تقوم دراما فيلم حسن طيارة علي حواديت وحكايات الشاطر حسن(
خالد النبوي), الشاب الذي تخرج في الجامعة من كلية الحقوق, ويعاني من
البطالة, وحتي ينفق علي اسرته( أمه وشقيقه) يقرر أن يعمل سائق
ميكروباس.. وهو يملك طاقة حب تجعله رومانسيا, وسائقا بارعا, ومحاميا
داهية اذا منح الفرصة, وشهما ومكافحا.. باختصار نحن امام شاب مثالي في
مجتمع غير مثالي!..
الفيلم نفسه مثالي أراد أن يقرأ الواقع كما حدث في سواق
الأتوبيس أو في ليلة ساخنة من خلال سائق التاكسي ـ كلاهما للمخرج عاطف
الطيب ـ ولكن من خلال سائق ميكروباس, وعلي طريقة الفيديو كليب لقطة من
هنا وأخري من هناك, فخرج الفيلم مبتورا!.
جمع فيلم حسن طيارة بين الحب والسياسة.. أما الحب فقد شاهدنا
مولده عندما أراد اثنان من الشبان العابثين مطاردة ملك( رزان)
وصديقتها( جيهان قمري), ولكن حسن تدخل ووقف حائلا, وقد طارد
بالميكروباس سيارة الشابين.. وهنا تولد الحب في قلب ملك وقررت الا تترك
هذا الفتي الشجاع النبيل!.. ومن خلال قصة الحب هذه التي تولدت بسرعة
انتقلنا مباشرة إلي السياسة, لأن ملك هذه ابنة وزير( عزت ابوعوف)
ويسعي للزواج منها رجل أعمال تخصص في شراء شركات القطاع العام( خالد
الصاوي), وطبعا هذا الأخير لن يسمح لشاب عاطل ويعمل سائق ميكروباس بان
يأخذ ابنة الوزير منه, فيطلب من البلطجية الذين يعملون عنده حرق
الميكروباس.. ولا يستغرق الامر سوي مشهد واحد فقط يتم فيه حرق الميكروباس.
ويبدو أن مسألة حرق الميكروباس هذه ليست مهمة, حيث تستمر
الاحداث بعيدا عنها, وتنجح ملك في توظيف حسن عند محام كبير, ويثبت هذا
الأخير جدارته.. ولكن والدها الوزير يتدخل لاستبعاده, لانه غير موافق
علي زواج ابنته من هذا الشاب الشعبي الفقير, والذي ينتسب لطبقة غير
طبقته.. وهنا تتحرك رغبة حسن في الانتقام من الوزير ورجل الأعمال ايضا..
ويقرر العمل بالمحاماة ليقف في وجه سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام,
ويقف مع العمال الذين تم اجبارهم علي المعاش المبكر, ويحاول اثبات تلاعب
المسئولين الذين يعملون مع الوزير باعداد مستندات تفيد بان الشركات خاسرة
من أجل بيعها بمبالغ أقل من قيمتها بكثير لرجل الأعمال( خالد الصاوي)
الذي يقوم برشوة الجميع.. وتقف ملك مع حسن في قضيته بوصفها مذيعة لطرح
قضية العمال.. الخ.
مشكلة فيلم حسن طيارة انه تعامل بخفة شديدة في معالجة الاحداث,
ليست السياسية فقط وانما العاطفية ايضا.. فقصة الحب جاءت مبتورة وكأنها
قدر لافكاك منه, والمواقف نفسها اثبتت ان ملك بنت الذوات وابنة الوزير
راق لها حسن لان مثل لعبة مسلية تجعلها تقف فوق سطح في حي فقير, وتاكل
طبق كشري!.. ولم يناقش الفيلم طبعا التطور السياسي الذي حدث في المجتمع
وادي إلي الاتجاه نحو الرأسمالية والخصخصة واكتفي باعتراض بعض العمال!..
ايضا جعل الفيلم من بطله سوبرمان استطاع ان يتصدي لعشرة رجال اقوياء(
بودي جارد) لانقاذ حبيبته المخطوفة من رجل الأعمال, بينما وقف وفي
عينيه الدموع عندما احترق الميكروباس( مصدر رزقه وحياته) دون اي
مقاومة!
لقد اراد الفيلم ان يقول اشياء كثيرة, ولكن للأسف لم يقل أي
شيء.. واراد ان يعيد للشاشة رومانسية مفقودة, فتعامل معها بسذاجة
شديدة.. وكانت رزان في شخصية ملك غير موفقة, فقد خرج الامر وكأنه
استعراض لفتاة جميلة, وليس رصدا لمشاعر جميلة!.. وقد بذل خالد النبوي
جهدا واضحا ليجعل للشخصية المثالية ملامح ونبضا ولكن سيناريو وحوار مصطفي
السبكي لم يسعفه, وجاء أداء خالد الصاوي شديد المبالغة بدون مبرر.. اما
عزت ابوعوف( الوزير) فقد تعامل مع الشخصية والفيلم بوصفه أحد موظفي
التمثيل في السينما المصرية.
صنع المخرج سامح عبدالعزيز فيلما لاهثا ينتقل بين الاحداث دون
ان يتأملها, واسرع حينما كان يجب ان يبطيء( مشاعر الحب), واستغرق في
التفاصيل عندما كان يجب ان يسرع( مشاهد الاكشن), وانتقلت كاميرته في
الشوارع دون ان ينقل نبضها.. ورغم أن هذا فيلمه الرابع, فإنه لم يستطع
ان يقول انا هنا حتي الآن.
فيلم حسن طيارة لا مانع من ان تشاهده, ولكن لن تستمتع به
بدرجة كافية, فهو مثل الميكروباس الذي يعمل البطل سائقا له: يسرع
فجأة, ويتوقف فجأة.. وزبونه ومؤلفه ومخرجه يتعجلون قطع المشوار حتي
يلحقوا برحلة أخري وزبائن اخرين!!.
الأهرام اليومي في 20
فبراير 2008
|