بعد تتويجها بخمس جوائز عالمية:
أراجيك يحاور شهد أمين عن كواليس فيلم سيدة البحر
نرمين حلمي
عُرض فيلم “سيدة البحر” للمخرجة شهد أمين، ضمن مسابقة آفاق
السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مساء الجمعة، في المسرح
الكبير بدار الأوبرا المصرية، بعد تحقيقه نجاحًا عالميًا مختلفًا على صعيد
المجتمع الغربي والعربي.
كما جاءت مشاركته في الدورة الـ 41 لـ “القاهرة السينمائي”،
في إطار الاحتفاء بالتوقيع على ميثاق للمساواة بين النساء والرجال والمعروف
باسم “5050 في 2020”.
رحلة تميزه بدأت بحصوله على جائزة “فيرونا” للفيلم الأكثر
إبداعًا، ضمن مسابقة أسبوع النقاد، في الدورة الـ 76 لمهرجان فينيسيا،
وجائزة التانيت البرونزي، ضمن سباق الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الـ
30 لأيام قرطاج السينمائية، واَخرها بثلاث جوائز خلال منافسته في المسابقة
الرسمية للأفلام الروائية في مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، وهم
جائزة لجنة التحكيم أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج للمخرجة شهد أمين وجائزة
لجنة تحكيم النقاد.
الفيلم السعودي الإماراتي العراقي “سيدة البحر”، الذي كتبته
وأخرجته “شهد”، ويسلط الضوء على التحديات والصراعات التي تواجهها المرأة،
أثار العديد من الأسئلة حول الرسالة التي تبعث من خلاله وجرأة الطرح ورمزية
التعبير السينمائي التي تقدمها المخرجة السعودية في أول فيلم روائي لها،
بعد ما قدمته في مشوارها الفني عَبر عدة أفلام قصيرة؛ هم: “موسيقانا” عام
2009، و”نافذة ليلى” عام 2011، و”حورية وعين” عام 2013.
سبب إعادة تقديم “سيدة البحر” في قالب روائي
انطلاقًا من بدايتها الإخراجية في الأفلام القصيرة، استوحت
“أمين” قصة “سيدة البحر” من فيلمها القصير “حورية وعين”، الحاصل على عدة
جوائز دولية، منها أفضل تصوير سينمائي من مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي
عام 2014. وعن سبب إعادة تقديم الفكرة ذاتها من قصير إلى روائي طويل،
معبرةً عن موضعي اللا زمان واللا مكان من خلال لوني الأبيض والأسود
المشكلين لكادراته طيلة عرض الشريط السينمائي من البداية للنهاية.
أوضحت “أمين” في تصريحات خاصة لـ
“أراجيك“،
أنها لا تحبذ إعادة طرح الأفكار أو التكرار، لكنها كانت تدرك جيدًا أن قصة
“حورية وعين” لم تنتهي عند هذا الحد، كما أن البطلة لا زالت هناك بعض
التفاصيل التي تكتشفها عن نفسها عَبر رحلتها في “سيدة البحر”، مشيرةً إلى
أنها لا تحب تقديم الأفكار أو الرسائل بشكل سطحي عَبر أفلامها، بل تفضل
“سرد القصص بصورة رمزية ساحرة وأكثر غموضًا”.
تابعت: “كان لدي نصين لفكرتين مختلفتين لأول فيلم روائي
أخرجه، اقترح عليا بعض المنتجين أن ابتعد عن “سيدة البحر”، ولكنني فضلت أن
أقدم رؤية بصرية متميزة من خلال عالمه ورمزيته الخاصة؛ المعتمدة على لغة
الصورة أكثر من الحوار، وكأنه قصيدة طويلة”.
استطردت: “أكثر ما حمسني إنني كنت أعرف إن الفيلم يمثل لغتي
السينمائية الخاصة، أفلام هوليوود تقال دومًا من الخارج للداخل، لكن هذا
الفيلم من الداخل للخارج”، مشيرةً إلى أنها لم تقصد تناول قضية المرأة
بالسعودية بشكل عام وهي تصنع الفيلم، ولكنها أرادت أن تعبر عن ذاتها وتعكس
وضعها وعما مرت به بنفسها كمرأة تعيش في المجتمع.
السينما الصامتة.. والمزج بين خيال القصة وواقعية التعبير
“سيدة
البحر” الذي تتصدر بطولته الطفلة السعودية بسيمة الحجار، مجسدة دور “حياة”،
الطفلة اليافعة، التي تنشأ في قرية فقيرة ذات عادات وتقاليد خاصة وظالمة
تجاه المرأة؛ حيث يعيش أهل القرية على صيد السمك، وتُجبر الأسر على منح
الإناث من أطفالهم لمخلوقات بحرية في الماء، كقربان لكسب قوت يومهم، ولكن
“حياة” يختلف مصيرها عن كافة فتيات القرية.
ينقذها والدها الذي يدعى “مثنى”، ويجسد دوره الفنان السعودي
يعقوب الفرحان، من التضحية بها للمخلوقات المائية الغريبة، لذا يعتبرها أهل
القرية لعنة منبوذة، ولكنها تناضل من أجل تغيير ذلك، حتى تعطي لنفسها الحق
في الهروب وتجربة الاختيار واتخاذ القرار فيما يرضي ذاتها.
“كان
مقصودًا أن يكون “سيدة البحر” فيلمًا منتميًا للسينما الصامتة، على أن يحمل
رمزية متعددة في كل كادر، ويقص الكثير من التفاصيل السابقة والتالية من
لغته البصرية وتكوينات الكادر الفنية، وما سهل الأمر علي هو إحساس ممثلي
الفيلم بأدوارهم بدرجة قوية؛ وهو ما ظهر على ملامحهم وتعبيرات الوجه
والحركة”.. هكذا وصفت “أمين” ما رأته خلف الكاميرا وكيفية التحكم في أداء
الممثلين.
وصفت تجربة “حياة” في الفيلم بإعادة اكتشاف وتقبل جسدها
الذي يرفضه كل من حولها ونسيان كل ما تعلمته من أهل قريتها ومجتمعها، تتقبل
وضعها، الفيلم يتناول رحلتها ويجعلك تعيش حياة تأمل وتفكير في الشخصية
ولحظاتها الصعبة، مشيرةً إلى أن أهم عنصر في صناعة الأفلام بالنسبة لها هو
الجرأة؛ مؤكدة: “إن لم تكن جريئًا، فلا تصنع فيلمًا بل اصنع أي شيء آخر”.
تابعت موضحةً أن هذه القصة المتناولة لقبول “الذات”
والابتعاد عن التصنيف، لا تقتصر على المرأة فقط بل يمكن أن تمثل الرجل
أيضًا، الذي يجد نفسه في مجتمع لا يتقبله، مشيرةً إلى أن ذلك السبب في عدم
تحديدها هوية أو زمان أو مكان معين للفيلم؛ “لأنها حكاية عالمية تتكرر عَبر
الأزمنة” بحسب تعبيرها.
كواليس التحضير ومعوقات التصوير
وعما إذا كانت واجهت صعوبات في توجيه البطلة ابنة الـ 14
عامًا، أشارت “شهد” إلى أنها تعرف “الحجار” منذ أن كانت تبلغ الـ 7 أعوام،
لذا كانت واثقة أنها تبذل طاقتها وتعطي ثقتها للشخصية الجيدة؛ مؤكدةً على
موهبتها وأدائها الفريد الذي ظهرت به على الشاشة بالفعل.
وعن الجمع بين جنسيات الوطن العربي، متمثلة في الفنانين
المشاركين في الفيلم، أوضحت أنها كانت لا تبغى تسليط الضوء على حدوث القصة
في الخليج فقط بل في المجتمع العربي، على أن تكون رسالة الفيلم عالمية، لذا
أعدت
Casting
من جنسيات عربية مختلفة؛ مشيرة إلى أن ممثلي الجنسيات المختلفة خلقوا
“تناقضًا جميلًا”، مثل المشاهد التي تجمع بين الفنان الفلسطيني أشرف برهوم،
والفنان السعودي يعقوب الفرحان والإماراتية فاطمة الطائي والأردنية هيفاء
الآغا.
صورت جميع أحداث الفيلم بسلطنة عُمان، مستغرقًا 6 سنوات في
تنفيذه؛ لفتت “أمين” أن النص استغرق وقتًا كبيرًا في الكتابة والحصول على
دعم الإنتاج من شركة “إيمج نيشن أبوظبي”، ثم أعقب ذلك عدة فترات توقف عن
التصوير مثلًا لمدة 7 شهور؛ لعدة أسباب منها عدم وجود الدعم المادي الكافي
وقتذاك أو انشغالهم في تصوير فيلم آخر.
أما عن أصعب معوقات الإخراج، أشارت إلى أنه كان هناك العديد
من الصعوبات في التصوير، خاصة مشاهد البحر والسفن؛ لأن التصوير في ظروف
طبيعية قد تجبرك لإعادة تصوير المشاهد من جديد كلما حدث أمر مخالف
للتوقعات، وهو ما كان يجعل التصوير يستغرق وقتًا إضافيًا؛ مثل استهلاك 4
ساعات إضافية أو أكثر، لافتةً إلى أن الأصعب كانت مشاهد التصوير عند البحر.
مشاركة “سيدة البحر” في القاهرة السينمائي 41
وعلى صعيد آخر، أعربت “شهد” عن سعادتها بمشاركة “سيدة
البحر” بصحبة أفلام عربية مهمة في مهرجان القاهرة السينمائي، واصفة ًذلك
“بأمر مشرف للسينما العربية”، خاصةً أنها أفلام ذات رؤية بصرية مختلفة،
مشيرة إلى أن هناك جيل جديد من السينمائيين العرب يطرحون أفكارهم بطريقة
مغايرة ومعاصرة، وبها هوية في الوقت نفسه، وهو أمر يصعب إداركه إلا لو
شاهدت تلك الأفلام بنفسك.
وعن رأيها في وضع الأفلام السعودية حاليًا، أشارت إلى أنها
ترى تفوق المخرجات السعوديات في أعمالهن عن المخرجين الرجال؛ معطية أمثلة
بأعمال المخرجة هيفاء المنصور، وعهد كامل، لافتة إلى أن السينما السعودية
في طريقها لخلق هوية خاصة بها، بتناولها قضايا مختلفة بصورة صادقة.
ومن المقرر أن يستكمل “سيدة البحر” جولته بالمشاركة في
المهرجانات العربية والغربية؛ حيث أن محطته المقبلة ستكون عَبر مهرجان
سنغافورة السينمائي الدولي كأول عرض أسيوي للفيلم في الفترة من 21 نوفمبر
لـ 1 ديسبمبر المقبل لعام 2019، ويعمل صناع الفيلم على عرضه قريبًا في
المملكة العربية السعودية خلال الأيام المقبلة. |