أفلام لا تفوتك في مهرجان القاهرة (2 من 3)
سبعة أعمال متوجة في كان وفينيسيا وطوكيو وسان سباستيان
بقلم: أسامة عبد الفتاح
**
من المكسيك إلى كولومبيا.. ومن كوسوفو إلى رومانيا: نساء
يقاتلن للحفاظ على أسرهن والحصول على حقوقهن
أواصل اليوم ترشيح الأفلام التي أرى أنها لا يجب أن تفوت
عشاق السينما من ضيوف وجمهور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 43،
المقرر إقامتها من 26 نوفمبر الحالي إلى 5 ديسمبر المقبل.
وبطبيعة الحال، أرشح جميع أفلام مسابقة "أسبوع النقد
الدولي" التي أديرها للعام الرابع على التوالي، ليس لأنني اخترتها، ولكن
لأن مستواها الفني يؤهلها لذلك. والمعروف أن المسابقة مخصصة للأعمال الأولى
أو الثانية لمخرجيها، وهي ثاني وآخر مسابقة دولية للأفلام الطويلة في
المهرجان بعد المسابقة الدولية الرسمية.
وتشارك في أسبوع النقاد الدولي هذا العام سبعة أفلام تمثل
العديد من الدول من حيث الإنتاج وتأتي من أربع قارات تحقيقا للتنوع الذي
نحرص عليه سنويا، وجميعها تُعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا، حيث لم يسبق عرضها سوى في الأقسام الرسمية لعدد من المهرجانات
الكبرى التي حصلت من بعضها على جوائز مهمة.
ونبدأ بـ"أمبارو"، إخراج: سيمون ميسا سوتو، إنتاج كولومبيا
والسويد وألمانيا، وشارك في أسبوع النقاد الدولي بمهرجان "كان" هذا العام..
وفيه تسابق الأم "أمبارو" الزمن وحدها لتحرير ابنها المراهق عندما تعرف أن
الجيش الكولومبي جنّده بالقوة وعلى وشك إرساله لأخطر جبهات الحرب الأهلية،
وتتحول عملية الإنقاذ إلى صراع من أجل بقاء أسرتها. وتعني "أمبارو"
بالإسبانية "حماية" أو "ملجأ"، وهو ما تقوم به الأم دائما، لكنها هنا تنتفض
لإنقاذ فلذة كبدها وسط النيران بالمعنى الحرفي للكلمة.
وهناك "قلب الغابة المظلم"، إخراج: سيرج ميرزابيكيانتز،
إنتاج بلجيكا وفرنسا، حيث يعيش "نيكولاي" (16 عاما) بين مؤسسة الرعاية
الاجتماعية وبيوت الأسر البديلة مطاردا بذكريات طفولته كلقيط، وعندما يقابل
"كاميل" (15 عاما) يقنعها بالهرب معه إلى الغابة لتكوين الأسرة التي يحلم
بها. ورغم أنه فيلم آخر من أفلام البلوغ أو المراهقة، لكنه يحمل روحا
"برية" مختلفة تشبه روحيْ بطليه الصغيرين اللذين يبدوان متمرديْن، لكنهما
في الحقيقة كائنان بائسان يبحثان عن الحب وعن الدفء الأسري الذي حُرما منه،
وتشبه كذلك الغابة التي لجأ إليها المراهقان، والتي تُعد – في استيعابها
لهما – "أُمّا بديلة" تعوض كلا منهما عن الأم التي فقدها.
ومن المكسيك، في إنتاج مشترك مع بلجيكا ورومانيا، فيلم
"المدنية"، إخراج: تيودورا ميهاي. وتدور أحداثه في شمال المكسيك، حيث يتم
اختطاف فتاة مراهقة، ويطلب الخاطفون فدية كبيرة من أهلها. ورغم سداد
الفدية، يتراجع الخاطفون عن إعادتها، وترفض السلطات المساعدة، فتأخذ أمها
على عاتقها مهمة العثور عليها. واستحق الفيلم "جائزة الشجاعة" من قسم "نظرة
ما" الرسمي بمهرجان "كان" السينمائي 2021 لأنه يقتحم بجرأة منطقة شائكة
تسودها الفوضى وتسيطر عليها شبكة عنكبوتية من العصابات بشمال المكسيك.
وأرشح فيلم "الغريب"، إخراج: أمير فخر الدين، إنتاج سوريا
وفلسطين وألمانيا، والذي ينقلنا إلى الجولان المحتلة، حيث يعيش "عدنان"،
الطبيب السابق، محاطا بالأزمات مع والده، الذي يقرر حرمانه من الميراث،
وأهل زوجته، بعد أن تحول إلى سكير.. وتتطور الأمور بعد أن يقابل جنديا من
جرحى الحرب في بلاده. ولا يحمل الفيلم فقط عنوان رواية ألبير كامو الشهيرة،
لكنه يغوص مثلها في أعماق رجل يعيش أزمة وجودية بعد أحاط به العبث من كل
اتجاه: حياته الشخصية التي تنهار، وعلاقته الشائكة بوالده، والأزمة العامة
التي يعاني منها الجميع في بلدته الواقعة تحت الاحتلال، حيث لا يمكن لأحد
الخروج منها أو دخولها إلا بالمرور من نقطة تفتيش إسرائيلية.
ومن المجر، في إنتاج مشترك مع سلوفاكيا، فيلم "جذور برية"
إخراج: هايني كيس، ويحكي قصة فتاة في الثانية عشرة تتمرد على حياتها مع
جدتها وتبحث عن والدها حتى تعثر عليه خارجا لتوه من السجن ويعمل حارسا
"عنيفا" في ملهى ليلي.. وهو عمل يغوص بمهارة، وبلغة سينمائية قوية ورقيقة
في آن واحد، في علاقة شائكة بين أب وابنته تبدو المسافة بينهما في البداية
كبيرة، لكننا نكتشف بعد قليل أنهما لا يختلفان عن بعضهما البعض، حيث يبدو
كلاهما – ظاهريا – عدوانيا، لكن الاقتراب منهما يوضح أن الحقيقة قد تكون
مختلفة، في أداء مدهش من ممثليْن من غير المحترفين تميزت المخرجة هايني كيس
في إدارتهما وكانت النتيجة عملا سيبقى في الذاكرة.
وتشمل الترشيحات الفيلم الروماني "قمر أزرق"، إخراج ألينا
جريجوري، وهو دراما أسرية قوية تمكنت من الفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان سان
سباستيان السينمائي في سبتمبر الماضي، من خلال الغوص في مشاعر "إيرينا"،
الفتاة التي تحلم بإتمام دراستها العليا في عاصمة بلادها بوخارست لكنها
تصطدم بأسرتها العنيفة المتسلطة التي تريدها أن تلتحق بأبيها في لندن. وتجد
"إيرينا"، في علاقة جنسية غامضة مع أحد الفنانين، الحافز لكي تواجه عنف
أسرتها.
وأخيرا هناك فيلم "فيرا تحلم بالبحر"، إخراج كالترينا
كراسنيكي، إنتاج كوسوفو وألبانيا ومقدونيا.. وهو عمل مؤثر عن الإنسان
العادي، ذي الأحلام البسيطة، عندما يصطدم بواقع مادي قاس لا يعرف العواطف،
وعن المرأة التي تبحث عن أبسط حقوقها لكنها تضطر لمواجهة مجتمع ذكوري متسلط
لكي تحصل عليها، حيث تكتشف "فيرا"، مترجمة لغة الإشارة، بعد انتحار زوجها،
أنه قام برهن بيتهما في لعبة قمار، وأن حادث انتحاره مرتبط بفضيحة يتورط
فيها عدد من "الكبار". والفيلم فائز بالجائزة الكبرى لمهرجان طوكيو
السينمائي الدولي الأخير وبجائزة أحسن إخراج لكراسنيكي من مهرجان فينيسيا
السينمائي. |