ملفات خاصة

 
 
 

روبرت ريدفورد...

فتى «صاندانس» التحقَ بالنجوم

شفيق طبارة

عن رحيل أسطورة هوليوود

روبرت ريدفورد

   
 
 
 
 
 
 

يطوي رحيل روبرت ريدفورد (1936 – 2025) صفحة آخر نجوم هوليوود الكبار. ممثل ومخرج ومثقف، جسّد أدواراً تبتعد عن العنف، وكرّس التزامه بالبيئة والحرية.

يطوي رحيل روبرت ريدفورد (1936 – 2025) صفحة آخر نجوم هوليوود الكبار. ممثل ومخرج ومثقف، جسّد أدواراً تبتعد عن العنف، وكرّس التزامه بالبيئة والحرية. من «بوتش كاسيدي» إلى «كل رجال الرئيس» و«ناس عاديون»، ترك إرثاً فنياً وسياسياً وثقافياً جعل السينما مرآةً لحلم إنساني ممكن.

من بين جيل الممثلين الذين ظهروا للمرة الأولى في الستينيات، جيل ما يسمّى هوليوود الجديدة، الذي ترك وراءه التمجيد البالي والمتبجّح للبحث عن تفسيرات أكثر واقعية. لقد كانوا ينظرون بشكل نقدي إلى سينما الماضي والواقع المعاصر والتاريخ الأميركي.

جيل الستينيات الذي غيّر قواعد السينما

أفاد هذا الجيل من وجود مخرجين يمتلكون رؤية فنّيةً متقدمةً، ونصوصاً مثالية معدّة بعناية، تتيح للممثل أن يتحرّر. نجوم مثقفون، عرفوا كيف يجمعون بين قواعد النجومية والمهارة التمثيلية المسرحية، والتكوين الأكاديمي، والخبرة التلفزيونية التي صقلتهم.

من بين هؤلاء ظهر روبرت ريدفورد (1936 – 2025) الذي انطفأ أمس، ليس فقط كممثل، بل كمثقف، وناقد، ورجل متكامل، وموهوب ووسيم وبطل. ريدفورد واحد من آخر النجوم القدامى، أحد يقينياتنا التي كانت متبقّية، الضامن لنوع معيّن من السينما.

صناعة أسطورة صاندانس كيد

ببنطال جينز، وقميص على طراز رجل «مارلبورو» وشعر أشقر أحمر مموّج، ونظارات دائرية، وابتسامة غامضة وعيون ماكرة، كان أحد أهمّ المتمردين والمختلفين. اكتشف وهو في جامعة كولورادو روحاً فنية. جرّب حظه في النحت، ثم المسرح فالتلفزيون، ثم التقى بالمخرج سيدني لوميت، الذي قدمه إلى عالم السينما، في وقت كانت فيه هوليوود تنهض من رماد عصرها الذهبي، مغيّرة المؤلفين والمواضيع والحرفيين.

بوتش (بول نيومان) وصاندانس كيد (ريدفورد) على وشك الانخراط في تبادل لإطلاق النار، يعلم صاندانس في فيلم «بوتش كاسيدي وصاندانس كيد» (1969 ــــ Butch Cassidy and the Sundance Kid) أنّ قتل خصمه لن يتطلّب الكثير، لكنه لم يكن مستمتعاً بالعنف، بل كان يعتبره إجراءً شكلياً. هذا الميل للابتعاد عن العنف تكرّر مع مواصلة ريدفورد تجسيد شخصيات ترفض العنف كخيار.

لكنّ صاندانس ليس أول الخارجين عن القانون في سينما ريدفورد، فقد أثبت نفسه للمرة الأولى في فيلم «المطاردة» (1961) لآرثر بن. رأيناه في دور تشارلي ريفز، السجين الهارب المتّهم ظلماً، بصفته شخصية غير عنيفة، مجرماً رغماً عنه.

في وقت كانت فيه أميركا تعيش خيبة أمل وسخرية سياسية متزايدة، قدم ريدفورد واحداً من أبرز أدواره في «المرشّح» (1972) مجسداً شخصية سياسية بصراحة آسرة. ثم في سنة 1973، حقّق نجاحاً ساحقاً في فيلم «اللدغة» الذي يُعد حالةً نادرة في تاريخ السينما الأميركية، يُنتقم فيها من جريمة قتل من خلال خدعة غير دموية، بدلاً من العنف التقليدي.

في العام التالي، لعب دور جاي غاتسبي في «غاتسبي العظيم»، رجل العصابات المتقاعد الذي حمل رومانسية مكسورة وكآبة راقية، مكرّساً مجدداً ابتعاده عن نمط الشخصيات العنيفة. ثم في سنة 1975، عاد مع المخرج سيدني بولاك في «ثلاثة من أيام الكوندور» معززاً صورته كوجه مدني مقاوم لهيمنة الأجهزة السرية، مقدماً شكلاً من أشكال السينما السياسية التي تتناول توتر العلاقة بين الفرد والدولة. لم تخل أعماله في تلك الفترة من الطابع السياسي، مثل «كلّ رجال الرئيس» (1976) الذي تناول فضيحة ووترغيت.

السينما البيئية والروحانية في أعماله

في أواخر السبعينيات، بدأ ريدفورد بترسيخ ملامح مشروعه السينمائي الخاص، الذي يتجاوز حدود الأداء التمثيلي إلى تبنّي رؤية ثقافية وفكرية متكاملة.

فيلم The Electric Horseman، الذي جمعه بجين فوندا، لا يُقرأ فقط كقصة فردية، بل كبيان سينمائي ينتقد الحداثة الصناعية ويبحث عن بدائل أكثر إنسانية واتصالاً بالطبيعة. هذا التوجه البيئي والروحاني لم يكن عابراً، بل شكّل محوراً متكرراً في أعماله اللاحقة، كما في «خارج أفريقيا» (1985) و«مروّض الخيول» (1998)، حيث يتحوّل الحنين إلى الطبيعة إلى عنصر سردي وجمالي أساسي.

أكثر لحظات هذا التوجه جاءت في «الطبيعي» (1983)، لا سيما في المشهد الختامي، حيث يظهر ريدفورد وهو يلعب البيسبول في حقل من الذرة. بالإضافة إلى هذا البعد البيئي، رسخت هذه الأفلام صورته كعاشق مثالي، تجاوزت الشاشة لتصبح جزءاً من الوعي الثقافي لجيل كامل.

صورته كعاشق مثالي تجاوزت الشاشة لتصبح جزءاً من الوعي الثقافي لجيل كامل

في سنة 1980، انتقل ريدفورد إلى الإخراج، فافتتح المرحلة بفيلم «ناس عاديون». هذا الفيلم الحميمي الذي يغوص في عمق العلاقات الأسرية، حقّق نجاحاً باهراً، وفاز بأربع جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج. كرّس بعدها وقته لأفلام تحمل طابعاً اجتماعياً وإنسانياً، كما في فيلم Brubaker، حيث جسّد شخصية مدير سجن يسعى لإصلاح نظام يعجّ بالظلم، متسلّحاً بأدوات الإصلاح والعدالة.

شكّل ريدفورد نموذجاً سينمائياً لما يمكن تسميته بـ«حلم كينيدي»: رجل أبيض، وسيم، إنساني، لم يقف عند صدمة 1968، بل تسلّل إلى المؤسسات بقناعة أنّه قادر على تغييرها من الداخل، وجعلها أكثر عدلاً وإنسانيةً.

من التمثيل إلى الإخراج

كانت سينماه مرآة ليوتوبيا ممكنة، لحلم قابل للتحقق، لعالم أجمل لا يرفض الاختلاف، ولا يقمع التنوّع، بل يحتضنه ويمنحه صوتاً وصورةً. على الشاشة، ابتكر ريدفورد شخصيات لا تُنسى بدت كأنّها مصممة خصيصاً له: متمردون ساحرون، وصحافيون عنيدون، ومحتالون بارعون. وضعته جاذبيته في عالم الأسطورة، لكن ما ميّز مسيرته المهنية هو الذكاء الذي أدار به رأس المال هذا. بينما كان الآخرون يُصنَّفون في صورة فتى الأحلام، سعى ريدفورد إلى أدوار تستكشف الهشاشة والشك والنزاهة الأخلاقية في مواجهة السلطة.

بين الالتزام السياسي والليبرالية الثقافية

مثّلت هذه البادرة أيضاً موقفاً سياسياً وثقافياً. لم يُخف ريدفورد قط التزامه بالقضايا التقدمية: حماية البيئة، وانتقاد حرب فيتنام، والمطالبة بحرية الصحافة.

بالنسبة للكثيرين، كان الوجه الودود لليبرالية الثقافية التي سعت إلى التوفيق بين بريق هوليوود والمسؤولية المدنية. هو المدافع عن الطبيعة، والمهتم بالاحتباس الحراري، من دون أن يكون متطرفاً. شكّك ريدفورد بلا هوادة في أصحاب السلطة وكان شديد التعلق بوطنه وقيمه. بأناقة، عرف كيف يُوظّف هالته للدفاع عن القضايا المُحببة إلى قلبه.

تجلّت التجاعيد على وجهه، لكنه لم يفقد شيئاً من جاذبيته. سوف يبقى فتى صاندانس، الذي استُلهم منه اسم مهرجانه الشهير «صاندانس». حدث أسّسه ريدفورد وحفر لنفسه مكانة فريدة في مشهد المهرجانات السينمائية الدولية، مُطلقاً أفلاماً ومؤلفين مستقلين، ومؤسسة تُقدم المنح والمساعدات الدراسية.

يوتوبيا أخرى، حلم آخر تحوّل إلى واقع رائع. والآن، نمضي قدماً، مع رغبات أخرى، إلى عصر جديد. سنة 2012، انتقد ريدفورد التسويق المتزايد للمهرجان قائلاً: «أريد أن يرحل المسوّقون الانتهازيون، ماركات الفودكا والهدايا المجانية وباريس هيلتون إلى الأبد، لا علاقة لهم بما يحدث هنا!».

كان ريدفورد، المتحفظ بشأن حياته الشخصية، الذي فقد ولدين، يفضّل روتينه في مزرعته في يوتا. أصبح رائداً في الحملات البيئية. ورغم رفضه وصفه بالناشط، إلا أنه لعب دوراً محورياً في الحملات ضد تلويث الطرق السريعة ومحطات الطاقة في الولاية. لم يكن هذا النجم وسيماً فحسب، بل امتلك شيئاً قوياً للغاية، ثقة بأننا جميعاً سنلاحظه ولو ظهر في الخلفية. تجاوز النجومية، ليصبح رمزاً لطريقة فهم السينما، وبالتالي الثقافة المعاصرة.

بوفاته، يختفي أيضاً نوع معين من نجوم السينما، يبدو أنّه لا يتكرر. في عصر الامتيازات السينمائية التي لا نهاية لها والعوالم المتوسعة، جسّد ريدفورد إمكانية أن يكون الممثل رمزاً للجاذبية الشعبية ومعياراً ثقافياً في آن، فهو يُدرك مدى حاجة العالم إلى الطبيعة والثقافة ليعيش ويفكر.

 

الأخبار اللبنانية في

17.09.2025

 
 
 
 
 

مظهره كان عائقا أمام مسيرته.. كيف صنع روبرت ريدفورد مجده الحقيقي؟

 - هاجر رضا

تصدر خبر وفاة الفنان العالمي روبرت ريدفورد، تريند موقع البث الأكثر شهرة جوجل، وذلك بعد إعلان وفاته عن عمر يناهز 89 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا سينمائيًا ضخمًا، وسيرة حافلة بالعطاء الفني والدفاع عن السينما المستقلة.

ريدفورد ظهر في أكثر من 50 فيلمًا، وأخرج أعمالًا خالدة، وفاز بجائزة الأوسكار عن فيلمه الشهير "أناس عاديون"، كما أسس مهرجان "صندانس" الذي أصبح المنصة الأهم لصانعي الأفلام المستقلين في العالم.

وُلد روبرت ريدفورد في 18 أغسطس 1936 في كاليفورنيا، وواجه حياة صعبة في بداياته، تخللها الفقر والمآسي العائلية، إلا أن موهبته وصموده وضعاه في مصاف النجوم الكبار بهوليوود.

مظهره الجذاب شكل عائقًا أمام مسيرته

رغم وسامته التي وصفها النقاد بأنها "منحوتة من جبل راشمور"، أكد ريدفورد في مقابلات عدة أن مظهره الجذاب شكل عائقًا أمام مسيرته، حيث واجه تحاملًا من بعض المخرجين الذين رأوه "مجرد شاب أشقر وسيم"، وليس فنانًا موهوبًا.

أول نجاح حقيقي له جاء مع فيلم "Butch Cassidy and the Sundance Kid" عام 1969 إلى جانب بول نيومان، حيث أصبحت صداقتهما من أشهر الثنائيات في تاريخ السينما

لاحقًا لعب دورًا محوريًا في فيلم "كل رجال الرئيس" حول فضيحة ووترغيت، مما أرسى مكانته كممثل يختار أدوارًا ذات بُعد سياسي واجتماعي، أما في الثمانينات، دخل عالم الإخراج، وحقق نجاحًا ساحقًا بفيلمه الأول "Ordinary People"، الذي نال عنه جائزة أوسكار أفضل مخرج.

على مدار مسيرته، دعم ريدفورد البيئة وحقوق السكان الأصليين، وكان ناشطًا سياسيًا في قضايا عديدة، مما عزز صورته كمثقف فني وإنساني ملتزم، وأعلن اعتزاله التمثيل عام 2019، لكنه ظهر لاحقًا في بعض الأعمال مثل مسلسل "رياح مظلمة"، مؤكدًا أن الشغف لا يموت حتى في نهاية العمر.

وفاة ريدفورد تأتي بعد سنوات من الحزن الشخصي؛ حيث فقد ابنه ديفيد عام 2020 بسبب مضاعفات مرضية، وهو ما وصفه سابقًا بأنه "عقاب قاسٍ" من القدر على ما ناله من شهرة وجاذبية.

 

الدستور المصرية في

17.09.2025

 
 
 
 
 

رحيل النجم الهادئ: إرث روبرت ريدفورد يتجاوز وسامته

إيهاب التركي

بنى روبرت ريدفورد مسيرته الفنية كصخرة تقاوم العواصف، كأنها جبال يوتا بصخورها المتحدرة وغاباتها الهادئة، هذه المدينة ذات المشاهد الرصينة الهادئة شديدة الجمال، تعكس شخصيته وتتناغم معها. ربما لهذا اختارها كمكان للتقاعد والتأمل. ولد ريدفورد في 18 أغسطس 1936 في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، لأب يعمل محاسبًا في شركة نفطية وأم من أصل سويسري، كان ذلك الشاب الشقي الذي سرق غطاءات السيارات في المدرسة الثانوية، وفقد منحة جامعة كولورادو في البيسبول بسبب الإفراط في الشرب. ومن هناك، من بداياته الفنية في الرسم والمسرح، إلى قمة النجومية في هوليوود كممثل، ثم كمخرج ومنشئ صاندانس، أحد أهم المهرجانات السينمائية، ومناضل بيئي، ريدفورد لم يكن مجرد نجم هوليوودي سطحي؛ كان رمزًا للأناقة الهادئة والالتزام والعمق. توفي في 16 سبتمبر 2025 عن 89 عامًا، في دياره بيوتا، حيث أحب أن يستريح.

من الشوارع الشقية إلى أضواء المسرح

كانت بدايات ريدفورد كطفل شقي في شوارع سانتا مونيكا، لكن من بين هذه الفوضى، برزت بذور موهبته كزهرة تنبت في صخر الواقع. في الخمسينيات، درس الرسم في معهد برات والمسرح في الأكاديمية الأمريكية للفنون الدرامية، وسافر إلى أوروبا ليستكشف نفسه، قبل أن يعود ليبدأ التمثيل في التلفزيون مع مسلسلات مثل Maverick وPerry Mason في 1960. أول دور سينمائي له كان في War Hunt (1962)، لكنه حقق الشهرة على مسارح برودواي في Barefoot in the Park (1963)، حيث لعب دورًا رومانسيًا أضاء مسيرته، وقدمه إلى هوليوود عندما أعاد تقديم دوره في فيلم يحمل الاسم نفسه أمام جين فوندا. نفس الدور قدمه عادل إمام في 1979، في فيلم مصري مقتبس بعنوان "خلي بالك من جيرانك". هذه البدايات كانت كجذور قوية، فتنوع تجاربه - الرسم، المسرح، التلفزيون - أعطته أبعادًا عميقة، مما جعله يقدم أداءً سينمائيًا يجمع بين الرقة والقوة.

على سبيل المثال، دوره في Inside Daisy Clover (1965) كان لوحة سينمائية دافئة، مفعمة بالعواطف، لرجل يحمل قلبًا شاعريًا، بينما The Chase (1966) أظهر قدرته على الغوص في بحر الدراما الهائج. التحدي كان في قيود الانطباعات الأولية، إذ تقيّد بأدوار الشاب الوسيم، فشعر أن الوسامة كالجبال، حاجزًا يتطلب اجتيازه بالصبر.

قمم النجاح ورياح التحول

مسيرة ريدفورد كانت كسلسلة جبال ممتدة في الأفق، ترتفع وتهبط، لكنها دائمًا تظل شاهقة. في السبعينيات، بدأت القمم تتشكل مع Butch Cassidy and the Sundance Kid (1969) إلى جانب بول نيومان. رقص الثنائي في حلبة الغرب المتوحش، فأصبح العمل رمزًا للصداقة الخالدة. تلاه The Candidate (1972)، الذي نال ترشيحًا للأوسكار كأفضل فيلم، وThe Way We Were (1973) مع باربرا سترايسند، حيث كانت كل لقطة كأغنية حب تتردد في القاعات. في الثمانينيات، Out of Africa (1985) جعله نجمًا عالميًا، بينما كان التحول الكبير مع إخراجه Ordinary People (1980)، الذي فاز بأوسكار أفضل مخرج، كأنه فتح نافذة جديدة لروحه. في التسعينيات، A River Runs Through It (1992) كان كنهر يروي الروح الأمريكية، وQuiz Show (1994) نال أربعة ترشيحات للأوسكار، مما أظهر براعته كمخرج. في الألفية الجديدة، The Company You Keep (2012) وAll Is Lost (2013) أضاءا مسيرته كنجم يرفض الاستسلام، لكن في 2018، أعلن تقاعده مع The Old Man & the Gun، كأن الجبال دعت روحه للراحة بعيدًا عن الأضواء الباهرة.

مهرجان صاندانس: نبض الروح المستقلة

تأسس مهرجان صاندانس في 1978 تحت عنوان مهرجان يوتا، قبل تغيير إسمه عام 1981 إلى إسمه الحالي، تيمنا بإسم شخصية صاندانس كيد، التي أداها روبرت ريدفودرد في فيلم Butch Cassidy and the Sundance Kid. كان المهرجان قمة راسخة في صرح مسيرته الفنية، كأنه نبع جديد، روى الصحراء السينمائية ومنحها وسيلة لإزهار إبداع أكثر أصالة. في يوتا، حيث أحب أن يعيش، أسس ريدفورد هذا المهرجان لدعم السينما المستقلة، مستوحيًا من شغفه بالطبيعة وحرصه على إعطاء صوت للمبدعين الجدد. بدأ كرؤية بسيطة، لكنه تحول إلى منصة عالمية، حيث أطلق أفلامًا أيقونية مثل Little Miss Sunshine (2006)، Whiplash (2014)، وThe Farewell (2019)، تلك الأعمال التي حصدت جوائز وأضاءت أسماء جديدة. في 2025، أصبح المهرجان رمزًا للإبداع، مع حضور سنوي يتجاوز 50 ألف زائر. كان صاندانس كحقل ينبت الأحلام، حيث منح المخرجين المستقلين فرصة للتحليق، كما في Get Out (2017) الذي أطلق جوردان بيل. لكن العقبات المالية جعلته يعاني من تقلبات وأزمات نقص التمويل في بعض السنوات. ريدفورد كان يرى المهرجان ابنًا روحيًا، وقال في إحدى المقابلات إن صاندانس ملاذ يشعر فيه بأن الفن لا يزال حيًا.

النجومية بين الوسامة والعمق

قدرته ساحرة في الجمع بين الجمال والعمق، كما في Out of Africa حيث كان البارون دينيس رمزًا للحرية الروحية. لكنه ظل يعاني تكرار صورة "الوسيم الهادئ"، كما في The Great Gatsby (1974)، حيث كان الجمال يطغى على التعبير. أداء ريدفورد الهادئ كان يخفي قوة داخلية. في Butch Cassidy and the Sundance Kid، كان مثل راقص جريء يتحدى الزمن، بينما في The Sting (1973) أظهر ذكاءً كأنه لعبة شطرنج سينمائية. كمخرج، فيلمه Ordinary People كان كمرآة تعكس ألم الأسر، حيث أظهر عمقًا عاطفيًا يمس القلب. في All Is Lost (2013)، كان وحده في البحر، صوت صموده يتردد كصخور صلبة تتحدى عبث الأمواج الثائرة. تعبيراته الصامتة تحكي كل شيء عن رجل يشعر بالألم ويتعلق بطوق الأمل. أعماله البارزة كانت كسيمفونيات ملحمية تصدح في قاعات السينما، من Butch Cassidy and the Sundance Kid الذي حقق نجاحًا تجاريًا هائلًا وأسس صداقته مع نيومان، إلى The Sting (1973) الذي نال سبعة جوائز أوسكار كتحفة في سرد حبكة خداع ملهمة. كمخرج، Ordinary People (1980) فاز بأربعة جوائز أوسكار، بينما Quiz Show (1994) نال أربعة ترشيحات كفيلم ينبش في الفساد. A River Runs Through It (1992) كان كنهر يروي الروح، وAll Is Lost (2013) كان صرخة صامتة، نالت ترشيحًا للأوسكار. أفلام مثل All the President's Men (1976) كانت كشافًا ينير الخداع وأكاذيب السياسة.

إرث الفنان والإنسان

حياة ريدفورد الشخصية كانت كأنغام بيانو، مليئة بالفرح والألم. تزوج لولا فان فاجينين في 1958، وأنجبا أربعة أطفال، لكن فقدان ابنه الرضيع سكوت أنتوني المفاجئ في 1959 ، بعد أسابيع من ولادته، كان كطعنة في القلب. هذه التجربة شكلت جزءًا من شخصيته الثابتة، الهدوء الصامد والألم النبيل، وانعكست على أعماله، كما في Ordinary People الذي عكس الألم الأسري. انفصل عن زوجته الأولى في 1985، وتزوج سيبيل ساجارس في 2009. كان والدًا حنونًا، وداعمًا لأبنائه في الفنون، مثل ابنته شاون الرسامة وجيمس الكاتب. فقدان ابنه سكوت ظل يصاحبه في كل سنواته، فأصبح محبًا للهدوء والخصوصية، مما جعله يبدو متعاليًا في عيون بعض الجمهور. على جانب النشاط الاجتماعي، كان ريدفورد محبًا للطبيعة، يدعم قضايا البيئة، مثل الطاقة المتجددة والحفاظ على الغابات، وشارك في حملات ضد تغير المناخ، شارك كراوي في فيلم Sacred Planet (2004) المدافع عن البيئة، ونقد الرأسمالية في فيلم The Candidate (1972). تأثيره الشخصي والفني كان كشجرة تنمو في الصحراء، لكن انتقاداته الحادة جعلته يبدو متعاليًا أحيانًا.

كاريزما روبرت ريدفورد أكثر من مجرد بريق نجومية ممثل أشقر وسيم، كان هادئًا كنسيم يعبر الوديان، هادئًا لكنه يترك أثرًا لا يُمحى في وجدان المشاهد. لم يكن نجمًا يلمع ببريق عابر، بل كان منارةً تنير دروب الفن والإنسانية. على الشاشة، كانت عيناه تحملان حكايات العالم، تجمع بين همس العاشق وثبات المحارب، بينما في صاندانس زرع بذور الإبداع لتزهر أحلام جيلٍ جديد. كان صوتًا للأرض، يغني للغابات وللأنهار، مدافعًا عن الطبيعة بقلبٍ ينبض بالمسؤولية. ريدفورد، الرجل الذي عاش بكرامة وغادر بهدوء، ترك إرثًا كالجبال التي أحبها: شامخًا، خالدًا، يتحدى الزمن، روحٍ عاشت لتُلهم الفن والإنسانية.

 

مجلة هي السعودية في

17.09.2025

 
 
 
 
 

روبرت ريدفورد: فتى هوليوود الذهبي...ونور شمس بيروت!

نورما عبد الكريم

رحل نجم السينما الأميركية، روبرت ريدفورد، صباح الثلاثاء، عن 89 عاماً، في ولاية يوتاه، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" التي أفادت بأنه توفي في منزله أثناء نومه، من دون تحديد سبب الوفاةوجسّد ريدفورد بجاذبيته وقدراته التمثيلية اللافتة، وجهاً مشرقاً للولايات المتحدة، إذ كان مناصراً للبيئة وملتزماً ومستقلاً ونجماً بارزاً طبع المكتبة السينمائية بأفلام باتت كلاسيكيات مثل "بوتش كاسيدي أند ذي ساندانس كيد" (1969) و"ذي ستينغ" (1973)، و"أول ذي بريزيدنتس مِن" (1976). وبعدما أمضى 20 عاماً في التمثيل، انتقل إلى العمل خلف الكاميرا ليصبح مخرجاً حائزاً جائزة أوسكار، وشارك في تأسيس "مهرجان سندانس" الذي أصبح مرجعا دوليا للسينما المستقلة.

كان ريدفورد، واسمه الأصلي تشارلز روبرت ريدفورد الابن، ناشطاً بيئياً ملتزماً، وناضل أيضاً من أجل الحفاظ على المناظر الطبيعية والموارد في ولاية يوتاه حيث كان يعيشوقد عُرف الممثل المولود في 18 آب/أغسطس 1936 في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا، لأب محاسب، بتأييده للديموقراطيين ودفاعه عن قبائل الأميركيين الأصليين.

عرضت عليه الاستديوهات الهوليوودية الكبرى حوالى 70 دوراً، معظمها لشخصيات إيجابية وملتزمة (مثل "ثري دايز أوف ذي كوندور") أو رومانسية (مثل "ذي غرايت غاتسبي"). وأثار التعاطف بأدائه حتى في أدوار الشر كما الحال في "بوتش كاسيدي أند ذي سندانس كيد" و"ذي ستينغ"، وصولاً إلى أحدث أفلامه "ذي أولد مان أند ذي غن" .(2018)ومن أبرز المحطات في مسيرته، مشاركته في سبعة أفلام من إخراج سيدني بولاكورغم حصوله على جائزة الأوسكار العام 2002 عن مجمل أعماله، إلا أنه لم يحصل على هذه المكافة المرموقة عن فيلم محدد كممثل، مع أن الكثير من أدواره نال استحساناً في أعمال شهيرة مثل "جيرميا جونسون" (السعفة الذهبية 1972)، و"أول ذي بريزيدنتس من" (أربع جوائز أوسكار 1977)، و"أوت أوف أفريكا" (سبع جوائز أوسكار 1986).

لكن هناك قصة لطيفة تربط ريدفورد ببيروت، تحلو استعادتها غداة رحيل هذه الأيقونة السينمائية التي تماهت معها ثلاثة أجيال على الأقل، ليس في أميركا وحدها، بل حول العالم، بين جمهور ومشتغلين في الفن السابع...

لعبة تجسس

في أجواء تستعيد أيام الحرب اللبنانية في الثمانينات، وعلى وقع أغنية "نور الشمس"، يدخل النجم الأسطوري الأميركي روبرت ريدفورد، الذي توفي أمس الثلاثاء عن 89 عاماً، مطعما صُوّر على انه في بيروت، ضمن فيلم "سباي غايم"، ويبدأ حواراً مع محبوب هوليوود براد بيت فيما لا تزال أصداء الأغنية تسمع في خلفية الحديث. وتطرق ريدفورد إلى الطائفية في لبنان بقوله "17 مذهباً وكلهم لا يثقون في بعضهم البعض"، ليخلد بذلك في الذاكرة لحظة نادرة في هوليوود تجمع بين الشرق والغرب بأسلوب عصري، بعيداً من النمطية السائدة في تصوير العرب. فما هي قصة أغنية المطربة اللبنانية باسكال مشعلاني؟ ولماذا تم اختيارها تحديداً في هذا الفيلم؟

غالباً ما تكون المشاهد الأيقونية في هوليوود ثنائية بين نجمين كبيرين، باستثناء قصص النجاحات الباهرة والأدوار البطولية، وهذا المشهد في فيلم "سباي غايم" (لعبة تجسس) الذي انطلق عرضه العام 2001 يندرج ضمن هذه القاعدة، بجمعه بين النجم الأميركي روبرت ريدفورد، الملقب بـ"الفتى الذهبي" و"أيقونة هوليوود"، وبراد بيت الملقب أيضاً بـ"فتى هوليوود الذهبي". بسلاسة وبساطة يتحدث الرجلان في هذا الفيلم من إخراج توني سكوت، بحضور حبيبة براد بيت التي التقاها خلال مهمة سرية له كعميل لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بيروت في الثمانينات، وفي الخلفية مان لا يزال يمكن سماع صوت باسكال مشعلاني في أغنية "نور الشمس".

الأغنية الواردة ضمن ألبوم مشعلاني الذي يحمل الاسم نفسه، كانت في أوج نجاحها حتى خارج حدود العالم العربي، وبما أن الفيلم يخترق عالم الجاسوسية في أجواء تشويق ويتضمن مشاهد عالمية تم تصوير معظمها في المغرب، كان من الضروري استخدام أغنية باللغة المحلية في الشق المتعلق ببيروت لإضفاء نكهة أصيلة على أجواء مطعم يفترض انه في العاصمة اللبنانية. 

عوامل عديدة تتضافر عادة لاختيار أغنية لفيلم ما، إلى جانب رواج الأغنية: الذوق الشخصي، إذ نها قد تكون نالت إعجاب المشرف على الموسيقى او مدير التصوير الفني، وكذلك الشعور الذي تخلفه لدى المستمعين بغض النظر عن الكلمات، أو حتى كونها تتباين مع الأغاني الرسمية المعتمدة للفيلم وتضفي عليه أجواء معينة مثل الرومانسية أو الحنين. وفي حالة فيلم "لعبة تجسس" فإن الهدف الأساس كان الإقناع بأن البيئة الثقافية هي فعلا في بيروت، فيما جمالية اللحن وأصله يوناني، تتناسب مع طريقة دخول ريدفورد إلى المطعم وتعطيها بعدًا فنياً جمالياً. لكن الاختيار كانت أسبابه أعمق، إذ كان هناك بعض التردد في استخدام أغنية عربية، ولأن الإدارة الفنية أرادت أغنية تستخدم في الإطار المناسب من دون تنميط العرب أ إعطاء انطباع خاطئ، بحسب قول المشرف الموسيقي على الفيلم جيمارك روزويل.

يقول روزويل في مقابلة اجراها معه موقع "ذا ميوزيز ميوز" في 2002 عن أهمية اختيار الموسيقى للأفلام إن "الحبكة هي غالباً ما يوّجه العمل" وفي حالة فيلم "سباي غايم"، "كدنا نرفض أغنية عربية بناء على تصوير العرب في المشهد. ولأن الأغنية استُخدمت في السياق المناسب، فقد تمت الموافقة عليها في النهاية". وهكذا وقع الخيار على أغنية "نور الشمس" المأخوذة عن لحن يوناني.

أغنية "نور الشمس" التي حققت نجاحاً في مطلع الألفية الثانية من كلمات عادل رفول، ونسقت موسيقياً مع لحن يوناني هو بالأصل للمغنية اليونانية ليتسا ديامنتي أطلقتها العام 1998. لكن كلمات الاغنيتين تختلفان كلياً. ففيما تضفي أغنية باسكال مشعلاني مشاعر الرومانسية والنوستالجيا والحب بصور شاعرية: "نور الشمس نور جبينك، إنت الأمس عمري سنينك، إغمرني بهمس من حنينك، وإحلم بس إنت حبيبي"، فإن الأغنية اليونانية تطرح السؤال: "ماذا تريد؟" و"ماذا تطلب؟" لتعكس مشاعر الخيبة والألم من هذه العلاقة وصراع داخلي عاطفي.

وأغنية "نور الشمس" التي جاء توزيعها أسرع من النسخة الأصلية مضمناً إياها نبض الحياة وحماسة الرقص، نجحت في نقل صورة حانة او مطعم يعج بسكان محليين وأجانب ليأخذ طابعا كوزموبوليتياً خصوصاً مع أضواء خافتة وتصاعد دخان السجائر وديكور عصري، ما ساهم في تعزيز مشاعر الغموض والخطر المبيت في أجواء الجاسوسية، الى جانب المشهد المليء بالتناقضات وهو دخول روبرت ريدفورد وسيره على وقع موسيقى هذه الأغنية البعيدة كل البعد من الموسيقى الأميركية الهوليوودية.

وفيما العالم يرثي ريدفورد، الطفل الكاليفورني الذي انتقل للعيش في جبال ساندانس، حيث أسس معهد ساندانس للأفلام المستقلة لعام 1981، من أكبر النجوم والسياسيين، وصولاً الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال: "كان روبرت ريدفورد عظيماً، لقد أمضى سنوات لم يكن فيها أحد أفضل منه"، وذلك رغم ليبرالية النجم الأميركي وكان داعماً للديموقراطيين ومن أشد معارضي سياسة ترامب.

وإذ ذهبت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية الى حد تحليل سر وسامته علمياً، مستندة الى آلية من علم الرياضيات كانت تستخدم لدى الإغريق لقياس جمال الوجه، مستنتجة أنه حقق نسبة 82,31 بالمئة من هذا المعيار، فقد عبّر كثيرون عن تقديرهم ومحبتهم لأسطورة السينما ريدفورد، ونقلت "بي بي سي" عن أحد النقاد قوله إن ريدفورد كان يتمتع "برشاقة جسدية سلسة، وإشراقة داخلية تجعله أحياناً يبدو وكأنه مُضاء من الداخل"... سبب آخر ليناسبه مشهد "نور الشمس" الذي لن يخفت طالما يشاهد الناس.أعماله 

 

المدن الإلكترونية في

17.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004