ثمة ملاحظة تتعلق بدور الناقد السينمائي بالعلاقة مع الإنتاج
الوطني للأفلام، تشير إلى أن الناقد السينمائي محكوم بارتباط وظيفة النقد
بشروط صناعة السينما ذاتها من ناحية، وبوجود أو عدم وجود هذه الصناعة في
المجال الوطني المحلي الذي يعيش ضمنه الناقد وينتمي إليه حضارياً، من ناحية
ثانية. والمقصود بهذا أن عمل الناقد السينمائي لا يمكن أن يكتمل كما يجب
إلا ضمن مناخ تتوفر فيه حركة سينمائية محلية نشيطة متعددة الجوانب. وفيما
يخص النقاد السينمائيين، وتحديدا، في الدول التي لا يوجد فيها إنتاج وطني
للسينما، فإن عدم وجود حركة إنتاجية للأفلام السينمائية، خاصة الأفلام
الروائية الطويلة، يفرض على النقاد بعض الأحيان الانشغال بتحقيق مهمات تقع
خارج نطاق تحليل الأفلام، مهمات ترتبط بدور للناقد في مجال الإسهام في
توفير الظروف المساعدة لخلق حركة سينمائية ذات فاعلية، سواء من حيث إنتاج
الأفلام وعرضها أو من حيث نشر الوعي العام بفن السينما.
قد يسأل سائل هنا: ما هي موجبات العلاقة بين ممارسة النقد
السينمائي؟ بمعنى النقد المرتبط بعرض وتحليل الأفلام، وبين وجود إنتاج محلي
وطني للأفلام، طالما أن صالات السينما التجارية والقنوات التلفزيونية تعرض
باستمرار أفلاماً جديدة، وطالما أن هناك إمكانية واسعة للكتابة عن الأفلام
المستوردة المتاح رؤيتها لعموم الناس في المجال الجغرافي الذي يمارس فيه
الناقد نشاطه النقدي وذلك بغض النظر عن جنسيتها وعن مصدرها الإنتاجي، أي
بغض النظر عن كونها أفلاماً “أجنبية”، خاصة أن بعض هذه الأفلام يعرض
مصحوباً بدعاية مشوقة تدفع الجمهور لمشاهدتها وبالتالي تلقى هذه الأفلام
رواجاً واسعاً، أو أنها قد تطرح أفكاراً أو قد تثير قضايا يهتم بها الجمهور
المحلي لسبب أو لآخر؟ علماً أن غالبية الأفلام السينمائية التي تعرض في
الصالات التجارية العامة مجرد سلع فيلمية استهلاكية تعتمد على التشويق
وتهدف إلى الترفيه، ولا ترقى في غالبيتها إلى مستوى يجعلها هدفا للكتابة
التحليلية.
وإذ لا يختلف اثنان على أهمية السينما وعلى الدور الذي تلعبه
في حياة الشعوب، بخاصة من حيث علاقة السينما بالواقع والقدرات المميزة لها
في التعبير عن واقع وحضارة الأمم فإن الكثير من دول العالم النامي تفتقر
إلى صناعة سينمائية، وبعضها لا يوجد فيه أي إنتاج وطني للأفلام السينمائية
التي يمكن أن تثير القضايا التي تهم المجتمع وأن تعكس هويته الحضارية.
ولهذا يصبح مطلب إقامة صناعة سينمائية، أو في أقل تقدير، تشجيع إنتاج
الأفلام السينمائية الوطنية التي تعكس تراث وواقع والهوية الوطنية لأية امة
مطلباً ينادي به كل من يرفض التخلف عن إنجازات العصر الحديث.
يستدعي الإقرار بالدور الاجتماعي التنويري للسينما إعادة تعريف
دور النقد ودور، أو بالأحرى رسالة الناقد السينمائي، فبدلا من تعريف الناقد
كوسيط بين الفيلم والجمهور وتعريف النقد بوصفه مجرد عملية تفسير وتحليل
للأفلام، يمكن تعريف النقد بأنه الرابطة التي تجمع بين السينما والمجتمع
والتي يلعب فيها الناقد دور صلة الوصل والمنشط لهذه الرابطة إضافة إلى
تحميلها بالوعي، وعي السينما (السينما الوطنية) تجاه الواقع وقضاياه، ووعي
الجمهور تجاه السينما باعتبارها فكراً وفناً وليس مجرد وسيلة ترفيه.
هذا الدور الذي يفترض أن يلعبه النقد من خلال جهود الناقد
السينمائي لا يمكن أن يصبح فاعلا على صعيد المجتمع ومتفاعلاً معه، وأن يسير
في الاتجاه الصحيح وأن يسهم في تطوير مستوى السينما الوطنية فكرا وفنا
وتطوير وعي وذوق جماهير السينما باتجاه الاستقبال الإيجابي لأفلام تسعى لأن
تكون جادة وذات قيم فكرية وفنية، في حال ما اقتصر عمل الناقد على تحليل
الأفلام “الأجنبية” التي، حتى وإن كانت مواضيع بعضها وأفكارها والقضايا
الاجتماعية التي تثيرها لا تخلو من قيمة أو من عمق، إلا أنها تظل مرتبطة
بهموم واهتمامات مجتمع آخر، مجتمع مختلف من حيث مشاكله واحتياجاته وقيمه
وتقاليده وعاداته وثقافته ومستوى تطوره الاقتصادي. كما أن هذا الدور لا
يمكن أن يصبح مؤثراً إن اكتفى بالممارسة التقليدية للكتابة النقدية عن
الأفلام في وسائل الإعلام المطبوعة، فبمقدور الناقد أن يفعل أكثر من ذلك،
هذا إن كان ناقداً مؤهلاً فعلاً، فالناقد في مثل هذه الحال لا يعود مجرد
صحافي يكتب عن الأفلام، بل يعطي لنفسه وظيفة أكثر توسعا تتمثل لا فقط في
تنمية الأذواق وتوعية المشاهدين ونشر المعرفة أو أن يتحول الناقد إلى مخرج
للأفلام، بل تتعدى ذلك لتحول الناقد إلى مشارك في آلية صناعة الأفلام
وتوجيهها في الاتجاه الصحيح.
الخليج الإماراتية في 9
فبراير 2008
|