لمشاهدة
الفيلم الفلسطيني - الأمريكي "القيادة إلى زغزغلاند" متعة خاصة، سواء من
حيث الموضوع ذاته الذي يرتبط بقضايا العرب والمسلمين في أمريكا أو للعلاقة
بفلسطين والقدس تحديدا، أو لطبيعة العمل الذي يغلب فيه الحس الكوميدي غير
المباشر وتلك السخرية العميقة التي تميزه وتجعله مختلفا بحق، والفضل في ذلك
يعود بالدرجة الأولى إلى بطل العمل الممثل القدير "بشار القدومي" الذي
يعتبر بحق ممثلا فلسطينيا قديرا.
ونحن لن
ننصح الجمهور بمشاهدة الفيلم، مع نصحنا له أن يبحث عنه، كونه لم يعرض في
السينمات العربية المختلفة، ففي حين تأتي الأفلام الأمريكية التي تسيء
للعرب والمسلمين وتتسيد دور العرض لا نجد فيلما مثل "القيادة في زغزغلاند"
لمخرجته الأمريكية المسلمة "نيكول باليفيان" أي نصيب، على الرغم من أنه
فيلم لو عرض لحقق جماهيرية كبيرة.
لكنه
اليوم يعرض في بعض دور العرض الأمريكية مثيرا للجدل والنقاش بعد أن طاف في
المهرجانات بين مشاركة ومنع، وبين تقدير جماهيري ونقدي لافت وجوائز قليلة
يعيدها بطله إلى الفكرة التي يحملها ومضمونه السياسي المختلف والذي يقول
حقيقة لا يريد الكثير سماعها.
"القيادة
إلى زغزغلاند" يقترب من حال العرب والمسلمين في أمريكا بعد أحداث 11
سبتمبر، ويحكي قصة شاب فلسطيني مقدسي يهاجر إلى أمريكا، ويعمل سائق تاكسي
في مدينة لوس أنجلوس؛ حيث يسرد القصص والمواقف والحكايات التي تحدث معه
خلال رحلة عمله اليومية ليكشف حالة الخوف من العرب واعتبارهم إرهابيين
وقتلة، ومدى الجهل الذي يتحلى به الأمريكيون فيما يتعلق بقضايا الوطن
العربي.
أما بطل
الفيلم فله حكاية أخرى جديرة أن تقص وتحديدا في ضوء خبرته في هوليوود التي
زاد طلب الأخيرة على الممثل والفنان العربي بعد أحداث 11 سبتمبر وحرب
احتلال العراق، وهو طلب سنقترب من تفاصيله ومضامينه وصوره مع الممثل
الفلسطيني بشار القدومي، والمخرجة الأمريكية "نيكول باليفيان"، وفيما يلي
نص الحوار:
قصص
حقيقية
·
بداية هلا قدمت لنا نفسك كفنان فلسطيني وصل
إلى هوليوود؟
- بدأت
العمل في مسرح القصبة كتقني صوت وإضاءة، ثم انخرطت في التمثيل وشاركت في
أول مسرحية اسمها "المهرج" لمحمد الماغوط كان دورا بسيطا لكنه نقلني وكشف
موهبتي، بعد ذلك بقدوم "محمد خميس" المخرج المغربي الذي أخرج مسرحية "الزير
سالم" التي شاركت فيها بدور رئيسي وضعت على طريق التمثيل بشكل جدي، وأثناء
العمل في "مركز الفن الشعبي" دخلت دورة ارتجال مسرحي كانت لمدة سنة استفدت
منها كثيرا جدا.
مع مطلع
أحداث الانتفاضة الثانية حصلت على "فيزا" لأمريكا لدراسة التمثيل في
هوليوود، اعتقدتها مجرد فكرة مرحلية إلى أن تنتهي الانتفاضة وتهدأ الأوضاع
لكنها تصاعدت ولم استطع الرجوع، وفي وقت سابق كنت قد تعرفت على "نيكول" في
القدس عندما جاءت لزيارة فلسطين، وفي أمريكا قررنا الزواج، عملت في البداية
كسائق سيارة أجرة، ودرست بالتوازي التمثيل في مدرسة "جراوند لينجز" وتحديدا
تخصص ارتجال كوميدي، والمدرسة تعد أفضل المدارس في هوليوود، وفي أثناء ذلك
كنت أقوم بعمل مقابلات للتمثيل في الأفلام خصوصا بعد أن زاد الإقبال على
الفنانين العرب بعد أحداث 11 سبتمبر بشكل كبير.
·
فيلمك المميز، من وجهة نظري، "القيادة إلى
زغزغلاند" والذي تقوم به بدور البطولة يعد أول أدوارك، حدثني عن حكايته؟
- أحداث
الفيلم عبارة عن مواقف مررت بها أثناء عملي كسائق في أمريكا، وكانت زوجتي
"نيكول" تدون هذه القصص والمواقف يوما بيوم ومنها كتبت السيناريو المناسب
للفيلم وأخرجته الذي يحمل اسم "القيادة إلى زغزلاند".
ولأجل
تنفيذ الفيلم وتوفير ميزانية له استخدمت "نيكول" كروت اعتماد والدتها لنصنع
فيلمًا بسيطًا التكاليف يحمل قيمة فعلية وفنية، كما ساعدنا المنتج السوري
"مؤنس خلف" وبدأنا تصوير الفيلم بميزانية ليست كبيرة، واستخدمنا 46 ممثلا
تبرعوا للتمثيل ولم يتقاضوا أجرا، وهو أمر معروف في أمريكا حيث يقوم الطلاب
والهواة بالتمثيل دون مقابل لأجل أن يسجل ذلك في سيرهم الذاتية، بالإضافة
إلى 10 من الفنيين الذين شاركوا في الفيلم على رأسهم المصورة الأمريكية
"توران أندرسون" التي أحبت الموضوع لأنه ذو طابع فكاهي كوميدي.
صورنا
لمدة 16 يوما في لوس أنجلوس، ثم سافرنا إلى فلسطين وصورنا في القدس ورام
الله وأبوديس وغيرها من المناطق الفلسطينية، ومن ثم بدأنا برحلة المشاركة
في المهرجانات الدولية.
الأمريكيون منحوني الفيلم
·
السؤال الآن موجه للمخرجة "نيكول": لماذا
جاءت هذه الفكرة بالذات وقررت تحوليها إلى فيلم، وما السبب وراء المخاطرة
بصنعه؟
- كان
اهتمامي بشكل خاص بالقضية الفلسطينية لأني مؤمنة بعدالتها ومتعاطفة معها،
فأنا من أسرة ترجع أصولها إلى دولة من دول العالم الثالث وهي "بوليفيا"،
حيث بدأ اهتمامي بفلسطين منذ عام 1998 عندما زرت المخيمات وتعرفت على
الفلسطينيين في غزة والخليل والجولان.
أردنا
صناعة فيلم عن الفلسطينيين ووضع المهاجرين في أمريكا ومن خلال ذلك طرح
القضية الفلسطينية وتوضيحها ببساطة للجمهور الأمريكي والغرب عموما.
اخترت
فلسطين بالذات لأن القصة عرفتها وعايشتها يوما بيوم من خلال المعاناة
اليومية التي تعرض لها زوجي "بشار"، فأنا أؤمن أنه عندما تكتب سيناريو تكتب
عما تعرفه وليس عما لا تعرفه حتى يصدقك الناس.
أردت أن
أعرض ما يتعرض له العرب في أمريكا وما يتعرض له الفلسطينيون وراء البحار
ولا يراه الجمهور الأمريكي.
·
"نيكول" كشف الفيلم عن صدمة المعرفة لدى
المواطن الأمريكي، واتضح بعمق ضعف أو انعدام اطلاع الشعب الأمريكي على ما
يجري في فلسطين والعراق مثلا؟
- الفيلم
هو انعكاس للمجتمع الذي أعيش فيه، وانتقاد ذاتي للمجتمع الأمريكي لعدم
معرفتهم بما يدور حولهم في العالم هذا هدفي ورغبت أن أوصله بطريقة كوميدية.
·
سؤال يبدو استفزازيا لكنه ضروري، هل
الأمريكان لهذه الدرجة أغبياء وجهلاء على الرغم من كم الكوميديا المميزة
التي تخللت ذلك؟
- الفيلم
في البداية ذو طابع كوميدي، ثم إنه مبني على قصة حقيقية، وعادة حتى تصنع
فيلما مضحكا عليك أن تعتمد على الواقع، فلا شيء يضحك أكثر من الحقيقة كون
الأمريكان ظهروا في الفيلم جهلة وغير واعين لما يدور حولهم في العالم، فهم
أعطوني المادة اللازمة للفيلم وأنا قدمتها.
·
كيف تتوقعين استقبال الجمهور الأمريكي
للفيلم؟
- لا أعرف
انطباع الجمهور الأمريكي، فالفيلم لم يقدم سوى في المهرجانات التي لها
علاقة بالعرب والفلسطينيين، ثم إن الفيلم له جمهور خاص وهو ليس نفس الجمهور
الذي يشاهد أفلام هوليوود، على الأغلب دور العرض ذات الطابع الفني هي التي
ستقبل عرضه لكن كل المهرجانات الأمريكية رفضت الفيلم.
رفض سياسي
·
احكي لي عن تجربتكم مع "مهرجان السينما
العربية" في بوسطن الذي علمت أنه رفض قبول الفيلم على الرغم من أنه طلبه
منكم بداية الأمر؟
- هم عادة
لا يفصحون عن السبب الحقيقي لرفض فيلم ما، وعن نفسي أعزوها لأمور فنية أكثر
منها معارضة لسياسة الفيلم، وهذه الأسباب مجرد تخمينات لا أحد يجزم بأحد
السببين.
على
الجانب الآخر شارك الفيلم في مهرجانين هما مهرجان الأفلام الفلسطينية في
بوسطن ومهرجان الأفلام العربية في واشنطن دي سي.
·
بشار يتابع الحديث:
- مهرجان
السينما العربية في بوسطن يمارس حالة خداع، أنا مقتنع أن فيلمي بسيط من
ناحية الإمكانيات الفنية لكن مع هذا أرى أن الرفض كان لأسباب سياسية لأن
مسئولي المهرجان هم من طلبوا منا المشاركة بالفيلم في المهرجان قبل عام من
تقدمنا إليه وفوجئنا برسالة أن الفيلم ليس له مجال للمشاركة في دورة هذا
العام.
ما يدعم
وجهة نظري تلك هو أن نصف أعضاء لجنة التحكيم أجانب و3 منهم يهود.. هل تتوقع
منهم أن يقبلوا الفيلم؟ فالموضوع يدور عن فلسطين، ويقدم الحقيقة كما هي،
وبذا لن يكون من المنطقي قبوله بهذه السهولة. هم لا يعلمون أنهم يفرضون
علينا وجهة نظرهم السياسية من خلال رفضهم لوجهة نظرنا السياسية، وهنا مكمن
الخطر.
سر
الزغزغلاند
·
ما سر اسم الفيلم، فكلمة "زغزغلاند" تبدو
جديدة كليا حتى على أذن المستمع العربي وليس الأمريكي فقط؟
- أنا
أصلا من "البلدة القديمة" في القدس، وتحديدا من حارة شعبية، ونحن نتداول
بها كلمات لا أحد يستخدمها إلا أهل المنطقة، وهي لا تعني شيئا محددا لكن
تتميز بأن جرسها جميل على الأذن عند استخدامها، وهنا استحضرتها في الفترة
التي كنت أهرب فيها من التصريح بهويتي تحديدا بعد أحداث 11 سبتمبر في ظل
صعوبة الوضع بالنسبة للعرب والمسلمين مخافة الوقوع في المشاكل مع زبائن كنت
أقلهم بالتاكسي قد يكونون متعاطفين مع إسرائيل، فكنت أقول لهم إنني من دولة
"زغزغلاند".
هنا كنت
أستغل عدم معرفتهم بالجغرافيا العالمية، كنت أقول أحيانا إن "زغزغلاند" في
دولة تقع بين الصين وإسبانيا، أو إنها جزيرة تقع في جنوب أمريكا وكانوا
يهزون رؤوسهم دلالة التسليم.
لكن الأهم
هنا أنها تعني لي الحلم، أي المكان المثالي بعيد المنال والذي نطمح له نحن
في القدس، هي ليست شيئا محددا تماما لكنها مع ذلك ليست لا شيء، هي شيء من
أحلامنا ورغباتنا وأمانينا.
·
في الفيلم، أحيانا كنت تقول إنك من فلسطين
وأحيانا تقول إنك من "زغزغلاند" لماذا؟
- في
البداية كنت أقول إنني من فلسطين فكنت أقع في مشاكل على خلفية مواقف
سياسية، وأضطر أن أشرح رأيي في المقاومة والحرب على الإرهاب، المشكلة أن
الأمريكيين دائما يريدون معلومات في أقل وقت ممكن، وعندما تعطيه معلومات
صحيحة أو رأيا مخالفا لما يحمله ينزعج جدا، السرعة ومخالفة الموقف شيئان
ضدان، غالبا يعتمد الأمريكي على الميديا التي تقدم له الراحة والتسلية ولا
تحفزه على التفكير وإعمال العقل، كما أن الصورة مصدر أساسي لاستقاء
معلوماته، فإذا تعرض لمادة تستحق المتابعة تجعله يشعر بالذنب، وهذا يعطيه
وظيفة "زيادة عليه"!! هو يريد أن يظل يشعر بالراحة ويطلب ذلك منك ويرفض أي
شيء غير ذلك.
·
نهاية الفيلم كانت بعودتك إلى وطنك القدس،
وكأنك تقول أن الحل في العودة للبلد وليس الغرب أو الهجرة، هل هذه رسالة
الفيلم؟
- أغلب
الشبان العرب عندهم فكرة "الزغزلاند" أي وهم البلد المثالي، يذهبون إلى دول
العالم المختلفة حتى يحصلوا على حياة أفضل، في الحقيقة لا توجد حياة أفضل
في الغرب، الفرص ضئيلة وصعبة جدا.
هنا يجدون
أنفسهم قد وقعوا في فخ خطير، فهم غير قادرين على العودة لبلادهم دون نجاحات
يحققونها، ولا هم قادرين على الاستمرار، قلائل هم الجريئون الذين يقولون
إنهم فشلوا وبلادي أولى بي.
نحن نحكي
في الفيلم أن "بشار" فرضت عليه ظروف اضطرته أن يرجع إلى بلاده، لكن هو راضٍ
واكتشف أن العودة ليست سيئة إلى هذا الحد، خصوصا في فلسطين، فبالمقارنة مع
الغرب يمكن احتمال الصعاب كونك بين أهلك وناسك.
بمعنى
النهاية لم تكن متفائلة تماما ولم تكن حزينة، إنها نهاية منطقية ومريحة،
متوسطة يمكن أن نصفها.
تعاطف
الجمهور
·
في الفيلم عندما ركب معك الشاب اللبناني وكان
بحاجة إلى أن توصله إلى منزله دون أن يدفع لك مالا، على الرغم من أنك في
أمس الحاجة للمال، أنت في صراع حقيقي، لماذا لم تقله بالرغم من أنه عربي
حيث قال لك: أنت عربي وأولى بك أن تساعدني؟
- نفس
السؤال طرح علي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي، وعندما
حاولت الإجابة أجاب الممثل المصري "خالد نبوي" نيابة عني قائلا: "لو أن
بشار ساعد العربي اللبناني في هذا الوضع الحرج الذي يمر فيه ما ظهر المشهد
بمنطقية، بل كان سيظهر أنه مثالي (زيادة عن اللزوم)، تصرفي داخل الفيلم كان
منطقيا في ظل حاجتي للمال، لكي تخلق شخصية حقيقية لا بد أن تجاري الواقع،
بشار في الفيلم إنسان عادي، وهو أحيانا عنصري، مثلا رأينا أنه شتم الأرمني
ونعته بقوميته.
وعلى
الرغم من تلك الصفات فإن الطابع الجيد للشخصية جذبت تعاطف الجمهور، لو
وضعته مثاليا فلن يصدقه المشاهد.
وقصة
اللبناني حصلت حقا، عندما دخل التاكسي لم يكن صريح معي، جلس بالتاكسي وقال
لي اذهب، وبعد أميال عندما تحدثت عن مشكلة حدثت معي عن ركاب هربوا دون أن
يدفعوا الأجرة طلب مني الاستماع لقصته، هو لم يكن صادقا معي وأنا تصرفت في
ضوء ذلك، كما أنني منحته مبلغا من المال كي يستقل مركبة عمومية في ضوء
حاجتي الماسة لجمع المال.
·
طبعا الفيلم مليء بالقصص المميزة والمثيرة
والمحفزة على التفكير والضحك معا وهي كلها تكشف حقائق مثيرة، هناك موقف
أرجعت فيها للأكاديمية الأمريكية أموالها بعد غضبك منها رغم حاجتك للمال
والبقشيش المرتفع الذي منحتك إياه، هل هذه قصة حقيقية؟
- نعم،
قصة حقيقية، كنت في المطار وأخذت أستاذة جامعة تدرس الفلسفة اليهودية في
جامعة واشنطن دي سي، أثناء القيادة اعتقدت الأكاديمية أني إسرائيلي، كانت
تتحدث كثيرا ولا تعطيني مجالا للرد عليها، وبين القيادة والتركيز معها كان
الحوار يدور من طرف واحد تسأل السؤال وتجيب عنه، سألتني إذا كنت إسرائيلي؟
وردت أنها عرفت ذلك من البداية، حاولت مجاراتها لمعرفة إلى أين سيقودنا
الحديث كنوع من اللعب، وعند سؤالها من أي مدينة؟ قلت: لها من القدس. وبدأت
تحكي عن "أولمرت" وزيارته لواشنطن دي سي، والمظاهرة الكبيرة التي شارك فيها
100 ألف إسرائيلي ومناصر لإسرائيل، وأشادت بالكلمة التي ألقاها، وسألتني
لماذا لم آتِ؟ وبدأت تحكي عن الديانة اليهودية والسياسة وشارون وسألتني عن
رأيي بشارون؟ جاوبتها أنه أحسن سياسي عرفته إسرائيل، وزيادة في الاستخفاف
بها قلت لها كان عليه أن يقتل كل الفلسطينيين، فردت بالإيجاب والموافقة،
لكنها سألتني عن الأطفال؟ قلت لها حتى الأطفال الفلسطينيين يجب أن يقتلوا،
وعندما حاولت أن تقنعني أن الأطفال يجب استبعادهم حتى لا نهيج المجتمع
الدولي أجبتها بأنها ليست مشكلة كبيرة فكم قتلنا - كإسرائيليين - من أطفال
ولم يفعل المجتمع الدولي شيئا، فوافقت، وعندما نزلت من السيارة أعطتني
بقشيشا كبيرا وسألتني ما اسمي فأجبتها بغضب "محمود عبد الله" ورددت لها
البقشيش.
قصدت من
ذلك أن أعلمها درسا وأكشف حقيقتها وأنها خالية من أي إنسانية، واكشف "عهر"
منطقها وإجرامها.
أما
"نيكول" فوجدت القصة مهمة جدا ليعرفها الناس حتى الأمريكان بالولايات
المتحدة، لأنهم يخافون عندما يقترب النقد من إسرائيل، فمساحة نقد أمريكا أو
الإدارة الأمريكية أكثر اتساعا من نقد إسرائيل واليهود على وجه الخصوص.
يجب أن لا
يكون أحد فوق النقد أو الحقيقة، أما الجالية اليهودية الأمريكية فهي متعصبة
أكثر من الإسرائيليين، وأعضاؤها عنصريون، كما أن معظم الأفكار الإسرائيلية
المتعصبة قادمة من أمريكا، مثلا "ليفنجر" الذي قام بمذبحة الحرم الإبراهيمي
هو يهودي أمريكي.
تجربة
هوليوود
·
بعد أحداث 11 سبتمبر تغيرت النظرة للعربي،
فكيف تجربتك الشخصية والخاصة بك كفنان تسكن في هوليوود وتحديدا وأن جزءا من
المواقف في فيلمك تظهر ذلك؟
- بعد
أحداث 11 سبتمبر، حدثت بعد 8 شهور من وجودي في أمريكا، كنت غداتها أدرس ولا
أذهب لمقابلات للعمل في الأفلام، بعد الأحداث زاد الطلب على العرب، فغالبية
الأفلام كان لها طابع يخص الشرق الأوسط إما بشكل سلبي أو إيجابي، وظهرت
أفلام مثل: سريانا، ومسلسلات مثل: "الخلية النائمة"، و"خلية هامبورج".
بالمجمل
زاد الطلب على الممثلين العرب لكن بطابع سلبي لإرضاء وزارة الخارجية
الأمريكية، كل مخرج أمريكي كان يريد أن يثبت أنه "وطني أمريكي" بغض النظر
عن الإساءة للعرب المسلمين، والأدوار تلخصت إما في جنود عراقيين منظور لهم
بنظرة دونية، أو أن يظهر الرجل الأبيض قائدا وبقية الممثلين، بغض النظر عن
الألوان، يدورون في فلكه ولا معنى لهم.
ذهبت
كثيرا لمقابلات، وكان لي وكيل يرسلني لأدوار في أستوديوهات كبيرة في
هوليوود، أو للمشاركة في أفلام مستقلة، الأدوار كانت إما أن تكون مسيئة
للمسلمين بطريقة ساذجة وغير مدروسة أو بطريقة مذلة للعرب، أو فيها خدش
لحياء العرب، أنا ذهبت لأمريكا لتحسين مظهري وأهل ديانتي وتعرض على أدوار
مسيئة لكل ذلك، أنا لست رجل أعمال أشارك في الأفلام لأجل المكسب المادي،
أنا فنان وأحمل مبادئ لا أستطيع أن أقدم شيئا يسيء للإنسانية عموما وليس
للعرب فقط.
شاركت في
فيلم "لقناة ديسكفري" عن الأسبان عندما ذهبوا لجنوب المكسيك حيث ظهروا
ناشرين للديمقراطية والمسيحية والحضارة التي لم يعرفها السكان الأصليون، هم
ذهبوا لسرقة الناس، وهناك أجبروا المكسيك على اعتناق المسيحية، ندمت فيما
بعد على هذه المشاركة بشدة على الرغم أن دوري بسيط جدا، كنت أمثل دور جندي
إسباني، لم أشارك في حروب أو قتل، لكن بعد أن شاهدته وجدته يحط من إنسانية
أهالي المكسيك الأصليين.
كما شاركت
بمسرحية تمثل شرطي بأن أعيد صياغة النص، وأقنعت الكاتب أن طريقة الكتابة
غير مصدقة وسخيفة، المسرحية كان اسمها "التداخل"، ودوري كان جندي إسرائيلي
ومقاوم فلسطيني بنفس الوقت، وبالمقابل كان هناك ممثل إسرائيلي يلعب دور
مقاوم فلسطيني وجندي إسرائيلي أيضا.
الدور
الفلسطيني أعدت صياغة، قلت للمخرج لك أن تظهر الجندي الإسرائيلي كما تريد،
تريده حمل وديع.. ليكن، لكن لن يظهر المقاوم كما تريد أنت، تريد تقديمه
كمعتدٍ وشرس ومجرم فهذا لن يكون أبدا، وعلى هذا غيرنا النص، وعملنا مسرحية
جميلة لاقت نجاحا في أمريكا، وعملت كل ما هو ممكن في سبيل تقديم المقاوم
الفلسطيني في صورة حقيقية، ولاقيت احتراما من الإسرائيلي أولا والمخرج
الأمريكي ثانيا، كنا ندخل في مساجلات وخلافات كثيرة لكن اتفقنا أنه يمثل
الفكرة الإسرائيلية وأنا أمثل الفكرة الفلسطينية.
ذات مرة
حكينا عن تأسيس الدولة الإسرائيلية في المسرحية، حكى الممثل الإسرائيلي عن
أنه لم يكن لليهود مفر بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة سوى تأسيس دولة
لهم في فلسطين، رددت عليه أن الحركة الصهيونية كانت تحاول أخذ فلسطين من
الحكم العثماني قبل ولادة "هتلر" حتى، كنت دائما نقيض للأفكار التي يعرضها،
حتى أني استطعت إقناع كثير من الأمريكان المحايدين بعدالة القضية
الفلسطينية من خلال ما قدمته في المسرحية.
هوليوود
لا تهتم بالمنطق
·
في الفيلم ظهر مشهد أن الدور المقدم لك هو
إرهابي وشرس ومتوحش قاتل للأبرياء لكنك رفضته وصرخت في وجوههم بقوة، أعطني
مثالا آخر لعمل رفضته لإساءته للعرب؟
- برنامج
c I s
Miami
الشهير عرض علي دور شاب مصري يدرس في أمريكا يقرر هو ومجموعة من النازيين
الجدد الاستيلاء على مدرسة ويطالبون بإطلاق سراح رجال من القاعدة والحركة
النازية الجديدة، وهذا كلام سخيف لدرجة لا تصدق، لكن في هوليوود لا يهمهم
المنطق، المهم أن يكون ممتعا، فهم يستغلون موجة الخوف من القاعدة ووجود
النازيين الجدد في أمريكا ويبنون علاقة افتراضية خيالية عن علاقة بين هذا
التناقض حتى يكون العمل ممتعا فقط، لكنهم لا يلتفتون إلى أنه مؤذٍ للطلاب
المصريين والعرب، ومشوه لصورتهم فرفضت الدور، فهذا البرنامج واسع الانتشار
في أمريكا.
دور ثانٍ
عرض علي كان عن المجاهدين العرب في أفغانستان الذين يظهرهم العمل كأنهم سبب
المأساة التي يعانيها الشعب الأفغاني، وهم سبب فرض النقاب على المرأة بشكل
غير منطقي، وغير مبرر، وعلى الرغم من أن المخرج الأمريكي هو أفغاني الأصل
وهو صديقي فإني رفضت الدور لأني غير مرتاح له.
دور آخر
في فيلم عن لبنان يصور المقاومة اللبنانية وكأنها هي السبب في الحرب
الأخيرة مع إسرائيل، فرفضت الدور وسألته بتهكم: من أين يأتي بمعلوماته؟ هل
أنت فنان أم سياسي؟ هل سيقدم فيلم أم نشرة إخبارية أمريكية؟
·
رفضك حتما لن ينهي هذه الأعمال لكون هناك
فنانين عرب يقبلون بهذه الأدوار؟
- في
الأغلب الممثل غير المثقف فقط هو الذي يقبل أن يؤدي أدوارا مفروضة عليه،
وسبب ذلك أنه لا توجد له وجهة نظر معينة أو مبدأ.
أنا أقبل
دور الشرير و"الإرهابي" إذا كان معبرا عن هؤلاء من وجهة نظرهم ومنطقهم هم،
وليس من وجهة نظر الأمريكيين والإسرائيليين الذين يمارسون الإرهاب على نطاق
واسع، هم دول وحكومات وأنظمة أما من يصفونهم بالإرهابيين فهم في الأغلب
شباب منفعلون.
قوانين
هوليوود
·
معنى كل ذلك أن تعامل السينما الأمريكية مع
أحداث 11 سبتمبر زاد وضاعف من تشويه صورة العرب والمسلمين؟
- ماذا
تتوقع من الآخر؟ ماذا تتوقع من الضد؟ هل تتوقع منه أن يكون منصفا؟ لهذا
السبب قررت أنا و"نيكول" أن نفتح شركة لإنتاج أفلام تعكس رؤيتنا بصراحة، من
يعارض في هوليوود عليه أن يصنع أفلاما مستقلة؛ لأن هوليوود تفرض قوانينها
على الجميع، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها قوانينه.
هوليوود
عبارة عن مصنع ضخم للأفلام، ممكن أن تغير فيه لكن لن يكون تأثيره كبيرا،
فهوليوود محتكرة من قبل بعض الأشخاص، وحتى يدخل أفراد جدد لا بد أن يموت
شخص ما. وعملية فرض أنفسنا كسينما عربية مسلمة على هوليوود ليس سهلا أبدا،
فعجلة الإنتاج تطحن كل من يدخل هذا المكان، فأنا مثلا كممثل "برغي" صغير في
ماكينة ضخمة جدا وعملاقة.
لقد ذهبت
للعديد من المقابلات للعمل في هوليوود، الإجابة الوحيدة التي كنت أتلقاها
عند اعتراضي على الدور أن "هناك ألفا غيرك يلاؤمهم الدور الذي لا يعجبك"،
وعندما أخرج أخبر الموجودين عن الإساءة التي يحملها الفيلم، في أحسن
الحالات عندما يذهب الجميع ولا يبقى متقدمين للدور فيستخدمون يهوديا لتقديم
الشخصية العربية في السينما.
تمثيل مثل
هذه الأدوار فضيحة.. كيف سيواجهه الممثل أهله وأصدقاءه وضميره بعد عرض
العمل؟
·
حاليا ما هي مشاريعك؟
- عندنا
سيناريو كتبته "نيكول" قبل فيلم "القيادة إلى زغزغلاند" واسمه "النوم على
الحجارة"، لكن هذا الفيلم لم نجد له تمويلا حتى الآن، لا من دول عربية ولا
من مستثمرين ولا من رجال أعمال، فهناك تخوف من طرح قضية الصراع العربي
الإسرائيلي على الشاشة، الممولون لا يفضلون المناكفات في عالم الإنتاج،
وكأنه مصدر تهديد لهم بعد أحداث سبتمبر.
حتى في
دبي وجدنا مؤسسات للتمويل لكنهم اشترطوا أن تكون قصة حب حتى يمولوا الفيلم،
أنا أعتبرها وقاحة أن تفرض موضوعا معينا للتمويل وتستثني قضايا مهمة وكأننا
في الشرق الأوسط نعيش في نعيم، وليست لدينا مشاكل، فالعروض التي تلقيتها من
دبي كانت بشرط عدم التعرض لفلسطين أو العراق؛ لأنهم ملوا من الأفلام
الفلسطينية، وكأن كل ما ينتج له علاقة بهذه القضية، متناسين أن الأفلام
الفلسطينية المنتجة بأموال غربية وصلت للعالمية، وعلى الجانب الآخر الأفلام
العربية المنتجة طوال سنوات لم يرشح أي منها لأوسكار.
يجب أن
يكون دعم الأفلام بشرط واحد هو أن يكون النص جيدا.
في أمريكا
حاولنا في مهرجانات كثيرة وتم رفض الفيلم لأن طرحه مخالف لما هو سائد، عند
عرضه في مهرجان القاهرة ودبي والهند وتتارستان لاقى إقبالا شعبيا كبيرا
لأنه بسيط، للأسف في أغلب المهرجانات يتحكم في مصير الأفلام خمسة أشخاص
يطلق عليهم حكام، والجمهور لا يمنح فرصة كي يقول كلمته.
إسلام أنلاين في 20
يناير 2008
|