من مقدونيا، جاءتنا أخيراً موهبة جديدة كدنا ننساها،
تحمل اسم
ميلتشو مانشفسكي الذي سبق أن اقتحم دنيا السينما بفيلم "قبل هطول المطر"،
منذ نحو 14 عاماً، عن الصراع الاتني - الديني بين المقدونيين الارثوذكس
والالبان
المسلمين، وهو الشريط الذي أتاح له أن ينال جائزة الاسد الذهبي في مهرجان
البندقية.
مذاك انقطعت أخباره... وها هو يطلّ مجدداً في عمل لفت الانظار في الدورة
الأخيرة من
مهرجان
تورونتو السينمائي. يتمحور "ظلال" حول طبيب شاب في مقدونيا ينتمي إلى
الطبقة
الوسطى،
ويتعرّض ذات يوم لحادث سير مروع، لكنه ينجو بأعجوبة من الموت، فيعود يمارس
حياته العادية إلى جانب زوجته وابنه وأمه الشديدة الحرص، لكن الأمور في
غضون ذلك
أصبحت مختلفة عمّا كانت قبل وقوع الحادث، فأصبح يتراءى له العديد من
الأشخاص
الغريبي الأطوار، من ضمنهم امرأة عجوز ورجل يسيل الدم من كاحله وسيّدة
جميلة المظهر
تخفي سراً، وأخذوا جميعهم يطلبون منه مراراً وتكراراً "أعد إلينا ما لا
يعود إليك".
وتتطوّر الحوادث إلى أن يدرك الطبيب أن الأمر متعلق بالحياة ما بعد الموت،
وأنه
يشير إلى مسألتين بارزتين: "ضرورة الاستماع إلى ما يقوله الموتى والأخذ به
كنصيحة".
أما المسألة الثانية فهي "ضرورة التمسّك بالقيم الأخلاقية، وتحمّل عواقب
الأفعال،
والاعتناء بالمقرّبين". المدينة الكندية الكوزموبوليتية كانت الديكور
المناسب للقاء
هذا البوهيمي الذي يخشى التصنيف...
·
هل كان "ظلال" يجول في مخيلتك منذ
زمن؟ هل
استلزمك وقت طويل كي تحوّله فيلماً سينمائياً؟
ـــ لزمني نحو ثلاثة
أعوام كي أنتج هذا الفيلم، مما يُعتبر فترة زمنية طويلة. لكن بالمقارنة مع
مشاريع
سينمائية أخرى لي، أنجزنا هذا الفيلم بلمحة بصر. مرحلة ما قبل الانتاج
والتصوير
والمونتاج تتطلب ما يزيد على العام الواحد. إن قصة الفيلم ليست بقديمة؛ لا
ازال
أذكر نزهتي في ضاحية بروكلين الواقعة في ولاية نيويورك برفقة صديقي
الديبلوماسي،
وكنا نتحدث وقتئذ عن القصص المرعبة وعن الأشباح في نيويورك. بالتأكيد، ليس
الفيلم
مرتبطاً بالأشباح في نيويورك، انما فكرة الفيلم ولدت خلال هذه النزهة.
أستطيع أن
أقول إن قصة "ظلال" ليست قديمة، لكن الإحساس الذي يدور الفيلم حوله راودني
طويلاً.
لطالما
اجتاحتني الرغبة في عبور الجسر، وفي التقدّم في السنّ، وفي عبور مكان مظلم
وصولاً الى مساحة أكثر اشراقاً.
·
تجتاح الفيلم مشاعر جيّاشة وعارمة. "ظلال"
لا يشبه غالبية الأفلام الأخرى المنتجة في هذه البلدان الأوروبية. إنه كثير
الإختلاف
عنها.
ـــ أؤمن بأن كل عمل فني له هوية خاصة به. لا أصنّف الأفلام
تصنيفاً
حاسماً: هذه أفلام فرنسية أو إيرانية أو أميركية أو صينية. كل فيلم مختلف
عن الآخر على غرار البشر. الأفلام التي أخرجتها حتى الآن هي الأفلام
الوحيدة التي
كان في إمكاني إخراجها. ليس في مقدوري انجاز عمل سينمائي وفق الأصول
المتبعة. لا
استطيع أن اتبع تعليمات استوديوات التصوير، ليس لأن هذا الأمر صعب من
الناحية
التقنية أو الفنية، انما لأنه لا يثير اهتمامي، فاعتبره مضيعة للوقت،
والحياة قصيرة
جداً. مقارنةً بالأفلام المنتجة في مقدونيا وأوروبا ونيويورك (أمضيت فترة
زمنية
طويلة في نيويورك)، يمكنني القول إن "ظلال" يندرج في اطار الأفلام التي
أرغب في
إخراجها، فهي أفلام مفعمة بالمشاعر الكبيرة.
·
إذاً، أنت لست بمخرج، بل أنت
مخرج
لأفلامك فحسب.
ـــ أجل، أنت محق.
·
استخدمت التقنيات المتطورة
لتوفير
التأثيرات البصرية. هل تلجأ إلى صور راسخة في ذهنك لدى شروعك في تصوير
فيلم؟
ـــ عادةً، اختار بعض الصور المتراكمة في اللاوعي الخاص بي.
كذلك اختار
بعضها الآخر طوعاً. حين أحدد ماهية الفيلم، وأنتهي من كتابة السيناريو،
أبحث عن
الصور المناسبة في صالات العرض والكتب، وفي رزم الصور الفوتوغرافية. في
البدء، أفعل
ذلك بمفردي، ومن ثم مع مصمم الانتاج ديفيد مونز، فمع الباحثين ومديري
التصوير، ثم
نضع لائحة بأسماء المراجع التي تساعدنا في مواصلة أبحاثنا. ويدرك جميعنا
الى ما
تشير اليه العبارات الآتية: "الأخضر"، "مشهد قبيح"، أو "مشهد زاهي الألوان
معرّض
لكميات كبيرة من الضوء"... هذه هي الصور التي نختارها عن وعي وإدراك، وهي
مهمّة
سهلة للغاية، إذ ندرج الصور في كتيب، ونشاهدها كي نستوحي منها أفكارنا. لكن
الصور
الأكثر إثارة هي تلك المتراكمة في اللاوعي، وهذه الصور مرتبطة بمشاهد
رأيناها أو
أثارت أعجابنا في حياتنا العملية، كذلك قد تكون مرتبطة بأعمال فنية أخرى،
أو
بفنانين أثاروا دهشتي على غرار روبرت روشنبرغ، جوزف بويز، وماتيس، ولم
أحاول يوماً
أن اقتبس
أفكاري من أعمال هؤلاء الفنانين بكل وعي وإدراك، لكن أنجازاتهم تجول في
فكري، وبين الفينة والفينة، تؤدي دوراً في عملية اختياري للمَشاهد.
·
لكن،
ماذا عن السينما المقدونية؟ هل من أفلام مقدونية أصلاً؟ إنها المرّة الأولى
أشاهد
فيها فيلماً مقدونياً.
ـــ مقدونيا دولة صغيرة جداً، وهي لا تضم سوى مليوني
نسمة.
انها بلاد فقيرة مقارنةً بالدول الأخرى، لكنها تتدبر أمرها، وتعثر على
الأموال اللازمة للأفلام التي تريد انتاجها. قد يُنتَج في مقدونيا فيلم
واحد أو
فيلمان سنوياً، وهذا العام [2007] أنتجت أربعة أفلام مقدونية، فالأمور
تختلف، لكن
في الاجمال، تنتج مقدونيا نحو فيلمين كل سنة، والأمر المثير أن معظم
المخرجين الذين
يتشاركون في العمل هم من الشباب، وطرأ هذا التفاوت في أجيال المخرجين بعد
فيلمي
"قبل
هطول المطر" عام 1994، وحقق هذا الشريط انجازاً كبيراً، وكان من أول
الأفلام
المقدونية التي عُرِضَت في الصالات العالمية.
·
الدول الصغيرة على غرار
مقدونيا التي تتصارع مع البلدان الأخرى المتاخمة، كثيراً ما تنتج أفلاما
تراجيدية
يطغى عليها الطابع المأسوي، ولا أعني مقدونيا بالذات. لكنك تتحدث هنا عن
مسائل
إيجابية، فكيف تمكنت من ذلك؟
ـــ الإنسان محور اهتمامي. لكن العوامل
الجيوسياسية والأوضاع السياسية الحرجة لا تستهويني. فهي موضع اهتمام شاشات
التلفزة،
والمؤرخين، والصحافيين والسياسيين. أظن أن الفنون، ولا سيما الفن السابع،
ينبغي أن
تعالج موضوعات انسانية تتكرر في جميع أنحاء العالم. الإنسان هو هو في كل
مكان: يقع
في الحب، وقد يهجره شريكه، ويصاب بالغيرة أو الحزن أو الخوف، لكن الإبداع
يكمن في
الحاق التغييرات بكيفية التعبير عن هذه المشاعر. لذا ينبغي أن تكون الأفلام
عالمية،
أي صالحة لكل زمان ومكان. لكن لسوء الحظّ، تحاول بعض الأفلام معالجة بعض
المسائل
السياسية، بل بعض الفترات السياسية البارزة الشأن. في الوقت الراهن، لا
يكترث
الجمهور بما كانت عليه الأوضاع السياسية في الحقبة التاريخية التي عاش فيها
شكسبير،
بل يهتم للكائنات البشرية في أعماله الفنيّة. التجارب الحياتية تصحبني
أينما حللت،
لأني تنقلت بين مختلف البلدان، فتارة في مقدونيا، وطوراً في نيويورك، ومن
خلال ما
عشته في إمكاني التأكيد أن تجارب البشر تتكرر في هذين المكانين على الأقل،
أو ربما
في العالم أجمع.
·
كثيراً ما تُصنّف الأفلام صنفين: فيلم
مهرجانات سينمائية
أو فيلم لشبّاك التذاكر. الى أي صنف تشعر نفسك أكثر قرباً؟
ـــ لا تندرج أفلامي
في أيٍّ من هذين الصنفين. أظن أن من المؤسف للفنون الجميلة وللكائنات
البشرية أن
تصنّف تصنيفاً قاطعاً. فلا يجوز تصنيف الأفلام وفق هذه المعطيات: فيلم
تجاري؛ فيلم
مهرجان سينمائي؛ فيلم السينما الفنية أو فيلم السينما التجارية السائدة.
السبب أن
هذه التصنيفات تلحق آثاراً سلبية بالأفلام التي تنتجها، فلا تنجزها من وحي
ذاتك، بل
وفقاً للتصنيفات المحددة لها، وتأخذ في الاعتبار كيفية عرض هذه الأفلام،
وكيفية
بيعها وترويجها، وهذا فظيع. فالأفلام ينبغي أن تكون أعمالاً فنية، أما
كيفية عرضها
وبيعها فهي من المسائل التي يجب طرحها لاحقاً. حتماً، سيعرض "ظلال" في
مهرجانات
سينمائية، لكنه ليس في الضرورة "فيلم مهرجان". في المقابل، قد يعتبر بعض
أصحاب
صالات السينما أنه لا يدر عليهم الأموال الكافية. بالنسبة الى مصير "ظلال"،
لا أدري
ما الذي
ستؤول اليه الأمور، أتمنى لو يحدد الجمهور بنفسه ماهية هذا الفيلم. لكن ما
يهمّ
فعلاً الإنطباع الذي يتركه الشريط في نفسك، أما الأمور الأخرى فإن هي سوى
ترهات.
هوفيك
حبشيان
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
النهار اللبنانية في 24
يناير 2008
سينما
"ترافيك"
لستيفن سادربرغ (2000)
محاولة
اخرى لتحريك الرأي العام ضد ما يمثل بالنسبة الى البعض، مهنة مثل الكثير من
المهن
الاخرى (غير مشروعة بالتأكيد، لكن مربحة)، وبالنسبة الى آخرين، إدمان
المخدرات،
وبالنسبة الى الكثيرين مخدراً ينبغي الصراع ضده. في كل لحظة من
الفيلم، لا يغمض
المخرج سادربرغ عينيه، ولا يضع اي علامة استفهام حول وجود هؤلاء الممثلين
الثلاثة
في
المأساة عينها. سيكون من السهل والعبث (الا اذا كنا نتمتع بعصا سحرية) ان
نتخيل
عالماً مثيراً للنشوة والغبطة، او أن نبشر به، حيث الخضوع
للمخدرات قد زال منه. فهل
نتجاسر على تخيل عالم بلا حروب، بلا امراض، بلا مخاوف وبلا آلام؟
انكار الالم
يعني رفض الاقرار بأن الانسان يولد وهو يتسبب بالالم للبطن الذي حمله. فهل
يصبح
العالم افضل اذا قرر البشر الذين يسكنونه، ذات يوم، ان ينهوا ميلهم المعهود
الى
الشر، الى الرذيلة والفجور؟ سادربرغ والسيناريست المساعد له،
ستيفن غوغان، لا
يذهبان بعيداً الى هذا الحد، لكن يقومان بمعالجة رصينة لمشاعر أبطال
الفيلم
ورغباتهم وغضبهم، وبحد ادنى من ابداء الرأي، ومع وجود كوكبة من الشخصيات
المتحركة
منهمكة بانشغالات غير شرعية.
السيناريو الموثق باإفراط، والذي تشبه حبكته
مجموعة من الاروقة المعقدة والمتاهات، يقدم تحليلاً معقداً، اذ
ان معالجته المتطرفة
والطموحة ترتكز على عرض تبييض المال (والمشاعر كذلك؟) من مختلف الزوايا
ووجهات
النظر. ففي سوق، حيث الطلب على المخدر متزايد اكثر فأكثر، نتتبع مسيرة 3
شخصيات
رئيسية. ومن ضمن المئات سواها (شخصيات مهمة واخرى اقل اهمية)،
نميّز رجال شرطة،
واطباء، ومستهلكين، بل وحتى سياسيين.
يأتي ايضا المنطق السردي ليغذّي الفيلم
بربط مواز لثلاث قصص، وليلفت الى تشابه مسار خافيير (بينيتشيو ديل تورو)
ومسار
روبرت واكفيلد (مايكل دوغلاس) ومسار هيلينا (كاترين زيتا ـــ
جونز)، حيث بنى
سادربرغ نوعا من "بلاتفورم" غير مرئي للعين المجردة، بطريقة تجعل الشخصيات
تلتقي من
دون ان تتلاقى فعلا!
صنع سادربرغ فيلما جافا، مريرا، صارما، على غرار شخصياته
التي لا تعرف الابتسامة، عبر مزجه المأزق الجماعي بالمأزق
الفردي، والمشاهد الأكثر
جاذبية بمشاهد التحقيقات التي تنتمي الى الفيلم الوثائقي بقدر انتمائها الى
الفيلم
الخيالي. إنه فيلم جميل اذا صح التعبير!
هـ. ح
النهار اللبنانية في 24
يناير 2008
"محبوبة
اميركا" بين يدي سكورسيزي
بورتوبرينس- كشف الروائي الاميركي راسل بانكس اخيراً ان
روايته "محبوبة أميركا" ستُنقل الى الشاشة الكبيرة في فيلم
يتولى اخراجه السينمائي
الاميركي مارتن سكورسيزي على ان يجري اطلاقه في 2009. اصدر بانكس الذي يعمل
حالياً
على كتابة السيناريو، روايته في 2004 لدى منشورات "هاربر كولينز" تحت عنوان
"المحبوبة"، وستؤدي كايت بلانشيت الدور الرئيسي في الفيلم. يروي
الكتاب قصة امرأة
اميركية تعود الى الولايات المتحدة وهي على مشارف الستين، لتستعيد حياتها
يوم كانت
بورجوازية شابة ارغمها التزامها الثوري على الهرب الى افريقيا
في بداية السبعينات.
في
ليبيريا ستنجب ثلاثة اطفال وتتركهم في أهوال الحرب الاهلية. يذكر ان بانكس
وهو
كاتب روايات وقصص وشعر وابحاث، جرت ترجمته الى نحو عشرين لغة، كما ترأس من
1999 الى
2004
البرلمان الدولي للكتّاب الذي اسسه سلمان رشدي، وهو منذ ذلك
الوقت الرئيس
المؤسِّس لـ"شبكة اميركا الشمالية لمدن اللجوء" التي تحاول ايجاد اماكن
لاستقبال
الكتّاب المهدّدين.
النهار اللبنانية في 24
يناير 2008
|