نزوة

إنتاج عام 1996

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

أحمد زكي+ يسرا + شيرين رضا

سيناريو وحوار: بشير الديك ـ تصوير: محسن نصر ـ موسيقى: ياسر عبدالرحمن ـ مونتاج: سعيد الشيخ ـ إنتاج: كوريكت للسينما

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 

نزوة

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

كانت الخيبة كبيرة، بعد مشاهدتنا لفيلم (نزوة ـ 1996)، فقد كنا في إنتظار أن يطرح في سوق الفيديو منذ فترة طويلة. وكنا في لهفة أيضاً لمشاهدة فيلم للمخرج علي بدرخان.. فيلم جديد يعوضنا عن فيلمه الذي قبل (الرجل الثالث) والذي لم يرقى الى مستوى هذا المخرج الكبير. بل وزادت لهفتنا عندما قرأنا على ملصق الفيلم بأن كاتب السيناريو والحوار هو بشير الديك، صاحب فيلم (سواق الأتوبيس). 

فالإثنان، بدرخان والديك، قمتان من قمم الفن المصري، فكيف سيكون فيلم يحمل توقيع الإثنان معاً.. لابد أن يكون فيلماً رائعاً، ينتقل بنا الى عوالم من الخيال والجمال.. ويعيد إلينا عطر وسحر أفلام الإثنين أيام زمان. وما إن توالت اللقطات والمشاهد الأولى من فيلم (نزوة)، حتى بدأت الخيبة تجتاحنا.. حيث بدأت تمر على الذاكرة ـ بشكل سريع ـ لقطات مشابهة من فيلم آخر أمريكي الجنسية، إسمه بالتحديد (جاذبية قاتلة)، إنتاج عام 1987، بطولة مايكل دوجلاس وجلين جلوز وآن آرثر، ومن إخراج أدريان لين. أما في فيلم بدرخان هذا، فقد قام أحمد زكي ويسرا وشيرين رضا، بتقمص أدوار الأمريكان الثلاثة بالترتيب السابق.

والغريب في الأمر بأن صناع فيلم (نزوة) لم يذكروا الأصل الأمريكي في تترات المقدمة، حيث ذكر بأن كاتب السيناريو والحوار هو بشير الديك.. هذا بالرغم من أن رسم الشخصيات والأحداث في فيلم (نزوة) عبارة عن صورة منقولة عن الفيلم الأمريكي، بل إنها صورة مهزوزة أيضاً لذلك الفيلم الذي حقق نجاحاً تجاريا كبيراً عند عرضه، بل ورشح لنيل ست جوائز أوسكار (أفضل فيلم ومخرج وممثلة وممثلة مساعدة وسيناريو ومونتاج).

في فيلم (نزوة) نحن أمام إمرأة جميلة وجذابة إسمها ندى (يسرا)، ولكنها متقلبة المزاج وصعبة المراس. نتابعها وهي تسعى وراء هدف واحد إستحوذ على كيانها تماماً، ألا وهو جريها وراء المهندس الشاب صلاح (أحمد زكي)، حيث وجدت الأمان والدفء بين أحضانه خلال نزوة عابرة، بعد أن دفعته لقضاء ليلة في شقتها أثناء غياب زوجته صفاء (شيرين رضا) في إجازة قصيرة عند والديها.

تتحول هذه النزوة الى كابوس يطارد صلاح في كل مكان، فندى تسعى الى علاقة أبدية رغم محاولة صلاح إقناعها بأنه يحب زوجته وإبنته، وهي لا تريد أن تقتنع بذلك، بل وتفاجئه بأنها حامل منه، وترفض طلبه في إجهاض نفسها. وحتى عندما يحاول إمتصاص نار وضراوة الغضب في داخلها وإقناعها بالزواج منها عرفياً ليصبح أباً لطفلها، تسخر منه وتبدأ في مطاردته في كل مكان. وأمام هذا الوضع الحرج الذي وجد صلاح نفسه فيه، يضطر في أن يصارح زوجته بالحقيقة، تاركاً لها البيت وهي مصدومة من خيانته هذه. أما ندى فتستمر في مطاردتها لصلاح وأسرته، مما تضطره لمحاولة قتلها، فتدخل المستشفى لتكتشف بأنها أجهضت من جراء هذا الحادث، فتحاول أن تنتحر ولكنها تفشل، وتقرر الإنتقام من صلاح، فتقوم بخطف إبنته وتحاول قتل زوجته، إلا أن الفيلم ينتهي بمعركة دامية يشترك فيها الثلاثة، لتنتهي بندى الى إحدى المصحات النفسية.

هذا هو ملخص لاحداث فيلم (نزوة) الذي الذي إحتوى على مشاهد كاملة منقولة من الفيلم الأمريكي. إضافة الى أن ما قدمه كاتب السيناريو من إضافات قد أفقدت الفيلم الكثير من مغزاه وحولت الموضوع من "نزوة" الى "علاقة" كان يمكن أن يكتب لها الإستمرار في ظل ظروف أخرى. فبدلاً من إختصار الفترة التي تجمعهما في الفراش لتكون ليلة واحدة في الفيلم الأمريكي، يظل صلاح يمرح مع ندى على إمتداد غياب زوجته ما يقرب من أسبوع يستسلم فيه لنزواتها ويشاركها الفراش في لقطات فاضحة تقوم هي بتصويرها. هنا نشعر بأن السيناريو تجاهل النموذج المثالي للنزوة، تلك اللحظة الخاطفة التي تتفجر من الأعماق أمام جاذبية المظهر، والتي تدمر كل شيء من أجل لحظات عابرة.

ولأن شخصية البطلة في الفيلم الأمريكي غريبة عن مجتمعنا، يحاول كانب السيناريو أن يضفي على شخصية ندى تأثيرات سلوكية. فنحن أمام إمرأة عاشت معظم حياتها في أمريكا ولم تعد الى مصر إلا منذ ثلاث سنوات.. لم تنعم بالإستقرار والأمان هناك.. تتأزم حالتها النفسية بعد وفاة والدتها وزواج والدها من أخرى أمريكية.. تقرر العودة الى مصر مع أول رجل يطلب الزواج منها.. بعد سنوات تنفصل عنه أيضاً لعدم شعورها بالأمان معه. كلها ظروف أحاطها السيناريو بالشخصية ليضفي عليها بعض المصداقية، إلا أنه لم ينجح في ذلك بإعتبارها لا تبرر تلك التصرفات الغريبة على المرأة الشرقية، التي جسدتها يسرا على الشاشة.

أما إذا أردنا أن نقيم فيلم (نزوة) بعيداً عن الأصل الأجنبي، فإننا سنتابع فيلماً قوياً ذو جاذبية خاصة، يمتاز إخراجه بالتشويق والذكاء في إختيار اللقطات الكبيرة والمتوسطة التي ترصد إنفعالات الشخصيات وصراعها، إضافة الى نجاح المونتاج في تتبع ردود أفعال الشخصيات. ثم هناك الأداء التمثيلي المذهل من يسرا، حيث تقدم في هذا الفيلم واحداً من أفضل أدوارها في السنوات الأخيرة. فقد نجحت في إنتشال الشخصية من الترهل في بعض مراحلها، وبقيت واعية بكل تفاصيلها. كما نجحت شيرين رضا في أن تكون ربة الأسرة الجذابة والواعية لمتطلبات زوجها وإبنتها، إلا أنها فشلت في إقناعنا ـ وهذا ضعف في السيناريو ـ في أن تكون الصحفية الواعية. أما نجمنا الكبير أحمد زكي فلم يحقق تواجده الحقيقي إلا مع إحساسه بمحاصرة ندى له ولأسرته.

هذا هو علي بدرخان في فيلمه الأخير.. بدرخان آخر غير الذي عرفناه في سنوات السبعينات والثمانينات.. سنوات الإزدهار الكمي.. فقد عرفناه مخرجاً له خصوصيته كفنان متميز، وله حضوره الفني بين أساتذته وزملائه المخرجين.. صامداً أمام مغريات السينما التجارية وشروطها.. هذا الصمود الذي إستمر أكثر من عشرون عاماً.. طوال مسيرته السينمائية.. التي لم تثمر ـ بالرغم من طولها ـ سوى سبعة أفلام روائية طويلة.. وهو الذي إستطاع، وبهذا الإنتاج القليل، إثبات موهبته وقدراته الفنية، ليصبح من بين أهم مخرجي السينما المصرية.. عرفناه متميزاً بالتدقيق الشديد في إختيار موضوعات أفلامه، ذات الصفة الإجتماعية والسياسية والجماهيرية في نفس الوقت، باذلاً جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في إعدادها وتجهيزها قبل التصوير وبعده. 

هذا هو بدرخان الذي نعرفه.. مخرج فنان يحترم السينما ووظيفتها.. ويحترم في المقام الأول عقلية وذوق المتفرج الذي يخاطبه. فماذا حصل لمخرجنا بدرخان في فيلميه الأخيرين (الرجل الثالث) و(نزوة).. حيث نراه يتنازل عن تميزه الفني وأسلوبه السينمائي الذي جسده في أفلامه السابقة، وتتغير مصادره عندما يجنح لمتطلبات السوق.. ففيلمه (الرجل الثالث) يأتي ليحكي قصة بوليسية مستهلكة، و(نزوة) يأتي من أصل أجنبي يبتعد كثيراً عن الواقع العربي.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004