·
عشقه للسينما الجادة دفعه إلى البقاء بلا عمل 5 سنوات
بانتظار مشروع جيد يعود به إلى الجمهور
·
ترك قسم اللغات الشرقية وتوجه إلى معهد الفنون المسرحية
·
أنعام محمد علي منحته فرصة ذهبية بترشيحه لزوجها محمد فاضل
لبطولة أحد الأعمال
·
«القومي للمسرح» أعلن تكريمه خلال الدورة المقبلة التي تقام
الشهر المقبل
·
الراحل قدم أكثر من 100 فيلم سينمائي في مسيرته الفنية
·
حضور كثيف خلال تشيع الفيشاوي إلى مثواه الأخير
بعد صراع مع مرض السرطان، وجراحة فاشلة أدخلته في غيبوبة،
رحل الفنان القدير فاروق الفيشاوي أمس، وشيعت جنازته من مسجد مصطفى محمود،
وسط وداع فني وشعبي للراحل الذي قدم العديد من الأدوار المميزة. ولد فاروق
الفيشاوي بمحافظة المنوفية، فوالده مهندس زراعي، ووالدته كانت ربة بيت.
نزحت الأسرة إلى القاهرة وكان عمره ثلاث سنوات، واستوطنت حي شبرا، حيث أمضى
طفولته ومراهقته وشبابه في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهو
الابن الخامس لأبيه من وسط 6 أبناء. بدأ الفيشاوي هواية التمثيل عندما كان
طفلاً، وأول شخصية قدمها على خشبة مسرح المدرسة الابتدائية كانت الزعيم
أحمد عرابي، كان وقتئذ في الصف الرابع الابتدائي قصيراً لا يظهر على
المسرح، لدرجة أن أسرته جاءت لتشاهده، وحاولت البحث عن أي علامة لكي تراه.
أول صدمة في حياة الفنان فاروق الفيشاوي كانت رحيل والده
عندما كان عمره 11 عاماً، رافق والده في زيارة شقيقته الكبرى، وعندما دخل
للاستراحة في غرفة النوم قليلاً فوجئوا بوفاته، حينما حاولوا إيقاظه من
النوم، وهو ما قال عنه "الواحد لما كبر أدرك كم كان أبي سعيداً. تعمل وتموت
بالراحة ولا تتعب ولا تتعب أنت من حولك، ما أجمل ذلك".
التحق الفيشاوي بكلية الآداب في جامعة عين شمس بنية التخصص
في اللغة الإنكليزية، لكنه تأخر في التسجيل أسبوعين ليجد القسم أغلق مكتفيا
بالعدد، مما اضطره إلى أن يدخل قسم اللغات الشرقية متخصصا في اللغة
التركية، وفي السنة الثانية ترك كل هذا وتوجه إلى معهد الفنون المسرحية.
أصبح الفيشاوي عضواً بفريق المسرح بالجامعة، وشارك في تقديم
مسرحية "المصيدة" التي كتبتها أغاثا كريستي، وشاهدها الراحل الكبير
عبدالرحيم الزرقاني الذي كان أحد المحكمين لمسابقات الجامعات، وبعد انتهاء
العرض طلب منه في هدوء شديد الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
منذ تلك اللحظة فكّر في الاحتراف، وبدأت تلح عليه الفكرة،
وكان يلتقي مع الزرقاني في مناسبات متفرقة، فيذكره كل مرة ويقول له "انت لا
تصلح لشيء آخر أنت ممثل"، وهو ما دفعه إلى الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية،
وقام بتأجيل امتحاناته بكلية الآداب لخوفه من الفن، إلى أن ترك الجامعة
بشكل كامل عقب تخرجه في المعهد.
المواجهة الأولى
أول مواجهة بين الفيشاوي والكاميرا كانت من خلال فيلم
"الحساب يا مدموازيل" الذي قامت ببطولته لبلبة ونيللي، حيث رشح من اساتذة
المعهد باعتباره أحد الوجوه الجديدة للمخرج أنور الشناوي، وكان هناك مشهد
يؤديه بمفرده وهو يمسك بسكين ويرفعها ويهبط بها في منتصف الكادر، وكانت
الكاميرا منخفضة، ونظرا لشدة توتره وخوفه من كسرها لو هبطت السكين عليها
كانت يده ترتعش، وتسبب الخوف والتوتر في إعادة المشهد 12 مرة.
أما أول عمل قدمه فكان مسلسل سهرة بالتلفزيون بعنوان "قابيل
وهابيل" وجسد فيه دور الشيطان، واختاره للدور المخرج محمد عيسى عندما شاهده
مع فريق الجامعة، بينما كان أول مبلغ يحصل عليه جنيها واحداً عن كل ليلة
عرض، عندما كان يمثل دور كومبارس في مسرحية "أقوى من الزمن" على المسرح
القومي، وكان وقتئذ طالبا بمعهد الفنون المسرحية.
فرحة حقيقية
تبنى الزرقاني الفيشاوي فنياً، واستعان به في بطولة مسرحية
"طائر البحر" لتشيكوف فور تخرجه من المعهد عام 1975، ولكن تأخر ظهورها حتى
1979، ومع ذلك ظل الزرقاني متمسكا به كبطل للمسرحية طوال هذه الفترة، بعدها
انتقل للتلفزيون وقدم مجموعة من المسلسلات في البداية حتى جاءت الفرصة
الحقيقية مع المخرجة أنعام محمد علي في مسلسل "حصاد العمر"، الذي كان أول
عمر مهم يقدمه الفيشاوي.
منحت انعام محمد علي الفيشاوي فرصة ذهبية بترشيحه لزوجها
آنذاك المخرج محمد فاضل، الذي كان يختار ابطال مسلسل "بابا عبده"، حيث رشح
لشخصية الدكتور ماجد، والتي رفض فاضل في البداية إسنادها إليه، ليس بسبب
عيب في التمثيل ولكن الشخصية التي قدمها في مسلسل "حصاد العمر" تحمل نفس
ملامح الدكتور ماجد في مسلسل "بابا عبده"، فكلاهما ابن، وكلاهما طبيب لا
يشعر إلا بنفسه، ولكنه في النهاية أصيب باليأس بعد رفض 10 ممثلين للدور،
ليس لأنه سيئ، لكن لأنه شرير، وبعض الممثلين يخشون من أداء ادوار الشر،
والواقع أن يأس فاضل كان الدافع الوحيد لقبوله مشاركة الفيشاوي في العمل.
فرصته كبرى
استمر التعاون بين الفيشاوي وفاضل أكثر من عمل منها "صيام
صيام"، إلى أن جاءت فرصته الكبرى معه ومع واحد من اهم كتاب الدراما في مصر،
وهو محسن زايد من خلال مسلسل "ليلة القبض على فاطمة"، ليقدم شخصية أمين
المنزلاوي.
لم يضع الفيشاوي خطة محكمة بعد نجاحه كفنان شباب، عندما
جاءته فرصة العمل بالسينما قبلها بلا تردد، وانطلق في مجموعة من الأفلام
المهمة مثل "المشبوه" مع عادل إمام، و"الباطنية" مع نادية الجندي، وغيرهما،
وبدأ تصنيفه كممثل سينمائي.
طبيب شاب
كرر الفيشاوي أدوار الانتهازي الوسيم كثيرا في بداياته
الفنية، وهو ما ارتبط بوجود نقص فيمن يقوم بهذه الأدوار من الممثلين
الشباب، فبدأ يشعر بالملل من التكرار، وقرر تغيير جلده عدة مرات، وهو ما
قال عنه في حوار سابق "معظم أدواري التي اخترتها احببتها ولم يفرض دور
بذاته فقدمت دور الطبيب في فيلم "ارجوك اعطني هذا الدواء" ومثلت دور
الانتهازي القانوني في فيلم "غدا سأنتقم"، وكذلك مثلت دور طبيب شاب في
"الطاغية"، كما مثلت دور ضابط الشرطة من خلال اكثر من فيلم مثل "المشبوه"،
وقدمت أدوارا كوميدية جبناً إلى جنب مع أدوار الأكشن".
السينما النظيفة
لم يعرف الفيشاوي ما يسمى بالسينما النظيفة وغير النظيفة،
إذ وجدها عبارة مقززة، لأن الفن من وجهة نظره ليس أرضيات أو ملابس للتنظيف،
فالسينما لها بريقها، ومهما شاهد الجمهور من مسلسلات تلفزيونية وتطور في
التصوير والدراما فلا أحد يضاهي سحر السينما وجمالها، حينما تنطفئ الأضواء،
ويسود الظلام وتلمع الشاشة والسينما، فهي للفنان أرشيفة الحقيقي الذي لا
يضيع بعكس التلفزيون، فهو جهاز بلا ذاكرة من وجهة نظره.
انتقد الفيشاوي منظومة السينما في السنوات الأخيرة وتحديداً
من بداية الالفية، فعشقه للسينما الجادة دفعه للبقاء بدون عمل خمس سنوات قي
انتظار مشروع سينمائي جيد يعود به إلى الجمهور، بينما عانى الشائعات التي
وصفها بأنها دائما ما تظلمه وهو ما جعله لا يرد عليها.
فرسان آخر الزمان
في مسيرته الفنية، قدم الفيشاوي أكثر من 100 فيلم سينمائي،
منها على سبيل المثال "فرسان آخر الزمان"، "الشطار"، "غرام وانتقام
بالساطور"، "الجاسوسة حكمت فهمي"، "الشيطان يغني"، "شقة الاستاذ حسن"،
"مطاردة في الممنوع"، "ابناء الشيطان"، بينما كانت آخر أعماله السينمائية
"ليلة هنا وسرور" مع محمد إمام.
وفي التلفزيون قدم عشرات الأعمال الناجحة منها "ادهم وزينات
وثلاث بنات"، "كناريا وشركاه"، "البر الغربي"، "خيال الظل"، "ألف ليلة
وليلة : الشاطر حسن"، "الدوائر المغلقة"، "عفريت القرش"، "ثورة الشك"
وغيرها من الأعمال التي بقيت خالدة بمكتبة التلفزيون.
3 تكريمات
خلال أقل من عام، اختارت 3 جهات الفنان فاروق الفيشاوي
لتكريمه عن مسيرته الفنية بدأت بمهرجان الإسكندرية لدول حوض البحر المتوسط
في سبتمبر الماضي، حيث اختار الفيشاوي اعلان اصابته بمرض السرطان على
المسرح بعد التكريم وقرر مواجهة المرض.
كما كرمه المركز الكاثوليكي للسينما في مهرجانه السينمائي
بنسخته الأخيرة، إذ حرص على تسلم التكريم بنفسه بالتزامن مع بدء العلاج من
السرطان، بينما أعلن المهرجان القومي للمسرح تكريمه خلال الدورة الجديدة
التي تقام الشهر المقبل، تقديراً لمسيرته المسرحية الكبيرة التي اختتمها
بتقديم دور جلوستر في "الملك لير" مع الفنان يحيى الفخراني.
زوج متعب وصديق جميل
المرأة في حياة فاروق الفيشاوي شكلت ركيزة أساسية، بداية من
علاقته بوالدته، مرورا بحبه لزميلته في مدرسة البنات، مرورا بالفنانة سمية
الألفي.
عن قصة حبه لسمية الألفي، قال الفيشاوي: "كنا زملاء، وبيننا
أحلام مشتركة، وزاد الحب بيننا، أنا وسمية كنا ثنائيا ظاهرا وناجحا في
منتصف السبعينيات، حققنا خطوات جادة كثيرة، وضحينا وبكينا وغضبنا وفرحنا
ونجحنا وفشلنا معاً، سمية إحدى أجمل المصادفات في حياتي، تزوجنا وأنجبنا
أحمد وعمر. هي كانت دائما سندي في مواقف صعبة تعرضت لها، وكل هذا جعل
علاقتي بها تستمر، رغم الطلاق".
وربط الفيشاوي الزواج بالحب، فتزوج للمرة الثانية من سهير
رمزي، وحدثت خلافات بينهما، وانفصلا، واستمرت صداقتهما.
أما زوجته الثالثة، نوران، فتزوجها وانفصل عنها في هدوء،
فيما أرجع انفصالاته عن زوجاته الثلاث إلى أنه زوج متعب، لكنه أخ وصديق
جميل جدا، لذا احتفظ بعلاقة صداقة معهن بعد الانفصال.
تجارب إنتاجية فاشلة
خاض فاروق الفيشاوي تجربة الإنتاج من خلال فيلمين، هما:
"استغاثة من العالم الآخر" و"مشوار عمر"، وهي أفلام وجد أنها لن ترى النور
من خلال شركات إنتاج تجارية، فقرر وضع تجربة عدد ممن سبقوه في الإنتاج مثل
أحمد رمزي في "لا تطفئ الشمس"، ليقدم أعمالا فنية تبقى باسمه كمنتج أيضاً.
خسر فاروق في كل فيلم قام بإنتاجه نحو 80 ألف جنيه، وهو كل
ما كان يملكه تقريباً، لكنه لم يشعر بالضيق، فهو فكر في مشروع مطعم وخسر كل
أمواله فيه، ومن ثم وجد أن الخسارة في الإنتاج أفضل من الخسارة في المشاريع
الأخرى.
توقف الفيشاوي عن الإنتاج، وهو ما قال عنه: "لا أعرف لغة
الأرقام، ولا كيفية التعامل معها، تلك اللغة لها أصحابها الذين يحفظون
قواعدها، ويستطعون التعامل معها بمنطق المكسب والخسارة، وعموما الإنتاج ليس
مهنتي، ولا يمكن أن أفكر في احترافه أبدا".
هاشتاغ الفنان الراحل التريند الأول عربياً
رثاءات متعددة من الفنانين عبرت عن حالة الحزن على رحيل
فاروق الفيشاوي، وكان عشرات الفنانين ومحبي الفنان الراحل بالمستشفى، الذي
لفظ أنفاسه الاخيرة به، في وقت ضجت مواقع التواصل بعبارات رثاء للفنان
الراحل، حيث أصبح هاشتاغ رحيل الفيشاوي التريند الأول عربيا، بعد ساعات من
رحيله.
ونعت صفحة تحمل اسم الفنان عادل إمام، فاروق الفيشاوي،
وأصدرت نقابة الممثلين بيان نعي للفنان الراحل، ووصفته بأنه كان وسيظل رمزا
فنيا، بينما كتب أحمد السقا: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا
لله وإنا إليه راجعون البقاء والدوام لله... الله يرحمه ويغفر له ويسكنه
فسيح جناته"، وعلق هاني رمزي: "مع السلامة يا روقه مشيت بسرعه قوي الله
يرحمك يا غالي وربنا يعزي كل محبيك في كل الدنيا وداعا".
أما الفنان محمود البزاوي فكتب: "مع السلامة يا أستاذ فاروق
هاتفضل في قلوبنا جميعا... سلسلة حافلة من الأعمال وتاريخ سينمائي كبير...
الحب في طريق مسدود، والمشبوه، والباطنية، وأرجوك اعطني هذا الدواء، ولا
تسألني من أنا، والقرداتي... حكاية جميلة اسمها فاروق الفيشاوي انتهت
النهاردة... ربنا يرحمك يا أسطورة".
وكتب المخرج عمر زهران، في حسابه على "فيسبوك"، "لم أكن
أدري أنها المرة الأخيرة للقائنا. لم أكن أدري أن صوتك حينما هاتفتني
لتهنئتي سيكون الأخير. وان ضحكاتنا عبر المكالمة هي آخر الضحكات. لم أكن
أدري أن موعدنا باللقاء في بيتك هو لقاء لن يتم. لم أكن أدري حين همست في
أذنك وأنا احتضنك وأطلب منك أن تطمئنني عليك أنك فقط تتظاهر بالقوة رغم
آلامك وأنك لا ترغب في الشكوى. لم أكن أدري أنك سترحل سريعا هكذا دون أن
نمتع عيوننا برؤيتك وأن نصبر قلوبنا بوداعك... أعطيتنا جميعا درسا لن
ننساه... حين علمتنا... كيف نواجه الموت... بابتسامة وقوة وشجاعة. وداعا
أيها الفارس النبيل وداعا فاروق الفيشاوي".
وكتب أحمد السعدني: "كان من أطيب وأنضف وألذ الناس اللي
ممكن الواحد يعرفهم في حياته، الفنان العظيم والإنسان الرائع روقه، الله
يرحمك يا حبيبي ويغفر لك أنتم السابقون"، بينما كتب محمد هنيدي عزاء للراحل
عبر حسابه على "تويتر". |