فيلم (الرجل الثالث - 1995) من بطولة أحمد زكي وليلى علوي ومحمود حميدة.
وكان قد جذبنا الى مشاهدة هذا الفيلم، أسماء نجومه ومخرجه. فهذه الأسماء
لها في ذاكرتنا تاريخ فني حافل بالأفلام الرفيعة المستوى.
وفيلم (الرجل الثالث) كان خيبة كبيرة لنا، حيث لم يغفر للفيلم إشتراك تلك
الأسماء فيه. فقد كنا ننتظر فيلماً لأحمد زكي، هذا الفنان الذي عودنا على
الدقة في إختيار أدواره. فأمتعنا بأفلام كبيرة. كما كنا نتوقع فيلماً
للمخرج علي بدرخان يضيف به رصيده الفني المتميز الذي عهدناه له. إلا أن كل
توقعاتنا هذه قد باءت بالفشل. وصرنا أمام فيلم ذو مستوى أقل من العادي.
فالمخرج علي بدزخان فنان مصري جاد، له خصوصيته كفنان متميز، وله حضوره
الفني بين أساتذته وزملائه المخرجين.. محاولاً الصمود أمام مغريات السينما
التجارية وشروطها.. هذا الصمود الذي إستمر أكثر من عشرون عاماً. طوال
مسيرته السينمائية، والتي لم تثمر ـ بالرغم من طولها ـ سوى سبعة أفلام
روائية طويلة.. (الحب الذي كان ـ الكرنك ـ شيلني وأشيلك ـ شفيقة ومتولي ـ
أهل القمة ـ الجوع ـ الراعي والنساء).
وهو الفنان الذي إستطاع، وبهذا الإنتاج القليل، إثبات موهبته وقدراته
الفنية، وليصبح من بين أهم مخرجي السينما المصرية. كما أنه يتميز بشكل واضح
بالتدقيق الشديد في إختيار موضوعات أفلامه، ذات الصفة الإجتماعية والسياسية
والجماهيرية في نفس الوقت، ويبذل جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في إعدادها
وتجهيزها قبل التصوير وبعده. إضافة الى توظيفه لكافة أدواته الفنية
والتقنية للتعبير عن المضمون السينمائي بطبيعية غير مفتعلة، مبتعداً بذلك
عن الإبهار الفني كهدف أساسي، بل هو جزء لا ينفصل عن عملية تجسيد المضمون،
على مستوى اللقطة والمشهد والفيلم بشكل عام.
ففي عدد سابق من مجلتنا هذه، كنا قد تناولنا فيلمه قبل الأخير (الراعي
والنساء)، ذلك الفيلم الأخاذ الذي نجح فيه بدرخان من تقديم نسيخ من المشاعر
والأحاسيس التي غلفها بقدر كبير بالتفاصيل الصغيرة التي ساهمت كثيراً في
تطور الدراما، من غير السقوط في براثن الميلودراما الفجة. معبراً عن مشاعر
شخصياته من خلال بناء بصري أخاذ، كان للكاميرا دوراً كبيراً في خلق روح
شاعرية تناغمت مع الموسيقى ذات التعبير الدرامي والمونتاج المتميز بالإيقاع
الحيوي والمزج الناعم الذي حافظ على وحدة الإيقاع داخل اللقطة والمشهد.
هذا هو بدرخان الذي نعرفه.. مخرج فنان يحترم السينما ووظيفتها، كما يحترم
في المقام الأول عقلية وذوق المتفرج الذي يخاطبه. فماذا حصل لمخرجنا علي
بدرخان في فيلمه الأخير (الرجل الثالث). فهو في هذا الفيلم يتنازل عن تميزه
الفني وأسلوبه السينمائي الذي جسده في أفلامه السابقة. إذن دعونا نرى ماذا
قدم لنا بدرخان في فيلمه الأخير.
يحكي فيلم (الرجل الثالث) عن الطيار في شركة البترول كمال (أحمد زكي). الذي
يعاني من أزمات العصر المادية، ويحاول أن يكون أباً صالحاً لإبنه ذو السبعة
أعوام من مطلقته المتطلعة الى مستوى معيشي غير عادي. يتعرف على رستم (محمود
حميدة) رجل الأعمال، وعشيقته سهام (ليلى علوي). يتورط الكابتن كمال مع رستم
وعشيقته في عملية مشبوهة، ينقل له بطائرته شحنة مخدرات متجاوزاً شرطة خفر
السواحل، مقابل نصف مليون جنيه. ولأن كمال كان ظابطاً سابقاً في الجيش شارك
في حرب العبور، فهو يبلغ الشرطة ويتفق مع المخابرات ويتعاون معهم في القبض
على العصابة. وبالفعل ينجح الكابتن كمال في هدفه، بعد مجموعة من الأحداث
والمشاهد الدرامية وغير الدرامية. كما أن السيناريو لا ينسى من إيقاع كمال
في حب سهام، تلك المرأة التي يملكها رستم بقلبه وفلوسه، فهي فرصة لا تعوض
بالنسبة للكاتب. وهذا بالضبط كل ما يقوله الفيلم.
فالسيناريو، الذي كتبه السيناريست المخضرم يوسف جوهر عن قصة للواء محمد
عباس، سيناريو تقليدي، لم يقدم جديداً في فكرته، ولا حتى في طريقة المعالجة
الدرامية لهذه الفكرة. هذا إضافة الى أنه قد أخفق في تقديم الكثير من
التبريرات لتصرفات شخصياته. فمثلاً رجل الأعمال رستم يبدو لنا في أول ظهور
له على الشاشة بأنه إنسان شريف يصر على إعدام شحنة دجاج فاسد كلفته مبلغ
250 ألف جنيه. مع أن المشهد التالي مباشرة يظهره بأنه قد خسر في صفقة
مخدرات كبيرة كلفته خمسة ملايين جنيه. فالمشهد الأول ليس له ضرورة درامية
تماماً، ولا يضيف كثيراً الى الشخصية.
كما أن هناك مشاهد وأحداث، كانت زائدة على الفكرة الرئيسية، وفي الإمكان
الإستغناء عنها. مثل شخصية إبن الكابتن كمال الصغير، الذي جاء فقط لتبرير
إحتياج الأب للفلوس، ومن ثم تبرير إشتراكه مع العصابة. ولا يستوعب الفيلم
تلك المشاهد الطويلة التي تظهر الإثنين في كل مكان. كذلك حكاية الكابتن
كمال وعلاقته الغرامية بسهام (ليلى علوي)، والتي كانت غير مبررة، وجاءت
لإعطاء رونق رومانسي على الفيلم الذي لا تتحمل فكرته شيء من هذا القبيل.
أما بالنسبة للإخراج، فلم يكن بالمستوى المتوقع من مخرج كعلي بدرخان. فقد
حاول بدرخان ـ قدر الإمكان ـ من إنتشال الفيلم من الضعف الدرامي الذي يتصف
به. بتقديم مستويات جمالية في تكوينات الكادر، وإختيار زوايا الكاميرا
وحركتها. مع مونتاج سريع ومتناسب أحياناً، وبطيء ممل في كثير من الأحيان.
أما الموسيقى فلم ترتقي الى إبداع الفنان راجح داود، الذي عهدنا موسيقاه
العملاقة في تجاربه السابقة. كذلك التمثيل، الذي لم يكن أكثر حظاً من
العناصر الفنية الأخرى. فلم يكن أحمد زكي بنفس التألق الذي ظهر به في
أفلامه السابقة. فكان دوره في هذا الفيلم دوراً عادياً، لم يضف الى رصيده
الفني أي جديد. وكذلك بقية الممثلين. |