مايكل دوغلاس ليس نسخة عن أبيه كيرك بل أفضل منه
فيلم وثائقي جديد عنه يستكشف حياة ومهنة الممثل الذي بذل
قصارى جهده للخروج من عباءة والده الأسطوري
جيفري ماكناب
هناك قصة غريبة تروى عن أسطورة "هوليوود" كيرك
دوغلاس،
الذي رحل عنا في عام 2020. كان الرجل يشاهد أحد أفلامه القديمة على
التلفزيون في وقت متأخر من الليل، وبعد محاولات مجهدة، لم يتمكن من تذكر
الفيلم. وأخبر ابنه (وزميل مهنته) مايكل دوغلاس، "ثم أدركت أنني لم أكن في
الفيلم. لقد كنت أنت".
إنها حكاية تمر مرور الكرام في السيرة الذاتية التي كتبها
مارك إليوت عام 2012 لنجم فيلمي "وول ستريت" Wall
Street
و"انجذاب قاتل"
Fatal
Attraction،
لكنها تلخص تماماً التحديات الهائلة التي واجهها دوغلاس لوضع حد فارق واضح
بينه وبين والده الذي يشبهه كثيراً.
يوم الثلاثاء الـ16 من مايو الجاري، حصل دوغلاس على السعفة
الذهبية الفخرية "تقديراً لمسيرته المهنية الرائعة" في افتتاح "مهرجان
كان السينمائي" الذي
تربطه به علاقة طويلة، إذ كانت المرة الأولى التي خطى فيها على السجادة
الحمراء عام 1979 مع فيلم "متلازمة الصين"
The
China Syndrome
الذي يتناول كارثة نووية، تبعتها زيارات متكررة إلى الريفيرا الفرنسية مع
أعمال مثل فيلم الإثارة الحسي "غريزة أساسية"
Basic
Instinct
(1992) "الكبريتي" (بحسب وصف المكتب الصحافي لمهرجان كان) للمخرج بول
فيرهوفن، و"سقوط"
Falling Down
(1993) للمخرج جويل شوماخر، الذي لعب فيه دور رجل أميركي عادي تحول إلى شخص
يجيز لنفسه استخدام العنف بواسطة مضرب بيسبول، و"خلف أضواء الشمعدانات" Behind
the Candelabra
للمخرج ستيفن سودربرغ (2013) الذي قدم فيه أحد أكثر أداءاته الممتعة في دور
ليبيراتشه، فنان الترفيه رفيع المستوى.
هذه ليست سوى بعض الأدوار شديدة التنوع التي لعبها مايكل
على مدار 50 عاماً ماضية. يمكنكم أن تضيفوا إليها شخصية الأستاذ الجامعي
المشبوه (في فيلم "أولاد مذهلون" Wonder
Boysالصادر
عام 2000)، والمترف الفاسق الذي يتعرض للخطر (في "انجذاب قاتل"Fatal
Attraction
الصادر عام 1987)، والوحش المتعطش للمال (شخصية غوردون غيكو التي لعبها في
"وول ستريت" عام 1987)، والرجل الخشن على غرار إنديانا جونز (في "مغازلة
الحجر"
Romancing the Stone
عام 1984)، والقاضي المحافظ (في "مرور"
Traffic
الصادر عام 2000)، والعالم العبقري في أحد أفلام "عالم مارفل" للأبطال
الخارقين (شخصية هانك بيم في أفلام "الرجل النملة"
Ant-Man)
والممثل النزق المتقدم في السن (في مسلسل "طريقة كومينسكي"
The
Kominsky Method
الذي تعرضه "نتفليكس"). ومع ذلك، في كل كتاب أو مقالة عن مايكل تقريباً
يجري تناول قصته كأنها دراما أوديبية حقيقية. ووصل الأمر إلى حد أن "مهرجان
كان" استحضر اسم كيرك أثناء تقديم ما سمي "تكريماً مملوءاً بالتوثب" إلى
ابنه. [أوديب شخصية من المسرح الإغريقي عن شخص قتل أباه وتزوج أمه وكان
أباً لأخوته، من دون علم منه. واستعملها سيغموند فرويد للإشارة إلى علاقة
حميمية خاصة رأى أنها تربط
الابن بأمه، مما
يدخله في صراع مع أبيه].
في الملخص المعقد للفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان "مايكل
دوغلاس، الابن الضال" Michael
Douglas, The Prodigal Son،
الذي أخرجه أمين ميستاري وعرض في "مهرجان كان" كجزء من تكريم الممثل، يرد
أنه من خلال "إعادة تأمل حياته المعذبة، يبين لنا هذا الوثائقي كيف أن
مايكل، الممثل والمنتج مثل والده، توجب عليه، طوال حياته المهنية
الاستثنائية، قبول تشابههما من أجل تأكيد اختلافه".
في الفيلم الوثائقي، ينظر إلى محطات في حياة مايكل دوغلاس
ومسيرته المهنية من منظور تجارب والده. أخبرني ميستاري، "إنها الزاوية
الرئيسة في فيلمي. كيف يمكنك أن تكون مايكل حينما تكون كنيتك هي دوغلاس.
كيف تخرج من عباءة أبيك؟ من ناحية، إن امتلاكك أباً مشهوراً يعتبر فرصة،
وبالتأكيد، لكون والد مايكل هو كيرك، كان من الأسهل عليه أن يبدأ في صناعة
السينما. لكن في الوقت نفسه، كان الجميع يقارنون مايكل بوالده إلى أن فاز
بجائزة الأوسكار عن "وول ستريت". قالوا له إن شكلك، وطريقة مشيتك، مثل
والدك تماماً. أعتقد أن هذا كان عبئاً عليه".
إنها الحقيقة، ومايكل صورة طبق الأصل عن والده، يشبهه حتى
في تلك الغمازة الموجودة على ذقنه. وعلى غرار والده، إنه منتج وممثل،
ويتشاركان في سمات شخصية عدة أيضاً. كان كيرك دوغلاس زير نساء سيئ السمعة.
حينما ترددت أخبار في أوائل التسعينيات عن إرسال مايكل إلى مركز إعادة
تأهيل لإدمان الجنس، علق كيرك بسخرية، "لم أكن أدرك أن هذه مشكلة".
قلت ذات مرة إنني أكذب كل يوم. ماذا يكون التمثيل سوى كذب؟
لقد حررني ذلك كثيراً. مايكل دوغلاس
يرى ميستاري، "كان لديه بعض مشكلات الإدمان مثل اثنين من
إخوته وكذلك ابنه. بالنسبة إلى مايكل، إنها قضية حساسة. توجد في عائلته
مشكلات الكحول والمخدرات والجنس، والإدمان بأنواعه كافة". حينما تؤخذ هذه
الخلفية في الاعتبار، قد تتوقعون أن يتعامل النجم بأسلوب دفاعي مع الصحافة
ويتجنبها، لكن ميستاري يشير إلى أن العكس هو الصحيح. فحينما أجرى مقابلة مع
دوغلاس من أجل فيلمه الوثائقي، تعجب من مدى ودية وانفتاح النجم تجاهه. ووفق
ميستاري، "قبل اللقاء، تحدثت مع مساعده الشخصي وسألت عما إذا كان هناك
موضوع ما ربما يفضل مايكل عدم التحدث عنه، فأخبرني بأن لا. ليس عليك سوى أن
تسأل وسترى. كان باستطاعتي أن أوجه إليه أي سؤال أريده".
كذلك من المستطاع الإشارة إلى أن التجلي الحقيقي في مسيرة
دوغلاس المهنية لم يأت من مراقبة والده، بل من مشاهدة الممثلة الراحلة لويز
فليتشر التي شاركت في بطولة فيلم المخرج ميلوش فورمان الحائز على جوائز
أوسكار عدة "طيران فوق عش الواق واق"
One
Flew Over the Cuckoos Nest
الصادر عام 1975 والمقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب كين كيسي رأت
النور عام 1962، الذي شارك مايكل في إنتاجه إلى جانب سول سينتز. أدت فليتشر
دور ريتشيد الممرضة القاسية والسادية التي ترهب المرضى في مصحة للأمراض
العقلية. اشترى دوغلاس حقوق الملكية الفكرية لرواية كيسي من والده. قبل عقد
من الزمان، لعب كيرك دور البطل، آر بي ماكميرفي، على خشبة المسرح، ثم
استمات في محاولة إعادة إحياء شخصية ماكميرفي على الشاشة. لكنه لم يتمكن من
إقناع أي شخص بتمويل معالجة سينمائية للقصة. بحلول وقت الشروع في تنفيذ
الفيلم، غدا كيرك متقدماً كثيراً في السن ولم يعد يلائم ذلك الدور. رفضت
أسماء بارزة عدة الدور بمن فيهم مارلون براندو، قبل أن يتولاه جاك
نيكلسون.
أما بالنسبة إلى الممرضة ريتشيد، فلم تجرؤ نجمات الصف الأول في "هوليوود"
على الاقتراب من الدور. واندرجت الممثلتان جين فوندا وفاي دوناواي في عداد
النجمات اللاتي تكبرن على الشخصية التي كانت، ببساطة، سيئة للغاية. تفردت
فليتشر في عدم إبداء أي تحفظات على أداء دور شخصية أنثى كريهة وغير
متعاطفة، على غرار ريتشيد. وفازت بجائزة أوسكار على جهودها.
أوضح دوغلاس في مقابلة مع مدونة صوتية عام 2011 مع زميله
الممثل أليك بالدوين، "الحقيقة تقال، شخصية الشرير هي الخيار الصحيح". تبين
له في وقت مبكر أنك إذا لعبت دور الرجل السيئ، فستحصل دائماً على الحوار
الأفضل. قبل هذا التجلي، كان لدوغلاس نصيبه من أدوار البطولة عديمة الطعم.
لقد أدى دور الشرطي النزيه الذي يحقق في جرائم القتل إلى جانب كارل مالدن
الأكبر سناً في مسلسل "شوارع سان فرانسيسكو"
The
Streets of San Francisco
الذي استمر عرضه لفترة طويلة في السبعينيات. جاءت شخصيته واعية، ولائقة،
ومجتهدة، وبالتأكيد ليست من ذلك النمط الذي يمكنكم تخيله أثناء ممارسته
الجنس بوحشية مع غلين كلوز أو شارون ستون، أو ذلك الرجل الذي يتمتع بسطوة
كبيرة الذي أدى دوره في فيلم "وول ستريت".
بمجرد أن تحول دوغلاس إلى أداء أدوار في الجانب المظلم،
بدأت مسيرته المهنية كممثل تزدهر. وثمة خطاب واحد غير مفهومه في "هوليوود"
وحرره من عبء التنافس دائماً مع والده، إبان عمله في فيلم "وول ستريت"
(1987) للمخرج أوليفر ستون، تمثل في إعلان الممول الشيطاني الذي يجسده في
الفيلم، غيكو، عن بهجة الجشع. ويرد في الفيلم على لسان غيكو أن "الجشع،
ولعدم وجود كلمة أفضل، جيد. الجشع محق. الجشع ناجع. الجشع يكشف، ويخترق
ويصور جوهر الروح التطورية". كان يتحدث بهدوء ولكن بنبرة شيطانية مؤثرة.
استطراداً، شكل أداء دوغلاس لشخصية غيكو مصدر إلهام لأجيال
من الشباب الأميركي في السعي وراء الثروة الهائلة. وخلال لقائه ضمن المدونة
الصوتية مع بالدوين، تحدث الممثل بسخط حول عدد المرات التي بادره فيها
أصحاب الشأن بالحديث وشكروه لأنه أسهم في انتقالهم إلى وظائف في مجال
التمويل العالي المستوى. وأشار مايكل إلى أنه حينما أوضح لهم أن غيكو كان
الشرير في الفيلم وليس البطل الجيد، لم يستمعوا إليه، بكل بساطة.
تميز كيرك دوغلاس على الشاشة بدافعه العنيد، بـشهوته
للحياة" (أستعير هنا عنوان فيلم السيرة الذاتية المنمق بإفراط الصادر عام
1956 الذي لعب فيه كيرك دور الفنان فنسنت فان غوخ). سواء في دور الملاكم
(في فيلم "بطل" Champion
في عام 1949)، أو الصحافي عديم الضمير الباحث عن سبق صحافي يغير حياته
("الورقة الرابحة"
Ace in
the Hole
عام 1951)، أو الرقيق الروماني المتمرد (في شريط "سبارتاكوس" Spartacus
في عام 1960) أو الضابط الفرنسي أيام الحرب العالمية الأولى الذي يتعامل مع
رؤسائه المتعطشين للدماء ("دروب المجد" Paths
of Glory
في 1957)، أعطى دوغلاس الأب دائماً انطباعاً بأنه سيسحق أي شخص أو أي شيء
يعترض طريقه. كتب في سيرته الذاتية: "لقد ولدت عدوانياً وأعتقد أنني سأموت
عدوانياً".
بغض النظر عن التشابه الجسدي بينهما، إلا أن مايكل دوغلاس
على الشاشة لا يشبه والده تماماً. إذ يمكنه محاكاة رجولية كيرك وعدوانيته،
إلا أنه يتمتع بحساسية وهشاشة. وبحسب الناقد ديفيد طومسون في كتابه "قاموس
السير الذاتية في السينما"، أظهر دوغلاس الابن "قدرة نادرة على أن تكون
قوياً وضعيفاً في الوقت نفسه. توجد ذكرى والده في عينيه وفكه وشعره وصوته.
لكن هناك أيضاً رعبه من كونه يشبه كيرك كثيراً".
واستكمالاً، فحينما قدم دوغلاس سلسلة من أفلام
الإثارة الحسية في
أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تحول إلى رمز جنسي. وأصبح مشهوراً
بأداء شخصيات مضطربة أقرب إلى نمط الأدوار التي لعبها جيمس ستيوارت في
أفلام هيتشكوك في خمسينيات القرن الـ29، مما يعني أنها لا تملك سوى أدنى
شبه ممكن مع الشخصيات الواضحة الذكورية التي أتقن والده تقديمها. تحدث في
مقابلات عن جاذبية "تصوير الشهوة المهووسة وسط ما يبدو من الحشمة
والطبيعية". كذلك جاء اختياره للأدوار ذكياً، بفضل أشرطة شملت "انجذاب
قاتل" و"وول ستريت" وفيلم الإثارة عن التحرش الجنسي "انكشاف"
Disclosure
في عام 1994، أصبح النجم الذي وصل آنذاك إلى منتصف العمر، نقطة جذب
للنقاشات الثقافية التي ميزت تلك الحقبة حول المال والجنس والسلطة.
ليس دوغلاس ممثلاً منهجياً يتقمص أدواره، إنه أشبه بحرباء
ترى التمثيل على الشاشة كتمرين على الخداع. أسر لي ذات مرة، "أخبرني أحدهم
في وقت مبكر أن الكاميرا ستفضح دائماً حينما تكذب. قلت ذات مرة إنني أكذب
كل يوم. ماذا يكون التمثيل سوى كذب؟ لقد حررني ذلك كثيراً".
هل تمكنا من لمح دوغلاس الحقيقي على الشاشة على الإطلاق؟
يخبرني ميستاري أن هناك فيلماً واحداً يبدو فيه قريباً من نفسه، إنه فيلم
"انجذاب قاتل". ووفق ميستاري، "قبل أن أبدأ في إنتاج هذا الوثائقي، شاهدت
41 أو 42 فيلماً من أصل 45 أو 46 فيلماً شارك فيها مايكل. في ’انجذاب قاتل‘
تكون لدي انطباع بأنني أرى مايكل دوغلاس الحقيقي. لم أشعر بأنه يمثل!".
إنها ملاحظة غريبة بالنظر إلى أنه يؤدي دور زوج مخادع ينتهي
به الأمر إلى خوض معركة من أجل حياته مع امرأة انتقامية. لكن وجهة نظر
ميستاري، أن دوغلاس في هذا الدور طبيعي تماماً. قد لا يكون قادراً على
مجاراة ضراوة والده التي لا ترحم، لكنه حينما يقدم أفضل أداءاته، يضفي
عمقاً عاطفياً ودقة على أدواره لا يستطيع كيرك الكبير مضاهاتها.
حصل مايكل دوغلاس على "السعفة الذهبية الفخرية" في الدورة
الـ76 لـ"مهرجان كان" تكريماً له في حفل الافتتاح الذي أقيم يوم الثلاثاء.
عرض وثائقي "مايكل دوغلاس، الابن الضال" في المهرجان على مدار يومين، من
الأحد الـ14 من مايو الجاري ولغاية الثلاثاء الـ16 من مايو.
© The Independent |