المخرج النرويجى ماتس جرورد:
«البرج» يوثق الهوية الفلسطينية.. وصور أطفال الحجارة لا
تفارق عينى
حوار- بوسى عبدالجواد
·
أعبر عن هموم المجتمع بـ«الأنيميشن».. «وردى» تجسد الوضع فى
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين
·
عشت أياماً لا تنسى مع النازحين فى مخيم برج البراجنة
·
الفيلم نال إعجاب الأطفال الصغار قبل الكبار
لم يحمل جنسية دولة عربية، ولا يجيد التحدث باللغة العربية،
لكنه تأثر بـ«القضية الفلسطينية» وكأنه واحد من أبنائها.
رغم مرور 31 عاماً على «الانتفاضة الفلسطينية» الأولى، لكنه
ما زال يتذكر أحداثها بكل تفاصيلها كأنها حدثت بالأمس القريب، صور الأطفال
اللاجئين المشردين لم تفارق عينيه حتى هذه اللحظة، فاستخدم قوته الناعمة
ليسلط الضوء على هذه القضية التى مازالت تشغل الرأى العام، فى فيلمه الجديد
«البرج-
The Tower »
يوثق فيه وضع اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان منذ عام 1948 وحتى اليوم.
باستخدام تقنية «الأنيميشن»، وهو الفيلم الذى يُشارك فى المسابقة الرسمية
فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الأربعين، أنه المخرج النرويجى ماتس
جرورد.
لم يعتمد ماتس فى فيلمه على أرشيف الذكريات، لصنع فيلم عن
اللاجئين، فتوجه إلى مخيم «برج البراجنة» القاطن فى لبنان، وهناك عاش عاماً
كاملاً مع اللاجئين، لأنه كان حريصًا على واقعية الفيلم أثناء تنفيذه.
عبر عن القضية الفلسطينية من منظور الطفلة «وردي» صاحبة
الـ11 عاماً، والتى تعيش فى مخيم للاجئين الفلسطينيين، وتتعرف على تاريخ
عائلتها من خلال قصص يقصها لها ثلاثة أجيال سابقة.
على هامش المهرجان، التقت «الوفد» بالمخرج النرويجى ماتس
جرورد، للتعرف على أبرز التحديات التى واجهته أثناء تنفيذ الفيلم، وسر
اختياره لمخيم «برج البراجنة».. كما حاولنا معه أن نكشف الرسائل الضمنية
التى يحملها الفيلم ويقدمها على المستوى العميق مستخدما الرسوم المتحركة..
وإلى نص الحوار.
·
لماذا اخترت وجهة نظر طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 11 عاماً
لتصور مثل هذا الصراع الطويل والمؤلم؟
<عندما
كنت أعيش فى مخيم «برج البراجنة»، استمعت لجلسة لمجموعة من الشيوخ
الفلسطينيين يخبرون الشباب عن ما حدث لهم فى عام 1948. كان الجميع يبكون
معا. لمستنى الجلسة كثيرا. شعرت حينها بأن الصدمات والجروح التى حدثت عام
1948 ستظل تؤلم أصحابها يتوارثها الأجيال الجديدة طالما بقى الناس عالقين
فى المخيمات. لهذا اخترت وجهة نظر طفلة فى الحادية عشرة من العمر، حيث أردت
إثارة تساؤل حول كيف وإن كان من الممكن إيجاد الأمل رغم الوضع الراهن الذى
يعيش فيه الفلسطينيون؟. كما أردت من خلال الطفلة وردى تفتيح عقول الأطفال
نحو القضية الفلسطينية، والربط ما بين
أجيال مختلفة.
·
ولدت فى النرويج.. فما الرابط الذى يجمعك بـ«لبنان»؟
<
كانت والدتى تعمل ممرضة فى لبنان خلال الثمانينيات. كانت تذهب وتعود، يمكن
أن تقول إن هناك رابطاً عاطفياً يجمعنى بـ«لبنان».
·
ومتى بدأ شغفك بالقضية الفلسطينية؟
منذ أن كنت فى الثانية عشرة من عمرى، حيثُ انتقلت مع أسرتى
إلى غزة والقدس، وهناك رأيت أطفالاً من عمرى فى كل ركن من أركان الشوارع،
مشهد صراخهم وبكائهم لم يفارق عينيى وذهنى حتى الآن.
·
من أين استلهمت فكرة الفيلم؟ ولماذا سمى بـ«البرج»؟
<
ذهبت للعيش فى لبنان فى معسكر برج البراجنة، وحصلت على فكرة الفيلم، الذى
كان مجرد سرد قصص أصدقائى من المخيم وعائلاتهم. واسم الفيلم «البرج» يرمز
لاسم المخيم، القائم على فكرة المبانى فوق بعضها الأمر الذى يشكل خطرا
كبيرا على سكان المخيم.
·
ما أبرز التحديات التى واجهتك أثناء التحضير للفيلم؟
<
لم تكن تحديات، وإنما اجتهادات صعبة تطلبت منى مجهودا ذهنيا وبدنيا كبيرا،
لقد زرت الأردن ولبنان وسوريا والأراضى المحتلة وإسرائيل وأجريت مقابلات مع
أكثر من 100 شخص من مختلف الفئات العمرية والجنس والخلفية الاجتماعية
والاقتصادية. ولم أتمكن من زيارة غزة، بسبب الحصار، لكننى تمكنت من مقابلة
فلسطينيين من غزة فى لبنان والأردن والمملكة المتحدة. قضيت بعض الوقت مع
أشخاص فى مكاتبهم، ومنازلهم، وفى الأماكن العامة، وكذلك مع العائلات فى
المنازل، وشاركت فى الأنشطة اليومية أثناء التحدث معهم حول ما يتذكرونه
أكثر وأكثر مما يهتمون به. وخلال الفترة التى أحضر فيها للفيلم صادفت كتاب
«ماذا تعنى أن تكون فلسطينياً»، للدكتورة دينا مطر، رئيسة مركز الإعلام
والاتصالات العالمى فى جامعة سواس بلندن. واستخدمت بعض القصص فى نصه وفى
سرد الأحداث.
·
لماذا اخترت «الأنيميشن» أو الصور المتحركة للتعبير عن
القضية الفلسطينية؟
<
أولا أنا مخرج تحريك فى الأساس، الأنيميشن بالنسبة لى الطريقة المثلى التى
من الممكن أن أعبر بها عن ما يخالج قلبى ومشاعرى، بجانب أننى وجدته الحل
الذى يناسب طريقة الحكى التى تجمع بين اللغتين الإنجليزية والعربية.
·
وهل يمكن للرسوم المتحركة المساعدة فى تغيير العالم؟
<
يضحك ماتس قليلاً وينقل يده اليسرى نحو ذقنه ويداعبها قائلا: أعتقد أن
العديد من الأشياء يمكن أن تساعد فى تغيير العالم، كما أن الرسوم المتحركة
جزء من الثقافة التى يمكن أن تساعد فى تغيير الأشياء. يمكن للناس أن
يتغيروا إذا اعتقدوا حقًا أنهم يستطيعون فعل ذلك.
·
هناك العديد من المخيمات.. لماذا اخترت «برج البراجنة»
تحديدا لبناء قصة الفيلم؟
<
لأن والدتى عاشت فى هذه المعسكرات، ويجمعنى بالمخيم ولبنان ذكريات عديدة،
فطفولتى كانت مشبعة بهذا اللون من القصص والمشاهد.
·
استغرق الفيلم 11 عاما للخروج إلى النور.. هل السبب فى ذلك
صعوبة العثور على التمويل أم هناك أسباب أخرى؟
<
التمويل سبب من الأسباب، ولكن فى الحقيقة شعرت بأن المسئولية كبيرة، نحن
نتحدث عن النازحين الفلسطينيين الذين يعيشون منذ فترة طويلة فى مخيم
للاجئين. الموضوع ليس سهلا، لذلك تأنيت لأننى كنت أريد صنع فيلم جيد يمثل
القضية الفلسطينية، ولحسن الحظ، ساعدنا المعهد النرويجى للأفلام
(NFI)
للخروج بالفيلم بهذا الشكل.
·
هناك مشهد فى الفيلم استوقفنى عندما سألت الطفلة وردى جدها
عن معنى النكبة.. ورد عليه بسؤال مستنكرا فيه ألم تدرسين هذا بالمدرسة.. ما
الرسائل الضمنية التى تريد إيصالها للمشاهد؟
<
هنا أود أن أقول إن الإنسان لا بد أن يعرف هويته جيدا، حتى يستطع الدفاع
عنها ويطلع على ماضيه لاستشراف مستقبله أو حاضره. ربما يكون هذا سر تمسك
الفلسطينيين بأراضيهم والمطالبة بحقوقهم لأنهم يعنون هويتهم جيدا لذا
يدافعون عنها بأرواحهم.
·
اعتمدت على الإنجليزية والعربية فى سرد قصة الفيلم.. لماذا؟
<
لأنها الطريقة التى كنت أتحدث بها مع أصدقائى الفلسطينيين فى المخيم. فهم
لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة. بجانب أنها الطريقة الأمثل للأنيميشن.
·
هناك العديد من الأفلام التى تناولت القضية الفلسطينية..
فما الجديد الذى تقدمه فى «ألبرج»؟
<
الفيلم يصور الفلسطينيين الذين طردوا بعد النكبة والذين عاشوا فى مخيمات
اللاجئين لأكثر من 70 سنة. الآن الحكومات تخفض الدعم لهم، ويؤثر ذلك بالطبع
على الخدمات الصحية والتعليمية، يشعر اللاجئون حقا بالنسيان. لهذا السبب
قررت صنع فيلم يتحدث عن هذه الجزئية غير الواضحة بالنسبة للكثير، كما
أخبرنى أحد أصدقائى، بأن الناس هناك يموتون كل يوم لأنهم لا يرون أملا فى
المستقبل، نأمل أن يساعد هذا الفيلم على حل مشكلاتهم.
·
ولماذا اخترت مهرجان القاهرة السينمائى لعرض الفيلم؟
<
سعيد جدا أن الجمهور شاهد الفيلم من خلال مهرجان القاهرة السينمائى بدورته
الأربعين، لأن العرب متأثرىن جدا بالقضية الفلسطينية.
·
بعد نجاح البرج.. ماذا عن مشاريعك السينمائية الجديدة؟
<
المشروع فى مرحلة مبكرة من التطور، سوف أتناول من خلاله تأثير التلوث الذى
أحدثته شركة شيفرون وشل وشركات أخرى فى دلتا فى موزمبيق فى التسعينات،
والتى تسببت فى تدمير الأرض، خلال السنوات 1964 و1992 أثناء عمليات استخراج
النفط ووضع نفايات نفطية سامة فى المياه، وكيف فعل السكان لمكافحة التلوث
ومحاولة تنظيف أراضيهم، أظن أنها قصة مثيرة للاهتمام. |