقية لحادث انهيار مصنع قام به أحد العمال، وبممثلين غير محترفين، حتى يبدو الارتجال فى الاداء والتعبير واقعيا، فإن ذلك النهج قد ضل الطريق، لأنه لم تكن هناك أى مفردات فنية ثرية وواعية تشكل عنصرا مساعدا للمشهد، كما أن معظم من شاركوا فى تجسيد القصة كانوا يضحكون امام الكاميرا، ولم ينبههم احد، مما جعل المشهد بكاملة اضحوكة وعبارة عن "هرتلة" ليست حتى فنية .

عقب العرض سألتنى عجوز من إيطاليا: هل أعجبك الفيلم، وأومأت برأسى مجاوبا بـ"لا"، وسألتها أنا نفس السؤال فأجابت: "هذه ليست سينما، التجريب له أبعاده الفنية والعمل بعيد تماما عن كل شىء، حتى القضية قدمها مباشرة للغاية وهو شىء لا يجوز".

فى الندوة التى اقيمت عقب العرض واستمرت نحو ٤٥ دقيقة، أكد مخرجا الفيلم أنهما قصدا ألا يصنعا فيلما عن الثورة بل عن العوامل التى أدت للثورة كبعدين اقتصادى واجتماعى للقمع.

وقالا عن مشروع الفيلم إنهما حاولا أن يتخلصا من قيود الفيلم التسجيلى، "ذهبنا للاستماع للعمال لتصوير فيلم، ومحاولة لفهم الأبعاد المختلفة لاحتجاجاتهم، وطلباتهم من تحسين الأجور أو ظروف العمل، وأدركنا أن المرض ينتج دائما عن الاستغلال والفساد المنظم، وآثار الرأسمالية الزاحف بعمق على حياة الناس، وإغلاق القطاع العام، وخصخصة الأراضى العامة والصناعة من أجل النمو والاستثمار، والاقتصاد بدلا من الشعب، ألهمتنا فكرة كيف يمكن ان تكون للناس شجاعة، فى مواجهة هذه المخاطر.

ونحن لا نريد من تقديم الفيلم أن يتحول هذا الواقع القاسى إلى مشهد، مصدرا للتسلية، ولكن إعادة تقييم الماضى وتخيل ما يمكن أن يحمله المستقبل، ونحن نعتقد أن الفيلم مؤهل لأن يسافر للعرض فى دول العالم، لأن القصص التى تظهر به ليست فريدة من نوعها لحى أو بلد، فأشكال الاستغلال موجوده فى جميع أنحاء العالم".

هذه الأقوال لمخرجى العمل إذا كانت تعكس مبادرة طيبة وحماسا لرصد صورة من واقعنا، لكنها على الشاشة لم تكن بالحالة السينمائية الجيدة، والصورة لم تكن حلوة، وأرى أن حماس مخرجى الفيلم فى حاجة إلى أن يطعّم بخبرات حتى تنضج، وتكتمل مشاريع الاحلام قبل طرحها للجمهور. بعيدا عن مأساة الفيلم المصرى، حمل النصف الثانى من أيام المهرجان مجموعة من الأفلام القوية، التى ظلت حديث رواد المهرجان من النقاد والجمهور فترات طويلة، مثلما حدث مع بعض أفلام النصف الأول مثل الإيرانى "تاكسى"، والألمانى "فيكتوريا"، حيث قدم المخرج الشيلى المتميز بابلو لارين "٣٩ اما" فيلمه الكبير "the club" أو "النادي"، وأعتقد أن حصوله على نصيب من جوائز المهرجان كان أمرا مهما نظرا لفنياته المميزة، وإحساسه السينمائى العالى، وفكرته التى تبحث فى الجوانب المظلمة عند مجموعة من القساوسة الكاثوليك.

ويتناول الفيلم برمزية مذهلة انتهاكات مجموعة من الكهنة بالكنيسة الكاثوليكية، تعيش وكأنها فى منفى، فنحن أمام ناد من أربعة رجال وامرأة واحدة كخادمه للجميع، وكأن مصيرها الواقعى شكل من أشكال العقاب الروحى، قدم السيناريو، الذى شارك فى كتابته بابلو لارين مع جيليرمو كالديرون، ودانييل فيلاوبوس، مواقف معقدة نفسيا لانتهاكات متعددة للكنيسة الكاثوليكية عبر رؤية خاصة جدا، وأداء مفعم بالمشاعر المركبة، وبدت الخبرة بشكل كبير لدى فريق التمثيل روبيرتو فارياس، وألفريدو كاسترو، وانطونيا زيجيرا، وجيم فاديل، ليشكلوا فى العمل نكهة سينمائية خاصة بصورة عميقة، وأظهر المخرج عدم رغبة فى عدم إطلاق أحكام أخلاقية سريعة، بل منح الجميع الوقت ليستوعبوا ما يحدث، بل ويجعلك جزءا من الحكاية ومتفق مع ما قدمه من نهاية لشخوصه.

كان صوت بابلو لارين السياسى حاضرا بقوة فى رمزيته، التى يشير فيها إلى أن رجال الكنيسة الخطائين ليسوا معصومين من الحساب، واعتقد أنه يواصل فى هذا العمل ايضا وبطرق أكثر دهشة من أى وقت مضى، جزء من موضوعاته المفضلة، الحياة التشيلية، الحريات غياب العدالة، المظلومين واللوم المؤجل.

يبدو "النادى" هنا نوع من دار للمتقاعدين السرى للكهنة التى تعانى من فضيحة، فهم يقيمون بمنزل صغير متواضع فى بلدة الشاطئ التشيلية "لا بوكا"، الأب لارين، الأب أورتيجا، قسيس الجيش السابق الأب سيلفا، والراهبة الأخت مونيكا، وهم يبقون جميعا على مسافة من السكان، يقضون يومهم فى تناول الطعام والشراب ومشاهدة التليفزيون ثم تدريب الكلاب على المنافسة فى حلبة السباق.

اقتراب بابلو لارين من هذا الموضوع الشائك لم تكن الميزة الأهم، وإنما جرأة الطرح وطبيعة الموضوع وطريقة التناول، ربما غير المسبوقة من قبل، وذلك من دون أى افتعال أو سطحية أو تناول لمجرد التناول بغرض لفت الانتباه، وإثارة الجدل المجانى حول فيلمه، المتمحور حول أربعة من القساوسة استغنت عنهم الكنيسة بعد تسببهم فى فضائح مختلفة.

لكنهم لا يزالون فى حمايتها ورعايتها، لكن الأمور تنقلب رأسا على عقب، مع قدوم راهب آخر جديد ينضم إلى النادى أو إلى المجموعة المتواجدة بذلك المنزل "منزل التوبة"، والذى سرعان ما يطلق النار على رأسه، أمام الجميع، وهنا تبدأ فى الانكشاف تدريجيا القصة الدرامية لهؤلاء القساوسة، الذين هم شبه محكوم عليهم بالنفى فى ذلك النادى، كنوع من العقاب أو التكفير الروحى عما اقترفوه من خطايا متعلقة بفضائح مشينة مرتبطة بممارساتهم الشذوذ الجنسى خلال فترات حياتهم وخطف اطفال امهات غير متزوجات.

حيث يروى الرجل قبل رحيله من تحت شبّاك المنزل، أمام الجميع وبصوت عال، تفاصيل اغتصابه عندما كان شابا يافعا، على يد راهب وصل للتو إلى مسكنه الجديد، جاء الرجل حاملا معه الماضى الذى كانوا يعتقدون أنهم قد تركوه وراءهم، وهنا نلمس ايضا اداء الممثلين المتمكن والرصين فى تعبيرهم عن شعور الندم مع وجود الحس الساخر .

ما يحصل فى اللحظات القليلة التى تلى الفضيحة، سيجعل الكنيسة ترسل الأب غارثيا المتخصص فى حلّ الأزمات المستعصية، وهو يؤمن بضرورة ان يغلق هذا المكان، كونه لا يراعى أيا من شروط السلوك الرهبانى الحسن، فيبدأ بسلسلة استجوابات مع الرهبان، واعترافات ستجعل الفيلم يغوص فى المزيد من الفضائح بين التحرش الجنسى بالأولاد وبيع الأطفال الرضّع بعد انتزاعهم من أمهاتهم.

هذا فيلم آخر عن السلطة المطلقة التى تلجأ إلى كلّ انواع الجرائم عندما تضطر إلى ذلك، ويُرينا من جملة ما يُرينا، التواطؤ الذى سيحصل بين الأب المصلح والمتهمين، لتلميع صورة الكنيسة أو على الأقل لعدم الاساءة اليها.

بابلو لارين الذى تلقى تعليمه بالمدارس الكاثوليكية كان صادقا مع نفسه فى اختيار هذا الخط الدرامى، هكذا قال، مشيرا إلى ان ما قدمه هو الجزء المفقود دائما فى قصة الوفاء والحب التى تحيط بدور رجال الكنيسة، وقال ايضا لا ينبغى ان تكون هناك فئة من البشر لا تحاكم مثل البشر امام المحاكم المدنية، والاكتفاء بتبييض الوجه امام الله، وسوف تستمر التغييرات رغم كل شيء .

وبدون شك اصبح الفيلم نقطة حديث كبرى فى برلين، بل وربما يثير الكثير من الجدل خلال الفترة القادمة، لأن بابلو الموهوب لم يقدم قصته فى سياق تاريخى، بل الزمن مفتوح.

ولم يكن فيلم "النادى" هو الفيلم الشيلى الوحيد، على شاشة برلين بل كان هناك فيلما آخر، هو "الزر الجوهرة" للمخرج التسجيلى الكبير باتريشيو جوزمان، ليأتى كأحد أهم الروائع الفنية فى مسيرة هذا المخرج، ويعتبر الفيلم من أجمل ما عرضه المهرجان.

الفيلم التسجيلى مدته 80 دقيقة، ويتنافس مع الأفلام الروائية الأخرى، وفيه يبدع من مادته التى تتناول قيمة المياه تناغما موسيقيا لا يقل سلاسة وانسيابية عن تدفق وعذوبة المياه، تلك التى بنى جوزمان فيلمه على تيمتها، فى خط مواز لرؤى تاريخية وسياسية وجغرافية وغيرها، التى يسلط عليه الضوء فى فيلمه، ويبين الفيلم أن للمياه ذاكرة وأصوات أيضا، وأن الأنهار والبحار والمحيطات تحتوى على تاريخ البشرية بشكل أو آخر.

الشروق المصرية في

17.02.2015

 
 

مهرجان برلين:

"ثمانية وعشرون ليلا.. وبيت من الشعر"

قيس قاسم

يحتسب لدورة برلين الخامسة والستين إشراكها فيلماً وثائقياً ضمن مسابقتها الرئيسية وإذا ما خرج بجائزة كما هو متوقع فإن مردوداً إيجابياً سيضاف إلى رصيد منظميها باعتبارهم قد تعاملوا وبكل بساطة مع الموضوع بما تفرضه السينما نفسها كفن جامع للأجناس لا يمكن فصل جنس سينمائي عن آخر بشكل يتعارض مع طبيعتها، الأمر الذي ما زال لم يأخذ حقه الطبيعي في مهرجانات عالمية وعربية فالغلبة في كثير مسابقاتها مازالت للروائي بل من النادر إدراج فيلم وثائقي فيها. على مستوى ثانٍ أدرجت الدورة أفلاماً تجريبية كثيرة ضمن بقية مسابقاتها وأقسامها بعضها ينتمي إلى (الفيديو آرت) ومن المفاجآت أن يكون بينها فيلماً عربياً جمع فيه اللبناني أكرم الزعتري بين هذا النوع من الشغل البصري وبين  الوثائقي في فيلم سمّاه "ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر" أطلق لمخيلته العنان فيه لمراجعة تاريخ مدينة صيدا المعاصر من خلال الصورة الثابتة والمتحركة متجنباً بحذاقة التوقف عند الأحداث المهمة التي عاشتها المدينة بما فيها الحرب الأهلية التي نشبت في عام 1975 مفضلاً تناولها من جانب "شخصاني" لبشر عايشوها وانعكست من خلال صور أو تسجيلات مصورة لهم ولمدينتهم، التي كرّس المصور الفوتوغرافي "العجوز" صاحب استوديو "شهرزاد" هاشم المدني وقتاً كبيراً في حفظها وحفظ تفاصيل تلك التواريخ في أرشيف دقّق فيه أكرم كثيراً وأخرج ما يريد معرفته عن فترة زمنية تقارب نصف قرن بأسلوب خاص استخدم فيه فن "الفيديو آرت" كروح لنص سينمائي وفي إطار فيلم تسجيلي يحتاج إلى صبر لمتابعته حتى تظهر الجماليات الكامنة في النوعين أو الجنسين البصريين، ما سيطرح أسئلة حول طبيعة "الفيديو آرت" ومقدار حرية المخرج في الركون إليه كوسيلة تعبيرية لا تخدم النص الوثائقي بل تكون جزءاً منه.

انطلاقاً من نظرية الصور الفوتوغرافية بوصفها "لحظة تجميد الزمن" سيستنطق الزعتري المصور الفوتوغرافي حتى يُقدِّم شهاداته عن ظواهر اجتماعية وسياسية في فترات مختلفة كرغبة الصيداويين خلال أعوام الاحتقان الطائفي أواخر الخمسينات في أخذ صورة شخصية "بورتريه" بصحبة الرشاش أو يظهرون في الصورة حاملين بنادق للدلالة على رجولتهم وقوتهم.

ثم يسأله عن الأعراس وصور المتزوجين حديثاً ويمضي أعمق لمعرفة الأوضاع غير المألوفة التي صادف وأن طلبها منه بعض زبائنه تصويرهم فيها، فكان الرجل يجيب عليها بلغة واضحة فيها الكثير من الصدق لأنها مقرونة دائماً بالوثيقة/الصورة وبهذه الطريقة جعل نصّه البصري مقرون بشهادتي المصور والصورة. وفي مراحل متأخرة من فيلمه سيضيف إليها شاهداً ثالثاً: التلفزيون وكاميرا الفيديو وكلها تشير بحذاقة ومكر تسجيلي إلى ظواهر اجتماعية غير معلنة ومسكوت عنها في الغالب، لكنه يظل متيقظاً أثناء تناولها  لعدم السقوط في فخ "العمق" المسطح مفضلاً تقديم الصور كما هي، أما مدلولاتها الضمنية فيتركها للمشاهد كي يستنتج بنفسه ما يحلو له من استنتاجات، وهذا ما يتجلّى في المراحل التي سيعيد فيها سرد تاريخ المدينة من خلال تسجيلات الفيديو وظهور التلفزيون الذي سرق من الفوتوغرافي حرفته "الساكنة" ولكنه سرعان ما تكيف، أي المصور الصيداوي، مع التحول الكبير والخطير في فن التصوير وراح يشتغل في تصوير الحفلات والأشخاص بكاميرا محمولة. وبعد سنوات سيتراجع عمله حين يحل جهاز التلفزيون ويهيمن على مشهد الصورة المتحركة بشكل كاد أن يعطل مهنته الأولى كمصور للمدينة ومؤرخ بصري لتفاصيل الحياة فيها.

عندما سيصل نص الزعتري التسجيلي إلى تلك اللحظات سيلعب على الأغنية والموسيقى التي صاحبت بروز التلفزيون واستلابه لدور أشرطة التسجيل الصوتية القديمة بوصفها وسائل تقنية جديدة نقلت الصوت إلى المستمع بدلاً من الأجهزة القديمة التي كانت تنقله بمستويات ووضوح ضعيفين، لكن فيهما الكثير من الحميمية التي سينهيها التلفزيون نهائياً ويتسيد المشهد البصري في العالم كله خلال السبعينات والثمانيات حتى يومنا هذا. عن العلاقة بين أهالي صيدا وبين الصورة وتنوعاتها لعب الزعتري بمهارة وحرية داخلية كشفت عن روح ساخرة وشديدة الميل إلى تجاوز حدود العلاقة العادية بين الصورة المسجلة بالكاميرا وما يقف أمامها، فأعاد إنتاج الموسيقى والغناء من خلال المقارنة بين أغاني قدمت خلال فترات مختلفة كاشفاً من خلال التباعد الزمني بينها عن مستوى تطور المجتمع اللبناني والعربي وكيف استثمرت سياسياً إلى درجة يبدو تفاعل الناس حولها مضحكاً ويحمل في داخله دلالات تبلد فكري لعبت فيه وسائل الاتصال الحديثة والتلفزيون دوراً مهماً.

كل ذلك العمق أخفاه "ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر" في طيات الموسيقى والصورة والأغنية وأيضاً من خلال شهادة رجل عاصر مراحل طويلة من حياة المدينة ووثقها كما هي ودون وعي بالمعاني المستخرجة الجديدة منها، فالرجل كان يمتهن التصوير ويعتمده كمصدر رزق لعائلته ولم يدرِ أن يوما سيأتي فيه مخرج وثائقي سينمائي ومشتغل في حقل الفيديو آرت ليعطي ما صنعته يداه هذه الأبعاد و المعاني العميقة.

على مستوى فيلم المسابقة الذي أشرنا إليه في المقدمة أي "زر اللؤلوة" للتشيلي باتريسيو غوزمان الذي أبهرنا بنص وثائقي عميق ربط فيه بين المياه ووجودها على كوكبنها كعنصر مادي بدونه لا تستمر الحياة، وبين جرائم الديكتاتور بينوشيت أثناء انقلابه على حكومة الرئيس المنتخب الليندي ومحاولته الخبيثة لإخفاء جرائمه عبر رمي جثث ضحاياه في أعماق البحر. يأتي غوزمان إلى السياسة من بوابة تاريخ الشعوب الأصلية للقارة الأمريكية وعلاقتها بالمياه وترحالهم عبرها إلى أقاصي الأراضي البكر، وسيلتهم فيها قوارب بسيطة ومجاذيف يعرفون كيف يستخدمونها لشق المياه وتياراته القوية والتي بفضلها بقينا أحياء، لكن الديكتاتور بينوشيت أراد تغيير وظيفتها، التي تعود إلى ملايين السنوات، من مصدر للحياة إلى مأوى للموتي الذين انتهوا على يد جلاوزته في انقلاب شكّل لدمويته مثالاً تاريخياً معاصراً لوحشية لا تعرف الرحمة.

يُحمِّل التشيلي الحذق وصاحب رائعة "حنين إلى الضوء" "أزرار" المعاطف والقمصان ـ التى هي جزء من موروث صناعي حديث جاء مع المستعمرين للقارة وصار استخدامها فيما بعد مألوفاً بحيث لا ينتبه أحد إلى دلالاتها الأولى ـ يُحيل غوزمان دلالتها الرمزية كأثر على وجود الضحايا في أعماق البحر، ويدخل عبر ثقوبها ولونها الأصفر المُحيِّر إلى الكون الشاسع الذي يحيطنا وإلى مصدر كل قطرة ماء تتسرب من أعماق التاريخ والأراضي الشاسعة حتى تصلنا عذبة، منها تستمد أجسادنا وكل ما على الأرض ديمومتها. لكن الجنرال أراد للمياه أن تكون مقبرة لأبرياء تخيّل واهماً أن الأثقال الحديدية المربوطة بها أجسادهم الخامدة ستدفنها في الأعماق بحيث لا تُبقي لهم أثر، متناسياً أن التاريخ والعلم والضحايا لا ينسون مآسي الحروب وويلات الانقلابات العسكرية، وأن غوزمان الذي يعرف جيدا وظيفته كمبدع سينمائي سيظل يلاحقه متتبعاً جرائمه في اليابسة والبحر ومستنجداً بقوة شهادات ضحايا لن يتقاعسوا في تذكير القتلة وفي كل يوم بما اقترفته أياديهم من جرائمهم. صورة وجماليات مبهرة ومراجعة فلسفية عميقة لمعاني ورموز المياه في الفلسفات، ورحلة عبر التاريخ البشري تضع  كلها فيلم غوزمان من بين أهم وثائقيات "البرلينالة 2015" حيث تنتظره بعد انتهائها عروض في صالات سينمائية كثيرة وتجوال دائم على مدى العام في مهرجانات عالمية وربما سيفوز بجوائز كثيرة تليق به كمنجز وثائقي مدهش وتضع صانعه كواحد من بين  أكثر المخرجين تميزاً وعمقاً.

الجزيرة الوثائقية في

17.02.2015

 
 

بناهي يدعو السلطات الى السماح بعرض فيلمه في إيران

عبد الاله مجيد

دعا المخرج الايراني جعفر بناهي الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الى السماح بعرض فيلمه "تكسي" قائلا "ما من جائزة تضاهي قيمتها تمكًّن مواطني بلدي من مشاهدة افلامي".  

وكان بناهي أُدين عام 2010 بنشر دعاية معادية للنظام وتهديد الأمن القومي بأعماله السينمائية وحُكم عليه بالسجن ومنعه من اخراج الأفلام.  ولكن بناهي بدلا من السجن وُضع تحت الاقامة الجبرية التي خلالها أنجز فيلم "هذا ليس فيلما". وهُرب الفيلم الى مهرجان كان السينمائي بحفظه في عصا يو أس بي أُخفيت داخل كعكعة.  

وقال بناهي في مقابلات مع وسائل اعلام ايرانية بعد فوزه بجائزة الدب الذهبي انه سعيد لنفسه وللسينما الايرانية ولكنه اغتنم الفرصة لشجب النظام الايراني قائلا "ان اصحاب السلطة يتهموننا بصنع افلام للمهرجانات الأجنبية وهم يختفون وراء أسوار سياسية ولا يقولون ان افلامنا لا يُسمح ابداً بعرضها في سينمات ايرانية".

ولا يخلو فيلم "تكسي" الذي يقوم فيه بناهي بدور البطولة كسائق سيارة أجرة في طهران من المضامين المشحونة سياسيا.  فهو يدور حول قصة ايرانية سُجنت لمحاولتها مشاهدة لعبة بالكرة الطائرة بين فريقين من الرجال.  

وأصدر بناهي في كانون الثاني/يناير بيانا اشار فيه الى المنع قائلا ان "لا شيء يمكن ان يمنعني من صنع الأفلام لأني عندما أُحاصَر في الزوايا القصوى أتواصل مع ذاتي الداخلية ، وفي هذه الفضاءات الخاصة تصبح ضرورة الإبداع ، رغم كل القيود ، حتى أقوى من رغبة ملحة".    

قال رئيس لجنة الحكام في مهرجان برلين السينمائي دارين ارونوفسكي لدى اعلان فوز بناهي بجائزة الدب الذهبي التي تسلمتها ابنة اخيه هناء سعيدي احدى نجوم الفيلم "ان جعفر بناهي ، بدلا من السماح بسحق روحه والاستسلام وبدلا من السماح لنفسه بأن تمتلئ غضباً واحباطاً ، أبدع رسالة حب الى السينما.  ان فيلمه مفعم بالحب لفنه ومجتمعه وبلده وجمهوره". 

إيلاف في

17.02.2015

 
 

فيلم "تاكسي" الممنوع في ايران بيع في أكثر من 30 بلداً

المصدر : AFP

بيع فيلم "تاكسي" للمخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي الذي حاز السبت جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين، في أكثر من ثلاثين بلداً حتى الآن في حين أن عرضه ممنوع في ايران على ما قال موزعه.

وقد تم شراء الفيلم الذي يعرض للمجتمع الإيراني من خلال تطواف سائق سيارة أجرة في طهران، في حوالي عشرين بلداً أوروبياً فضلاً عن روسيا وتركيا على ما ذكرت شركة "سيليلويد دريمز" المكلفة مبيعات الفيلم العالمية.

وخارج أوروبا سيوزع الفيلم في تايوان وهونغ كونغ والصين وفي البرازيل وكولومبيا، وبيع أيضاً إلى شركة توزيع في الشرق الأوسط على ما أوضحت "سيليلويد دريمز".

وتجرى مفاوضات راهناً مع بريطانيا والولايات المتحدة على ما أضافت شركة التوزيع.

وممنوع على جعفر بناهي تصوير الأفلام ومغادرة بلاده.

وأعرب جعفر بناهي الأحد عن سروره الشخصي "وللسينما الإيرانية" بعد فوزه بجائزة الدب الذهبي، معرباً في الوقت نفسه عن أسفه لأن مواطنيه عاجزون عن مشاهدة أفلامه الممنوعة في ايران.

وقد أوقفته السلطات العام 2010 عندما كان يحضر لفيلم يوثق للاحتجاجات التي تلت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود احمدي نجاد في العام 2009.

وقد حكم عليه في أكتوبر من العام 2011 بالسجن عشرين عاماً، ومنع من التصوير أو كتابة الأفلام أو السفر لاتهامه بإثارة "دعاية ضد النظام".

ودخل السجن شهرين، ثم أخلي سبيله بكفالة على أن يحق للسلطات توقيفه متى شاءت.

لكنه تمكن منذ ذلك الحين من من تصوير ثلاثة أفلام طويلة سراً ونقلها إلى الخارج.

الجريدة الكويتية في

17.02.2015

 
 

رؤية نقدية لفيلم نيكول كيدمان الجديد "ملكة الصحراء"

ماثيو أندرسون: صحفي - بي بي سي

لعبت المستكشفة "غيرترود بيل" دوراً عظيماً في رسم خارطة الشرق الأوسط كما نراه اليوم – إلا أن الفيلم الجديد للمخرج فيرنر هيرزوغ عن حياتها يفضل تناول الجانب الرومانسي على تناول الجانب التاريخي أو السياسي، كما يقول الصحفي في بي بي سي ماثيو أندرسن.

يصفها البعض بأنها النسخة النسائية لـ "لورنس العرب"، و"المرأة التي أسست العراق"، ويلقبها البعض بـ "مس بيلّ". وقد أعادت الأحداث التي وقعت في الشرق الأوسط منذ عام 2000 الاهتمام بها، وهي المعروفة بأنها المعمارية، والمستكشفة، واللغوية، والرحالة، والمستشرقة، والكاتبة، والجاسوسة أيضا.

كان لبيلّ تأثير هائل عند إعادة رسم خارطة المنطقة بعد سقوط الامبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. وباعتبارها "سكرتيرة الشرق لبريطانيا"، ساهمت في وضع حدود العراق، وكتبت دستوره، وضغطت بقوة لمساندة الأمير فيصل، الذي تدعمه بريطانيا، لينصّب أول ملك على ذلك البلد الجديد.

كانت ذات شخصية استثنائية، ونالت إنجازاتها إعجابا غير مسبوق بالنظر لمكانة المرأة في ذلك الزمن. لكن علينا ألا ننسى أن البلد الجديد الذي ساهمت في تأسيسه من تركيبة متعارضة من الأكراد والسنة والشيعة، كان بلدا غير مستقر. فقد انهار وتحول إلى دكتاتورية بعثية، وتعصف به اليوم تجاذبات وتوترات طائفية قاتلة. نتذكر "بيلّ" الآن لأننا نتساءل: من كان صاحب هذه الفكرة في المقام الأول؟

لم يهتم فيلم "ملكة الصحراء" بالمرّة بالتأثيرات التي خلّفتها إنجازات "بيلّ"، ولا بتداعيات التاريخ أو بالسياسة التي نفذتها هذه الامبراطورية أو تلك.

من المؤكد أنه سيُقارن برائعة ديفيد لين لعام 1962، فيلم "لورنس العرب". فهذا الأخير يصوّر بعضاً من تلك الشخصيات ويجسّد بشكل درامي لحظات تاريخية مماثلة. إنها مقارنة يدعوك إليها فيلم "ملكة الصحراء" منذ لقطاته الأولى بتصوير سينمائي شامل لمناظر الصحراء.

قصتان رومانسيتان

فيلم هيرزوغ لا يقدم تعليقا عما يجري سياسيا على الإطلاق، فالمغامرة الاستعمارية بمجملها ليست إلا خلفية نابضة بالحيوية لحقبة مليئة بعاطفة مأساوية لقصتي حب فاجعتين في حياة "بيل".

وهذا يمثل عيبا وفرصة ضائعة؛ إذ أن الفيلم يتناول حياة امرأة تحدّت تقاليد وأعراف زمانها، ويضعها في أكثر القوالب المبتذلة الممكنة. إنه فيلم عادي بشكل مخيّب للآمال من مخرجٍ تعوّدت أعماله أن تكون رائعة بغرابتها.

لعبت "نيكول كيدمان" دور "مس بيلّ" وأجادته. إنها تدخل في نقاشات لاهثة على ضوء الشموع، وتلقي نظرات الازدراء والتحدي على المسؤولين المتعجرفين، وتنظر بحزن عبر النافذة، وتشدّ خصلات شعرها خلف أذنيها بحياء واحتشام.

يلعب الممثل "جيمس فرانكو" دور أول حبيب لها، هنري كادوغان، وهو دبلوماسي مبتديء في السفارة البريطانية بطهران. يتودد كادوغان إليها عن طريق خدعة بلعب الورق ويستغل معرفته باللغة الفارسية في القرون الوسطى، ثم يتقدم لطلب يدها للزواج منه. لكن والدها يحرمها من الزواج منه، وتنتشر الشائعات بأن كادوغان مقامر.

وبينما كانت هي في انجلترا تحاول إقناعه بالعدول عن رأيه، يتحطم قلبها بعدما قرأت ما جاء في رسالة وصلتها، فتبدأ "مس بيلّ" في خوض تجربة مثيرة عبر الصحراء.

نرى بعض المنطق في تنامي ثقة "بيلّ" بنفسها، وألفتها للمناظر الطبيعية وللشعوب في تلك المنطقة، وللغاتهم وأسلوب تفكيرهم. إلا أنه عند مقابلتها للرائد تشارلز داوتي-وايلي (ديميان لويس، بطل مسلسل "الوطن"، نجد أنفسنا وقد عدنا أدراجنا إلى قصص الحب العاطفية من الطراز القديم.

الرجل الآخر في حياتها هو تي. إيه لورنس- لورنس العرب- مع كونه أعزّ صديق مثليّ الجنس، أكثر من كونه مشروعاً للحب والزواج. لورنس (يمثله بطل فيلم "الشفق"روبرت باتيسن) غير مقنع، ومثير للسخرية نوعاً ما. وقد أدى أول ظهور له على شاشة الفيلم – وكان يرتدي كوفية على رأسه، وكان من الصعب التعرف عليه- إلى موجة من الضحك، وعلو الأصوات بين جمهور المشاهدين في برلين.

ينتقل الفيلم من حدثٍ إلى آخر بأسلوب مألوف إلى درجة أنني كنت متأكداً طيلة وقت الفيلم أن المخرج هيرزوغ كان يحاول خداعنا. لقد عوّدنا هذا المخرج بحيويته على إظهار الأمور الغريبة في الحياة، ربما لسخافتها، وكنا نظن أنه في أية لحظة أنه سيدخل المشهد شخصية غريبة الأطوار، تدل عيناه مثلا على اليأس أو الذعر، أو أن سحلية مجنونة، على شاكلة مخلوقات هيرزوغ، ستخرج من رمال الصحراء وتغيّر مجرى الأحداث.

إلا أنه لم تكن هناك أية مفاجآت. تجد لفتات بسيطة وقليلة بما يمكن أن يقال عنها أنها غريبة، وذلك بطريقة تصوير الحيوانات، وخاصة الجمال بشفاهها المتدلية ورؤوسها الدائرة: تدخل هذه اللقطات عنوة بشكل فكاهي بين مشاهد رصينة. وفيما عدا هذا، تغوص جميع الأحداث في طراز مبتذل لأفلام الحب الرومانسية.

في نهاية الفيلم تماماً، نلتقي بشخصيتين جديدتين – فيصل وأخوه عبد الله، من شيوخ العائلة الهاشمية القديرة اللذين تم تنصيبهما من قبل البريطانيين ليصبحا حاكمين للعراق، وما يعرف الآن بالآردن.

ويطلقان الحاكمان الجديدان، تزلفا، اسم "الخاتون" على "مس بيلّ". كما يسميانها "صانعة الملوك"، بينما تقوم هي بترتيب الأمور لهما ليقوما بدورهما في الحكم. وبقدر ما يتعلق الأمر بالفيلم، فإن ما سيتجلى في هاتين الدولتين لم يكن بأي حالٍ من الأحوال ذو شأنٍ أو أهمية. ثم ينتهي الفيلم بعرض الأسماء فوق رمال متحركة.

الـ BBC العربية في

16.02.2015

 
 

بالصور.. زحام على أفلام «برلين السينمائي» في اليوم الأخير

كتب: أحمد الجزار

شهد الأحد آخر أيام مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ65 التي أقيمت في التفرة من 5 إلى 15 فبراير، زحامًا كثيفًا على مشاهدة مجموعة من الأفلام التي شهدتها الدورة، كفرصة أخيرة للجمهور لمشاهدة الأفلام التي حققت ردود فعل قوية، وحصل بعضها على جوائز، وجاء ذلك بعد إعلان إدارة المهرجان جوائز مسابقاته المختلفة.

وشهدت عروض الأفلام الأحد عودة «طوابير» الجمهور بقوة وتجاوز مشاهدي فيلم «فيكتوريا» الألماني الذي حصل على جائزة أفضل إسهام فني خلال مشاركته في المسابقة الرسمية أكثر من 1500 شخص، ووصل طول أحد «الطوابير» إلى أكثر من 300 متر، وذلك قبل عرض الفيلم بنصف ساعة في قصر البرينالي ومن قبله فيلم «سندريلا» لكيت بلانشيت.

وشهد أيضا فيلم «تاكسي» لجعفر بناهي والحائز على جائزة الدب الذهبي هذا العام على نسبة كبيرة من الحضور الذين تسببوا في وقف حركة الشوارع أمام السينما، كما توافد الجمهور من الصباح على شباك التذاكر للفوز باي مقعد لهذه الافلام سواء كانت الالمانية أو الفائزة بجوائز هذه الدورة.

المصري اليوم في

16.02.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)