يُنظر عادة إلى أفلام السيرة الشخصية
(Biography Movie)
باعتبارها نوعاً سينمائياً أصيلاً درجت السينما الأمريكية وهوليوود
بالتحديد على
تقديمه كل سنة. وسنة 2007لم تكن استثناءً من هذه القاعدة، فقد شهدت أفلاماً
من هذا
النوع امتازت بالتنوع والجودة معاً، وتناولت أشكالاً سينمائية
مختلفة منها الويسترن
كفيلم (مقتل جيسي جيمس على يد الجبان روبرت فورد) ومنها ما كان موسيقياً
مثل فيلمي
(كونترول)
و(أنا لست هناك) والتاريخي مثل (أليزابيث: العصر الذهبي) و(وداعاً
بافانا). ولكن هذه النوعية من الأفلام دائماً ما كانت تثير سجالاً وجدلاً
واسعاً
عند عرضها، مما يفتح الباب مشرعاً على مصراعيه للتكهنات حول
مدى مصداقيتها
التاريخية، فهل يمكننا اعتبار أفلام السيرة الذاتية مجرد مرآة تعكس الشخصية
الحقيقة
التي يتناولها الفيلم من دون المساس بها؟ أم أنها وسيلة فنية لتقديم فيلم
سينمائي
يلقي الضوء على شخصية حقيقية على أرض الواقع لكن من دون إهمال
الجانب التخيلي؟.
في الحقيقة واجب السينما كأداة فنية وتعبيرية أن تتمرد على
السيرة الحقيقية وأن
تتجاوز الإطار الزمني والمكاني وتلغي سرد التفاصيل، وأن تقدم لنا الجزئيات
الهامة
في
حياة صاحب السيرة، تلك التي تخدم النص السينمائي حتى ولو كانت تافهة وليست
ذات
شأن طالما صاحب العمل (أياً كان مخرجاً أو سيناريست) يوظفها
جيداً لإنجاز نص مبدع
وخلاّق يرتكز على لغة سينمائية عالية. ويمكن القول أن أولى خطوات النجاح
لأفلام
السيرة هي بإهمال الجوانب والمراحل التاريخية وتركيز الاهتمام بالإنسان
القابع خلف
هذه الشخصية، وهذا قطعاً يتطلب كاتب سيناريو ذكي أكثر من ممثل
بارع في الأداء
لاختراق الشخصية وسبر أغوارها درامياً، ووجود العاملان بلا شك كفيل بنجاح
وتخليد
الفيلم. ومن أفلام السيرة الناجحة هذه السنة:
مقتل جيسي
جيمس على يد الجبان روبرت فورد
من أكثر أفلام السيرة الذاتية التي كان الجمهور يترقبها، حيث
يحكي الفيلم القصة
الحقيقية لمجرم شهير يدعى جيسي جيمس، أحد أشهر الخارجين عن القانون في
أمريكا والذي
عاش في القرن التاسع عشر، وقصته مع شخص آخر يدعى روبرت فورد شريكه السابق
في
العصابة التي كان يتزعمها جيسي نفسه، وكيف تحول إعجاب فورد
بجيسي إلى جنون دفعه في
نهاية المطاف إلى قتله. هذا الفيلم الذي أخرجه وكتب السيناريو له
النيوزلندي أندرو
دومينيك عن رواية لرون هانسن، أدى فيه النجم براد بيت شخصية المجرم جيسي
جيمس
ببراعة، لكن الذي سرق الأضواء هذه المرة هو كيسي أفليك (شقيق
الممثل بن أفليك) بدور
القاتل الجبان روبرت فورد. مخرج الفيلم أندرو دومينيك أهمل التفاصيل التي
تضمنتها
الرواية حيث لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب للأسباب الاجتماعية
والاقتصادية التي
دفعت جيسي جيمس للتمرد والخروج على القانون، وبدلاً منها صب كل
اهتمامه في رسم شخوص
الفيلم، والعلاقة بين جيسي جيمس وروبرت فورد وما تضمنها من لحظات توتر
وترقب طوال
ساعتين وأربعين دقيقة هي مدة الفيلم.
تحكم
- Control
فيلم درامي موسيقي هو العمل الأول لمخرجه الأمريكي أنطون
كوربين الذي نال "إشادة
خاصة" أثناء عرضه في تظاهرة (أسبوع المخرجين) في مهرجان كان السينمائي
الدولي.
كوربين الذي بدأ حياته كمخرج للكليبات الموسيقية يقدم في فيلمه الأول قصة
المغني
الشاب (إيان كورتيس) الذي لمع اسمه في السبعينات وانتهت حياته فجأة بعد أن
قرر
الانتحار في ظروف غامضة وهو في الثالثة والعشرين من عمره.
الفيلم مصور كاملاً
باللونين الأبيض والأسود مما أضفى عليه بعض الجماليات في الصورة بالإضافة
إلى
سيناريو مميز مأخوذ عن مذكرات شخصية كتبتها ديبورا كورتيس.
Into the Wild
في رابع عمل سينمائي له، وبعد آخر أفلامه (العهد-the
pledge)
في عام 2001يقدم
الممثل والمخرج الحائز على الأوسكار شون بن فيلمه هذا الذي يحكي القصة
الحقيقية
لشاب متفوق في دراسته يدعى (كريستوفر مكاندليس) الذي قام فور
تخرجه من جامعته
بالتبرع بمبلغ 24ألف دولار هو كل ما ادخره طوال هذه السنين، لينطلق بعدئذ
إلى
الآسكا حيث المغامرة واكتشاف الحياة ويلتقي خلال رحلته بالعديد من الشخصيات
التي
تؤثر في حياته. "شون بن" الذي انتظر عشر سنوات ليحصل على
موافقة عائلة مكاندليس
لعمل الفيلم، يبرع هنا في تصوير الترحال وسحر المغامرة ودمجها مع البحث عن
الذات في
توليفة سينمائية غاية في الجمال وهو ما يجعله مرشحاً قوياً هذه السنة
لترشيحات
الأوسكار، فهل سيوفق؟!.
أنا لست
هناك - Im Not There
فيلم درامي تجريبي للمخرج تود هاينز يستعرض فيه حياة المغني
الأمريكي الشهير (بوب
ديلان)، حيث يتناوب خمسة ممثلين في أداء شخصية ديلان من هؤلاء ريتشارد غير
وهيث ليدجر وكريستيان بيل. بالإضافة إلى مشاركة الممثلة البارعة كيت
بلانشيت.
أليزابيث
العصر الذهبي
كيت بلانشيت من جديد في الدور الذي أطلقها في سماء النجومية،
فبعد أن اختارها
المخرج البريطاني الهندي الأصل شيكار كابور للعب دور الملكة اليزابيث
الأولى في
مرحلة حياتها المبكرة في فيلم (اليزابيث) عام 98لم يدر بخلدها أنها ستقوم
تحت إدارة
المخرج نفسه بلعب الدور مرة أخرى في هذا الفيلم الذي يكمل فيه
سرد حياة أعظم شخصية
حكمت بريطانيا، حيث يبرع كلاً من كابور وكاتب السيناريو ويليام نيكلسون
ومعهما كيت
بلانشيت في استعراض حياة اليزابيث الملكة والإنسانة والعاشقة في دراما
تاريخية لم
يكن لها نفس النجاح الجماهيري والنقدي الذي حققه الجزء الأول.
حرب
تشارلي ويلسون
يلتقي النجمان توم هانكس وجوليا روبرتس معاً في فيلم من توقيع
المخرج المخضرم
مايك نيكولز، حيث يلعب توم هانكس شخصية عضو الكونغرس الأمريكي تشارلي
ويلسون الذي
كانت له توجهات في دعم المقاتلين الأفغان في حربهم ضد المعسكر السوفييتي في
الثمانينات. الفيلم له حظوظ كبيرة في موسم ترشيحات الغولدن
جلوب والأوسكار.
وداعاً
بافانا - Goodbye bafana
فيلم من إخراج بيل أوغست يحكي القصة الحقيقية لحارس سجن جنوب
أفريقي أبيض يدعى
جيمس غريغوري، يؤدي شخصيته الممثل البريطاني جوزيف فاينز، الذي ارتبط بأشهر
سجين
سياسي في القرن العشرين. اسم ذلك السجين هو (نيلسون مانديلا)!. الفيلم
مأخوذ من
كتاب السيرة الذاتية لغريغوري الذي يحكي سيرة حياته منذ نشأته
في مزرعة وتعرفه على
صبي أسود يدعى "بافانا" ما لبثت الصداقة أن تعززت بينهما. ومع مرور الأيام
التحق
غريغوري في سلك الشرطة وتم تعيينه حارساً في السجن الذي يقبع
خلف قضبانه نيلسون
مانديلا!. لا يتميز الفيلم عن غيره من أفلام السيرة الذاتية لا من ناحية
الشكل ولا
الأداء الذي ظهر ضعيفاً من قبل الممثل دينس هيسبرت في شخصية
مانديلا، وعادياً من
قبل البقية.
أهمية دور
الممثل
شهد حفل الأوسكار لموسم أفلام سنة 2004تنافساً محموماً لنيل
جائزة أحسن ممثل بين
ليوناردو دي كابريو الذي أدى شخصية هوارد هيوز في فيلم (الطيار) وبين
الممثل الأسمر
جيمي فوكس بدور مغني البلوز راي تشارلز في فيلم (راي)، وانتصر راي على هيوز
في تلك
السنة. وفي العام الذي يليه انتزع فيليب سيمون هوفمان الأوسكار
عندما أدى شخصية
الكاتب ترومان كابوتي في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم من يد خواكين فينكس
الذي أدى
هو
الآخر شخصية جوني كاش، مغني الكانتري الشهير في فيلم
(walk the line).
وفي العام
الماضي
اقتنص الممثل فورست ويتكر الأوسكار بسهولة بعدما أبدع في تقمص شخصية الرئيس
الأوغندي الراحل عيدي أمين في فيلم (آخر ملوك اسكتلندا). ومن خلال هذا
الاستعراض
السريع لآخر ثلاث سنوات نرى أن الممثلين الذين قاموا بأداء
أدوار لشخصيات حقيقية،
اكتسحوا جوائز الأوسكار فوزاً وترشيحاً، وهذا مرده إلى التألق في تقديم
صورة مقاربة
للشخصية الحقيقية والجدية في الأداء الدرامي، والاهتمام بالتفاصيل
الأخلاقية
والإنسانية التي يبرزها الممثل المبدع والخلاّق الذي يغوص في
أعماق الشخصية ليستخرج
أبعادها المفعمة بالحياة. فهل سنرى براد بيت بدور جيسي جيمس وكيت بلانشيت
بدور
الملكة أليزابيث، وتوم هانكس وجوليا روبرتس وغيرهم في قوائم الترشيحات أفضل
الممثلين هذه السنة؟ سنرى ذلك قريباً.
الرياض السعودية في 10
يناير 2008
|