كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

"سعفة" مهرجان كانّ:

النبي يثأر للمهاجرين!

"النهار" - كانّ ــ هوفيك حبشيان

مهرجان كان السينمائي الدولي الثامن واالستون

   
 
 
 
 

ضربة مسرح اختتمت أمس مهرجان كانّ السينمائي (13 - 24 الجاري). التوقيع: الأخوان كووين الأميركيان، رئيسا لجنة تحكيم الدورة 68. الحدث غير المتوقع: اسناد "السعفة الذهب" إلى المخرج الفرنسي جاك أوديار عن فيلمه "ديبان". لوهلة، اعتقدنا أنفسنا في أحد أفلام هذا الثنائي الذي جاء الى المهرجان ضاحكاً وغادره محمّلاً الهموم. طوال الأيام الـ12 التي استغرقتها التظاهرة السينمائية الكبرى في العالم، لم يعبر في بال أحد أن تذهب الجائزة المهيبة الى جديد مخرج "نبي" الذي عُرض للصحافة صباح الخميس الفائت، وانقسم حوله النقّاد كما معظم أفلام هذه الدورة. يقال ان كثراً من السينمائيين لا ينالون جوائز عن أفضل أعمالهم. "ديبان"، بالنسبة الينا على الأقل، ليس أفضل ما قدّمه صاحب الروائع السينمائية، من مثل "من الخفقان قلبي توقف"، و"عن الصدأ والعظم" و"على شفتي". الفوز الكاسح لـ"ديبان" كان الأجدر بفيلمه "نبي" أن يحققه، الا انه اكتفى آنذاك في العام 2009 بجائزة لجنة التحكيم الكبرى. كأن نبي أوديار يثأر للمهاجرين!

"ديبان" لجاك أوديار: "سعفة" كانّ 68

"ديبان" كان واحداً من أكثر أفلام المسابقة بهتاناً. المشكلة، عموماً، كانت كبيرة مع الأفلام الفرنسية التي اختارها المهرجان داخل المسابقة الرسمية. "ملكي" لمايوان (نالت ممثلته ايمانويل بركو جائزة التمثيل مناصفة مع روني مارا عن دورها في "كارول" لتود هاينز) و"مارغريت وجوليان" لفاليريا دونزيللي، تعرّضا لسخرية الصحافة الدولية ونالا بعد فيلم غاس فان سانت الكارثي، أدنى العلامات في تقويمات النقاد المنشورة في مجلة "سكرين". يأتينا أوديار بفيلم غير مقنع لا يعلن فيه اي موقف من قضية الهجرة غير الشرعية التي يصوّرها واضعاً ايانا في منطقة التباس شامل وكامل.

أوديار البالغ من العمر 63 عاماً هو نجل ميشال أوديار، أشهر كاتب حوارات في السينما الفرنسية. المراجع تحفل بمقتطفات من الحوارات الطريفة التي ألّفها لعدد كبير من كلاسيكيات السينما الفرنسية. أوديار الإبن شقّ طريقه بخطى بطيئة ولكن أكيدة وعنيدة. بعد "انظر الرجال يسقطون"، شاهدنا له "بطل محتشم"، تجربته الاخراجية الثانية، وكان عملاً سليماً ومضبوطاً لسينمائي اكتسب أصول المهنة من خلال ممارسته فنّ المونتاج أولاً، ومشاركته في كتابة السيناريوات ثانياً. معه، تعود "السعفة" الى فرنسا، بعد سنتين من فوز "حياة اديل" لعبد اللطيف كشيش بها.

"ابن شاوول" للازلو نَمَس: الجائزة الكبرى

الجائزة الثانية من حيث الأهمية، اي ما يُعرف بـ"الجائزة الكبرى"، كانت مستحقة. فمنذ عرض "ابن شاوول" (نال ايضاً جائزة فيبريسي)، وضعنا مخرجه الشاب لازلو نَمَس (38 سنة) أمام جوهرة من جواهر كانّ، لا يمكن نكران بريقها. يتحدر هذا المجري من عائلة وقفت في وجه النظام الشيوعي، وهو خلاصة اللقاء بين ثقافتين، مجرية وفرنسية. عمل لسنتين مساعد مخرج للمعلم المجري بيللا تار، فترك فيه بعضاً من روحه السينمائية، علماً ان نَمَس لم ينكر انه استلهم فيلمه هذا من "تعالَ وشاهد"، رائعة ايليم كليموف عن المجازر التي ارتكبها النازيون في روسيا البيضاء. "ابن شاوول" تجري فصوله في داخل محرقة في أوشفيتز، في تشرين الأول من العام 1944. لا يخفي نَمَس انه انطلق من رغبة ملحّة لديه في أن يصوّر اولئك الذين خسروا أرواحهم فيها وليس مَن تمّ انقاذهم، فقط لاعادة الاعتبار الى ضحاياها وليس الى الناجين. تجربة قاسية على المُشاهد في كل الاعتبارات، اذ يضعنا الفيلم طوال ساعتين من الزمن في الجحيم!

"القاتلة" لهاو شياو شيين: جائزة الاخراج

المعلّم التايواني هو شياو شيين الذي روّجت الصحافة الفرنسية ترويجاً راديكالياً لفيلمه "القاتلة"، تُوِّج بجائزة الاخراج ("ميز ان سين"). في صحيفة "ليبيراسيون"، كتب الناقد المعروف ديدييه بيرون ممازحاً في مقالته التمجيدية عن الفيلم، انه اذا لم ينل شياو شيين "السعفة"، فسيستل السيف، لأن الأمور لن تسلم، وعلى لجنة التحكيم أن تبحث عن باب الطوارئ. بعد سبع سنوات غياب عن السينما، وعدد من التحف السينمائية، من مثل "ثلاثة أزمنة" و"ميلينيوم مامبو"، يعود شياو شيين الى صين القرن التاسع عندما كانت تحت حكم سلالة تانغ. طبعاً، لا غبار على الفيلم من الناحية الاخراجية وإن كنا نميل ايضاً الى اخراج فيلم آخر هو "سيكاريو" لدوني فيلنوف. "القاتلة" يسجل المشاركة السابعة لرائد السينما التايوانية في كانّ، وهو لم يتوانَ عن الاعلان خلال تسلمه الجائزة من يديّ فاليريا غولينو انه بات صعباً عليه انتاج أفلامه.

لاندون وبركو ومارا: جائزة التمثيل

"قانون السوق" لستيفان بريزيه يتحدث عن رجل عادي "من الشعب"، يخسر وظيفته، وتترتب عليه اعالة زوجته وابنه ذي الاحتياجات الخاصة، فينزلق تدريجاً في فخّ الليبيرالية المتوحشة التي تحكم أوروبا، ويبصح لقمة سائغة في فمها الكبير. هذا الفيلم الذي يتولى بطولته فنسان لاندون (هو منتجه ايضاً) جعله ينال جائزة التمثيل. كانت طلة لاندون مشبعة بالانسانية، صادقة وعميقة. وكمّ كان مؤثراً خلال المؤتمر الصحافي. كادت دمعة تتدحرج من عينيه. قال: "عندي شعور بأن كلّ الادوار التي اضطلعتُ بها في حياتي وُجدَت كي تفضي بي الى هذا الدور. المخرج ستيفان بريزيه أثار فيَّ اشياء لم أكن اعرفها عني. كنت اجهل انني اعبّر الى هذه الدرجة وأنا صامت مثلاً. أحب التمثيل لأنه يسمح لي بأن أكون انتم وبأن تكونوا أنا. لم أعد في الخامسة عشرة، أنا رجل في الخامسة والخمسين، وفي مثل هذا العمر نتأمل كثيراً ولا نتوقع شيئاً، او نتوقع كثيراً ولا نتأمل شيئاً. هذه الجائزة الأولى انالها في حياتي".

لانتيموس وفرنكو: تحكيم وسيناريو

ابن كانّ، اليوناني يورغوس لنتيموس، كوفئ عن عمله البديع "سرطان البحر" بجائزة لجنة التحكيم وإن كان يستحق أيضاً جائزة السيناريو (ذهبت الى ميخيل فرنكو عن "كرونيك" مع تيم روث في دور رجل محتضر)، لكن النظام الداخلي للمهرجان لا يسمح بإسناد أكثر من جائزة إلى فيلم واحد ــ مع التذكير بأن الأخوين المحكّمين نالا ثلاث جوائز من يد رومان بولانسكي يوم عرضا في كانّ تحفتهما "بارتون فينك" (1991). ولكن مذذاك، تغيّرت أشياء كثيرة على الكروازيت. في "سرطان البحر"، يلقي بنا لنتيموس في مجتمع مستقبلي حيث العثور على شريك ليس خياراً بل واجب. بعد موت زوجته، يقرر مهندس معماري (كولن فارل) الذهاب للعيش في فندق فاخر. بيد ان للعيش في هذا الفندق شروطاً صارمة: فالضيف لديه 45 يوماً ليعثر على توأم روحه من بين قاطني الفندق، والاّ تحول حيواناً. لحسن الحظ، يحقّ له ان يكون الحيوان الذي يريده.

ايلي داغر: "سعفة" الفيلم القصير

لعل الحدث الاستثنائي الذي رافق حفل ختام الجوائز في مسرح "لوميير" هو نيل الفيلم اللبناني، "موج 98"، لإيلي داغر جائزة "السعفة الذهب" في فئة الفيلم القصير. فئة ترأس تحكيمها المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو وكانت عضويتها للمخرجة اللبنانية جوانا حاجي توما. "موج 98" فيلم تحريك من 14 دقيقة ونصف دقيقة، التقط داغر المَشاهد بالتصوير الحيّ قبل ان يحوّلها الى تحريك. المخرج البالغ من العمر 30 عاماً متخرج في جامعة "ألبا" اللبنانية ويقيم حالياً في بلجيكا، وفيلمه هذا هو أول شريط لبناني، لا بل عربي، يفوز بمثل هذه الجائزة في كانّ.

أنييس فاردا: "سعفة فخرية"

لحظة مفعمة بالمشاعر كانت أيضاً لحظة صعود المخرجة الفرنسية الكبيرة أنييس فاردا ( 86عاماً) وفوزها بـ"سعفة" فخرية عن مجمل أعمالها (بدأت في العام 1955)، فاستعرضت مسيرتها بكلمات بسيطة قائلة ان أفلامها لم تدر الأرباح يوماً، ثم حكت كيف جاءت الى كانّ للمرة الاولى، وكيف عرضت فيلمها الأول في صالة استأجرتها في شارع أنتيب (المحاذي للكروازيت)، وحضر العرض آنذاك نحو من 40 شخصاً، وكان ذلك بناء على نصيحة من أندره بازان. "النهار" كانت قد نشرت مقابلة معها أجريت في مهرجان لوكارنو الأخير (كرّمها ايضاً)، وكانت تقول فيها: "الحرية عندي هي الاّ ألهث خلف المال والنجاح. الحرية هي احياناً الاّ أربح شيئاً وان أقول في ذاتي "انا حرة"!

باولو سورنتينو: أسوأ مخرج في العالم!

وأعلن العضو في لجنة التحكيم المخرج الكندي كزافييه دولان (أصغر الأعضاء سنّاً) انه يشعر نفسه شخصاً أفضل بعدما شاهد كل هذه الأفلام وأمضى ساعات يناقشها مع رفاقه في اللجنة، وكان النقاش يشمل أصغر تفاصيل العمل. في حين قالت زميلته الاسبانية روزي دو بالما ان فعل المشاهدة جعلها تدرك كمّ ان انجاز فيلم أمرٌ صعب. بيد ان الخاسر الكبير في هذه الدورة كان المخرج الايطالي باولو سورنتينو وفيلمه "شباب" الذي قيل انه تم استبعاده انسجاماً مع الحملة التي شُنّت ضده في الصحافة، اذ كتبت مجلة "ليه انروكوبتيبل" ان سورنتينو هو أسوأ المخرجين في العالم. واضح ان الناقد رومان بلوندو صاحب هذا الكلام، لا يشاهد الكثير من الأفلام العربية!

اللبناني ايلي داغر أول عربي يفوز بـ"سعفة" الفيلم القصير في مهرجان كانّ

المصدر: "النهار" - كانّ - هوفيك حبشيان

نال الفيلم اللبناني "موج 98" لايلي داغر جائزة "السعفة الذهب" للفيلم القصير في مهرجان كانّ السينمائي الذي اختتم قبل قليل دورته الثامنة والستين بفوز المخرج الفرنسي جاك اوديار بجائزة "السعفة الذهب" عن فيلمه "ديبان".

يقع "موج 98" في 14 دقيقة وينتمي الى نوع التحريك، بيد ان داغر صوّر المشاهد باللقطات الحية قبل ان يحوّلها الى فيلم تحريك. المخرج البالغ من العمر 30 عاماً خريج جامعة الـ"ألبا" اللبنانية ويقيم حالياً في بلجيكا، وفيلمه هذا هو اول شريط عربي يفوز بهذه الجائزة، وقد ترأس لجنة تحكيم هذا القسم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو الذي اختاره بين 9 افلام اخرى.

"موج 98" يغوص في اعماق بيروت بنحو يتأرجح بين السوريالية والطرح الجدي من خلال عمر الذي يظهر امامه وسط المباني فجأة تمثال فيل ضخم يذهب جراءه الى عالمٍ موازٍ.

النهار اللبنانية في

25.05.2015

 
 

سعفتان في كانّ 68: واحدة لفرنسي وثانية للبناني!

هوفيك حبشيان

ديبان الذي يضطلع بدوره (جيسوثاتان انطونيثاسان)، هو بطل فيلم المخرج الفرنسي جاك أوديار الذي نال مساء أمس "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ السينمائي (13 ــ 24 أيار)، ما تسبب بخيبة أمل كبيرة كون الشريط لا يرتقي الى بعض الأعمال المهمة التي عرضت داخل المسابقة. لا أحد كان يتوقع فوز أوديار، ابن مهرجان كانّ، المشارك فيه مراراً والفائز فيه مرتين. فالأسماء التي تمّ التداول بها كانت إما الأميركي تود هاينز عن فيلمه "كارول" أو التايواني هو شياو شيين عن "القاتلة". الا ان لجنة التحكيم بقيادة جويل وايثان كووين قررا مفاجأة الجميع وتسجيل موقف سياسي انساني ايديولوجي من قضية المهاجرين في الغرب. لا بل أكثر من ذلك: يبدو ان تعليمات الأخوين لباقي أعضاء اللجنة كانت البقاء في دائرة الأمل وردّ الاعتبار الى أفلام تنطوي على قدر من الايجابية. أما المخرج الايطالي باولو سورنتينو الذي انقسم حوله النقاد انقساماً غير مسبوق، فتم استبعاد فيلمه "شباب" مع مايكل كاين وهارفي كايتل، وحتى انه شٌنت عليه حملة من جانب الصحافة. احدى المجلات الفرنسية اعتبرته "أسوأ مخرج في العالم". 

على المهاجر ديبان في فيلم أوديار المرور بدرب الجلجلة كي يستحق صفة المواطن، ولكي يولد مجدداً من اثامه في مجتمع فرنسي يعطيه بيد ويأخذ بيد اخرى. يمضي مخرج "نبي" معظم مدة فيلمه "ديبان" وهو يراقبه يتطور في وطنه الجديد، يدير "خده الأيسر" كلما ضربوه على الأيمن، والى ما هنالك من تفاصيل معيشية تحتاج الى طول اناة. بيد ان الطبع يغلب التطبع، فمهاجرنا الذي يقيم في أحد الأحياء الشعبية المكتظة بالمهاجرين يتحول فجأة الى آلة انتقام في مشهد الختام الأبوكاليبتي الذي يعيد أوديار الى مكانته الاخراجية الصحيحة، ولكن... متأخراً. هذه المرة، لا يستعين مخرجنا الكبير بممثلين معروفين يضمنون له ايرادات عالية في شبّاك التذاكر. "ابطال" جديده أقليات آسيوية هربت من الصراع في سري لانكا الذي نتج منه 200 ألف قتيل بين 1983 و2009. نقتفي خطى "عائلة" منذ صعودها في القوارب غير الشرعية حتى وصولها الى المنفى الفرنسي وطلبها اللجوء السياسي.

بقية الجوائز كانت منصفة الى حدّ كبير. لازلو نَمَس كان "يجب" أن يعود الى بلاده هنغاريا بجائزة ما عن فيلمه "ابن شاوول"، فذهبت إليه "الجائزة الكبرى"، ومعروف تاريخياً انها الأقرب الى قلوب مانحيها. الفيلم "معجزة سينمائية" كما قال احد النقاد، يغوص بنا في أعماق جحيم الهولوكوست، لاغياً عدداً كبيراً من الأفلام التي تتصدى للمحرقة، اذ ان المبدأ الذي يستند اليه الفيلم هو التركيز على الضحايا وليس على الناجين. المعلم التايواني هو شياو شيين خطف جائزة الاخراج عن "القاتلة"، الفيلم المفضل لعدد من الصحافيين الفرنسيين، حتى ان ناقد صحيفة "ليبراسيون" قال انه سيقتحم المهرجان اذا لم ينل رائد السينما التايوانية "السعفة". بيد انه امتنع عن ذلك أمس لحسن حظنا جميعاً. هذا أول فيلم لشياو شيين منذ سبع سنوات، انه درسٌ في الاخراج السينمائي يعود فيه الى صين القرن التاسع خلال حقبة سلالة تانغ.

احدى أروع الجوائز في كانّ هذا العام كانت تلك التي نالها الممثل الفرنسي فنسان لاندون عن دوره في "قانون السوق" لستيفان بريزيه. رجل يخسر وظيفته ويجد نفسه في الدوامة البيروقراطية، حيث عليه من جانب اعالة زوجته وابنه المعوق ومن جانب الحفاظ على كرامته. الفيلم ادانة للنظام الليبرالي في اوروبا حيث قانون السوق هو المسيطر. خلال حديثه مع الصحافيين، بدا لاندون متأثراً، فهذه أول جائزة ينالها الفنان الكبير في حياته رغم الترشحيات الكثيرة التي نالها سابقاً. قال لاندون انه كان لديه شعور ان كلّ الأدوار التي اضطلع بها في حياته وُجدَت كي تفضي به الى هذا الدور. أما جائزة التمثيل النسائي، فكانت من نصيب روني مارا (عن دورها في "كارول" لتود هاينز)، نالتها مناصفة مع ايمانويل بركو عن أدائها في "ملكي" لمايوان. اليوناني الشاب يورغوس لنتيموس، لم يعد خال الوفاض، فنال جائزة لجنة التحكيم عن شريطه العجائبي "سرطان البحر": فندق يأوي نزلاء يُطلب منهم أن يعثروا على توأم روحهم فيه تحت خطر تحولهم الى حيوان. المكسيكي ميخيل فرانكو بدوره نال عن "كرونيك" حول رجل محتضر، جائزة السيناريو.

في المقابل، نال المخرج اللبناني ايلي داغر، خريج "ألبا" والبالغ من العمر 30 عاماً، "السعفة الذهب" للفيلم القصير عن "موج 98". هذه أول مرة ينال عربي هذه الجائزة، ما يشكل حدثاً في ذاته، علماً ان المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو ترأس لجنة تحكيم هذه اللجنة وكان من بين اعضائها المخرجة اللبنانية جوانا حاجي توما. بـ15 دقيقة، يحمل داغر المشاهد الى عالم مواز صحبة الشاب اليائس عمر. الفيلم من نوع التحريك، بيد ان مشاهده التُقطت بالتصوير الحيّ قبل تحويلها الى تحريك. يقول داغر ان شخصية عمر تعكس شيئاً منه، كون الفيلم تدور حوادثه في التسعينات، اي في المرحلة التي ترعرع فيها. في تلك الأيام كان الأمل حاضراً، أما اليوم، فذهب الاحلام أدراج الرياح. يُذكر ان "موج 98" الممول جزئياً من "الصندوق العربي للثقافة والفنون" جاء نتيجة جهود شخصية ومبادرات فردية، ولم يحظ بأي دعم رسمي من الدولة التي لا تلتفت الى المواهب سوى بعد تكريمها في الخارج.

المدن الإلكترونية في

25.05.2015

 
 

فيلمان قصيران ولكن كبيران لمخرجين من لبنان وفلسطين

رسالة مهرجان كان: سمير فريد

فى مسابقة الأفلام القصيرة ٩ أفلام أغلبها جديرة بالفوز بالسعفة الذهبية، وهى الجائزة الوحيدة فى المسابقة. ويرأس لجنة التحكيم لمسابقتى الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة المخرج الموريتانى عبدالرحمن سيساكو، وهو أول مخرج عربى يرأس لجنة تحكيم فى تاريخ مهرجان كان، ويشترك فى عضويتها الممثل البولندى الكبير دانييل أولبرسكى، والممثلة البلجيكية سيسيل دى فرانس، والمخرجتان الفرنسية ريبكا زلوتوسكى، واللبنانية جوانا حاج توماس.

ومن بين الأفلام التسعة فيلمان من العالم العربى، وهما الفيلم التشكيلى (التحريك) اللبنانى «موج ٩٨» إخراج إيلى داغر، والفيلم الفرنسى «السلام عليك يا مريم» إخراج الفلسطينى باسل خليل، وكلاهما من الأعمال الفنية الكبيرة. بل إن فيلم «موج ٩٨» حدث فى تاريخ السينما العربية لأنه أول فيلم عربى من هذا الجنس من أجناس الفن السينمائى الثلاثة (روائى- تسجيلى- تشكيلى) يشترك فى مسابقة أحد المهرجانات الدولية الكبرى الثلاثة (برلين- كان- فينسيا).

«موج ٩٨»

«موج ٩٨» الفيلم الأول لمخرجه الذى ولد عام ١٩٨٥، وتخرج فى أكاديمية الفنون الجميلة فى بيروت عام ٢٠٠٧، وفى كلية جولد سميث فى لندن عام ٢٠٠٩. ويعبر الفيلم عن رؤية مخرجه لمدينته بيروت من خلال شخصية الشاب عمر عام ١٩٩٨.

الشاب فى نفس الوقت رجل تجاوز السبعين، أو فقد شبابه فى المدينة التى تعانى الحروب والاضطرابات منذ عدة عقود، ونراه يتذكر طفولته، وفى حال من الدهشة المستمرة تجاه كائن خرافى يجثم على بيروت. إنها رؤية سينمائى شاعر ومفكر. وينتمى أسلوب الفيلم إلى ما بعد الحداثة حيث يجمع بين التسجيلى والتشكيلى بحيث لا تستطيع أن تفرق بين ما هو واقعى إلى درجة التسجيل وخيالى إلى درجة التشكيل المجرد. إيلى داغر المخرج وكاتب السيناريو والمنتج ومصمم التحريك والمونتير، ويعلن فيلمه عن مولد مؤلف سينمائى بامتياز.

«السلام عليك يا مريم»

أما الفيلم الفرنسى الروائى القصير «السلام عليك يا مريم» فهو الفيلم الثالث لمخرجه الفلسطينى الذى ولد فى الناصرة عام ١٩٨١، وعمل مساعداً مع فنان السينما الفلسطينى الكبير إيليا سليمان قبل أن يخرج الفيلم الروائى القصير «بينج بونج الانتقام» عام ٢٠٠٥، والفيلم التسجيلى الطويل «دورة الانتقام» عام ٢٠٠٦.

باسل خليل من عرب إسرائيل الذين يعانون من اليهود والعرب معاً، ويعبر فيلمه بعمق، وبأسلوب سينمائى خالص عن العلاقة المعقدة بين العرب واليهود فى فلسطين، وذلك من خلال موقف يجعله نموذجاً للفيلم القصير، والذى يتصوره البعض تلخيصاً لفيلم طويل.

طريق فى الضفة الغربية صباح يوم سبت فى الزمن الحاضر أمام دير «راهبات الرحمة»، ولافتة «احترس من الألغام» بالعربية والعبرية تبدو بوضوح على جانب الطريق. داخل الدير الراهبات يتناولن طعام الإفطار، وعلى شريط الصوت يدوى صوت ارتطام، ونرى أمام مدخل الدير سيارة انحرفت واصطدمت فى تمثال للعذراء وتعطلت. وفى داخل السيارة ثلاثة من يهود إسرائيل، وهم قائد السيارة الشاب وزوجته ووالدته العجوز المقعدة.

يطلب اليهود العون من راهبات الدير، ويدخلون، ولكن الشاب اليهودى لا يريد استخدام التليفون طلباً لإصلاح السيارة لأن يوم السبت قد حل، ويحرم فيه استخدام الآلات. وعندما تساعده إحدى الراهبات لا يجد من يصلح السيارة. وأخيراً تهتدى رئيسة الدير إلى الحل، وهو إعارته سيارة كانت لراهبة توفيت على أن يعيدها فى اليوم التالى.

إنه موقف بسيط فى ظاهره، ولكنه يكشف عن التطرف الدينى اليهودى، وعن التوجس وعدم الثقة بين اليهود والعرب حتى لو كانوا راهبات فى دير. وذلك من خلال التفاصيل الصغيرة فى الحوار الذى يصل إلى درجة اقتراح الزوجة اليهودية الاتصال بالجيش لإنقاذهم. وتوحى هذه التفاصيل بارتباك الجميع وخشية كل منهم أن يلمس الآخر، أو يتعاطف معه، وعلى نحو يفيض بالطرافة، والتى تصل فى لحظات إلى حد الفكاهة المريرة.

أفلام الطلبة الفائزة

وحسب تقاليد المهرجان أعلنت جوائز مسابقة أفلام الطلبة الثامنة عشرة يوم الجمعة، وأعلنت جوائز مسابقة «نظرة خاصة» وجوائز الاتحاد الدولى للنقاد (فيبريسي) يوم السبت، وذلك حتى يكون يوم الأحد لإعلان جوائز مسابقتى الأفلام الطويلة والقصيرة فقط.

جوائز مسابقة أفلام الطلبة الوحيدة التى لها قيمة مالية إلى جانب القيمة الأدبية. وقد فاز بالجائزة الأولى (١٥ ألف يورو) الفيلم الأمريكى الروائى «مشاركة» إخراج بيب بيتكو، عن طالبة يوضع لها مشهد على فيس بوك وهى تمارس الجنس، فتصبح فى أزمة.

وفاز بالجائزة الثانية (١١ ألفا و٢٥٠ يورو) الفيلم الشيلى الروائى «ملكات ضائعات» إخراج إيجناسيو جورسيس ميرلان الذى تدور أحداثه عام ١٩٩٦ عن شاب فى مقتبل العمر يقبض عليه وهو يرتدى ملابس النساء فى هجوم للشرطة على حفل للمثليين، ولا يدرى الشاب كيف يتصرف مع أسرته عندما يذاع الخبر فى التليفزيون.

وفاز بالجائزة الثالثة (٧ آلاف و٥٠٠ يورو) الفيلم الروسى الروائى «عودة أركين» إخراج ماريا جوسكافا عن سجين يغادر السجن بعد أن يقضى عقوبته، فترفضه أسرته ولا يجد إلا عملاً بسيطاً فى فرز القطن، ولكن عندما توجه إليه الدعوة لحضور حفل زفاف، يلبى الدعوة ويرقص فى الحفل ويبدأ استعادة الشعور بالحياة مرة أخرى.

وتقاسم الجائزة الثالثة الفيلم الإسبانى الروائى «فيكتور» إخراج إيان كاريدو لوييز، وهو أفضل هذه الأفلام الفائزة، والوحيد منها الذى يرقى لمستوى التحفة، ولا أحد يدرى بأى منطق يفوز بالجائزة الثالثة ومناصفة مع فيلم آخر.

يعبر الفيلم المصور بالشاشة العريضة بالألوان بجمال كبير وحرفية عالية عن حياة مراهق له جسد أنثى حتى إنه يرتبط بعلاقة مثلية مع فتاة، ولكنه فى نفس الوقت يريد الارتباط بفتاة أخرى، وعندما تراه الفتاة المثلية معها يقول لها إنه رجل. وفى المشهد الأخير نراه يحلق شعره بالكامل والدموع تتساقط من عينيه. ويخلو الفيلم من أى لقطات ذات طبيعة بورنوجرافية، ويعتبر قصيدة من الشعر السينمائى الخالص.

جوائز نظرة خاصة

رأست الممثلة الأمريكية إيزابيللا روسيللينى لجنة تحكيم مسابقة «نظرة خاصة»، واشترك فى عضوية اللجنة المخرجتان اللبنانية نادين لبكى والسعودية هيفاء المنصور والمخرج اليونانى بانوس هـ. كورتاس والممثل الفرنسى طاهر رحيم، وجاءت الجوائز على النحو التالى:

أحسن فيلم «الكباش» إخراج جريمور هاكونارسون (أيسلندا).

جائزة لجنة التحكيم «الشمس العالية» إخراج داليبور ماتانيك (كرواتيا).

أحسن إخراج «رحلة إلى الشاطئ» إخراج كيوشى كوروساوا (اليابان).

جائزة الموهبة «الكنز» إخراج كورنيليو بورومبيو (رومانيا).

جائزة المستقبل الواعد «الطيران وحيداً» إخراج نيراج جايوان (فرنسا).

مع «ناهد» إخراج إيدا بانا هاندى (إيران).

جوائز فيبريسي

وفاز بجوائز لجنة تحكيم فيبريسى، والتى اشترك فى عضويتها الناقد رامى عبدالرازق ممثلاً لجمعية نقاد السينما المصريين، الفيلم المجرى «ابن سول» إخراج لازلو نيمس كأحسن أفلام المسابقة، والفيلم الفرنسى «الطيران وحيداً» كأحسن أفلام «نظرة خاصة»، والفيلم الأرجنتينى «باولينا» إخراج سانتياجو ميترى الذى عرض فى «أسبوع النقاد» كأحسن أفلام البرنامجين الموازيين، وهما برنامج الأسبوع وبرنامج «نصف شهر المخرجين».

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

25.05.2015

 
 

«ماكبث».. ولماذا هتف النقاد «راؤول.. راؤول»؟

طارق الشناوي

تكرر كثيرًا اسم راؤول، الناقد السينمائى الفرنسى، الذى صار يتردد اسمه فى قاعتَى العرض الرئيسيَّتَين المتخصصتَين للصحافة، «لوميير» و«دى بى سى»، طوال السنوات الماضية، فأصبح أقرب إلى كلمة سر، يبدو لى وكأنه تعبير عن الغضب بسبب تردّى حال أفلام المهرجان هذه الدورة، بمجرد أن تُطفأ الأنوار فى العرض الصحفى تستمع إلى كُثر يرددون تباعًا: راؤول راؤول، وحكى لى الراحل الكاتب والناقد الكبير، رفيق الصبان، قبل بضع سنوات حكاية راؤول، فلقد تعوَّد عند بداية حضوره بالمهرجان فى ستينيات القرن الماضى وقبل أن يبدأ العرض أن يعلو صوته باسمه على سبيل الدعابة، وبعد رحيله قرر النقاد الفرنسيون من تلاميذه وأصدقائه فى ما بينهم كأسلوب لتخليد اسمه أن يذكروه كلما حانت الفرصة، أى عندما تُطفأ أنوار صالة العرض، ولكن هذه المرة شعرت من فرط التكرار أن الاسم صار مرادفًا للاحتجاج.

جاءت نهاية مهرجان كان فى هذه الدورة بالفيلم البريطانى المأخوذ عن رائعة شكسبير «ماكبث»، للمخرج جاستين كارزيل، ليتجدَّد طرح السؤال عن العديد من الأعمال الأدبية التى شاهدناها فى أفلام روائية فى هذه الدورة من عمر المهرجان، فهل يعنى ذلك أن الأدب سيعود مجددًا ليسيطر على الموقف؟ هذا العام كانت لدينا أفلام «ماد ماكس» و«الأسفلت» و«قصة حب وظلام» و«بحر الأشجار» و«شباب» و«الأمير الصغير»، وأخيرًا «ماكبث»، مأخوذة عن أعمال أدبية. لا أتصور أن الأمر يحمل دلالة قاطعة على عودة حثيثة للأدب ولا هو بمثابة صلح مع الرواية أو المسرحية، فلم يكن هناك خصام حتى يُعقد صُلح.

المؤكد أن الأدب لا يمكن أن يختفى من السينما، فهو أحد المصادر الرئيسية للفيلم، فى أحيان كثيرة يصبح هو البنية التحتية والعمود الفقرى للشريط السينمائى، إلا أن هذا فى كل الأحوال لا يعنى بالقطع أنه الطريق الصحيح لصناعة الفيلم، فلا يمكن أن نتصوَّر أن الوصفة السحرية لسينما صحيحة هى الأدب. البعض على سبيل الاستسهال يعلن نعم أن السينما تضمن الحياة عندما يصبح الأدب هو المرجعية. الأدباء الكبار كثيرًا ما نهلت السينما من أدبهم.. ولا تزال تحقّق أفلامهم عادة القدر الأكبر من الإقبال الجماهيرى.. وسوف نجد مثلًا فى السينما المصرية أن كلًّا من إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ، هما صاحبا الرصيد الأكبر، إذ قدمت السينما لكلٍّ منهما ما يقترب من 50 عملًا روائيًّا، ولا تزال بعد رحيلهما تستقى من أدبهما لتطعم به الشاشة الفضية، مع ملاحظة أن السينما فى البدايات كانت محملة أكثر بمشاعر روائية.

لو أحصينا الأفلام التى دخلت تاريخنا المصرى، لوجدنا قسطًا وافرًا منها مأخوذًا عن أعمال أدبية.. أقول قسطًا وافرًا وليس القسط الأكبر.. وسوف أضرب لكم مثلًا عمليًّا بالأرقام.. أهم عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية طبقًا للاستفتاء الذى أشرف عليه الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة، باعتباره رئيسًا لمهرجان القاهرة الدولى السينمائى، وذلك عام 1996، وشارك فيه مئة من النقاد والفنانين والفنيين، أسفر عن «العزيمة»، و«الأرض»، و«المومياء»، و«باب الحديد»، و«الحرام»، و«شباب امرأة»، و«بداية ونهاية»، و«سواق الأوتوبيس»، و«غزل البنات»، و«الفتوة».. الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هى «الأرض»، عبد الرحمن الشرقاوى، و«الحرام»، يوسف إدريس، و«بداية ونهاية»، نجيب محفوظ.. أى أن النسبة لم تتجاوز 30%!

يجب أن نفرّق بين القصة السينمائية والقصة الروائية، «شباب امرأة» مثلًا هى قصة سينمائية صاغها أمين يوسف غراب، وليست رواية.. «سواق الأوتوبيس» شارك فى كتابة القصة السينمائية كل من محمد خان وبشير الديك.. «الفتوة» قصة سينمائية صاغها محمود صبحى وفريد شوقى، وشارك فى كتابة السيناريو نجيب محفوظ!

يظل المعيار هو قدرة المخرج على أن يمنح القصة الإحساس السينمائى.. الفن السينمائى مرتبط دائمًا بتعبير الفن السابع، لأنه يجمع فى داخله الفنون الأخرى.. القصة، والمسرحية، والموسيقى، والشعر، والرسم، والعمارة.. ليس تجميعًا لها بقدر ما هو تفاعل بين تلك العناصر.. فتذوب المكونات الأساسية لكل مادة، لنجد أنفسنا بصدد نتاج مختلف.. السينما منذ نشأتها عام 1895 وهى تبحث عن السينما الخالصة.. نعم، بدت السينما فى وقت ما مجرد حكاية أو قصة تروى على الشاشة مثلما نقرؤها فى كتاب. خضعت السينما فى البدايات فى العالم كله لقالب أقرب إلى الحدوتة أو الحكاية.

من الممكن مثلًا أن نضع نموذج فيلم «الكيت كات» عن قصة «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، وهو أنجح فيلم جماهيرى للمخرج داوود عبد السيد، وأيضًا لبطل الفيلم محمود عبد العزيز، وواحد من أهم ما قدّمته السينما المصرية عبر مشوارها، واحتل الفيلم المركز الثامن كأفضل فيلم عربى فى الاستفتاء الذى أجراه مهرجان دبى عام 2013.

وحصد أيضًا العديد من الجوائز الذهبية، سواء فى مهرجانات دمشق وبينالى السينما العربية بباريس وقرطاج وغيرها.. لو أن «مالك الحزين» استحوذ عليها مخرج آخر ربما كنا سنجد أنفسنا بصدد تحفة اسمها مغامرات «الشيخ حسنى» النسائية، أو «حسنى بوند»، داوود افترس النص الأدبى ولم يلتزم حرفيًّا به، وقدَّم من خلاله روح السينما وليس صدى للرواية.

نعم، الأدب يدعم السينما ويمنحنا أفلامًا تدخل فى نسيج حياتنا وليس فقط فى تاريخ السينما، فهل ينسى أحد «دعاء الكروان» لهنرى بركات، الذى استمتعنا فيه ليس فقط بقصة طه حسين، ولكن أيضًا بصوته فى دور الراوى.. إلا أن رائعة «دعاء الكروان» لو ذهبت إلى يد مخرج آخر، فمن الممكن أن نجد أنفسنا نشاهد تحفة «دلّعنى يا زغلول»!

كثيرًا ما نلاحظ تبادل النيران بين الكاتب الروائى والمخرج السينمائى، كل منهما يؤكد أنه يدافع عن حقوقه وأرضه، ومنذ بدايات السينما ونحن نقرأ سيلًا من هذه الاتهامات، بدأت عندما كتب الكاتب الكبير أحمد الصاوى محمد، فى أربعينيات القرن الماضى، نقدًا لاذعًا لفيلم «رصاصة فى القلب» لتوفيق الحكيم، إخراج محمد كريم، وبطولة محمد عبد الوهاب، حيث كان عنوان المقال «رصاصة فى قلب توفيق الحكيم»، ولم يتوقف حتى الآن بين الطرفين تبادل إطلاق النيران. ورغم ذلك لو سألتنى عن أروع الأعمال فى مهرجان كان لقلت لك الفيلم الإيطالى «شباب» المأخوذ عن عمل روائى بنفس الاسم، بينما الكاتب الأول فى العالم وسيد الكلمة والذى قدّمت له السينما مسرحيته «ماكبث» بعشرات من المعالجات الدرامية والتى يعتبرها الكثيرون من نقاد الأدب هى أفضل ما قدَّمته قريحة شكسبير، ولكن جاءت لنا فى نهاية المهرجان بشريط سينمائى لا يحمل أى رؤية خاصة، لم يكن أبدًا ختامها مسكًا رغم تصدّر مشهد الختام اسم شكسبير، واستحق المهرجان بالفعل هتاف الاحتجاج راؤول راؤول!

التحرير المصرية في

25.05.2015

 
 

«كان» يكفّر عن ذنوبه: جاك أوديار مكلّلاً بالسعفة!

عثمان تزغارت

عادت السينما الفرنسية لتكتسح جوائز الدورة الثامنة والستين من «مهرجان كان السينمائي». فاز المعلم الفرنسي بسعفة المهرجان عن رائعته «ديبان» التي تحكي تغريبة عائلة من اللاجئين التاميل من جحيم الحرب العرقية في سريلانكا الى أتون العنف العدمي في أحياء الضواحي الباريسية!

كانبعد عامين فقط على “السعفة الذهبية” التي أحرزها التونسي الفرنسي عبد اللطيف قشيش عن رائعته “حياة أديل”، عادت السينما الفرنسية لتكتسح جوائز الدورة الثامنة والستين من “مهرجان كان السينمائي” ليل أمس. هكذا، انتزع المعلم الكبير جاك أوديار (1952) “السعفة الذهبية” عن فيلمه “ديبان”، الذي صوّر تغريبة عائلة من اللاجئين التاميل من جحيم الحرب العرقية في سريلانكا الى أتون العنف العدمي في أحياء الضواحي الباريسية.

بهذا، استطاع “مهرجان كان” أن يكفّر أخيراً عن خطاياه بحقّ أوديار، بعدما حجبت عنه السعفة، مرة أولى، عام ٢٠٠٩، حين قدم رائعته “نبي” (نال “الجائزة الكبرى” وجائزة افضل ممثل لطاهر رحيم)، ثم تعرض لإجحاف أكبر، عام ٢٠١٢، حين خرج فيلمه “عن الصدأ والعظام” بخفي حنين من حفل الجوائز، رغم اجماع رواد الكروازيت على أنه كان جديراً بالسعفة.
اكتساح السينما الفرنسية بثلاث جوائز في المجموع (بالإضافة الى السعفة الفخرية التي منحت الى الفرنسية انييس فاردا، أحد أبرز رموز “الموجة الجديدة”)، قابله إجحاف كبير لحق بالسينما الإيطالية، التي استبعدت تماماً، بالرغم من رائعتي “شباب” لباولو سورنتينو، و”أمي” لناني موريتي اللتين اعتبرتا بالاجماع مشروعي “سعفة”! وكالعادة، كل سنة، يعود السؤال الى الواجهة: ما الذي سيبقى في ذاكرة عشاق السينما من أفلام الدورة الـ ٦٨ من “مهرجان كان السينمائي”؟ هل هي خفة الروح والشباب السبعيني المتقد بحب الحياة “شباب” لباولو سورنتينو أم التراجيديا المعاصرة المشبعة بالنفس الإنساني كـ “ديبان” للفرنسي جاك أوديار؟ هل هي جسارة الخيارات الفنية والتجريبية، كما في “ماكبث” للاسترالي جوستن كورزيل أم أنّ الغلبة ستبقى للسينما الحميمة ذات المنحى الاحتماعي، التي كانت لها حصة الأسد، كمّاً ونوعاً، في الأفلام المتنافسة هذه السنة من “أمي” لناني موريتي الى “أقوى من القنابل” لجوهاكيم ترير، مروراً بـ “كرونيك” لميشال فرانكو، و”ملكي” لمايوان (جائزة أفضل ممثلة لايمانويل بيركو مناصفة مع روني مارا في فيلم “كارول” لتود هاينز)، و”أختنا الصغرى” لهيروكازو كوري إيدا؟

نال اللبناني إيلي داغر السعفة الذهبية للفيلم القصير عن عمله «موج 98»

على مرّ السنين، فرض “مهرجان كان” نفسه بوصفه البارومتر الذي تقاس على ضوئه المواسم الخصبة والسنوات العجاف سينمائياً. من هذا المنطلق، يبدو واضحاً أنّ أفلام هذا الموسم تخيّم عليها الأجواء القاتمة، والقلق الوجودي الناجم عن تراكم الأزمات النفسية والاجتماعية، وانسداد آفاق المستقبل. ولوحظ أيضاً بروز مُلفت للقيم (والمشاكل) العائلية، وللحب بمختلف صيغه وأشكاله، “السوية” والمحظورة، الواقعية والمتخيلة، الممكنة والمستحيلة. تجمع بينها القتامة واليأس والآفاق المسدودة. هذا المنحى تعزّز عبر الجوائز التي منحتها لجنة التحكيم التي يرأسها الأخوان البلجيكيان جويل وإيثن كوين سواء من خلال “سعفة” جاك أوديار، أو عبر الفيلم الفائز بثاني أهم المكافآت في “كان” (الجائزة الكبرى) “ابن شاوول”. كان الأخير فعلاً من المفاجآت الجميلة في هذه الدورة.

إذاً، السعفة الذهبية كانت لجاك أوديار عن فيلمه “ديبان”. وريث «الواقعية الجديدة» الإيطالية كان قد أنجز سبعة أفلام في المجموع، تعد كلّها محطات بارزة ومؤثرة في السينما الفرنسية والعالمية، خلال السنوات العشرين الأخيرة. بعد اشكالية الحب والإعاقة الجسدية في «عن الصدأ والعظام» الذي خطف أربع جوائز «سيزار» (٢٠١٢)، ها هو يطرق موضوعاً مغايراً في “ديبان”. اختار إسناد الأدوار الرئيسية الى ممثلين غير محترفين اختارهم من بين اللاجئين التاميل في باريس، مجازفاً بتصوير عمله هذا كاملاً باللغة السريلانكية. لكن المعلّم الفرنسي ــ كعادته ـــ لم يقدّم ميلودراما تتماشى مع موجة التعاطف الغربية (الكاذبة) مع مآسي المئات من اللاجئين والمهاجرين السريين الذي يقضون في حوادث قوارب الموت في عرض المتوسط. منذ البداية، يكشف الفيلم أنّ بطله «ديبان» يسطو على أوراق الهوية الخاصة بعائلة من المرشحين للهجرة، ماتوا في حادث قبل ستة أشهر. النظرة القاتمة التي سلطها أوديار على واقع أحياء الضواحي الفرنسية، أثار امتعاض كثيرين من النقاد الفرنسيين الحاضرين في «مهرجان كان»، ممن أزعجتهم رؤية وجه فرنسا القبيح في مرآة هذا الفيلم. أما “ابن شاوول” الذي نال الجائزة الكبرى في المهرجان، فيصوّر فيه المجري لازلو نيماس قصة إنسانية مؤثرة تدور في أتون غرف الغاز النازية. فضلاً عن حساسية الموضوع الذي يتناوله، أي المحرقة النازية التي تشكّل جرحاً غائراً في الذاكرة الجمعية الأوروبية، فإن النقاد أشادوا ببنيته الخارجية المحكمة. اعتمد العمل تقنية الكاميرا الإيحائية، مركزاً دائرة عدسته على وجه “شاوول”، العامل اليهودي المسخر من قبل النازيين للمشاركة في ابادة أبناء جلدته، فيما كل مشاهد التقتيل والإحراق البشعة، التي تدور من حوله، يلفها الغموض والضبابية، بسبب هذه الطريقة المبتكرة في ضبط وضوح الكاميرا. فجأة، ورغم آلاف الضحايا الذي كان شاهداً على ابادتهم، يتعلق شاوول بفتى يحاول أن يخفيه لانقاذه من غرف الغاز. ثم حين يقتل، يسرق جثته ويسعى طوال الفيلم للعثور على حاخام لأداء صلاة الموت عليه تمهيداً لدفنه. وبلغ تعلقه به الى درجة أنّه صار يتوهم انه ابنه!

سينمائي مخضرم عاد الى الكروازيت هذه السنة بعد قرابة ربع قرن من الغياب. إنّه التايواني هو هسياو سيان الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم عام 1993، عن فيلمه «سيد الدمى»، وها هو يفوز أمس بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه «القاتل» الذي يتناول مغامرات امرأة قاتلة في ظل حكم سلالة تانغ. وفيما كانت جائزة أفضل سيناريو من نصيب المكسيكي ميشال فرانكو (1979) عن فيلمه “كرونيك”، ذهبت جائزة لجنة التحكيم لـ “جراد البحر” ليورغوس لانثيموس. قدم المخرج اليوناني هنا مرافعة ساخرة ضد العائلة ومؤسسة الزواج، باعتبارهما أشكالاً من التوتاليتارية الاجتماعية التي تسحق حرية الأفراد. وهو هنا يتصور مستقبلاً تطارد فيه الدكتاتورية الأخلاقية كل شخص يُضبط متلبساً بجُرم العزوبية، فيوضع في فندق، وتُمنح له مهلة ٤٥ يوماً ليجد شريكة حياة يتزوجها، وإلا يتم مسخه الى كائن غريب ومنفر!

جائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح لأول عمل روائي، كانت من نصيب فيلم “أرض وظلال” للكولومبي سيزار أسيفيدو. إنّه شريط عن امرأة ترفض التخلّي عن أرض دافعت عنها طيلة حياتها، وابن عاجز عن ترك أمّه، ووالد يضطر لمواجهة أخطاء الماضي الثقيلة من أجل استعادة أحبائه. الشريط الذي يصوّر هذه العائلة التي تعيش في بيت محاط بأشجار قصب السكر، يتوغّل في علاقة أفراد هذه الاسرة الهشة وروابطها في ظلّ التطوّر الزاحف إليها تدريجاً. لبنان حقّق “انتصاراً” في هذه الدورة بعدما نال إيلي داغر (29 عاماً) المقيم حالياً في بلجيكا، السعفة الذهبية للفيلم القصير عن عمله “موج 98” (15 دقيقة). إنّه أول لبناني يشارك في المسابقة الرسمية منذ فوز مارون بغدادي (1950 ــــ 1993) بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمه “خارج الحياة” عام 1991. “موج 98” المدعوم من صندوق “آفاق”، يروي قصة مراهق يعيش في إحدى ضواحي بيروت ويعاني في محيطه الإجتماعي. وعلى شرفة مطلّة على المدينة، يلاحظ في أحد الأيام شيئاً يشبه حيواناً ضخماً ذهبي اللون، يظهر بين الأبنية، فيجذبه ويرشده لاكتشاف جزء مميز من المدينة.

الأخبار اللبنانية في

25.05.2015

 
 

لأول مرة: السعفة الذهبية القصيرة للبناني "داغر"

الجزيرة الوثائقية - الدوحة

اختُتمت مساء أمس الأحد فعاليات الدورة الـ 68 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وكانت المفاجأة فوز المخرج اللبناني إيلي داغر بجائزة السعفة الذهبية فئة الأفلام القصيرة عن فيلمه "موج 98" WAVES '98 وهو ينتمي لأفلام التحريك، مدته 15 دقيقة، وقد نافس على هذه الجائزة 9 أفلام قصيرة تم اختيار فيلمه من بينها، وكان المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو ممن ترأسوا لجنة التحكيم لفئة الأفلام القصيرة.

يحكي الفيلم بأسلوب شاعري حكاية عمر الذي يتجول في شوارع لبنان وأزقتها، ممتلئا بشعور اللا جدوى وفقدان الأمل، حتى يعثر على عالم مواز للمدينة، سوريالي وحالم، يدفعه للمحاربة من أجل العثور على الأصالة بداخله.

من الجدير بالذكر أن إيلي داغر قام بتصوير الفيلم كمشاهد حية في البداية ثم قام بتحويله لاحقا لفيلم تحريك.

إيلي داغر هو مخرج لبناني، في الثلاثين من عمره، تخرج من جامعة الـ"ألبا" اللبنانية ويقيم حاليا في بلجيكا، وفيلمه هو الفيلم العربي الأول الذي يفوز بهذه الجائزة.

وعن الجائزة الأولى لمهرجان كان هذا العام، فاز بالسعفة الذهبية فيلم "ديفان" DHEEPAN للمخرج الفرنسي جاك أوديار, ويروي حكاية ديفان وهو مقاتل يسعى لاستقلال التاميل في سيريلانكا أثناء الحرب الأهلية، وحين تحلّ الهزيمة يفرّ إلى باريس ومعه امرأة وطفلة لا يعرفهما يدّعي أنهما عائلته وذلك بهدف تسهيل لجوئه السياسي هناك، لكن سرعان ما يثير عنف المدن ومشكلات اللجوء ندبات الحرب بداخله والتي لم تندمل بعد، ليعود إلى غريزته المقاتلة دفاعا عن "عائلته" المفترضة.

وعن جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" فقد ذهبت إلى الفيلم اليوناني "السلطعون" THE LOBSTER للمخرج يورغوس أنتيموس، وهو يروي حكاية فريدة عن نساء مقيمات في فندق تنتظر كل منهن أن تجد حبيبا لها خلال مدة محددة، ومن لا تجد حبيبا ستتحول إلى حيوان تختار نوعه. وبالتوازي هناك رجل هارب من قبيلة تُحرّم الحب والمغازلة، يقطع الغابة ويجد هذا الفندق الذي يكتشف فيه ما هو الحب.

أما جائزة "أفضل سيناريو" فقد ذهبت للمكسيكي ميشال فرانكو عن فيلمه "كرونيك" والذي يحكي عن ممرض يبذل ما بوسعه لإنقاذ مرضاه من الموت في لحظاتهم الأخيرة، وتدفعه هذه اللحظات الحاسمة للرغبة في استعادة صلته المقطوعة منذ سنين بأهله وعائلته.

الجزيرة الوثائقية في

25.05.2015

 
 

حصيلة «كان»: سيطرة النساء على العروض… جرأة تناول الجنس… وأخلاقيات الحرب على المخدرات

حسام عاصي - كان – «القدس العربي»:

يعم مدينة كانّ الهدوء النسبي هذا اليوم بعد أن إنسحبت جيوش رواد السينما وصانعيها الذين قضوا أسبوعيين يتذوقون أفلاما من أقطار مختلفة قدمها لهم مهرجان كان للسينما في دورته الـ68. طبعا مشاهدة الأفلام هي عنصر واحد من عناصر هذا العرس السينمائي، فهناك الحفلات وسوق الأفلام والحوارات والمحاضرات والمؤتمرات الصحافية وعروض الأزياء، التي تجعل من المهرجان أهم حدث سينمائي سنوي، يستقطب مئات الآلاف من عشاق ونجوم السينما، معجبي المشاهير ووسائل الإعلام.

ما ميز المهرجان هذا العام كان الحضور القوي لأفلام من بطولة أو إخراج نساء، مما أكسّبه لقب «مهرجان النساء»، وذلك نبع من محاولة إدارة المهرجان الرد على النقد بأنهم كانوا يتجاهلون النساء في إختياراتهم. فلأول مرة منذ عام 1987، تم إختيار فيلم إفتتاح وهو «رأس مرفوع»، مخرجته إمرأة وهي الفرنسية إيمانوي بيركو، التي تشارك في المسابقة الرسمية للمرة الأولى. وتقوم ببطولة الفيلم الممثلة الفرنسية المخضرمة كاثرين دونوف، مجسدة دور قاضية فولاذية ذات قلب طيب تنجح بالتواصل مع ومساعدة شاب جامح فشلت السلطات في كبح سلوكه غير الإجتماعي. وكان إستقبال الفيلم إيجابيا، ولكنه سرعان ما إنحسر ذكره بالأفلام التي تلته.

وكانت هناك أفلام من بطولة نساء تصدرت تكهنات الفوز بالسعفة الذهبية، وحتى الأوسكار وأثارت إهتمام رواد المهرجان، مثل فيلم توم هينز «كارول»، الذي يتناول علاقة حب بين إمرأة متزوجة غنية (كيت بلانشيت) وفتاة شابة تعمل في متجر (روني مارا) في أوائل الخمسينيات في الولايات المتحدة، حين كانت المثلية مرفوضة إجتماعيا وممنوعة قانونيا. الأداءات الرائعة التي قدمتها بلانشيت ومارا أشعلت تكهنات ترشيحات جوائز أوسكار لهن العام المقبل. ويذكر أن فيلم «حياة أديل»، الذي سرد قصة حب بين سحاقيتين فاز بالسعفة الذهبية عام 2013.

كما أثار فيلم المخرج الإيطالي ماتيو غاروني «حكاية الحكايات» فضول رواد المهرجان بفضل المشاهد الغريبة التي عرضها، وخاصة إلتهام بطلته سلمى حايك لقلب وحش. ويسرد الفيلم ثلاث حكايات خيالية تدور في جنوب إيطاليا في القرن 17، كتبها جيانباتسيتا باسيلي النابولي. 

الحكاية الأولى تتمحور حول ملكة، تجسدها حايك، تلجأ للسحر وتخسر كل شيء من أجل إنجاب طفل، والحكاية الثانية يلعب توبي جونس دور ملك يلتهي بتربية حيوان غريب، متجاهلا إبنته التي يزوجها لهمجي، وفي الحكاية الثالثة تغري أمرأة عجوز قبيحة، تحلم أن تكون شابة جميلة، ملك (فينسيت كاسيل) الذي يهوى الجنس. وكان كاسيل على حق عندما أكد لي أن الفيلم كان نسائيا، إذ أن كل حكاية تعبر عن مشاعر أنثوية قوية مثل الرغبة بالإنجاب والسعي لزواج مبني على حب وشغف الجمال. وعبرت لي سلمى عن إستغرابها من الإهتمام المفرط بمشهد إلتهام قلب الوحش معلقة أنها لم تكن تتوقع ذلك.

وربما الفيلم الذي هز مشاعر جمهور المهرجان «أمي» للمخرج البريطاني أسيف كباديا. ويعالج التحديات، التي واجهتها المغنية البريطانية الشهيرة الراحلة آمي واينهاوست، التي إنقلبت من فتاة مجهولة من شمال لندن الى نجمة موسيقى شهيرة في الـ 23 من عمرها، من خلال عرض مقاطع فيديو من الأرشيف ومقابلات مع زملائها ووكلائها وأبناء عائلتها. رغم موهبتها الخارقة إلا أن آمي فشلت في التأقلم مع جو الشهرة والضغط الإجتماعي والنفسي الذي نتج عنه، وبالتالي إستسلمت للمخدرات والكحول التي عجلت بأجلها في الـ 27 من عمرها. عائلة آمي لم تحضر عرض الفيلم، متهمة إياه بتقديم رؤية زائفة عن حياة إبنتهم، وذلك لأن الفيلم يلمح الى أن والد آمي إستغل نجاح إبنته لأغراضه الخاصة، متجاهلا مشاكلها النفسية، التي أدت الى هلاكها.

كما إستقطبت الممثلة البريطانية إميلي بلانت إعجاب النقاد عن دورها كشرطية الإستخبارات الأمريكية «أف بي آي» كايت ماسر في فيلم «سيكاريو» للمخرج الكندي ديني فيلنوف، الذي يحضر المهرجان للمرة الأولى مع أنه رُشح للأوسكار مرتين عن فيلميه «أونسينديس» و»سجناء». 

الفيلم يتناول أخلاقية الحرب على المخدرات في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، التي تبدو أنها لا تقل بشاعة عن الحرب الأمريكية على الإرهاب. وتصطدم ماسر مع مسؤولي وكالة المخابرات الذين يخرقون القانون ويقتلون المشبوهين بلا مبالاة، ولكن بدون جدوى. الفيلم يختلف كثيرا عن أفلام المهرجان الأخرى، إذ أنه معبأ بالحركة والتشويق والإثارة، وهذا ربما سوف يجعله غير مؤهل لنيل السعفة الذهبية، ولكن لا أستغرب إذا تصدر ترشيحات جوائز الأوسكار العام المقبل.

أفلام نسائية أخرى عرضت في نطاق المسابقة الرسمية، ولكن لم تتصدر إهتمام رواد المهرجان كانت: «ملكي» لميوين، من بطولة إيمانويل بيركوت و«أختنا الصغيرة» لليابانية كيدو ئيدا هوريكاز و»أمي» للإيطالي نينو موريتي و»مارغريت وجوليان» للفرنسية فاليري دونزيللي و»وادي الحب» للفرنسية غويليام نيكلوكس، من بطولة جيرارد ديبارديه وإيزابيل هوبيرت.

حتى الفيلمين العربيين الوحيدين الذين عرضا على هامش المهرجان عالجا مواضيع نسائية. فالفيلم الفلسطيني للتوأمين عرب وطرزان ناصر وهو «ديجرادية» يدور حول مجموعة نساء يحاصرن في صالون حلاقة في غزة عندما تشتعل إشتباكات دموية بين شرطة حماس وسارقين لأسد من حديقة الحيوان. والفيلم المغربي «الزين اللي فيك» للمخرج نبيل عيوش يسبر واقع بائعات الهوى في المغرب.

من المفارقات أنه بينما كانت النساء يهيمن على الشاشة داخل قاعات السينما، إشتعلت زوبعة محرجة للمهرجان عندما كشفت بعض النساء أنهن منعن من صعود المدرجات المفترشة بالبساط الأحمر لأنهن لبسن أحذية بدون كعب، مما دفع مسؤولي المهرجان للإعتذار والتراجع عن هذا القانون الغريب.

كما تميز مهرجان كان هذا العام بغياب أفلام بريطانية وحضور أفلام ناطقة بالإنكليزية من قبل مخرجين أوروبيين لا يتقنونها. المخرج الإيطالي باولو سانتوريني قدم «شباب» من بطولة مايكل كين، هارفي كايتيل وريتشيل وايز. ويتسم الفيلم بالجماليات البصرية واللحن الموسيقي، وهذا ما عودنا عليهما سانتوريني في أفلامه السابقة، ولكن الحوارات بدت مبتذلة وذلك ربما لكونه لا يجيد الإنكليزية، وعندما سألته لماذا تخلى عن لغته الإيطالية، رد قائلا إن لغته هي السينما وهي لغة عالمية يفهمها الجميع. ولكن إنقسام الآراء حول جودة الفيلم، الذي يعالج العلاقة بين الشباب والشيخوخة من خلال سبر شخصية ملحن مشهور (كين) ومخرج أفلام (كيتيل) متقدمين بالجيل، أثبت غير ذلك، إذ أنه قوبل بالمدح من البعض وبالشجب من البعض الآخر بعد عرضه.

وقدم المخرج اليوناني يورغوس لانتيموس «ذا لوبستر»، من بطولة كولن فاريل وراتشيل وايز. الفيلم غريب وحافل بملامح سوريالية، ويحكي قصة أشخاص في فندق في غابة، على كل واحد منهم أن يجد إمرأة يرتبط بها وإلا سيتحول الى حيوان. أما الفيلم الذي لقي إستقبالا قويا فكان «إبن شاؤول» وهو أول فيلم للهنغاري لازلو نيميش. ويحكي قصة يهودي يبحث عن إبنه في مخيمات المحرقة بعد أن إكتشف أنه ما زال حيا. أفلام المحرقة عادة تحصد جوائز قيمة، فلا بد أن هذا الفيلم سوف يتصدر ترشيحات جوائز الأوسكار العام المقبل حتى لو لم يتم تكريمه في كان.

رغم ما ذكرناه أعلاه من أفلام فنية إلا أن الخيبة غلبت على الحماسة بين العديد من النقاد الذين ركضوا من قاعة الى أخرى آملين أن يجدوا تحفة سينمائية، ولكن بدون جدوى. من جهة أخرى، فإن مشتريي الأفلام كانوا أكثر تفاؤلا. فعمظم الأفلام التي عرضت هذا العام لقيت مشتريا، وهذا يدل على أن السينما ما زالت بخير.

سعفة «كان» فرنسية ولبنان يحفظ «ماء وجه العرب»

كان – من أسامة صفار:

فاز المخرج الفرنسي، جاك أوديارد، بالجائزة الكبري لمهرجان «كان» عن فيلمه «ديفان» أو«دهيبان» وبذلك يكون الفرنسيون قد ضموا إلى جوائزهم «السعفة الذهبية» للدورة الثامنة والستين للمهرجان. كما فاز اللبناني «إيلي داغر» بـ«السعفة الذهبية» عن فيلم صور متحركة بعنوان «موج 98»، ويروي قصة الشاب عمر، الذي يشعر بالملل في بيروت ويخوض مغامرة غريبة. وبذلك يكون لبنان قد حفظ ماء وجه العرب الذين لم يفوزوا سوى بهذه الجائزة.

ويدور «ديفان»، وهو الفيلم السابع لمخرجه، حول محارب من التاميل في سريلانكا يقرر ترك الحرب والهروب إلى فرنسا ويفر مع إمرأة وطفلة، ويبدأ حياته من الصفر بالحصول على عمل ومنزل، ويكتشف أن الحياة من دون قتال تحتاج إلى روح مقاتل أيضًا. وفاز المخرج التايواني هو هسياو هسين بجائزة أحسن مخرج عن فيلم «القتلة المأجورون» وقدم هسين البطل التقليدي الصيني، كما صوره الأدب الشعبي الصيني. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب فيلم «الجراد» للمخرج اليوناني يورغوس لانتيموس.

وقال المخرج الفائز بعد تسلمه الجائزة من الممثلة الفرنسية لاتيستا كاستا: «أود أن أشكر لجنة التحكيم وتييري فريمو، مدير المهرجان، على إختيارهم هذا الفيلم. وشكري أيضاً إلى كل الذين ساعدوني على إنتاج هذا الفيلم، بالإضافة إلى كل الممثلين الذين فهموا نصه الصعب». وذهبت جائزة أفضل سيناريو إلى المكسكي ميشال فرنكو لفيلمه «مزمن»، الذي قال: «هذا الفيلم أبصر النور في كان منذ ثلاثة أعوام، عندما سلمني الجائزة تيم روث، وتحدثنا عن القيام بفيلم معاً وها هو . وحازت على جائزة أحسن ممثلة الممثلة الأمريكية روني مارا عن دورها في فيلم «كارول»، إخراج تود هاينس مناصفة مع الممثلة والمخرجة الفرنسية ايمانويل بيركوت. وتسلم المخرج توود هاينس من يد الممثل الفرنسي، الطاهر رحيم، جائزة «أحسن ممثلة» عن مارا قائلا: «بإسم روني مارا أتوجه بالشكر لكم. أعتبر نفسي مخرجا صاحب إمتياز في تعاوني مع ممثلات على غرار روني». كما حصلت على الجائزة نفسها مناصفة مع روني مارا الممثلة والمخرجة الفرنسية ايمانويل بيركوت عن فيلم «ملكي»، وهي نفسها مخرجة فيلم الإفتتاح «مرفوع الرأس».

وفاز الفرنسي فينسان لاندون بجائزة «أحسن ممثل» عن دوره في فيلم «قانون السوق» لستيفان بريزيه. وقال لاندون عنذ تسلمه الجائزة: «هذه أول مرة في حياتي أحصل فيها على جائزة».

وكان لاندون لم يظهر في كان منذ 2011 حين لعب دور رئيس حكومة، بين الحقيقة والخيال، في فيلم «الأب» لآلان كافالييه. وعاد هذه السنة إلى المهرجان في دور عاطل عن العمل، في الأربعين من العمر، أمام خيار أخلاقي صعب ترغمه عليه الماكينة الرأسمالية. وحصل على جائزة الكاميرا الذهبية فيلم «الأرض والظل»، إخراج سيزار أوغيستو أسيفيدو.

وبعد تسلمه الجائزة من يد الممثلة سابين آزيما، رئيسة لجنة تحكيم الكاميرا الذهبية بحضور الممثل جون سي ريلي الذي قال: «إنه لشرف كبير، وأهدي هذه الجائزة إلى جميع الفلاحين في كولومبيا، فهم أبطال ذلك البلد، وأطمئنهم بأنهم ليسوا وحدهم».

القدس العربي اللندنية في

25.05.2015

 
 

فرنسا تفوز بنصيب الأسد في الدورة 68 لـمهرجان كان

صدمة «كيت بلانشيت» ودموع «ليندون» وميول الأخوين كوين ظلمت «أمى» و«الشباب»

نعمة الله حسين تكتب من «كان» لـ «سينماتوغراف»:

جاءت جوائز مهرجان «كان» السينمائى فى دورته الـ68 صادقة فى بعضها وعكست تماما وجهة نظر الأخوين كوين رئيسا لجنة التحكيم، وفى مقابل أصواتهما كان لحضور النجمة الفرنسية الجميلة صوفى مارسو عاملا هاما فى إنتزاع ثلاث جوائز لبلدها من بينها السعفة الذهبية التى حصل عليها فيلم «ديبان» للمخرج جاك أوديار، وكذلك جائزة أحسن ممثلة التى حصلت عليها الممثلة والمخرجة الفرنسية «ايمانويل بيركو» والتى توقعت «سينماتوغراف» فوزها بتلك الجائزة، وقد إقتسمتها مع الممثلة الأمريكية الشابة «رونى مارا» التى قامت بدور تيريزا فى فيلم«كارول»، وبذلك تكون الممثلة الإسترالية الأصل، الأمريكية الجنسية، كيت بلانشيت قد ظلمت كثيرا، وقد ترددت شائعات فى أروقة المهرجان الى أن كيت رفضت إقتسام أى جائزة، ولما كان من الصعب تجاهل فيلم «كارول» لتود هاينز، فأعطيت الجائزة للشابة رونى مارا، أما جائزة أحسن ممثل فقد حصل عليها الممثل الفرنسى «فانسان ليندون» بطل فيلم «قانون السوق» لستيفان بريزيه كما أشرنا فى توقعاتنا أمس، وتعد هذه أول جائزة يحصل عليها طوال مشواره الفنى، لذلك كان شديد التأثر ولم يستطع أن يخفى دموعه أو يحبسها، وبالتالي فإن نصيب الأسد حصده الفرنسيين الذين أحرزوا، إضافة إلى السعفة الذهبية، جوائز التمثيل.

وقد فرح الجمهور الفرنسي كثيرا بفوز فانسان ليندون بجائزة أحسن ممثل، وقال ليندون عنذ تسلمه الجائزة «هذه أول مرة في حياتي أحصل فيها على جائزة» وأضاف: «قال ويليام فولكنر لتكن أحلامكم واسعة حتى لا تبعد عن نظركم حين تسيرون نحوها»، ولم يظهر ليندون في كان منذ 2011 حين لعب دور رئيس حكومة، بين الحقيقة والخيال، في فيلم «الأب» لآلان كافالييه، وعاد هذه السنة إلى الكروازيت في دور عاطل عن العمل، في الأربعين من العمر، أمام خيار أخلاقي صعب ترغمه عليه الماكينة الرأسمالية، وعادة يتقن الممثل الفرنسي الدراما الاجتماعية، لكنه ظل في أغلب الأحيان بعيدا عن الأضواء، وإن كان رشح خمس مرات لجوائز السيزار، ولم ينلها أبدا، جاء مهرجان«كان» ليصلح هذا القدر السيء.

أما فيلم «ديبان» لجاك أوديار، فيعد العمل السابع في رحلته الإخراجيه، وهو دراما على خلفية صدام الثقافات عبر قصة لاجئ من نمور التاميل في فرنسا، ويستلهم أوديار الفيلم بطريقة حرة من كتاب «رسائل فرنسية» لمونتسكيو أحد أبرز فلاسفة عصر التنوير في فرنسا القرن الثامن عشر، وخيب منح السعفة الذهبية لجاك أوديار جمهور كان ونقاده الذين توقعوا فوز أفلام أخرى بها على غرار «كارول» للأمريكي تود هاينس أو «الشباب» للإيطالي باولو سورنتينو، وعبر العديد عن سخطهم أمام هذا الفوز، خصوصا أن لجنة التحكيم قد أرست مبدأ إقتسام الجوائز، ومن ثم فيكون فى هذه الحالة قد تم تجاهل كل من فيلم «الشباب» وفيلم «كارول»، لكن كما يرجح البعض ربما اختارت لجنة التحكيم التي يترأسها الأخوان كوين فيلما يتناقض مع حسها الفني، إذ تتميز أفلام الثنائي وأفلام كزافيه دولان وغييرمو ديل تورو بخفة الروح، وكان أوديار قد فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عن فيلم «النبي» عام 2009.

أما الجائزة الكبرى أو هي ثاني أهم جوائز المهرجان فمنحت للمجري لازلو نماس عن فيلمه الأول «ابن ساول» الذي كاد أن يخلق الحدث لو فاز بالسعفة، وإن كنت أرى من وجهة نظري الشخصية انه فيلم جيد من الناحية الإخراجية، ولكن موضوعه قد قتل بحثا وعرضا فى السينما العالمية.

ونأتي إلي جائزة لجنة التحكيم الخاصة والتى ذهبت إلي اليوناني يورغس لانتيموس عن فيلمه «سرطان البحر» وقد وضحت فيها تماما ميول الأخوين كوين ونفوذهما، وكان من المفترض أن تذهب إما لفيلم «أمى» من اخراج نانى موريتى، أو فيلم  «الشباب» لسورينتينو، وعموما يتميز«سرطان البحر» بنزعة سريالية جنونية، حيث يدعو الفيلم إلى التفكير في مجتمعنا الذي حبس المشاعر في قوالب نمطية تخضع لقانون السوق، ويظهر كيف يحكم الحب عالمنا الذي يقصيه.

هذا بالنسبة لأهم الجوائز، أما جائزة أحسن إخراج فكافأت التايواني هو هسياو هسيان (يناهز السبعين من العمر) الذي يعتبر من أكبر السينمائيين العالميين، وشارك هسياو هسيان في هذه النسخة من المهرجان بفيلم «القاتل»وهو عمل ملحمي ذو نسق بطيء جدا يدور في الصين بالقرن التاسع، وعوض هسياو هسيان البطل التقليدي في أفلام فنون القتال بالبطلة «شو كي».

وفاز المكسيكي ميشال فرنكو بجائزة أحسن سيناريو عن فيلم «مزمن»، وشكر ميشال فرانكو بحرارة الممثل الرئيسي تيم روث، وكان تيم روث ترأس عام 2012 قسم «نظرة خاصة» في مهرجان كان ومنح الجائزة لفيلم «بعد لوسيا» لميشال فركو، وبهر تيم روث حينها بمهارة فرنكو في تركيب دراما متقنة فطلب أن يعمل معه وحصل بذلك على دور ممرض يساعد أشخاصا في المرحلة النهائية من حياتهم، وفي «مزمن» الأجواء قاتمة وخالية من العاطفة على غرار أفلامه السابقة التي ركزت خصوصا على أداء الممثلين.

وبالاعلان عن هذه الجوائز، أسدل الستار هذا المساء على مهرجان كان السينمائي في دورته الـ68 التي انطلقت في 13 مايو الجاري، من خلال حفل قدمه الممثل الفرنسي لامبير ويلسون وتلاه عرض الختام لفيلم «السماء والجليد» للوك جاكيه.

سينماتوغراف في

25.05.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)