مع احتفاء مهرجان القاهرة بأفلام متميزة.. كيف يرى شباب
السينمائيين الصناعة؟
كتبت- رنا الجميعي:
في دورته الأربعين يعرض مهرجان
القاهرة السينمائي تجارب
لعدد من شباب السينمائيين، حازت إعجاب الجمهور، من بينها فيلم "ليل خارجي"
للمخرج أحمد عبد الله، وفيلم "ورد مسموم" للمخرج أحمد فوزي صالح، وفيلم "لا
أحد هناك" للمخرج والممثل أحمد مجدي، تلك التجارب المتميزة فنيًا وإنتاجيًا
تنشط من سوق السينما المصري، وتُعطي أمل للمخرجين الشباب في مستقبل أفضل
لتجاربهم الفنية.
من بين المخرجين الشباب "ياسر شفيعي" الذي يُعرض فيلمه
القصير "التدريبات القصوى لتحسين الأداء"، ويُشير شفيعي إلى أن تلك النوعية
المختلفة من الأفلام تُشّجع على وجود تجارب أخرى جديدة، مع التأكيد على أن
التكنولوجيا أحد عوامل زيادة عددها.
يقول شفيعي "أنا مع أي تجربة تطلع شخصية المخرج الحقيقية"،
ويرى المخرج الشاب أنه على صانع العمل ألا ينتظر المنتج الذي يتحمس لفيلمه
"مثلا تجربة ليل خارجي مفيش منتج هيتحمس لها، لازم المخرج بنفسه يسعى ويدور
على التمويل"، يجدر الإشارة إلى أن ليل خارجي حاز على منحة من مهرجان دبي
السينمائي لاستكمال مرحلة ما بعد الإنتاج.
كما يضيف شفيعي أن الجمهور لم يعد يقبل فقط على تلك
النوعية، بل إن الأفلام القصيرة أيضًا أصبح لها جمهور في تزايد.
"عمرو موسى"، من المخرجين الشباب المتواجدين هذا العام
أيضًا بالدورة الأربعين، بفيلمه القصير "شيكولاتة داكنة"، ويؤكد على تغيّر
يحدث سواء داخل مهرجان القاهرة أو في صناعة السينما بشكل عام، حيث يقول
"المهرجان بقى بيدي مساحة للناس تعمل أفلام طويلة ومبيقاش ليه توزيع كبير
فعلا"، مُشيرًا إلى أن الفترة القادمة ستحمل مساحة مختلفة من التجريب
و"أفلام مختلفة عن أفلام السوق"، مما يُشجّع شركات الإنتاج والتوزيع على
خوض مساحة أكبر من المغامرة.
تلك الموجة من الأفلام ليست حديثة زمنيًا كما يرى "أحمد
عصام"، الذي حاز فيلمه القصير "عيد جواز" على جائزة أحسن مخرج وأحسن
سيناريو في مهرجان الأردن الدولي للسينما، "أنا شايف ان دا بيحصل من زمان
من وقت فيلم ميكروفون لأحمد عبد الله"، الذي عرض بالسينمات في وقت فاصل، 24
يناير 2011، منذ ذلك الحين بدأ يحدث شئ مغاير في السينما "ميكروفون عمل ضجة
وكان عاكس لصوت الشباب وقتها"، رغم أنه لم يكن الفيلم الأول في ذلك
الاتجاه، فأفلام مثل هليوبوليس لعبدالله وعين شمس للمخرج إبراهيم بطوط
أنتجت قبل ذلك أيضًا، لكنها لم تحدث الأثر الكبير الذي ناله ميكروفون، كما
يعتقد عصام.
من أسباب ظهور تلك الموجة هو وجود جيل كامل من المُخرجين
المختلفين عمن سبقوهم، كما يقول عصام "الجيل اللي طالع مبقاش ينفع معاه
يبقى مساعد مخرج الأول وبعدين يبقى مخرج، هو جيل غير صبور، إحنا في عصر
سريع الناس بقت تحقق حاجات كتير في وقت قليل"، لذا كان من الطبيعي ألا يلجأ
هؤلاء المخرجون إلى نمط السوق الرائج.
يشعر عصام بالتفاؤل والأمل من تزايد دفعات جديدة من
الأفلام، حتى أن بعض المنتجين وشركات التوزيع بدأت في مواكبة ذلك التغيير
"فيه منتجين بقوا بيشجعوا التجارب الجديدة والمخرجين اللي معندهمش رصيد
كبير من الأفلام"، ويرى عصام أن الأفكار التقليدية مصيرها إلى الزوال، وحتى
أن الجمهور بدأ في استيعاب أفكار غير تقليدية، سمح بذلك فاعليات سينمائية
مثل بانوراما السينما الأوربي وتجارب أخرى مثل عروض سينما زاوية.
على عكس النظرة التفاؤلية التي قدّمها عصام، يرى المخرج
خالد منصور، الذي عُرض فيلمه الأخير "جزيرة التوت" في افتتاح مهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية، أن تغير هيكل كبير كصناعة السينما أمر يحتاج لما هو
أكثر من ذلك "السينما مش هتتغير بالاجتهادات الذاتية"، فمُعظم المخرجين
المستقلين الذي تمكنوا من تقديم فيلم أو أكثر لم يستمروا بعد ذلك بنفس
الشكل "الوحيد اللي قدر يكمل هو أحمد عبد الله"، حيث قدم حتى الآن خمسة
أفلام ممولة ذاتيًا.
ولفت منصور النظر إلى أن غالبية قاعات السينما مملوكة
بالأساس لشركات التوزيع "ودا بيكبّل السينما، وبيخلي الموزع مش بيعرض إلا
الفيلم اللي أنتجه ويرفض عرض أي فيلم تاني".
ويرى منصور أن سبب استمرار تجربة عبد الله هو جرأته وعدم
توقفه عند أي مشكلة "بيقدر يلاقي حد يساعده في التمويل، ورغم إن الفلوس
بتكون محدودة لكن بيقدر يعمل فيلم كويس غير مقيد"، يرى منصور أن ما ينقصهم
كمخرجين هو التعلم واكتساب الخبرات بالخارج للتمكن من إنتاج أفلامهم.
هناك نوعية أيضًا من الأفلام التي حازت على جوائز بمهرجانات
في الخارج، وهي أفلام طويلة أولى لأصحابها مثل أخضر يابس للمخرج محمد حماد
و يوم الدين للمخرج أبو بكر شوقي، يُشير منصور إلى أن مخرجيها لن يجدوا
صعوبة في إنتاج ثاني أفلامهم بعد ذلك، فمن السهل حصولهم على تمويل خارجي،
لكن ذلك لا يعني تغير عقلية المنتجين المصريين "ومش هيتحمسوا بسهولة
للأفلام دي".
خلال الأعوام الماضية تعرّض الجمهور المصري للعديد من
التجارب المختلفة، منها "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي، و"زهرة الصبار"
للمخرجة هالة القوصى، و"على معزة وابراهيم" للمخرج شريف البنداري، و"أخضر
يابس" للمخرج محمد حماد، و"يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي، كلها كانت
أفلام مختلفة عن الخط التجاري، وعرضت بالعديد من المهرجانات الدولية، ومنها
ما حاز على جوائز أيضًا.
يُحلل أحمد شوقي، الناقد الفني ونائب المدير الفني لمهرجان
القاهرة، تلك الموجة قائلًا إن عالم الإنتاج السينمائي تغيّر بشكل كبير،
ليس في مصر وحدها بل العالم أجمع، حيث أشار إلى ما أسماه صحوة صناديق
الدعم، فأصبحت الأفلام يتم إنتاجها بشكل جماعي، وليس من خلال شركة إنتاج
واحدة.
يلفت شوقي النظر أيضًا إلى أن التكنولوجيا إحدى العوامل
التي دفعت لوجود تجارب مختلفة، فصعود أدوات التكنولوجيا الحديثة أدى إلى
تقليل تكلفة الإنتاج، مما زاد من فرص تقديم أفلام جديدة "أكتر عدد من
المخرجين الجداد تم تقديمهم الفترة دي"، وهو مؤشر جيد.
مع ذلك يرى شوقي أن هناك عيبًا جسيما في سوق السينما حاليا؛
حيث تنقسم الأفلام إلى نوعين يصفهما بأنهما "جزيرتين منعزلتين"، فهناك
الفئة التجارية التي تسعى لتحقيق الإيرادات، وينجذب لها شريحة عريضة من
الجمهور المصري "والأفلام دي مالهاش طموح فني غير إنها تعمل صورة حلوة"، في
المقابل فإن أغلب التجارب الفنية الجادة بعيدة عن الجمهور، على حد قوله،
"ولما تعرض تجاريًا مبتجيبش إيرادات كبيرة".
يضيف شوقي أن سوق السينما بحاجة إلى معادلة تحاول التوازن
بين تقديم تجربة فنية متميزة، وتتمكن من جذب الجمهور في نفس الوقت، ويعتقد
شوقي أن هناك عدد قليل مما نجح في تقديم تلك الخلطة "زي على معزة وابراهيم
وعيار ناري"، غير أنه أكمل "ولازالت مبتحققش إيرادات كبيرة".
يحتاج الأمر كما يقول شوقي مُخرجين يقتربوا أكثر من
الجمهور، محاولين صناعة أفلام تنجح في حل تلك المعادلة، "زي فيلم
ليل خارجي بالظبط، أحمد
عبد الله بفيلمه
قدر يتصالح مع الجمهور". |