بخصوص ما
نشرناه في هذا العمود بعدد المدى في 20/11/2007 بعنوان (مجلة من دون ال
التعريف) بعث لنا الفنان الرائد يوسف العاني بهذا التعقيب حول تاريخ صدور
المطبوع السينمائي في مصر.. وبودنا ان نشير ان ما كتبنا لم يكن لم يتعلق
بالمعلومات التاريخية لصدور المطبوع السينمائي العربي بل بصدور اول مجلة
سينمائية عراقية فضلاً عن وجهة نظر في المطبوع الجديد (سينما ومسرح)
ولاهمية التعقيب ننشره مع الاعتزاز بفناننا الكبير العاني.
يوسف
العاني
حديث يثير
حديثاً آخر..!
فمع
اعتزازي بمجلتنا "السينما" التي اصدرها المخرج والصديق "كأمران حسني" اواسط
الخمسينيات بعد عودته من دراسته في الولايات المتحدة لفن وصناعة السينما،
الى بغداد ومساهمتنا محررين فيها متحمسين لها فانها لم تكن - كما اشار
اليها- الناقد "علاء المفرجي" في الصفحة السينمائية بجريدة "المدى" بتاريخ
20 تشرين الثاني 2007، بانها اول مطبوع عربي يعني بشؤون "الفن السابع"
لكنها حقاً وكما اشار الى ذلك علاء واحدة من المجلات الهامة والمؤثرة على
صعيد الحركة السينمائية في العراق ويكفيها انها قد تبنت بجدارة وثقة عالية
مراحل العمل في الفيلم العراقي سعيد أفندي وكانت له الصدى الأمين والمعبر
الحقيقي عن مرحلة هامة في مسار التجربة السينمائية في العراق.
قبل صدور
مجلة "السينما" العراقية بعشر سنوات تقريباً صدر من مجلة السينما في
القاهرة وكان لي حديث مفصل عنها وعن صاحبها ورئيس تحريرها "كامل حفناوي" في
9/3/1983.. اود استذكاره بهذه المناسبة لاهميته التوثيقية ومكانته الريادية
في مجال الصحافة الفنية عامة والسينمائية خاصة:
"قبل ايام- والحديث كما اشرت كان في 9/3/1938- قرأت خبراً، كما اقرأ أي خبر
عادي يتعلق ببدلة اشترتها - بربجيت باردو- لقطة من قططها مثلاً.!
الخبر
يشير الى وفاة "كامل حفناوي" وتعليق مختصر عن فقدان السينما له كصاحب مجلة
سينمائية اصدرها بداية عام 1945. فماذا كان يعني كامل حفناوي؟ وما الذي
استطيع ان استعيده باختصار لعطاء مجلته "السينما" التي كنت اشعر بسعادة
غامرة يوم كان يصدر العدد الجديد منها.. فنقف نحن هواة السينما ومحبوها
ليأخذ كل منا نسخته مع مجلات كنا نقتنيها كمسافران الجيب واللطائف المصورة
ودنيا الفن والثقافة والرسالة والرواية.
كانت
مكتبة "عباس الكتبي" اول الامر هي المكتبة التي نقتني منها هذه المجلات في
جانب الكرخ "كذلك مكتبة "ذيبان المولى" واخيراً افتتح صديق لنا "ناجي"
مكتبة متواضعة لتكون مصدر المجلات والكتب الفنية والثقافية التي نحصل
عليها.. حيث كان هو واخوه "رشاد" يحرصان على ان يوفراها لنا بانتظام، لكن
مجلة السينما هي المجلة التي لم يكن عدد واحد يفوتنا منها.. او يفوتني انا
شخصياً فلم اعد ادري ان كان بعض الاصدقاء القدامى ما زالوا يحتفظون بها كما
احتفظ..! او يراجعونها بين الحين والحين، ليستعيدوا رائحة "العنق" النبيل
فيها كما اسميه.
مجلة
"السينما" مجلة اسبوعية فنية، صاحبها ورئيس تحريرها المسؤول "كامل حفناوي"
الادارة 3 شارع بستان ابن قريش بشارع الخديوي اسماعيل تلفون 48812 القاهرة"
هكذا كانت تشير الصفحة الرابعة منها بأحرف كبيرة بعد ان تنشر صورة الغلاف
لممثل او ممثلة مصرية.. واحياناً عربية ثم ممثلة اجنبية في الوجه الثاني.
فالعدد 26 الصادر في يوم الخميس آب 1945-مثلاً- نشرت صورة-حورية محمد- وفي
الوجه الثاني صورة "جريتا جاربو" وتحتها عبارة "كوكب العمر" وتحتها قيمة
الاشتراكات.. لنقرأ في الصفحة الثالثة عبارة اقرأ في هذا العدد وتحتها..
"اقرأ في العدد القادم" والمقالة الافتتاحية على طرف الصفحة حيث لم تكن
ثابتة او لكاتب معين بل كانت متحركة تضم تارة مجموعة اخبار واخرى اراء في
"خطر الدوبلاج!" على صناعة السينما والحديث ليس لفنان معروف وانما لسياسيين
كبار كاسماعيل صدقي باشا! وزير الشؤون الاجتماعية والذي يقول:
- ان
السينما اهم مصدر للثروة المصرية بعد القطن!
هكذا كانت
صفحات المجلة تمتلئ بالمقالات والاخبار والنقد السينمائي والمقالات
المترجمة ليكون الغلاف الاخير- وللعدد الذي اشرت اليه -دون قصد- للممثلة
المصرية -بدرية رأفت - ان القيمة الاساسية في تقديري ان "كامل حفناوي" قد
فتح كما اشرت كوة جديدة لا الى مجرد الاطلاع عما كان يجري في الساحة
السينمائية حسب، وانما قد أرسى اسس نقد جاد للسينما العربية انذاك.. في
الاربعينيات لم تكن امامنا تلك المصادر او المراجع العربية التي نتعرف من
خلالها على معنى النقد السينمائي الا بالقدر الذي نقرأه هنا وهناك بأن هذا
الفيلم "عظيم" وذاك "فاشل" وهكذا
كامل حفناوي قدم في مجلته السينما والتي كانت مجمعاً لكل السينمائيين
المصريين وبعض السينمائيين العرب، قدم :النقد الاكاديمي ان جازت لي هذه
التسمية –حيث تجد ان هناك تقسيماً او تحديداً لعناصر نجاح الفيلم ثم
تحليلاً لهذه العناصر باختصار او بافاضة احياناً.. حسب موقع الفيلم او اثر
ذاك العنصر في انجاحه او افشاله.
كانت هناك
لجنة تجتمع في المجلة هي "لجنة النقد" لتكتب عن الفيلم وتسجل آراءهم بنقد
موحد.. وحين يصعب اجتماع هذه اللجنة يتولى "كامل حفناوي" نفسه الكتابة
عنه..
في العدد
(98) من المجلة وهو اختيار لا على التعيين ولعدم امكانية اجتماع لجنة النقد
–كما اشير الى ذلك- ولأشتراكهم في افلام جديدة بدأ تصويرها. كتب كامل
حفناوي نقداً لفيلم "ضربة القدر" قصة الفيلم وحواره واخراجه ليوسف وهبي
التصوير –
سامي بريل، الصوت: مصطفى والي.. الاغاني عبد العزيز سلام، الالحان: رياض
السنباطي، محمد فوزي، محمد القصبجي.. التمثيل: يوسف وهبي، ليلى مراد، زوزد
ماضي، مختار عثمان.
الاستوديو: ستوديو مصر، دار العرض "ستوديو مصر" يقول كامل حفناوي عن القصة.
ذات موضوع
اجتماعي قيم، تعرض علينا صوراً صادقة من صور المجتمع المصري وهي بمجملها
عظة نحن في اشد الحاجة إلى مثيلاتها ثم يتناول الحوار والتصوير المناظر
وتوليف الفيلم والاغاني والالحان ويعرج على التمثيل.. ثم الاخراج حيث
يناقشه بشيء من التفصيل ويؤكد على دور يوسف وهبي في محاولاته لتحسين
الانتاج السينمائي المحلي ومحو الاثر الذي تركته افلام الحرب.. ليشير إلى
جوانب الاجادة ثم إلى جوانب الضعف والاطالة في بعض المشاهد والاغاني وعدم
الوضوح في بناء الشخصيات او المواقف قل ذلك بعيدا عن الحدة والقسوة او
النيل من مكانة الفنان.. ذلك الاسلوب الذي كان يتوسل به او يلجأ اليه بعض
الذين يكتبون نقداً عن الافلام العربية.
كان "كامل
حفناوي" يحاول جاهدا اعطاء القيمة الفنية قدر الامكان للنقد السينمائي ومع
ذلك كان يتناقض مع بعض الفنانين الذين لم يكونوا يقبلون نقدا ولا سيما من
شباب ما زالوا في اول الدرب ومن قليلي الخبرة وكذلك من بعض الفنانين الذين
يمتلكون تجربة طويلة.
لقد كتب
مرة نقداً عن فيلم من افلام يوسف وهبي فانبرى له المرحوم، الفنان يوسف وهبي
وقال له:
"صرصار
يهدم جبلا" وحين اخرج كامل حفناوي فيلمه "نجف" طلب من استاذه يوسف وهبي ان
ينقد الفيلم.. وبالفعل كتب عنه نقداً، لكنه كان نقدا شديداً وقاسياً.. كل
ذلك كانت تقدمه مجلة السينما لمحبي ولهواة السينما.. ومع ذلك ظلت المجلة
تكتشف السبل الكفيلة بانجاح الرأي وعلى سبيل المثال حدد صلاح ابو سيف اسباب
ضعف الفيلم المصري انذاك وفي مقالة له في العدد الصادر في 23 كانون الثاني
1947 ان السبب يعود إلى عدم وجود السيناريست الذي يقدم موضوعات تمس صميم
حياتنا بدلا من تلك الكليشات التي مللناها فتاة فقيرة احبت فتى غنياً او
فتاة مسكينة هي ثمرة خطيئة وهكذا.
الرقابة
كذلك تمنع كل عرض جريء لحياة غالبية الشعب الفقيرة المريضة الجاهلة.
عدم وجود
منتج كبير يستطيع تقديم فيلم ذي قيمة فنية عالية.
جهل الشعب
نفسه عقبة في تقدم الفيلم المصري.
نقص
الاستوديوهات في العدد والعدة.
فئة
النقاد السوفسطائبين الجهلة المغرضين عقبة تحل دون السير بصناعة السينما
إلى امام لكنهم لن يعمروا طويلا فالنقاد المثقفون سيكتسحونهم حتما!.
هكذا كانت
تطرح مجلة السينما عبر من يكتب فيها.. اضافة إلى مواضيع مترجمة لكتاب
سينمائيين عرفوا بمكانتهم الثقافية والفنية وعرض لأهم الافلام السينمائية
العالمية.. والاشارة إلى ان السينما فن ديمقراطي وانه فن جماهيري يشيع
المعرفة والوعي بينهم.
حين
التقيت بالاستاذ كامل حفناوي اواسط الستينيات قدمه لي احمد الحضري المسؤول
الاداري عن المؤسسة آنذاك وكان برفقتي بكر الشرقاوي قلت له بحماس كبير:
انا اعرفه
جيدا لقد تعلمت منه الكثير.
فرد عليّ
بتواضع كبير:
فقبّلت
رأسه باحترام وتقدير.. وكان آنذاك يعمل منتجا منفذاً واعتقد انه ظل بهذا
الموقع حتى ايامه الاخيرة.
لكنه ما
زال حتى اليوم بتقديري وبتقدير من عرفوه واحدا من روّاد الصحافة السينمائية
الرائدة.
المدى العراقية في 16
يناير 2008
|