ملفات خاصة

 
 
 

سينما جيم جارموش التي تخترق الواقع وتحول العالم إلى قصيدة

توج بالأسد الذهبي في "مهرجان البندقية السينمائي"

أشرف الحساني

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

يعد المخرج الأميركي جيم جارموش المتوج بجائزة الأسد الذهبي ضمن فعاليات الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي، علامة بارزة في السينما الأميركية المستقلة. ذلك إن أفلامه تتميز بأصالة قل نظيرها داخل هوليوود التي أصبح يطبعها في السنوات الأخيرة حرص مؤسساتها الإنتاجية على السينما الاستهلاكية التي تشاهد وتنسى. نحن أمام سينما حقيقية لها أبعادها الإنسانية ودوافعها الفكرية، لا الجمالية فحسب، تجاه الواقع. فالمشهد في حد ذاته يغدو مختبرا للتفكير وإدانة للواقع عبر آلية فلسفية تصور الواقع وتجعله ضربا من التخييل السينمائي.

لذلك تأتي أفلامه امتدادا لطبيعة الحياة الأميركية في عيشها وجمالياتها ومآسيها، فهي أفلام يغلب عليها البعد الفلسفي والاشتغال المكثف على تفاصيل الحياة اليومية كما هو الحال في فيلم "باترسون" الذي عرض ضمن "مهرجان كان السينمائي" سنة 2016 وهو عبارة عن قصيدة فلسفية يرصد من خلالها جارموش يوميات الكائن في فسحة وجوده. إذ على الرغم من الإمكانات الجمالية التي تحبل بها أفلامه الأخرى، فإن هذا الفيلم يتنزل مكانة خاصة في ريبرتواره السينمائي، لأنه يكشف بطريقة مذهلة كيف يمكن توظيف الشعر في السينما، لكن من دون أن تغدو القصيدة بذخا يعطل وظيفة الصورة السينمائية وتأثيرها على البناء البصري.

شعرية التفاصيل

يحرص جارموش في مجمل أفلامه على تجاوز البعد الاستهلاكي، بل بدا منذ فيلمه "القطار الغامض"(1989) غير مهتم بالسينما التجارية ومفاجآتها، بعدما غدت ركيزة أساسية في صناعة الراهن السينمائي العالمي. ولعل اهتمام جارموش بهذه الفلسفة السينمائية، جعله يحظى مع كل فيلم بشهرة واسعة ويفتح آفاقا مغايرة أصبح من خلالها أحد الوجوه السينمائية الأكثر إثارة للانتباه داخل السينما العالمية.

لعل اهتمام جارموش بهذه الفلسفة السينمائية جعله يحظى مع كل فيلم بشهرة واسعة ويفتح آفاقا مغايرة أصبح من خلالها أحد الوجوه السينمائية الأكثر إثارة للانتباه

حين نشاهد "باترسون" نشعر بالذهول حول الطريقة التي بها قبض المخرج على العالم من خلال قصيدة شعرية تبني شعريتها وجمالياتها على عنصر التكرار، لا داخل القصيدة وإنما عبر المتواليات الازدواجية البصرية التي يستخدمها المخرج.

 وقد أحدث الفيلم عند عرضه في "كان" جدالا كبيرا بين النقاد، إد جعلهم يتساءلون حول إمكان القبض على اللغة الشعرية داخل صورة. فعادة ما يتجنب الشعراء الكبار الحديث عن أعمالهم الشعرية على خلفية أن الشعر لا يشرح ولا ينبغي الحديث عنه، لذلك يتهرب مجمل الشعراء من الحديث عن دواوينهم ويفضلون تقديم مواقفهم وآرائهم حول قضايا وإشكالات ذات صلة بالثقافة عموما والكتابة الأدبية بشكل خاص.

يقدم الفيلم تصورا بصريا جديدا، فهو يعتمد في متوالياته البصرية على قاعدة منهجية تشبه فصول الروايات. ففي كل فصل يظهر لنا جارموش مجموعة من الأحداث العادية والقادرة عبر متواليات سردية بصرية على خلق المعنى، إنه يعمل بطريقة ما في جعل الحوار السينمائي متقشفا بين الشخصيات كمحاولة منه لإعطاء الشرعية كل ما هو عادي وعابر وزائر. ورغم وفرة المخرجين الذين اشتغلوا بشعرية التفاصيل داخل أفلامهم، فإن الاختلاف مع جارموش أنه جعل من هذه التفاصيل الصغيرة عماد الصورة السينمائية، لكونها تشكل رهانه الكبير في بناء الصورة في مخيلة المشاهد. حقق هذا الفيلم تقديرا نقديا، كمعظم أفلام جارموش، بسبب الاشتغالات البصرية المكثفة التي تطبعها وتجعلها تندرج ضمن الأفلام التي تأخذ من المخرج وقتا كبيرا للتفكير فيها وكتابة مشاهدها وحواراتها وترميم صورها قبل أن تظهر بتلك الحلة التي تطالعنا على الشاشة الكبيرة.

السينما المستقلة

ينتمي جيم جارموش إلى السينما المستقلة، وهو نمط سينمائي مبني على المغايرة والاختلاف، سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو الكتابة أو الإخراج. فهي أفلام "راديكالية" في تصورها السينمائي وتتعامل مع الواقع بنوع من الصراع التخييلي المقاوم للتفاهة المقننة التي يحبل بها الواقع. لذلك تأتي أفلام جارموش، من قبيل "العشاق فقط يبقون أحياء" و"الليل على الأرض"، بوصفها أفلاما ثائرة ليس من جانبها السياسي ـ الأيديولوجي وإنما من جانبها البصري، حيث تدخل في مناوشات مع الواقع وتحول الصورة السينمائية وسيلة بصرية قادرة على التفكير في قضايا ذات صلة بالمجتمع. ويحرص جارموش في مجمل أفلامه على جعل مفهوم الهامش مركزا للتفكير، بحيث أن كل الأفكار والمفاهيم والتصورات والأحلام والرؤى تنطلق من هامش المجتمع الأميركي ويحاول عبرها بناء سردية بصرية جديدة للواقع الذي ينتمي إليه.

بهذه الطريقة تغدو سينما جارموش عبارة عن سينما واقعية مفتوحة على متاهات الواقع الأميركي المتحول، إذ على الرغم من اهتمامها بأصوات الهامش، فإنها تضمر في طياتها نقدا حقيقيا للمركز.

نحن هنا أمام كتابة لا تحتفي بالمرئي وتجعله أفقا للتخييل، وإنما تحاول القبض على اللامرئي فتجعله مرئيا

تتأسس الصورة في أفلام جارموش على ما يمكن تسميتها بجماليات اللامرئي، أي أن المخرج رغم مدى حرصه على تصوير الأجساد والفضاءات والليل وفق طريقة خالية من الأضواء الاصطناعية، فإنه يحرص بشكل كبير على تصوير سيرة اللامرئي الذي يغدو بمثابة مرئي ـ بصري وأكثر قيمة من ذلك الذي كنا نتوهم أننا نعرفه. هذه الطريقة في القبض عن اللامرئي واللامفكر فيه، تجعل أفلامه عبارة عن مختبر تجريبي يفكر في السينما ويبحث لها عن أشكال إبداعية جديدة بها يضمن سيرورتها وأصالتها في وجدان المشاهد.

غير أن هذا الاشتغال على اللامرئي يجد ملامحه الجمالية في فعل الكتابة وليس الإخراج فحسب، فالكتابة هنا تتميز بطابع تجريدي مبني على الشعر والحلم، وبالتالي، حين يكون النص شعريا وموغلا في الحلم، يصعب من خلاله على المخرج بلورته بصريا ضمن تضاريس المشهد السينمائي. نحن هنا أمام كتابة لا تحتفي بالمرئي وتجعلهه أفقا للتخييل، وإنما تحاول القبض على اللامرئي فتجعله مرئيا.

سيرة اللامرئي

هذا الافتتان بالصمت والإيماءات والهامش والعلامات والرموز عند جيم جارموش، يكاد يكون هوسيا الى درجة أصبحت معه هذه العناصر الجمالية بمثابة أسلوب بصري يميز صاحب "أب أمّ أخت أخ"، فيلمه الأخير المكرم في "مهرجان البندقية"، ويجعله من المخرجين القلائل الذين يريدون إنتاج وكتابة وإخراج سينما مغايرة. سينما تثقف وتعلم وتدعو الناس إلى التفكير في حياتهم وأجسادهم وواقعهم. وهو مشروع سينمائي بدأ جارموش بالاشتغال عليه منذ سنوات وحاول في كل فيلم له أن يجعل هذه العناصر تبرز لا كمفاهيم وإنما كبراديغمات بصرية تمثل هوية سينماه وتمنحها ألقها وأصالتها في تخييل الواقع، إنما من الأسفل، أي إعطاء مفهوم الهامش بعدا مركزيا في النظر إلى العالم وتأمله. غير أن هذا الاهتمام بقاع المجتمع لا ينزع عن المخرج نظرته الجمالية تجاه الواقع الذي ينتمي إليه.

حرص جارموش في فيلم الأخير على وضع مفهوم العائلة فوق طاولة التشريح، لكن وفق أسلوب بصري يكتسي فيه الصمت بلاغة جمالية خاصة

حرص جيم جارموش في فيلم الأخير على وضع مفهوم العائلة فوق طاولة التشريح، لكن وفق أسلوب بصري يكتسي فيه الصمت بلاغة جمالية خاصة، وذلك من خلال لوحة ثلاثية تتوزع بين نيوجيرزي ودبلن وباريس، ويضم نخبة من النجوم السينمائيين، بينهم آدم درايفر وكايت بلانشيت، وتوم وايتس. وحسب آراء النقاد والصحافة العالمية، فإن الفيلم لا يخرج عن أسلوب جارموش في الكتابة والإخراج، فهو يفكك العائلة ويطرح من خلاله مجموعة من الأسئلة الفلسفية. وحرص المخرج في تصويره على الاكتفاء بالإيماءات وتقليل حدة الحوارات وعدم الدخول في التفاصيل الصغيرة التي تجعل أحيانا الصورة السينمائية تفقد فلسفتها وعمقها وجمالياتها.

يشدد جيم جارموش في العديد من مقابلاته الصحافية على أن السينما فن حركي لا تحركه أي قاعد مسبقة، شأنها شأن الحياة في تلقائيتها وفوضاها. لهذا يختار في صناعة أفلامه الطريق الصعب الشائك الذي لا يلهث وراء تقديم كل شيء للمشاهد وتحويل هذا الأخير كائنا يتلقى الأفكار والصور دون أي يفكر فيها ويمتحن أصالتها أو على الأقل دفقها الشعري، مشتغلا بطريقة مغايرة على توجيه النقد اللاذع للسينما التجارية التي ترتكز على مبدأ الربح والخسارة.

 

مجلة المجلة السعودية في

08.09.2025

 
 
 
 
 

جارموش فائزاً بالأسد الذهبي: الفن الذي يثير التعاطف..سياسي

المدن - ثقافة

فاز فيلم "أب، أم، أخت، أخ" للمخرج الأميركي لجيم جارموش بجائزة الأسد الذهب في مهرجان البندقية السينمائي، ويتناول الفيلم موضوعات العلاقات الأسرية والشيخوخة، من خلال لوحة ثلاثية تتوزع بين نيوجيرزي ودبلن وباريس، ويضم نخبة من النجوم من بينهم آدم درايفر وكايت بلانشيت وتوم وايتس.

مرتديًا نظارته الشمسية المميزة وبدلته الكستنائية الأنيقة، استلم المخرج جارموش جائزته بكلمات مؤثرة للغاية: "يا إلهي!". وقال: "بصفتنا صانعي أفلام، لا تُحفزنا المنافسة، لكن هذا أمر أُقدّره حقًا". وأعرب عن حبه لمدينة البندقية - "مدينة كازانوفا وفيفالدي وتيرينس هيل"، وشكر لجنة التحكيم والجمهور على تفاعلهم مع "فيلمنا الهادئ". كما أشاد بخطاب بيني سافدي عند استلامه جائزة أفضل مخرج عن فيلم "آلة التحطيم"، متفقًا على أنه "ليس لزاماً على الفن أن يتطرق للسياسة بشكل مباشر، ليكون سياسيًا. بل يمكنه إثارة التعاطف، وهي الخطوة الأولى نحو حل مشاكلنا". واختتم حديثه وسط استقبال حار للغاية وهتاف سيدة إيطالية "نحن نحبك يا جيم!"، مستعيداً خطاباً ألقاه أكيرا كوروساوا عند قبوله جائزة الإنجاز مدى الحياة من الأكاديمية: "لقد قال شيئاً من نوعه أنه كان قلقاً لأنه ما زال لا يعرف تماماً كيف يفعل ما يفعل، ولدي الشعور نفسه، أني في طَور التعلم طوال الوقت".

أما "صوت هند رجب"، للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، ففاز بجائزة الأسد الفضي للجنة التحكيم، وأثار موجة تأثر عارمة في المهرجان الإيطالي، وذرف الجمهور الدموع وهو يتابع مَشاهده، وحظيَ بتصفيق دام أكثر من عشرين دقيقة متواصلة.

وتعليقاً على هذا التتويج، قالت كوثر بن هنية: "لا يمكن للسينما أن تُعيد هند إلى الحياة وتمحو الفظائع التي ارتُكبت بحقها"، لكنها "قادرة على حفظ صوتها (...) لأن قصتها ليست لها وحدها، بل هي قصة مأسوية لشعب بأكمله يعاني إبادة جماعية ترتكبها حكومة إسرائيلية مجرمة تتصرف بعقلية الإفلات من العقاب".

"تأثير قوي في الحاضرين"

واستندت مخرجة "صوت هند رجب" إلى تسجيلات صوتية حقيقية للمكالمة بين الطفلة البالغة خمس سنوات وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، طلباً للنجدة، قبل مقتلهاوعُثر بعد 12 يوماً، على هند قتيلة داخل سيارة مثقوبة بالرصاص في مدينة غزة كانت فيها مع خالها وزوجته وأبنائهما الثلاثة الذين قتلوا جميعاً. وقبل مقتلها، ظلت هند ثلاث ساعات على الهاتف مع الهلال الأحمر الفلسطيني في 29 كانون الثاني/يناير 2024 فيما كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على السيارة التي كان قد قتل كل من فيها.

وكان المدير الفني للمهرجان، ألبرتو باربيرا، قد توقع في تموز/يوليو الفائت، قبل عرض الفيلم، أن يُحدث "تأثيراً قوياً في الحاضرين".

لائحة بالفائزين بجوائز مهرجان البندقية في دورته الـ82:

الأسد الذهبي لأفضل فيلم: "فاذر ماذر سيستر براذر" لجيم جارموش.

الأسد الفضي - جائزة لجنة التحكيم الكبرى: "صوت هند رجب" لكوثر بن هنية.

الأسد الفضي لأفضل مخرج: بيني سافدي عن "ذي سماشينغ ماشين" (آلة التحطيم).

كأس فولبي لأفضل ممثلة: شين شي ليه عن "ذي صن رايزز أون أس آل" (الشمس تشرق علينا جميعاً) لكاي شانغجون.

كأس فولبي لأفضل ممثل: توني سيرفيلو في "لا غراتسيا" لباولو سورنتينو.

جائزة أفضل سيناريو: "آ بيي دوفر" لفاليري دونزيلي.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة: "سوتو لي نوفولي" لجانفرانكو روزي.

جائزة مارتشيلو ماستروياني لأفضل ممثل واعد أو ممثلة واعدة: لونا فيدلر في "سايلنت فرند" (صديق صامت) لإيلديكو إنييدي.

حضور واسع للنجوم

وتميز المهرجان بحضور واسع للنجوم، خصوصاً الأمريكيون منهم، إذ يُعَدّ منصة انطلاق لجوائز الأوسكار، ويخصص مساحة واسعة من برنامجه للسينما الهوليوودية ومنصات البث التدفقي، خلافاً لمهرجان "كان"وكان أول الوجوه البارزة جورج كلوني الذي دَرَج على حضور المهرجان، وتبعته إيما ستون وجوليا روبرتس التي شاركت للمرة الأولى في الموستراكذلك كان لحضور نجوم أميركيين آخرين وقع بارز، على غرار دواين جونسون "ذي روك" الذي يجسد في فيلم "ذي سماشينغ ماشين" The Smashing Machine (آلة التحطيم) شخصية محارب في مجال الفنون القتالية المختلطة يُكافح إدمانه.

 

المدن الإلكترونية في

08.09.2025

 
 
 
 
 

«هند رجب» وضعت «البندقية» في ساحة المواجهة

شفيق طبارة

هذه المرة، تحوّل «مهرجان البندقية» في نسخته الثانية والثمانين، إلى مرآة تعكس هشاشة العالم، وتوتراته السياسية، وانقساماته الأخلاقية وقضاياه الحارقة على رأسها الإبادة التي تجري مباشرة على الهواء!

البندقيةمنذ تأسيسه، ظلّ «مهرجان البندقية السينمائي» يتباهى بمكانته كأيقونة للفخامة والنجومية. هذا العام لم يخرج عن الصورة النمطية: نجوم هوليوود ظهروا على السجاد الأحمر، وتلألأوا على ضفاف القنوات، كأنّ شيئاً لم يتغير. لكن ما تغير فعلاً هو ما كان يُعرض على الشاشة، لا ما يُعرض أمامها.

الفن السابع في قلب الواقع: فلسطين في كل مكان

وراء واجهة البريق، كانت هناك نغمة أكثر توتراً، أكثر صدقاً، وربما أكثر ضرورةً. السينما لم تعد تكتفي باللعب في هامش الخيال، بل عادت لتقتحم قلب الواقع، وتطرح أسئلته الأكثر إلحاحاً. رئيس لجنة التحكيم، ألكسندر باين، حاول أن يضع حاجزاً بين الفن والسياسة، مصراً في بداية المهرجان على أنه معني بـ«السينما فقط». لكن الأفلام نفسها كانت ترد عليه، واحدةً تلو الأخرى، بأن السينما لم تعد تملك رفاهية الحياد.

وفي الخارج، لم يكن المشهد أقل صراحةً. الاحتجاجات اليومية، شارات فلسطين على صدور المخرجين، الهتافات التي اخترقت جدران القاعات، كلها كانت تقول إنّ الصمت لم يعد خياراً. البندقية، التي دائماً ما تباهت بحيادها، قررت أخيراً أن تنحاز. لا إلى طرف سياسي، بل إلى الحقيقة نفسها.

في 2025، لم تعد السينما تكتفي بالرمزية أو التلميح. لقد أصبحت أداة مواجهة، وصرخةً في وجه عالم يتهاوى. لم تكن الأفلام مجرد ترفيه، بل وثائق حيّة من خطوط التماس الإنسانية، تحاول أن تذكّرنا بأن الفن، حين يصدق، لا يجمّل الواقع بل يفضحه.

جيم جارموش: جائزة مستحقّة

«الفنّ لا يحتاج بالضرورة إلى الحديث عن السياسة كي يكون سياسياً، التعاطف هو أول خطوة نحو إصلاح المشكلات التي نواجهها»، بهذه الكلمات اختتم المخرج الأميركي جيم جارموش كلمته أول من أمس أثناء تسلّمه جائزة «الأسد الذهبي» عن فيلمه «أب أم أخت أخ».

بإخراج واضح ومباشر وبسيط، يروي جارموش في ثلاثة فصول ومشاهد مختلفة ما لا يزيد عن محادثة عائلية. ينخرط الفيلم في حوار داخلي مع كامل أعمال جرموش السابقة، فهو دائماً ما سعى إلى تفكيك عبثية الحياة اليومية.

لكن هنا، ينقل هذا السعي إلى قلب العائلة، محوّلاً علم الأنساب إلى مسرح وجودي. يتكون الفيلم من حوارات وفواصل وصمت، لكن الفارق الجوهري هذه المرة أنّ ما لا يُقال ليس مجرد سخرية، بل جرح مشتعل، ذاكرة مثقلة، وألم يرفض أن يُسمّى.

هند رجب... جائزة وتضامن عالمي

جائزة لجنة التحكيم الكبرى ذهبت إلى فيلم «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية. هذه الجائزة لم تكن مجرد تكريم فنّي، بل بدت كأنها تصويت أخلاقي على موقف إنساني. رغم أهمية الفيلم كعمل فنّي سينمائي، جاءت هذه الجائزة في مشهد يتجاوز حدود السينما إلى فعل تضامن جماعي. هذه الجائزة بالذات لا تُمنح بناءً على معايير تقنية فقط، بل تعكس موقفاً من لجنة التحكيم تجاه ما يمثّله الفيلم. في سياق مهرجان طغت عليه السياسة، من تظاهرات تضامنية إلى تصريحات علنية من مخرجين ضد الحرب على غزة، كانت للجنة التحكيم كلمتها أيضاً.

أفضل إخراج لبيني سفدي

حصد المخرج الأميركي بيني سفدي جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «آلة السحق». الفيلم هو الأول لبيني من دون شقيقه جوش، وقد اختار فيه أن يوثق الحياة داخل وخارج الحلبة للمصارع مارك كير (دواين جونسون)، الذي حقّق هنا نجاحاً كبيراً بعيداً من أدواره المعتادة في الأكشن والكوميدي.

لم تكن الأفلام مجرد ترفيه، بل وثائق حيّة من خطوط التماس الإنسانية

يقدّم الفيلم رؤية متماسكة لرياضة غالباً ما يُنظر إليها بتبسيط مخل على أنها مجرد عنف. الخوف، وهم السيطرة، الهشاشة، والرغبة في التحكم... كلّها عناصر يحقنها سفدي في قلب التيار السائد، ليُعيد تشكيل فيلم الرياضة القتالية بطريقته الخاصة، ويكشف عن أبعاد جديدة في أداء بطله الذي دائماً ما حُصر في أدوار نمطية.

يدفع سفدي بفيلمه إلى أقصى الحدود الجسدية والنفسية. الكاميرا هنا لا تراقب من بعيد، بل تقترب بشكل شبه فاضح من أجساد الممثلين، تلامسهم، تتنفس معهم، وتكاد تفضح هشاشتهم. عين سفدي مشاركة، متحركة، مهووسة، ومتلصصة. إنها عين لا تكتفي بالرصد، بل تتورط، تتدخل، وتعيد تشكيل المشهد من الداخل.

جائزة لجنة التحكيم: نابولي كما لم تروها من قبل

جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت إلى الفيلم الوثائقي «تحت السحاب» للمخرج الإيطالي جيانفرانكو روسّي. في الفيلم اختار روسّي أن يروي مدينة نابولي بطريقته الخاصة، بتاريخها وحاضرها. الفيلم الأبيض والأسود الشاعري مثل جميع أفلام روسّي الوثائقية، ليس مجرد اختيار جمالي، بل هو اختيار مفاهيمي أيضاً، لقصيدة بصرية تتحوّل إلى علم آثار للزمن.

جوائز أخرى

أفضل سيناريو ذهب للفرنسية فاليري دونزيلّي وفيلمها «في العمل»، الذي يروي القصة الحقيقية لمصوّر ناجح تخلّى عن كل شيء ليتفرغ للكتابة، وليكتشف الفقر. هذا السرد الجذري، الذي يمزج بين الوضوح والسخرية الذاتية، يصوّر رحلة رجل مستعد لدفع الثمن النهائي من أجل حريته. أما جائزة أفضل ممثل، فذهبت للإيطالي الكبير توني سيرفلّو في فيلم «النعمة» لباولو سورنتينو.

في الفيلم، جسّد سيرفلّو بإتقانه المعتاد دور رئيس إيطالي خيالي. قال توني أثناء تسلّمه الجائزة: «حاولت أن أؤدي دوري بأفضل ما أستطيع ضمن حدود قدراتي» ثم أضاف: «أود أن أعبّر عن إعجابي، وإعجاب السينما الإيطالية، بأولئك الذين أبحروا بشجاعة نحو فلسطين، حيث تُهان الكرامة الإنسانية كل يوم».

ونالت جائزة أفضل ممثلة الصينية كزن زيلي عن فيلم «الشمس تشرق علينا جميعاً»، للمخرج الصيني كاي شانغجون. هذه الميلودراما اليائسة تتحدث عن رجل وامرأة في الصين المعاصرة. من المستحيل أن يجد المرء اهتماماً بفيلم لا يتطور، بل يندفع على منحدر طفيف بالكاد يُلاحظ. فيلم مرهق للمشاهد وللشخصيات أيضاً، وإن كانت هي متألقة.

ما شهدناه في البندقية هذا العام كان أشبه بنداء استغاثة، غرفة طوارئ ثقافية، محاولة أخيرة للتمسك بما تبقّى من معنى وسط عالم ينهار تحت وطأة التناقضات.

«مهرجان البندقية» في نسخته الثانية والثمانين، لم يكن مجرد حدث فنّي، بل تحوّل إلى مرآة تعكس هشاشة العالم، وتوتراته السياسية، وانقساماته الأخلاقية.

 

الأخبار اللبنانية في

08.09.2025

 
 
 
 
 

{صوت هند رجب} الحزين

علي حمود الحسن

حدث غير مسبوق شهده مهرجان فينيسيا السينمائي الـ82، حين عُرض الفيلم الوثائقي الروائي “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي خطف الأضواء في المهرجان، و”حصد تصفيقًا حارًا متواصلًا دام 24 دقيقة، كأطول تحية تُسجَّل في تاريخ المهرجان” بحسب وكالات.

الفيلم يتحدث عن الموت المُعلَن للطفلة هند رجب، المحاصرة في سيارة أقاربها المقتولين بنار الصهاينة المجرمين، والمحاصَرين بدبابات العدو قبل عام، إذ ترسل الصغيرة المرعوبة نداء استغاثة، فيستجيب مسعفان، ليُقتلا بدم بارد. تواصلت معها أمها لمدة 9 ساعات قبل أن تفقد الاتصال بها، وبعد مضي 12 يومًا بالتمام والكمال عُثر عليها ميتة وسط أقاربها. تقول أمها: “لا أتخيّل أن هناك أحدًا عاش هذا الشعور، أو يمكن أن يتحمّل هذا الشعور. أتكلم مع ابنتي وهي مصابة ولا أستطيع أن أصل إليها، تقول لي: تعالي خذيني ولا أستطيع، تقول لي: جائعة ولا أستطيع أن أطعمها، أشعر بالبرد ولا أستطيع تدفئتها”.

هذه الحكاية الحزينة التي أدمت قلب كل من شاهدها، حولتها المخرجة التونسية الفائزة بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان الـ76 عن فيلمها “بنات ألفة” إلى فيلم وثائقي روائي، إذ أعادت تمثيل الواقعة معتمدة على “الصوت” الحقيقي للطفلة أثناء استغاثتها، من خلال ممثلين من فلسطين وتونس. وهي ليست التجربة الأولى لهذه المخرجة الجسورة التي قلبت رأي الوسط الفني العالمي، الذي غالبًا ما يكون مُهيمَنًا عليه بفعل البروباغندا الصهيونية في هوليوود وشركات إنتاجها، حيث اعتمدت ذات التكنيك في فيلمها “بنات ألفة”.

الفيلم الذي سيُعرض في مهرجان تورنتو الذي انطلقت فعالياته مؤخرًا، حصل على دعم من نجوم هوليوود، منهم: براد بيت، وخواكين فينيكس، وروني مارا كمنتجين تنفيذيين، كما حضر كل من فينيكس ومارا العرض العالمي الأول للفيلم في اليوم السابع من المهرجان.

وقالت بن هنية في مقابلة لها مع الجزيرة الوثائقية: “إنها شعرت، فور سماعها مقطعًا صوتيًا لهند رجب مدته 70 دقيقة، بمزيج من العجز والحزن الشديد، مشيرة إلى أنها شعرت أن الأرض بدت تهتز من تحتها”. بعدها تواصلت مع الهلال الأحمر الفلسطيني لسماع الصوت كاملًا رغم ألمه، عندها قررت التخلي “عن كل شيء من أجل أن أصنع فيلم صوت هند رجب”.

وبعد ذلك، سارعت للاتصال بالهلال الأحمر الفلسطيني لسماع التسجيل الصوتي كاملًا، ووصفته بالمؤلم، لتقرر بعد ذلك المخرجة التونسية التخلي عن كل شيء من أجل صناعة فيلم هند رجب.

وبذلك نجحت بن هنية، التي وظّفت الصوت بطريقة مبتكرة بحسب نقاد شاهدوا الفيلم، في كشف مدى بشاعة جريمة إسرائيل. فعلى مدار ساعة ونصف شاهد جمهور فينيسيا قصة موت هند ابنة السادسة، وسط عجز الجميع عن إنقاذها، بفعل بطش الجيش الإسرائيلي المجرم. نجح الفيلم وتعاطف الجميع معه، وصارت حكاية طفلة غزة حديث الساعة ووصمة عار تلاحق النازيين الجدد.

 

الصباح العراقية في

08.09.2025

 
 
 
 
 

مخرجون وممثلون يوقّعون تعهّداً:

نرفض العمل مع المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في الإبادة

لندن/ العربي الجديد

وقّع مخرجون وممثلون وعاملون في السينما والتلفزيون، بمن فيهم فائزون بجوائز أوسكار وبافتا وإيمي والسعفة الذهبية، تعهداً يرفضون فيه العمل مع المؤسسات والشركات الإسرائيلية "المتورطة في الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني".

تجاوز عدد الموقعين على هذا التعهد 1200 شخص، من بينهم مخرجون مثل يورغوس لانثيموس وآفا دوفيرناي وآدم مكاي وبوتس رايلي وإيما سيليغمان وجوشوا أوبنهايمر ومايك لي؛ وممثلون منهم إيما ستون وأوليفيا كولمان وآيو إديبيري وليلي غلادستون ومارك رافالو وهانا أينبيندر وبيتر سارسغارد وإيمي لو وود وبابا إيسيدو وإيما سيليغمان وغايل غارسيا برنال وريز أحمد وميليسا باريرا وسينثيا نيكسون وتيلدا سوينتن وخافيير بارديم وجوش أوكونور.

ونشرت بيان التعهّد، اليوم الاثنين، منظمة "عاملون في مجال السينما من أجل فلسطين" (Film Workers for Palestine)، وذكر أن أمثلة التواطؤ تشمل: "تبييض أو تبرير الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري، أو الشراكة مع الحكومة التي ترتكب هذه الجرائم".

ووفقاً للأسئلة الشائعة المرفقة بالتعهد، تشمل هذه المؤسسات: مهرجان القدس السينمائي، ومهرجان حيفا الدولي للأفلام، ومهرجان دوكافيف، ومهرجان TLV للأفلام. وقالت منظمة "عاملون في مجال السينما من أجل فلسطين" إن "الغالبية العظمى من شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في إسرائيل، ووكلاء المبيعات، ودور السينما، والمؤسسات السينمائية الأخرى، لم تؤيد يوماً الحقوق الكاملة المعترف بها دولياً للشعب الفلسطيني". ويضيف نص التعهّد: "في هذه اللحظة الحرجة من الأزمة، إذ إن العديد من حكوماتنا تساهم في المجزرة في غزة، يجب أن نفعل كل ما في وسعنا لمواجهة التواطؤ في هذا الرعب المتواصل".

ووفقاً للموقّعين، فإن هذا الإعلان الجماعي استُلهم من حملة "صناع أفلام متحدون ضد الفصل العنصري"، التي أطلقها المخرجان جوناثان ديمي ومارتن سكورسيزي وأكثر من 100 آخرين عام 1987، للمطالبة بأن ترفض صناعة السينما الأميركية توزيع الأفلام في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري.

وفي هذا السياق، قالت الممثلة هانا أينبيندر: "ما نشهده في غزة خلال العامين الماضيين يهزّ الضمير. بصفتي مواطنة أميركية يهودية تذهب ضرائبها مباشرةً لتمويل الهجوم الإسرائيلي على غزة، أشعر بأن علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لإنهاء الإبادة الجماعية. في هذه اللحظة المحورية، ومع فشل قادتنا، يجب على الفنانين أن يتحركوا ويرفضوا التواطؤ".

العام الماضي، وقّع أكثر من سبعة آلاف كاتب وعامل في قطاع النشر تعهّداً مماثلاً، بمن فيهم سالي روني وفيت تان نغوين، لمقاطعة دور النشر الإسرائيلية المتورطة.

قال صنّاع الأفلام في تعهّدهم: "قضت أعلى محكمة في العالم، وهي محكمة العدل الدولية، بأن هناك خطراً يتمثّل بوقوع إبادة جماعية في غزة، وأن احتلال إسرائيل للفلسطينيين ونظام الفصل العنصري الذي تفرضه غير قانونيين. إن الوقوف من أجل المساواة والعدالة والحرية لجميع البشر واجب أخلاقي عميق لا يمكن لأي منا تجاهله. لذلك، يجب علينا أن نرفع صوتنا الآن ضد الأذى الواقع على الشعب الفلسطيني". وأضافوا: "نلبي نداء صُنّاع الأفلام الفلسطينيين، الذين حثّوا صناعة السينما العالمية على رفض الصمت والعنصرية وتجريدهم من الإنسانية، وعلى 'فعل كل ما هو ممكن إنسانياً' لإنهاء التواطؤ في قمعهم".

تابع الفنانون في بيانهم: "مستوحين من حملة 'صناع أفلام متحدون ضد الفصل العنصري' الذين رفضوا عرض أفلامهم في جنوب أفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري، نتعهّد بعدم عرض أفلامنا أو الظهور في أو التعاون بأي شكل من الأشكال مع المؤسسات السينمائية الإسرائيلية، بما في ذلك المهرجانات، ودور العرض، ومحطات البث، وشركات الإنتاج المتورطة في الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني".

 

العربي الجديد اللندنية في

08.09.2025

 
 
 
 
 

الوجه السعودي في المهرجانات السينمائية… ميلا الزهراني

فاصلة

تعود الفنانة ميلا الزهراني إلى مهرجان تورنتو السينمائي في دورته الخمسين المقامة حاليًا في كندا، عبر فيلم «المجهولة» للمخرجة السعودية البارزة هيفاء المنصور. ويعرض الفيلم في واحد من أقسام المهرجان المميزة، وهو قسم «سنتر بيس».

تحمل عودة الزهراني دلالة خاصة للفنانة السعودية، التي تزور المهرجان العالمي بعد مقابلتها الأولى مع المهرجانات الكبرى في فيلمها الأول «المرشحة المثالية»، الذي أخرجته المنصور أيضًا، وأخذت به الزهراني إلى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي سنة 2019، فاتحة لها أبواب العالمية. وبين التجربتين، تمضي ميلا بخطوات ثابتة لترسّخ مكانتها كواحدة من أبرز الوجوه في السينما السعودية.

تقول ميلا إنها لم تفكر يومًا أن تكون ممثلة. بدايتها كانت بالصدفة، حين أرسلت مقطعًا تمثيليًا صغيرًا لفريق عمل مسلسل «بشر» فوقع الاختيار عليها، وهناك وجدت من يساندها ويمنحها النصائح الأولى. وربما لذلك، تعبر دائمًا عن رغبتها في دعم المواهب الجديدة في صناعة السينما، إيمانًا منها بأن الأفلام القصيرة على وجه الخصوص تحمل متعة مختلفة.

الصدفة نفسها رافقتها في اختيار اسمها الفني. فـ «هبة» ابنة التسعة عشر عامًا التي تزوجت زواجًا تقليديًا وأصبحت أمًا في وقت مبكر من حياتها، كانت مشجعة متعصبة لفريق ميلان الإيطالي. كتبت اسمه كاملاً معرفًا لها على “انستجرام”، ثم اختصرته إلى «ميلا» ليصبح اسمها الفني

الاسم ارتبط بها أيضًا منذ عملها الأول كـ«موديل»، حين انتشرت صورها على نطاق واسع بعد جلسة تصوير لصديقتها خبيرة التجميل، لتدخل بعدها إلى عالم الفن من بابه الأوسع.

لم تكن ميلا متابعة شغوفة بالسينما أو الدراما، لكنها مع أولى خطواتها أدركت أن عليها أن تتعلم

وبينما واصلت حضورها الدرامي على الشاشة الصغيرة، ظلت تتطلع للسينما باعتبارها خطوتها الأهم، إذ ترى أن رصيد أي فنان يُكرَّس في الأساس عبر أعماله السينمائية، وهو ما يفسر حرصها الدائم على أن توازن بين التواجد التلفزيوني والتجارب السينمائية التي تعكس طموحها الأوسع.

بدأت بمشاهدة أفلام نجمها المفضل «ليوناردو دي كابريو»، والتحقت لاحقًا بعدد من ورش التمثيل والـ«ماستر كلاس» المقامة على هوامش المهرجانات في السعودية، حتى جاءت لحظة التحول مع «المرشحة المثالية». هناك، وجدت نفسها وسط فريق ألماني شديد الانضباط، وتحت قيادة مخرجة تعرف جيدًا ما تريده، فتعلمت منها معنى التمثيل، وكيفية الاستماع إلى الملاحظات والتعامل مع الكاميرا بوعي أكبر.

بين «المرشحة المثالية» و«المجهولة»، قدّمت ميلا تجارب سينمائية اتسمت بالتنوع في موضوعاتها ومدارس مخرجيها. من «قرقيعان» (2022) إلى «الشاهد الوحيد» (2023)، وصولًا إلى التجربة السينمائية الأهم «هوبال» (2024) لعبد العزيز الشلاحي، الذي رسخت فيه مكانتها واحدة من الفنانات السعوديات ذوات الأهمية، بسبب صعوبة الدور وأداءها المميز.

تصف ميلا «هوبال» بأنه “أمتع تجربة عاشت تفاصيلها”، وتعتبر أنه أعاد اكتشافها كممثلة. وحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا لافتًا بإيرادات تجاوزت 25 مليون ريال.

لا تخفي «ميلا» أنها ندمت على بعض اختياراتها، مثل مسلسل «مليار ريال» أو «الخطة ب» الذي جسدت فيه شخصية رجل ولم يُقدَّم كما تمنت. لكنها تؤكد أن حتى التجارب التي لم تكن راضية عنها كانت دروسًا مهمة. فهي لم تدرس التمثيل أكاديميًا ولم تنشأ في عائلة فنية، بل بنت مسيرتها بالاجتهاد والتجربة.

واليوم، وهي تخطو خطوة جديدة عبر «المجهولة» في تورنتو، تبدو ميلا الزهراني أكثر وعيًا بتجربتها، وأكثر ثقة في أن رحلتها لا تزال في بدايتها، وأن القادم سيحمل لها مساحات أوسع لتجسيد أحلامها على الشاشة، محلية كانت أم عالمية

 

موقع "فاصلة" السعودي في

09.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004